المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الركن الرابع: الركوع - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٣

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الركن الأول التكبير

- ‌[الركن الثاني: القيام]

- ‌الركن الرابع: الركوع

- ‌ شرائط الصلاة

- ‌الشرط الأول: الطهارة عن الحدث

- ‌[الشرط الثاني: طهارة النجس]

- ‌الشرط الثالث ستر العورة

- ‌الشرط الرابع: ترك الكلام…إلى آخره

- ‌الشرط الخامس: ترك الأفعال

- ‌ السجدات

- ‌سجدة السهو:

- ‌ سجدة التلاوة

- ‌ سجدة الشكر

- ‌ صلاة التطوع

- ‌كتاب الصلاة بالجماعة

- ‌الفصل الأول: في فضلها

- ‌الفصل الثالث: في شرائط القدوة

- ‌كتاب صلاة المسافرين

- ‌الباب الأول في القصر

- ‌الباب الثاني في [الجمع]

- ‌كتاب الجمعة

- ‌الباب الأول في شرائطها

- ‌الباب الثاني فيمن تلزمه الجمعة

- ‌الباب الثالث في كيفية إقامة الجمعة

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ القول في التكفين

- ‌ القول في الدفن

- ‌ القول في التعزية

- ‌باب تارك الصلاة

- ‌كتاب الزكاة

- ‌زكاة الغنم

- ‌باب صدقة الخلطاء

- ‌الفصل الأول: في حكم الخلطة

- ‌الفصل الثاني: في التراجع

- ‌الفصل الثالث: في اجتماع الخلطة والانفراد [في الحول الواحد]

- ‌زكاة المعشرات

- ‌الطرف الأول: في الموجب:

- ‌الطرف الثاني: في الواجب

- ‌الطرف الثالث: فى وقت الوجوب

- ‌ زكاة النقدين

- ‌ زكاة التجارة

- ‌ زكاة المعدن والركاز

الفصل: ‌الركن الرابع: الركوع

الإجماع عليه، إلا أنه قيده بالوتر الواقع عقب التراويح، واقتضى كلامه الإسرار فيما عداه، ورأيت في "ما لا يسع المكلف جهله" ما هو كالصريح فيه.

الأمر الثانى: أن النووي قد ذكر في "التبيان" ما حاصله تصحيح الإسرار في النوافل الليلية على عكس ما قاله في "الروضة" فقال فيه ما نصه: واختلف أصحابنا في نوافل الليل فالأظهر: أنه لا يجهر.

والثاني: يجهر.

والثالث: وهو اختيار البغوي يقرأ بين الجهر والإسرار. انتهى كلامه.

وجزم في "الروضة" في كتاب الحج بأن ركعتي الطواف تصلى في الليل جهرًا وفي النهار سرًا، وهذا أيضًا مخالف لكل من الموضعين المتقدمين.

‌الركن الرابع: الركوع

قوله: وأقل الركوع أن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه إلى آخره.

ثم قال: وفي لفظ: الانحناء إشارة إلى أنه لو انخنس وأخرج ركبتيه، وهو مائل منتصب لم يكن ذلك ركوعًا، وإن صار بحيث لو مد يديه لنالت راحتاه ركبتيه. انتهى.

والمائل بالثاء المثلثة هو المنتصب، يقال: مثل بين يديه بالفتح مثولًا أي انتصب قائمًا.

ومنه قيل لمنارة المسرجة: ماثلة، ومثل بالأرض، أي: لصق بها، فهو من الأضداد، قاله الجوهري.

قال: والراحة الكف، والجمع راح بغير تاء. وتعبيرهم بالراحة يشعر بعدم الاكتفاء بوصول الأصابع وفيه نظر.

ص: 72

قوله: والكلام في أكمل الركوع يقع في جملتين:

إحداهما: في هيئته وهي: أن ينحني بحيث يستوي ظهره، وعنقه ويمدها كالصفيحة الواحدة، وروي أنه صلى الله عليه وسلم نهى التذبيح في الصلاة (1)، وهو أن يبسط ظهره ويطأطأ رأسه، وهذا اللفظ يذكر بالدال وبالذال، والأول أشهر. انتهى كلامه.

ذكر مثله في "الروضة"، ولم يتعرضا لكراهة مخالفة ذلك مع أنها مكروهة، فقد قال الشافعي في "الأم": فإن رفع رأسه عن ظهره أو ظهره عن رأسه، أو جافا ظهره حتى يكون كالمحدوب كرهت له ذلك، ولا إعادة عليه. هذه عبارته.

وقد ذكره أيضًا في "المنهاج" قبيل سجود السهو إلا أنه قيد الكراهة بالمبالغة في خفض الرأس، وكلام الشافعي يدفعه.

والصفيحة -بفاء مسكورة بعدها ياء- إحدى ألواح الباب، والجمع صفائح، قاله الجوهري.

والتذبيح بالحاء المهملة، والمعجمة، كذا قاله الجوهري.

وشرط في تفسيره أن يقتب ظهره، أي: يقوسه ويجعله كالقبة فإنه قال: يقال: ذبخ الرجل تذبيخا إذا قتب ظهره وطأطأ رأسه بالحاء، وبالخاء. هذا لفظه، وهو يخالف ظاهر تعبير الرافعي "بالبسط"، وقول الرافعي، والأول أشهر أي الدال المهملة، فإن الجوهري قد أورده في فصلها [لا في الفصل](2) المعقود للذال المعجمة.

وكان الرافعي قد استغنى عن التصريح بتقديم ما هو مقدم في اصطلاحهم، وهو المهملة.

(1) تقدم في حديث علىّ رضي الله عنه، وروي من حديث أبي سعيد أيضًا.

(2)

سقط من جـ.

ص: 73

قوله: ويستحب أن يكبر للركوع لما روي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود (1)، ويستحب أن يبتدئ به في ابتداء الهوي، ثم قال: ويرفع يديه إذا ابتدأ التكبير، انتهى.

وتابعه عليه في "الروضة"، وفيه أمران:

أحدهما: أنه لم يتعرض لظرف الانتهاء، وفي استحباب ما قالوه في الإحرام من انتهائهما معًا نظر، والقياس استواؤهما فيه.

الأمر الثاني: أن كلامه صريح في أنه يأخذ في رفع يديه حال هويه، والمذكور في "شرح المهذب" أنه يهوي عند استكمال الرفع فقال: قالوا: ويبتدأ التكبير قائمًا، ويرفع يديه، ويكون ابتداء رفع يديه وهو قائم مع ابتداء التكبير، فإذا حاذى كفاه منكبيه انحنى. هذه عبارته.

وفي "البيان" و"الإقليد"، و"شرح التنبيه" لابن يونس نحوه أيضًا؛ لكن عبارة "النهاية" وغيرها توهم ما ذكره الرافعي، والصواب خلافه.

قال في "الإقليد": لأن الرفع حال الانحناء متعذر أو متعسر، والحديث المذكور رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وفي الصحيحين نحوه.

قوله: ويستحب أن يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا ركع أحدكم فقال: سبحان ربي العظيم ثلاثًا، فقد تم ركوعه، وذلك أدناه، وإذا سجد فقال في سجوده سبحان ربي الأعلى، ثلاثًا، فقد تم سجوده وذلك أدناه"(2). ثم قال: واستحب بعضهم أن يضيف إليه:

(1) أخرجه الترمذي (253) والنسائي (1083) وأحمد (3660) و (4225) والطيالسي (279) وأبو يعلى (5128) والبزار (1609) من حديث ابن مسعود، والحديث أصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة.

(2)

أخرجه أبو داود (886) والترمذي (261) وابن ماجه (890) والشافعي (156) والدارقطني (1/ 343) وابن أبي شيبة (1/ 225) والبيهقي في "الكبرى"(2520) والطحاوي في "شرح المعاني"(1288) والطبراني في "الدعاء"(541) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال الشيخ الألباني: ضعيف.

ص: 74

"وبحمده"، وقال: إنه قد ورد في بعض الأخبار. انتهى.

تابعه في "الروضة" على نقله عن بعضهم، وليس في كلامهما ما يدل على موافقه هذا القائل، ولا على مخالفته، وقد بينه النووي في أكثر كتبه وأجاب باستحبابه فقال في "شرح الوسيط" المسمى بـ"التنقيح": استحبه الكثيرون أو الأكثرون، وقال في "شرح المهذب": استحبه أصحابنا، قال: وينكر على الرافعي هذه المقالة، وجزم في "التحقيق" باستحبابه.

واعلم أن الإنكار إن توجه على الرافعي كما زعمه فتوجهه عليه في "الروضة" أوجه، والإنكار عليه فيها أبلغ.

والواو في: "وبحمده" واو العطف، التقدير:"وبحمده سبحت" والحديث المذكور رواه أبو داوود والترمذي، وابن ماجة، والشافعي في "الأم" وهو منقطع كما قاله البيهقي، لأن من رواته عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود، وعون لم يلق ابن مسعود، فلهذا عبر الشافعي بقوله: إن كان ثابتًا.

وأما زيادة: "وبحمده" فرواها أبو داوود والدارقطني بإسناد ضعيف. والحكمة في تخصيص "العظيم" بالركوع، والأعلى بالسجود أن الأعلى أفعل تفضيل، والسجود في غاية التواضع، لما فيه من وضع الجبهة التي هي أشرف الأعضاء على مواطئ الأقدام، ولهذا كان أفضل من الركوع فجعل الأبلغ مع الأبلغ.

قوله: وحكى عن "الحاوي" أن أتم الكمال من تسع تسبيحات إلى إحدى عشرة، وأوسطه خمس. انتهى.

وهذا المنقول عن "الحاوي" صحيح، رأيته مذكورًا فيه كما حكاه عنه

ص: 75

الرافعي، وقد أسقطه النووي فلم يذكره في "الروضة"، والتسع بتاء ثم سين، وذكر في "الإفصاح" طريقة متوسطة فقال: يسبح في كل من الركعتين الأولتين إحدى عشرة وفي كل من الأخيرتين سبعًا، وهذا حسن، يؤيده ما سبق في السورة، ويمكن حمل كلام الماوردي عليه.

قوله: والاعتدال ركن في الصلاة، ولكنه غير مقصود في نفسه. انتهى.

وما ذكره من كونه غير مقصود قد وقع التعرض له في ثلاثة مواضع من هذا الكتاب على اختلاف فيها، وستأتي في صلاة الجماعة مبسوطة إن شاء الله تعالى.

قوله: ويستحب أن يبتدئ بقوله: سمع الله لمن حمده، ويرفع الرأس واليدين معًا، وقال ابن كج: يبتدئ بالتسميع قبلها. انتهى مخلصًا.

وهذا الوجه قد ذهل عنه النووي لكونه مذكورًا في الكلام على ألفاظ "الوجيز" فأسقطه من "الروضة" ونقله ابن الرفعة في "الكفاية" على غير وجهه كما أوضحته في "الهداية" فاعلمه.

قوله في أصل "الروضة": فإذا استوى قائمًا قال: ربنا لك الحمد، أو ربنا ولك الحمد ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، ويستوي في استحباب ذلك الإمام والمأموم والمنفرد، ويستحب لغير الإمام، وله إذا رضي القوم أن يزيد فيقول: أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وتكره للإمام هذه الزيادة إلا برضاهم. انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أن ما ذكره في الإمام عند عدم الرضى قد خالفه في "شرح المهذب" فقال: يقتصر على سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، ولا يزيد عليه إلا عند الرضى.

ص: 76

وذكر في "التحقيق" ما يخالف كلامهما، فإنه ذكر ما ذكره في "الروضة"، وزاد عليه: حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، عقب قوله: ربنا لك الحمد، وما ذكره في هذه المسألة غريب جدًا، فإنه ذكر ثلاث مقالات متخالفة وجزم بكل منها.

الأمر الثاني: أن ما ذكره من كون الإمام يأتي به عند رضى المأمومين صحيح، إلا أن الرافعي لم يذكره، وأهمل أيضًا منه شرطًا، وهو أن يكونوا محصورين.

[الثالث](1): استدرك النووي في "زيادات الروضة" فقال: هكذا يقوله أصحابنا في كتب المذهب "حق ما قال العبد [كلنا] "(2)، والذي في صحيح مسلم وغيره من كتب الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:"أحق ما قال العبد"(3).

وكلنا بزيادة ألف في أحق، وواو في كلنا، وكلاهما حسن، لكن ما ثبت في الحديث أولى، وذكر في باقي كتبه ما هو أبلغ منه فقال: الصواب الذي رواه مسلم وسائر المحدثين إثباتهما وإنكاره باطل، ففي رواية للنسائي إسقاطهما.

الرابع: [استدرك](4) الشيخ تاج الدين في "الإقليد" فقال: إن هذا الذكر الوارد في الاعتدال لا يفعل مع القنوت على ما دل عليه ظاهر كلام الشافعي فإنه قال: وإذا رفع رأسه من الركعة الثانية في الصبح، وفرغ من قوله: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، قال وهو قائم: اللهم اهدنا

(1) في أ: قوله.

(2)

في أ، ب: كلها.

(3)

أخرجه مسلم (477) وأبو داود (847) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

(4)

في جـ: استدل.

ص: 77

فيمن هديت؛ وزاده الماوردي بيانًا فقال: محل القنوت إذا فرغ من قوله: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، فحينئذ يقنت.

وهذا [قصد](1) القياس، فإن القنوت إذا ضم إلى الذكر المشروع في الاعتدال طال الاعتدال، وهو ركن قصير بلا خلاف، وعمل الأئمة بخلافه كجهلهم بفقه الصلاة، فإن الجمع إن لم يكن مبطلًا فلا شك في كونه مكروهًا. انتهى كلامه.

وفي الحديث عن سالم عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول: "اللهم العن فلانًا وفلانًا بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد"(2).

رواه البخاري في كتاب التفسير من صحيحه، وظاهره يدل لما ذكره.

ورأيت في "الكافي" للخوارزمي ما يوافقه أيضًا فإنه قال: والقنوت سنة بعد الركوع، والفراغ من قوله: ربنا لك الحمد. هذا كلامه.

نعم إن خالف لم تبطل الصلاة عنده -أي: عند الخوارزمي- فإنه قال: ويكره إطالة القنوت، والرافعي لم يصرح بالكراهة في هذه الحالة بل صحح أن التطويل بالقنوت لا يكون مبطلًا، وحينئذ فيكون الثابت من قول الشيخ تاج الدين المذكور أن التطويل إما مكروه، وإما مبطل، إنما هو الكراهة على تقدير الأخذ بظاهر عبارة هؤلاء، لكن قد رأيت في "التهذيب" للبغوي ما يخالفه فقال: ذهب الشافعي إلى أنه يقنت في صلاة الصبح بعدما رفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية، وفرغ من قوله: ربنا لك الحمد. . . . إلى آخره. هذا لفظه.

(1) في جـ: قضية.

(2)

أخرجه البخاري (3842).

ص: 78

ورأيت في "العدة" للشاشي صاحب "الحلية" نحوه فإنه [نص](1) على أنه يستحب في رفع الرأس أن يقول: ربنا لك الحمد ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت، بعد ثم قال ما نصه: فإن كان في صلاة الصبح قنت بعد [الرفع من](2) الركوع في الركعة الثانية بعد قوله: ربنا لك الحمد، بتمامه. هذه عبارته.

والصواب هو ما ذكره البغوي ومن تبعه، وقال القاضي حسين:[لو](3) طول القنوت زائدًا على العادة كره، وفي البطلان احتمالان.

قوله من زياداته: قال صاحب "الحاوي": يجهر الإمام بسمع الله لمن حمده، ويسر بربنا لك الحمد. انتهى كلامه.

والسبب في جهر الإمام إنما هو الإعلام بالرفع ليرفع المأمومون، ويؤخذ من ذلك أن المبلغ خلف الإمام يسلك هذا المسلك أيضًا.

وقد صرح به النووي في "شرح المهذب" ولم يحك فيه خلافًا فقال: ويجهر المبلغ خلف الإمام بسمع الله لمن حمده، ولا يجهر بربنا لك الحمد، لأنه ليس للانتقال بل هو ذكر للاعتدال فلم يجهر به كسائر الأذكار، هذا كلامه وهي مسألة حسنة [وجهلها انتقاص](4) فينبغي معرفتها، فإن عمل الناس على خلافه.

قوله: وأما ما عدا الصبح من الفرائض ففيها أقوال: أصحها عند المعظم أنه إن نزلت بالمسلمين نازلة من وباء أو قحط قنتوا، وإلا فلا.

والثاني: إن نزلت قنتوا، وإلا يخير.

والثالث: لا يقنتون مطلقًا، ولنا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو

(1) سقط من أ، ب.

(2)

سقط من جـ.

(3)

في أ: و.

(4)

في جـ: وحكمها متعلق.

ص: 79

علي قاتلي أصحابه ببئر معونة ثم تركه (1).

فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا. انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أن ما [ذكرته](2) من الأقوال هو حاصل ما ذكره الرافعي لمن [تأمله](3)، وقد اختصره في "الروضة" بقوله: ففيها ثلاثة أقوال: المشهور أنه [إن](4) نزلت بالمسلمين نازلة كالوباء والقحط قنتوا، وإلا فلا.

والثاني: يقنتون مطلقًا.

والثالث: لا يقنتون مطلقًا. هذه عبارته.

والقول الثاني: وهو القنوت مطلقًا لم يذكره الرافعي بل ذكر عوضه قول التخيير فالتبس عليه.

نعم ذكره ابن يونس شارح "التنبيه" مع وجه آخر، وهو أنه يقنت في الجهرية دون السرية.

الأمر الثاني: أن تقييده بالفرائض مخرج للنوافل إلا أنه لم يبين حكمها، هل هو الكراهة أو عدم الاستحباب؟ وقد نص عليه الشافعي كما نقله عنه في "شرح المهذب" فقال: ولا قنوت في صلاة العيدين، والاستسقاء، فإن قنت عند نازلة لم أكرهه، وإن قنت من غير نازلة كرهته. هذا كلامه، وحاصله أنه لا يستحب، وفي كراهته هذا التفصيل.

الأمر الثالث: أن تعبيره بالمسلمين وتمثيله بالوباء والقحط مشعران بأن المصيبة الخاصة ببعضهم كالأسر ونحوه لا يشرع فيه القنوت له، ولا لغيره، وقد يقال بالمشروعية، ويستأنس بالقصة المذكورة، ويتجه أن يقال: إن كان

(1) أخرجه البخاري (2647) ومسلم (766).

(2)

في جـ: ذكره.

(3)

في أ: تأوله.

(4)

سقط من جـ.

ص: 80

[ضرره](1) متعديًا كأسر العالم والشجاع ونحوهما قنتوا، وإلا فلا؛ وتعبيرهم يقتضيه.

والوباء بالمد: فساد في الهواء أو الماء.

والقحط: الجدب، وأصله احتباس المطر.

يقال: قحط المطر بالفتح، وحكى الفراضية الكسر، يقحط بالفتح أيضًا قحوطا إذا احتبس وأقحط القوم إذا أصابهم القحط، وقحطوا أيضًا على البناء للمفعول قحطًا.

ومعونة من بئر معونة بضم العين المهملة، وبالنون، وهي في ناحية نجد بين أرض بني عامر وجرة بني سليم، وكانت غزوتها في أول سنة أربع من الهجرة بعد أحد بأشهر، والحديث المذكور صحيح كما قاله في "شرح المهذب"، صححه الحاكم، والبيهقي، ورواه الدارقطني من طرق بأسانيد صحيحة، وكان الحامل على القنوت دفع تمرد القاتل، وجبر مصيبة المسلمين فيهم باستخلاف غيرهم لأنهم كانوا من القراء الشجعان [لا](2) النظر إلى المقتولين خاصة لعدم إمكان تداركهم.

قوله: وحكى أبو الفضل بن عبدان عن أبي علي بن أبي هريرة أنه قال: المستحب ترك القنوت في صلاة الصبح إذ صار شعار قوم من الشيعة، إذ [في](3) الاشتغال به تعرض للتهمة. انتهى.

واعلم أن في بعض النسخ "إذ" بصيغة إذ الدالة على التعليل، وفي بعضها "إذا" بصيغة الشرط، وعلى كلا العبارتين فإنه يفيد عند هذا القائل استحبابه إذا زال هذا المعنى.

وذكر في "الروضة" هذا الوجه فقط بدون ما بعده فأخل بشرطه.

واعلم أن هذا الوجه ليس غريبًا كما دل عليه تعبير الرافعي، فإن

(1) في أ: ضرورة.

(2)

في أ، ب: لأن.

(3)

سقط من جـ.

ص: 81

الغزالي في "الوسيط" قد حكاه عنه في الكلام على دفن الميت مع أشياء استحب فيها [أيضًا](1) الترك في زماننا لكونها قد صارت شعارًا للرافضة منها: الجهر بالبسملة، وتسطيح القبر، والتختم في اليمين.

قوله: والقنوت أن يقول: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي، ولا يقضي عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت وتعاليت. هذا القدر يروى عن الحسن بن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه ذلك (2). انتهى.

واعلم أن النووي في "الروضة" لما ذكر هذا اللفظ زاد فيه فاءًا مع "إنك"، وواوًا مع "إنه لا يذل" وزاد "ربنا" بعد "تباركت"، وهكذا ذكره في "شرح المهذب" وغيره، ثم قال: هذا لفظه في الحديث كما رواه أبو داوود والترمذي والنسائي وغيرهم بإسناد صحيح، فيكون هو الاختيار والسنة، إلا أن أبا داود لم يذكر الفاء مع "إنك".

قوله: والإمام لا يخص نفسه بل يذكر بلفظ الجمع. انتهى.

اعلم أن ما ذكره من الجمع قد رواه البيهقي عن ابن عباس، وصححه وعلله في الأذكار بأنه يكره للإمام تخصيص نفسه بالدعاء لقوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤم عبد قومًا ويخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم"(3).

(1) سقط من جـ.

(2)

أخرجه أبو داود (1425) والنسائي (1745) وأحمد (1727) والدارمي (1591) و (1593) وابن خزيمة (1095) وابن حبان (945) والحاكم (4800) والطبراني في "الكبير"(2701) و"الأوسط"(3887) وأبو يعلى (6762) والبزار (1336) وابن أبي شيبة (2/ 95) والبيهقي في "الكبرى"(2957) وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 264) وابن الجارود في "المنتقى"(272) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(416) من حديث الحسن بن علىّ رضي الله عنه.

قال الشيخ الألباني: صحيح.

(3)

أخرجه أبو داود (90) والترمذي (357) وابن ماجه (923) وأحمد (22468) والبيهقي في "الشعب"(11185) والطبراني في "مسند الشاميين"(1042) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(56/ 12، 13) من حديث ثوبان بسند ضعيف.

ضعفه الدارقطني والألباني، وروى من حديث أبي هريرة وأبي أمامة ولا يصح أيضًا.

ص: 82

رواه أبو داوود والترمذي، وقال: حديث حسن، ومقتضى كلام "الأذكار" إطراده في سائر أدعية الصلاة، وبه صرح الغزالي في "الإحياء" في كلامه على التشهد فقال: يقول: اللهم اغفر لنا، ولا يقول: اغفر لي.

فقد كره للإمام أن يخص نفسه بالدعاء، وقال الجيلي شارح "التنبيه": الحكم كذلك في جميع الأدعية، ونقله ابن المنذر في "الإشراف" عن الشافعي فقال: قال الشافعي: لا أحب للإمام تخصيص نفسه بالدعاء دون القوم.

قال ابن المنذر: وثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا كبر في الصلاة يقول قبل القراءة: "اللهم باعد بيني. . . ." إلى آخره اللهم نقني، اللهم اغسلني (1). الدعاء المعروف [وبهذا نقول](2). هذا كلامه.

وعلى هذا فالفرق بينه وبين القنوت أن الجميع مأمورون بذلك الدعاء بخلاف القنوت ومقتضى هذا [الفرق](3) أنه لا يستحب الجمع للإمام في التشهد، ونحوه إلا أن يكون مراد ابن المنذر استثناء دعاء الاستفتاح خاصة.

واعلم أن في جهر الإمام بالقنوت خلافًا يأتي، وإذا قلنا: إنه يسر، فإن المأموم يقنت، وإذا علمت هذا علمت أن جزم الرافعي بالجمع مع حكايته للخلاف في الجهر يقتضي أنه يجمع سواء قنت المأموم أم لا، وذلك يبطل الفرق، ويقتضي استحباب الجمع في سائر الأدعية.

ومما يدل أيضًا عدم تفصيله بين أن يسمع المأموم أو لا يسمع؛ لكن ذكر -أعني: الرافعي- في الكلام على دعاء الاستفتاح أدعية بصيغة الإفراد، ونص على أن الإمام بقوم محصورين يأتي بها أيضًا، والمعتمد عليه هو ما نقله ابن المنذر عن النص.

(1) تقدم.

(2)

في أ، ب: ويبدأ بقول.

(3)

في أ: القنوت.

ص: 83

قوله: وزاد العلماء فيه: "ولا يعز من عاديت" قبل "تباركت وتعاليت"، وبعده "فلك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك".

ولم يستحسن القاضي أبو الطيب كلمة: ولا يعز من عاديت وقال: لا تضاف العداوة إلى الله تعالى، وقال سائر الأصحاب: ليس ذلك ببيعد، قال الله تعالى:{فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} (1). انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن كلامه يوهم أن هذه الزيادة مستحبة، وهو وجه، والراجح خلافه، هكذا ذكره النووي في كتبه فقال في "الروضة": قال جمهور أصحابنا: لا بأس بهذه الزيادة، وقال أبو حامد، والبندنيجي وآخرون: مستحبة، واتفقوا على تغليط القاضي أبي الطيب في إنكار لا يعز من عاديت وقد جاءت في رواية البيهقي، وذكر في "التحقيق" مثله فقال: ولو زادها فلا بأس، وقيل: فحسن، ويقال: لا يقال: من عاديت. هذه عبارته.

الأمر الثاني: أن ما ذكره في توجيه كلام القاضي والرد عليه قد قلد فيه صاحب "الشامل"، وهو خلاف ما ذكره القاضي فإنه قال في "تعليقه": إنه لا يستحب له ذلك لأن "لا" بدل من "واليت" يغني عنها، ولأن الأمر لم يرد بها.

قوله: وهل تسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت؟ فيه وجهان:

أظهرهما: نعم، لأنه يروى في حديث الحسن:"وصلي الله [على النبي وآله] (2) وسلم"، وأيضًا فقد قال تعالى:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} (3) قال المفسرون: أي لا أذكر إلا ويذكر معي. انتهى.

(1) سورة البقرة (98).

(2)

في أ، ب: عليه.

(3)

سورة الشرح (4).

ص: 84

فيه أمور:

أحدها: أن كلامه، وكلام "الروضة" يشعر بأن الصلاة على الآل لا تسن، لكنه قد جزم في "الأذكار" باستحبابها، وباستحباب السلام أيضًا فأما السلام [فسلم](1) للآية، ولهذا قالوا: يكره إفراد الصلاة عن السلام.

وأما الصلاة على الآل فقياسها مما قالوه في التشهد الأول حكمًا وتعليلًا، أنها لا تستحب، بل قد حكى الرافعي في الكلام على التشهد وجهًا أن ذكر الصلاة في القنوت مبطل لكونه نقل ركنًا إلى غير موضعه فالسلام الذي لم يثبت أولى.

الأمر الثاني: أن الرافعي نص على الصلاة فقط، ثم استدل بحديث ذكر فيه الصلاة والسلام، وهذا الحديث الذي استدل به قد رواه النسائي عن الحسن بإسناد صحيح أو حسن، كما قاله النووي في "شرح المهذب" وغيره، إلا أن السلام ليس مذكورًا فيه فإنه قال في آخره: وصلي الله على النبي. هذه صيغة ما رواه بغير زيادة، ولم يذكر النووي في غير "الأذكار" ما نقلناه عنه من استحباب السلام والصلاة على الآل، وقد خالفه فيهما صاحب "الإقليد" فقال: أما ما وقع في بعض كتب أصحابنا من زيادة "وسلم"، وما يعتاده الأئمة الآن من ذكر الآل والأزواج والأصحاب، فكل ذلك لا أصل له.

الأمر الثالث: أن ما نقله عن المفسرين في تفسير الآية قد ثبت في الحديث، وهو ما رواه ابن حبان في "صحيحه" عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل فقال: إن ربي وربك يقول لك: كيف رفعت ذكرك؟ ، قلت: الله أعلم، قال: إذا ذكرتُ ذكرتَ معي (2).

(1) سقط من أ.

(2)

أخرجه ابن حبان (3382) وأبو يعلى (1380) من حديث أبي سعيد.

قال الهيثمي: رواه أبو يعلى وإسناده حسن.

قلت: كيف هذا وفيه دراج عن أبي الهيثم.

ص: 85

الأمر الرابع: أن الرافعي لم يصرح بمحل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم علي القول باستحبابها، ومحله بعد القنوت كما صرح به في "المحرر" و"أصل الروضة"، وقال الطبري صاحب "العدة": لا بأس بها أوله وآخره لأثر ورد فيه.

قوله: ثم مقتضى كلام الأكثرين أن الخلاف -أي: الأقوال الثلاثة السابقة في القنوت- في غير الصبح إنما هو في الجواز، ومنهم من يشعر إيراده بالاستحباب. انتهى.

استدرك عليه في "الروضة" فقال من زياداته: الأصح أن الخلاف في الاستحباب، ونص عليه الشافعي، وذكر مثله في شرح الوسيط المسمى "بالتنقيح"، ولم يذكر غير ذلك.

وقال في "التحقيق" ما نصه: والمختار أن الخلاف في الندب، ونص عليه في "الإملاء"، وقال الأكثرون: في الجواز. انتهى كلامه.

ومقتضاه أن الصحيح الثاني، لأن اصطلاحه كذلك، لاسيما مع تصريحه بأن الأكثرين على خلافه.

قوله: وهل يجهر الإمام بالقنوت في الصبح؟

فيه وجهان: أظهرهما: نعم، لأنه روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: وأما في سائر الصلوات إذا قنت فيها، فإيراده في "الوسيط" يشعر بأنه يسر في السريات، وفي الجهريات الخلاف المذكور في الصبح، وإطلاق غيره يقتضي طرد الخلاف في الكل، وحديث بئر معونة يدل عليه. انتهى.

قال في "شرح المهذب": الصحيح أو الصواب استحباب الجهر. وقال في "الروضة": إنه الراجح، ولم ينبه في "الروضة" على أنه من زوائده، بل أدخله في كلام الرافعي، فتفطن له.

ص: 86

والذي استدل به الرافعي أخرجه البخاري في كتاب التفسير من صحيحه من رواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع وربما قال: إذا قال: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، "اللهم أنج الوليد بن الوليد"، ثم قال في آخره: يجهر بذلك (1).

قوله: فإن قلنا: يجهر الإمام، [فسمعه المأموم] (2) فوجهان: أصحهما: أنه يؤمن، ولا يقنت روى عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت ونحن نؤمن خلفه (3).

والثاني: يتخير بين أن يقنت أو يؤمن.

فعلى الأول وجهان: أظهرهما: أن المأموم يؤمن في القدر الذي هو دعاء، أما في الثناء فيشاركه أو يسكت. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن كلامه يوهم مساواة المشاركة للسكوت، وليس كذلك، بل المستحب المشاركة كذا جزم به في "المحرر" و"المنهاج" و"شرح المهذب" وغيرها.

الأمر الثاني: أن مقتضاه أنه يؤمن أيضًا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأنها دعاء، وفيه نظر يحتاج إلى نقل.

وحديث ابن عباس رواه أبو داود والحاكم، وقال: حديث صحيح

(1) أخرجه البخاري (4284) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

سقط من جـ.

(3)

أخرجه أبو داود (1443) وأحمد (2746) وابن خزيمة (618) والحاكم (820) والبيهقي في "الكبرى"(2919) وابن الجارود في "المنتقى"(198) من حديث ابن عباس.

قال الحاكم: صحيح على شروط البخاري ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ووافقه الذهبي.

وقال الشيخ الألباني: حسن.

ص: 87

على شرط البخاري.

[قوله](1): ولفظ الكتاب، وإن كان مطلقًا في حكاية الخلاف في الجهر فالوجهان في "الأم"، أما المنفرد فيسر به كسائر الأذكار، والدعوات ذكره في "التهذيب". انتهي كلامه.

ذكر مثله في "الروضة" أيضًا، وهذا الذي قاله البغوي سبقه إليه شيخه القاضي الحسين والقاضي الماوردي، وصرح في "التحقيق" بأنه لا خلاف فيه، وذكر نحوه في غيره من كتبه، وإطلاق جماعة يقتضي جريان الخلاف فيه، بل عبر البندنيجي بقوله: ويجهر به المصلى.

قوله: وهل يسن رفع اليدين؟ فيه وجهان:

اختيار أبي زيد، والشيخ أبي محمد، وابن الصباغ، وهو الذي ذكره في "الوسيط": أنه يسن، لما روى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دعوت فادع ببطون كفيك، فإذا فرغت فامسح راحتيك على وجهك"(2).

والثاني: لا، لما روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع [اليد] (3) إلا في ثلاث مواطن: الاستسقاء والاستنصار، وعشية عرفة (4).

وهذا هو الأظهر عند صاحب "المهذب""والتهذيب" واختاره القفال، ومال إليه الإمام. انتهى.

(1) سقط من أ، ب.

(2)

أخرجه أبو داود (1485) والحاكم (1968) والطبراني في "الكبير"(10779) والبيهقي في "الكبرى"(2969) وابن عدي في "الكامل"(4/ 51) من حديث ابن عباس بسند ضعيف، ضعفه أبو داود والألباني.

لكن أخرج أبو داود (1486) والطبراني في "مسند الشاميين"(1639) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2459) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(43/ 55) من حديث مالك ابن يسار السكوني، بلفظ:"إذا سألتم الله فاسألوا ببطون أكفكم" وسنده صحيح.

(3)

سقط من أ، ب.

(4)

قال الحافظ: لا أصل له من حديث أنس.

ص: 88

فيه أمران:

أحدهما: أن الأصح هو الرفع، فقد صححه الرافعي في "المحرر" وعبر بالأظهر، وهو مقتضى كلامه في "الشرح الصغير"، وصححه النووي في "شرح المهذب" و"التحقيق" و"الروضة"، ولم ينبه في "الروضة" على أنه من زياداته، بل أدخله في كلام الرافعي، فتفطن له.

الأمر الثاني: أن السنة لمن دعا لرفع بلاء أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء، ولمن دعا لتحصيل شئ أن يجعل بطنهما إلى السماء.

[قاله](1) الرافعي في باب الاستسقاء: وحديث ابن عباس ضعيف.

قال أبو داود: يروى من غير وجه كلها واهية، وقال البيهقي: لست أحفظ في مسح الوجه هنا عن أحد من السلف شيئًا، وإن كان [يروى عن بعضهم](2) في الدعاء خارج الصلاة فأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت فيه خبر ولا أثر ولا قياس.

والكلام في حكم المسح يأتي، وإنما وقع هذا الكلام استطرادًا لأنه من تتمة حديث الرفع.

نعم روى البيهقي الرفع بإسناد صحيح أو حسن كما قاله في "شرح المهذب" من رواية أنس.

والحديث الثاني الدال على عدم الرفع، صحيح، رواه البخاري (3) وغيره، ولفظ البخاري:"إلا في الاستسقاء"، ولم يذكر غيره.

قوله: فإن قلنا: يرفع، فهل يمسح بهما وجهه؟ وجهان.

قال في "التهذيب": أصحهما لا يمسح. انتهى.

والأشهر في [المذهب](4): استحباب المسح. كذا قاله في "شرح

(1) في أ: قال.

(2)

في ب: المهذب.

(3)

سقط من أ.

(4)

أخرجه البخاري (984) ومسلم (895).

ص: 89

المهذب"، لكنه صحح فيه، وفي باقي كتبه أنه لا يمسح، وصححه أيضًا الرافعي في "المحرر"، وقال البيهقي في "سننه": لأنه لم يثبت فيه خبر ولا أثر ولا قياس.

قال: وإنما روى ذلك في الدعاء خارج الصلاة من رواية ابن عباس بإسناد ضعيف، وورد في الحديث حكمته وهو الإفاضة عليه مما أعطاه الله تفاؤلًا بتحقيق الإجابة.

قوله من زوائده: ولو قنت بآية من القرآن ينوي بها القراءة، وقلنا بالصحيح أنه لا يتعين له لفظ، فإن تضمنت الآية دعاء أو شبهه كان قنوتًا، وإن لم تتضمنه كآية الدين وثبت، فوجهان حكاهما في "الحاوى":

الصحيح: لا يكون قنوتًا. انتهى.

وتعبيره بقوله: "ينوي بها القنوت" يقتضي اشتراط النية في ذلك، لكن الأركان لا تحتاج إلى نية لاشتمال نية الصلاة عليها، فالسنة بطريق الأولى وأيضًا فالقنوت بخصوصه لا يحتاج إلى [إفراده بنية](1)، وقد يقال إن الصلاة لما كانت تقتضي القراءة من حيث الجملة لكونها قرآنًا لم ينصرف منه شئ إلى القنوت إلا بالقصد، وفيه أيضًا نظر، لأن القراءة في الاعتدال [وغيره](2) مما عدا ما قبل الركوع مكروهة.

الركن الخامس: السجود.

قوله: لما روى جابر رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد بأعلى جبهته على قصاص الشعر"(3). انتهى.

(1) في أ: نية.

(2)

سقط من أ، ب.

(3)

أخرجه الدارقطني (1/ 349) ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق"(527).

قال الدارقطني: تفرد به عبد العزيز بن عبيد الله عن وهب، وليس بالقوي.

وأخرجه الطبراني في "الأوسط"(432) وأبو يعلى (2176) وابن أبي شيبة (1/ 235) وتمام في الفوائد (428) وابن سعد في "الطبقات"(1/ 421) وابن عدي في "الكامل"(5/ 284) من حديث جابر أيضًا بأسانيد لا يصح منها شيء.

ص: 90

والقصاص: بضم القاف وفتحها وكسرها؛ ثلاث لغات حكاهن ابن السكيت وغيره، وهو أول منبته من مقدم الرأس، قاله في "شرح المهذب"، والتقييد بكونه من مقدم الرأس إنما هو تفسير للقصاص الواقع في الحديث.

وأما مفهومه اللغوي فينطلق على منتهى النبات سواء كان من المقدم أو من المؤخر. قاله الجوهري، قال: والضم أفصح.

والحديث المذكور رواه الدارقطني وضعفه.

قوله في "أصل الروضة": والصحيح أنه لا يكفي في وضع الجبهة الإمساس، بل يجب أن يتحامل على موضع سجوده بثقل رأسه وعنقه، فلو سجد على قطن أو حشيش أو شئ محشو بهما وجب أن يتحامل حتى [ينكبس](1) ويظهر أثره على يد لو فرضت تحت ذلك المحشو، وقال الإمام: عندي أنه يكفي إرخاء رأسه ولا يقله، ولا حاجة إلى التحامل كيف فرض محل السجود، انتهى كلامه.

والوجه الذي يقابل الصحيح، هو ما ذكره آخرًا عن الإمام وليس وجهًا آخر، فإن الرافعي ذكره هكذا.

إذا علمت ذلك فاعلم أن ما ذكره من كونه يكفي الإمساس على وجه، وأن الإمام قال به، غلط فاحش فإن الرافعي قال: وقال الإمام: يكفي عندي أن يرخي رأسه، ولا يقله، ولا حاجة إلى التحامل كيف ما فرض موضع السجود ولأن الغرض إبداء هيئة التواضع، وذلك لا يحصل بمجرد الإمساس، فإنه ما دام يقل رأسه كان كالطير بوضعه، وإذا أرخى حصل الغرض، بل هو أقرب إلى هيئة التواضع من تكلف التحامل.

وهذا ما أورده في "الوسيط". هذه عبارته، وهي [مطابقة](2) لما في "النهاية".

(1) في أ: يتلبس.

(2)

في جـ: مطلقة.

ص: 91

والحاصل أن التحامل هو الغاية، وأن الإمساس مع قصد الإقلال لا يكفي قطعًا، وأن محل الخلاف فيما إذا أمس، ولم يتحامل، ولم يقل رأسه، بل فعل ما تقتضيه الجوارح بطبعها، والذي قاله الإمام هو الظاهر.

قوله: وهل يجب وضع اليدين والركبتين والقدمين في السجود؟ فيه قولان:

أحدهما: يجب، لقوله عليه الصلاة والسلام:"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم"(1)، ويروى:"سبعة آراب (2): على الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين".

وأظهرهما: لا يجب، لأنه لو وجب وضعها لوجب الإيماء [بها](3) عند العجز، وتقريبها من الأرض كالجبهة.

فإن قلنا: يجب، فيكفي وضع جزء من كل واحد منها، والاعتبار فى اليدين بباطن الكفين، وفي الرجلين ببطون الأصابع.

وإن قلنا: لا يجب، فيعتمد على ما شاء منهما [ويرفع ما شاء](4)، ولا يمكنه أن يسجد مع رفع الجميع؛ هذا هو الغالب أو المقطوع به. انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: أن ما ذكره دليلًا على الأظهر، مسألة مهمة، وقد أسقطها من "الروضة".

(1) أخرجه البخاري (779) ومسلم (490) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه مسلم (491) وأبو داود (890) و (891) والترمذي (272) وابن ماجة (885) وابن خزيمة (631) وابن حبان (1921) والشافعي (161) وأبو يعلى (6693) والبيهقي في "الكبرى"(2474) من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.

(3)

سقط من جـ.

(4)

سقط من ب.

ص: 92

الأمر الثاني: [لم](1) يصرح بالراد بباطن الكف، وقد صرح به في "شرح المهذب" فقال: إنه لا فرق بين الراحة والأصابع، وقيل: يختص بالراحة.

الثالث: أن ما ذكره من عدم الإمكان في الجميع، غريب، فإنه يتصور بأن يرفع الركبتين، ويعتمد على ظهر الكفين، وعلى ظهور أصابع الرجلين، لأن الوضع المعتبر لم يحصل.

والآراب: جمع إرب بهمزة مكسورة، وراء ساكنة بعدها باء موحدة، وهو العضو.

والحديث المذكور رواه البخاري ومسلم من رواية ابن عباس، وقد وقع هنا ذكر خباب بن الأرت.

وخباب: بالخاء المعجمة، والباء الموحدة المشددة، وبالموحدة أيضًا بعد الألف.

والأرت: بالمثناة [وكنية](2) خباب أبو عبد الله شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من السابقين إلى الإسلام نزل الكوفة وتوفى بها سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة رضي الله عنه.

قوله: الثانية: يجب كشف الجبهة في السجود بأن لا يكون بينه وبين موضع السجود حائل متصل به يرتفع بارتفاعه، فلو سجد على طرته، أو كور عمامته لم يجز خلافًا لأبي حنيفة. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أنه لو كان بيده عودًا أو نحوه فسجد عليه [جاز](3) كما ذكره في نواقض الوضوء من "شرح المهذب"، فلابد من استثناء هذه المسألة.

الثاني: أن هذا الكلام يوهم أن لو نبت على جبهته شعر فسجد عليه] (4)، لم يكف، ويجب عليه حلقه، ويحتمل الإجزاء مطلقًا، بدليل

(1) سقط من جـ.

(2)

في أ: وابنه.

(3)

سقط من أ.

(4)

سقط من أ.

ص: 93

أنه لا يجب على المتيمم أن ينزعه ويمسح على البشرة، وهو متجه وأوجه منه أن يقال: إن استوعب الجبهة كفى، وإلا وجب أن يسجد على الموضع الخالي منه لقدرته على الأصل.

والطرة هي الناصية.

والكور: بكاف مفتوحة وراء مهملة هو الدور، يقال: كار العمامة على رأسه يكورها كورًا إذا أدارها، وكل دور كور، قاله الجوهري.

قوله: ولو سجد على طرف عمامته أو ذيله المتحرك بحركته لم يصح، وإن لم يتحرك بحركته قيامًا وقعودًا أجزأه. انتهى.

ذكر النووي في "الروضة" مثله، وصرح في "شرح المهذب" بأنه لا خلاف في الصحة إذا لم يتحرك، ذكر ذلك في باب طهارة البدن والثوب فقال: ولو سجد على طرف عمامته إن تحرك بحركته لم تصح صلاته، وإن لم يتحرك صحت صلاته بلا خلاف. هذا لفظه.

ثم حكى فيه وجهين في هذا الباب من الشرح المذكور أيضًا فقال: فيه وجهان:

فالصحيح: الصحة.

والثاني: لا، وبه قطع القاضي حسين في "تعليقه" كما لو كان على ذلك الطرف نجاسة، هذا كلامه.

والفرق بين السجود وبين النجاسة أن المعتبر في السجود أن يضع جبهته على قرار للأمر الوارد بتمكينها من الأرض، وإنما يخرج عن القرار بالحركة.

والمعتبر في النجاسة أن لا يكون شئ مما ينسب إليه ملاقيًا للنجاسة لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} (1) والطرف الطويل من ثيابه

(1) سورة المدثر (4).

ص: 94

منسوب إليه.

قوله: فلو [تعذرت](1) عليه هذه الهيئة يعني [التنكيس](2) لمرض أو غيره فهل يجب وضع وسادة ونحوها ليضع الجبهة عليها أم يكفي إيماء الرأس إلى الحد الممكن؟ فيه وجهان:

أظهرهما عند صاحب "الكتاب": أنه يجب.

وأشبههما بكلام الأكثرين: أنه لا يجب، لأن هيئة السجود فائتة، ولو أمكنه الإتيان [التنكيس](3) ولكن عجز عن وضع الجبهة وجب عليه وضع وسادة ليسجد عليها بلا خلاف. انتهى ملخصًا.

فيه أمران:

أحدهما: أن الرافعي في "الشرح الصغير" قد رجح الوجوب فقال: أظهر الوجهين: أنه يجب، والمذكور في "الكبير" هو الذي صححه النووي في كتبه كلها، والفتوى عليه.

الأمر الثاني: أن المريض إذا لم يمكنه الانتصاب إلا بالاعتماد على شئ كعصا ونحوه، ففي وجوب وضعه وجهان:

أصحهما في الرافعي و"الروضة": وجوبه، وإمساك العصا ليقوم هو نظير وضع الوسادة ليسجد، وقد قال في "الروضة": أنه يجب بلا خلاف، كما تقدم فأي فرق بينهما؟ !

قوله: الثالث: ينبغي أن لا يقصد بهويه غير السجود، فلو سقط على الأرض من الاعتدال قبل قصد الهوى للسجود لم يحسب، بل يعود إلى الاعتدال ويسجد. انتهى.

وتعبيره أولًا بقوله: "أن لا يقصد" تابعه عليه في "الروضة" "وشرح

(1) في جـ: تعذر.

(2)

في أ، ب: التمكين.

(3)

في أ، ب: بالتلبيس.

ص: 95

المهذب"، وهو تعبير غير صحيح، فإن الذي فرعه عليه، وهو السقوط لا يخرج به، فإنه لم يشترط فيه قصد السجود والساقط يصدق عليه أنه لم يقصد بهويه غير السجود لانتفاء القصد، وقد عبر في "المحرر" بتعبير صحيح فقال: ويجب أن لا يكون هويه لغير السجود، وذكر نحوه في "المنهاج".

قوله: ولو هوى ليسجد فسقط على جنبه وانقلب وأتى بصورة السجود على قصد الاستقامة والاستداد لم يعتد به، وإن قصد السجود اعتد به. انتهى.

نبه في "الروضة" على أمرين:

أحدهما: أنه إذا قصد الاستقامة فينظر إن قصدها قاصدًا صرف ذلك عن السجود فلا يجزئه قطعًا وتبطل صلاته لأنه زاد فعلًا عمدًا لا يزداد مثله في الصلاة.

وإن قصد الاستقامة، ولكن لم يقصد صرفه إلى السجود، بل غفل عنه فلا تجزئه أيضًا على الصحيح المنصوص، ولكن لا تبطل صلاته بل يكفيه أن يعتدل جالسًا ثم يسجد، ولا يلزم أن يقوم ليسجد من قيام على الظاهر، بل لو قام متعمدًا بطلت صلاته.

ثانيهما: أن الرافعي قد أهمل القسم الثالث، وهو ما إذا لم يقصد السجود، ولا الاستقامة، وحكمه [أن] (1) تجزئه عن السجود قطعًا. هذا كلام "الروضة" وفيه أمور:

أحدها: أن تعبيره بالظاهر يوهم أن مقابله وجه أنه يلزمه أن يقوم ليسجد، وليس كذلك، وإنما هو احتمال أبداه الإمام لنفسه ثم استضعفه وقال: الأظهر أنه لا يقوم، هكذا نبه عليه في "شرح المهذب".

الأمر الثانى: أنه أهمل قسمًا آخر وهو ما إذا نواهما معًا -أى: الاستقامة والسجود- والمنقول منه كما ذكره الطبري شارح "التنبيه" أنه

(1) في أ: أنه.

ص: 96

يجزئه وتعليل كلام "المهذب" يدل عليه فإنه قال: كما لو اغتسل للتبرد ونوى رفع الحدث.

الأمر الثالث: أن ما ادعاه في آخر كلامه من الإجزاء بلا خلاف فيما إذا [لم يقصد](1) السجود، ولا الاستقامة ليس كذلك، فقد ذكر العمراني في "البيان" ما حاصله الجزم بعد الإجزاء فقال: وإن لم ينو السجود لم يجزئه لخروجه بسقوطه لجنبه عن سمت السجود، فلا يعود إليه إلا بفعل أو نية، [إذ الفعل](2) أن يجلس ثم يسجد، والنية أن ينوي بانقلابه السجود، هذا كلامه فانظر كيف صرح بأنه لا يعود إلا بأحد الأمرين.

قوله: السنة أن يكون أول ما يقع من الساجد ركبتاه ثم يداه ثم أنفه وجبهته لما رواه وائل بن حجر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه (3). انتهى كلامه.

لم يبين رحمه الله حكم الجبهة مع الأنف هل يضعهما معًا أم يتخير، وقد اختلف فيه.

نقل النووي في "شرح المهذب" فقال في الكلام على المسألة ما نصه: قال الشيخ أبو حامد في تعليقه: والجبهة والأنف كعضو واحد يقدم أيهما شاء. هذه عبارته من غير زيادة عليها، ثم ذكر بعد ذلك بنحو ورقة وصفحة ما يخالفه فقال: فرع: السنة أن يسجد على أنفه مع جبهته.

قال البندنيجي وغيره: يستحب أن يضعهما على الأرض دفعة واحدة لا يقدم أحدهما. هذا لفظه.

(1) في أ: قصد.

(2)

في جـ: فالفعل.

(3)

أخرجه أبو داود (838) والترمذي (268) والنسائي (1089) وابن ماجة (882) والدارمي (1320) وابن خزيمة (626) وابن حبان (1912) والدارقطني (1/ 345) والطبراني في "الكبير"(22/ 39) حديث (97) والطحاوي في "شرح المعاني"(1410) من حديث وائل بسند ضعيف. ضعفه الألباني -رحمه الله تعالى-.

وراجع "نهى الصحبة عن النزول بالركبة" للشيخ المحدث أبي إسحاق الحويني حفظه الله وشفاه.

ص: 97

وجزم به الرافعي في "المحرر"، ورأيت في "التبصرة" لأبي بكر البيضاوي الجزم باستحباب تقديم الجبهة على الأنف.

والحديث المذكور رواه أبو داود، والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: إنه حديث حسن.

وقال الخطابي: إنه أثبت من حديث تقديم اليدين.

قوله: والأفضل أن يضيف إلى التسبيح ما روي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في سجوده: "اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه [وصوره] (1) وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين"(2). انتهى.

زاد في "الروضة": "بحوله وقوته"[قيل](3) فتبارك الله ولم ينبه على أنه من زوائده.

والحديث المذكور رواه مسلم باللفظ الذي ذكره الرافعي إلا أنه عبر بقوله: "تبارك" بلا فاء، نعم رواه ابن حبان (4) بالفاء، ذكر ذلك في كتابه المسمى "وصف الصلاة بالسنة" بسند صحيح.

قوله: الثانية: إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في ركعة لا يعقبها تشهد فنص في "المختصر" أنه يجلس للاستراحة قبل قيامه، ونص في "الأم" على أنه يقوم من السجدة، فقيل: فيه قولان:

أحدهما: لا يجلس، لما روي عن وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من السجدتين استوى قائمًا" (5).

(1) سقط من ب.

(2)

أخرجه مسلم (771) وأبو داود (760) والترمذي (3421) والنسائي (1126) وابن ماجه (1054).

(3)

سقط من أ، ب.

(4)

صحيح ابن حبان (1977).

(5)

قال الحافظ: هذا الحديث بيض له المنذري في الكلام على "المهذب" وذكره النووي "في الخلاصة" في فصل الضعيف، وذكره في "شرح المهذب" فقال: غريب، ولم يخرجه، =

ص: 98

وأصحهما: أنه يجلس لما رواه مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدًا (1).

وقال أبو إسحاق: المسألة على حالين: فإن كان بالمصلي ضعف لكبر أو غيره جلس للاستراحة وإلا فلا. انتهى.

ذكر في "الشرح الصغير" أيضًا مثله، والذي ذكره رحمه الله يؤخذ منه تصحيح الجلوس في العاجز، وأما غيره فلا يؤخذ منه تصحيح فيه، فتفطن له فإنه لم يصحح شيئًا من الطريقين.

وتصحيح الجلوس مطلقًا إنما هو تفريع على طريقة القولين.

والأصح: استحبابه مطلقًا، فقد صححه في "المحرر" وكذلك النووي في كتبه، ولم ينبه في "الروضة" على أنه من زوائده، بل أدخله في كلام الرافعي، فتفطن له.

وقد صحح في "شرح المهذب" طريقة القولين فقال: [إنها أشهر](2)، وهو مقتضى ما في "الروضة" و"المحرر" و"المنهاج".

الأمر الثاني: في شرح المراد بقوله: في كل ركعة لا يعقبها تشهد، هل المراد به مشروعيته أو فعله؟ فإنه لم يصرح به، والمنقول هو الثاني، فقد صرح به البغوي في "فتاويه" فقال: إذا صلى أربع ركعات بتشهد فإنه

= وظفرت به في سنة أربعين في "مسند البزار" في أثناء حديث طويل في صفة الوضوء والصلاة وقد روي الطبراني عن معاذ بن جبل في أثناء حديث طويل أنه كان يمكن جبهته وأنفه من الأرض ثم يقوم كأنه السهم وفي إسناده الخصيب بن جحدر وقد كذبه شعبة ويحيى القطان، ولأبي داود من حديث وائل: وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه وروى ابن المنذر من حديث النعمان بن أبي عياش قال أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة وفي الثالثة قام كما هو ولم يجلس.

(1)

أخرجه البخاري (789) وأبو داود (844) والترمذي (287) والنسائي (1152).

(2)

في ب: إنه سهو.

ص: 99

يجلس للاستراحة في كل ركعة منها لأنها إذا ثبتت في الأوتار ففي محل التشهد أولى، وحديث وائل قال النووي: إنه غريب، إلا أن حاصله عدم التعرض لها، وقد قال الإمام أحمد: إن أكثر الأحاديث ليس فيها تعرض لها.

وأما حديث مالك فرواه البخاري في "صحيحه".

قوله: وإن قلنا: لا يجلس المصلي للاستراحة فيبتدئ التكبير مع ابتداء الرفع، وينهيه مع استوائه قائمًا.

وإن قلنا: يجلس، فأوجه:

أحدها: أنه يرفع رأسه غير مكبر ويبتدئ التكبير جالسًا، ويمده إلى أن يقوم، لأن الجلسة للفصل بين الركعتين، فإذا قام منها وجب أن يقوم بتكبير كما إذا قام إلى الركعة الثالثة.

والثاني: وهو أصحها عند جمهور الأصحاب: أنه يرفع مكبرًا ويمده إلى أن يقوم، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع (1).

والثالث: أنه يرفع مكبرًا كما ذكرناه إلا أنه إذا جلس يقطعه ويقوم غير مكبر لأنه لو مد لطال، وتبتر النظم؛ ثم قال: ولا خلاف في أنه لا يكبر تكبيرتين. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ادعاه من عدم الخلاف تبعه عليه النووي في "الروضة" وغيرها، وسبقهما إليه القاضي حسين في "تعليقه" ثم البغوي، وليس كذلك، بل فيه وجه حكاه في "الإقليد" فقال: وفي بعض التعاليق أنه يكبر تكبيرة يفرغ منها في الجلوس، ثم يبتدئ أخرى للنهوض، وهذا وجه غريب أنكره الرافعي وقال: لا خلاف فيه، فحصل في التكبير أربعة أوجه. هذا كلامه.

(1) تقدم.

ص: 100

وقال الغزالي في "الإحياء": يبتدئ التكبير من وسط ارتفاعه إلي القعود وينهيه في وسط. ارتفاعه إلى القيام، فيقع التكبير فى وسط انتقاله، ويخلو عنه طرفاه، فهو أقرب إلى التعميم.

الأمر الثاني: في مقدار قعود هذه الجلسة، وقد ضبطه في "التتمة" فقال: يستحب أن يكون بقدر الجلوس بين السجدتين، ويكره أن يزيد على ذلك، وحديث التكبير في كل خفض ورفع رواه الترمذي، وقال: إنه حسن صحيح.

قوله: ويقوم معتمدًا على الأرض بيديه لقول ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في [صلاته](1) وضع يديه على الأرض كما يضع العاجن (2) ثم قال:

(1) في جـ: صلاة.

(2)

قال الحافظ: قال ابن الصلاح في كلامه على الوسيط: هذا الحديث لا يصح ولا يعرف ولا يجوز أن يحتج به وقال النووي في شرح المهذب: هذا حديث ضعيف أو باطل لا أصل له وقال في التنقيح ضعيف باطل.

وقال في شرح المهذب: نقل عن الغزالي أنه قال: في درسه هو بالزاء وبالنون أصح وهو الذي يقبض يديه ويقوم معتمدًا عليها.

قال ولو صح الحديث لكان معناه قام معتمدًا ببطن يديه كما يعتمد العاجز وهو الشيخ الكبير وليس المراد عاجن العجين ثم قال يعني ما ذكره ابن الصلاح: أن الغزالي حكى في درسه هل هو العاجن بالنون أو العاجز بالزاي.

فأما إذا قلنا إنه بالنون فهو عاجن الخبز يقبض أصابع كفيه ويضمها ويتكئ عليها ويرتفع ولا يضع راحتيه على الأرض.

قال ابن الصلاح وعمل بهذا كثير من العجم وهو إثبات هيئة شرعية في الصلاة لا عهد بها بحديث لم يثبت ولو ثبت لم يكن ذلك معناه فإن العاجن في اللغة هو الرجل المسن.

قال الشاعر فشر خصال المرء كنت وعاجن قال فإن كان وصف الكبر بذلك مأخوذًا من عاجن العجين فالتشبيه في شدة الاعتماد عند وضع اليدين لا في كيفية ضم أصابعها قال الغزالى: وإذا قلنا بالزاي فهو الشيخ المسن الذي إذا قام اعتمد بيديه على الأرض من الكبر.

قال ابن الصلاح: ووقع في المحكم للمغربي الضرير المتأخر العاجن هو المعتمد على الأرض وجمع الكف وهذا غير مقبول منه فإنه لا يقبل ما ينفرد به لأنه كان يغلط ويغالطونه كثيرًا وكأنه أضربه مع كبر حجم الكتاب ضرارته انتهى كلامه.

وفي الطبراني "الأوسط" عن الأزرق بن قيس: رأيت عبد الله بن عمر وهو يعجن في الصلاة يعتمد على يديه إذا قام كما يفعل الذي يعجن العجين.

ص: 101

والمراد بالعاجن هو عاجن الخمير. انتهى.

ومقتضى ما قاله من أن المراد عاجن الخمير أنه يقبض يديه، وقد صرح به الغزالي في درسه كما نقله عنه ابن الصلاح في "مشكل الوسيط" فقال بعد ذكره للحديث: هذا حديث لا يعرف، ولا يصح، ومن غالط في لفظه يقول: العاجز بالزاي، ومن غلط في معناه غير غالط في لفظه يقول: هو بالنون، وأن المراد عاجن الخمير فيقبض أصابع كفيه ويضمها ويتكئ عليها، ولا يضع راحته.

وقد نقل عن الغزالي في درسه أنه أثبت الوجهين هكذا، وعمل به كثير من عامة العجم وغيرهم.

والحديث لم يثبت ولو ثبت لم يكن ذلك معناه، فإن العاجز في اللغة هو الرجل المسن الذي إذا قام اعتمد على الأرض بيديه من الكبر وأنشدوا:

فأصبحت كنتيًا وأصبحت عاجنًا

وشر خصال المرء كنت وعاجن

فإن كان وصف الكبير بذلك من عاجن العجين بالتشبه في شدة الاعتماد عند وضع اليدين لا في كيفية ضم أصابعهما. انتهى كلام ابن الصلاح ملخصًا.

ونقل النووي في "شرح الوسيط" ما ذكرناه عن الغزالي، ثم أنكره عليه وذكر نحوه في "شرح المهذب" وقال: إنه يبسط يديه بلا خلاف، ولم يتعرض في "الروضة" للمسألة بالكلية، وهو غريب.

واعلم أن ابن الأثير في "النهاية" قد ذكر ما ذكره الرافعي فقال في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "إنه كان يعجن في الصلاة"[أي يعتمد](1) فقيل له: ما هذا؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجن في الصلاة (2)، أي يعتمد على يديه إذا قام كما يفعل الذي يعجن العجين

(1) سقط من جـ.

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1007) وحسنه الألباني رحمه الله.

ص: 102

هذا كلامه.

قوله من زوائده: واختلف أصحابنا في جلسة الاستراحة على وجهين:

الصحيح: أنها جلسة مستقلة تفصل بين الركعتين كالتشهد.

والثاني: أنها من الركعة الثانية. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن هذه المسألة قد ذكرها الرافعي وجزم بأنها فاصلة، وقد ذكرت لفظه في الكلام على وقت ابتداء التكبير، وقال صاحب "الذخائر": يحتمل أن يكون من الأولى تبعًا للسجود.

الأمر الثاني: ذكر النووي في "شرح المهذب" أن فائدة الخلاف في التعليق على الركعة، وقال بعض [فضلاء] (1) المتأخرين -وهو القاضي شرف الدين البادري الحموي: فائدة الخلاف في المسبوق إذا كبر والإمام فيها، فإن قلنا: إنها مستقلة، جلس معه كما يجلس في التشهد الأول إذا كبر فيه، وإن قلنا: إنها من الثانية، فله أن ينتظره إلى القيام، والذي قاله فيه نظر.

الركن السادس: "التشهد"

قوله: فإذا جلس من عليه سجود سهو في آخر صلاته افترش، لأنه يعقبه حركة، وقيل: يتورك لأنه قعود في آخر الصلاة. انتهى.

وهذا الذي أطلقه هو وغيره يتجه أن يكون محله ما إذا قصد السجود فإن لم يقصده تورك لانتفاء المعنى، وتعليله يدل عليه، ويصير نظير ما ذكروه في الحاج إذا طاف للقدوم إن قصد السعي بعده اضطبغ ورمل، وإلا فلا، ومقتضى إطلاق الرافعي أنه لا فرق في تصحيح الافتراش بين أن يفرع

(1) زيادة من ب.

ص: 103

على كون السجود قبل السلام أو بعده، وهو محتمل.

قوله: ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويقبض الخنصر والبنصر، ويرسل المسبحة، وفيما يفعل بالإبهام والوسطى ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه يقبض الوسطى مع الخنصر والبنصر ويرسل الإبهام مع المسبحة، رواه أبو حميد الساعدي.

والثاني: أنه يحلق بين الإبهام والوسطى (1)، رواه وائل بن حجر، وعلى هذا فيحلق بينهما برأسيهما، وقيل: يضع أنملة الوسطى بين عقدتي الإبهام.

والثالث: وهو الأصح: أنه يقبضهما أيضًا، وعلى هذا يضع الإبهام تحت المسبحة كأنه عاقد ثلاثة وخمسين، كذا رواه ابن عمر.

وقيل: يضعها على أصبعه الوسطى كأنه عاقد ثلاثة وعشرين، لما روى عن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع إبهامه عند الوسطى (2). انتهى ملخصًا.

فيه أمور:

أحدها: أنه لم يبين علي القول الأول كيفية إرسال الإبهام مع المسبحة، هل يرسلهما مفترقين أو راكبة إحداهما على الأخرى أو إحداهما إلى جانب الأخرى مساوية لها أو تحتها وقد جزم في "النهاية" بالاحتمال الأول فقال: ومن الأئمة من قال: يطلق الإبهام والمسبحة كالعاقد ثلاثة. هذه عبارته بلفظ ثلاثة من غير زيادة.

والظاهر أنه مراد الرافعي، وحكى في "الكفاية" فيه وجهين ذكرهما

(1) أخرجه النسائي (1265) وابن ماجه (912) وأحمد (18896).

قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

وقال الألباني: صحيح.

(2)

أخرجه مسلم (579).

ص: 104

في "الحاوي" فقال: وعلى هذا هل يضع السبابة على الإبهام كأنه عاقد بسبعة وعشرين أو يرسلهما غير متراكبين؟ [فيه وجهان.

وقال في "الإقليد": يرسل الإبهام والمسبحة كالعاقد ثمانين] (1).

واعلم بأن عقد ثلاثة وعشرين قبض الخنصر والبنصر والوسطى، وإرسال المسبحة، وضم الإبهام إليها مقبوضة الأنملة إلى جهة الأصابع.

الأمر الثاني: أن [تصحيحه](2) استحباب عقد ثلاثة وخمسين قد تابعه النووي في "الروضة" عليه، وذكر مثله أيضًا في "شرح المهذب" و"التحقيق" وغيرهما، وقد اعترض -أعني: النووي- على ذلك في "شرح مسلم" فقال: إن الكيفية المستحبة في التشهد ليست عقد ثلاث وخمسين عند الحسَّاب فإن شرط تلك الكيفية عندهم عقد البنصر أيضًا.

قال: والعقد المستحب إنما هو عقد بسبعة وخمسين.

ونقل الشيخ تاج الدين في "الإقليد" أن اشتراط عقد البنصر طريقة القبض، قال: ومن الحسَّاب من لا يشترط ذلك.

ونقل في "الكفاية": أن عدم الاشتراط طريقة المتقدمين.

الأمر الثالث: أن ما ذكره في آخر كلامه من الاستدلال المذكور، استدلال غير مطابق.

فإن الدعوى وضعها على أصبعه الوسطى، ولفظة "عند" في الحديث لا تعطي ذلك، لكن هذا الحديث الذي نقله عن الزبير قد رواه مسلم في "صحيحه" عنه، ولفظه فيه:"ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى" هذه صيغته بلفظ "على" مطابقًا للمدعي، فتحرف ذلك على الرافعي وحديث

(1) سقط من جـ.

(2)

في أ: تصحيح.

ص: 105

أبي حميد رواه أبو داود بإسناد صحيح، لكن لفظه:"وضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى، وأشار بأصبعه"، والذي عزاه إليه الرافعي غير ثابت.

وحديث وائل رواه البيهقي بإسناد صحيح كما قاله في "شرح المهذب"، وحديث ابن عمر رواه مسلم.

وأبو حميد بحاء [مهملة](1) مضمومة، واسمه عبد الرحمن، وقيل: المنذر ابن عمر الأنصاري الساعدي، من بني ساعدة بطن من الأنصار، المدني، توفي في آخر خلافة معاوية.

وأما وائل [فمن كبار العرب وأولاد ملوك حمير](2)، كنيته [أبو هنيدة](3)، نزل الكوفة، وعاش إلى أيام معاوية، ويقال: وال إليه والأعلى وزن طلب طلبًا [أى لجأ](4)، وؤلًا أيضًا ومضارعة يئل فهو وائل أي لاجئ.

وأما حُجر فهو بضم الحاء وإسكان الجيم.

والعرب تقول عند الأمر تنكر: حجرا بالضم أى دفعًا، وهو استعاذة من الأمر، ويقولون: حجر بالله من كذا.

قوله في "الروضة" وفي وجوب الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير قولان، وقيل: وجهان: الصحيح المشهور أنها لا تجب بل تسن. انتهي.

وما ذكره من تصحيح جعل الخلاف قولين، قد خالفه في "شرح المهذب" فقال: فيه وجهان، وحكاهما الإمام والغزالي قولين، والمشهور وجهان. هذا كلامه.

(1) سقط من أ، جـ.

(2)

سقط من أ، ب.

(3)

في أ: أبو هنية.

(4)

سقط من جـ.

ص: 106

وحكاه أيضًا في "المنهاج" وجهين هنا، وفي كتاب الجنائز.

قوله: وأما أكمل التشهد فاختار الشافعي ما رواه ابن عباس، وهو:"التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، سلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله"(1) هكذا رواه الشافعي، وروى غيره:"السلام عليك السلام علينا" بإثبات "ال" فيهما وهما صحيحان، ولا فرق، وحكى في "النهاية" عن بعضهم أن الأفضل إثبات الألف واللام. انتهى.

وما ذكره من أن إثبات "ال" وحذفها هل هما سيان أم لا؟ قد حذفه من "الروضة" ثم ذكره من "زوائده" فقال: إثبات "ال" أكثر في روايات الحديث، وفي كلام الشافعي، واتفق أصحابنا على جواز الأمرين هنا. هذا كلامه.

وحكى الإمام وجهًا آخر أن الأفضل إثباتها مع السلام الثاني دون الأول.

وحديث ابن عباس المذكور رواه مسلم.

قوله: فالمنقول عن نص الشافعي، وهو الذي رواه العراقيون، والروياني أنَّ أقل التشهد:"التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" ورواه صاحب التهذيب؛ "وأشهد أن محمدًا رسوله".

وأسقط الصيدلاني لفظه: "وبركاته"، ثم قال ما نصه: فإذا حصل

(1) أخرجه مسلم (403) وأبو داود (974) والترمذي (290) والنسائي (1174) وابن ماجه (900) وأحمد (2665) وابن خزيمة (705) وابن حبان (952) والشافعي (170) والدارقطني (1/ 350) والطبراني في "الكبير"(10996) وغيرهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 107

الخلاف في المنقول عن الشافعي في ثلاثة مواضع:

أحدها: في كلمة "وبركاته".

والثاني: في كلمة "أشهد" في المرة الثانية.

والثالث: في لفظ "الله" في الشهادة الثانية.

فمنهم من اكتفى بقوله: "ورسوله"، أي بالضمير. انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: الكلام على صيغة "أشهد" في المرة الثانية، وقد جزم في "المحرر" بوجوبها، ومقتضى كلامه في "الكبير" و"الصغير" أن الأكثرين على عدم الوجوب، وصححه النووي في كتبه [واستدرك] (1) في "المنهاج" على كلام "المحرر" فقال: قلت الأصح "وأن محمدًا رسول الله" وثبت في صحيح مسلم. والله أعلم.

وما ادعاه من أنه قد ثبت في "صحيح مسلم" ممنوع. فإنه لم يثبت على هذا الوجه لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كما حكاه في كتبه] (2).

إنما هو ثلاث كيفيات:

إحداها: "وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". رواه الشيخان، من رواية ابن مسعود (3).

والثاني: "وأشهد أن محمدًا رسول الله"[رواه مسلم](4) من رواية ابن عباس.

والثالث: "وأن محمدًا عبده ورسوله"(5) بإسقاط أشهد، رواه مسلم، أيضًا من رواية أبي موسى.

(1) في جـ: واستدل.

(2)

سقط من أ.

(3)

أخرجه البخاري (797) ومسلم (402).

(4)

سقط من أ.

(5)

أخرجه مسلم (404).

ص: 108

وليس ما قاله واحدًا من الثلاثة، لأن الإسقاط إنما ورد مع زيادة العبد.

الأمر الثاني: في جواز الإتيان بالضمير بدلًا عن لفظ "الله" في قولنا: "وأن محمدًا رسول الله".

ومقتضى كلام الرافعي تصحيح المنع كما تقدم، وهو مقتضى كلامه في "الشرح الصغير" أيضًا، وهو الموجود في أكثر نسخ "المحرر"، وقد اختصر النووي في "الروضة" كلام الرافعي على العكس فصحح أن الضمير يجزئ ثم عكس ذلك في مشاهير كتبه فقال في "شرح المهذب" ما نصه: قال الشافعي وأكثر الأصحاب، أقله "أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله".

وقال جماعة: وأن محمدًا رسوله، [ونقله](1) الرافعي عن العراقيين، والروياني. انتهى لفظه بحروفه.

وقد علمت مما تقدم أن نقله هذا عن الرافعي غلط، اعتمد فيه على ما لخصه هو في "الروضة" وصححه أيضًا -أعني: وجوب الظاهر- في "شرح الوسيط" المسمى "بالتنقيح" فقال ما نصه: الأصح أنه يجوز إسقاط لفظة "أشهد" في الشهادة الثانية فيقول: وأن محمدًا رسول الله". وقيل: يكفي: "وأن محمدًا رسوله" هذا لفظه. ومن خطه نقلت.

وكذلك صححه في "التحقيق" وجزم به في "المنهاج"، وإذا علمت ذلك كله علمت أن الفتوى على المنع.

الأمر الثالث: أن الضمير قد ثبت مع زيادة العبد في التشهد الوارد في الصحيح من رواية ابن مسعود وأبي موسى، ولم يقع الظاهر إلا في رواية ابن عباس كما تقدم.

وقد اتفق العلماء على جواز التشهد بالروايات الثلاث كما قاله النووي في "شرح مسلم" في أول باب التشهد، فلزم من ذلك استثناء [هذه

(1) في جـ: ونقل.

ص: 109

الصورة، واختصاص] (1) الاختلاف فيما عداها، فينبغي أن يتنبه له.

واعلم أن النووي قد جزم في "التحقيق" و"شرح المهذب"، وغيرهما بأن الضمير كاف في الصلاة على الآل إذا أوجبناها فيقول: اللهم صل على محمد وآله، مع تصحيحه في هذه الكتب أنه لا يكفي في الصلاة على الرسول فما الفرق بينهما؟ !

الأمر الرابع: روى البخاري في "صحيحه"(2) في باب الأخذ باليدين من كتاب الاستئذان عن عبد الله بن مسعود قال: كنا نقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: [السلام عليك أيها النبي، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام على النبي صلى الله عليه وسلم](3)، ومقتضى هذا الذي ثبت عن الصحابة أن الخطاب اليوم غير واجب، وقد رأيته مصرحًا به في كتاب "تذكرة العالم" لأبي حفص عمر بن الإمام أبي العباس بن سريج، وأبو حفص هذا قد نقل عنه الشيخ أبو حامد، وأصحابه، وكذا ابن الرفعة في كتاب الطهارة من "الكفاية".

الأمر الخامس: المنقول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في تشهده: وأشهد أني رسول الله، كذا ذكره الرافعي في باب الأذان.

قوله: والأولى في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

لما روى كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن كيفية الصلاة عليه فأمرهم بذلك (4). انتهى كلامه.

(1) سقط من جـ.

(2)

أخرجه البخاري (5910).

(3)

سقط من أ.

(4)

أخرجه البخاري (5996) ومسلم (406).

ص: 110

فيه أمور:

أحدها: أن النووي قد اختلف كلامه في الأكمل من أربعة أوجه، فإنه في "الروضة" قد تابع الرافعي على ما ذكره، ثم خالفه في "الأذكار" فقال في هذا الباب ما نصه: والأفضل أن يقول: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه وذريته [كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته](1)، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. انتهى. لفظه بحروفه.

فزاد "عبدك ورسولك" في الصلاة خاصة وزاد "الأزواج""والذرية" في الصلاة وفي البركة معًا، وزاد:"النبي الأمي" في الصلاة والبركة.

وقد ذكر في "التحقيق" و"الفتاوى" كما ذكر في كتاب "الأذكار" إلا أنه لم يأت بالنبي الأمي في المرة الثانية التي هي عقب: وبارك على محمد.

والذي ذكره في "الروضة" قد نقله في "شرح المهذب" عن الشافعي والأصحاب فقال: قال الشافعي والأصحاب: والأفضل. كذا، وذكره إلى آخره إلا أنه أسقط "على" الداخلة على "آل إبراهيم" فى الصلاة والبركة وكذلك نقل في "المهذب" مع أنه قد ورد إثباتهما في سنن البيهقي وصححه ابن حبان والحاكم، وإن كان بلفظ آخر، ثم قال النووي في الشرح المذكور عقب ما نقلناه عنه: وينبغي أن يجمع ما في الأحاديث الصحيحة السابقة فيقول: اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. هذا كلامه.

وليس هو مستوعبًا لما ثبت في الأحاديث ولا موافقًا لما ذكره في باقي كتبه، فإنه أسقط قوله: عبدك ورسولك، وقد ذكر الرافعي في "كتاب

(1) سقط من أ.

ص: 111

الإيمان" نقلًا عن إبراهيم المروذي من غير اعتراض عليه أنه لو قال: لأصلين على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة عليه، فطريق البر أن يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كلما ذكره الذاكرون وكلما سهى [عنه](1) الغافلون.

ثم اعترض [عليه](2) النووي فقال: الصواب والذي ينبغي [أن يجزم](3) به أن الأفضل هو الذي يقال عقب التشهد.

الأمر الثاني: لقائل أن يقول للشيخ محيي الدين: لم اخترت استحباب جمع ما ورد في الأحاديث بالنسبة إلى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تختر ذلك بالنسبة إلى التشهد حتى يزيد [الزاكيات](4) بعد "التحيات" فإن مالكًا رواها في "الموطأ"(5) بإسناد صحيح، ويزيد العبد في آخره فيقول:"وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" فإنها ثابتة في الصحيحين.

وفي "الكفاية" في استحباب ذلك في التشهد وجهين؟

الأمر الثالث: أنه قد اشتهر زيادة "سيدنا" قبل محمد عند أكثر المصلين، وفي كون ذلك أفضل من تركها نظر.

وفي حفظي قديمًا أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام بناه على أن الأفضل سلوك [الأدب](6) أم امتثال الأمر؟ فعلى الأول: يستحب دون الثاني لقوله عليه الصلاة والسلام: قولوا اللهم صل على محمد.

الأمر الرابع: أن دعوى الرافعي أن كعب بن عجرة روى هذه الصيغة، ليس له ذكر في الكتب المطولة كسنن البيهقي وغيرها، وإن كان أصل الحديث في الصحيحين، وأقرب لفظ إليه ما رواه البيهقي (7) عن الشافعي عنه وهو: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل

(1) سقط من ب.

(2)

سقط من أ.

(3)

في جـ: الجزم.

(4)

في أ، ب:"البركات".

(5)

حديث (204).

(6)

سقط من أ.

(7)

"السنن الكبرى"(2674).

ص: 112

إبراهيم إنك حميد مجيد.

وهو مخالف من جهة إسقاط "على" مع آل محمد، وآل إبراهيم في الصلاة والبركة جميعًا، والحاصل منه إسقاطها أربع مرات.

قوله: قال الصيدلاني: ومن الناس من يزيد: وارحم محمدًا كما رحمت على إبراهيم، وربما يقولون: ترحمت على إبراهيم، أي بالتاء.

قال: وهذا لم يرد في الخبر، وهو غير فصيح، فإنه لا يقال: رحمت عليه، وإنما يقال: رحمته، وأما التراحم ففيه معنى التكلف، فلا يحسن إطلاقه في حق الله تعالى. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن هذه المسألة قد أسقطها النووي من "الروضة".

الثاني: أن قول الرافعي: أنه لا يقال: رحمت عليه، غير مستقيم، فقد نقل الطبري شارح "التنبيه" عن شيخه الصاغاني أنه يقال: رحمت عليه، وقال الغزالي: لا يجوز ترحم. أعني بالتاء وهو المراد من قول الرافعي: إنه لا يحسن وقال النووي: إنه بدعة.

وبالغ ابن العربي في إنكاره، وخطأه فيه ابن أبي زيد المالكي.

قوله: وأقل الصلاة على الآل أن يقول: وآله، ولفظ الكتاب يشعر بأنه يجب أن يقول: وعلى آل محمد، أي بإعادة "على" وبالظاهر عوضًا عن الضمير، والأول هو الذي ذكره صاحب "التهذيب" وغيره. انتهى كلامه.

وهذا الذي ذكره الغزالي قد وافقه عليه في "الكفاية" في على، فصح أن إعادتها واجبة وخالفه في الضمير، فصح أنه يكفي، وللنحاة خلاف مشهور في جواز إضافة "الآل" إلى الضمير، وقد حذف في "الروضة" مقالة الغزالي، فاعلمه.

ص: 113

قوله في "الروضة": ولا يجوز أن يخترع دعوة بالعجمية، ويدعو بها. انتهى.

واعلم أن الذكر المخترع كحكم الدعاء في منع تأديته أيضًا بالعجمية كذا ذكره الرافعي، [وأهمله](1) في "الروضة".

قوله: وذكر الصيدلاني في طريقته أن المستحب للإمام أن يقتصر على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليخفف على من خلفه، فإن دعا جعل دعاءه دون قدر التشهد، ولا يطول.

قال: وأما المنفرد فلا بأس له بالتطويل، هذا ما ذكره، والظاهر الذي نقله الجمهور أنه يستحب للإمام الدعاء كما يستحب لغيره، ثم الأحب أن يكون الدعاء أقل من التشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه تبع لهما.

فإن زاد لم يضر إلا أن يكون إمامًا فيكره له التطويل. انتهى كلامه.

ذكر مثله في "الشرح الصغير"، وحاصله أن المنفرد يستحب له أيضًا أن يكون ما يأتي به أنقص من التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو خلاف المنقول في كتب المذهب فإن الذي فيها أنه يطيل ما أراد ما لم يوقعه ذلك في السهو، كذا جزم به خلائق لا يحصون منهم الماوردي، وابن الصباغ، والمتولي، والشيخ في "المهذب"، والإمام والغزالي في "البسيط" وغيره، ونص عليه الشافعي في "الأم" فقال: أحب لكل مصلٍ أن يزيد على التشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الله عز وجل وتحميده، ودعاءه في الركعتين الأخيرتين، وأرى أن تكون زيادة ذلك إن كان إمامًا أقل من قدر التشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه قليلًا للتخفيف عمن خلفه، وأرى أن يكون جلوسه إذا كان وحده أكثر من ذلك، ولا أكره ما أطال ما لم يخرجه ذلك إلى سهو أو يخاف به سهوًا.

(1) في جـ: وأصله.

ص: 114

فإن لم يزد على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كرهت ذلك. هذا نصه بحروفه، ومن "الأم" نقلته، وهو مشتمل على فوائد: منها: أنه يستحب للمنفرد الزيادة وهذا مع ما يقوله الرافعي في غاية التباين.

وقد جزم بما ذكرناه أيضًا النووي في "شرح المهذب" فإنه ذكر النص المذكور، ولم يخالفه، وكذلك ابن الرفعة في "الكفاية" ناقلًا له عن الأصحاب فقال: ولا شك في استحباب الدعاء في حق المنفرد، بل قال الأصحاب: له أن يطيل الدعاء ما شاء ما لم يخرجه ذلك إلى السهو. هذه عبارته.

وذكر في "الروضة" مثل ما ذكره الرافعي إلا أنه أخر الوجه الأول وحصل بسبب تأخيره إبهام فتأمله، واجتنب الإبهام المذكور.

وقد صرح في "المحرر" بمثل ما ذكره في الشرحين فقال: وينبغي أن لا يزيد قدر الدعاء على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. هذا لفظه، وتبعه عليه في "المنهاج" إلا أن بينهما تغاير من جهة أن تعبير الشرحين و"الروضة" يقتضي أنه لا يستحب ترك المساواة، بخلاف "المحرر" و"المنهاج"، وذلك كله مردود لما ذكرناه.

قوله في "الروضة": وأما سائر الأذكار كالتشهد الأول والقنوت، وتكبيرات الانتقال والتسبيحات فأوجه:

أحدها: يجوز للعاجز أن يأتي بترجمتها.

والثاني: لا يجوز.

والثالث: يترجم لما يجبر بالسجود دون غيره، [ثم](1) قال من

(1) سقط من ب.

ص: 115

"زياداته": الأصح الجواز للعاجز والمنع في [القادر](1). . . . إلى آخره.

فيه أمران:

أحدهما: أن هذا التصحيح الذي ذكره من زياداته صرح الرافعى به وعبر بالأصح كما عبر هو به، ونقله عن الأصحاب قاطبة فحذفه ثم استدركه.

الثاني: أنه [أهمل](2) في اختصاره الترجمة للقادر، وقد ذكرها الرافعي أيضًا كما ذكرها في "زياداته" فحذفها أيضًا ثم زادها، وهو عجيب.

واعلم أن الترجمة بغير العربية تأتي في مسائل:

إحداها: الواجبات التي ليست بقرآن كتكبيرة الإحرام، والتشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم[فيه](3)، وعلى الآل إذا أوجبناها، فيترجمها العاجز لا القادر.

الثانية: الفاتحة وغيرها من القرآن لا يجوز ترجمته لا لقادر، ولا لعاجز لما فيه من الإعجاز، وكذا الدعاء الذي ليس بمأثور فإن فعل بطلت صلاته.

الثالثة: الأدعية المأثورة، الأصح: جواز ترجمتها للعاجز دون القادر.

وقيل: يجوز مطلقًا.

وقيل: لا مطلقًا، فإن منعنا فترجم بطلت صلاته.

الرابعة: الأذان، أطلق الشيخ أبو حامد أنه لا يجوز، وقال الماوردي: إن أُذَّن لنفسه جاز للعاجز، وعليه أن يتعلم، ولم يجز للقادر وإن أُذَّن للجماعة لم يجز مطلقًا.

قال النووى: وهذا محمول على ما إذا كان فيهم من يحسن العربية، فإن لم يكن صح.

(1) في جـ: القائم.

(2)

في جـ: أحل.

(3)

زيادة من جـ.

ص: 116

الخامسة: الخطبة، الصحيح: منع الترجمة فيها عند القدرة.

السادسة: كلمة الإسلام يجوز ترجمتها للعاجز، وكذا للقادر في الأصح.

السابعة: السلام، يجوز ترجمته للقادر والعاجز في أصح الأوجه.

الثامنة: لفظ التزويج والإنكاح، يجوز ترجمته للعاجز والقادر في الأصح.

وقيل: يمتنع فيهما.

وقيل: يجوز للعاجز دون القادر.

التاسعة: البيع، وغيره من ألفاظ العقود والفسوخ يجوز ترجمته للعاجز والقادر.

قوله: وأقله السلام عليكم، فلو قال: سلام عليكم فوجهان:

أحدهما: أنه لا يجزئه، لأنه نقص الألف واللام، فأشبه ما لو قاله بغير تنوين.

وأظهرهما: أنه يجزئه، ويقوم التنوين مقام الألف واللام كما في التشهد. انتهى.

وهذه المسألة التي ذكرها في ضمن التعليل وهي أن غير المنون لا يجزئ قد أسقطها من "الروضة"، ولم يصرح بها أيضًا في "شرح المهذب" وحكى القاضي الحسين في "تعليقه" فيها خلافًا.

وعلل الإجزاء بأن ترك التنوين لا يغير المعنى، واعلم أن الجوهري قد قال: إن السِلم بكسر السين وسكون اللام هو السلام. وأنشد:

وقفنا فقلنا آية سلم فسلمت

وحينئذ فيتجه الجواز لأنها ليست كلمة أخرى، وإذا جوزنا هذا

ص: 117

مع ما يؤخذ من إطلاق الرافعي في [المعلق](1) تبين أنه لا فرق بين المعرف والمنكر حصل لك ثمان مسائل، لأن التقديم قد يكون للمعرف، إما مع اللغة المشهورة، وإما مع الأخرى.

وقد يكون للمنكر مع اللغتين، وهذه الأربعة يأتي مثلها في التأخير.

قوله: ولا يجب أن ينوي بسلامه الخروج من الصلاة في أصح الوجهين.

فإن قلنا: يجب، لم يجب تعيين الصلاة في نية الخروج، فلو عين غير ما هو فيه عمدًا بطلت صلاته؛ وإن كان سهوًا سجد للسهو [وسلم](2) ثانيا. انتهى.

وما ذكره في حالة السهو بين السجود والسلام ثانيًا محله إذا لم يطل الفصل؛ فإن طال استأنف الصلاة، كذا رأيته في "عدة الطبري" و"شرح التلخيص" للقاضي الحسين، وهو ظاهر.

ورأيت في شرحه أيضًا لأبي عبد الله الختن -بالخاء المعجمة- وهو ختن الإمام أبي بكر الإسماعيلي أي زوج ابنته: أن الساهي لا يحتاج إلى السجود، ولا إلى إعادة السلام قال: لأنه فرض أتى به في موضعه، وإنما سهى في نيته فلم يضر كما لو اعتقد أن الثانية ثالثة.

قوله في المسألة: وإن قلنا: إن نية الخروج مستحبة فلا يضر الخطأ في التعيين. انتهى.

ومراده بالخطأ تعيين خلاف ما هو عليه عمدًا كان أو سهوًا، فإن الأكثرين ممن تكلم على المسألة قد صرحوا بذلك، منهم القفال في "شرح التلخيص" والبغوي في "التهذيب"، وأبو عبد الله الطبري في "العدة" والعمراني في "البيان"، وهو المفهوم أيضًا من عبارة الرافعي لمن تأملها، [ولهذا](3) عزاه ابن الرفعة إليه إلا أنه نقل عنه عدم البطلان إذا نوى غير

(1) في جـ: المعكوس.

(2)

سقط من أ.

(3)

في جـ: وأنه.

ص: 118

ما عليه عمدًا، وقلنا بأن التعيين لا يجب بعبارة تقتضي ضعف ذلك من جهة النقل، وهو غريب منه.

نعم ذكر في "البحر" كما ذكره القاضي الحسين فتبعهما المصنف عليه، ومعظم الكتب ساكتة عن المسألة "كالاستذكار" و"الحاوي" و"النهاية" و"الشامل" و"التتمة" وكتب الفوراني والغزالي وابن عصرون، وقد عبر الرافعي في "الشرح الصغير" بعبارة عجيبة لا تطابق ما قاله هنا، فقال: فإن أوجبنا نية الخروج، فلا يحتاج إلى تعيين الصلاة، فإن الخروج لا يكون إلا عما هو فيه، ولو عين غير ما فيه بطلت صلاته بخلاف ما إذا قلنا: إنها لا تجب، فإنه لا يضر الخطأ في التعيين. هذه عبارته.

قوله: ثم المصلي إن كان إمامًا فيستحب له أن ينوي بالتسليمة الأولى السلام على من على يمينه من الملائكة، ومسلمي الجن والإنس، وبالثانية على من [على](1) يساره منهم.

والمأموم ينوي مثل ذلك، ويختص بشئ آخر وهو أنه إن كان على يمين الإمام ينوي بالتسليمة الثانية الرد على الإمام وإن كان على يساره ينويه بالتسليمة الأولى، وإن كان في محاذاته ينويه بأيهما شاء وهو في التسليمة الأولى أحب. انتهى كلامه.

ذكر مثله في "الروضة" وفيه أمران:

أحدهما: أن المأموم الكائن على يسار الإمام كيف ينوي الرد على الإمام بالأولى مع أن الرد إنما يكون بعد السلام عليه.

وجوابه موقوف على مسألة وهو أن المأموم هل يستحب أن يتأخر بالتسليمة الأولى إلى فراغ الإمام من التسليمتين أم [لا](2)؟

بل يستحب أن يسلم الأولى عقب الأولى، والثانية عقب الثانية كما

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

ص: 119

نقله غالب الناس، فيه وجهان، حكاهما في "شرح المهذب" من غير تصريح بتصحيح إلا أنه قال: ذهب البغوي إلى الأول، والمتولى إلى الثاني، وإنَّ ظاهر نصه في "البويطي" يدل للأول.

نعم صرح بتصحيحه في "التحقيق"، وإذا علمت ذلك علمت أن كلام الرافعي ماشٍ على اختيار الوجه الأول، وهو المرجح.

واعلم أن القاضي الحسين قد خالف الوجهين فإنه فصل فقال فيمن كان على يمين الإمام بمقالة البغوي، وفيمن كان على يساره بمقالة المتولي وخير المحاذي بين المقالتين، وذكر أيضًا -يعني القاضي- في "تعليقه" أن الأحب للمأموم الرد على إمامه بالأولى مطلقًا سواء كان على يمينه أو يساره أو محاذيًا له.

الأمر الثاني: أن المحاذي المذكور في الرد لم يتقدم له ذكر بالكلية في السلام من الإمام فتأمله، وقياس ما ذكره في المأموم أن الإمام ينوي السلام عليه بما شاء منهما.

قوله: وأما المنفرد فينوي بهما السلام على من على جانبيه من الملائكة. انتهى.

واقتصاره على الملائكة قد تابعه عليه في "الروضة"، وهو غريب، بل ينبغي أن ينوي المسلمين من الملائكة والجن والإنس أيضًا كما سبق مثله في الإمام والمأموم، وقد صرح بذلك في "شرح المهذب" فقال: من ملائكة وغيرهم.

قوله من زياداته: السنة أن يكثر من ذكر الله تعالى عقب الصلاة. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره من استحباب الذكر، قد ذكره أيضًا في "شرح

ص: 120

المهذب" فقال: إنه يستحب لكل مصلٍ، لكنه ذكر بعد ذلك ما يشكل عليه فقال: قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله يستحب للإمام إذا سلم أن يقوم من مصلاه عقب سلامه إذا لم يكن خلفه نساء، هكذا قاله الشافعي في "المختصر"، واتفق عليه الأصحاب وعللوه بعلتين:

إحداهما: لئلا يشك هو أو من خلفه، هل سلم أم لا؟

والثانية: لئلا يدخل غريب فيظنه بعد في الصلاة فيقتدي به، أما إذا كان خلفه نساء فيستحب أن يثبت بعد سلامه، ويثبت الرجال قدرًا يسيرًا يذكرون الله حتى ينصرف النساء.

ويستحب للنساء أن ينصرفن عقب سلامه. هذا كلامه.

فذكر أنه ينتقل من مكانه عقب السلام إذا لم يكن نسوة، وأنه لا يمكث للذكر إلا عند وجودهن، بخلاف ما دل عليه كلامه السابق من كونه يأتي بالذكر مطلقًا.

وقد ذكر الماوردي كلامًا فيه جمع بين الأمرين فقال: إذا فرغ الإمام من صلاته فإن كان من صلى خلفه رجالًا لا امرأة فيهم، وثبت ساعة سلم ليعلم الناس فراغه من الصلاة ولئلا يسهو فيصلى، وإن كان معه رجال ونساء ثبت قليلًا لينصرف النساء، فإذا انصرفن وثب، ثم إذا وثب الإمام فإن كانت صلاة لا يتنفل بعدها [كالصبح والعصر استدبر القبلة ودعا، وإن كانت صلاة يتنفل بعدها](1) كالظهر فيختار له أن يتنفل في منزله. هذا كلامه بحروفه.

وذكر الروياني في "البحر" أن الإمام يدعو قائمًا، وذكر مثله الجيلي في "شرح التنبيه"، وبهذا ينتظم الكلام.

(1) سقط من ب.

ص: 121

ثم إذا أراد الإمام أن يتنفل في المحراب فينفتل عن يمينه، وفي كيفية استقباله لهم وجهان في "شرح المهذب" حكاهما الجيلي فيما سبق نقله عنه، وهو الدعاء قائمًا، وعبر في "التحقيق" بالجلوس فقال: أصحهما: أنه يجلس على يسار المحراب بأن يدخل يساره فيه، ويمينه إلى الناس ثبت ذلك في مسلم (1)، وقيل: على يمينه بأن يجعل يمينه فيه ويساره إلى الناس، وقال الإمام: لم يصح فيه شئ ولا أرى فيه إلا التخيير.

الأمر الثاني: أن الشافعي قيد استحباب الإكثار بالمنفرد والمأموم فقال: وأستحب للمصلي منفردًا والمأموم أن يطيل الذكر بعد الصلاة، ويكثر الدعاء رجاء الإجابة بعد المكتوبة، هذا لفظ الشافعي، وقد نقله عنه في "شرح المهذب" ولم يخالفه، وهو يخالف إطلاق "الروضة".

نعم لقائل أن يقول: يستحب أن يختصر فيهما بحضرة المأمومين، فإذا انصرفوا طول، وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى.

قوله في "الزيادات" أيضًا: ويسن الدعاء بعد السلام سرًا إلا أن يكون إمامًا يريد تعليم الحاضرين. انتهى.

وما ذكره الصنف من تقييد الدعاء بالسر دون الذكر يقتضي أنه يجهر به -أعني بالذكر- كما هو المعتاد، وليس كذلك فقد نص الشافعي والأصحاب على أن حكم الذكر في ذلك حكم الدعاء، وقد نبه عليه في "شرح المهذب".

قوله فيها أيضًا: قال أصحابنا: يستحب إذا أراد أن يتنفل عقب الفريضة أن ينتقل إلى بيته فإن لم يكن فإلى موضع آخر. انتهى.

واعلم أن علة الانتقال كما قاله الأصحاب شهادة المواضع له بالعبادة.

وقد ورد في تفسير قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} (2) أن

(1) أخرجه مسلم (708) من حديث أنس رضي الله عنه.

(2)

سورة الدخان (29).

ص: 122

المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض، ومصعد عمله من السماء، وهذا المعنى يقتضي أنه لا فرق بين النافلة المتقدمة والمتأخرة، ولا بين النافلة مع الفريضة أو مع نافلة أخرى، فمن تهجد أو صلى سنة الظهر مثلًا أربعًا بتسليمتين حتى ينتقل مرتين في هذا المثال إلا أن المتجه في النافلة المتقدمة ما أشعر به كلامهم من عدم الانتقال لأن المصلي مأمور بالمبادرة، والصف الأول، وفي الانتقال بعد استقرار الصفوف مشقة خصوصًا إذا كثر المصلون كما في الجمعة.

قوله من "الزوائد" أيضًا: ويستحب إذا كان يصلي وراءه نساء أن يمكث في مصلاه حتى ينصرفن. انتهى.

سكت هو وغيره عن الخناثى، والقياس استحباب انصرافهم فرادى، إما قبل النساء أو بعدهم، وتأخر الرجال عن جميعهم.

قوله أيضًا: وإذا أراد الانصراف، فإن كانت له حاجة عن يمينه أو عن يساره انصرف إلى جهة حاجته، وإن لم يكن له حاجة فجهة اليمين أفضل. انتهى.

واعلم أن المصنف قد ذكر في كتابه المسمى "برياض الصالحين" أنه يستحب في الحج، والصلاة، وعيادة المرضى وسائر العبادات أن يذهب في طريق ويرجع في أخرى، وإطلاق هذا مع إطلاق ما نقلناه عن الروضة متنافيان.

قوله فيها: وإذا سلم الإمام التسليمة الأولى فقد انقطعت متابعة المأموم، وهو بالخيار إن شاء سلم في الحال، وإن شاء استدام الجلوس للتعوذ والدعاء، وأطال ذلك. انتهى كلامه.

وما ذكره من جواز الاستدامة محله في غير المسبوق، أما المسبوق فينظر

ص: 123

إن [كان](1) موضع جلوسه أى تشهده الأول فله ذلك إلا أن تطويل التشهد الأول مكروه وإن كان في غيره وجب القيام على الفور، فإن جلس متعمدًا بطلت صلاته، أو ساهيًا سجد للسهو، كما هو معروف في صلاة الجماعة.

قوله: خاتمة: إذا فاتت الفريضة وجب قضاؤها. . . . إلى آخره.

هذه المسألة فيها كلام مهم يتعين الوقوف عليه، وقد ذكرته في كتاب الحج في الكلام على الجماع، فإن المسألة محلها هناك، وفي "شرح التنبيه" للطبري: أنه لو كان عليه فوائت فهل يبدأ بالصبح لأنها الأولى أو بالظهر تأسيًا بجبريل؟ على وجهين.

قوله من "زياداته": صلاة الصبح، وإن كانت نهارية فهي في القضاء جهرية، ولوقتها حكم الليل في الجهر. انتهى كلامه.

واعلم أن هذا الكلام قد فهمه أكثر الناس على غير ما هو عليه، واشتهر ذلك في خاصتهم وعامتهم قاصيهم ودانيهم، وعمل به فقهاؤهم، وقد وفق الله الكريم إلى الحق فيه، وإلى تقريره على المراد منه تقريرًا ظاهرًا، وذلك أنهم توهموا أن الصبح يقضى بالنهار جهرًا لتوهمهم أن المراد من قول النووي: فهي في القضاء جهرية، والحق أنها تقضى فيه سرًا على الصحيح كما هو القياس وكلام "الروضة" يدل على ذلك أيضًا، وتقرير ما في "الروضة" أن الصبح، وإن كانت من صلوات النهار، فحكمها حكم الصلوات الجهرية، إذا قضيت حتى يجهر فيها بلا خلاف إن قضاها ليلًا، ويكون مستثنى من قولهم: من قضى فائتة النهار بالليل فهل يجهر؟ فيه وجهان، إذ النهار عندنا أوله طلوع الفجر كاليوم، وحتى يسر على

(1) سقط من ب.

ص: 124

الصحيح إن قضاها بعد طلوع الشمس، ويكون ذلك أيضًا مستثنى من قولهم: أن من قضى فائتة النهار بالنهار يسر بلا خلاف.

فقول النووي: فهي في القضاء جهرية، أى فهي صلاة جهرية قد قضيت لا سرية، وإذا حكم بأنه قضاء صلاة جهرية فلا يلزم منه الجهر بها، ألا ترى أنه إذا قضى العشاء نهارًا فقد قضى صلاة جهرية، ومع ذلك لا يجهر.

وأما قول النووي: ولوقتها حكم الليل في الجهر فهي أيضًا مسألة حسنة نبه عليها.

ومعناه أن هذه القطعة من النهار حكمها حكم الليل في الجهر حتى يجهر بلا خلاف إذا قضى فيها المغرب أو العشاء، ويكون مستثنى من قولهم: إن من قضى فائتة الليل بالنهار يسر على الصحيح، وحتى يجهر أيضًا بلا خلاف إذا قضى فيها الصبح ويكون مستثنى من قولهم: إن فائتة النهار تقضى بالنهار سرًا بلا خلاف، وحتى يجهر على الصحيح إذا قضى فيها الظهر أو العصر، ويكون مستثنى من قولهم أيضًا:[إن من قضى](1) فائتة النهار بالنهار يسر بلا خلاف.

وحاصله أن من طلوع الشمس إلى غروبها محل إسرار، وما عدا ذلك فهو محل جهر، وإن كان فيه قطعة من النهار، وهي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، هذا حاصل كلام "الروضة" فاعلمه، وقد ذكر ذلك أيضًا في "شرح المهذب" بعبارة لا لبس فيها فقال ما نصه: قلت: كذا أطلق الأصحاب لكن صلاة الصبح، وإن كانت نهارية، فلها في القضاء [في الجهر](2) حكم الليلية ولوقتها فيه حكم الليل، وهذا مراد

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من ب.

ص: 125

الأصحاب. انتهى لفظه بحروفه.

فانظر كيف شرح كلام "الروضة" بما قد قررته وأبدل اللفظة الموهمة بلفظة [توضح](1) المراد فتأمله.

وصرح بها أيضًا في "شرح مسلم" تصريحًا أبلغ من هذا فقال في باب قضاء الفائتة في الكلام علي حديث الوادي الذي نام فيه النبي صلى الله عليه وسلم: إن الصبح إذا قضيت نهارًا تقضى سرًا على الصحيح، وليس بعد هذا النص وقفة، ولو لم يكن في هذا الكتاب سوى هذه المسألة لكان فيها كفاية.

قوله: وإذا اجتمعت حاضرة وفائتة فيستحب البداءة بالفائتة إن لم يضق وقت الحاضرة فإن ضاق وقتها بدأ بها. انتهى.

والتعبير بالضيق وعدمه ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا، وفي "الروضة" وعبر في "المحرر" بالفوات وعدمه، وتبعه عليه في "المنهاج" و"التحقيق"، وكذلك عبر به الشيخ في "التنبيه" وأقره عليه في تصحيحه.

ومقتضى التعبير بالفوات أنه إذا أمكنه فعل الفائتة، وإدراك ركعة من الحاضرة أنه يجوز له فعل ذلك، لأن الحاضرة لم تفت، بل وقعت أداء، لكنهما صححا في الباب الأول من كتاب الصلاة أن إخراج بعض الصلاة عن الوقت لا يجوز، وإن جعلناها أداء فالجواز هنا إنما يستقيم على الوجه المرجوح عندهما هناك، لأن المحافظة على الترتيب سنة، فلا تكون مسوغة لإخراج البعض عن الوقت فضلًا عن استحبابه إلا على تقدير القول بجواز الإخراج، وبتقدير التزام اغتفاره لكونه سنة، وهو المجزوم به في "الكفاية" لابن الرفعة، ففي تعدي ذلك إلى الرواتب نظر، وتعبير الكتاب محتمل لما ذكره في "المحرر" ولغيره، وهذه المسألة قد تقدم الوعد بذكرها في الباب

(1) في ب: توهم.

ص: 126

الأول من أبواب الصلاة.

قوله من "زياداته": ولو تذكر فائتة، وهناك جماعة يصلون الحاضرة والوقت متسع فالأولى أن يصلي الفائتة أولًا منفردًا، لأن الترتيب مختلف في وجوبه، والقضاء خلف الأداء مختلف في جوازه، فاستحب الخروج من الخلاف. انتهى كلامه.

وهذا الذي قاله مردود نقلًا وبحثًا.

أما الأول فلأن النقول متظافرة على استحباب صلاة الحاضرة مع الإمام، كذا صرح به الغزالي في كتاب "الإحياء" في الباب السادس في "أسرار الصلاة"، والبغوي في "فتاويه"، وصاحب "التعجيز" فيه، وفي "مختصر التنبيه" المسمى بالتنبيه، وحكاه في "الشرح الصغير" عن جده، واقتصر عليه، ونقله المحب الطبري شارح "التنبيه" عن صاحب النكت يعني ابن أبي الصيف، وعن غيره ولم ينقل غيره.

ونقل الروياني عن والده أنه قال: يحتمل أن يقال: يصلي العصر في جماعة ثم الظهر، ثم يستحب إعادة العصر. انتهى.

واقتصر عليه.

وأما الثاني فلأنه يؤدي إلى تفويت صلاة الجماعة بالكلية لاسيما إذا كانت الفائتة رباعية، والحاضرة ثنائية، والجماعة قد ورد عليها من الطلب والثواب ما لم يرد في الترتيب ولا في اتفاق صلاة الإمام والمأموم.

وأيضًا فالأمور الثلاثة مشتركة في الاختلاف فيها عند العلماء، وامتازت الجماعة بالاختلاف فيها عندنا، والنووي رحمه الله لم ينقل هنا هذه المسألة عن أحد إلا أنه نقل في صلاة الجماعة ما يوهمه، وسنقف عليه هناك.

ص: 127

قوله من "زياداته": أما إذا علم فرضية الصلاة، ولم يعلم أركانها فله ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يعتقد جميع أفعالها سنة.

والثاني: أن يعتقد بعضها فرضًا وبعضها سنة، ولا يعرف تمييزها، فلا تصح صلاته قطعًا، صرح به القاضي حسين، وصاحب "التتمة"، و"التهذيب".

والثالث: أن يعتقد جميع أفعالها فرضًا فوجهان حكاهما القاضي الحسين، وصاحب "التهذيب".

أحدهما: لا تصح صلاته لأنه ترك معرفة ذلك وهي واجبة.

وأصحهما: تصح، وبه قطع صاحب "التتمة" لأنه ليس فيه أكثر من أنه أدى سنة باعتقاد الفرض وذلك لا يؤثر.

قال في "التهذيب": فإن لم يصحح صلاته ففي صحة وضوئه في هذه الصورة وجهان، هكذا ذكر هؤلاء هذه المسائل، ولم يفرقوا بين العامي وغيره.

وقال الغزالي في "الفتاوي": العامّي الذي لا يميز فرائض صلاته من سننها تصح صلاته بشرط أن لا يقصد التنفل بما هو فرض، فإذا غفل عن التفصيل فنية الجملة في الابتداء كافية.

والذي قاله الغزالي هو الظاهر. انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أن ما ادعاه من القطع بالبطلان في القسم الثاني، وأسنده أيضًا إلى الثلاثة المذكورين ليس بصحيح، فقد ذكر فيه القاضي الحسين في "تعليقه" وجهًا أنه يصح، وعلله باشتباهه على أكثر الناس، ونقله عنه أيضًا ابن الرفعة في "الكفاية"، ورأيته مجزومًا به في "فتاوى القفال"،

ص: 128

وعلله بأن معرفتها غامضة وزاد على ذلك مسألة حسنة فقال: إذا علم أن الفاتحة مثلًا أو الركوع فرض فقال: أنا أفعله أولًا تطوعًا ثم أفعله مرة ثانية فرضًا، ففعله أولًا بنية التطوع وقع عن الفرض، ثم إن ما ذكره النووي مخالف لمقالة الغزالي التي ارتضاها.

والحاصل أن القطع بالبطلان إن ذكر على أنه حكاية عن هؤلاء لم تصح لما ذكرناه من كون القاضي حاكيًا للخلاف، والآخران جازمان لا مصرحان بعدم الخلاف، وإلا فمناقض مناقضة عجيبة، وباطل أيضًا لوجود الخلاف.

الأمر الثاني: أن الأصح من الوجهين في الوضوء هو البطلان أيضًا، كذا صححه النووي في "التحقيق" ولم يصحح شيئًا في "شرح المهذب".

الأمر الثالث: أن تقيده بالعامي يقتضي أن العالم إذا لم يميز بقصده الفرض من السنة تبطل صلاته وهو المذكور في "فتاوي الإمام"، وفيه نظر.

والظاهر الصحة في العالم أيضًا، فإن تكليفه استحضار العلم بحال كل فعل، وبقصده أيضًا حرج شديد، فلا يعتبر في حق الجميع إلا أن ينوي بالفرض التنفل.

الأمر الرابع: أن حاصل كلامه هنا الجزم بالبطلان عند اعتقاد السنة فيما هو فرض، وهو مشكل على ما سيأتي في الاقتداء بالحنفي وغيره من المخالفين، فإن الأصح صحته، وإن اعتقد أن الفاتحة والطمأنينة وغيرهما من المفروضات سنة.

ص: 129