الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: في اجتماع الخلطة والانفراد [في الحول الواحد]
(1)
قوله: فأما إذا انعقد الحول على الانفراد ثم طرأت الخلطة، فإن اتفق حولاهما فالجديد أن حكم الخلطة لا يثبت في السنة الأولى لأنها عارضة. انتهى كلامه.
ومحل القولين إذا خلط في زمن لو علف فيه سقط حكم السوم، كذا رأيته في "مشكلات المهذب" لصاحب "البيان"، ونقله عنه النووي في "شرح المهذب"، وأقره وارتضى مقالته في "الروضة" فجزم بها، وادعى الاتفاق على أن اليومين لا أثر لهما.
قوله: ولو ملك ثمانين شاة فباع نصفها مشاعًا في أثناء الحول لم ينقطع حول البائع عن النصف الباقي قطعًا، وفيما يجب عليه عند تمام حوله وجهان:
أحدهما: شاة تغليبًا للانفراد.
وأصحهما عند صاحب "التهذيب": نصف شاة. انتهى.
والأصح ما صححه صاحب "التهذيب"، كذا صححه في "شرح المهذب"، وفي أصل "الروضة".
قوله في الفصل الرابع: ولو اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة وماشية منفردة من جنسها كما لو خلط عشرين شاة بعشرين لغيره، وله أربعون ينفرد بها فقولان:
أصحهما: أن الخلطة خلطة ملك أي تثبت الخلطة في كل ما في ملكه، فيجعل كأن لصاحب الستين خلط جميعها بعشرين، فيلزمها شاة، ثلاثة
(1) سقط من أ.
أرباعها على صاحب الستين وربعها على صاحب العشرين.
والثاني: أن الخلطة خلطة عين أي يقتصر حكمها على قدر المخلوط، فعلى هذا يجب على صاحب العشرين نصف شاة، وفي صاحب الستين وجوه:
أصحها: شاة تغليبًا للانفراد.
والثاني: ثلاثة أرباع شاة تغليبًا للاختلاط.
والثالث: عليه خمسة أسداس شاة ونصف سدس، وذلك بأن يجمع بين اعتبار الخلطة والانفراد فتوجب في الأربعين المنفردة حصتها من الواجب [لو انفرد بالستين وهو ثلثا شاة وتوجب في العشرين المختلطة حصتها من الواجب](1) لو خلط الكل، وذلك ربع شاة.
والرابع: أن الخلطة تثبت في الأربعين، ولا تتعداها وحينئذ فتوجب عليه نصف شاة في العشرين المختلطة، وثلثا شاة في الأربعين المنفردة، فإنه حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله وذلك شاة وسدس. انتهى ملخصًا.
وإنما ذكرت هذا الكلام كله توطئة لما سيأتي من المسائل بعد هذا.
إذا] (2) علمت ذلك فقد قال في الفصل السادس:
الثانية: ملك خمسًا وعشرين من الإبل فخالط بكل خمس منها خمسًا لرجل، فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الخمس وعشرين نصف حِقّه لأن الكل خمسون، وفيما على كل واحد من خلطائه وجهان:
أحدهما: عُشر حقة.
والثاني: سدس بنت مخاض، لأنه خلط خمسًا بخمس وعشرين لا غير. انتهى كلامه.
(1) سقط من أ.
(2)
نهاية سقط من جـ نحو 80 ورقة.
والأصح هو الوجه الأول، كذا صححه في "شرح المهذب"، وصححه أيضًا في أصل "الروضة" من غير تنبيه عليه، فافهم ذلك.
قوله: الرابعة: إن أردت أن تفرع صورة على هذه الاختلافات من عند نفسك فقدر أن لك عشرين من الإبل خلطت كل خمس منها بخمس وأربعين لرجل.
فإن قننا بخلطة الملك فعليك الأغبط من نصف بنت لبون أو خُمسى حقة.
وإن قلنا بخلطة العين فعلى كل واحد من خلطائك سبعة أعشار حقة لأن المبلغ خمسون.
وفيما تلزمه الوجوه السابقة على الأول يلزمك أربع شياه كأنك منفرد بالعشرين أي بالتفسير المذكور في الصور قبله.
وعلي الثاني يلزمك الأغبط. . . . إلى أن قال ما نصه: وعلى الرابع يلزمك أربع شياه كما في الوجه الأول كما لو كانت كل خمس لرجل. انتهى كلامه.
وما ذكره في التفريع على الوجه الرابع، تبعه عليه في "الروضة" أيضًا، وهو غلط.
والصواب: أنه يلزمه أربعة أعشار حِقّة، لأن الوجه الرابع يثبت حكم الخلطة فيما وقع فيه الاختلاف ثم إنه إن كان هناك من جنسه شئ آخر منفرد أوجبنا حصته لو كان منفردًا بجميع ماله، وإن لم يكن كهذا المثال اقتصرنا على إيجاب ما تقتضيه الخلطة، وقد أوضح ذلك كله بمثل كثيرة ذكرها قبيل هذا المثال.
وحينئذ فيجب عليه في كل خمسين عُشر حِقّة لأن واجبها حِقّة، وله منها خمس فقط بمجموع ما يجب عليه أربعة أعشار حِقّة.
وأما ما ذكره من أربع شياه فغلط عجيب سببه أن الفرع الذي ذكره قبل هذا مَثَّلَ له بمثال يلزم منه أن يكون التفريع على الرابع كالتفريع على الأول، فأجاب به أيضًا في الفرع الذي يليه.
قوله: فرع:
لو خالط خمسة عشر من الغنم بخمسة عشر لغيره ولأحدهما خمسون منفردة، وقلنا بخلطة الملك ففي ثبوت الخلطة وجهان. . . . إلى آخره.
والأصح ثبوتها، كذا صححه النووي في "شرح المهذب" و"زيادات الروضة".
قال رحمه الله: [النظر](1) الثالث. . . . إلى آخر ما ذكر.
قوله: وإنما تضم السخال إلى الأمهات بثلاثة شروط:
أصحها: أن يحدث قبل تمام الحول سواء كثر الباقي من الحول أو قل. . . . إلى آخره.
فيه أمران:
أحدهما: أنه أهمل شرطًا آخر ذكره صاحب "التتمة" وهو أن يكون ملكه للنتاج بالسبب الذي ملك به الأمهات، حتى إن الموصي له بالحمل لو أوصى به لمالك الأمهات، ومات الموصى، ثم نتجت فلا ضم.
الأمر الثاني: قد علمت أن السيوم شرط في النتاج في باقي السنة، وبه صرح الرافعي.
وحينئذ فلا تضم السخال إلى الأمهات ما دامت تقتات بألبانها لأنها تقتات بشئ من أموال المالك والسائمة هي التي ترعى في الكلأ المباح، ثم إنها إن استقلت بعد ذلك بالرعي فلا ضم أيضًا إلا إذا مضى عليها حول من حين الاستقلال، لأن حول السخال عند الضم كحول الأمهات، والأمهات
(1) في جـ: الشرط.
إذا اعتلفت في أثناء الحول ينقطع حولها، فكذلك السخال، نعم إن فرضنا أن المدة التي اقتاتت فيها اللبن مدة يسيرة على ما هو مذكور في موضعه لم يمنع.
قوله: والمستفاد في أثناء الحول لا يضم في الحول إلى ما عنده، بل يضم إليه في النصاب خلافًا لابن شريح فإذا ملك عشرين من الإبل في أول محرم ثم اشترى عشرة في أول رجب، فإذا جاء المحرم فعليه أربع شياه في العشرين، وإذا جاء رجب فعليه خُمس بنت مخاض لأجل العشر ثم عليه بعد ذلك في كل حول يمضي على العشرين أربعة أخماس بنت مخاض، وقس على ذلك، وعلى ما قاله ابن شريح يجب في العشرين أربع شياه دائمًا وفي الخمس شاة أبدًا، ثم قال ما نصه: ورأيت في بعض الشروح حكاية وجه آخر أن الخمسة لا تجري في الحول حتى يتم حول الأصل، ثم ينعقد الحول على جميع المال، وهذا يطرد في العشر في الصورة السابقة بلا شك. انتهى كلامه.
وهذا الوجه الذي حكاه عن هذا الشرح المجهول ولم يعلله وطرده بحثًا من عنده قد صرح في "التتمة" بنقله وصرح أيضًا باطراده في كل مثال وعلله أيضًا بقوله: حتى لا يؤدي إلى تبعيض ملك الشخص الواحد المقتضي للعُشر.
قوله: فإن كان صيرفيًا اتخذ الصرف في النقد متجرًا ففيه وجهان في رواية ابن كج والحناطي وصاحب "المهذب" وغيرهم، وقولان في رواية الشيخ أبي محمد وصاحب "التهذيب" وآخرين:
أحدهما: لا ينقطع كالعروض.
وأصحهما: ينقطع لأن التجارة فيها ضعيفة نادرة.
وخص الصيدلاني وطائفة الخلاف بما إذا غلبنا زكاة العين عند اجتماعها
مع التجارة.
فإن غلبنا التجارة لم ينقطع جزمًا. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن الرافعي في "الشرح الصغير" قد جزم بأن الخلاف قولان.
وأما النووي فاختلف كلامه، فنقل في "شرح المهذب" عن الأكثرين أن الخلاف وجهان، ولم يخالفهم، وصحح في "الروضة" أنه وجهان، ولم ينبه فيها على أنه من زياداته، بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له.
ونقل ابن الرفعة في "الكفاية" عن النووي أنه صحح في هذه المسألة أن حول التجارة لا ينقطع، وهو غلط ليس موجود في شئ من كتب النووي، فاعلمه.
الأمر الثاني: أن هذا المنقول عن الصيدلاني قد حذفه النووي فلم يذكره في "الروضة" مع أنه يتلخص منه مع ما قبله طريقان في المسألة: قاطعة بالوجوب، وحاكيه للخلاف.
قوله: وإن أسيمت في بعض الحول وعلفت في بعضه، وهو دون المعظم ففيه وجوه، ثالثها وهو الأفقه عند الغزالي، وذهب إليه أبو إسحاق ومال إليه ابن كج أنها إن علفت قدرًا يعد مؤنة بالإضافة إلى رفق السائمة فلا زكاة، وإن استحقر بالإضافة إليه وجبت الزكاة.
وفسر الرفق بدرها ونسلها وأصوافها وأوبارها.
ويجوز أن يقال: المراد فيه رفق إسامتها فإن في الرعى تخفيفًا عظيمًا.
ورابعها: وهو الذي ذكره الصيدلاني، وصاحب "المهذب" وكثير من الأئمة أنها إن علفت قدرًا تعيش الماشية بدونه لم يؤثر وجبت الزكاة، وإلا فلا.
وقد قيل: إن الماشية تصبر اليومين، ولا تصبر الثلاثة. انتهى ملخصًا.
وليس فيه تصريح برجحان واحد منها عنده، وقد اختلف فيه كلامه فرجح في "الشرح الصغير" الوجه الثالث، وعبر بالأفقه، ورجح في "المحرر" الوجه الرابع وعبر بالأشبه، وكلامه هنا -أعني في "الكبير"- يشعر به.
وقال النووي في "شرح المهذب": إنه الأصح.
قوله في المسألة المذكورة: قال في "النهاية": ولا يبعد أن يلحق الضرر البين بالهلاك في هذه الطريقة أي في طريقة من اعتبر الهلاك. انتهى.
لم يصرح هو ولا النووي في "الروضة" و"شرح المهذب" بموافقة الإمام ولا مخالفته، والأمر كما قاله الإمام، فقد جزم به في "المحرر" وتبعه عليه النووي في "المنهاج".
قوله: ولعل الأقرب تخصيص هذه الأوجه لما إذا لم يقصد شيئًا.
أما إذا علف على قصد قطع السيوم فينقطع الحول لا محالة، كذا أورده صاحب "العدة" وغيره. انتهى.
تابعه عليه في "الروضة" وعبر في "الشرح الصغير" بقوله: بلا خلاف، والذي قاله مردود، فقد رأيت في "الشافي" للجرجاني التصريح بالخلاف في ما إذا علق على قصد القطع فقال ما نصه: وإن علقها الحول، أو بعضه ولم ينو تعليقها إلى العلف فلا حكم له، وإن نواه انقطع حولها في أصح الوجهين.
قوله من زوائده: ولو أسيمت في كلأ مملوك فهل هي سائمة أو معلومة؟ وجهان كلاهما في "البيان". انتهى.
وهذه المسألة قد تكلم عليها القفال في "فتاويه" كلامًا حسنًا ينبغي الأخذ به فقال: إذا كان له غنم فاشترى حشيشًا في مكانه فرعاها فيه فإنها
تكون سائمة كما لو وهب له حشيش فأطعمها فإنها تكون معلوفة؛ فلو جز الحشيش وأطعمها في المرعى أو في البلد كانت معلوفة، ولو رعاها أوراقًا تناثرت كانت سائمة، فلو جمعت الأوراق وقدمت إليها كانت معلوفة. هذا كلامه.
والمسألة شبيهة بالمعشرات في أنه إن سقى بماء السماء ففيه العشر لخفة المؤنة، وإن سقى بالناضج ونحوه ففيه نصف العشر لكثرتها.
وقد ذكر الرافعي هناك أنه إذا سقاه بما ملكه بالشراء فيكون كالناضح وإن ملكه بالهبة ففيه وجهان حكاهما ابن كج عن ابن القطان ورجح وجوب نصف العشر للمئة، وهذا الكلام موافق لبعض ما قاله القفال.
قوله: وفي وجوب الزكاة في السائمة التي تعمل كالنواضح وغيرها وفي السائمة إذا اعتلفت بنفسها وجهان:
أصحهما: المنع. انتهى ملخصًا.
جزم في المنهاج بطريقة الوجهين، ثم خالف في "شرح المهذب" فقال: قطع الأكثرون [بعدم الوجوب، وبين التعبير بالأصح المقتضي للجزم بالخلاف وقوته وبين قطع الأكثرين](1) تباين كبير.
قوله في الشرط السادس: وفي الضال والمغصوب والمجحود ونحوها قولان:
أصحهما: الوجوب.
وقيل: إن عادت بتمامها وجب، وإلا فلا.
وذهب مالك إلى أنه تجب زكاة السنة الأولى ولا يجب ما عداها، ثم قال الرافعي في آخر المسألة: إن الأئمة ذكروا أن مذهب مالك مبني على أصل له، وهو أن الإمكان من شرائط وجوب الزكاة فلا يبتدئ الحول
(1) سقط من أ.
الثاني إلا من يوم الإمكان، ويوم الإمكان هاهنا هو يوم الوجدان.
وهذا الذي ذكروه يقتضي أن يكون للشافعى قول مثل مذهبه؛ لأن له قولًا كمذهبه في أن الإمكان من شرائط الوجوب. انتهى كلامه.
وما ذكره الرافعي بحثًا من ثبوت قول ثالث، ولم يقف على نقله، قد صرح به أبو علي الزجاجي في كتابه المسمى "بالتهذيب" وهو زيادات على "المفتاح" لابن القاص فقال: ففيها ثلاثة أقوال:
أحدها: لا زكاة عليه لما مضى، ويبتدئ الحول من يوم الوجود.
والثاني: علية زكاة السنين كلها.
والثالث: لا تجب إلا لسنة واحدة.
هذه عبارته، ومن كتابه نقلت، وقد نقله عنه أيضًا الروياني في "البحر" ونص -أعني الزجاجي- في خطبة كتابه على أنه إذا أطلق قولًا فيكون إما منصوصًا للشافعي أو من تخريج المزني أو أبي العباس بن سريج.
وقد أسقط النووي من "الروضة" ما قاله الرافعي هنا لتوهمه أنه مجرد بحث، لم يقل به أحد.
قوله: الثالثة: لو رهن ماشية أو غيرها من الأموال الزكوية فقد حكى الإمام والمصنف في وجوب الزكاة فيها وجهين لامتناع التصرف وقطع الجمهور بالوجوب.
ثم قال: نعم يجئ الخلاف بجهة أخرى، وهي أن الرهن لابد وأن يكون بدين، فيأتي فيه الخلاف الذي سنذكره في الدين هل يمنع وجوب الزكاة أم لا؟
والذي قاله الجمهور جواب على القول المشهور وهو أنه لا يمنع. انتهى كلامه.
وما ادعاه من أن مجئ الخلاف سببه أن الرهن يستلزم الدين لا يستقيم
لأن الرهن وإن استلزم الدين لكن لا يستلزم أن يكون على مالك الرهن لأنه قد يستعير شيئًا ويرهنه فلا يأتي المعنى الذي قاله في هذه الصورة.
والأصحاب لم يخصوا الخلاف بما عداها.
وفي هذه المسألة كلام آخر يأتيك في زكاة الفطر في الكلام على فطرة العبد المرهون.
قوله: وإن كان الدين مؤجلًا ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه تجب فيه الزكاة قولًا واحدًا [كالمال الغائب الذي يسهل إحضاره.
والثاني: لا تجب قولًا واحدًا] (1) لأن من له دين مؤجل لا يملك شيئًا قبل حلول الأجل.
والثالث -وهو الأظهر: أنه على القولين في المغصوب. انتهى.
وما قاله في تعليل الثاني من كونه لا يملك الدين المؤجل قبل حلوله قد صحح خلافه في كتاب الأيمان فقال في من حلف لا مال له: إنه يحنث بالدين الحال والمؤجل في أصح الوجهين.
فإذا حنث في التعبير بالمال فبالملك أولى لما ذكروه هناك.
قوله: فإن أوجبناها لم يجب الإخراج حتى يقبضه على الأصح، وعلى الثاني يجب في الحال. انتهى.
والتعبير بالقبض وقع أيضًا في "الروضة" وفي غيرهما من كتبهما، وهو غير مستقيم، بل الصواب التعبير بالحلول، فإن الخلاف محله إذا كان على ملى مقر ولا مانع سوى الأجل.
وحينئذ فمتى حَلّ وجب الإخراج، قبض أم لا.
قوله: الخامسة: المال الغائب إن لم يكن مقدورًا عليه لانقطاع الطريق
(1) سقط من أ.
أو لانقطاع خبره فهو كالمغصوب والمجحود.
ثم قال: وإن كان مقدورًا عليه معلوم السلامة وجب إخراج زكاته في الحال، وينبغي أن يخرج في بلد المال، فإن أخرج في غير ذلك البلد ففيه خلاف نقل الصدقة، وهذا إذا كان المال مستقرًا في بلد، فإن كان سائرًا، قال في "العدة": لا تخرج زكاته حتى يصل إليه، فإذا وصل زكى لما مضى بلا خلاف. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة"، قال في "شرح المهذب": وما ذكره في "العدة" وكلام الأصحاب محمول عليه.
واعلم أن ما ذكره هنا من وجوب الإخراج في الحال قد ذكر بعد ذلك في الكلام على تأخير الزكاة ما يخالفه، وسأذكر لفظه هناك فراجعه.
قوله: واللقطة في السنة الأولى باقية على ملك [المالك](1) وفي وجوب زكاتها عليه الخلاف في المغصوب ثم إن عرفها الملتقط نظر إن اختار التملك. . . . إلى آخر ما قال.
واعلم أنه إذا ملك أربعين شاة مثلًا وحال عليها الحول فهل وجب للفقراء شاة مبهمة أم وجب لهم جزء شائع من أربعين جزءًا منها؟ فيه وجهان حكاهما الرافعي من غير ترجيح.
إذا علمت ذلك فالذي قاله الرافعي وغيره من اختيار التملك يتجه إذا قلنا: الواجب شاة شائعة فإن الذي يملكه، والحالة هذه يكون معينًا وهو تسعة وثلاثون جزءًا من أربعين جزءًا منها.
وأما إذا قلنا: الواجب شاة مبهمة، فيكف يصح من الملتقط اختيار تملك الباقي مع أنه غير معين؟
قوله: والدين لا يمنع وجوب الزكاة على الجديد لأنا إن علقنا بالذمة،
(1) سقط من أ.
فالذمة لا تضيق عن ثبوت الحقوق، وإن علقناها بالعين فالدين المتعلق بالذمة لا يمنع الحق [المتعلق](1) بالعين؛ ألا ترى أن عبد المديون لو جنى تعلق أرش الجناية برقبته. انتهى كلامه.
وقد اختلفت النسخ في التعبير عن الكلام الأخير ففي بعضها عبد المديون كما ذكرناه، أي عبد من عليه دين [وفي بعضها العبد المأذون أي إذا كان عليه دين](2) فجنى، والاستشهاد به أبلغ، لأن الدين لم يمنع من تعلق الحق بالمديون نفسه.
واعلم أن الضامن لا يثبت عليه للمضمون له مال، بل الثابت إنما هو حق المطالبة والإبراء، كذا ذكره الشيخ عز الدين في قواعده، ثم قال: ويحتمل ثبوته في ذمته، ولكن لا يثبت له جميع أحكام الديون من وجوب الزكاة فيه وغيره، وينبغي استحضار هذا الفرع في هذه المسائل.
قوله: التفريع إن قلنا: الدين لا يمنع الزكاة، فلو أحاطت بالرجل ديون، وحجر عليه القاضي فله ثلاثة أحوال، ثم قال: الثاني: أن يعين لكل واحد منهم شيئًا من ماله على ما يقتضيه التقسيط ويمكنهم من أخذه فحال الحول، ولم يأخذه قال معظم الأصحاب: لا زكاة عليه أيضًا لأن ملكه قد ضعف، وصاروا أحق به، ولم يحكوا فيه [خلافًا](3) وحكى الشيخ أبو محمد في هذه الصورة عن بعض الأصحاب أن وجوب الزكاة يخرج على الخلاف في اللقطة في السنة الثانية. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن ما ذكره هاهنا عن المعظم من وجوب الزكاة ومن نفيهم الخلاف قد تابعه عليه في "الروضة" وهو غريب، فقد أعاد المسألة في أوائل
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من أ.
(3)
سقط من أ.
كتاب التفليس في الكلام على تصرفات المفلس، وقال: إن أظهر القولين عدم الوجوب، وذكر أيضًا أن ذلك هو الأشهر، وستعرف كلامه هناك إن شاء الله تعالى فراجعه.
الأمر الثاني: أنه ينبغي أن تكون صورة هذه المسألة فيما إذا كانت أمواله من جنس ما عليه وإلا فكيف يعطيها الحاكم من غير بيع ولا تعويض، وقد صورها بذلك الشيخ أبو محمد في كتاب "السلسلة".
الأمر الثالث: أن النووي رحمه الله قد حصل له في "الروضة" هنا غلط فاحش فإنه جعل هذه الأحوال كلها مفرعة على أن الدين يمنع الوجوب فقال ما نصه: فإذا قلنا: الدين يمنع فأحاطت هذه عبارته، ومن خطه نقلت.
ثم عزاه منها إلى "شرح المهذب" على عادته وهو مع كونه خلاف ما في الرافعي، وما في الأصول المأخوذة من كتب المذهب "كالنهاية" و"البحر" وغيرهما واضح البطلان.
فإنا إذا قلنا: إن الدين يمنع فأحاطت به ديون فلا يأتي بعد ذلك خلاف وجوب الزكاة سواء حجر عليه الحاكم أم لم يحجر أرصده للغرماء أم لم يرصده.
قوله: ولو قال: لله علىّ أن أتصدق بهذا المال، فمضى الحول قبل التصدق، فإن قلنا: الدين يمنع وجوب الزكاة؛ فهاهنا أولى بأن لا يجب لوجوب صرفه إلى ما نذر.
وإن قلنا: لا يمنع فوجهان: ويخرج مما حكيناه طريقان: القطع بالمنع، والتخريج على الخلاف السابق أي في الدين هل يمنع؟ انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن الأصح من هذين الوجهين المفرعين على عدم المنع هو عدم
الوجوب، كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير" وعبر بالأظهر.
الأمر الثاني: لم يبين الأصح من الطريقين هنا ولا في "الشرح الصغير"، وصحح النووي في "الروضة" و"شرح المهذب" الطريقة القاطعة، ولم ينبه في "الروضة" على أنه من زياداته، بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له.
الأمر الثالث: ولنقدم عليه ما ذكره الرافعي في كتاب الضحايا قبيل الكلام على أحكام الأضحية فقال: وقد صرح الأصحاب بزوال الملك عن الهدي والأضحية المعينين، وكذا لو نذر أن يتصدق بمال بعينه زال ملكه عنه بخلاف ما لو نذر إعتاق عبد بعينه لا يزول ملكه عنه ما لم يعتقه لأن الملك في الهدي والأضحية، والمال المعين ينتقل إلى المساكين، وفي العبد لا ينتقل الملك إليه. انتهى ملخصًا.
وإذا تقرر أن نذر التصدق ونحوه بنقل الملك فلا يتصور أن تجئ هذه المسألة بالكلية.
نعم حكى الرافعي هناك وجهًا بعد هذا الكلام بقليل أن هذه الأشياء لا تتعين ويكون الواجب في ذمته، ولا يستقيم أن يكون المذكور هنا تفريعًا عليه، فإن القائل به لم يوجب صرف المعين له.
والرافعي قد صرح في هذا الكلام بوجوب صرفه وهذا الإشكال الذي ذكرته يأتي أيضًا في مسألة سأذكرها عقب هذه المسألة ناقلًا لها عن "الروضة" لغرض آخر.
قوله في "الروضة": ولو قال: جعلت هذا المال صدقة أو هذه الأغنام ضحايا أو لله على أن أضحى بهذه الشاة، وقلنا: تتعين للتضحية بهذه الصيغة، فالمذهب لا زكاة.
وقيل: على الخلاف. انتهى كلامه.
ويأتي في هذه المسائل من إشكال التصوير ما سبق في المسألة السابقة.
واعلم أن لفظ التضحية هنا مجرور بلام الجر هكذا رأيته بخط المصنف، وهو الصواب كما أوضحه هو في كتاب الأضحية فقال: ولو قال ابتدأ: على بالتضحية بهذه البدنة أو الشاة، لزمه التضحية قطعًا، وتتعين تلك الشاة على الصحيح. انتهى.
فنفى الخلاف عن وجوب [التضحية](1)، وإنما حكى الخلاف في تعيين التي أشار إليها.
قوله: وإذا اجتمع الدين والزكاة في تركة ففيه ثلاثة أقوال:
أظهرها: أن الزكاة تقدم لأن الزكاة متعلقة بالعين، والدين مسترسل في الذمة.
ولهذا تقدم الزكاة في حال الحياة ثم يصرف الباقي إلى الغرماء.
وثالثها: يستويان.
ثم قال: ولك أن تعلم كلامه بالواو لأنه قد حكى عن بعضهم طريقة قاطعة بتقديم الزكاة المتعلقة بالعين، والأقوال إنما هي في اجتماع الكفارات وغيرها مما يسترسل في الذمة مع حقوق الآدميين، وقد تفرض الزكاة من هذا القبيل بأن يتلف ماله بعد الحول والإمكان، ثم يموت وله مال. انتهى.
وحاصله أن الأصح جريان الأقوال، وإن كان الزكوى باقيًا؛ إذا تقرر هذا ففيه أمور:
أحدها: أنه قد ذكر ما يخالفه في موضعين من هذا الكتاب، وأن الأقوال لا تجري إذا كان الزكوى باقيًا:
أحدهما: في زكاة المعشرات قبل الكلام على ضم حمل النخلة إلى حملها الثاني فقال فيه فيما إذا وجب عليه أداء دين فبدى الصلاح في ثمارٍ له، وهل تؤخذ الزكاة منها؟ إن قلنا: إنها تتعلق بالعين أخذت سواء قلنا
(1) سقط من أ.
: تعلق الشركة أو تعلق الأرش.
وإن قلنا: إنها تتعلق بالذمة والمال مرتهن بها فطريقان:
أحدهما: أنه على الأقوال الثلاثة في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدمى.
والطريق الثاني: وهو الأصح -أن الزكاة تؤخذ بكل حال، لأن حق الزكاة أقوى تعلقًا بالمال من حق الرهن.
ألا ترى أن الزكاة تسقط بتلف المال بعد الوجوب وقبل إمكان الأداء أو الدين لا يسقط بهلاك الرهن، ثم حق المرتهن يقدم على حق غيره فحق الزكاة أولى أن يكون مقدمًا. انتهى.
وحاصله أنا إن قلنا: يتعلق بالعين تعلق الشركة أو الأرش فلا تجرى الأقوال قطعًا.
وإن قلنا: يتعلق بالذمة فهو محل الطريقين والأصح عدم الجريان أيضًا، وهو تباين فاحش.
والموضع الثاني: في كتاب الأيمان قبيل الباب الثالث بنحو ورقة فقال فيه ما نصه: وعندنا إذا وفت التركة بما على الميت من حقوق الله تعالى وحقوق العباد قضيت جميعًا؛ وإن لم تفِ به وتعلق بعضها بالعين وبعضها بالذمة فيقدم ما يتعلق بالعين سواء اجتمع النوعان أو تجرد أحدهما.
وإن اجتمع النوعان والكل متعلق بالعين أو بالذمة فيقدم حق الله تعالى أو حق الآدمي أو يتساويان فيه ثلاثة أقوال ذكرناها. انتهى.
ووقعت هذه المواضع الثلاث في "الروضة" كما في الرافعي، وأجاب هنا النووي في "شرح المهذب"، والرافعي في "الشرح الصغير" بأن الأقوال جارية مطلقًا، ولم يقع فيهما غير ذلك، والصواب خلاف ما قاله هنا لأن الأصحاب قد صححوا أن الزكاة متعلقة بالمال تعلق الشركة حتى أن
الفقراء ينتقل إليهم مقدار الزكاة، ويصيرون شركاء رب المال، وفي قول أن التعلق كالرهن، وفي قول كالجناية، وكل واحد منهما مقتضٍ للتقديم فكيف يعقل مع ما صححوه جريان الخلاف في تقديم الدين، وأن يقضي مما ليس بملك للمديون.
الأمر الثاني: إذا اجتمع في التركة جزية ودين فإن الأصح عند الرافعي والنووي أنهما يستويان مع أن الجزية حق الله تعالى.
فإن قيل: ليست عبادة.
قلنا: لا أثر له إذ المعنى في التقديم كونه حقًا لله تعالى، وأيضًا فينتقض بالكفارة على الذمي.
الأمر الثالث: أن ما ذكره أولًا من تقديم الزكاة في حال الحياة محله إذا لم يحجر الحاكم عليه، فإنه قد جزم في كتاب الأيمان بأن هذه الأقوال لا تجري في المحجور عليه بفلس، بل تقدم حقوق الآدمي، وتؤخر حقوق الله تعالى ما دام حيًا.
وتبعه عليه في "الروضة" فاعلمه فإن المتبادر من كلامه هنا ما يخالفه، لكن رأيت في كتاب الأيمان من "شرح المختصر" لأبي علي بن أبي هريرة الذي علقه عنه أبو علي الطبري الجزم بجريانها في الحياة، والتوقف في إجرائها بعد الموت فقال: وهذه الأقوال هي في حال الحياة وكذلك بعد الموت على الصحيح.
ويحتمل أن يقال: المقدم بعد الموت حق الآدمي قولًا واحدًا. هذا كلامه.
ولم يتعرض ابن الرفعة لاجتماع الزكاة والدين على المحجور عليه، وحكى في اجتماع الكفارات والديون ترددًا للإمام موجهًا لعدم الجريان وتقديم الدين بأن الكفارات على التراخي، وللجريان بأن المرعي حق من عليه الكفارة.
الأمر الرابع: أن زكاة الفطر حكمها فيما ذكرناه حكم زكاة المال على الصحيح، وسيأتي الكلام عليه في آخر زكاة الفطر، بل هذه الأقوال جارية في كل حق لله تعالى يجتمع مع الدين سواء كان نذرًا أو كفارة كما تقدم أو خبراء صيد. كذا ذكره في آخر قسم الصدقات من "شرح المهذب"؛ وذكره أيضًا في أثناء الحج من الشرح المذكور أنها تجرى أيضًا في الحج مع الدين.
قوله حكاية عن إمام الحرمين: فإن قلنا: إن الغنيمة تملك قبل القسمة ففي وجوب الزكاة ثلاثة أوجه:
أحدها: لا لضعف الملك.
والثاني: [نعم](1) اكتفاء بأصل الملك.
والثالث: إن كان في الغنيمة ما ليس بزكاتي فلا يجب لجواز أن يجعل الإمام الزكوى سهم الخمس، وإن كان الكل زكويًا وجب.
ثم قال الرافعي: وكان الأحسن بصاحب هذا الوجه أن يقول: إن كان الزكوى بقدر خمس المال لم يجب، وإن زاد وجب زكاة القدر [الزائد](2). انتهى ملخصًا.
تابعه في "الروضة" على نقل الوجه الثالث عن الإمام على الكيفية التي نقلها عنه الرافعي، وعلى الاستدراك الذي أورده عليه، وهو غريب، فإن الإمام لم يطلق القول بعدم الوجوب فيما إذا كان فيها غير زكوى حتى يتوجه عليه الاعتراض، بل قيد ذلك بما إذا كان الزكوى قدر الخمس فقال ما نصه: والثالث: إن كان فيما غنموه ما ليس بزكاتي ويجئ بقدر أن يقع الزكاتي خمسًا ولا زكاة في الخمس، فلا زكاة أصلًا؛ فإن للإمام أن يوقع القسمة على الأجناس على شرط التعديل فيوقع [الزكاتي في الخمس. هذا
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من أ.
لفظه.
وقول الإمام: (ولا زكاة في الخمس) هي جملة في موضع] (1) الحال فاعلمه.
قوله: ولو أصدق زوجته أربعين شاة فحال عليها الحول وأخرجت الزكاة منها ثم طلقها قبل الدخول ففيه ثلاثة أقوال:
أحدها: تأخذ نصف الصداق من الموجود، ويجعل المخرج من نصيبها، فإن تساوت قيمة الشاة أخذ عشرين منها، وإن تفاوتت أخد النصف بالقيمة.
والثاني: يأخذ نصف الأغنام الباقية، ونصف قيمة الشاة المخرجة.
والثالث: أنه بالخيار بين هذا وبين أن يترك الجميع، ويرجع بنصف القيمة. انتهى.
والصحيح هو القول الثاني، كذا صححه الرافعي في كتاب الصداق والنووي في "شرح المهذب" و"زيادات الروضة"، وقول الرافعي في آخر القول الأول: أخذ النصف بالقيمة، مراده بالنصف نصف الصداق لا نصف الموجود فاعلمه.
وتقديره أخذ النصف الذي يستحقه باعتبار القيمة، وقد عبر في "الروضة" أيضًا بهذه العبارة الموهمة، وزاد على ذلك إيهامًا آخر فقال:
أحدهما: ترجع بنصف الجملة، فإن تساوت قيمة الغنم أخذ عشرين منها، وإن اختلفت أخذ النصف بالقيمة. هذا لفظه.
ومراده بالجملة التي يرجع بنصفها هو الذي أعطاه لا الموجود فاعلم هذين الإيهامين.
(1) سقط من ب.
قوله: وإذا أَجَّر دارًا أربع سنين بمائة دينار معجلة وقبضها فقولان:
أحدهما: يلزمه عند تمام الأولى زكاة جميع المائة لأنه ملكها ملكًا تامًا. ولهذا لو كانت الأجرة أمة جاز له وطؤها.
والثاني: وهو الراجح عند الجمهور -أنه لا يلزمه أن يخرج عند تمام كل سنة إلا زكاة القدر الذي استقر ملكه عليه لأن الملك قبل ذلك ضعيف إذ يسقط بانهدام الدار.
ثم قال: والقول بثبوت الملك التام في الأجرة ممنوع على رأى بعضهم، فإن صاحب "النهاية" حكى طريقة أن الملك يحصل في الأجرة شيئًا فشيئًا، فمن قال بذلك لا يسلم ثبوت الملك في الأجرة فضلًا عن ثبوت الملك التام. انتهى كلامه.
وهذا النقل عن "النهاية" ليس مطابقًا لما فيها، وقد أوضحه ابن الرفعة في "الكفاية" فقال: الذي فيها حكاية خلاف في أنه مستقر أو موقوف فإن مضت المدة سالمة عما يوجب الانفساخ تبينا بالأجرة أنها ملكت بنفس العقد، وإن ظن انفساخ تبينا أنه لم يجد ملك إلا فيما مضت مدته. انتهى.
وقد حكاه الماوردي أيضًا، وصحح الثاني فقال: وقد اختلف قول الشافعي في أنه هل ملكها بالعقد ملكًا مستقرًا منبرمًا كثمن المبيع أو ملكها ملكًا موقوفًا مراعًا كلما مضى زمان من المدة بان استقرار ملكه على ما قابله من الأجرة.
نعم الخلاف في أصل الملك ثابت؛ صرح به في "التتمة" فإنه حكى في ملكها طريقين:
إحداهما: أن فيه قولين.
والثانية: القطع بالملك.
ورد الخلاف إلى الاستقرار، فلو تمسك الرافعي بهذا لاستقام.
قوله: التفريع إن قلنا بالقول الأول فيخرج عند تمام السنة الأولى زكاة المائة، وكذا كل سنة إن أخرج [من](1) غيرها، فإن أخرج منها زكى كل سنة ما بقى، وإن قلنا بالثاني، وهو الراجح فيخرج عند تمام الأولى زكاة ربع المائة [وهي](2) خمسة وعشرون دينارًا وزكاتها نصف وثُمن دينار، لأن ملكه قد استقر عليه.
فإذا مضت السنة الثانية فقد استقر ملكه على خمسين دينار، وكانت في ملكه سنتين فعليه زكاة خمسين لسنتين وهي ديناران ونصف، لكنه قد أدى زكاة خمس وعشرين لسنة فيحط ذلك ويخرج الباقي وهو ديناران إلا ثمن.
فإذا مضت الثالثة فقد استقر ملكه على خمسة وسبعين، وكانت في ملكه ثلاث سنين وزكاتها للثلاث خمسة دنانير ونصف وثمن دينار أخرج منها للسنتين الماضيتين دينارين ونصفًا تبقي ثلاثة دنانير [وثمن](3)، فإذا مضت الرابعة فقد استقرت المائه أربع سنين، وزكاتها عشر دنانير أخرج منها خمسة ونصفًا وثمنًا فيخرج الباقي وهو أربعة دنانير وثلاثة أثمان، وقد يعبر عن هذا المعنى بعبارة أخرى فيقال: يخرج عند تمام السنة الأولى زكاة خمسة وعشرين لسنة، وعند تمام الثانية زكاة خمسة وعشرين لسنتين، وزكاة الخمسة وعشرين الأول لسنة، وعند تمام الثالثة زكاة الخمسين [السنة](4) و [زكاة](5) لخمس وعشرين الأخرى لثلاث سنين وعند تمام الرابعة زكاة الخمس والسبعين لسنة وزكاة خمس وعشرين لأربع سنين. انتهى كلامه
(1) سقط من جـ.
(2)
في جـ: وهو.
(3)
سقط من ب.
(4)
سقط من أ.
(5)
سقط من أ.
ملخصًا.
وقد استدرك الرافعي بعد هذا بأسطر استدراكًا صحيحًا سببه أن الزكاة تتعلق بالمال تعلق الشركة على الصحيح.
وحينئذ فلا إشكال في أنه يزكي لتمام السنة الأولى عن خمسة وعشرين وهي حصة السنة الأولى من الأجرة.
وأما إذا تمت السنة الثانية فلا إشكال أيضًا في إخراج الزكاة ثانيًا عن الخمسة والعشرين التي كان قد أخرج عنها في السنة الأولى، ثم إنه قد استقر ملكه أيضًا على ربع المائة التي هي حصة السنة الثانية، ولها في ملكه سنتان، وإنما لم يخرج عنها زكاة السنة الأولى عقب انقضائها لعدم استقرارها إذ ذاك.
وحينئذ فيكون قد انتقل إلى الفقراء [منها](1) نصف دينار وثمن دينار، فلما حال الحول الثاني على الآخرة بجملتها، واستقرت حصة ذلك الحول منها لم تكن تلك الحصة كلها أعني الخمسة وعشرين في ملكه، لأن الفقراء قد ملكوا منها نصف دينار وثمنه من أول الحول كما سبق فتسقط حصة ذلك، وهكذا قياس السنة الثالثة والرابعة، وقد بسط الرافعي القول في هذا الاعتراض فقال: ثم القاطعون بالوجوب الحاكون للخلاف في الإخراج قد غاضوا فقالوا: كذا وكذا. . . . إلى آخره.
وقد ذهل في "الروضة" عنه واقتصر على ما سبق فحصل الغلط، ثم إنه عزاه إلى "شرح المهذب" إلا أنه في "الروضة" ذكر إحدى العبارتين، وحذف الأخرى ولا حرج عليه في ذلك.
قوله: والقولان عند الجمهور في الإخراج، وأما الوجوب فثابت قطعًا، وعن القاضي أبي الطيب أنهما في الوجوب نفسه وبه يشعر كلام طائفة.
(1) سقط من جـ.
انتهى.
وهذا النقل عن أبي الطيب ذكره في "الشامل"، ولما لم يقف عليه الرافعي عبر بقوله: وعنَّ احتياطًا وتورعًا لاحتمال خطأ الناقل، وقد ظهرت بركة الرافعي في ذلك فإن القاضي المذكور قد جزم في تعليقته بأنهما في الإخراج، ونقله عنه أيضًا في "الكفاية".
واعلم أن النووي في "الروضة" قد جزم في أول المسألة بأن القولين في الإخراج، ثم حكى بعد هذا ترددًا في أنهما في الإخراج أو في الوجوب، وهو ظاهر التدافع فإن المتردد فيه غير المجزوم به فتأمله.
قوله: ولعلك تبحث فتقول: هل المسألة فيما إذا كانت المائة في الذمة ثم نقد أم فيما إذا كانت معينة أم لا فرق؟
أما كلام النقلة فإنه يشمل الحالتين جميعًا، وأما التفصيل والنص عليها، فلم أرَ له تعرضًا إلا في فتاوى القاضي الحسين، قال في الحالة الأولى: الظاهر أنه تجب زكاة كل المائة إذا حال الحول لاكن ملكه مستقر على ما أخذ.
وفي الحالة الثانية قال: حكم الزكاة حكمها في المبيع قبل القبض. . . . إلى آخر ما قال.
والذي ذكره القاضي في "فتاويه" قد نص عليه أيضًا في "تعليقه" ونقله عنه ابن الرفعة.
قال رحمه الله:
النظر الثاني للزكاة طرف الأداء وله ثلاثة أحوال
الحالة الأولى: الأداء في الوقت.
قوله: وأظهر الوجهين عند أكثرهم أن صرف الزكاة الباطنة إلى الإمام العادل أفضل من تفريقها بنفسه، وعبر صاحب "الكتاب" في قسم الصدقات عن هذا الخلاف بالقولين على خلاف المشهور.
فإن كان جائزًا فأصح الوجهين أن تفريقها بنفسه أفضل. انتهى.
تابعه النووي في "الروضة" على جعل الخلاف في المسألتين وجوهًا ثم خالف في "المنهاج" فجعل الخلاف أقوالًا، فإنه عبر بالأظهر، واصطلاحه فيه أن يكون الأظهر من القولين أو الأقوال والسبب في هذا الاختلاف العجيب أن الرافعي في "المحرر" عبر بهذه العبارة، وليس له فيها ولا في غيرها من الألفاظ اصطلاح، فقلده فيها النووي حالة الاختصار، غير باحث عن المراد بها فلزم منه اختلاف كلامه.
قوله: ويؤيد أفضلية التفريق بنفسه في الأموال الباطنة قوله في "المختصر": وأحب أن يتولى الرجل قسمتها بنفسه، ثم قال: والقائلون بالأول وهو أفضلية الإعطاء إلى الإمام العادل، حملوا قول الشافعي على أنه أولى من التوكيل.
ومنهم من قال: أراد به في الأموال الباطنة. انتهى كلامه.
وتعبيره في آخر كلامه بقوله: (الأموال الباطنة) سهو، فإن الكلام فيها، والصواب في الأموال الظاهرة.
واعلم أن السهمان: هو بضم السين، وهو جمع سهم كركب وركبان ولحم ولحمان.
قوله في أصل "الروضة": فإن كانت الأموال ظاهرة فالصرف إلى الإمام أفضل قطعًا، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور، وطرد الغزالي فيه الخلاف. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أنه جزم في "المنهاج" بطريقة إثبات الخلاف وزاد فجعله قولين، فإنه عبر بالأظهر كما سبق التنبيه عليه.
الثاني: أن ما نقله عن الغزالي من طرد الخلاف وقع أيضًا في "شرح المهذب" وهو غلط، فإنه قد صرح بأنه لا يجري فيه فقال في "الوسيط": فإن كان المال باطنًا جاز التسليم إلى الإمام أو إلى المسلمين وأيهما أولى؟ فيه وجهان، وإن كانت ظاهرة ففي وجوب تسليمها إلى الإمام قولان، ولا شك أن التسليم أولى للخروج عن الخلاف، هذا لفظ "الوسيط".
وذكر في "البسيط" أيضًا مثله، وعبر بقوله: ولا خلاف.
وأما في "الوجيز" فإنه لم يفصل، بل أطلق الخلاف ولم يقف الرافعي من كلام الغزالي هنا إلا على "الوجيز" فنقل عنه أنه أطلق الخلاف، ثم نقل عن المحاملي أنه عمم الخلاف فقال: ورأيت المحاملي قد صرح في القولين والوجهين بطرد الخلاف، فتوهم النووي أنه يلزم من إطلاق الخلاف أن يكون قائلًا بالتعميم غير مستحضرٍ لكلامه في "المبسوط" فصرح به فوقع في الغلط، ثم عداه من "الروضة" إلى "شرح المهذب" على عادته، ويحتمل أن يكون قد غلط من المحاملي إلى الغزالي، وتعبير الرافعي بقوله في "القولين والوجهين" هو كتاب للمحاملي سماه بذلك، وهو من الكتب التي وقفت عليها، ونقلت عنها بالمباشرة، كما نبهت عليه في الخطبة.
وإذا قلنا بوجوب الدفع إلى الإمام فلم يكن أو كان فاسقًا فقيل: يصبر
سنة، وقيل: شهر أو شهرين ونحو ذلك، حكاه الدارمي في "الاستذكار".
قوله فيها أيضًا: ومحل أفضلية الدفع إلى الإمام في المال الباطن والظاهر هو إذا كان عادلًا، فإن كان جائرًا فأصح الوجين أن التفريق بنفسه أفضل. انتهى.
وما ذكره من أن الصحيح أفضلية التفريق بنفسه في الأموال الظاهرة إذا كان الإمام جائرًا قد خالفه في "شرح المهذب" فصحح أن الإعطاء له أفضل.
قوله أيضًا في "الروضة": لو طلب الإمام زكاة الأموال الظاهرة وجب التسليم إليه بلا خلاف. انتهى كلامه.
وما ذكره من عدم الخلاف قد صرح به أيضًا الرافعي قبيل كتاب النكاح بأوراق قلائل في المسألة الخامسة فنقله المصنف إلى هنا، وليس الأمر فيه كما قالاه، فقد حكى الجرجاني في كتاب "الشافي" فيه وجهين، وحكى القاضي أبو الطيب في "تعليقه" ذلك أعني الوجوب عن بعضهم، ثم خالفه وقال: إن قتال أبي بكر كان على المنع والجحود، وبالغ فيه -أعني القاضي المذكور- فنقل عن بعض أصحابنا أنه ليس للإمام حق القبض ونقل الروياني أيضًا وجهين في جواز المطالبة ونقل أيضًا في "البحر" في باب النية في إخراج الصدقة وجهين في أنه هل له مطالبة من يعلم أنه يؤديها بنفسه أم لا؟ ، فتحصلنا على ثلاثة أوجه.
قوله: ثم إذا فرق رب المال زكاة ماله الظاهر فجاء الساعي مطالبًا صدق رب المال بيمينه، واليمين واجبة أو مستحبة؟ وجهان. انتهى.
صحح في "الروضة" من زوائده استحبابها.
قوله: فإن علم الإمام من رجل أنه لا يؤدي زكاة أمواله الباطنة بنفسه،
فهل له أن يقول: إما أن تدفع بنفسك، وإما أن تدفع إلىّ حتى أفرق؟ فيه وجهان في بعض الشروح يجريان في المطالبة بالنذور والكفارات. انتهى.
هذه المسألة ذكرها الرافعي قبيل صدقة التطوع وهو قبل النكاح بقليل فنقلها في "الروضة" إلى هذا الموضع فتبعته عليه.
إذا علمت ذلك فاعلم أنه قد تلخص من كلام الرافعي أن المسألة مفروضة فيما إذا كان المالك يؤديها لكن لا بنفسه، بل بوكيله، وفهم النووي الخلاف على غير وجهه، فظن أن الصورة عند امتناعه من الأداء بالكلية فقال ما نصه: ولو علم الإمام من رجل أنه لا يؤديها فهل له أن يقول. . . . إلى آخر ما سبق.
ثم اعترض بقوله: قلت: الأصح وجوب هذا القول إزالة للمنكر. هذه عبارته.
وسبب غلطه أنه حذف لفظ النفس المذكور في أوائل كلام الرافعي، فظن أن التصوير عند الامتناع فصحح الوجوب معللًا له بإزالة المنكر، وقد ذكر المتولي المسألة على وجه صحيح يظهر منه تحريف الشارح الذي نقل عنه الرافعي فقال في الباب العاشر من أبواب الزكاة في الفصل الثالث منه: الرابعة: إذا علم الإمام من أرباب الأموال أنهم يخرجون الزكاة هل له أن يطالبهم؟ اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: ليس له أن يطالبهم كما إذا علم أنهم يصلون لا نتعرض لهم.
ومنهم من قال: يطالبهم إن أدى اجتهاد الإمام إلى ذلك لا بطريق الولاية على الفقراء، ولكن نيابة عن الفقراء وحثًا على الخروج عن حقوقهم. هذا كلامه.
نعم الخلاف في النذور والكفارات عند الامتناع من إخراجها قد حكاه
المتولي قبل هذه المسألة متصلًا بها، فإنه جزم كما جزم غيره بأن الإمام يخير الممتنع عن الزكاة، واختلفوا في علته فقيل: لأن الزكوات كلها كانت تحمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى خلفائه إلا أن عثمان فوض ذلك إلى أرباب الأموال، فإذا ظهر منهم التقصير كان له أن يطالب وقيل: لأنها حق الله تعالى، والإمام نائبه.
فإذا علم الترك طالبه بها كما يطالب بالصلاة عند الامتناع، ثم قال: فإن قلنا بالأول لم يطالب بالنذور والكفارات، وإن قلنا بالثاني طالب.
واعلم أن الخلاف فيهما قد حكاه الرافعي في آخر باب الظهار على كيفية أخرى، وهو صحة قبضه برضى من عليه، وإطلاق الخلاف هنا إنما يصح إذا كانا على الفور، فتفطن له.
قوله: وأيضًا فإن الزكاة تجري فيها النيابة، وإن لم يكن النائب من أهلها. انتهى.
هذا التعليل لم يذكره النووي في "الروضة" ويؤخذ منه جواز توكيل الكافر في تفرقه الزكاة، والأمر كذلك فقد صرح بجوازه القاضي الحسين في "تعليقه"، والبغوي في "التهذيب" والروياني في "الحلية" و"البحر"، والرافعي في كتاب الأضحية في الكلام على توكيل الكافر في ذبحها، وحذفه أيضًا هناك من "الروضة"، ونقله النووي في "شرح المهذب" عن "التهذيب" فقط وأقره.
لكن جواز ذلك ليس على إطلاقه، بل شرطه تعيين المدفوع إليه. كذا صرح به الروياني في "الحلية" وهو متعين لأن التوكيل في هذه الحالة مجرد إعانة واستخدام بخلاف ما إذا لم يعين، فإن فيه ولاية الإعطاء لمن شاء والمنع لمن شاء فيمتنع.
وذكر الماوردي قريبًا منه فقال كما نقله عنه الرافعي في قسم الصدقات: إنه لا يشترط فيه الإسلام والحرية إلا إذا كان التفويض عامًا فإن عين له الإمام شيئًا يأخذه لم يشترط واحد منهما.
قال النووي من "زياداته": وفي عدم اشتراط الإسلام نظر، واعلم أنه يجوز أيضًا توكيل السفيه فيها كما ستعرفه واضحًا في كتاب الحجر، وكذلك توكيل الصبي كما صرح به القاضي في "تعليقه" والبغوي في "فتاويه"، وصححه الروياني في "البحر" و"الحلية" وحكى فيها وجهًا أنه لا يجوز توكيله، وزاد في "البحر" امتناع توكيل الكافر في وجه.
قوله في "الروضة": ولا يكفي مطلق الصدقة على الأصح. انتهى.
واعلم أن هاهنا مسألتين:
إحداهما: أن يقتصر على نية الصدقة، وهو المذكور في "الشرحين" و"الروضة" و"الكفاية".
والثانية: أن تقيد الصدقة بالمال.
وقد أوضحهما في "شرح المهذب" فقال: ولو نوى الصدقة فقط لم يجزئه على المذهب الذي قطع به الجمهور، وحكى الرافعي فيه وجهًا ضعيفًا.
ولو قال: صدقة مالي أو صدقة المال فوجهان أصحهما لا يجزئه. انتهى ملخصًا.
وحاصله أن المعروف في الأولى نفي الخلاف، وأما الثانية فجازم فيها بإثبات الخلاف وقوته.
وتعبير "الروضة" لا يوافق واحدة منهما لأن صدر كلامه يقتضي تصوير المسألة بالأولى، وعجزه يقتضي التصوير بالثانية، فإنه عبر فيها بالأصح.
قوله: ولو قال: هذه عن مالي الغائب إن كان سالمًا، فبان تالفًا فهل له الصرف إلى الحاضر؟
حكى في "العدة" فيه وجهين، قال: والأصح أنه لا يجوز. انتهى.
ذكر نحوه في "الشرح الصغير" أيضًا، والذي صححه صاحب "العدة" هو الصحيح، ففي "شرح المهذب" أنه المذهب، وفي أصل "الروضة" أنه الصحيح.
قوله: لأن التعيين ليس بشرط حتى لو قال: هذه الخمسة عن الحاضر أو الغائب أجزأه، وعليه خمسة للآخر بخلاف ما لو نوى الصلاة عن فرض الوقت إن كان قد دخل، وإلا فعن الفائتة لا تجزئه لأن التعيين في العبادات البدنية شرط. انتهى كلامه.
واعلم أن مراده باشتراط التعيين إنما هو تعيين كونها ظهرًا أو عصرًا.
وأما تعيين الأداء أو القضاء فليس بشرط على الصحيح وحينئذ فتكون صورة المسألة هنا في الصلاة محله فيما إذا كانت الفائتة مخالفة للحاضرة.
أما إذا كانتا متحدتين كظهرين أو عصرين، فإنه يلزم مما قاله الصحة فاعلمه.
قوله: وتجويز الإخراج عن النائب في مسائل الفصل جعله الكرخي جوابًا على جواز نقل الصدقة قال: ويصح تصوره بما أشار إليه في "الشامل"، وهو أن يفرض الغيبة عن المنزل لا عن البلد. انتهى.
وهذا الذي صور المسألة به خروج عن ظاهر اللفظ ولا حاجة إليه، بل يتصور بما إذا كان ماله الغائب في موضع ليس فيه فقراء وكان الموضع الذي هو فيه أقرب موضع إليه.
قوله: وينوب الولي عن الصبي والمجنون في إخراج الزكاة، ويجب عليه أن ينوي. انتهى.
علله الأصحاب، ومنهم ابن الرفعة في "الكفاية" بأن المؤدى عنه ليس أهلًا للنية، والتعليل المذكور يقتضي أن السفيه يتعاطى النية لأنه من أهلها.
قال ابن الرفعة: وفي الاعتداد بنيته نظر.
وكلامه يقتضي عدم الوقوف عليها، وقد صرح بها الجرجاني في "الشافي" فقال بعد أن ذكر وجوبها على الصبي والمجنون والسفيه: ويخرجه الولي عنهم وينوي لهم. هذه عبارته.
وصرح به أيضًا النووي في "شرح المهذب" وحكى فيه الاتفاق، ونقله عن الرافعي وغيره مع أن الرافعي لم يذكره في السفيه كما قدمناه، بل ذكر الصبي والمجنون خاصة.
قوله: فإن لم [ينو](1) صاحب المال عند دفعه إلى السلطان ونوى السلطان أو لم ينو هو أيضًا ففيه وجهان:
أحدهما: وهو ظاهر كلامه في "المختصر"، ونص عليه في "الأم"، ولم يذكر كثير من العراقيين سواه -أنه يجزئ لأنه لا يدفع إلى السلطان إلا الفرض.
والثاني: لا يجزئ، وهو الأصح عند صاحب "المهذب" و"التهذيب" وجمهور المتأخرين واختاره القاضي أبو الطيب. انتهى.
لم يصرح في "الروضة" أيضًا بتصحيح واحد منهما، والأصح هو الثاني. كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير" و"المحرر" والنووي في "شرح المهذب" وغيره، وعبرا جميعًا بلفظ الأصح.
قوله: لما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال: "في كل أربعين من الإبل السائمة بنت لبون من أعطاها موتجرًا بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها
(1) سقط من أ.
وشطر ماله" (1). انتهى.
الموتجر: بكسر الجيم على وزن المقتدر والمنتقم طالب الأجر.
والحديث رواه أبو داوود وضعفه الشافعي، ونقله عنه في "الروضة".
قوله في "الروضة": وإذا أخذ الإمام زكاة الممتنع، فإن نوى الإمام أجزأه ظاهرًا وكذا باطنًا في الأصح كولي اليتيم، وإن لم ينو الإمام لم يسقط الفرض باطنًا قطعًا، ولا ظاهرًا على الأصح، ثم قال: والمذهب أنه تجب النية على الإمام، وأن نيته تقوم مقام نية المالك.
وقيل: إن قلنا: لا تبرأ ذمة المالك باطنًا، لم تجب النية على الإمام، وإلا فوجهان:
أحدهما: تجب كالولي.
والثاني: لا، لئلا يتهاون المالك فيما هو متعبد به. [انتهى](2).
وتعبيره بقوله: (وأنه يقوم بنيته مقام نية المالك) خطأ من وجهين سَلِمَ منهما الرافعي:
أحدهما: أنه عين الكلام السابق، وهو أن نية الإمام هل تجزئه ظاهرًا وباطنًا أم لا؟
فكرر وغاير في العبارة، وأدخله بين شقي مسألة واحدة.
الثاني: أنه عطفه على ما عبر عنه بالمذهب مع أن الرافعي لم يحكِ فيه طريقين.
والذي أوقع المصنف في هذا أن الرافعي عبر بظاهر المذهب فحذف
(1) أخرجه أبو داود (1575) من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وحسنه الشيخ الألبانى -رحمه الله تعالى-.
(2)
سقط من ب.
الظاهر، وأبقى المذهب فحصل ما حصل، وقد وقع له أيضًا في مواضع نظير هذا الموضع.
قوله: هل يجزئه تقديم النية على التفرقة؟ فيه وجهان:
أظهرهما: نعم. انتهى.
تابعه النووي في "الروضة" على إطلاق المسألة، وصورتها أن ينضم إلى النية عزل المقدار المخرج، فإن لم يقترن العزل بها لم يجز بلا خلاف، صرح به المتولي والروياني في هذا الباب، والماوردي في كتاب الأيمان ونقله النووي في "شرح المهذب" عن جماعة وأقره ثم نقل عن الأصحاب أن الزكاة والكفارة في ذلك سواء.
نعم لا فرق بين أن تكون النية مقارنة للعزل أو بعده.
وقيل: التفريق كما ذكره في "شرح المهذب" في الكلام على ما إذا دفع إلى الوكيل من غير نية.
ووقع لابن الرفعة هنا أمران نبهت عليهما في "الهداية" فتفطن لهما.
قوله في أصل "الروضة": ينبغي للإمام أن يبعث السعاة لأخذ الزكوات. انتهى.
لم يصرح الرافعي أيضًا في هذا الباب بأن هذا البعث واجب أو مستحب، والمراد به الوجوب، كذا صرح به الرافعي في كتاب قسم الصدقات في الكلام على العامل.
[قوله: ](1) ثم إن كانت المواشي ترد الماء أخذ الزكاة [على](2) مياههم ولا يكلفهم ردها إلى البلد، ولا يلزمه أن تتسع المراعي، بهذا فسر
(1) سقط من أ.
(2)
في أ: عن.
قوله عليه الصلاة والسلام: "لا جلب ولا جنب"(1) أى لا يكلفوا أن يجلبوها إلى البلد، وليس لهم أن يجنبوها الساعي فيشقوا عليه. انتهى.
الجلب: بجيم ولام مفتوحتين، وقد فسره الجوهري بما ذكره المصنف.
وأما الجنب: فبفتح الجيم والنون أيضًا وهو ربط الحيوان إلى جانبه في حال سيره، ومنه قولهم: جاء الأمير تقاد الجنائب بين يديه.
وقد أشار الرافعي إلى تفسيره بأنه لا يكلف الساعي بأن يجنبها معه أي من المرعى.
والحديث المذكور رواه أبو داوود بإسناد حسن، ولفظه:"لا جلب ولا جنب ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم".
قوله: وهل يكره ذلك أى إطلاق لفظ الصلاة على أحد؟ أطلق القاضي الحسين لفظ الكراهة، وكذلك الغزالي في "الوسيط" ووجهه الإمام بأن المكروه يتميز عن ترك الأولى بأن يفرض فيه نهي مقصود وقد ثبت نهي مقصود عن التشبيه بأهل البدع وإظهار شعارهم والصلاة على غير الأنبياء مما اشتهر به الرافضة.
وظاهر كلام الصيدلاني أنه خلاف الأولى وبه يشعر كلام "الوجيز" وصرح بنفي الكراهة في "العدة"؛ وقال أيضًا: الصلاة بمعنى الدعاء تجوز على كل أحد.
(1) أخرجه أبو داود (1591) وأحمد (6692) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وقال الألبانى: حسن صحيح.
وأخرجه الترمذى (1123) والنسائي (3335) وأحمد (19868) من حديث عمران بن حصين.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وفى الباب عن أنس وأبي ريحانة وابن عمر وجابر ومعاوية وأبى هريرة -رضى الله عنهم- أجمعين.
أما بمعنى التكريم والتعظيم فيختص به الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، والمشهور ما سبق. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن المراد بالنهي المقصود كما قاله الإمام في "النهاية" أن يكون مصرحًا به لقوله: لا تفعلوا كذا أو نهيتكم عن كذا، بخلاف ما إذا أمر بمستحب فإن تركه [لا يكون](1) مكروهًا، وإن كان الأمر بالشئ نهيًا عن [ضده](2) لأنا استفدناه باللازم، وليس بمقصود وذكر -أعني الإمام- أيضًا في كتاب الجمعة أن كل مسنون صح الأمر به مقصودًا كان تركه مكروهًا.
ثانيها: أنه يستثني من كلام الملائكة، فإن حكمهم في الصلاة كحكم الأنبياء، كذا صرح به الرافعي في "الشرح الصغير" ولم يستثنه أيضًا في "الروضة".
ثالثها: أن قول الرافعي: (والمشهور ما سبق) يحتمل أن يكون ردًا على ما قاله صاحب "العدة" من التفصيل وهو الفرق بين أن يقصد به الدعاء أو التكريم.
فكأنه قال: المشهور ما سبق من الاطلاق، ويحتمل أن يكون راجعًا إلى الوجه الأول المذكور في أصل المسألة، وهو الوجه الذاهب إلى الكراهة، والاحتمال الأول أظهر لمعنيين.
أحدهما: أن تفصيل صاحب "العدة" أقرب إلى هذه المقالة لكونه أخر الكلام فرجوع الكلام إليه أولى.
الثاني: أن الرافعي صرح في "الشرح الصغير" برجحان عدم الكراهة فقال: أشبه الوجهين أنه لا يكره، والكلام يبين بعضه بعضًا.
(1) سقط من أ.
(2)
في أ: صدقه.
وجعله النووي في "الروضة" عائدًا إلى الوجه القائل بالكراهة فقال في اختصاره ما نصه: فيه وجهان: الصحيح الأشهر أنه مكروه، وإنما عدل عن قول الرافعي المشهور إلى الأشهر، لأنه قد اصطلح على التعبير بالمشهور عن القولين.
وعلى كل حال فهو إما اختلاف في كلام الرافعي، وإما غلط في فهم النووي، وهو الأقرب.
رابعها: أن النووي قد حذف من "الروضة" ما ذكره صاحب "العدة"، وهو التفصيل بين أن يقصد بالصلاة الدعاء أم لا.
قوله: ولا خلاف أنه يجوز أن يجعل غير الأنبياء تبعًا لهم فيقال: اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وأتباعه، لأن السلف لم يمتنعوا منه، وقد أمرنا به في التشهد وغيره. انتهى كلامه.
وهذا الكلام مشعر باستحباب الصلاة على الأصحاب وذكر في أوائل كتابه المسمى "بالتذنيب" نحوه أيضًا.
وكذا رأيت في "شرح المختصر" للداوودي -وهو المعروف بالصيدلاني- فقال: وأما نحن فإنما نصلي علي غير النبي صلى الله عليه وسلم تبعًا فيقال: اللهم صلِ على محمد وآله وأزواجه وأصحابه وأتباعه وأهل ملته، وعلينا معهم. هذا لفظه.
وقال الشيخ عز الدين في "الفتاوي الموصلية": لا يستحب أن يذكر منهم إلا من صح ذكره وهم الآل والأزواج والذرية بخلاف من عداهم صحابيًا كان أو غيره. هذا كلامه.
قال رحمه الله القسم الثاني: التعجيل
قوله في "الروضة": وحكى الموفق بن طاهر عن أبي عبيد بن خربويه من أصحابنا منع التعجيل، وليس بشئ. انتهى.
وإطلاق المنع عن المذكور باطل، بل هو مجوز للتعجيل، ولكن قبل الحول بيوم أو يومين، وهو حاصل ما في الرافعي أيضًا، فإنه حكى عن مالك أنه منع التعجيل إلا في هذه الحالة، ثم حكى عن أبي عبيد أنه وافق مالكًا، فلزم ما قلناه.
قوله: ولو عجل صدقة عامين فصاعدًا فهل يجزئ المخرج عما عدا السنة الأولى، فيه وجهان:
أحدهما: نعم، لما روى أنه صلى الله عليه وسلم تسلف من العباس صدقة عامين (1)، وبه قال أَبو إسحاق.
والثاني: لا، لأن زكاة السنة الثانية لم ينعقد حولها، والأولى أصح عند صاحب "الكتاب" ذكره في "الوسيط"، وكذا قال الشيخ أَبو محمد وصاحب "الشامل" والأكثرون على ترجيح الوجه الثاني، ومنهم معظم أصحابنا العراقيين، وصاحب "التهذيب". انتهى كلامه.
وذكر مثله في "الروضة" أيضًا، وفيه أمران:
أحدهما: أن مفهوم هذا الكلام حصول الإجزاء بالسنة إلى السنة الأولى، وبه صرح الإمام فقال: فإن منعنا فذلك في الزائد، أما ما يقع لسنة فمجزئ.
وهذا الحكم مسلم إن كان المخرج قد ميز حصة كل سنة، فإن لم يميز
(1) أخرجه البخاري (1399) ومسلم (983) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فينبغي أن لا يجزئ لأن المجزئ عن خمسين شاة مثلًا إنما هو [شاة](1) كاملة لا مشاعة ولا مبهمة، وهاهنا ليست كذلك.
الأمر الثاني: ولابد من تقديم مقدمة عليه فنقول: الأصحاب في هذه المسألة على أربعة أقسام، منهم من لم يتعرض لها بالكلية وهم خلائق كثيرون، ومنهم ابن سريج في "الودائع" والقفال الشاشي في "المحاسن" وأبو على في "الافصاح" والزبيرى في "الكافي" وجماعة آخرون.
ومنهم من تعرض لها، وحكى فيها خلافًا من غير ترجيح منهم القفال المروزي في "شرح التلخيص"، والشيخ أَبو حامد في "التعليق"، والشيخ أَبو على السنجي في "شرح التلخيص" أيضًا، والداوودي شارح "المختصر" وهو المعروف بالصيدلاني والمحاملي في كتاب "القولين والوجهين"، وفي كتاب "المجموع" وغيرهما، والقاضي الحسين في "التعليق"، والشيخ نصر في "التهذيب"، والدارمي في "الاستذكار"، والفوراني في "الإبانة"، والجرجاني في "الشافي"، وأبو عبد الله الطبري في "العدة"، والشيخ في "المهذب"، ومجلى في "الذخائر"، والعمراني في "البيان" والجاجرمي في "الكفاية".
ومنهم من ذهب إلى الجواز فمن هؤلاء أَبو إسحاق على ما نقله الرافعي عنه كما سبق.
وقال البندنيجي في "تعليقه": إنه المذهب، والقاضي أَبو الطيب في "تعليقه" أيضًا إنه المشهور من مذهبنا، وابن الصباغ في "الشامل" إنه المذهب المشهور، وسليم الرازي في "مجرده" إنه أشبه الوجهين، والماوردي في "الحاوي" إنه أظهر الوجهين، والشيخ أَبو محمد في "المختصر"، والغزالي في "الوسيط" و"الخلاصة"، والمتولي في
(1) سقط من ب.
"التتمة" إنه الصحيح، والروياني في "البحر" إنه ظاهر المذهب، وفي "الحلية" له إنه القول الذي عليه الاختيار، وقال الخوارزمي في "الكافي" والجرجاني في "التحرير"، والشاشي في "الحلية" وفي كتابه المسمى "بالترغيب" أيضًا: إنه الأصح، وقال في الاستقصاء: إنه أظهر الوجهين، وجزم به ابن عصرون في "المرشد" وفي كتابه المسمى "بالتنبيه" وصححه في "الانتصار"، وصححه أيضًا ابن التلمساني في "شرح التنبيه"، وابن الصلاح في "مشكل الوسيط"، فإنه بعد نقله لتصحيح "الوسيط" قال: إن الأمر فيه كما قاله، ومال إليه إمام الحرمين، فإنه بعد حكاية الوجهين قال: ويشهد للجواز قصة العباس.
ونقل في "شرح المهذب" أن العبدري صححه أيضًا، ورأيت في "التقريب" لابن القفال أن أبا ثور نقله عن الشافعي، ونقله أيضًا عن نصه ابن الرفعة في باب قسم الصدقات من "الكفاية" قبيل قول الشيخ قال: وإن هلك الفقير. ذكر ذلك في ذيل كلام نقله عن الشيخ أبي حامد.
وأما القسم الرابع وهو القائل بالمنع فلم أظفر بأحد صححه إلا البغوي بعد الفحص البليغ والتتبع الشديد فتلخص أن العراقيين وهم الشيخ أَبو حامد وأتباعه قائلون بالجواز إلا من لم يصحح منهم شيئًا، وكذلك جمهور الخراسانيين، والمراد بهم القفال وأتباعه ما عدا البغوي.
فإذا استحضرت جميع ما ذكرناه علمت أن كلام الرافعي في هذه المسألة قد حصل فيه اختلاط في حال التصنيف وانعكاس في النقل، وهو إعزاء قائلين بوجه [إلى](1) الوجه الآخر، وكان الصواب أن يقول: والأكثرون على تصحيح الجواز ومنهم معظم العراقيين.
والحاصل من مجموع ما نقله النووي في "شرح المهذب" وابن الرفعة
(1) سقط من أ.
في "الكفاية" أن القائلين بالجواز سبعة وهم البندنيجي، والغزالي، وأبو الطيب، وابن الصباغ، والجرجاني، والشاسي والعبدري، اتفقا على الأولين وهما البندنيجي والغزالي، وانفرد ابن الرفعة بأبي الطيب وابن الصباغ، والنووي بالثلاثة الباقية، ثم إنهما معًا مع تتبعهما واطلاعهما لم ينقلا المنع إلا عن تصحيح البغوي خاصة، وأردفاه بأن الرافعي نقله عن الأكثرين، ولم يطلقا النقل عنهم مع تقليدهما له في النقول غالبًا.
وحاصله أنهما توقفا في ثبوته لأجل ما وقفا عليه من العدد، ولو فحصا كما فحصت واطلعا من هذه النقول على ما ذكرت لقطعا برده كما قطعت، فلله الحمد والفضل على تيسير مثل هذه الأمور.
قوله: وذكر أَبو الفضل تفريعًا على جواز تعجيل صدقة عامين أنه هل يجوز أن ينوي تقديم زكاة السنة الثانية على الأولى؟ فيه وجهان كالوجهين في تقديم الصلاة الثانية على الأولى في الجمع. انتهى كلامه.
والوجهان المشار إليهما محلهما في جمع التأخير، وقد صرح في أصل "الروضة" و"شرح المهذب" هنا بذلك أى بجمع التأخير، والصحيح منهما الجواز، فيكون الصحيح هنا أيضًا الجواز فاعلمه.
لكن لقائل أن يقول: إن صح تشبيه صدقة العامين بالجمع بين الصلاتين فهو إنما يشبه الجمع في وقت الأولى بالضرورة، وحينئذ فيمتنع جزمًا.
قوله: ولو عجل شاة عن أربعين فولدت أربعين فهلكت الأمهات، فهل يجزئه ما أخرج عن السخال؟ نقل في "التهذيب" فيه وجهين. انتهى.
والأصح عدم الإجزاء، كذا صححه النووي في "شرح المهذب" و"زيادات الروضة".
قوله: والإخراج بعد تصيير الرطب تمرًا والعنب زبيبًا ليس بتعجيل، بل هو واجب حينئذ، ولا يجوز التقديم قبل خروج الثمرة، وفيما بعده أوجه:
أظهرها عند المعظم، وبه قطع ابن القطان وصاحب "العدة" جوازه بعد بدو الصلاح لا قبله.
والثاني: يجوز قبله من حين خروج الثمرة.
والثالث: لا يجوز قبل الجفاف.
وهذه الأوجه تجري أيضًا في الحب بعد تسنبله، وانعقاد حبه، وقبل تنقيته أصحها الجواز بعد الاشتداد والإدراك، ومنعه قبله. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن صورة المسألة أن يعرف حصول نصاب منهما، كذا ذكره الرافعي في أثناء الاستدلال، وعبر بلفظ العرفة، وحذفه من "الروضة"، وذكره أيضًا في "البحر"، وعبر عنه بغلبة الظن.
الأمر الثاني: أن هذه الطريقة القاطعة بالصحيح قد أسقطها أيضًا النووي من "الروضة".
قوله: وإن قال: إن شفي الله مريضي فلله تعالى علىّ عتق رقبة، فأعتق قبل الشفاء لا تجزئه على الأصح. انتهى.
وما ذكره هاهنا من تصحيح عدم الإجزاء قد خالفه في الباب الثاني من كتاب الأيمان مخالفة عجيبة، وتبعه عليه في "الروضة"، وسوف أذكر لفظه هناك فراجعه.
قوله في الكلام على استقراض الإمام: وهل يكون للإمام طريقًا في الضمان حتى يؤخذ منه، ويرجع هو على المساكين أم لا؟
إن علم المأخوذ منه أنه يستقرض للمساكين بإذنهم فلا يكون طريقًا على أظهر الوجهين، بل يرجع عليهم.
والثاني: أنه يكون طريقًا كالوكيل بالشراء يكون مطالبًا على ظاهر المذهب.
وإن ظن المأخوذ منه أنه يستقرض لنفسه أو للمساكين من غير سؤالهم فله أن يرجع على الإمام والإمام يقضيه من مال الصدقة، أو يجعله محسوبًا عن زكاته المفروضة. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما صححه هنا من عدم مطالبة وكيل المستقرض وأنه بخلاف الشراء قد صحيح خلافه في الباب الثاني من أحكام الوكالة، وقد ذكرت لفظه هناك فراجعه.
الأمر الثاني: أن ما ذكره من حسبانه عن الزكاة كيف يستقيم مع أنه لم يؤخذ منه إعطاء ولا نية؟
قوله: ولو استغنى قبل الحول بالمدفوع إليه لم [يضر](1) انتهى.
يستثني ما لو استغنى بزكاة إما معجلة أو غير معجلة فإنه يكون كما لو استغنى بغير الزكاة.
هذا حاصل ما رأيته في "فوائد المهذب" للفارقي.
قوله: وإذا أعطى الزكاة إلى الفقير، واقتصر على قوله: زكاة معجلة، أو علم القابض ذلك، ولم يذكر الرجوع ففيه وجهان:
أحدهما: لا يرجع، بل تقع صدقة لأن العادة جارية أن المدفوع إلى الفقير لا يسترد، فكأنه أعطاه بهذه الجهة إن حصل شرطها، وإلا كان تطوعًا.
وأصحهما -ولم يذكر المعظم سواه: أنه يرجع كما لو عجل أجرة دار فانهدمت.
ثم قال: والوجهان محلهما فيما إذا دفع المالك بنفسه، فأما إذا دفع
(1) في أ: يصح.
الإمام، فلا يمكن جعله نافلة فلا حاجة إلى شرط الرجوع. انتهى.
اعلم أن الداخل على لا النافية في المرتين هو فاء التعقيب ومعناه أن الإمام إذا دفع فلا يمكن جعله نافلة لأن الملك ليس له، وإذا لم يكن جعله نافلة فلا حاجة إلى شرط الرجوع لأنه لو لم يرجع مع أنه قد تبين أنه لا زكاة لوقع تطوعًا.
قوله في المسألة: لكن لو لم يعلم القابض أنه زكاة غير معجلة فيجوز على الوجه الأول أي القائل بعدم الاسترداد أن يقال: سلمنا أنه لا يسترد، ولكن على الإمام الضمان للمالك لتقصيره بترك اشتراط الرجوع. انتهى.
هذا استدراك على ما ذكره من تخصيص الوجهين بالمالك، ولكنه تعبير ملبس لا يكاد أحد يتفطن له وقد أوضحه الرافعي في "الشرح الصغير" فقال: فأما إذا دفع الإمام فلا يمكن جعله نافلة، فلا حاجة إلى شرط الرجوع، هكذا ذكر.
وليكن هذا الجواب فيما إذا علم الآخذ أنه زكاة غيره، فإن لم يعلم فيجئ على الوجه الأول أن يقال لا يسترد، وعلى الإمام الضمان للمالك. هكذا لفظه.
وحاصله أنه إذا علم الآخذ أنه زكاة غير الإمام فيرجع، وإن لم يعلم ذلك بأن اعتقد الفقير أن الإمام أخرجها عن نفسه، أو لم يعلم الحال فلا يرجع على ذلك الوجه، بل يغرمها الإمام لتقصيره.
وإذا علمت هذا فنرجع إلى لفظ الرافعي فنقول تعبيره بقوله: (زكاة) هو مجرور بالإضافة إلى غير ولفظ (غير) إما منون وهو الثابت في أكثر النسخ، وإما مضاف إلى هاء عائدة على الإمام.
"ومعجلة" إما صفة لزكاة، وإما خبر ثان لأن، ويجوز نصبه على الحال، ولما أشكل هذا الموضع على الواقفين عليه ضرب بعضهم على لفظ
غير فأفسد المعنى وحذف بعضهم الكلام برمته، ومنهم النووي في "الروضة".
وأبقاه بعضهم مصرحًا بإشكاله، وقد اتضح ذلك بمراجعة "الشرح الصغير"، ولله الحمد.
وقد استفدنا أيضًا من الشرح المذكور الجزم بما بحثه في "الكبير" من تخصيص الخلاف بما إذا علم الأخذ أنه زكاة غير الإمام.
قوله في "الروضة": ولو دفع المالك أو الإمام، ولم يتعرض للتعجيل، ولا علم به القابض فقد نص في "المختصر" على أن المعطي إن كان هو الإمام رجع وإن كان هو المالك فلا، فقيل فيهما قولان، وقيل بتقرير النصين، وهو الذي ذكره ابن كج وعامة العراقيين.
وقيل: لا رجوع قطعًا، وهو الذي أورده الجامعون لطريقة القفال. انتهى.
صحح النووي في أصل "الروضة" طريقة التقرير وقد صححها أيضًا في "الكفاية" وعبر بالأصح.
قوله في المسألة: والأظهر أنه لا يثبت الرجوع سواء أثبتنا الخلاف أم لا، وهو فيما إذا دفع المالك بنفسه أولى وأظهر. انتهى.
وما ذكره من تصحيح عدم الرجوع في المسألتين إذا لم يثبت فيهما الخلاف، بل قررنا النصين عجيب لا ينتظم فتأمله.
نعم تستقيم هذه العبارة -أعني التعبير بقوله: -سواء أثبتنا الخلاف أم لا- إذا كانت الطريقة القاطعة موافقة للصحيح، ولا شك أن الرافعي نقلها من مثل ذلك الموطن إلى هاهنا ذهولًا.
قوله: وإذا قلنا باشتراط التصريح بالرجوع أو باشتراط علم المالك فتنازعا فيه فالقول قول المسكين في الأصح مع يمينه، وقول المالك في الثاني،
ويجري الوجهان في تنازع الإمام والمسكين. انتهى كلامه.
وما ذكره من تصحيح تصديق المسكين تابعه عليه النووي في "الروضة" وذكر مثله في "المنهاج"، وصحح في "شرح المهذب" أن القول قول الدافع، وعبر بالأصح، وقل من ذكر تصحيحًا ممن تعرض للمسألة وحكى الخلاف، بل أرسلوا ذكر وجهين، منهم الماوردي في "الحاوي"، والإمام في "النهاية"، والغزالي في "البسيط" و"الوسيط" و"الوجيز"، والبغوي في "التهذيب"، والروياني في "البحر".
نعم أجاب جماعة بتصديق القابض على وفق ما صححه في "الروضة"، وهو ترجيح الفتوى بما فيها منهم البندنيجي وصاحب "العدة" وهو أَبو المكارم لا أَبو عبد الله الحسين، ومنهم المتولي في "التتمة"، وحكى هو والروياني وجهين في أنه هل يحلف أم لا؟ وعللا المنع بأن ذكر التعجيل ليس معتادًا فدعواه بعيدة.
قوله: ولك أن تبحث في قول الغزالي، أما إذا لم يتعرض للتعجيل ولا علمه المسكين فنقول: هذا يشمل ما إذا سكت فلم يذكر شيئًا أصلًا، وما إذا قال: هذا زكاتي أو صدقتي المفروضة، ولم يتعرض للتعجيل، ولا علمه المسكين فهل الحكم في الحالتين واحد أم بينهما فرق؟
والجواب [أن](1) فيه طريقين:
إحداهما: أنه إذا تعرض للزكاة أو الصدقة المفروضة كان بمثابة ما لو ذكر التعجيل، ولم يصرح بالرجوع.
وأظهرهما: أنه كما لو لم يذكر شيئًا أصلًا. انتهى.
وهذا الجواب ليس فيه تصريح بالمقصود، فإنه لم يبين فيه حكم السكوت، وقد أوضحه في "الكفاية" فقال: والطرق المذكورة باتفاق
(1) سقط من أ.
ناقلها جارية، فيما إذا دفع وهو ساكت، وأما إذا قال حالة الدفع: هذه زكاتي أو صدقتي، فإنه يكون بمثابة ما لو ذكر التعجيل.
وقال القاضي أبو الطيب وغيره من العراقيين: الحكم كما لو دفع وسكت.
وحاصله أن الخلاف ثابت عند السكوت بلا شك، وأن في التحاق القسم الآخر به خلافًا، فكان جريانه في السكوت مقرر في ذهن الرافعي، فلذلك لم يصرح به.
وقد ظهر لك بما سبق أن الصحيح عند الرافعي التعميم، وعند ابن الرفعة خلافه.
قوله: ولو أتلف المالك المال رجع، وقيل: لا لتقصيره، وقضية هذا التعليل أن لا يجري الخلاف فيما إذا أتلفه بالإنفاق وغيره من وجوه الحاجات. انتهى.
وما ذكره في آخر كلامه استنباطًا من التعليل وأفهم أنه لم يقف في المسألة على نقل قد صرح بنقله في "شرح المهذب" فقال: قال أصحابنا: إن كان لحاجة كالنفقة أو للخوف عليه أو ذبحه للأكل وغير ذلك ثبت الرجوع قطعًا. هذه عبارته.
وعبر في "الروضة" بنحوها أيضًا، وذكر ابن الرفعة في "الكفاية" مثل ما ذكر الرافعي إلا أنه لم يسنده إليه، بل عبر بقوله: قيل: ثم إنه عبر عنه بعبارة ركيكة فإنه قال ما نصه: قيل وقضية هذا التعليل أن لا يجري هذا الوجه فيما إذا أتلفه اتفاقًا أو لحاجة. هذه عبارته.
قوله: ولو أتلف بعض ماله حتى انتقص النصاب كان كإتلاف جميع ماله مثل أن يعجل خمسة دراهم عن مائتي درهم ثم يتلف منها درهمًا نقل هذه الصورة والوجهان فيها للاصطخري انتهى كلامه.
وأشار بما ذكره في آخره إلى أن التصوير للاصطخري وأن الوجهين له أيضًا أي من تخريجه، وقد صرح بذلك الروياني في "البحر" فقال ما نصه: خرج أبو سعيد الإصطخري فيه وجهين.
أحدهما: له أن يسترجع كما لو تلف بنفسه لأن الزكاة سقطت عنه في الحالتين.
والثاني: ليس له ذلك لأنه متهم في إتلاف درهم لاسترجاع خمسة. هذه عبارته.
وذكر غيره مثله أيضًا، وقد علم منه أن العلة عند الإصطخري في هذا التصوير ونحوه ليست هي التقصير حتى يطرد في القليل والكثير بل العلة فيه هذه التهمة الخاصة حتى لا يطرد في الكثير.
قوله: ولو تسلف للطفل وليه فهو كالرشيد إذا تسلف بمسألته. كذا قالوه، وهو مفرع على جواز صرف الزكاة إلى الصغير، وفيه وجهان لأنه إن كان في نفقة غيره فالخلاف مشهور، وإن لم يكن فقيل لا يصرف إليه لاستغنائه عن الزكاة بسهم اليتامى من الغنيمة.
وحينئذ فلا يجوز الصرف إليه من سهم الفقراء والمساكين. انتهى.
وما ذكره قد تابعه عليه في "الروضة"، وليس كذلك لأن الصغير قد لا يكون في نفقة غيره، ولا هو ممن يصرف إليه من سهم اليتامى في الغنيمة [شئ](1) بأن يكون له أب فقير.
قوله: والمراد بالمساكين في هذه المسائل أهل السهمان جميعًا، وليس المراد جميع آحاد الصنف بل سؤال طائفة منهم وحاجتهم. انتهى.
تابعه عليه في "الروضة" لكن للإمام أن يصرف زكاة الشخص الواحد إلى واحد من الأصناف.
(1) سقط من أ.
وحينئذ فلا يأتي ما قاله.
نعم لا تختص المسألة بسؤال الفقراء، بل بسؤال غيرهم من الأصناف كذلك.
قوله: ولو كان الطارئ موت المساكين فهل للمالك أن يستخلف ورثته على نفي العلم بأنها معجلة؟ فيه وجهان. انتهى.
قال البندنيجي في "الذخيرة": المذهب أنهم لا يخلفون، ولم يصرح في "الروضة" ولا في "شرح المهذب" بتصحيح.
قوله: قال الإمام: وفي احتياج مخرج صدقة التطوع إلى لفظ تردد.
قال: والظاهر الذي عليه عمل الناس أنه لا يحتاج. انتهى.
ذكر في "الروضة" نحوه، وهذا التردد الذي ذكره الإمام وجهان مشهوران للأصحاب، والصحيح منهما ما أشار إليه بحثًا. كذا ذكره الرافعي في باب الهبة، ثم إن الإمام قد أشار هنا إلى ذلك فقال: فيه تردد للأصحاب مرموز إليه هذه عبارته.
قوله: ومتى ثبت الاسترداد فكان المعجل بالغًا ضمنه بقيمته، وفي القيمة المعتبرة وجهان:
أحدهما: قيمة يوم التلف كالعارية.
والثاني: يوم القبض كالصداق.
قال المحاملي: وهذا أشبه. انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أن المرجح هو الوجه الثاني فقد قال في "المحرر": إنه الأشبه، وصححه النووي في أصل "الروضة" و"شرح المهذب"، وعبر الرافعي في "الشرح الصغير" عنه بقوله: رجح بالبناء للمفعول.
الثاني: [أن ما](1) جزم به هنا من كون الصداق مضمونًا أيضًا بقيمة يوم القبض مخالف لما ذكره في بابه وستعرفه إن شاء الله تعالى واضحًا.
قوله في المسألة: وينقدح عند إمام الحرمين وجه ثالث وهو إيجاب أقصى القيم بناء على أن الملك غير حاصل للقابض واليد يد ضمان تبينًا. انتهى.
وهذا الذي نقله [احتمالًا عن الإمام فقط واقتضى كلامه عدم الوقوف على نقله](2) وجه ثابت قديمًا حكاه القاضي الحسين في "تعليقه" والسرخسي في "الأمالي"، وحكاه أيضًا النووي في "شرح المهذب" وابن الرفعة في "الكفاية".
قوله في "الروضة": والمذهب أن القابض يملك المعجل، وفيه وجه شاذ أنه موقوف، فإن عرض مانع تبين عدم الملك، وإلا بان الملك.
فلو باعه القابض ثم طرأ المانع، فإن قلنا بالمذهب استمرت صحة البيع وإلا تبينا بطلانه.
ولو كانت العين باقية فأراد القابض رد بدلها، فإن قلنا بالوقف لزم ردها بعينها، وإن قلنا بالمذهب ففي جواز الإبدال الخلاف في مثله في الفرض بناء على أنه يملكه بالقبض أو بالتصرف؟ . انتهى.
واعلم أن النووي لم يذكر في المعجل أنه كالفرض أم لا حتى يفرع عليه، والرافعي قد ذكره في أثناء قاعدة حسنة مشتملة على فوائد فأهملها النووي ثم فرع عليها فلنذكرها ملخصة فإن كثيرًا من مسائل الفصل تنبني عليها فقال نقلًا عن الإمام حيث لا نثبت الرجوع فالملك حاصل للقابض لكنه متردد بين الفرض والتطوع وحيث نثبته فله تقديران حوم عليهما
(1) في أ: أنما.
(2)
سقط من أ.
صاحب "التقريب".
أحدهما: أن الملك موقوف، فإن حدث مانع تبين استمرار ملك المالك، وإلا فيتبين أن القابض ملكه من يوم القبض.
والثاني: أن الملك ثابت للقابض لكن إن استمرت السلامة تبين أن الملك عن الزكاة، وإلا تبين أنه فرض، ويأتي الخلاف في أن الفرض يملك بالقبض أو بالتصرف، وفي أن المراد بالتصرف ماذا؟ . انتهى ملخصًا.
واعلم أنه مع قولنا: إن القابض يملك، فإنه كالباقي على ملك المالك تقديرًا، سواء بقى عنده نصاب أو دونه كما سيأتي قريبًا الكلام عليه.
قوله: ولو عجل شاة عن مائة وعشرين ثم نتجت واحدة أو عن مائة وحدثت عشرون وبلغت غنمه مع الواحدة المعجلة مائة وإحدى وعشرين لزمه شاة أخرى. انتهى.
تابعه في "الروضة" على قوله في المثال الثاني، وحدثت عشرون، وهو سهو، والصواب أن يقول: وحدثت إحدى وعشرون، فتأمله.
والمثال الأول يوضح ما ذكرته.
قوله: ولو عجل شاتين عن مائتين ثم حدثت سخلة قبل الحول، وقد بلغت غنمه مع المعجلين مائتين وواحدة فيلزمه عند تمام الحول شاة ثالثة.
ثم قال ما نصه: فلو كانت المعجلة في هاتين الصورتين معلوفة أو اشتراها وأخرجها لم يجب شئ زائد لأن المعلوفة والمشتراة لا يتم بهما النصاب، وإن جاز إخراجهما عن الزكاة. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" عليه، ونقله ابن الرفعة أيضًا عنه، وأقره، وهو غلط فاحش بل يلزمه أيضًا شاة أخرى في الصورتين بلا خلاف وإن كان المخرج معلوفًا أو مشترى لأن المعلوفة والمشتراة لا يتصور أن تكون من المال الذي يزكي عنه لعدم شروط الوجوب فيهما، فيكون المال الذي عجل الزكاة
عنه باقيًا على حاله.
وحينئذ فلا يتوقف إيجاب الشاة الثانية في المثال الأول إلا على واحدة فقط لأن الفرض أنه لم ينقص شيئًا، وقد وجدت تلك الواحدة، ولا يتوقف إيجاب الشاة الثالثة في المثال الأخير إلا على واحدة أيضًا لأن المال الذي عجل عنه الشاتين وهو المائتان باقٍ على حاله، وتلك الواحدة التي توقف عليها قد وجدت، وهكذا يفعل في سائر الأمثلة.
وإذا فرضنا أنه أخرج من نفس المال فيكون المخرج كالباقي على حاله، وحينئذ فيجب أيضًا بحدوث ما قلناه غير أنه لا يمكن أن يكون المخرج، والحالة هذه معلوفًا ولا مشترًا فظهر أن ما قاله الرافعي في هذا الموضع، وتبعه عليه النووي غلط عجيب ولم أظفر له بمثله، فإنه ليس أمرًا نقليًا، فيحال على الأصل الذي نقل منه إما لإسقاط أو تحريف أو انتقال نظر، بل أمرًا مأخوذًا من قواعد أنتجه عمله وفكرته.
قوله: وإذا لم يعرض ما يقتض الرجوع، وكان الباقي عنده دون النصاب كما لو عجل شاة من أربعين فقط فقال صاحب "التقريب" نقدر كأن الملك لم يزل له مقتضى الحول، وفي ملكه نصاب، واستبعد الإمام ذلك فقال: كيف نقول ببقاء ملك المعطي مع نفوذ تصرف القابض بالبيع وغيره، وهذا الاستبعاد حق إن أراد صاحب "التقريب" بقاء الملك حقيقة، وإن أراد أنه نازل منزلة الثاني حتى يكون مكملًا للنصاب ومجزئًا عن الزكاة، فلا استبعاد، والأصحاب مطبقون عليه، وكأنه اكتفي عند التعجيل بمضى ما سبق من الحول على كمال النصاب رفقًا بالفقراء. انتهى ملخصًا.
وحاصله الاتفاق على زوال الملك، وعلى تنزيله منزلة الباقي، وليس فيه ما يقتضي إثبات خلاف بل اعتراض الإمام في غاية الضعف، وكان ينبغي للرافعي أن لا يذكره بالكلية أو ينبه على ضعفه.
وقد التبس الكلام على النووي فأثبت في "الروضة" خلافًا ثم نفاه فقال: فيه وجهان: الصحيح الذي قطع به الأصحاب أن المعجل نازل منزلة الباقي، وليس بباقٍ في ملكه حقيقة. هذه عبارته.
ثم ذكرنا في الكلام الذي نقلناه عن الرافعي.
نعم سبق لنا وجه أن المعجل موقوف، فإن تبين الرجوع تبين عدم الملك، وكلامنا في هذه المسألة في عكس ذلك، وهو إذا لم يحدث سبب يقتضي الرجوع.
وقد وقع الرافعي في "الشرح الصغير" فيما وقع فيه "النووي" فقال: ولو ملك نصابًا فقط فعجل عنه فهل يزول ملكه عن المخرج أو يقدر باقيًا في ملكه رعاية للنصاب فيه احتمالان. والظاهر الأول.
قوله: وحيث ثبت الاسترداد فقد ذكر العراقيون فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يستأنف الحول لنقصان ملكه.
والثاني: يبني على ما مضى لأن المخرج للزكاة كالباقي، وهذا هو المذكور في "التهذيب"، هو الظاهر عند المعظم.
والثالث: يزكي النقد لما مضى بخلاف الماشية لأن السيوم ممتنع في الحيوان في الذمة هذا إن كان المخرج باقيًا.
فإن كان تالفًا نظر إن كان ماشية فلا تجب الزكاة بحال لأن الواجب على القابض هو القيمة ولا يكمل بها نصاب الماشية.
وروى ابن كج عن أبي إسحاق إقامة القيمة مقام العين. انتهى ملخصًا.
إذا علمت هذا فقد قال بعده نقلًا عن الغزالي: والمخرج للزكاة إذا وقع عن الزكاة كالباقي، فإن طرأ مانع فلا.
وهكذا ذكره صاحب "التهذيب" فقال: لو عجل بنت مخاض عن خمس وعشرين فبلغت بالتوالد خمسًا وثلاثين خارجًا عما قبضه الفقراء،
وكان ما قبضوه هالكًا لم يجب بنت لبون لأنا إنما نجعل المخرج كالقائم إذا وقع محسوبًا عن الزكاة.
والذي قاله في "التهذيب" ينازع فيه ما حكيناه عن العراقيين في توجيه الوجه الثاني، وصرح بكونه كالباقي، وإن لم يقع عن الزكاة. انتهى ملخصًا.
وهذه الصورة التي ذكرها البغوي ليس الأمر فيها على ما زعمه الرافعي من ثبوت الخلاف بين البغوي والعراقيين، لأن البغوي فرضها فيما إذا كان المخرج تالفًا.
وهذه الصورة لا نزاع فيها بينهما كما تقدم، وأما الأوجه المتقدمة التي استدرك الرافعي بتوجيه الوجه الثاني منهما على نزاع العراقيين للبغوي فمحلها إذا كان المخرج باقيًا كما صرح به الرافعي بعد ذكر الأوجه، وقد تقدم ذكر عبارته.
فتلخص أن كلام العراقيين في مسألة، وكلام البغوي في مسألة أخرى، وحينئذ فلا نزاع بينهما.
قال رحمه الله القسم الثالث: في تأخير الزكاة
قوله: فاعلم أنه ليس المراد من الإمكان مجرد كونه تسييل من إخراج الزكاة، لكن يعتبر معه شئ آخر، وهو وجوب الإخراج، وذلك بأن تجتمع شرائطه، فمنها أن يكون المال حاضرًا عنده.
فأما إذا كان غائبًا فلا يوجب إخراج زكاته من موضع آخر، وإن جوزنا نقل الصدقات. انتهى كلامه.
وما ذكره ها هنا من عدم وجوب الإخراج عن المال الغائب قد جزم بخلافه قبل ذلك في الكلام علي شروط الزكاة في أثناء الشرط السادس، وقد سبق ذكر لفظه هناك فراجعه.
والمسألة فيها وجهان حكاهما القاضي حسين في "تعليقه" والروياني في "البحر" وغيرهما، وحكاهما أيضًا في "الكفاية" في الكلام على الدين.
والقياس هو المذكور هنا إلا أن يمضي زمان يمكنه المضى إليه فيه.
قوله: ولو أخر لطلب الأفضلية كالتأخير لانتظار قريب أو جار أو أحوج فوجهان:
أظهرهما: الجواز.
قال الإمام: اللهم إلا إذا كان الحاضرون يتضورون جوعًا، فإن كان لم يجز التأخير بلا خلاف.
ثم قال ما نصه: ولك أن تقول إشباع الجائعين وإن وجب، لكنه غير متعين على هذا الشخص ولا من هذا المال ولا من مطلق الزكاة، وإذا كان كذلك فلا يلزم من وجوب الإشباع في الجملة أن لا يجوز التأخير. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن النووي قد اعترض في "الروضة" على بحث الرافعي فقال: هذا النظر ضعيف أو باطل ثم إنه في "شرح المهذب" بين سبب بطلانه فقال لأنه وإن لم يتعين هذا المال لهؤلاء المحتاجين فدفع ضرورتهم فرض كفاية، ولا يجوز إهماله لانتظار فضيلة. انتهى.
والذي قاله النووي عجيب سببه عدم فهمه لكلام الرافعي على وجهه، فإن الرافعي قد سلم أن إشباعهم واجب.
وحينئذ فإن حصل الإشباع من غير هذه الزكاة الخاصة لزم القول بجواز التأخير للجار ونحوه حتى إذا قال المزكي: أنا أعطيتهم تطوعًا، وانتظر بهذه الزكاة من ذكرناه جاز لأنه [لا](1) مانع حينئذ فإن الشرط وهو اندفاع الحاجة قد حصل، وإن لم يحصل الإشباع إلا من هذه الزكاة فيتعين إعطاؤها ولا يجوز التأخير لأن الواجب على الجملة وهو الإشباع لم يقم به أحد، فانتفي الجواز لانتفاء شرطه، فكيف يصح أن يستدرك النووي بقوله: إن دفع ضرورتهم فرض كفاية ولا يجوز إهماله لانتظار فضيلة؟ .
الأمر الثاني: أن تعبيرهما معًا بالإشباع غير صحيح، فقد صرح الغزالي في باب نفقة الأقارب من "الوجيز" بأن الأقارب الذين تجب نفقتهم كالأصول والفروع لا يجب على المنفق إشباعهم ثم إن الرافعي حالة شرحه بينه فقال: ولا يشترط إنتهاء المنفق عليه إلى حد الضرورة، ولا يكفي ما يسد الرمق، بل يعطيه ما يستقل به، ويتمكن معه من التردد والتصرف، هذه عبارته.
فإذا لم يجب ذلك للأباء والأولاد فللأجنبي بطريق الأولى.
الأمر الثالث: أن التضور في كلام الرافعي هو بالضاد المعجمة والواو،
(1) سقط من أ.
ومعناه الصياح والتلوي عند الجوع ونحوه. كذا قاله الجوهري ولم يتفطن النووي لهذه اللفظة الخاصة المستعملة فيما نحن فيهم، وتوهم أنها الضرر براءين، فعبر به في "الروضة".
نعم الصرة بالصاد المهملة المفتوحة والراء المشددة تطلق على الصحة والصيحة وعلى الشدة أيضًا، فيجوز أن يكون اللفظ المذكور هنا من ذلك والإمام رحمه الله كثيرًا ما يعبر بهذه الألفاظ العربية.
قوله في كيفية تعلق الزكاة بالمال أن الجديد الصحيح هو قول الشركة. . . . إلى آخره.
اعلم أن الأصحاب لم يفرقوا في الشركة بين الدين والعين، وحينئذ فيلزم من ذلك أمور كثيرة ينبغي التفطن لها.
منها أنه لا يجوز لصاحب الدين أن يدعي تملك جميعه، ولا يجوز له أيضًا الحلف عليه، ولا للشهود أن يشهدوا بذلك، بل طريق الدعوى والشهادة أن يقال: إنه باقٍ في ذمته وأنه يستحق قبضه لأن له ولاية التفرقة في القدر الذي ملكه الفقراء.
قوله: وإذا فرعنا على قول الشركة فاستبقى قدر الزكاة وباع الباقي فوجهان:
أحدهما: يصح البيع لأن ما باعه حقه.
وأقيسهما عند ابن الصباغ المنع لأن حق الفقراء شائع.
وهذا الخلاف مبني على كيفية ثبوت الشركة وفيها وجهان:
أحدهما: أنها شائعة في كل شاة.
والثاني: أن محل الاستحقاق قدر الواجب، ثم يتعين بالإخراج، ويعبر عنه بأن الواجب شاة مبهمة. انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أن تخريج الوجهين على كيفية ثبوت الشركة كيف يستقيم مع أنهما جاريان في غير هذا كالحبوب والنقود كما صرح به البندنيجي والماوردي والقاضي أبو الطيب وغيرهم.
والشركة في هذه الأنواع بالشيوع قطعًا كما صرح به الأصحاب، وجزم به في "الكفاية" في آخر زكاة النبات.
الأمر الثاني: أن تعليل منع ابن الصباغ بكونه شائعًا ظاهره أنه يرى ذلك، وأنه علل به وليس كذلك، فإنه عبر بقوله: فيه وجهان:
أحدهما: لا يصح، لأن الزكاة لا تتعين إلا بالدفع.
والثاني: يصح لأنه باع حقه.
والأول أقيس لأنه يلزم هذا القائل أن يقول إذا عزل الزكاة من غير المال الزكوى أنه يصح بيع الكل لأن الزكاة لا تتعين عليه منه. هذه عبارته.
وليس فيها التعليل بالشيوع لا أولًا ولا آخرًا، وكأنه توهم من التعليل الأول، وهو أن الزكاة لا تتعين إلا بالدفع كونها شائعة، وهو توهم عجيب.
واعلم أن النووي في "الروضة" لما ذكر الوجهين والبناء لم يبين كيفيته، بل ذكره علي صورة توهم العكس، فتفطن له.
قوله: الحالة الثانية: أن يرهن قبل تمام الحول ثم يتم الحول ففي وجوب الزكاة خلاف [مر](1) في الكتاب شرحه والرهن لابد وأن يكون بدين.
وفي كون الدَّين مانعًا من الزكاة خلاف مشهور، فإن أوجبنا نظر إن لم يملك هذا الراهن مالًا آخر فيبنى ذلك على كيفية تعلق الزكاة.
إن قلنا أنها تتعلق بالذمة والمال مرهون بها، فعن أبي علىّ وغيره أنه قد
(1) سقط من أ.
اجتمع هاهنا حق الله تعالى وحق الآدمي فتأتي الأقوال الثلاثة في أنه يقدم الرهن أو الزكاة أو تستوي.
وعن أكثر الأصحاب أنه يقدم الرهن لأنه أسبق ثبوتًا، والمرهون لا يرهن. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره في توجيه الخلاف من أن الرهن لا يكون إلا بدين، وفي منع الدين خلاف، فقد تقدم الاعتراض عليه من جهة أنه قد يعير ليرَهن.
ومحل الخلاف إنما هو في الدين الذي على الراهن خاصة.
الأمر الثاني: أن ما ذكره هاهنا عن الأكثرين من عدم التخريج على الخلاف، ومن تقديم الرهن قطعًا قد ذكر ما يشكل عليه قبيل الكلام على أنه لا يضم حمل نخلة إلى حملها الأول، فإنه صحح هناك عدم التخريج، كما صحح هاهنا، لكنه جعل الأصح القطع بتقديم الزكاة، ولم يذكر ما نقله هنا عن الأكثرين فضلًا عن تصحيحه وسأذكر لفظه هناك فراجعه.