الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى على سيدنا محمد - اللهم يسر
كتاب العارية
و
أركانها
أربعة
قوله: والمعتبر فيه -يعني: في المعير- مالكية المنفعة، فيجوز للموصى له بخدمة العبد وسكنى الدار أن يعير. انتهى.
وما ذكره من اشتراط الملك في المعير تابعه عليه في "الروضة"، ويرد عليه صورتان:
إحداهما: ما لو نذر أضحية أو هديًا، فإنه يجوز له أن يعيره.
كما قال الرافعي في باب الأضحية، مع أنه قد خرج عن ملكه بمجرد النذر، ولهذا قالوا: لا يؤخر.
الثانية: جواز إعارة الإمام أراضي بيت المال وغيرها من الأعيان، فإنه لا شك في جوازه، وإن لم يحضرني الآن ناقله.
بل قد صرح الرافعي بجواز التمليك، وحينئذ فالإعارة أولى، وما أطلقه من كون الموصي له بالمنفعة مالك، وأنه لا يجوز له أن يعير فيه تفصيل وخلاف مذكور في باب الوصية فراجعه.
وكلام الرافعي يقتضي أنه لا يجوز للأب إعارة ولده الصغير، وهو الذي أطلقه في "العدة" كما قال في "الروضة" ولكن إذا أعاره في خدمة حقيرة لا تقابل بأجرة، فالظاهر الذي تقتضيه أفعال السلف أنه لا يمنع منه إذا لم يضر بالصبي هذا كلامه، ولم ينقله عن أحد.
وقال الروياني في "البحر": يجوز أن يعير ولده الصغير ليخدم من يتعلم منه.
قوله: الركن الثاني: المستعير، قال في الكتاب: ولا يعتبر فيه إلا كونه أهلًا للتبرع عليه وكأنه أراد التبرع بعقد، وإلا فالصبي والبهيمة لهما أهلية التبرع، والاختيار إليهما.
ولكن لا يوهب منهما فلا يعاد. انتهى.
وما قاله الغزالي، وأقره عليه قد جزم به في "الروضة" وهو يقتضي صحة استعارة السفيه فإن الصحيح صحة قبوله الهبة. كما سبق في الحجر.
لكن كيف تصح استعارته مع كونها سببًا مضمنًا؟ لا جرم أن صاحب "الذخائر" جزم بعدم صحتها.
وذكر الماوردي في كتاب الحجر نحوه.
فإنه قال: فيما إذا أعار من سفيه شيئا فأتلفه: إن حكمه كما لو أتلف الوديعة حتى يجئ فيه الخلاف في ضمانها، ولو صحت منه لكان يضمنها قولًا واحدًا، وإن لم يتلفها.
قوله: وأما إعارة الجواري للخدمة فتجوز إن كانت الإعارة من محرم، أو امرأة، وإلا فلا تجوز لخوف الفتنة. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" على حصر الجواز في المحرم والمرأة لكن لابد من استثناء أمور:
أحدها: المالك: ويتصور ذلك في المستأجر وفي الموصى له بالمنفعة.
الثاني: ما استثناه في "الطلب" وهو الزوج يستعير زوجته.
قال: فإذا أعارها له، فتكون مضمونة عليه ولو في الليل إلى أن يسلمها له لأن يد الضمان تثبت فلا تزول إلا بذلك.
الثالث: إذا مرض رجل ولم يجد من يخدمه إلا امرأة فإنها تخدمه للضرورة.
فلو أعار والحالة هذه صح.
قوله: في المسألة: إلا إذا كانت صغيرة لا تشتهى أو قبيحة، ففيها وجهان انتهى.
والصحيح منهما عند الرافعي: أنه يحرم، كذا صححه في "الشرح الصغير" وهو مقتضي إطلاق "المحرر" أيضًا، فإنه لم يستثن شيئًا وقال في "الروضة": الأصح الجواز.
واعلم أن الخلوة بالصغيرة جائزة، ولهذا لا تنقض الوضوء بخلاف العجوز، فالصواب التفرقة فيجوز في الصغيرة بخلاف الكبيرة.
قال في "المطلب": والحق المنع في العجوز والشوهاء.
قوله: وتكره استعارة أحد الأبوين للخدمة لأن استخدامهما مكروه. ولفظ الإمام ينفي الحل. انتهى كلامه.
وصورة المسألة: أن يقصد بها الاستخدام، فإن أوقع الإعارة على الخدمة، لكن قصد توقيره كانت مستحبة. كما قاله: القاضي أبو الطيب وغيره وهو واضح.
واعلم أن الرافعي في كتاب الإجارة، حكى وجهين في صحة استئجار الولد عين والده قال: كالوجهين في إيجار المسلم نفسه من كافر.
وهذا الكلام يدل على الخلاف في جواز استخدامه إياه من غير إجارة، فإنه لا مانع من الإيجار سوى احترام الأبوة وهو موجود في الإعارة.
وهذا الذي قلناه يقوى ما نقله الرافعي عن الإمام من نفي الحل.
وقد أشار في "الروضة" إلى إنكار ذلك فقال ما نصه: الذي قاله الأصحاب أنه يكره كراهة تنزيه.
قال الجرجاني: ويكره أيضًا استئجارهما، هذا لفظه.
قوله: ولو قال أبحت لك درها ونسلها فوجهان:
أحدهما: أنه كقوله: ملكتك حتى لا يصح.
والثاني: أنه إباحة صحيحة والشاة عارية صحيحة، وهو ما أورده المتولي انتهى.
والصحيح: هو الوجه الثاني، فقد اختاره أيضًا القاضي أبو الطيب والماوردي، وصاحب "الشامل"، وصححه في "الروضة" من زياداته.
بل إنما صور المذكورون المسألة وكذلك أكثر من تكلم عليها، بما إذا أعار، حتى اقتضى كلام أبي الطيب صحة الإباحة جزمًا، وهذا هو المتجه.
وأما تصوير الرافعي إياها بما إذا أباحه، فتابع فيه البغوي.
قوله: الركن الرابع: الصيغة، واختلفوا في الواجب من اللفظ.
والأصح الأشهر ما قطع به البغوي وغيره أن المعتبر: اللفظ من أحد الطرفين، والنقل من الآخر.
وقال الغزالي: يعتبر اللفظ من جهة المعير ولا يعتبر من جهة المستعير، إنما يعتبر منه القبول بالفعل. انتهى.
واللفظ "للروضة"، وقد ذكر في الباب الثاني ما يوافق مقالة الغزالي، وسأذكره في موضعه فراجعه.
ثم إن الذي ذكره هناك هو قياس الوديعة فإن الرافعي، قد جزم بأنه يشترط فيها اللفظ من جهة المودع، والفعل من الآخر ووافقه عليه في "الروضة" وتتجه التسوية بين البابين.
قوله: ويوافقه ما حكى عن الشيخ أبي عاصم أنه إذا انتفع بظرف الهدية المبعوثة إليه، حيث جرت العادة باستعماله، كأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها، كان عارية لأنه انتفاع بملك المعير بإذنه. انتهى كلامه.
وما قاله أبو عاصم، قد جزم به البغوي أيضًا، ونقله عنه الرافعي في كتاب الهبة، ثم إن محل ذلك أيضًا إنما هو فيما إذا كانت الهدية لا لمقابل،
فإن كانت عوضًا فالظرف أمانة في يده، كالإجارة الفاسدة.
كذا حكاه المتولي عن أبي عاصم المذكور ونقله عنه في "الروضة".
ويؤخذ من كلام الرافعي هنا أن الضمان في المسألة التي نقلها يتوقف على الاستعمال فأما قبله [فهو](1) أمانة، وإن كانت بغير مقابل.
وقد صرح به الرافعي في الهبة.
(1) في ب، جـ: فإنه.