الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الغصب
وفيه بابان:
الباب الأول: في الضمان
وفيه ثلاثة أركان:
الركن الأول: الموجب
قوله: وللأصحاب رحمهم الله في التعبير عن معنى الغصب عبارات.
إحداها: أنه أخذ مال الغير على جهة التعدي.
ثانيها: الاستيلاء على مال الغير بغير حق، هذه أعم من الأولى، لأن من استعمل ثوبا لغيره يظنه لنفسه، فإن الغصب يثبت في حقه مع إنتفاء العدوان وهو الإثم.
ثالثها: كل مضمون على ممسكه مغصوب.
وهذه أعم من الأوليين، ويدخل فيها المقبوض بالشراء الفاسد، والوديعة إذا تعدى فيها المودع، والرهن إذا تعدى فيه المرتهن. وأشبهها وأشهرها العبارة الأولى، والثابت في الصور المذكورة إنما هو حكم الغصب لا حقيقته. انتهى ملخصا.
فيه أمور:
أحدها: أن المودع إذا تعدى فقد انفسخت الوديعة، وحرم عليه الاستيلاء عليها وصار ضامنا، فقد ثبت فيها حقيقة الغصب [بخلاف المرتهن فإن الثابت فيه إنما هو حكم الغصب](1) وهو الضمان، وأما الاستيلاء فثابت له
(1) سقط من أ.
لبقاء الرهن.
الأمر الثاني: أن تعبيره في العبارة الثانية بقوله: بغير حق؛ إن أراد بالحق ما وجب له كالمستأجر ونحوه فيلزم فسادها.
وأن تكون الثالثة أعم منها لدخول الوكيل والمستعير، والمودع وغير ذلك.
وإن أراد بالحق الجائز فلزم أن لا تكون أعم من العبارة الأولى بل مساوية لها.
وقد ذكر في "المطلب" هذا الاعتراض وأقره، [وأقرب] (1) شيء فيه أن يقال: إن أراد بالحق المسوغ في نفس الأمر وحينئذ فلا اعتراض.
الأمر الثالث: أن التعبير بالمال مخرج للاختصاصات كجلد الميتة والسرجين وحق التحجر، ونحو ذلك.
وقد ذكر في "الروضة" هذا الاعتراض ثم قال بعده: والاختيار: أنه الإستيلاء على حق الغير بغير حق هذا لفظه.
وتعبيره بقوله: بغير حق ذهول، والصواب: عدوانًا، فقد تقدم الفرق بينهما وموافقته عليه، وإنما نقصد الإنتقاد على من عبر بالمال.
قوله: والإتلاف أيضًا مضمن، وقد يكون بالمباشرة، وقد يكون بالتسبب.
ثم قال: ومن التسبب الإكراه على إتلاف مال الغير. انتهى.
واعلم أن المكرِه يعني الأمر، وإن كان يجب عليه، لكن ينبغي أن يتفطن إلى أن المتلف يطالب أيضًا على الصحيح، كما ذكره في الجنايات في الكلام على الإكراه على القتل.
ثم إذا غرم فيرجع به على المكرِه على الصحيح أيضًا.
قوله: أما إذا كان جامدًا وشرقت الشمس فأذابته إلى آخره.
(1) في جـ: وأقل.
يقال: شرقت الشمس تشرق بالضم شروقا وشرقًا إذا طلعت، كما تقول مثله في غربت وهذا هو المراد هنا، وأشرقت إشراقًا إذا أضاءت.
قوله: ولو فتح قفصا عن طائر فطار في الحال فطريقان، أظهرهما: قولان:
أصحهما: الوجوب.
والثانية: يجب قطعًا، وقيل: إن اضطرب ثم خرج وجبت، وإن خرج من غير إضطراب لم تجب.
وإن وقف ثم طار فطريقان أيضًا.
أظهرهما: القطع بعدم الضمان.
والثانية: على قولين، واختار جماعة الضمان مطلقًا. منهم الروياني. انتهى ملخصًا.
اختصره في "الروضة" بقوله: فثلاثة أقوال:
أظهرها: إن طار في الحال ضمن، وإلا فلا.
والثاني: يضمن مطلقًا.
والثالث: لا يضمن مطلقًا، هذا لفظه من غير زيادة عليه، وفيه خلل من ثلاثة أوجه:
أحدها: في إسقاط الوجه المفصل بين أن يضطرب أم لا.
وثانيها: في إسقاط الطريقين.
وثالثها: أن جزمه بحكاية الخلاف فيما إذا وقف ثم طار، عكس ما صححه الرافعي، فإن الصحيح فيه طريقة القطع.
واعلم أن ما نقله الرافعي عن اختيار الروياني صحيح، لكنه في "الحلية" فتفطن له.
وأما في "البحر" فعكس حتى بالغ فقال: إنه غلط.
قوله: ولو حبس المالك عن ماشيته حتى تلفت، فلا ضمان لأنه لم يتصرف في المال، كذا قالوه، ولعل صورته فيما إذا لم يقصد منعه عن الماشية، وإنما قصد حبسه فأفضى إلى إهلاكها؛ لأن المتولي قال: ولو كان له زروع ونخيل، وأراد سوق الماء إليها فمنعه ظالم عن السقي حتى فسدت ففي الضمان الوجهان فيما لو فتح الزق عن جامد فذاب بالشمس وضاع. انتهى كلامه.
واعلم أن الأصح في مسألة الزق: أنه يضمن: لكن الأصح ههنا في المنع من السقي وشبهه كالمنع من الرعي: عدم الضمان، والفرق عدم التصرف في المال، قاله في "الروضة".
قوله: وبطرد هذه القاعدة ذهب بعضهم إلى أنه إذا غصب هادي القطيع فتبعه القطيع، أو البقرة فتبعها العجل، يضمن القطيع والعجل. انتهى كلامه.
لم يذكر في هذه المسألة غير هذه المقالة وقد أعاد المسألة في كتاب السرقة، وحكى فيها وجهين من غير ترجيح.
وتبعه عليه في "الروضة".
قال في "المطلب": والراجح هو: الضمان، قال: ويشهد له قول الأصحاب أنه إذا كان في يده دابة وخلفها ولد فأتلف شيئًا ضمنه كما يضمن ما تتلفه أمه، فلو لم يكن في يده لم يضمنه.
إذا علمت ذلك فقد صحح النووي في أصل "الروضة" هنا أنه لا يضمن القطيع والعجل، فاعلم ذلك.
قال في "المطلب": الذي يظهر فيما إذا غصب أم النحل فتبعها النحل أنه يضمنه وجهًا واحدًا لاطراد العادة بتبعه لها، والنحل هنا: بالنون والحاء المهملة.
والهادي: بالدال المهملة هو: الذي يمشي أولها فتتبعه.
قوله في أصل "الروضة": فرع لو نقل صبيًا حرًا إلى مسبعة فافترسه سبع فلا ضمان هذا هو المذهب والمعروف في كتب الأصحاب، وذكر الغزالي فيه وجهين، وليس بمعروف. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن إنكاره هذين الوجهين غريب لم يذكره الرافعي، فقد حكاهما الإمام في كتاب الجنايات، والغريب أن الرافعي نقلهما عنه هناك في أول الطرف الثاني المعقود لاجتماع العلة، والشرط.
فإنه قد ذكر المسألة هناك وبسطها فراجعها.
ولما اختصر النووي كلام الرافعي هناك عبر بالأصح.
واصطلاحه في هذا اللفظ أنه للخلاف القوي.
وأغرب من هذا أن الشيخ قد جزم في "المهذب" بأنه إذا ألقى حرًا مشدودًا في مسبعة فقتله السبع، وجب فيه دية شبه العمد فانظر إلى الكتاب وشهرته والمفروض فيه الحكم، وهو الرجل والواجب وهو دية شبه العمد؛ وكيفية الجواب وهو الجزم لا التردد.
الأمر الثاني: أن الوجهين في الصبي محلهما إذا لم يقدر على الحركة والانتقال من الموضع، فإن قدر فلم يفعل، فلا ضمان على الواضع كما لو فتح عرقه فلم يعصبه حتى مات كذا قاله الرافعي هناك.
قوله: لكن لو ركب دابة الغير، أو جلس على فراشه، ولم ينقله فأصح الوجهين أنه يكون غاصبًا.
ثم قال: ويشبه أن تكون المسألة مصورة فيما إذا قصد الراكب والجالس الاستيلاء، أما إذا لم يقصده ففي "التتمة" أن في كونه غاصبًا وجهين. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن صاحب "التتمة" إنما حكى الوجهين في كونه ضامنًا، ولم يحكهما في كونه غاصبًا.
بل لا يصح منه حكايتهما في ذلك، فإنه قد صرح بعد هذا بأن شرط الغصب في المنقولات حصول الاستيلاء، فإن لم يوجد لم يكن غاصبًا، وإن وجد الضمان، فقال: لو كان بين يديه شيء من المنقولات فأخذه إنسان لينظر هل يصلح له ليشتريه أو ليعمل لنفسه مثله، وتلف في تلك الحالة ضمنه.
ولو دخل دارًا لينظر هل تصلح له ليشتريها أو يبني لنفسه مثلها فانهدمت في تلك الحالة لا ضمان عليه على الصحيح.
قال: وهذه المسألة تعلقت بها الحنفية في أن الغصب هو النقل، وليس الموجب [هو](1) التفرقة، قالوا: لأنا لا نقول: إن الضمان الثابت في المنقولات ضمان غصب؛ لأن ضمان الغصب ضمان عدوان.
وإذا لم يقصد منع المالك لا يوصف بالعدوان ولكن قبض ارتفاق.
وما نقله عن المتولي في رفع المنقول من الضمان قد نقله عنه أيضًا الرافعي بعد هذا بقليل وسنذكره، ونذكر أن المشهور خلافه.
الأمر الثاني: أن الرافعي لم يصحح شيئًا فيها إذا لم يقصد الاستيلاء كما تقدم، بل كلامه يشعر بأن الصحيح أنه ليس بغاصب، فإنه قد غاير بين المسألتين في الحكم مع اشتراكهما في الوجهين.
وقد اختصر النووي في "الروضة" ذلك على غير وجهه، وصحح أنه غاصب مطلقًا.
فقال: أصحهما أنه غاصب سواء قصد الإستيلاء أم لا.
قوله: في المسألة قال: يعني صاحب "التتمة"، وهذا إذا كان المالك غائبًا،
(1) سقط من أ، ب.
أما إذا كان حاضرًا فأزعجه، وجلس على الفراش ضمن وكذا إن لم يزعجه، وكان بحيث يمنعه من رفعه والتصرف فيه.
وقياس ما سيأتي في نظيره في العقار، أن ألا يكون غاصبًا إلا لنصفه. انتهى كلامه.
وما ذكره الرافعي بحثًا، وتابعه عليه في "الروضة" قد صرح به القاضي الحسين لكن فيما إذا كان المالك [يزجره فلم ينزجر وهي فرد مما دخل في كلام الرافعي](1) والباقي مثله أيضًا.
قوله: وإن دخل الدار لا على قصد الإستيلاء، ولكن لينظر هل تصلح، أو ليتخذ مثلها لم يكن غاصبًا.
قال في "التتمة": لكن لو انهدمت في تلك الحالة، هل يضمنها؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم، كما لو أخذ منقولًا من بين يدي مالكه لينظر هل يصلح له ليشتريه أو مثله فتلف في تلك الحالة يضمنه.
وأصحها: لا، بخلاف المنقول، وفرق بينهما بأن اليد على المنقول حقيقة فلا يحتاج في إثبات حكمها إلى قرينة، وعلى العقار حكمية، فلابد في تحقيقها من قرينة قصد الإستيلاء.
وهذا الفرق كأنه راجع إلى الأصح، وإلا فوجهان في المنقول على ما سبق، انتهى كلامه. فيه أمران:
أحدهما: أن ما قاله المتولي من الضمان في رفع المنقول خلاف المعروف. فقد خالفه فيه القاضي الحسين في "تعليقته" فقال: لو رفع كتاب شخص من بين يديه إن قصد الإستيلاء ضمن، وإن قصد أن ينظره ويرده في الحال لم يضمن، وإن خطا به خطوات ضمن.
(1) سقط من أ.
وكذلك الإمام فقال: إذا رفعه لينظره لم يضمن على المذهب الظاهر.
وتبعه الغزالي في "البسيط".
فقال: إنه ظاهر المذهب، وذكر البغوي في "فتاويه" ما يوافقه.
وطرد الإمام والغزالي ذلك في النقود المغصوبة التي يتناولها الصيارفة للنقد وكأن مأخذه أن العرف يقتضي ذلك، فلا يعد استيلاء بخلاف الركوب ونحوه.
نعم: ذكر القاضي الحسين في "فتاويه" أن الفتوى على وجوب الضمان.
ورأيت في ما وقفت عليه من "تعليقته" في الغصب أنه إذا خطا به خطوات لا يقصد الإستيلاء فإنه لا ضمان على خلاف النقل الأول عنه فينبغي تحريره من نسخ.
الأمر الثاني: أن قول الرافعي في الكلام على ما قاله صاحب "التتمة" وإلا فالوجهان إلى آخره لا يستقيم، فإن الوجهين السابقين في كلام الرافعي، إنما هما في كون ذلك غصبًا وهما في كلام "التتمة" في الضمان.
قوله: وقول "الوجيز": وكل يد أثبتت على؛ هكذا يوجد في الأكثر، وتقرأ لكن الابتناء متعد كالبناء.
فالوجه أن يقال ابتنت فقد تستعمل اللازمة الابتناء فيمكن أن تراعي الصورة وتقرأ ابتنت. انتهى كلامه بحروفه.
وتقريره مشكل.
قوله: ولو زوج الجارية المغصوبة عند الزوج، ففي مطالبة الزوج بالقيمة طريقان:
قيل: هو كالمودع.
ومنهم من قطع بأنه لا يطالب لأن كون الزوجة في حيالة الزوج، ليس
لكون المال في يد صاحب اليد.
قال في التهذيب: وهو المذهب. انتهى كلامه.
والصحيح طريقة القطع كما قاله في "التهذيب" كذا صححه النووي في أصل "الروضة".
قوله: ولو قال الغاصب للمالك] (1) أعتقه عني ففعل جاهلًا، ففي نفوذ المعتق وجهان إن نفذ ففي وقوعه عن الغاصب وجهان:
قال: في "التتمة" الصحيح المنع. انتهى كلامه.
والصحيح في المسألة الأولى هو النفوذ كما هو مقتضى كلامه في "الشرح الصغير" فتأمله.
والصحيح في الثانية ما قاله صاحب "التتمة" كذا صححه النووي في أصل "الروضة".
(1) في جـ: المالك للغاصب.