الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: في "أحكام اللقطة
"
قوله: وإذا قلنا بالظاهر أي أن المودع لا يضمن بقصد الخيانة فلو قصد ذلك في أثناء الأخذ ففي كونه ضامنًا وجهان، انتهى.
وهذه المسألة لم يذكرها الرافعي في باب الوديعة، وقد أسقطها النووي من هذا الموضع وكأنه ظن أن الرافعي ذكرها في بابها فأسقطها، وليس كذلك.
قوله: ومهما صار الملتقط خائنًا في الدوام إما بنفس الخيانة، أو بقصدها ثم أقلع وأراد أن يعرف ويتملك فوجهان: أحدهما المنع لأنه صار مضمونا عليه بتعديه والأمانة لا تعود بترك التعدي.
ووجه الثاني: أن التقاطه في [الإبتداء](1) انعقد مقيدًا للملك فلا يبطل حكمه بتفريط نظرًا، وهذا أصح عند صاحب "التهذيب"، لكن إيراد الكتاب يشعر بترجيح الأول ويؤيده أنهم شبهوا الوجهين، إلى آخره.
ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا، [وهو ظاهر في رجحان المنع، وصحح النووي في "الروضة"](2) أن له أن يتملكه، ولم ينبه على أنه من زياداته، بل أدخله في كلام الرافعي، وهو غريب جدًا، فتفطن له.
قوله: وهل يجوز تفريق السنة بأن يعرف شهرين ويترك شهرين وهكذا؟ فيه وجهان:
أحدهما: وبه أجاب الإمام لا لأنه إذا فرق لم يظهر فائدة التعريف.
والثاني: وهو الذي أورده العراقيون والقاضي الروياني يجوز، انتهى.
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من ب.
ذكر نحوه في "الشرح الصغير" أيضًا وفيه أمران:
أحدهما: أن مقتضاه رجحان الجواز لأن القائلين به أكثر، إذا علمت ذلك فقد صرح بترجيح الأول في "المحرر" فقال: فيه وجهان: أشبههما المنع.
الأمر الثاني: أن النووي في "الروضة" عرب عن قول الرافعي، وهو الذي أورده العراقيون بقوله: قطع به العراقيون، ثم اعترض عليه فقال من زياداته: قلت الجواز أصح ولم يقطع به العراقيون، بل صححوه هذا كلامه، وهو غريب.
قوله في كيفية التعريف: ولا يستوعب الصفات ولا يبالغ فيها لأن لا يعتمدها الكاذب فإن بالغ ففي مصيره ضامنًا وجهان لأنه لا يلزمه الدفع إلا ببينة لكن قد يرفعه إلى حاكم يلزمه الدفع بالوصف، انتهى.
والأصح وجوب الضمان كذا صححه في "الروضة" من "زياداته".
قوله: أما إذا قصد الحفظ أبدًا ففي وجوب التعريف وجهان والأكثرون على أنه لا يجب. انتهى.
وما قاله رحمه الله يستثنى منه لقطة الحرم فإنه لا يجري فيها هذا الخلاف، بل يجب التعريف جزمًا للحديث الوارد فيها، كذا قاله في "الروضة" من زياداته عن الأصحاب في الكلام على لقطة الحرم.
قوله الخامسة: ليكن التعريف في الأسواق ومجامع الناس وأبواب المساجد، ولا يعرف في المساجد، وكما لا يطلب الضالة فيه، قال الشاشي في المعتمد: إلا أن أصح الوجهين جواز التعريف في المسجد الحرام بخلاف سائر المساجد. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة" وكذلك ابن الرفعة في "الكفاية" وهو ظاهر في تحريم ذلك في بقية المساجد، وليس كذلك فإن المنقول فيه إنما هو الكراهة،
وقد جزم به النووي في "شرح المهذب" في آخر باب الخيانة في الفصل المعقود لأحكام المساجد.
قوله: في "الروضة" فرع قال في "التتمة" يحل التقاط السنابل وقت الحصاد إن أذن فيه المالك أو كان قدرًا لا يشق التقاطه عليه وإن كان يلتقطه بنفسه لو اطلع عليه وإلا لم يحل. انتهى كلامه.
وما ذكره في أخره من تعبيره بقوله وإلا أي بواو وهمزة قد شاهدته في النسخة التي هي بخطه رحمه الله وهو فاسد تبع فيه نسخة محرفة من نسخ الرافعي بل صوابه أولًا أي بهمزة ثم واو، وقد ذكره في "التتمة" على الصواب فقال: الثاني جرت العادة بالتقاط ما يقع من أيد الحصادين من السنابل، فإن كان المالك أذن فيه فهو حلال، وإن لم يكن قد أذن فيه فهو حلال وإن لم يكن قد أذن فيه صريحًا إلا أن المالك لا يلتقطه في العادة، ولا يشق عليه التقاط الناس له فيحل التقاطه، وإن كان المالك يلتقطه ويثقل على قلبه التقاط الناس له فلا يحل هذه عبارته.
قوله: وإن التقط في صحراء عرف في البلد التي يقصدها قربت أم بعدت، ولا يكلف أن يغير قصده ويعدل إلى أقرب البلاد كذا قاله الإمام والغزالي، وذكر المتولي وغيره أنه يعدل فيعرف في أقرب البلاد وهذا إن أريد به الأحب فذاك، وإلا حصل وجهان في المسألة، انتهى ملخصًا.
والأصح أنه لا يكلف العدول، كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير" والنووي في "الروضة".
قوله: وإن وجد في القرية ما يفسد لو بقى كالهريسة جاز الأكل في أرجح القولين عند عامة الأصحاب، ثم قال: وقضيته ترجيح القول بجواز أكل الشاة إذا وجدت في الصحراء كما ذكره الشيخ أبو حامد إلى آخره.
والتعبير بقوله إذا وجدت في الصحراء وقع كذلك في نسخ الرافعي وهو
سهو والصواب أن يقول إذا وجدت في البلد لأن الشاة الموجودة في [الصحراء يجوز أكلها اتفاقا وخلاف الشيخ أبي حامد في الموجودة في](1) البلد، فإنه ذهب إلى الجواز أيضًا على خلاف ما قاله الأكثرون كما أوضحه الرافعي في الباب الأول.
قوله: ويجب على الآكل إقرار القيمة المغرومة من ماله، لأن ما في الذمة لا يخشى هلاكه، وإذا قرر كان المقرر أمانة وقيل: يجب احتياطًا لصاحب المال ليتقدم بها عند إفلاس الملتقط، وعلى هذا فالطريق أن يرفع الأمر إلى الحاكم ليقبض عن صاحب المال، وإن لم يجد حاكمًا فهل للملتقط بسلطان الالتقاط أن يستنيب عنه؟ فيه احتمال للإمام انتهى.
ذكر في "الروضة" مثله، وما اقتضاه كلامه من أن احتمال الإمام مخصوص بحالة فقدان الحاكم ليس كذلك، فقد صرح بأنه يجري مع وجوده ومع عدمه، وقد علم من التعبير بالإستثناء به، أن المراد تفويض ذلك إلى غيره بفعله لا فعل الملتقط نفسه فتفطن له.
قوله في المسألة: وذكر الإمام أنه إذا أفرز القيمة لم يصر ملكا لصاحب المال لكنه أولى بتملكها، وبمثله أجاب المصنف في "الوسيط" لكنه لو كان كذلك لما سقط حقه بهلاك القيمة المفروزة، وقد نصوا على السقوط وأيضًا نصوا على أنه إذا مضت مدة التعريف فله أن يتملك تلك القيمة كما يتملك نفس اللقطة، وكما يتملك الثمن إذا باع الطعام، وهذا يقتضي صيرورتها ملكًا لصاحب اللقطة، انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن ما عزاه إلى الإمام [من عدم الملك ليس بصحيح، وإنما نقله الإمام عن غيره وزاد على ذلك فرده، فقال: ثم إذا قبض القاضي فقد تفرض قائمة مقام مالك اللقطة تقديرا حتى تصير القيمة مملوكة له، ويمتنع إبدالها، وقال الأصحاب: لا يملكها، وإنما يكون أولى بها لو أفلس الملتقط
(1) سقط من أ.
وهذا فيه بعد، وبتقديره فلا يدخل في ملكه بمجرد ظهوره، بل له أن يتملكها وأن يعرض عنها، انتهى كلامه ملخصًا.
الثاني: أن ما ذكره من سقوط حق المالك عند تلف القيمة المفرزة، إذا قلنا بأنه يملكها يشكل على ما ذكره في الأضحية فإنه قال في الكلام على أحكام الضحايا، ولو كان في ذمته دم عن فوات أو تمتع أو أضحية أو هدي عن نذر مطلق، ثم عين بدنة أو شاة عما في ذمته فقد قدمنا خلافا في أنها هل تتعين؟ والظاهر التعيين وحينئذ فالظاهر زوال الملك عنها كالمعينة إبتداء، لكن لو تلفت ففي وجوب الإبدال وجهان:
أصحهما: الوجوب وهو الذي اقتصر عليه المعظم لأن ما التزمه ثبت في ذمته، والمعين وإن زال ملكه عنه فهو مضمون عليه كما لو كان لرجل على آخر دين فاشترى منه سلعة بذلك الدين، ثم تلفت السلعة قبل التسليم في يد بائعها فإنه ينفسخ البيع ويعود الدين كذلك هاهنا، يبطل التعيين ويعود ما في ذمته انتهى كلامه.
وذكر مثله في "الروضة" فإن قيل: إنما سقطت القيمة في اللقطة، لأن الحاكم يقبضها فأقمنا قبضه مقام قبض المالك قلنا لم لا أوجبنا قبض الحاكم في الأضحية أيضًا، لاسيما أنه يؤدي إلى إيجاد القابض والمقبض.
الأمر الثالث: أن الرد بالوجه الثاني على الإمام والغزالي سهو، فقد جزم الإمام بأن القيمة بعد مدة التعريف على حالها في يد الحاكم مبقاة علي حق مالك اللقطة وكذلك الغزالي في "الوسيط"، فإنه قال: فالأشهر أنه لا يرتفع الحجر، بل يحفظه أبدًا لمالكه لأنه بدل اللقطة لا عينها ووقع لابن الرفعة هنا أغلاط بعضها قلد فيه الرافعي وبعضها من قبله، وذكر القاضي الحسين في تعليقه أنا إذا قلنا لا يحتاج إلى إفراز القيمة أولا فلابد من إفرازها بعد الحول عند التملك لأن تملك الدين لا يصح.
قوله: لنا أي في جواز التملك للغني والفقير قوله صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد الجهني: فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها، ولم يفرق بين الغني والفقير
انتهى كلامه.
وما ذكره لا دلالة فيه البتة لأن الخطاب مع واحد معين ولابد أن يكون حالة الخطاب وتجويز الأخذ متصفًا بواحدة منها ويستحيل إتصاف بهما معًا فيكون الحديث دالًا على المتصف ببدل الصفة خاصة.
قوله الثالثة: في لقطة مكة وحرمها وجهان أو قولان: أظهرهما: أنه لا يجوز أخذها للتملك، انتهى.
واعلم أن نسخ الرافعي هنا مختلفة ففي بعضها ترديد القول كما ذكرته هاهنا وفي بعضها الجزم بأن الخلاف قولان، والراجح عند الرافعي أنه قولان كذا رجحه في "الشرح الصغير" وجزم النووي في "الروضة" و"زوائد المنهاج" بأنه وجهان.
وقوله: وإن ظهر المالك بعد التملك، وقد زادت فالمتصلة يبيعها، والمنفصلة تسلم للملتقط. انتهى.
وإطلاقه أن المنفصلة كالحمل ونحوه يكون للملتقط، قد تابعه عليه في "الروضة" وليس كذلك فإن الحمل قد يكون موجودًا عند المالك أو يحدث في مدة التعريف أو بعدها، وانفصاله قد يكون بعد الرجوع وقد يكون قبله ويأتي فيه ما سبق في نظائره كالرد بالعيب والفلس ونحوها فراجعه.
قوله: فلو أراه اللقطة وقال هاتها فأخذها لنفسه فالآخذ أولى، وإن أخذها للآخر أو لنفسه وله فعلى الوجهين في جواز التوكيل بالاصطياد ونحوه انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" على ذلك، وهو مخالف لما ذكره في الوكالة في الكلام على التوكيل في المباحات فراجعه، فإنه قد تقدم التنبيه عليه.
قوله: وإذا دفع اللقطة إلى الحاكم وترك التعريف والتملك، ثم ندم وأراد أن يعرف ويتملك، ففي [تمكينه](1) وجهان حكاهما ابن كج، انتهى.
قال في "الروضة": المختار عنهما المنع، لأنه أسقط حقه.
(1) في الأصول: تمكنه، والمثبت من "الروضة".
قوله: وفي "المهذب" أنه إذا وجد خمرًا أراقها صاحبها لم يلزمه تعريفها لأن إراقتها مستحقة فإن صارت عنده خلًا فوجهان:
أحدهما: أنها للمريق كما لو غصبها فصارت خلًا.
والثاني: للواجد لأنه أسقط حقه بخلاف الغصب، وهذا الذي ذكره تصويرا وتوجيها إنما يستمر في الخمر المحترمة، وحينئذ لا يكون إراقتها مستحقة، أما في الإبتداء فظاهر، وأما عند الواجد فينبغي أن يجوز إمساكها إذا خلا عن قصد فاسد، ثم يشبه أن يكون ما ذكره مخصوصًا بها إذا أراقها لأنه معرض، أما إذا ضاعت المحترمة من صاحبها فلتعرف كالكلب، انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن الأصح من هذه الوجهين أنها للواجد، كذا صححه النووي من زياداته في باب الغصب، وفي أصل "الروضة" في كتاب الصيد والذبائح.
الأمر الثاني: أن ما ذكره الرافعي من تصوير المسألة وتوجيهها إنما يستمر في الخمر المحترمة كلام عجيب على العكس فما يدل عليه كلام "المهذب"، وأما التصوير وهو وجود الخمر التي أراقها صاحبها فلا دلالة فيه لا على ما قاله ولا على خلافه، بل دلالته على خلافه أقرب لأن المحترمة وهي التي عصرت بقصد الخلية لا يريقها عاصرها غالبا، وأما التعليل فدال على عكس ما قاله لأن استحقاق الإراقة من المريق أو الواجد ينفي تصويرها بغير المحترمة فإن أراد التعليل المذكور للوجهين فلا يدل أيضًا، لأن غير المحترمة لو صارت خلًا في يد الغاصب لكانت للمغصوب منه كما ذكره في الغصب، وكذلك لو تخللت في يده لكان الخل ملكًا بطريق الأولى وكأنه رحمه الله ظن أن غير المحترمة إذا غصبها غاصب فتخللت عنده أن الخل يكون له، أو تمسك بقوله لأنه أسقط حقه والمراد أن حقه من هذا الخل قد
سقط بإراقتها وهي خمر كما أشرنا إليه نعم، إن علم الواجد أنها محترمة فواضح وإن لم يعلم فالظاهر كما قاله في "الروضة" من زياداته عدم إحترامها، وحينئذ فيجب على الواجد إراقتها.
الأمر الثالث: أن قول الرافعي ثم يشبه في آخره أراد به أن ما ذكره صاحب "المهذب" من التمثيل بالخمر المراقة ينبغي أن يكون الحكم مقصورا عليه أي لا يتعدى إلى غير المراقة، وإليه أشار بقوله مخصوصا، فإن صاحب "الروضة" باعتراض فاسد سببه عدم فهمه لكلام الرافعي فقال: وأما قول الرافعي يشبه أن يكون كذا إلي أخره فقد صرح به صاحب "المهذب" فقال: وجد خمرا أراقها صاحبها هذا لفظ النووي وهو غلط لما عرفته، ومن العجب أن الرافعي قد ذكر هذا الكلام من جملة ما نقله عن "المهذب" فكيف يمكن أن يخطر للرافعي استدراكه أيضًا عليه؟ وكيف أيضًا ذهل أعني النووي عن قول الرافعي مخصوصا بكذا؟
قوله: وقد سبق أن البعير وما في معناه لا يلتقط إذا وجد في الصحراء واستثنى صاحب "التلخيص" ما إذا وجد بعيرًا في أيام منى مقلدًا في الصحراء تقليد الهديا فحكى عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه يأخذه ويعرفه أيام منى، فإن خاف فوت وقت النحر نحوه، ويستحب إستئذان الحاكم فيه، وفي قول لا يجوز أخذه، وقال القفال: الإستئذان في الذبح واجب ولك أن تقول الاستثناء غير منتظم، وإن قلنا أنه يؤخذ لأن الأخذ منه إنما هو الأخذ للتملك ولا شك أن هذا البعير لا يؤخذ للتملك، انتهى كلامه.
وأجاب في "الروضة" عنه فقال: قد سبق في جواز أخذ البعير لآحاد الناس للحفظ وجهان، فإن منعناه ظهر الإستثناء وإن جوزناه وهو الأصح، ففائدة الإستثناء جواز التصرف فيه بالتحر هذا لفظه.
واعلم أن منصوص الشافعي في الأخذ للحفظ إنما هو الجواز والمنع وجه
لا قول كذا هو مذكور في "الشرح" و"الروضة" فلا يصح الجواب، إذا فرعنا على المنع لأن المجوز هنا هو المجوز هناك، وأما جوابه إذا فرعنا على الجواز فمردود أيضًا لأن الكلام في الأخذ لا في التصرف على أن الالتقاط المذكور، كما أنه ليس للتملك ليس للحفظ فإن فيه تصرفًا، فيقال للرافعي والأخذ الجائز أيضًا إنما هو للحفظ وليس هذا له إلا أن هذا لا يدفع سؤال الرافعي، ويتحقق سؤاله بما ذكره، وكذلك اقتصر عليه.