المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث: في "الطوارئ الموجبة للفسخ - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٦

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العارية

- ‌أركانها

- ‌ أحكامها

- ‌كتاب الغصب

- ‌الباب الأول: في الضمان

- ‌الركن الأول: الموجب

- ‌الركن الثاني: "في الموجب فيه

- ‌الركن الثالث: "في الواجب

- ‌الباب الثاني: "في الطوارئ على المغصوب

- ‌كتاب الشفعة

- ‌الباب الأول: في الأركان

- ‌الباب الثاني: في "كيفية الأخذ

- ‌الباب الثالث: فيما يسقط به حق الشفيع

- ‌كتاب القراض

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في حكم القراض الصحيح

- ‌الباب الثالث: في الفسخ والتنازع

- ‌كتاب المساقاة

- ‌الباب الأول: في أركانها

- ‌الباب الثاني: في أحكام المساقاة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌الباب الأول: في أركانها

- ‌الباب الثاني: في "أحكام الإجارة الصحيحة

- ‌الباب الثالث: في "الطوارئ الموجبة للفسخ

- ‌كتاب الجعالة

- ‌كتاب: إحياء الموات

- ‌الباب الأول: في "رفات الأرض

- ‌الباب الثاني: في "المنافع المشتركة

- ‌الباب الثالث في "الأعيان الخارجة من الأرض

- ‌كتاب الوقف

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في "حكم الوقف الصحيح

- ‌الفصل الأول: في أمور لفظية

- ‌الفصل الثاني: في الأحكام المعنوية

- ‌كتاب الهبة

- ‌الفصل الأول: في أركانها

- ‌الفصل الثاني: في حكمها

- ‌كتاب اللقطة

- ‌الباب الأول: في "أركانها

- ‌الباب الثاني: في "أحكام اللقطة

- ‌كتاب اللقيط

- ‌الباب الأول: في الالتقاط

- ‌الباب الثاني: في "أحكام اللقيط

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الفصل الأول "في بيان الورثة

- ‌ الفصل الثاني في التقديم والحجب

- ‌ الفصل الثالث في "أصول الحساب

- ‌كتاب الوصايا

- ‌الباب الأول: في الأركان

- ‌الباب الثاني: في "أحكام الوصية

- ‌القسم الأول: اللفظية

- ‌ القسم الثاني: في "المسائل المعنوية

- ‌ القسم الثالث: في "المسائل الحسابية

- ‌الباب الثالث: في "الرجوع عن الوصية

- ‌الباب الرابع: في "الوصاية

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب قسم الفيء والغنيمة

- ‌الباب الأول: في الفيء

- ‌الباب الثاني: في قسمة الغنائم

- ‌كتاب قسم الصدقات

- ‌الباب الأول: في بيان أصناف الصدقات

- ‌الباب الثاني: في كيفية الصرف إلى الأصناف

الفصل: ‌الباب الثالث: في "الطوارئ الموجبة للفسخ

‌الباب الثالث: في "الطوارئ الموجبة للفسخ

"

قوله: وإن فات أي فوات العين المستأجرة في خلال المدة انفسخ العقد في الباقي، وفي الماض، يجيء الطريقان في ما إذا اشترى عيدين وقبض أحدهما فتلف الثاني قبل القبض.

ثم قال: فإن قلنا: لا ينفسخ فهل له خيار الفسخ؟ فيه وجهان:

أصحهما: عند الإمام وصاحب "التهذيب": لا، لأن منافعه قد صارت مستوفاة.

والثاني: وبه أجاب ابن الصباغ وآخرون، نعم، لأن جميع المعقود عليه لم يسلم له، انتهى كلامه.

لم يصرح بتصحيح في "الروضة" أيضًا، والصحيح أنه ليس له ذلك، كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير" وعبر بالأصح.

قوله: والنص في انهدام الدار الانفساخ وفي انقطاع ماء الأرض ثبوت الفسخ فقيل بتقرير النصين والأظهر طريقة التخريج، لكن الأظهر من القولين في كل مسألة ما نص عليه، انتهى ملخصًا.

كيف يستقيم تصحيح التخريج على تصحيحه تصحيح التقرير، فإن مقتضى التخريج المساواة لا الفرق، فالجمع بينهما متناف.

قوله: ولو غصب العين المستأجرة وانقضت المدة فينبني على أن إتلاف المبيع هل هو فسخ أم لا؟ ثم قال: والذي نص عليه الشافعي وأجاب به الأصحاب انفساخ الإجارة، انتهى.

تابعه النووي في "الروضة" على ذلك وفيه أمران:

أحدهما: أن النووي قد خالف في "تحرير التنبيه" فجزم بأنه كإتلافه،

ص: 173

وادعى أنه الصواب وأنه وقع كذلك في نسخة المصنف، وهذا يقتضي تصحيح عدم الإنفساخ على خلاف ما قاله الشافعي والأصحاب وهو تناقض فاحش.

وقد فرق القاضي حسين بفرق ذكره الرافعي أيضًا بعد هذا في نظير المسألة، وهو أن المعقود عليه في باب البيع هو المال وهو واجب على الجاني فيتعدى العقد من العين إلى بدلها بخلاف الإجارة، فإن المعقود عليها هي المنفعة، وهي غير واجبة على متلفها، إنما الواجب المال فلهذا لم يتعد العقد من المنفعة إلى بدلها وليست المسألة في "المحرر" ولا في "المنهاج"، والمذكور فيهما إنما هو غصب العين من غير مضى مدة، والحكم فيه أنه مخير.

الأمر الثاني: أن الشافعي والأصحاب إذا كانوا قائلين بالانفساخ فمن أين للرافعي والنووي البناء المذكور؟ وكيف يجزمان بشيء قد خالفهما فيه الشافعي وأصحابه؟

والظاهر أنه سقط من المسألة شيء، وأصله جمهور الأصحاب، أو نحو هذا.

قوله: الثانية للمكري مخاصمة من غصب العين المكراه أو سرقها لحق الملك، وهل للمكتري مخاصمتهم؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم لأنه يستحق المنفعة فيطالبه ليستوفي المنفعة.

وأظهرهما: ويحكى عن نص الشافعي رضي الله عنه لا لأنه ليس بمالك، ولا نائب عن المالك فأشبه المودع والمستعير والوجهان جاريان في أن المرتهن هل يخاصم؛ لأن له حقا في المرهون؟ انتهى.

تابعه عليه في "الروضة" وفيه أمور:

أحدهما: أن ما جزم به في المودع عنده من أنه لا يخاصم قد جزم به أيضًا في الباب الثالث من أبواب الرهن وفي كتاب السرقة أيضًا، لكنه

ص: 174

خالف المواضع الثلاث فجزم في كتاب الحج في باب محظورات الإحرام في الكلام على الحلق بأن له المخاصمة وسبق ذكر لفظه هناك فراجعه.

الأمر الثاني: أن ما ذكره ههنا من حكاية الخلاف في المرتهن وجهين قد خالفه في الرهن أيضًا، في الموضع المتقدم ذكره وهو الباب الثالث، وقد سبق إيضاحه.

الأمر الثالث: أن محل الخلاف في مخاصمة المرتهن إنما هو عند امتناع الراهن من المخاصمة، كما ذكره أيضًا في الرهن، وكلامه هنا يقتضي خلافه.

الأمر الرابع: أن الرافعي قد جزم في آخر الدعاوى بأن للمرتهن أن يخاصم ولم يفصل، وهو عجيب، وقد سبق إيضاحه في الرهن.

قوله: ولو تلف الثوب المعين للخياطة ففي انفساخ العقد خلاف سبق إيضاحه في الباب الثاني أصحهما عند العراقيين والشيخ أبي علي ينفسخ وإن حكمنا بأن الإجارة لا تنفسخ فلم يأت به لعجز أو مع القدرة حتى مضت مدة توفية إمكان العمل، ففي استقرار الأجرة وجهان نقلهما الإمام، انتهى.

لم يصحح شيئا في "الشرح الصغير" أيضًا، ولا أصح عدم الاستقرار، كذا صححه النووي في زياداته.

قوله: وموت الصبي المعين للتعليم كتلف الثوب المعين للخياطة، وكذا الصبي المعين للإرضاع، انتهى.

لكن إذا قلنا الإجارة لا تنفسخ في المعين للإرضاع فلم يأت بصبي آخر لعجزه، فلا يكون كالثوب في إجراء الوجهين المتقدمين فاعلمه.

فقد صرح به الرافعي في كتاب الخلع في الركن الخامس منه نقلا عن البغوي وغيره.

ص: 175

وصرح به النووي من "زياداته" ردًا على الرافعي حيث حاول التسوية بينهما في إجراء الوجهين، وكأن الفرق أن القدرة على تحصيل الثوب أكثر من القدرة على تحصيل الرضيع.

قوله: ولو أوصى بمنفعة داره لزيد مدة عمر زيد [فقبل](1) الوصية وأخرها مدة ثم مات في أثنائها انفسخت الإجارة، لأنها حقه بموته، انتهى كلامه.

وهذه المسألة قد عبر عنها في "الروضة" بقوله ولو أوصى بداره لزيد إلى آخر المسألة، ولم يجعل مورد الوصية هو المنفعة، بل بالعين إذا علمت ذلك فالذي ذكره كل منهما مردود أما الرافعي فإنه قد جزم في كتاب الوصية بأن هذه الوصية أي الوصية بالمنافع المقيدة بعمر الموصى له إباحة المنافع لا تمليك، حتى لا تصح الإجارة.

وفي الإعارة وجهان ذكر ذلك في الباب الثاني في القسم الثاني منه وهو المعقود للأحكام المعنوية، وسأذكر لفظه في موضعه إن شاء الله تعالى فراجعه.

وأما التصوير الذي ذكره النووي فلأنه وصية على صورة العمري، وحكمه حكم العمري في حال الحياة حتى يتأبد ويورث عنه، ولا يعود إلى ورثة المعمر.

وسأذكره في كتاب الهبة واضحا إن شاء الله تعالى فراجعه.

قوله: ولو هرب الجمال فأذن الحاكم للمستأجر أن ينفق عليها ويرجع فاختلفا في المقدار صدق المستأجر، وقيل الجمال. انتهى ملخصًا.

قال الأصحاب إنما يقبل قول المستأجر إذا ادعى نفقة مثله في العادة، وقد استدركه عليه في "الروضة".

(1) في ب: فعمل.

ص: 176

قوله: ولو لم تكن المدة مقدرة، كما لو استأجر دابة للركوب إلى بلد، ثم لم يسلمها حتى مضت مدة يمكن فيها المضي إليه لم تنفسخ الإجارة في أظهر الوجهين.

وعلى هذا ففي "الوسيط" أن للمكترى الخيار لتأخر حقه: ورواية الأصحاب تخالف ما رواه فإنهم قالوا: لا خيار للمكترى كما لا خيار للمشتري إذا امتنع البائع من تسليم المبيع مدة ثم سلمه. انتهى كلامه.

ذكر في "الروضة" مثله أيضًا، وهذا القياس يقتضي شيئين:

[أحدهما: ثبوت الخيار للمشتري قبل تسليم البائع وليس كذلك](1) على ما قرره الرافعي في باب "التفليس".

الثاني: أنه لم يصور مسألة الإجارة هنا بما إذا امتنع ثم سلم كما صوره في المقاس عليه، وقياسه عليه يقتضي ثبوت الخيار للمستأجر قبل التسليم واعلم أن اقتضاه كلام الرافعي من انفراد الغزالي بالخيار ليس كذلك، فقد سبقه إليه الماوردي في "الحاوي"، ونقله عنه في "الكفاية" وهو المتجه أيضًا.

والفرق بينه وبين امتناع البائع من التسليم ظاهر فإن الإجارة لا تراد للدوام ولا في كل وقت وزمان بل عند الحاجة إليها، فإذا تعذر عليه السير مثلا في الوقت الذي استأجر فيه فقد فات المطلوب فأثبتنا الخيار والملك يراد غالبا للدوام.

قوله: ولو كانت الإجارة فاسدة استقرت فيها أجرة المثل بما يستقر به المسمى [في الإجارة الصحيحة سواء انتفع أم لا وسواء كانت أجرة المثل أقل من المسمى](2) أم أكثر. انتهى كلامه.

وذكر قبل ذلك أن الأجرة في الإجارة الصحيحة تستقر إذا سلم العين

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

ص: 177

ومضت المدة أو عرضها عليه، ومضى زمن بعد العرض يمكن فيه الاستيفاء سواء كانت الإجارة على العين أو على الذمة، وهذا الكلام بإطلاقه يشعر بأن الأجرة تستقر في الإجارة الفاسدة إذا حصل الغرض ومضى زمن يمكن الاستيفاء فيه، وهو باطل لأنه لم يلتزم الأجرة لعقد ولا وضع يده على مال الغير.

وقد ذكر في "المهذب" نحو ما ذكره الرافعي، فاستدرك عليه صاحب "البيان" بنحو ما ذكرته.

فقال: والذي يقتضيه المذهب أنه لا شيء لأن الأجرة إنما تستقر بعقد صحيح، ويتمكن فيه من استيفاء المنفعة، أو بأن تتلف المنفعة تحت يده ولم يوجد ههنا أحدهما هذا كلامه.

رأيت ذلك في كتاب "تذكرة العالم وإرشاد المتعلم" لأبي حفص عمر ولد الإمام أبي العباس ابن سريج.

فقال: إذا وقعت الإجارة على فساد فعلى المستأجر إن كان سكن أو استخدم أجر مثل ذلك هذه عبارته، فقيد ذلك بما إذا انتفع.

قوله: في أصل "الروضة": فرع: أجر الحر نفسه مدة لعمل معلوم، وسلم نفسه فلم يستعمله المستأجر حتى مضت المدة، أو مدة يمكن فيها ذلك العمل استقرت الأجرة على الأصح ويجري الخلاف في ما إذا ألزم ذمة الحر عملا فسلم نفسه، انتهى.

وتعبيره بقوله مدة لعمل معلوم قد شاهدته كذلك في "الروضة" التي هي بخط النووي كما وقع في سائر النسخ، وهو لا يستقيم مع التقسيم الآتي عقبه وهو استقرار الأجرة تارة بمضي المدة وتارة بالعمل، فإن اجتماعهما في عقد واحد مفسد له.

وهذا الخلل وقع من إسقاط لفظة واحدة من كلام الرافعي، وهي "أو"

ص: 178

الدالة على التقسيم فإنه أعني الرافعي عبر بقوله مدة أو لعمل معلوم فأسقطها النووي ظنا منه أنها زائدة لكون الإجارة لابد فيها من بيان نوع العمل وذهل عما سيأتي فلزم الخلل، وليس هذا هو المراد بل المراد بالعمل المضبوط ما كان مقدرًا بالعمل خاصة كخياطة الثوب وبناء الحائط، ولكن سكت الرافعي عن بيان نوع العمل لأنه قد تقدم من كلامه أنه لابد منه، وليس هذا موضعه فتفطن له.

قوله: المسألة الثانية أكرى عينا مدة ثم إن المؤجر إستوفى منفعة المدة.

حكي المتولي فيه طريقين: أحدهما أنه كما لو أتلف البائع المبيع قبل القبض.

والثاني: القطع بالانفساخ فرقا بأن الواجب هناك بالإتلاف إنما هو القيمة، وأنها قابلة للبيع فجاز أن يتعدى حكم البيع إليها، وأما ههنا فالذي يقدر وجوبه هو الأجرة، وأنها لا تقبل الإجارة فلا يتعدى حكم الإجارة إليها، انتهى.

ذكر مثله في "الروضة" وهو يوهم أن إتلاف البائع ليس فيه طريقة قاطعة بالإنفساخ، وليس كذلك فقد تقدم في كتاب البيع أن فيه طريقين:

أصحهما: أن فيه قولين أظهرهما إنفساخ العقد.

والثانية: القطع بالإنفساخ.

وكلام "التتمة" صحيح لا اعتراض عليه، فإنه لم يذكر في البيع إلا قولين، ولم يحك الطريقة القاطعة فلذلك حسن منه هنا حكاية الطريقين.

نعم الفرق الذي ذكره صاحب "التتمة"، قد ذكره القاضي حسين في "تعليقه" أيضًا، ونستفيد منه أن بعض من قال هناك: إنه لا ينفسخ قائل هنا بالانفساخ، وحينئذ فيقال في المسألة طريقان:

أحدهما: القطع بالانفساخ.

ص: 179

والثانية: أنها كإتلاف المبيع حتى يجيء فيها الطريقان إلا أن حاصلها لا يخرج عن طريقين.

قوله: الإجارة قد تكون من الموقوف عليه، وقد تكون من المتولي، فإذا أجر البطن الأول، من الموقوف عليهم، ثم مات في أثناء المدة بطلت الإجارة في الأصح، لأن المنافع بعد موته لغيره، ولا ولاية له عليه، فإن أبقينا الإجارة فحصة المدة الباقية من الأجرة تكون للبطن الثاني فإن أتلفها الأول فهي دين في تركته.

ثم قال: وإذا أجر المتولي فموته لا يؤثر لأنه ناظر للكل وقيل يبطل.

فيه أمور:

أحدها: في تصوير القسم الأول، فإن لقائل أن يقول الموقوف عليه إن كان ناظرا أيضًا فهو القسم الثاني، وإن لم يكن ناظرًا لم يصح إيجاره بالكلية، فالجواب أن ذلك يتصور بما إذا لم يجعل الواقف النظر لأحد، وقلنا النظر فيه للموقوف عليه، فكل بطن ينظر لنفسه خاصة ولا ولاية له على غيره، فلذلك بطلت الإجارة للمعنى المذكور.

ويتصور على المذهب أيضًا بما إذا شرط الواقف النظر لذلك أي للموقوف عليه بحيث أن كل مستحق ينظر في حصته.

وقد أوضح ابن الصلاح ذلك في "فتاويه"، فإنه أجاب بما قلناه.

ثم قال: ولتعلم أن إجارة هذا ليس من قبيل إجارة النظار، فإن المراد بالناظر في هذا أن يكون غير الموقوف عليه، وحيث يؤجر الموقوف عليه فلا يؤجر إلا إذا شرط له النظر، لكن نظره لا يلحقه بالناظر الأجنبي، فإن نظره لا يتعدى إلى غيره من أهل الوقف، بخلاف الناظر غير المستحق هذا كلامه وصرح به أيضًا صاحب "الشامل".

فقال: وإذا أجر الناظر في الوقف بالوصية إليه أو الحاكم أو أمين الحكم

ص: 180

مدة فمات البطن الأول لم تنفسخ الإجارة لأن الذي عقدها له النظر على جميع البطون، وإن كان الذي أجرها البطن الأول من أهل الموقف، إذا قلنا يجوز لهم أو كان الواقف جعل لكل بطن أن يؤجر نصيبه، فيجوز ذلك وجهًا واحدًا فإذا مات البطن الأول قبل انقضاء مدة الإجارة فهل تبطل في ما بقي من المدة؟ وجهان:

وجه الانفساخ أنه أجر ما لا يستحق منفعته، هذا كلام صاحب "الشامل"، ذكره في آخر كتاب العطايا ويبق النظر في مسألة، وهو أنه لو جعل النظر للأرشد فانتقل بعض الوقف للبطن الثاني والأرشد من الطبقة الأولى، فأجر الأرشد ثم مات فالمتجه عدم الانفساخ لأن ولايته باقية عليهم، وإن لم يكن أجنبي.

الأمر الثاني: إذا أجر الناظر الوقف سنين وأخذ الأجرة، فلا يجوز أن يعطي جميع الأجرة للبطن الأول، وإنما يعطي بقدر ما مضى من الزمان.

فإن دفع أكثر منه فمات الآخذ ضمن الناظر تلك الزيادة للبطن الثاني، هكذا رأيته في "فتاوى القفال" فتفطن له، فإنه أمر مهم وقياسه القول به أيضًا في ما إذا صدرت الإجارة من الوقوف عليه حتى يجوز له التصرف في قدر ما مضى خاصة.

الثالث: أن الضمير في قوله في آخر كلامه فموته عائد إلى البطن الأول لا إلى الناظر.

قوله: ولو أجر الولي الصبي مدة يبلغ فيها بالسن لم يصح في ما زاد على البلوغ ولو أجره مدة لا يبلغ فيها بالسن فاتفق الإحتلام في أثنائها فوجهان:

أظهرها: على ما ذكره الشيخ أبو إسحاق والروياني في "الحلية" أن الإجارة تبقى.

ص: 181

وأصحهما: عند الإمام والمتولي أنها لا تبقى، انتهى ملخصًا.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره في المسألة الأولى يؤخذ منه أنه لو غاب الصبي عن وليه مدة يبلغ فيها بالسن ولم يعلم هل بلغ رشيدًا أم لا؟ لم يكن لوليه التصرف في ماله، ولا إخراج زكاته استصحابًا لحكم الصغير، بل المتصرف في ذلك، إنما هو الحاكم.

نعم، ذكر الجرجاني في "الشافي" أنا إذا قلنا أن إختيار الولي للصغير يكون بعد البلوغ فهل المخاطب بذلك هو الولي أو الحاكم؟ فيه وجهان، والذي حكاه لابد من جريانه هنا.

الأمر الثاني: أن الرافعي لم يصحح في "الشرح الصغير" أيضًا شيئًا، وصحح في "المحرر" الوجه الأول وهو البقاء وعبر بالأظهر.

ونقل النووي في "الروضة" عن "المحرر" أنه صحح الثاني وهو البطلان.

والذي قاله غلط، فإن المذكور فيه ما قدمته وقد ذكره أيضًا على الصواب في "مختصره" له.

قوله: وإذا أجر عبده ثم أعتقه ففي رجوعه على السيد بأجرة المثل للمدة الواقعة بعد العتق وجهان في رواية بعضهم وقولان في رواية آخرين.

أصحهما: وهو الجديد في رواية من جعلهما قولين بأنه لا يرجع، انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن الرافعي قد صحح أن الخلاف وجهان كذا ذكره في "الشرح الصغير".

فقال: فيه وجهان، وقيل: قولان هذا لفظه، ولم يبين ذلك في "المحرر"، بل حكى خلافًا مطلقًا وصحح النووي في "الروضة" من الأصل

ص: 182

أن الخلاف قولان، وبه جزم في "المنهاج" أيضًا فاعلمه.

الأمر الثاني: أن ما ذكره من جعل القول بالرجوع قديما تقليدًا لمن حكاه، قد تبعه عليه في "الروضة" وليس كذلك، فإن الشافعي نص عليه في "الأم" في كتاب الصلح المذكور بعد أبواب اللعان.

فقال في الكلام على ما إذا صالح على خدمة عبد سنة ما نصه: ولو كانت المسألة بحالها فأعتقه السيد كان العتق جائزًا، أو كانت الخدمة عليه إلى منتهى السنة يرجع بها على السيد لأن الإجارة بيع من البيوع لا ينقض ما دام المستأجر مسلمًا هذا كلامه.

وقد ذكرت لك غير مرة أن الرافعي رحمه الله كان قليل الإطلاع على نصوص الشافعي.

قوله: ولو ظهر بالعبد عيب بعد العتق وفسخ المستأجر الإجارة، فالمنافع للعتيق إن قلنا يرجع بمنافعه على السيد، وإلا فهل هي له أو للسيد؟ فيه وجهان. انتهى.

هذان الوجهان بناهما في "التتمة" على أن الفسخ يرفع العقد من حينه وأصله، فإن قلنا بالأول فهي للسيد، [وإلا فللعتيق، وهو بناء ظاهر وحينئذ فيكون الأصح أنها للسيد](1).

وقد نقل الرافعي بعد هذا عنه هذا البناء، وأقره في نظير المسألة، وهو ما إذا أجره، ثم باعه وكذلك ذكره القاضي الحسين وغيره.

إذا علمت ذلك فقد صحح النووي من "زوائده" أنها للعتيق، ولم ينقله عن أحد وهو مخالف للمنقول والمعقول فيكون مردودا.

وقد حكى المتولي أيضًا هذا الخلاف في ما إذا أوصى بمنفعة العبد لزيد وبرقيته لآخر، فرد زيد الوصية، وفيه نظر والمتجه هنا رجوعها للورثة.

(1) سقط من أ.

ص: 183

ومن نظائر المسألة ما إذا أجر داره ثم وقفها أو وهبها، ثم فسخت الإجارة، ولم أقف الآن فيها علي نقل.

قوله: ولو أجر أم ولده ومات في المدة عتقن وفي بطلان الإجارة الغلاف المذكور في ما إذا أجر البطن الأول الواقف ومات، انتهى.

وحاصله تصحيح بطلان إجارتها، لأنه الأصح في إيجار البطن الأول كما سبق.

إذا علمت ذلك فقد جزم في أوائل كتاب الوقف بعدم البطلان وستعرف لفظه هناك، وتبعه في "الروضة" على الموضعين.

قوله: وكتابة العبد المكري جائزة عند ابن القطان، وغير جائزة عن ابن كج، انتهى.

والصحيح المنع فقد رأيته منصوصًا عليه للشافعي في "البويطي" و"الأم" وهو المجزوم به في هذا الكتاب وفي "الروضة" في كتاب الكتابة ولم يستحضر النووي هنا ما هو مذكور هناك فقال من "زياداته": البطلان أقوى، وقد حكى الرافعي في كتابة العبد الموصي بمنفعته وجهين، وصحح المنع أيضًا.

وتبعه عليه في "الروضة" ذكر ذلك في باب الوصية.

قوله: في أصل "الروضة": إذا باع العين المستأجرة فله حالان:

الأول: البيع للمستأجر وهو صحيح قطعًا. انتهى.

ليس كما قال من دعوى القطع ولذلك لم يذكره الرافعي أيضًا، فقد عبر الغزالي في "الوسيط" بقوله: والظاهر الصحة، وهذا يشعر إشعارًا ظاهرًا بجريان الخلاف، وصرح به محمد بن يحيى تلميذ الغزالي في كتابه المسمى "المحيط في شرح الوسيط"، ورأيته أيضًا مصرحًا به في "شرح المفتاح" لأبي الخير سلامة بن إسماعيل بن جماعة المقدسي.

فقال: فرع: قد ذكرنا أنه إذا باع الشيء المؤاجر هل يصح بيعه أم لا؟

ص: 184

على قولين فإذا ثبت هذا، فإن باعه من المستأجر فهل يصح ذلك أم لا؟ على القولين. هذا لفظه.

وعلل وجه الانفساخ بأن الملك قد صار له، وهذا التصنيف في نحو حجم "الوجيز" وأكبر منه بيسير، ومنه نسخة موقوفة بالمدرسة الظاهرية بالقاهرة.

وأبو الخير المذكور قد نقل عنه ابن أبي الدم الحموي في "شرح الوسيط" في كتاب العدد وفي غيره، وقال: إنه رجل مجهول وليس كما قال، بل هو معروف، توفي سنة ثمانين وأربع مائة، نقله المفشراني عن الحافظ المنذري ذكره الكنجي في "تاريخ بيت المقدس" في ترجمة الفقيه سلطان المقدسي، رأيته أيضًا مذكور في خطبة كتاب "البيان" الذي ألفه الفقيه سلطان المذكور في التقاء الختانين فقال: كان عديم النظير في زمنه لما كان مخصوصًا به من حضور القلب وصفاء الذهن وجودة الحفظ هذا لفظه.

قوله: في "الروضة": ويتخرج على الخلاف في أن الإجارة والملك هل يجتمعان؟ مسائل:

إحداها: أوصى لزيد برقبة دار، ولعمرو بمنفعتها، وأجرها لعمرو، ففي صحة الإجارة الوجهان. انتهى.

وتعبيره بقوله لعمرو رأيته بخطه كما هو أيضًا في النسخ، وصوابه لزيد، كما ذكره الرافعي.

قوله: وإذا باعها من غير المستأجر فقولان أصحهما الصحة إلى أخره.

يستثنى من جريان الخلاف مسائل منها إذا هرب الجمال وترك الجمال المستأجرة، فإنه يباع منها بقدر الحاجة لينفق عليها من ثمنه.

قال الرافعي: ولا يخرج على الخلاف في بيع المستأجر لأنه محل ضرورة.

ومنها إذا كان البيع في ضمن عتق، كما لو قال اعتق عبدك عني على

ص: 185

كراء فأعتقه عنه وهو مستأجر فإنه يصح قطعا لقوة العتق، كذا نقله الرافعي في أواخر العتق من "فتاوى القفال" وارتضاه.

قوله في المسألة: قال -يعني صاحب "التتمة": ولو تقايلا الإجارة، فإن قلنا: الإقالة بيع فمنفعة بقية المدة للبائع، وإن قلنا: فسخ، فكذلك على الصحيح لأنها ترفع العقد من حينها بلا محالة. انتهى كلامه.

وما نقله عن صاحب "التتمة" من نفي الخلاف في الإقالة، وأقره عليه، ذكره كذلك في "التتمة" وعبر بقوله: بلا خلاف، وعبر عنه في "الروضة" بقوله: قطعًا، وليس كما قال من نفي الخلاف، بل فيها خلاف مشهور ذكره الرافعي في أوائل حكم المبيع قبل القبض.

ص: 186

قال رحمه الله: وكما افتتحنا كتاب الإجارة بمقدمات فإنا نختمه بمؤخرات

قوله: الأولى لو قال: ألزمت ذمتك نسج ثوب صفته كذا على أن تنسجه بنفسك، لم يصح لأن في هذا التعيين غررا، لأنه ربما يموت ولهذا لم يجز تعيين ما يؤدي منه المسلم فيه. انتهى.

وما جزم به ههنا من عدم الصحة قد سبق منه في كتاب الحج، في الكلام على الاستئجار له ما يقتضي أن المشهور خلافه، وتقدم ذكر لفظه هناك فراجعه.

قوله: وفي إجارته من المؤجر -أي قبل قبضه- وجهان، كما في البيع من البائع. انتهى كلامه.

والمفهوم منه رجحان البطلان؛ لأنه الراجح في البيع، وسيأتي أيضًا التصريح به، ووافقه النووي هناك عليه، لكن خالفه هنا فذكر من "زياداته" أن الأصح صحته.

قوله: ولو أجر الدار المشحونة، وكان تفريغها يستدعي مدة ففيها جوابان:

أحدهما: أنه إن أمكن التفريغ في مدة ليس لمثلها أجرة صح العقد وإلا فلا.

والثاني: أنه إن كان يذهب في التفريغ جميع مدة الإجارة لم يصح، وإن كان يبقى منها شيء صح ولزم قسطه، وخَرَّجُوا على الجوابين ما إذا استأجر دارًا ببلد آخر، فإنه لا يتأتى التسليم إلا بقطع المسافة بين البلدين، وما إذا باع جمرا وزنا وكان ينماع بعضه إلى أن يوزن. انتهى ملخصًا.

قال في "الروضة": الصحيح من الجوابين هو الأول.

ص: 187

قال: والأصح عندي فيما إذا استأجر دارًا ببلد آخر الصحة، وفي الجمد المنع لإمكان بيعه جزافًا. انتهى.

وههنا أمران:

أحدهما: أن الرافعي قد ذكر المسألة الأولى في الباب الأول، وصحح الجواز، وقد تقدم لفظه هناك، وذكر النووي في "المسائل المنثورة" نحوه، فقال: قال الشافعي والأصحاب لا تصح إيجارة الأرض المشغولة بالبناء للزراعة لعلتين:

أحدهما: أنها مستورة.

والثانية: أنه لا يمكن تسليمها في الحال، وذكر أيضًا في "فتاويه" قريبًا من ذلك، فقال: إذا استأجر أرضًا بنى المؤجر في بعضها. فقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: إن كان يمكن نقل الجدران في زمان قريب ليس لمثله أجرة صح استئجار العرصة وموضع الجدران إذا كان رآها قبل العقد، وإن لم يمكن نقلها في زمن قريب وأمكن ابتياع الجدران أو بيع مغارسها، فقد أمكن الانتفاع بها عقب الإجارة فتصح، وإن لم يكن ذلك ففيه قولان: تفريق الصفقة.

الأمر الثاني: أن الماوردي قد قال في "الحاوي": إن اليوم الواحد هو أول مدة يصح استئجار الدار فيها للسكنى وقال: وما دون ذلك تافه لم يجر به عرف فلم يصح به عقد، وقد استفدنا مما قاله ضابط المدة التي لمثلها أجرة.

قوله في الاستئجار للخدمة: وعن أبي سهل الصعلوكي أن علف الدابة وحلب الحلوبة وخدمة الزوجة لا تلزمه إلا بالتنصيص عليه ويجوز أن يرجع فيه إلى العادة، وقال النهروي: تدخل. انتهى.

قد اختلفت النسخ، ففي بعضها أبو سهل كما هو ههنا، وفي بعضها نسبته إلى سهل، وهو ولد المذكور، وكلاهما صاحب وجه.

ص: 188

قوله: وذكر بعض من شرح "المفتاح" أنه ليس له إخراجه من البلدة إلا إن شرط عليه مسافة معلومة من كل جانب، وأن عليه المكث عنده إلى صلاة العشاء. انتهى كلامه.

زاد النووي فقال: المختار في هذا كله الرجوع إلي عادة الخادم في ذلك البلد، وذلك الوقت. انتهى.

والعجب من الرافعي والنووي كيف نقلا هذه المسألة عن هذا الشارح المجهول حتى خالف النووي لأجل ذلك، واختار الرجوع إلى العرف مع أن المسألة قد نص عليها الشافعي رحمه الله في "الأم" في كتاب الصلح، وهذا الباب بعد أبواب اللعان، فقال في الكلام على ما إذا صالح على خدمة عبد ما نصه: قال -يعني الشافعي: ولصاحب الخدمة أن يخدمه غيره ويؤاجره غيره في مثل عمله، وليس له أن يخرجه من المصر إلا بإذن سيده. هذا لفظه بحروفه، ومنه نقلته: وصرح أيضًا القاضي الحسين بذلك فقال: إلا أن يشترط له مسافة معلومة من كل جانب من فرسخ إلى خمسة عشر، وصرح أيضًا بأنه عليه الإقامة إلى صلاة العشاء.

قوله: في المؤخرة الثانية نقلا عن الزيادات للعبادي: وأنه إذا إستأجر جملًا ليحمل وقرا إلى داره، وهي ضيقة الباب، هل عليه إدخاله الباب؟ فيه قولان للعرف. انتهى كلامه.

ذكر مثله في "الروضة" وهو يقتضي الجزم بصحة الاستئجار، وأن القولين في الإدخال وعدمه، وليس كذلك، بل الثاني فساد العقد إن لم يحصل شرط الدخول، فإن العبادي قد عبر بقوله: فيه قولان:

أحدهما: يجب للعرف.

والثاني: أنه يفسد إلا أن يشترط هذا والجمال يدخله، ولا يكلف أن يرفعه إلى السطح. هذا لفظه كذا نقلته من نسخة هي بخط الفخر بن عساكر

ص: 189

ومقابلته ووجه الإفساد يعارض العرف واللفظ، وتقييد المسألة بالباب الضيق لا فائدة له عند قائل: التعليل فتأمله، وما اقتضاه كلام الرافعي هنا قد تبعه عليه ابن الرفعة على وجه هو أشد في الغلط وأصرح، وقد نبهت عليه في "الهداية إلى أوهام الكفاية" فراجعه.

واعلم أن الوقر. بكسر الواو هو الحمل، يقال: جاء فلان يحمل وقره، قاله الجوهري.

قوله: ولو أراد المستأجر أن يستبدل عن المنفعة شيئًا آخر يقبضه لم يجز إن كانت الإجارة في الذمة، وإن كانت إجارة عين، قال صاحب "التهذيب": هو كما لو أجر العين المستأجرة من المؤجر وفيه وجهان، الأصح جواز إن جرى ذلك بعد القبض. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما جزم به من منع الاستبدال عن المنفعة في إجارة الذمة، وإن كان بعد القبض قد جزم بخلافه في الباب الذي قبله في النوع الثالث المعقود لإجارة الدواب في أثناء كلامه -أوله: قال: ولو تلفت الدابة، فقال فيه ما نصه: وإن أراد المكتري أن يعتاض عن حقه في إجارة الذمة إن كان قبل أن يتسلم دابة، لم يجز لأنه اعتياض عن المسلم فيه، وإن كان بعد التسليم جاز؛ لأن الاعتياض والحالة هذه واقع عن حق في عين هكذا ذكره الأئمة. انتهى لفظه، وهو اختلاف غريب ووقع الموضعان كذلك في "الروضة"، ولم يتعرض للمسألة في "الشرح الصغير" ولا في "المحرر".

الأمر الثاني: أن اشتراط قبض العين في جواز إجارة العين للمستأجر من المؤجر قد تابعه عليه النووي أيضًا لكنه قد تقدم من كلامه -أعني النووي- قبل ذلك بنحو ورقتين أن الأصح جوازه، وتقدم التنبيه عليه.

قوله: ولو دفع ثوبًا إلى قصار ليقصره بأجرة، ثم استرجعه فقال: لم

ص: 190

أقصره بعد فلا أرده، فقال صاحب الثوب: لا أريد أن تقصره واردده إلى، فلم يرد وتلف الثوب عنده لزمه ضمانه، وإن قصره ورده فلا أجرة له، وعلى هذا قياس الغزل عند النساج ونظائره. انتهى كلامه.

هذه المسألة التي ذكرها رحمه الله صورتها أن لا يقع عقد صحيح، فأما إذا وقع فلا ضمان إن تلف، ويستحق الأجرة إن قصره.

قوله: وأن الأكار لو تعمد ترك السقي إلى آخره.

الأكار: بهمزة مفتوحة وكاف مشددة وراء مهملة هو العامل في المساقاة، يجمع على أكرة بفتح الهمزة والكاف على وزن البررة، وهو على خلاف القياس.

قوله في المؤخرة الثالثة: عن "المنثور" المزني أنه لو استأجره لخياطة ثوب، فخاط بعضه واحترق الثوب استحق الأجرة لما عمل وأنه لو استأجره لحمل جب إلى مكان معلوم فزلقت رجله في الطريق وانكسر الجب لا يستحق شيئًا من الأجرة، وفرق بينهما بأن الخياطة تظهر على الثوب فوقع العمل مسلمًا بظهور أثره، والحمل لا يظهر أثره على الجب. انتهى كلامه.

وما ذكره من استحقاق الأجرة للمقدار الذي عمله، محله إذا كان العمل في ملك المستأجر أو بحضرته؛ لأنه إذا كان كذلك كان مسلمًا له، فيكون كتلف المبيع بعد القبض بخلاف ما إذا لم يكن في ملكه ولا بحضرته فإن لم يقع مسلمًا له فيكون كالمبيع قبل القبض، وقد ذكره الرافعي كذلك قبل هذا، ثم إنه لا يختص بالخياطة، بل كل ما يلحق بالأعيان كالقصارة فحكمه كذلك، فأما سياسة الدواب ونحوها من الآثار كحمل الشيء فلا يستقر.

قوله: ولو أجر أرضًا إجارة صحيحة ثم غرقت بسيل أو بماء نبع فيها، نظر إن لم يتوقع انحساره في مدة الإجارة، فهو كما لو انهدمت الدار. انتهى.

ص: 191

وما ذكره من كونه تعيبًا تابعه عليه في "الروضة" وتقدم خلافه في باب حكم المبيع قبل القبض فراجعه.

قوله: تعطل الرحى لانقطاع الماء والحمام لخلل في الأبنية، أو لنقص الماء في بئر ونحوه كانهدام الدار، وكذا لو استأجر قناة فانقطع ماؤها، فلو نقص ثبت الخيار. انتهى.

تابعه في "الروضة" على أن تعطيل الحمام والقناة لانقطاع الماء بمثابة انهدام الدار والأصح في الانهدام الفسخ لا ثبوت الخيار، إذا علمت ذلك، فقد ذكر الرافعي عند الكلام على الانهدام، أن الأصح انقطاع ماء الأرض التي استأجرها للزراعة لا يوجب الفسخ، بل الخيار، وفرقوا بأن اسم الأرض باق بخلاف الدار، وبأن سوق الماء ممكن، وهذان الفرقان جاريان بعينهما هاهنا، وحينئذ فنظير ما قالوه هناك التخيير، فإن هذا مثال آخر للمسألة لا مسألة أخرى، ووقع الموضعان في "الروضة" أيضًا كذلك.

قوله: فرع: بيع الحديقة التي ساقى عليها في المدة يشبه العين المستأجرة، ولم أر له ذكرًا، نعم في فتاوى صاحب "التهذيب" أن المالك إن باعها قبل خروج الثمرة لم يصح، لأن للعامل حقًا في ثمارها، فكأنه استثنى بعض الثمرة وإن كان بعد خروج الثمرة يصح البيع في الأشجار ونصيب المالك من الثمار، ولا حاجة إلى شرط القطع، لأنها بيعة مع الأصول وتكون للعامل مع المشتري، كما كان مع البائع وإن باع نصيبه من الثمرة وحدها لم يصح للحاجة إلى شرط القطع وتعذره في الشائع. انتهى كلامه.

زاد في "الروضة" على هذا فقال: هذا الذي قاله البغوي حسن. انتهى.

فأما ما قاله الرافعي من كونه لم يره، وتابعه عليه أيضًا في "الروضة" فقد صرح بها البويطي في "مختصره" في كتاب المساقاة وجزم بجواز بيع الأشجار مطلقًا.

ص: 192

فقال ما نصه: وإذا أفلس رب الحائط بيع الحائط وكان المساقي على معاملته والمشتري بالخيار إن لم يعلم بالمساقاة، فإن قيل: وكيف يجوز لرجل أن يشتري الأصل وللساقي فيه حق إلى أجل؟ قيل لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز بيع النخل وبه ثمرة قد أبرت. انتهى لفظه بحروفه.

وهذه المسألة من كلام البويطي كما هو مصرح به في "مختصره" وأما ما قاله البغوي واستحسنه النووي فمردود، فإن الرافعي قد جزم في الباب الثاني من أبواب "الوصية" بأن بيع الشاة الموصى بسلخها صحيح، وادعى أنه لا خلاف فيه وهو نظير ما نحن فيه، فإن المعنى الذي استندوا إليه موجود بعينه في الوصية ومع ذلك لم يلتفتوا إليه.

قوله من "زيادته" نقلا عن "فتاوى الغزالى": الخامسة إذا جعل غلة في المسجد وأغلقه لزمه أجرته؛ لأنه كما يضمن المسجد بالإتلاف يضمن منفعته، ثم قال -أعني النووي- وتقييده بما إذا أغلقه لا حاجة له، بل لو لم يغلقه ينبغي أن تجب الأجرة للعلة المذكورة. انتهى كلامه.

وما ذكره رحمه الله من أن التقييد بالغلق لا حاجة له، ومن رجحان الوجوب بحثًا عند عدم الغلق غريب وذهول عجيب، فإن الغزالي إنما قيده بذلك لأجل إيجاب أجرة الجميع حتى إذا لم يغلقه لا تلزمه إلا أجرة الموضع المشغول، وقد صرح به الغزالي في "فتاويه" هكذا، فقال: الجواب: تلزمه أجرة الجميع مهما طرح فيه العلة وأغلقه كما لو طرح في بيت من جملة دار، وفي الدهليز وأغلق الباب يلزمه أجرة الجميع. هذا لفظ الغزالي بحروفه، والعجب أن النووي في هذه الزيادة قد أوجب أجرته بكماله.

فقال: لزمه أجرته -أي المسجد ولم يقل: أجرة البقعة المشغولة فصار التقييد بالإغلاق ضروريا حتى لو لم يذكره الغزالي لكان يجب إيراده عليه، أو أعجب من ذلك أن النووي قد ذكر أيضًا المسألة من "زوائده" في آخر

ص: 193

باب الغصب، بهذا التفصيل ناقلًا لها عن الفتاوى المذكورة هناك فراجعه.

واعلم أن كلام الغزالي في هذه المسألة يحتاج إلى البحث عنه من وجوه قد تعرض لجميعها صاحب "التتمة" فقال في الباب الأول من كتاب الغصب في الفصل الرابع منه: الرابع إذا انتفع بمسجد، إما بأن اتخذه مسكنًا أو مخزنًا يحفظ فيه متاعه ضمن أجرة المثل، وتكون لمصالح المسلمين، كما لو أتلف مالًا من بيت المال فأما إن أغلق باب المسجد ومنع الناس من الصلاة فيه لا يضمن؛ لأن المسجد لا تثبت عليه اليد ويخالف ما لو حبس حرًا، لأن منفعة الحر تستحق بالإجارة، ومنفعة المسجد لا تستحق بالإجارة، وعلى هذا فلو انتفع بشارع من شوارع المسلمين فسكنه أو حفظ فيه متاعه، ومنع الناس من الممر فيه ضمن المنافع، فأما إذا نصب على الشارع بابا وأغلقه ولم ينتفع بالبقعة، لا يضمن لأن الشارع حق لجميع المسلمين كالمسجد سواء ويخالف الأرض الموقوفة على مصالح المسلمين إذا استولى عليها ظالم يضمن أجرة مثلها؛ لأنها لم تتعين لنوع منفعة، بل يجوز الانتفاع بها كما يجوز الانتفاع بالأراضي المملوكة، وأما الشارع فقد تعين وجه الانتفاع به كالمسجد سواء، وعلى هذا الأرض الموقوفة على دفن الموتى فيها وأراضي عرفات إن استولى عليها ظالم وانتفع بها ضَمِن، وإن لم ينتفع لم يضمن كالمسجد. هذا كلام صاحب "التتمة"، وقد ظهر لك منه أشياء منها مستحق الأجرة، ومنها أنه لا فرق في الوجوب بين أن يغلقه أو لا، ومنها أنه وإن ضمن هذه المنفعة بالتفويت لا يضمنها بالفوات، ويؤيده أن المسجد حر كما قالوه في الوقف وحبس الحر لا يقتضي أجرة.

واعلم أن القاضي الحسين في كتاب إحياء الموات قبيل باب إقطاع المعادن، قد حكى وجهين في وجوب الأجرة على من أشغل المسجد بوضع الأمتعة، وعلل عدم الوجوب بأنه لا يجوز إجارته، فلا قيمة لتلك البقعة، وقد تقدم عن "التتمة" نحوه.

ص: 194

قوله أيضًا من "زياداته": السادسة استأجر بهيمة إلى بلد لحمل متاع ثم أراد في أثناء الطريق بيعه، والرجوع وطلب رد بعض الأجرة، فليس له شيء، لأن الإجارة عقد لازم، بل إن باعه فله حمل مثله إلى المقصد المسمى. انتهى كلامه.

وقد تقدم في الباب الأول في الكلام علي العجز الشرعي، أنه ذكر ما يخالف هذا فراجعه.

ص: 195