المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ القسم الثاني: في "المسائل المعنوية - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٦

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العارية

- ‌أركانها

- ‌ أحكامها

- ‌كتاب الغصب

- ‌الباب الأول: في الضمان

- ‌الركن الأول: الموجب

- ‌الركن الثاني: "في الموجب فيه

- ‌الركن الثالث: "في الواجب

- ‌الباب الثاني: "في الطوارئ على المغصوب

- ‌كتاب الشفعة

- ‌الباب الأول: في الأركان

- ‌الباب الثاني: في "كيفية الأخذ

- ‌الباب الثالث: فيما يسقط به حق الشفيع

- ‌كتاب القراض

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في حكم القراض الصحيح

- ‌الباب الثالث: في الفسخ والتنازع

- ‌كتاب المساقاة

- ‌الباب الأول: في أركانها

- ‌الباب الثاني: في أحكام المساقاة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌الباب الأول: في أركانها

- ‌الباب الثاني: في "أحكام الإجارة الصحيحة

- ‌الباب الثالث: في "الطوارئ الموجبة للفسخ

- ‌كتاب الجعالة

- ‌كتاب: إحياء الموات

- ‌الباب الأول: في "رفات الأرض

- ‌الباب الثاني: في "المنافع المشتركة

- ‌الباب الثالث في "الأعيان الخارجة من الأرض

- ‌كتاب الوقف

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في "حكم الوقف الصحيح

- ‌الفصل الأول: في أمور لفظية

- ‌الفصل الثاني: في الأحكام المعنوية

- ‌كتاب الهبة

- ‌الفصل الأول: في أركانها

- ‌الفصل الثاني: في حكمها

- ‌كتاب اللقطة

- ‌الباب الأول: في "أركانها

- ‌الباب الثاني: في "أحكام اللقطة

- ‌كتاب اللقيط

- ‌الباب الأول: في الالتقاط

- ‌الباب الثاني: في "أحكام اللقيط

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الفصل الأول "في بيان الورثة

- ‌ الفصل الثاني في التقديم والحجب

- ‌ الفصل الثالث في "أصول الحساب

- ‌كتاب الوصايا

- ‌الباب الأول: في الأركان

- ‌الباب الثاني: في "أحكام الوصية

- ‌القسم الأول: اللفظية

- ‌ القسم الثاني: في "المسائل المعنوية

- ‌ القسم الثالث: في "المسائل الحسابية

- ‌الباب الثالث: في "الرجوع عن الوصية

- ‌الباب الرابع: في "الوصاية

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب قسم الفيء والغنيمة

- ‌الباب الأول: في الفيء

- ‌الباب الثاني: في قسمة الغنائم

- ‌كتاب قسم الصدقات

- ‌الباب الأول: في بيان أصناف الصدقات

- ‌الباب الثاني: في كيفية الصرف إلى الأصناف

الفصل: ‌ القسم الثاني: في "المسائل المعنوية

قال رحمه الله:‌

‌ القسم الثاني: في "المسائل المعنوية

"

قوله: وإذا أطلق الوصية بالمنفعة أو قيدها بالتأبيد كانت تمليكًا، أما إذا قال: أوصيت لك بمنافعة حياتك فهو إباحة وليس بتمليك فليس له الإجارة، وفي الإعارة وجهان. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما جزم به هاهنا من كونه إباحة حتى لا تصح إجارته قد تابعه عليه في "الروضة" وقد جزم أعني الرافعي بما يخالف ذلك في الباب الثالث من أبواب الإجارة، وقد ذكرت لفظه هناك، والصواب هو المذكور هناك، فإن هذا نظير ما إذا قال: وقفت هذا البستان مثلًا على زيد، ثم عمرو فإن كل واحد منهما يملك منفعته، وإن كان مقيدًا بحياته.

الأمر الثاني: أن الأصح من الوجهين في الإعارة هو المنع فقد جزم به الرافعي في نظيره من الوقف، وقد تقدم ذكره في الطرف الثاني من الباب الثاني فله طالع منه وقد ذكر الرافعي في كتاب الهبة في الكلام على العمري والرقبى كلامًا آخر متعلقًا بما نحن فيه يتعين الوقوف عليه فراجعه وراجع المذكور في الإجارة أيضًا فإن فيه أمورًا أخرى.

قوله: وفي مهر الجارية الموصى بنفعها وجهان: ذهب العراقيون بأسرهم وصاحب "التهذيب" إلى أنه للموصى له، والمنسوب إلي المراوزة أنه لورثة الموصي وهذا أشبه وأظهر على ما ذكره الغزالي. انتهى ملخصًا.

والتعبير بالأشهر لم يذكره الغزالي فهو إذن ترجيح من الرافعي، فقد صرح بالترجيح أيضًا في "الشرح الصغير" فقال ما نصه وأظهرهما أنه لوارث الموصى لأنه بدل منفعة البضع ومنفعة البضع لا تجوز الوصية بها انتهى، وصحح عكسه في "المحرر" وعبر بالأصح وتبعه النووي في "الروضة"

ص: 368

و"المنهاج" على هذا الاختلاف، وقد ظهر لك أن الراجح نقلًا هو ما في "المحرر".

قوله: ولا خلاف في أنه ليس له وطئها لكن لو وطئ لا يحد للشبهة، وفيه وجه أنه يحد كما لو وطئ المستأجر. انتهى كلامه.

وما صححه هنا من عدم وجوب الحد قد جزم بما يخالفه في كتاب الوقف، ذكر ذلك في الفصل الثاني من الباب الثاني في الكلام على وطء الواقف للجارية الموقوفة بلا شبهة وقد تقدم ذكر لفظه هناك، ووقع هذا الاختلاف في "الروضة" أيضًا، فالمذكور هنا أوجه.

قوله: وإذا أعتق العبد الموصى بمنفعته صح وكانت الوصية على حالها، وقيل: تبطل فعلى هذا يرجع الموصى له على العتق بقيمة المنافع فيه وجهان. انتهى.

قال النووي: من زياداته لعل أصحها الرجوع.

قوله: وإن كان موصى بمنفعته على التأبيد فهل يجوز للوارث بيع العين؟ فيه وجوه ثالثها: يصح بيع العبد والأمة، لأنه يتقرب إلى الله تعالى بإعتاقهما.

ورابعا: وهو الأرجح على ما يدل عليه كلام الأئمة أنه يصح البيع من الموصي له، ولا يصح من غيره إذ لا فائدة له فيه. انتهى.

وحاصل ما ذكره هاهنا أن المبيع إذا لم يكن فيه منفعة سوى الإعتاق لا يصح بيعه وهو مخالف لما جزم به في أوائل البيع من صحة بيع العبد الزمن وعلله بأنه يتقرب بإعتاقه إلى الله تعالى، وهذا التعليل موجود بعينه هنا فيلزم القول بصحة بيع العبد والأمة مطلقًا.

قوله: الرابع ليس للوارث وطء الجارية الموصى بمنفعتها إن كانت ممن يحبل لما فيه من خوف الهلاك بالمطلق والنقصان والوصف بالولادة وقد يوجه أيضًا بأنه غير تام الملك فيها، وإن كانت ممن لا يحبل فعلى وجهين كما

ص: 369

ذكرنا في وطء الراهن الجارية المرهونة، وقطع صاحب التتمة بالجواز إن كانت ممن لا يحبل وذكر وجهين في إذا كانت ممن يحبل فيحصل من ذلك ثلاثة أوجه. انتهى كلامه.

وحاصله تصحيح المنع مطلقًا وأن الراجح في من يحبل طريقة القطع وفي من لا تحبل طريقة الوجهين، وقد اختصر اختصارًا غير مطابق فصحح التفصيل فقال فيه أوجه: أصحها ثالثها يجوز إن كانت ممن لا يحبل وإلا فلا، هذا لفظه وإنما كان التجويز هنا أولى من الرهن لأن المنافع هنا لا تفوت بالاستيلاد بدليل جواز عتقه ومقصوده الرهن وهو البيع يفوت ولم يتعرض للمسألة في "الشرح الصغير".

قوله: وإن فداه الموصى له ففي وجوب الإجابة على المجني عليه وجهان:

أحدهما: لا، لأنه أجنبي عن الرقبة.

وأظهرهما: الوجوب لظهور غرضه، وهذا ما إذا فدى أحدهما العبد بمنافعه فلو فدى حصته قال الحناطي: يباع نصيب صاحبه وفيه إشكال لأنه إن فدى الوارث فكيف تباع المنافع وحدها؟ وإن فدى الموصى له، واستمر حقه فبيع الرقبة يكون على الخلاف السابق. انتهى.

وما ذكره الصيدلاني من بيع المنافع وحدها أمر معقول قد قلنا به في ما إذا باع حق البناء على السطح ونحوه.

قوله: فرع لابن الحداد إذا وصى لرجل بدينار كل شهر من غلة داره أو كسب عبده وجعله بعده لوارثه أو للفقراء والغلة والكسب عشرة مثله.

قال ابن الحداد فليس للورثة أن يبيعوا بعض الدار ويدعوا ما يحصل منه دينار لأن الأجرة تتفاوت وقد تتراجع وتعود إلى دينار ثم قال فأما بيع مجرد الرقبة فعلى ما سبق من الخلاف في بيع الوارث الموصى بمنفعته. انتهى.

فيه أمران:

ص: 370

أحدهما: أن تخريجه على الخلاف الذي ذكره لا يستقيم لأن الموصي بمنفعته مسلوب المنفعة بالنسبة إلى البائع فيكون البائع والحالة هذه بائعًا لجميع ما يملك، وفي مسألتنا البائع مالك للمنفعة أيضًا، ويريد إخراجها بالاستثناء فلا يصح تخريجه على ما تقدم، بل يتخرج على ما إذا باع عينًا واستثنى لنفسه من منفعتها شيئًا فإن المذهب القطع بالبطلان خلافًا لابن شريح في تخريجه على بيع المستأجر.

الأمر الثاني: أن تخريج هذه المسألة على الخلاف الذي قاله يقتضي أنه إذا باعه لزيد الموصى له يصح بيعه على الصحيح كما في تلك المسألة وهو فاسد لأن البائع هناك لم يستثن لنفسه شيئًا بخلاف مسألتنا بل لو باعه أيضًا الرقبة وما يستحقه من المنفعة لم يصح أيضًا لأن المشتري هناك يصير مالكًا للرقبة والمنفعة ملكًا تامًا ينتقل عنه إلى وارثه فصح بخلاف ما إذا جعل المنفعة بعد زيد للفقراء فإن البيع والحالة هذه مخالف لمقتضى العقد، فإنه لو باعه عينًا على أنه إذا مات كانت المنفعة للفقراء لا يصح البيع.

قوله: وإن كان هناك وصايا أخرى قال صاحب "التقريب": يوزع الثلث بعد الدينار الواحد على أصحاب الوصايا ولا تتوقف فإذا انقضت سنة أخرى استرد منهم بدينار ما يقتضيه التقسيط قال الإمام هذا بين إذا كانت الوصية مقيدة بخبرة الموصى له، وأما إذا لم يقيد وأقمنا ورثته مقامه فهو مشكل لا يهتدي إليه. انتهى.

وهذه المسألة ينبغي أن يقال فيها: يستوعبون ما يقتضيه توزيع الثلث على الوصية بالدينار وباقي الوصايا فإذا حصل هذا الاستيعاب انتهى الاستحقاق، وبيان ذلك أنه إذا أوصى بالدينار المذكور فهذه لو انفردت كانت كالوصية بالثلث والذي يزاحمها من الوصايا يوزع الثلث عليهما وعلى هذه الوصية علي مقدارهما، فإن كانت الوصايا مقدار الثلث كانت حصة وصية الدينار

ص: 371

نصف الثلث، وإن كانت الثلثين كانت حصة هذه الثلث على هذا القياس أبدًا وحينئذ يزول الإشكال.

قوله: فرع لو انهدمت الدار الموصى بمنفعتها فأعادها الوارث؟ هل يعود حق الموصى له؟ وجهان ولو أراد الموصى له أعادها فعلى الوجهين. انتهى.

والأصح كما قاله في "الروضة": أنه يعود.

قوله: ولو أوصى بحجة الإسلام وأضافها إلى الثلث ففي تقدمها على سائر الوصايا وجهان أصحهما عند صاحب الكتاب أنها لا تقدم. انتهى.

ذكر مثله في "الشرح الصغير" والأصح هو ما صححه الغزالي، كذا صححه النووي في أصل "الروضة"، ولم يتعرض للمسألة في "المحرر".

قوله: في "الروضة" ولو تبرع أجنبي فكفر عن الميت بالطعام أو الكسوة أجزأه علي الأصح لقضاء الدين، ولو تبرع بالعتق فقيل على الوجهين، وقيل بالمنع قطعًا. انتهى كلامه.

والصحيح في المسألة الأخيرة المنع من حيث الجملة كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير" والمصنف كلاهما في كتاب الأيمان، ومحله في الكفارة المخيرة فلو كانت مرتبة صح الإعتاق من الأجنبي على الأصح كذا ذكره في أصل "الروضة" هناك.

قوله: ولو أوصي بالعتق في الكفارة المخيرة وزادت قيمة الرقبة علي قيمة الطعام والكسوة فالأصح اعتباره من الثلث لأنه غير محتم عليه، ثم قال وعلى هذا فوجهان:

أحدهما: أنه يعتبر جميع قيمته من الثلث فإن لم يف الثلث به عدل إلى الطعام.

وأشبههما: أن المعتبر بين الثلث ما بين القيمتين من التفاوت لأن أقل

ص: 372

القيمتين لازم لا محالة. انتهى كلامه.

وليس فيه هنا ترجيح غير والصحيح اعتبار الجميع على خلاف ما يقتضيه كلامه هنا فاعلمه فإن الرافعي قد أعاد المسألة في كتاب الأيمان في الباب الثاني المعقود للكفارة، ونقل هذا الترجيح بعينه فقال أنه أقيس عند الأئمة ثم قال ولكن الأصح وظاهر النص حسبان الجميع من الثلث، ووقع الموضعان كذلك في "الشرح الصغير" و"الروضة".

قوله: وذكر صاحب "العدة" أنه لو أنبط عينًا أو حفر نهرًا أو أغرس شجرًا أو وقف مصحفًا في حال حياته أو فعل غيره عنه بعد موته يلحق الثواب بالميت.

أعلم أن أنبط بنون ساكنة وباء موحدة مفتوحة وطاء مهملة قال الجوهري يقول: نبط الماء ينبط وينبط، أي بالكسر والضم نبع، وأنبط الحفار نبع الماء، هذا لفظه.

قوله: والصدقة عن الميت والوقف عنه ينفعه وهذا القياس يقتضي جواز التضحية عن الميت لأنها ضرب من الصدقة، وقد رأيت أبا الحسن العبادي أطلق القول بجواز التضحية عن الغير وروى فيه حديثًا، لكن في "التهذيب" أنه لا يجوز التضحية عن الغير بغير إذنه وكذلك عن الميت إلا أن يكون أوصى به. انتهى كلامه.

ذكر مثله في "الروضة" وليس فيه تصريح برجحان في التضحية عن الميت إذا لم يوص وقد جزم الرافعي في "المحرر" بالمنع ذكر ذلك في كتاب الأضحية، وتبعه عليه في "المنهاج" وصرح القفال في "فتاويه" بحكاية وجهين في التضحية عن الميت بخصوصه قال: فإن جوزنا لم يجز الأكل لأن الأضحية وقعت عنه فلا يجوز الأكل إلا بإذنه وهو متعذر، ولم يبين الرافعي ولا النووي الحديث الذي رواه العبادي فهو ما رواه مسلم في كتاب الحج أن

ص: 373

رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى عن أزواجه بالبقر.

قوله: وعن القاضي أبي الطيب طريق ثالث في انتفاع الميت بالقراءة وهو أن الميت كالحاضر فترجي له الرحمة وحصول البركة، إذا أهدي الثواب إليه القارئ. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره الرافعي في آخر كلامه من التعبير بقوله أهدى قد رأيت كذلك في نسخ عديدة من الرافعي ولم أر في شيء من نسخه ما يخالفه، والمراد به الجعل بقوله اللهم اجعل ثوابه واصلًا لفلان كما هو المعتاد الآن، وقد سبق في الإجارة نقله عن الشيخ عبد الكريم السالوسي إلا أنه على هذا التقدير لا يكون طريقًا ثالثًا ولا يتقيد أيضًا بحضورهم عند الميت لا جزم أنه في "الروضة" لما أشكل عليه ذلك لم يعبر بالإهداء، بل عبر بالوصول فقال: إذا وصل الثواب للقارئ.

الأمر الثاني: أن نسخ الرافعي قد اضطربت في التعبير عن ما بعد لفظ أهدى ففي كثير منها إذا أهدى الثواب إلى القارئ ولا معنى لهذه العبارة، ولعله هو الحامل للنووي على التعبير بقوله وصل وفي بعضها إليه كما تقدم نقله عنه، وفي بعضها إليه كما تقدم نقله عنه، وفي بعضها إذا أهدى الثواب القارئ أي بدون شيء قبل القارئ لا إليه ولا إلي، وعلي هذا فالقارئ فاعل مؤجر، وبالجملة فهذه المقالة قد سبق بيانها من الرافعي في كتاب الجنائز في الكلام على الدفن فقال: وسأل القاضي أبو الطيب عن قراءة القرآن في المقابر فقال: الثواب للقارئ ويكون الميت كالحاضر يرجى له الرحمة والبركة فيستحب قراءة القرآن في المقابر والدعاء عقبها، هذا لفظه، وفيه شرح لما أجملته في هذا الباب، ووقع غلطه وتحريفه.

قوله في "الروضة": ولو قال أوصيت لعبدي برقبته فهي وصية صحيحة

ص: 374

ومقصودها الإعتاق، ويشترط قبول العبد على الأصح لاقتضاء الصيغة ذلك كقوله لعبده: ملكتك نفسك، أو وهبتك نفسك فإنه يشترط فيه القبول في المجلس، ولو قال: وهبتك نفسك، ونوى به العتق عتق بلا قبول. انتهى كلامه.

وما ذكره في أجره مشكل بل ينبغي اشتراط القبول لأنه صريح في بابه ووجد نفاذًا في موضوعه كما لو قال لشخص: تصدقت عليك ونوى الوقف فإنه لا يكون مقابل صدقة لأنه وجد نفاذًا في موضوعه فلا ينصرف إلى غيره بالنية بخلاف ما إذا أضافه إلى جهة كالفقراء كما سبق إيضاحه في بابه، وتقدم الوعد بذكر هذا الإشكال، فالصواب التسوية بين المساكين، واعلم أن الرافعي عبر بقوله ولو قال: وهبت نفسك لا على طريق التمليك، بل نوى به العتق عتق من غير قبول هذه عبارته، وهو يحتمل أن يكون التعبير بقوله لا على طريق التمليك من جملة الصيغة الصادرة من السيد وأن لا يكون كذلك، بل تصوير المسألة، فإن كان الأول كان الحكم المذكور صحيحًا لأن اللفظ الأخير منع الأول من مدلوله فأشبه السلم فإنه لا ينعقد بلفظ البيع على ما صححوه فإذا ضم إليه بعد ذلك لفظًا آخر ذلك علي السلم انصرف إليه كما أوضحته في بابه وكما إذا قاله وهبتك هذا بكذا فإنه يكون بيعًا وغير ذلك.

قوله: وإذا امتلك في مرض موته من يعتق عليه فهل يحسب عتقه من الثلث فيه وجهان الأشبه لا بل يحسب من رأس المال لأنه لم يعتق باختياره ولم يبذل مالًا فيتضرر به الورثة. انتهى ملخصًا.

وما رجحه هنا من كونه يحسب من رأس المال صرح أيضًا بتصحيحه في "الشرح الصغير" وعبر بالأظهر، ثم أعاد المسألة في كتاب العتق من هذا الكتاب أعني "الشرح الكبير" وذكر ما يوافق هذا فقال أنه أولى بالترجيح لكن ذكر ذلك في الإرث خاصة، وأما الهبة والوصية فحكى فيها وجهين

ص: 375

من غير ترجيح.

إذا علمت ذلك فقد ذكر هذه المسائل الثلاث في كتاب العتق من "المحرر" وصحح في الكل أنه يحسب من الثلث وعبر بالأصح، ولم يذكر المسألة في هذا الباب، وتبعه النووي في "الروضة" و"المنهاج" على هذا الاختلاف.

قوله: وأما إذا نجز عتق الحامل في الحياة واستثنى حملها ففي "التهذيب" وغيره أن الحمل يعتق أيضًا، وأن الاستثناء لا يصح ولم يذكروا فيه خلافًا. انتهى.

وما ادعاه من نفي الخلاف قد تبعه عليه في "الروضة" أيضًا وعبر بقوله: لم يصح استثناؤه بلا خلاف، وليس الأمر كذلك فقد ذكر في "الكفاية" عن القاضي الحسين فيه خلافًا مبنيًا على أن عتق الحمل هل هو بطريق السراية أو بطريق التبعية؟ ، فإن قلنا بطريق التبعية صح استثناؤه، قال: لأن الشيء قد يتبع ظاهرًا، فإذا صرح بخلافه انقطع عنه كالثمرة التي لم تؤثر ببيع الأصل في البيع عند الإطلاق، وإذا صرح باستثنائه لم يتبع فيها.

قوله في أصل "الروضة": ولو كانت لشخص وحملها لآخر فأعتقها مالكها لم يعتق الحمل قطعًا لأن اختلاف الملك يمنع الاستتباع. انتهى.

وما ادعاه من كونه لا يعتق قطعًا ليس كذلك فقد نقل القاضي الحسين في التعليق عن بعض أصحابنا أنه يعتق وجب على معتق الأم قيمته وقت الخروج من البطن ونقله أيضًا ابن الرفعة في "الكفاية".

قوله: الخامس أوصى بثلث عبد معين أو دار فاستحق ثلثاه ففيه طريقان إلى آخره.

اعلم أن الصحيح في هذه المسألة خلاف ما ذكره هنا وقد سبق بيان ذلك واضحا في آخر الباب الثالث من أبواب الإقرار.

ص: 376

قوله: ولو أوصى بثلث صبرة فتلف ثلثاها فله ثلث الباقي بلا خلاف لأن الوصية تناولت التالف كما تناولت الباقي. انتهى كلامه.

وما ذكره من عدم الخلاف تابعه عليه في "الروضة" وهو غريب جدًا، فقد جزم في "التتمة" بأنه يستحق الجميع، كذا ذكره في الفصل الرابع من الباب الثالث فقال: الخامس لو أوصي بثلث صبرة من الطعام فتلف ثلثاها فيسلم الباقي إلى الموصى له بخلاف الدار إذا خرج ثلثها مستحقًا هذا لفظه، ثم فرق بأن المستحق غير قابل للعقد، وأما فحملها قابله له فصح فيها العقد والوصية إذا صحت وأمكن الوفاء بها لا يجوز إبطالها وأغرب من ذلك أن الماوردي في "الحاوي" قد نقله عن نص الشافعي في "الأم" ومثل له بأمثلة منها الأرض والدراهم والدنانير ثم إن الماوردي بعد ذلك رجح خلاف النص فقال والذي أراه أنه لا يستحق إلا ثلث الباقي، ذكر ذلك في فصل أوله فإذا تقرر أن له جميع الثلث وذكر أيضًا في "البحر" ما ذكره الماوردي من النص والمخالفة.

قوله: وما أوصى به للمساكين هل يجوز نقله إلى مساكين غير بلد المال فيه طريقان:

أحدهما: أنه على قولين كما نقل الزكاة تنزيلًا للفظ المطلق على ما ورد به الشرع.

والثاني: ترتيب الوصية على الزكاة إن جوزنا نقل الزكاة ففي الوصية أولى، وإن منعنا ففي الوصية وجهان، والفرق أن الزكاة مطمح نظر الفقراء من حيث أنها موظفة دائرة والطريق الثاني هو المذكور في الكتاب لكن الأكثرون أوردوا الأول. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ظاهر هذا الكلام ترجيح منع النقل لأنه المصحح في

ص: 377

الزكاة، لكن صحح الرافعي في قسم الصدقات جواز نقل الوصية والكفارات، وستعرف لفظه في موضعه فراجعه ووقع الموضعان كذلك في "الروضة".

الأمر الثاني: أن الغزالي في "الوجيز" قد ذكر في قسم الصدقات طريقين آخرين: أحدهما: تخريجه على الزكاة، والثاني: جوازه، وكلام الرافعي يوهم خلافه، وستعرف ذلك أيضًا في موضعه.

وقول الرافعي مطمح هو سكون الطاء وبالحاء المهملتين قاله الجوهري طمح بصره إلى الشيء أي ارتفع وبفتح الميم معناه ارتفع وأطمح بصره أي رفعه وكل شيء مرتفع فهو طامح، وهذا المعنى هو معنى قول الفقهاء أن أعين الفقراء تمتد إلى الزكاة.

قوله: وإذا قلنا لا يجوز النقل فلو لم يكن في تلك البلدة فقير فتنقل كالزكاة أم تبطل الوصية، فيه وجهان في بعض الشروح، ولو عين فقراء بلد ولم يكن فيهم فقير بطلت الوصية كما لو أوصى لولد فلان ولا ولد له، انتهي كلامه.

والأصح من الوجهين كما قال في "الروضة" من زوائده هو جواز النقل، وما ذكره في آخر كلامه من بطلان الوصية عند التعبير فقد وافقه عليه في "الروضة"، وذكر من زياداته قبيل باب الهدي في نظيره من النذر أنه يصير إلى وجودهم، وقد ذكرته هناك فراجعه.

ص: 378