الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الركن الثالث: "في الواجب
"
قوله: فإن أظهر العبارات في حد المثلى هي العبارة الثانية، وهي: كل مقدر بكيل أو وزن، ويجوز السلم فيه، لكن الأحسن أن يقال: المثلى: كل ما حصره الكيل أو الوزن ويجوز السلم فيه.
ولا يقال كل مكيل أو موزون، لأن المفهوم منهما ما يعتاد كيله أو وزنه، فيخرج عنه الماء والتراب وهما مثليان. انتهى كلامه.
وما ادعاه الرافعي من أن الأحسن هو التعبير بما حصره إلى آخره مردود؛ لأنا نقول: قولهم: كل مقدر بكيل أو وزن لا يتعين حمله على الاعتياد حتى يرد ما قاله، بل المراد منه ما لو قدر لكان يقدر بالكيل أو الوزن حتى يخرج المذروع والمعدود والماء والتراب إذا قدرا فإنما يقدران بذلك.
ونزيد على هذا فنقول: لو لم يكن المراد ما قلناه لكانت عبارته التي اختارها غير مستقيمة أيضًا، لأن قوله: ما حصره وزن؛ إن أراد به ما أمكن وزنه، فكل مال كذلك.
وحينئذ فيجب تفسيره بما قلناه، وإذا آل الأمر إليه وجب حمل العبارة المشهورة عليه واندفع الاعتراض الحامل على العدول عنها إلى غيرها.
قوله: وينشأ من اختلاف العبارة الخلاف في الصفر والنحاس والحديد والآنك وفي القطن والعنب والرطب، وسائر الفواكه الرطبة، والأظهر: أنها جميعًا [مثلية](1) انتهى ملخصًا.
فيه أمور:
أحدها: أن الآنك بهمزة مفتوحة ممدودة، نون مضمومة وكاف هو: الرصاص ووزنه أفعل كأفلس.
(1) في ب: رطبية.
قال الجوهري: ولم يجيء على هذا الوزن من الواحد إلا هذا و"آشد".
والصُّفر: بضم الصاد، وأبو عبيدة يقوله بالكسر.
الثاني: أن ما ذكره في القطن لا فرق فيه بين منزوع الحب وبين غيره، ولم يستحضر في "المطلب" ما قاله الرافعي هناك.
فقال: أعتقد أن محله بعد إخراج حبه منه أما قبله فيظهر القطع بأنه متقوم.
الثالث: أن ما رجحه هاهنا في الرطب والعنب قد ذكر في موضعين من زكاة المعشرات ما يخالفه فقال في الكلام على ما إذا أتلف المالك الثمرة بعد الخرص ما نصه: فإن قلنا: الخرص غيره فيضمن لهم قيمة عشر الرطب أو عشر الرطب؟
فيه وجهان مبنيان على أن الرطب مثلى أو متقوم، والذي أجاب به الأكثرون إيجاب القيمة، وهو المذكور في الكتاب، لكن الثاني هو المطابق لقوله في الغصب.
والأظهر أن العنب والرطب مثلي. انتهى كلامه.
وذكر قبله بنحو ورقتين مثله أيضًا وزاد عليه فنقله عن نص الشافعي.
وحينئذ يكون المفتى به أنه متقوم لتنصيص الشافعي عليه، وذهاب الأكثرين إليه. وأما الذي قاله فقد زيفه الغزالي، ولهذا عبر بالأظهر، كما عبر به هو ووقع هذا الاختلاف في "الروضة" وفي "الشرح الصغير" غير أن ذكر فيه هناك وفي "التذنيب" أن الأولى بالترجيح أنه مثلي وعليه اقتصر في "المحرر" وهو مردود لما قلناه.
قوله: وأما الحبوب والأدهان والألبان والسمن والمخيض والخل الذي ليس فيه ماء فهي مثلية بالاتفاق. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ادعاه من الإتفاق في السمن واللبن ليس كذلك ففي "البحر" أنهما كالسكر، والسكر فيه خلاف مشهور منشأه: الخلاف في جواز السلم فيه، وفي جواز بيع بعضه ببعض.
الأمر الثاني: أن ما ذكره في الخل يقتضي أن خل التمر ليس بمثلي لما فيه من الماء.
وقد صرح به بعد هذا بنحو ثلاثة أوراق في أثناء قوله: قال: ولو اتخذ من الرطب تمرًا، فقال: وأما القسم الثاني وهو أن يكون مثليًا ثم يصير متقومًا كما لو غصب تمرًا فاتخذ منه الخل بالماء فإن كان المتقوم أكثر قيمة غرمها وإلا غرم المثل، وقيل: يغرم المثل مطلقا. انتهى ملخصًا.
وما ذكره ههنا واقتضاه كلامه السابق، من كونه متقومًا ليس كذلك، فإن الصحيح على ما ذكره في كتاب السلم جواز السلم فيه.
وحينئذ فيوجد فيه الضابط المذكور للمثلي والذي أوقع الرافعي في هذا الاختلاف أن طريقة الإمام أنه لا يجوز السلم فيه فمثل به ههنا على قاعدته.
فتابعه عليه الرافعي ذاهلًا عما قاله في السلم من مخالفته لكلام الأكثرين.
قوله: والدراهم والدنانير الصحاح مثلية لكن قضية العبارة الثانية إثبات خلاف فيها؛ لأن في السلم فيها اختلافًا تقدم، وأيضًا فإنهم جعلوا المكسرة على الخلاف في التبر لتفاوت القراضات في الجرم، ومثل ذلك يفرض في الصحاح فيلزم مجئ الخلاف فيها. انتهى كلامه.
وما ادعاه من مجيء الخلاف مردود، وقد أجاب ابن الرفعة في "المطلب" عن الأمرين فقال ما حاصله: أما الأول فإن من لا يرى جواز السلم فيها، قد لا يشترط في المثلى صحة السلم فيه.
وأما الأمر الثاني: فلأن الرواج لا يختلف بكون الدرهم الصحيح صغيرًا أو كبيرًا بخلاف القراضة، وقد ذكر في "الروضة" أيضًا ما يوافق هذا فقال: الصواب المعروف الذي قطع به الأصحاب أنها مثلية.
قوله: وإذا غصب مثليًا وتلف في يده والمثل موجود فلم يسلمه حتى فقد أخذت منه القيمة.
وفي القيمة المعتبرة عشرة أوجه:
أحدها: أقصى قيمة من الغصب إلى التلف.
والثاني: من وقت تلف المغصوب إلى إعواز المثل.
والثالث: وهو الأصح من يوم الغصب إلى إعواز المثل.
والرابع: أقصاها من وقت الغصب إلى وقت تغريم القيمة.
والخامس: أقصاها من وقت انقطاع المثل إلى وقت المطالبة بالقيمة.
والسادس: أقصاها من وقت تلف المغصوب إلى وقت المطالبة.
والسابع: قيمة اليوم الذي تلف فيه المغصوب.
والثامن: قيمة يوم الإعواز.
والتاسع: قيمة يوم المطالبة، وقيل يبدل لفظ المطالبة والتغريم بالحكم بالقيمة والمرجع بها إلى شيء واحد.
والعاشر: إن كان منقطعًا في جميع البلاد فالاعتبار بقيمة يوم الإعواز، وإن فقد في تلك البقعة فالاعتبار بقيمة يوم الحكم بالقيمة.
وفيم علق عن الشيخ أبي حامد أن المعتبر قيمة يوم أخذ القيمة لا يوم المطالبة ولا يوم التلف.
فهذا وجه حادي عشر إن كان ثابتًا.
ثم قال: ولو غصب مثليًا فتلف والمثل مفقود فالقياس أن يجب على
الوجه الأول والثالث أقصى القيم من يوم الغصب إلى التلف.
وعلى الثاني والسابع والثامن قيمة يوم التلف.
وأن يعود الرابع والسادس والتاسع مخالفًا وعلى الخامس أقصى القيم من يوم التلف إلى يوم التغريم.
وعلى العاشر إن كان مفقودًا في جميع البلاد، وجبت قيمته يوم التلف وإلا فقيمته يوم التغريم. انتهى كلامه.
وقد تلخص من كلامه في هذه المسألة الأخيرة ستة أوجه:
أحدها: أقصا القيم من يوم الغصب إلى التلف، وهو الحاصل من الوجه الأول والثالث.
وثانيها: قيمة يوم التلف وهو ما يحصل من الثاني والسابع والثامن.
وثالثها: أقصا القيم من الغصب إلى المطالبة وهو الرابع بعينه.
ورابعها: الأقصا من التلف إلى المطالبة، وهو الحاصل من الخامس والسادس، إذ لا فرق بين لفظ التغريم، ولفظ المطالبة كما سبق من كلام الرافعي.
وخامسها: وهو التاسع قيمة يوم المطالبة.
وسادسها: إن كان مفقودًا في جميع البلاد فقيمة يوم التلف، وإلا فقيمة يوم التغريم، وهذا هو الحاصل من العاشر.
إذا علمت ذلك فقول الرافعي رحمه الله وعلى الخامس أقصا القيم من التلف إلى التغريم يوهم إيهامًا ظاهرًا أنها سبعة أوجه وليس كذلك، بل الحاصل منه ستة أوجه وإيهامه من وجهين:
أحدهما: قطعه عن السادس.
والثاني: تعبيره فيه بالتغريم، وتعبيره في السادس، وما ضمه إليه
بالمطالبة فراجعه. ومراد الرافعي ما ذكرناه وهو ستة فقط.
واختلاف اللفظين لا يضر، لأنه قد بين أن المراد منهما شيء واحد.
وأما قطعه عنه فلأن هذا الوجه هو السادس بعينه من غير زيادة عليه بخلاف الخامس فإنه ليس إياه، بل مستفادًا منه.
واعلم أن الوجه الحادي عشر الذي توقف الرافعي في إثباته، قد نقله سليم الرازي في "تعليقه" عن الشيخ أبي حامد والبندنيجي في تعليقه عنه، فثبت إذن هذا الوجه والتفريع عليه لا يختلف، وحينئذ فيتلخص في مسألتنا سبعة أوجه لكن الرافعي لم يفرع عليه لتوقفه فيه، وإنما فرع على العشرة فقط.
وقد استفدنا من ثبوت هذا الوجه منع كون المراد من التغريم والمطالبة شيئًا واحدًا.
قوله في "الروضة" من "زوائده": ولو قال المستحق: لا آخذ القيمة، بل أنتظر وجود المثل، فله ذلك، نقله في "البيان" ويحتمل أن يجيء فيه الخلاف، في أن صاحب الحق إذا امتنع من قبضه، هل يجبر ويمكن الفرق ولو لم يأخذ القيمة حتى وجد المثل تعين قطعا، هذا لفظه.
فيه أمران:
أحدهما: [أن العمراني فرض المسألة فيما إذا لم يوجد المثل كما يشعر به](1) كلام النووي، وحينئذ فهذا البحث الذي ذكره النووي، وهو تخريجه على الخلاف في امتناع صاحب الحق متوقف على تصويره.
ولم يتقدم له ذكر خلاف في إجبار المستحق بالكلية، حتى ولا عند الانتقال فاعلمه.
(1) بياض في أ.
ويحتمل أنه أراد الحق المؤجل، ولكن سقط من لفظه ذلك.
والذي نقله عن "البيان" قد نقله أيضًا في "البحر" عن أبي إسحاق.
الأمر الثاني: أن القطع الذي ادعاه في المسألة الأولى صحيح.
وأما في الثانية: وهي ما إذا قارن التلف تعذر المثل فلا.
فقد حكى ابن داوود شارح "المختصر" في باب التيمم وجهًا أنه لو ظفر بالمثل بعد ذلك قبل الطلب، فلا يلزمه إلا القيمة.
قوله: ولو أتلف مثليًا أو غصبه وتلف عنده، ثم ظفر المالك به في بلد آخر فهل يطالبه بالمثل؟ الذي ذكره الأكثرون أنه إن كان مما لا مؤنة لنقله كالنقد طالبه به، والا فلا، لما فيه من المؤنة والضرر.
ولكن للمالك أن يغرمه قيمة بلد التلف وحكى الإمام رداءه وجهين:
أحدهما: يطالبه بالمثل مطلقا.
والثاني: عن رواية الشيخ أبي علي، أنه إن كان قيمة ذلك البلد مثل قيمة بلد التلف، أو أقل طالبه بالمثل وإلا فلا.
وذكر أبو عاصم العبادي مثل هذا. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن تعبيره بقوله عن رواية الشيخ أبي علي [صريح في أنه حكاه عن غيره وليس كذلك فقد قال الإمام: وذكر الشيخ أبو علي](1) في اختلاف الأمكنة طريقة في ذوات الأمثال فقال: ما ذكره الشافعي والأصحاب من أن التلف عليه إذا ظفر بمتلف المثلِ في غير مكان الإتلاف، يغرمه القيمة لا المثل، إنما هو إذا كانت قيمة المكان الذي ظفر صاحب الحق بالمتلف فيه أكثر من قيمة مكان الإتلاف، فلذلك قال الشافعي ما قال فأما إذا
(1) سقط من أ.
استوت القيمة، ولم يتفاوت السعران أو كانت قيمة المثل في مكان اللقاء أقل فيلزمه المثل.
وهذه الطريقة ادعاها الشيخ أبو علي ولم يردد فيها قولًا.
والذي ذكره الأئمة في الطرق إطلاق القول بأن المثل لا يطالب به، في غير مكان الإتلاف من غير تعرض للتفصيل.
ولو كان الحكم مفصلًا عندهم كما ذكره [الشيخ لفصلوه فإن التفصيل في مثل ذلك ليس مما يعزب عنه نظر الناظر على ظهوره، هذا كلام الإمام، وقد تخلص منه أن قول الرافعي: إن الإمام رواه وجهًا غير صحيح](1).
الأمر الثاني: أن هذا الذي قاله الشيخ أبو علي قد جزم به البندنيجي في تعليقه، وكذلك أبو الطيب في تعليقه أيضًا، والماوردي في "الحاوي" وابن الصباغ في "الشامل" وغيرهم.
وقد نقله الرافعي أيضًا عن "العبادي"، كما سبق وذكر أبو علي الدبيلي في كتاب "أدب القضاء" له عن الشافعي نحوه، فإنه قال: قال الشافعي: لا؛ لأنا لو حملناه على المثل لكان في ذلك ضرر وإتلاف مال لاختلاف الأسعار، هذا لفظه. والتعليل صريح في تصوير المسألة واختصاصها بما ذكره الشيخ أبو علي، فقد تظافرت النقول على ما قاله.
وكذلك المعنى، لأن المنع ليس بعيدًا بل هو لمعنى وهو الضرر، والضرر مفقود هنا ولم يعارض ما ذكرناه من التصريح والمعنى، إلا إطلاق من أطلق، وحمل ذلك الإطلاق على ما ذكرناه سهل لا مانع منه.
فتلخص أن الحكم كما قاله الشيخ، وأن نقل الرافعي لكلام الإمام موهم، فكان ينبغي أن يقول أطلق الأكثرون، وقيد الشيخ أبو علي وغيره.
(1) بياض في أ.
قوله: وإذا أخذ القيمة ثم اجتمعا في بلد التلف، هل للمالك رد القيمة وطلب المثل؟ وهل لصاحبه استرداد القيمة وبذل المثل؟
فيه الوجهان، فيما إذا غرم القيمة لا إعواز المثل والذي أورده صاحب الكتاب منهما (1) أن عليه المثل وأخذ القيمة، مع أنه جعل الأظهر في مسألة الإعواز المنع.
وهذا لا وجه له، بل الخلاف في المسألتين واحد باتفاق الناقلين، فإما أن يختار فيهما النفي أو الإثبات. انتهى كلامه.
قال ابن الرفعة في "المطلب": أما النقل فهو كما قال الرافعي، وأما الفقه فيجوز أن يختلف، ويكون الغزالي لاحظ في إثبات الخلاف في حال تعذر المثل بناءه على أن الواجب قيمة المغصوب أو قيمة المثل.
ورجح أن الواجب قيمة المغصوب، فلا يكون لوجود المثل بعد أخذها معنى.
وما نحن فيه القيمة مأخوذة بدلًا عن المثل اتفاقًا.
فلذلك قال: إن له استرجاعها وبذل المثل قال: وهذا بحث دقيق. انتهى.
ويؤيد ما قاله ابن الرفعة أن الغزالي في "الوسيط" قال: هنا إن القيمة للحيلولة، وفي الإعواز لم يذكر ذلك.
قوله: في أصل "الروضة" الحال الأول أن يكون متقومًا، ثم [يصير مثليًا كمن غصب رطبًا وقلنا: إنه متقوم] (2) فصار تمرًا، ثم تلف عنده فوجهان:
أحدهما: وبه قطع العراقيون يضمن مثل التمر لأنه أقرب إلى الحق.
وأشبههما: وبه قطع البغوي إن كان الرطب أكثر قيمة لزمه قيمته كي لا
(1) بداية سقط من ب بمقدار ورقة.
(2)
بياض في أوسقط من ب وأثبت من جـ.
تضيع الزيادة.
وإن كان التمر أكثر أو استويا لزمه المثل. واختار الغزالي أنه يتخير بين مثل التمر، وقيمة الرطب. انتهى كلامه.
وذكر الرافعي نحوه أيضًا، فيه أمران (1):
أحدهما: أن التعليل الذي ذكره لكلام البغوي ورجع به قوله على قول العراقيين، يبين أن الذي نقله عنهم، هو وجوب المثل، بدون أرش النقص، وإلا فلم يصح الرد عليهم بكون الزيادة تضيع.
إذا علمت ذلك فاعلم أن العراقيين لم يقولوا بذلك فضلًا عن كونهم قطعوا به، فإن المحاملى من العراقيين، وقد ذكر أنه إذا غصب نخلة فأطلعت وجف رطبها وتلف أنه يجب عليه المثل، وأرش ما نقص من الرطب، وكذلك ذكر الماوردي في "الحاوي" وسليم الرازي في "المجرد" وابن الصباغ في "الشامل".
قوله: وأما القسم الثاني، وهو أن يكون مثليًا، ثم يصير متقومًا كما لو غصب حنطة وطحنها، وتلف الدقيق عنده أو جعله خبزًا وأكله وقلنا. لا مثل للدقيق والخبر، فعلى جواب العراقيين يضمن المثل.
وعلى ما أورده في "التهذيب" إن كان المتقوم أكثر قيمة غرمها، وإلا غرم المثل.
وعن القاضي حسين أنه يغرم أقصى القيم وليس للمالك مطالبته بالمثل؛ لأن التلف حصل وهو متقوم، وعلى هذا فإذا قيل: من غصب حنطة في الغلاء وبقيت عنده إلى التلف وغرمه للمالك في وقت الرخص، هل يغرمه المثل أو القيمة.
(1) هكذا في الأصول ولم يذكر إلا أمرًا واحدًا.
لم يصح إطلاق الجواب بالمثل، ولا بالقيمة بل الصواب أن يفصل فيقال: إن تلفت وهي حنطة غرمه المثل، وإن صارت إلى حالة التقويم ثم تلفت فالقيمة وكأن القاضي قد لقن المسأله للرئيس أبي علي المنيعي ليغالط بها فقهاء مرو ويغلط من أطلق الجواب منهم. انتهى كلامه.
والمنيعي هو بميم مفتوحة، ثم نون مكسورة بعدها ياء ساكنة ثم عين مهملة بعدها ياء النسب.
وهذا الرئيس المذكور هو حسان بن سعيد بن حسان بن محمَّد بن أحمد ابن عبد الرحمن بن محمَّد بن منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن محمَّد بن منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في أول أمره تاجرا إلى أن نمى ماله [وتزايدت النعم عليه وعلت منزلته وصار مشارًا إليه عند السلاطين وأنفق أموالًا جزيلة](1) في بناء المساجد والربط وأنواع الخيرات ومنها جامع مرو الذي كان إمام الحرمين خطيبه.
وكان علي قدم عظيم من الاجتهاد في العبادة والتواضع والبر، وكثرة الصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى قال فيه السلطان: في مملكتي من لا يخافني وإنما يخاف الله.
روى الحديث عن جماعة، وروى عنه جماعة منهم البغوي صاحب "التهذيب".
قال عبد الغافر الفارسي لو تتبعنا ما ظهر من آثاره وحسناته لعجزنا، توفي يوم الجمعة السابع والعشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وستين وأربع مائة، وكان له ولد فقيه فاضل رئيس كبير يقال له: أبو الفتح عبد الرزاق، ذكرته في كتابي الذي ألفته في طبقات أصحابنا فراجعه.
قوله: فإن لم يجد المثل إلا بزيادة ففي لزومه وجهان. انتهى.
(1) بياض في أ. والمثبت من جـ.
لم يصرح بتصحيح هنا ولا في "الشرح الصغير" أيضًا والصحيح، كما قاله في "الروضة" عدم اللزوم.
ولم يذكر المسألة في "المحرر" وفيها كلام يتعين الوقوف عليه، سبق ذكره في السلم.
قوله: فإذا غصب متقوما] (1) وتلف عنده لزمه أقصا قيمة من الغصب إلى التلف وإنما تجب القيمة من نقد البلد الذي حصل فيه التلف. انتهى كلامه.
وما أطلقه من وجوب نقد بلد التلف محمول على ما إذا لم ينقله. فإن نقله قال في "الكفاية": فيتجه أن يعتبر نقد البلد الذي تعتبر قيمته، وهو أكثر البلدين قيمة، قال: وفي "البحر" عن والده ما يقاربه.
قوله: وإذا كانت الدراهم المبذولة للحيلولة بقيمتها باقية في يد المالك فللشيخ أبي محمد تردد في أنه، هل يجوز للمالك إمساكها وغرامة مثلها أم لا؟ انتهى.
والصحيح أنه لا يجوز، كذا صححه الرافعي والنووي وغيرهما في الرد بالعيب، وغيره من نظائر المسألة.
ولهذا قال في "الروضة" هنا: الأقوى أنه لا يجوز، ولم يصرح بالمسألة في "الشرح الصغير" ولا في "المحرر".
قوله من "زوائده": قال في "البيان": ولو ظهر على المالك دين مستغرق فالغاصب أحق بالقيمة التي دفعها لأنها عين ماله، وإن تلفت في يد المالك رجع الغصب بمثلها وإن كانت باقية زائدة رجع في زيادتها المتصلة دون المنفصلة.
(1) نهاية سقط من ب بمقدار ورقة.
قال القاضي أبو الطيب والجرجاني: هذا إذا تصور كون القيمة مما يزيد انتهى كلامه. فيه أمران:
أحدهما: أن ما نقله عن [البيان فقط قد نص عليه الشافعي في "الأم" مع زيادة أخرى هي أهم مما تعرض له](1) في "البيان" وهي تقديمه على الغرماء عند تلف القيمة [أيضًا، وقد ذكرت لفظه في باب الكفن فراجعه](2).
الأمر الثاني: أن ما أحال عليه في آخر كلامه من [إمكان تصور زيادة القيمة](3) ولم يصوره قد صوره بعض الفضلاء بما إذا كانوا في بلد يتعاملون بالحيوان وإنما قلنا ذلك لأن القيمة إنما تؤخذ نقدًا، والنقد لا زوائد له.
وقال ابن الرفعة في "الكفاية": طريق الجواب عنه: أن يكون المالك قد اعتاض عن القيمة شاة مثلًا، فإن عند القاضي أبي الطيب إذا استبدل من له ثمن في ذمة شخص عنه عينًا، ثم رد المبيع بعيب أن له أن يسترجع العين، كما حكيناه في باب المصراة، أن له أن يسترجع الشاة هنا.
وعلى ذلك يحمل ما قالوه.
قال: وبه صور الروياني المسألة في "البحر".
قوله: فرع! قد مر أن منافع المغصوب مضمونة، فلو كانت الأجرة في مدة الغصب متفاوتة فبم تضمن؟ فيه ثلاثة أوجه: حكاها القاضي أبو سعد بن أبي يوسف أضعفها: أنها بالأكثر في جميع المدة.
وأظهرها: أنها تتضمن في كل بعض من أبعاض المدة بأجرة مثله.
والثالث: أن الأمر كذلك إن كانت الأجرة في أول المدة أقل، وإن كانت
(1) بياض في أ.
(2)
بياض في أ.
(3)
بياض في أ.
أكثر في الأول ضمنها بالأكثر في جميع المدة، لأنه لو كان المال في يده فربما يلزمه بها في جميع المدة. انتهى.
تابعه في "الروضة" على ذلك، وحاصل ما نقله عن الهروي أن المسألة منقولة للأصحاب، وأنهم اختلفوا فيها على ثلاثة أوجه، وأن الهروي حكاها عنهم.
وليس الأمر في شيء من ذلك كذلك فإن الهروي، قد ذكر هذه المسألة في كتابه "الإشراف في شرح أدب القضاء" للعبادي وهو الكتاب المشهور به الذي ينقل الرافعي وغيره عنه، فلما ذكرها صرح بأنها ليست منقولة، وبأن الثلاثة المذكورة إنما هي أقسام وجهات لما قد يتخيل الذهاب إليه في المسألة.
وصرح أيضًا بأن الأول لا يمكن القول به وأن الثاني هو القياس، والثالث يمكن القول به.
هذا حاصل ما قاله فاعلمه، وسأذكر لك لفظه.
فأقول: قال: في الكتاب المذكور بعد أوله بنحو كراس، ما نصه: ومنافع المغصوب عنده مضمونة على الغاصب بخلاف قول أبي حنيفة والاعتبار في ضمانها، وهو أجرة المثل بما إذا لم يتعرض أصحابنا لهذه المسألة والقياس [أن يقال: إن اختلف السعر في مدة الاغتصاب وكان غلاء السعر في النصف الأول من المدة والرخص في النصف الثاني من المدة.
وصورته: في النصف الأول أجرة المثل درهمان وفي النصف الثاني أجرة المثل درهم] (1) فعليه ثلاثة دراهم.
وذكر المصنف -أعني- العبادي أن الاعتبار بيوم الأخذ، فإن فسر الأخذ باستيفاء المنافع فهو ما بينا.
وإن فسر الأخذ بقبض العين فيمكن تصحيحه وهو أن يقال: إذا كان
(1) بياض في أ.
الغلاء في الشطر الأول من المدة، والرخص في الشطر الثاني يقوم بسعر الشطر الأول من المدة لأن توقع الموجود في منافع الشطر الثاني من المدة يسد مسد نفس الوجود، ولهذا المعنى انعقدت الإجارة على جميع منافع المدة فيمكن أن يقال: لولا الغصب الحائل لعقد المالك على جميع منافع المدة في وقت الغلاء، وإنما احتبس عليه ذلك بسبب الغصب فيشدد على الغاصب، ويضمن منافع المدة باعتبار الغلاء المقترن بصدر المدة.
وأما إذا كان الرخص في الشطر الأول من المدة والغلاء في الشطر الثاني فمنافع الشطر الثاني مقومة بسعر الغلاء [ومنافع الشطر الأول لا يمكن أن تقوم بسعر الغلاء](1) وقد تلفت قبل سعر الغلاء، فلم يكن لها وجود مع سعر الغلاء.
ولا توقع وجود إلا أن يظن ظان ظنًا ضعيفًا فيقول: وجود منافع صدر المدة، إن لم تصحب الغلاء في آخر المدة فوجود محلها وهو العين صحب وجود الغلاء في آخر المدة، فحصل من هذه المدة التي أشبع في بسطها ثلاثة أوجه في منافع مدة الغصب إذا تقسمها الرخص والغلاء في شطريها.
أحدها: أن الاعتبار في زمن الرخص بسعره وفي زمن الغلاء بسعره، لأن المنافع المعدومة، إنما يقدر لها وجود إذا تقسمها أحد الحاصرين.
إما الزمان أو العمل في إجارة منعقدة في الشريعة يحويها ويجمعها.
والوجه الثاني: الغلاء في صدر المدة يطرح له الرخص في آخر المدة، لأن توقع الوجود يسد مسد نفس الوجود، والغلاء في آخر المدة لا يطرح له الرخص في أول المدة لأن توقع الوجود في صدر المدة منقطع على تاريخ الغلاء.
والوجه الثالث: أن الاعتبار بالغلاء سواء كان في صدر المدة أو في
(1) بياض في أ.
آخرها، لأن المنافع وإن [لم تصحب زمان الغلاء فمحلها وهو العين صحب زمان الغلاء وهذا أضعف الوجوه الممكنة](1) هذا لفظ الهروي بحروفه.
وهو كما ذكرته لك، وما ذكره الرافعي هنا عجيب جدًا.
قوله: ولو [اتفقا](2) على الهلاك، واختلفا في قيمته صدق الغاصب، لأن الأصل براءته وعلى المالك البينة.
وينبغي أن يشهد الشهود أن قيمته كذا، أما إذا أراد إقامة البينة على صفات العبد ليقومه المقومون بتلك الصفات.
فعن صاحب "التقريب" حكاية قول أنها تقبل وتقوم بالأوصاف، وتنزل على أقل الدرجات كما في السلم.
والمذهب: المنع؛ لأن الموصوفين بالصفات الواحدة يتفاوتون في القيمة لتفاوتهم في الملاحة وما لا يجب الوصف. انتهى كلامه.
وما ذكره هنا من عدم إثبات الصفة بهذه الشهادة.
قد ذكر في كتاب القضاء في الكلام على القضاء بالعين الغائبة ما يخالفه.
فقال: لو شهد أنه غصب منه عبدًا بصفة كذا فمات العبد استحق بتلك الشهادة قيمته على تلك الصفة.
وسوف أذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى فراجعه.
ووقع الموضعان كذلك في "الروضة".
قوله: ولو ادعى الغاصب به أي بالعبد المالك عيبًا، وأنكر المالك نظر: إن ادعى عيبًا حادثًا فقال: كان أقطع أو سارقًا ففي المصدق منهما قولان:
(1) بياض في أ.
(2)
في ب: اختلفا.
أحدهما: الغاصب؛ لأن الأصل براءة ذمته وأصحها: المالك؛ لأن الأصل والغالب دوام السلامة. انتهى كلامه.
تابعه النووي في "الروضة" على حكاية الخلاف قولين.
وخالف في "المنهاج" فجعله وجهين، وسببه أن الرافعي في "المحرر" عبر بالأصح، وليس له فيه اصطلاح كما سبق ذكره غير مرة فتابعه علي التعبير به غير باحث عنه، فوقع في الاختلاف.