الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب القراض
وفيه ثلاثة أبواب:
الباب الأول: في أركانه
قوله: في غزوة نهاوند.
قال السمعاني هي بضم النون وهي مدينة من بلد الجيل، قيل: إن نوحًا عليه الصلاة والسلام بناها وكان اسمها "نوح ارند" فأبدلوا الحاء هاء.
قوله: وما يعتبر في صحة هذا العقد تارة يعتبر في رأس المال، وتارة في العمل وأخرى في صيغة العقد، وأخرى في العاقدين فسمى المصنف هذه الأمور أركانًا، انتهى كلامه.
وقد أهمل الرافعي ركنًا آخرا لم يذكره في هذه الترجمة وهي الكلام على الربح، وقد صرح به بعد هذا فقال: إن الأركان خمسة أحدها: رأس المال، وثانيها: العمل، وثالثها: الربح، ورابعها: الصيغة، وخامسها: العاقدان.
وقد عبر في "الوسيط" هنا بعبارة جيدة فقال: العاقدان والعوضان ورأس المال وصيغة العقد، هذا لفظه وأراد بالعوضين الربح والعمل.
قوله: وفي النفس حسيكة من هذا الكلام.
الحسيكة بالحاء والسين المهملتين وبعدهما ياء بنقطتين من تحت، ثم كاف، قالوا في صدره على حسيكة وحساكة أي: ضغن وعداوة.
قاله الجوهري:
فاستعمل الرافعي ذلك وأراد به نفور النفس عنه وعدم قبولها له.
قوله: وعن الشيخ أبي محمَّد أنه كان يعول في اختصاص القراض
بالنقدين على الإجماع، انتهى.
دعوى الإجماع على اختصاصه بذلك صرح به النووي في "الروضة" جازما به لكن لأصحابنا بخصوصهم خلاف في جوازه على ذوات الأمثال حكاه الفوراني في "الإبانة" فاعلمه.
قوله: الشرط الثالث أن يكون معنيًا فلو قارض على دراهم غير معينة ثم أحضرها في المجلس وعينها، حكى الإمام عن القاضي وقطع به أنه يجوز كما في الصرف ورأس مال السلم.
والذي أورده صاحب "التهذيب" المنع، انتهى كلامه.
لم يصرح بتصحيح في "الروضة" أيضًا، والصحيح هو: الجواز، كذا صححه في "الشرح الصغير".
قوله: ولو قال للمديون اعزل قدر حقي من مالك فعزله، ثم قال له قارضتك عليه لم يصح لأنه لم يملكه وإذا تصرف المأمور فيما عزله نظر إن اشتري بعينه للقراض فهو كالفضولي اشترى لغيره بعين ماله وإن اشترى في الذمة ونقد ما عزله فوجهان:
أصحهما: عند البغوي أنه للمالك لأنه اشترى له بإذنه.
وأظهرهما عند الشيخ أبي حامد: أنه للعامل لأنه إنما أذن في الشراء بمال القراض، فإذا لم يملكه فلا قراض، انتهى.
ذكر مثله في "الروضة" أيضًا، والراجح: الأول؛ فقد رجحه أيضًا البندنيجي والقاضي الحسين وإمام الحرمين.
قوله: ولو قارضه على مال غصبه منه صح على الأصح، وعلى هذا لا يتزامن ضمان الغصب كما في الرهن. انتهى.
واعلم أن الرافعي في الباب الثاني من كتاب الرهن قد جزم بالصحة وحكي الخلاف في البراءة، ولكن الأصح أنه لا يبرأ.
ومحل عدم البراءة إذا لم يتصرف فإذا تصرف فوجوه:
أصحها: وهو ما جزم به في "الروضة" هنا من "زوائده" أنه يبرأ، لأنه سلمه بإذن المالك وزالت عنه يده، وما يقتضيه من الأعراض يكون أيضًا أمانة، لأنه لم يوجد فيها ما يقتضي الضمان.
وثانيها: لا يبرأ مطلقا.
وثالثها: إن اشترى بأعيانها برئ بتسليمها وإن اشترى في الذمة ثم نقدها لم يبرأ لأن في الثمن قد تعلق بذمته. حكاها الماوردي.
ورابعها: أورده في "المطلب" أنه إن أورد العقد على أعيانها برئ، وإن لم يسلمه.
قوله: ولو شرط رب المال على العامل أن يراجعه في التصرفات، أو يراجع مشرفًا نصبه عليه لم يصح لأنه قد لا يجده عند الحاجة، أو لا يساعده على رأيه فيفوت عليه التصرف الرابح. انتهى.
هذا التعليل ينتقض بما إذا قارض اثنين وشرط عليهما الاجتماع في التصرف، فإنه جائز كما ستعرفه، بل الصواب تعليله بأن موضوع القراض أن يكون المال من رب المال، والعمل من العامل.
فالجمع بينهما على رب المال ينافي مقتضاه، لأن بعض الربح يكون له بعمله وماله.
قوله: ولو شرط أن يعمل معه غلام رب المال ولم يحجر عليه في التصرف وحده ففيه وجهان والأكثرون علي الجواز.
ولو شرط أن يعطيه بهيمة ففي "التتمة" أنه على الوجهين، ومنهم من قطع بالجواز. انتهى.
والمعروف طريقة الخلاف فهي المذكورة في "المجرد" لسليم وفي "البحر" للروياني، ونقلها القاضي أبو الطيب عن ابن سريج ولم ينقل خلافها.
قوله: فلو عين للتصرف نوعًا يقدر كالياقوت الأحمر والحر الأدكن. . . . إلى آخره.
الأدكن بالدال المهملة والكاف هو الذي يضرب لونه إلى السواد، مشتق من: الدكنة بضم الدال، من كلامهم لكن الثوب بالكسر يدكن بالفتح دكنًا، قاله الجوهري.
قوله: والإذن في البزهل يتناول الأكسية؟ فيه وجهان، لأنها ملبوسة لكن لا يسمى بائعها بزازًا، انتهى.
والأصح عدم التناول، كذا قاله في "الروضة".
قوله: ولو قال: قارضتك على أن يكون الربح كله لك فهو قراض فاسد رعاية للفظ وقيل: قراض صحيح رعاية للمعنى.
ثم قال: ولو قال: أبضعتك على أن [الربح لك فهل هو إبضاع أو قرض؟ فيه الوجهان.
ولو قال: أبضعتك على أن] (1) نصف الربح لك فهل هو إبضاع أو ربح قرض؟ الوجهان، انتهي كلامه.
وقد أسقط النووي من "الروضة" المسألة الثانية إما لانتقال نظره حالة الاختصار من قوله أبضعتك إلى قوله أبضعتك، كما يقع كثيرًا للنساخ. أو لانتقال نظر ناسخ الأصل الذي اختصر منه.
والقرض المذكور في المسألة الساقطة بغير ألف بخلاف المذكور في الثالثة.
قوله: في "الروضة": ولو قال: على أن ثلث الربع لك وما بقي فثلثه لي وثلثاه لك صح.
وحاصله اشتراط سبعة أتساع الربح للعامل.
(1) سقط من ب.
هذا إذا علما عند العقد أن المشروط للعامل بهذا اللفظ كما هو، فإن جهلاه أو أحدهما صح أيضًا على الأصح، وبه قطع في "الشامل" لسهولة معرفته.
ويجري الخلاف فيما إذا قال لك عن الربح سدس ربع العشر، انتهى.
لم يصحح "الرافعي" من الوجهين شيئًا بالكلية وإنما قال: فوجهان عن صاحب "التقريب".
الذي أورده صاحب "الشامل" منهما هو الصحة.
هذا لفظه وقد جزم القاضي الحسين في "تعليقته" بعدم الصحة.
نعم: في "الحاوي" أنه يصح كما في "الشامل"، ويدل عليه أنهم أجمعوا كما قال القاضي الحسين هنا على أنه لو باع مرابحة وجهلا حالة العقد حسابه صح العقد.
قوله: ولو شاء في مرض الموت وزاد الحاصل على أجرة المثل فوجهان:
أحدهما: أنه لا تحسب الزيادة من الثلث أيضًا لأنه لم يكن حينئذ ثمرة وحصولها منسوب إلى عمل العامل.
وأشبههما: نعم لأن الثمار قد تحصل من غير عمل فكانت كالشيء الحاصل، انتهى.
وهذا التعليل لا يتمشى إذا كانت الثمرة موجودة فهل الأمر كما يقتضيه التعليل من كون الخلاف مخصوصًا بما قبل وجودها أم الخلاف مطلق ولكن التعليل مردود؟ فيه نظر.
قوله: ويجوز أن يقارض الواحد اثنين سواء سوى بينهما أو فاوت.
قال الإمام: وإنما يجوز إذا ثبت لكل واحد مهما الاستقلال، فإن شرط على كل واحد منهما مراجعة الآخر لم يجز، وما أرى أن الأصحاب
يساعدوه عليه، انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن الأمر كما ظنه الرافعي من الجواز في هذه الصورة. فقد نقله الإمام بعد هذا عن ابن سريج.
وصرح به القاضي أبو الطيب، وكذلك الغزالي في "البسيط".
وذكر في "الوسيط" نحوه أيضًا.
وقال في "المطلب" في الشرط الرابع: إنه المشهور.
نعم: رجح البويطي من فقه نفسه أنه لا يجوز فقال في باب المضاربة: لو قارض رجلين على أن يشتركا لم يجز لأن هذا قراض وشركة، وقيل: يجوز.
الأمر الثاني: أن ما نقله عن الإمام من تجويزه إذا أثبت لكل منهما الاستقلال ليس كذلك، بل الذي جزم به الإمام أنه: لا يجوز فإنه نقل أولًا أن الأصحاب جوزوه، وأن فيه إشكالًا يأتي، ثم جزم في الموضع الذي وعد بذكره بالمنع فقال في أوائل الكتاب: قد أطلق الأصحاب جواز مقارضة الرجل الواحد رجلين، وهذا فيه تفصيل، فإن شرط أن لا يستقل واحد منهما بالتصرف دون صاحبه فالذي يدل عليه ظاهر الكلام الأصحاب أن ذلك فاسد، وإن أثبت لكل واحد منهما الاستقلال بالتصرف فهذا هو الذي جوزوه وفيه إشكال يأتي في أثناء الكتاب. هذا كلامه.
ثم ذكر المسألة في أواخر الكتاب في أثناء قوله فصل في مقارضة الرجل رجلين فقال: إن الأصحاب أطلقوا القول بجواز مقارضة الرجل الرجلين وفيه إشكال، فإنه إن فرض ذلك على أن يستبد كل منهما بالتصرف إذا اتفق متجر وكل منهما لا يثق بتصرف نفسه ولا يأمن أن يكون تصرفه مسبوقًا بتصرف صاحبه وإذا لم يتفق من أحدهما عمل أصلًا، وجرى العمل كله
من الثاني فيستحيل أن يستحق من لم يعمل شيئًا، ويجب أن يكون المشروط للعامل، وفيه أيضًا إشكال فإنه لم يشترط الربح له وحده، ثم يلزم منه إذا قبل ذلك أن يختلف النصيب بمقدار العملين، وهذا أمر لا ينضبط، وإن كان القراض على أن لا ينفرد أحدهما فهو يشبه ما إذا شرط على العامل أن يراجع رب المال أو شخصًا آخر وهو فاسد.
ونحن نقول: في الصورة الأولى القراض فاسد لا شك فيه فلنخرج هذه الصورة عن إرادة الأصحاب.
وأما في الصورة الثانية فالإشكال الذي ذكرناه فيها يعارضه التعاون والتناصر.
وقد يتجه في مقارضة الرجل الرجلين أن يحمل على كون كل واحد منهما مقارضًا في قسط من المال، وكلام الأصحاب يشير إلى ذلك ثم قال: وقد خرج مما ذكرناه ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يثبت لكل منهما الاستقلال في جميع المال فباطل لا شك فيه.
والثاني: أن يشترط تفاوتهما على العمل في جميع المال، فهذا محتمل كما رددنا القول فيه، والأظهر: البطلان.
والثالث: أن يجعل كلًا منهما عاملًا في شطر المال، وهذا جائز لا يرده راد.
هذا كلام الإمام بحروفه، وهو مشتمل على فوائد، وحاصله أنه مخالف لما أطلقه الأصحاب سواء أكان مرادهم هو الصورة الأولى أم الثانية، ولا شك أن الرافعي وقف على الكلام الأول فاغتر به، ولو تأمله أيضًا لم يقل ما قاله.
نعم كلام الإمام أولًا يدل على أن صورة الاجتماع أولى بالبطلان عند
الأصحاب من الاستقلال، وكلامه أخيرًا فيما اختاره بالعكس.
قوله: فرع: قال المزني في "المختصر" لو دفع إليه ألف درهم، وقال اشتر بها هرويًا أو مرويا بالنصف فهو فاسد.
واختلفوا في تعليقه؛ فالأصح وفي سياق الكلام ما يقتضيه: أن الفساد باعتبار أنه تعرض للشراء دون البيع.
ثم قال: وعن ابن أبي هريرة أن سبب الفساد أنه تردد بين النوعين، ولم يعين واحدا ولا أطلق التصرف في أجناس الأمتعة، واعترض القاضي الحسين عليه بأنه لو عين أحدهما لحكمنا بالصحة، فإذا ذكرهما على الترديد، فقد زاد العامل بسطه وتخييرًا فينبغي أن يصح بطريق الأولى، انتهى كلامه.
وقد استفدنا من مجموع ما ذكره أن صيغة "أو" هنا لا تقدح في هذا العقد على الصحيح، وهذا هو مقتضى كلام النووي أيضًا، وإن كان قد أبطل من زوائده الاعتراض خاصة.
لكن ذكروا في الإجارة أنه لو أجره أرضا ليزرع أو يغرس بطل.
وإن قال إن شئت فازرع وإن شئت فاغرس صح على الأصح، ويتخير المستأجر بينهما. فالقياس إبطاله هنا أيضًا بذلك.