المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: في الأحكام المعنوية - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٦

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العارية

- ‌أركانها

- ‌ أحكامها

- ‌كتاب الغصب

- ‌الباب الأول: في الضمان

- ‌الركن الأول: الموجب

- ‌الركن الثاني: "في الموجب فيه

- ‌الركن الثالث: "في الواجب

- ‌الباب الثاني: "في الطوارئ على المغصوب

- ‌كتاب الشفعة

- ‌الباب الأول: في الأركان

- ‌الباب الثاني: في "كيفية الأخذ

- ‌الباب الثالث: فيما يسقط به حق الشفيع

- ‌كتاب القراض

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في حكم القراض الصحيح

- ‌الباب الثالث: في الفسخ والتنازع

- ‌كتاب المساقاة

- ‌الباب الأول: في أركانها

- ‌الباب الثاني: في أحكام المساقاة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌الباب الأول: في أركانها

- ‌الباب الثاني: في "أحكام الإجارة الصحيحة

- ‌الباب الثالث: في "الطوارئ الموجبة للفسخ

- ‌كتاب الجعالة

- ‌كتاب: إحياء الموات

- ‌الباب الأول: في "رفات الأرض

- ‌الباب الثاني: في "المنافع المشتركة

- ‌الباب الثالث في "الأعيان الخارجة من الأرض

- ‌كتاب الوقف

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في "حكم الوقف الصحيح

- ‌الفصل الأول: في أمور لفظية

- ‌الفصل الثاني: في الأحكام المعنوية

- ‌كتاب الهبة

- ‌الفصل الأول: في أركانها

- ‌الفصل الثاني: في حكمها

- ‌كتاب اللقطة

- ‌الباب الأول: في "أركانها

- ‌الباب الثاني: في "أحكام اللقطة

- ‌كتاب اللقيط

- ‌الباب الأول: في الالتقاط

- ‌الباب الثاني: في "أحكام اللقيط

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الفصل الأول "في بيان الورثة

- ‌ الفصل الثاني في التقديم والحجب

- ‌ الفصل الثالث في "أصول الحساب

- ‌كتاب الوصايا

- ‌الباب الأول: في الأركان

- ‌الباب الثاني: في "أحكام الوصية

- ‌القسم الأول: اللفظية

- ‌ القسم الثاني: في "المسائل المعنوية

- ‌ القسم الثالث: في "المسائل الحسابية

- ‌الباب الثالث: في "الرجوع عن الوصية

- ‌الباب الرابع: في "الوصاية

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب قسم الفيء والغنيمة

- ‌الباب الأول: في الفيء

- ‌الباب الثاني: في قسمة الغنائم

- ‌كتاب قسم الصدقات

- ‌الباب الأول: في بيان أصناف الصدقات

- ‌الباب الثاني: في كيفية الصرف إلى الأصناف

الفصل: ‌الفصل الثاني: في الأحكام المعنوية

قال رحمه الله:

‌الفصل الثاني: في الأحكام المعنوية

قوله: ومنها اللزوم في الحال سواء أضافه إلى ما بعد الموت أم لم يضفه وسواء سلمه أم لم يسلمه. انتهى لفظه بحروفه.

وتعبيره بقوله "سواء" أضافه إلى ما بعد الموت تعبير فاسد، فإن مدلول إضافة الوقف إلى ما بعد الموت أن يقول: وقفته بعد موتي، والوقف لا يحصل بهذا في الحال فضلًا عن كونه لازمًا، بل قالوا: إنه يكون وصية بالوقف، وقد أشار الرافعي بعد ذلك إلى الذي احترز عنه فقال: عقبه وعن أبي حنيفة أن الوقف كالعارية يرجع عنه متى شاء إلا أن يوصي به فيلزم بعد الموت أو يقضي به قاض، وعن أحمد رواية أنه لا يلزم إلا بالتسليم.

هذا لفظه، وحاصله أن الوقف غير لازم، فإن أوصى الواقف باستمراره لزم بموته كسائر الوصايا ولا شك أن الرافعي أشار إلى هذا الكلام لكن عبارته لا تقيده لما قلناه من أن مدلول إضافته إلى ما بعد الموت أن يقول: وقفته بعد موتي، وبتقدير أن يكون المراد هو الوصية فلا يصح أيضًا لأن أبا حنيفة لا يقول بلزومه في الحال أصلًا سواء أوصى به أو لم يوص به فكيف يجيء الاحتراز؟ .

وقد حذف النووي من "الروضة" ذكر هذه المذاهب التي أشار إليها الرافعي بالاحتراز فصار أبلغ في الالتباس من كلام الرافعي.

وقد يجاب عن كلام الرافعي بجواب آخر فيقال: مراده ما إذا أنجز الوقف ولكن علق الإعطاء إلى الموقوف عليه بالموت، فإن صاحب "البيان" قد ذكر في هذا الباب كلاما حاصله جواز مثل ذلك هنا إلحاقا بالوكالة، فإن تعليقها ممتنع وأما تنجيزها وتعليق التصرف فجائز.

ص: 247

قوله: وإن كان الموقوف شجرة ملك الموقوف عليه ثمارها ولا يملك أغصانها، إلا فيما يعتاد قطعه كشجر الخلاف، انتهى.

وما ذكره عن الإقتصار على استثناء ما يعتاد قطعه، تابعه عليه في "الروضة" أيضًا واستثنى الإمام أيضًا ما إذا شرط قطع أغصان الأشجار وهو ظاهر، لأنها تلتحق والحالة هذه بالثمار، وفي معناه ما رواه الروياني عن ابن سريج أنه إن وقف أصل الشجرة دون أغصانها جاز قطعا وبيعها إلا أن الأغصان في المسألة الثانية إذا كانت موجودة حالة الوقف تكون ملكا للواقف فاعلمه.

قوله: وإن كان الموقوف بهيمة ملك صوفها ووبرها ولبنها، ويملك نتاجها أيضًا على الأظهر، وقيل: يكون وقفًا تعبًا لأمه، وقيل: يملك ولد النعم دون ولد الفرس والحمار، وقيل: يكون لأقرب الناس إلى الواقف، ثم قال: وهذا المذكور في الدَّر والنسل هو في ما إذا أطلق، أو شرطهما للموقوف عليه فلو وقف دابة على ركوب إنسان ولم يشترط له الدَّر والنسل، قيل: حكم الدَّر والنسل حكم وقف منقطع الأخير، وقال صاحب "التهذيب": ينبغي أن يكون للواقف وهذا أوجه، فإن الدَّر والنسل غير داخلين في الوقف، انتهى كلامه.

وهو يقتضي جريان الخلاف في كون الولد ملكًا أو وقفًا وإن جعله للموقوف عليه وقد تابعه عليه في "الروضة" وهو غير معقول، بل الصواب في هذه الحالة تمليكه للموقوف عليه، وقد صرح الماوردي [بالمسألة وجعل محل الخلاف](1) في ما إذا وقفها للركوب والحمل، فإن وقف للنسل فيكون ملكا للوقوف عليه قطعًا.

قوله: هذا إذا كلان الوقف مطلقًا، فإن قال: وقفت داري ليسكنها من يعلم الصبيان في هذه القرية، فللمعلم أن يسكنها وليس له أن يسكنها غيره

(1) سقط من أ.

ص: 248

بأجرة ولا بغيرها، ولو قال: وقفت داري على أن تستغل وتصرف غلتها إلى فلان، تعين الاستغلال، كذا ذكرت الصورتان في "فتاوى" القفال وغيره، انتهى.

واعلم أن الرافعي ذكر في كتاب الوصية في القسم الثاني من الباب الثاني مسائل متعلقة بما نحن فيه فقال: أما إذا قال: أوصيت لك بمنافعه حياتك فهو إتاحة وليس تمليك، فليس له الإجارة وفي الإعارة وجهان، انتهى.

والقياس جريان هذين الوجهين أيضًا في الإعارة هنا، ثم قال: ولو قال أوصيت لك بأن تسكن هذه الدار أو بأن يخدمك هذا العبد فهو إباحة أيضًا لا تمليك بخلاف قوله أوصيت لك بسكناها وخدمته هكذا ذكره القفال وغيره، لكنا ذكرنا وجهين في ما إذا قال: استأجرتك لتفعل كذا، أن العقد الحاصل إجارة عين أم إجارة في الذمة؟ فإن قلنا: إنها إجارة في الذمة فينبغي أن لا يفرق ههنا بين قوله: بأن يسكنها، أو بسكناها انتهى وما ذكره القفال من التفرقة بين السكنى، وبين أن يسكن، والرافعي من تخريجه على الخلاف فيأتي أيضًا هنا، ثم قال: أعني الرافعى أيضًا هناك ما نصه: وفي "فتاوى القفال" أنه لو قال: أطعموا فلانا كذا مَنَّا من الخبز مالي، اقتضى تمليكه كما في إطعام الكفارة، ولو قال: اشتروا الخبز واصرفوا إلى أهل محلتي، فسبيله الإباحة، انتهى.

وهذا التفصيل بعينه يأتي أيضًا هنا حتى إذا قال: وقفت داري على أن يشتري بغلتها خبز ويصرف إلى الرباط الفلاني أو الخانقاة لم يجز لأحد التصرف فيه بغير الأكل.

قوله: لا يجوز وطئ الجارية الموقوفة فإن وطئت فلها أحوال:

أحدها: أن يطأها أجنبي فإن كان هناك شبهة فلا حر ويجب المهر،

ص: 249

والولد حر وعليه قيمته وتكون ملكًا للموقوف عليه، إن جعلنا الولد ملكًا، وإلا فيشتري بها عبدًا ويوقف، انتهى.

وما ذكره من شراء العبد قد تبعه عليه في "الروضة"، وهو إنما يتجه إذا كان الولد ذكرًا فإن كان أنثى فيتعين شراء الأنثى كما لو قتل الموقوف، وذلك لأن الأجل على هذا الوجه كون الولد وقفًا، وإنما خالفناه لكون الواطئ معذورا، وإلا فخصوصية العبد لا أثر له.

قوله: الثانية أن يطأها الموقوف عليه ولا شبهة فقد قيل لأحد عليه لشبهة الملك، وهذا ما أورده صاحب "الشامل" والأصح أنه يبني على أقوال الملك أن جعلناه له فلا حد وإلا فعليه الحد ولا غيره يملك المنفعة كما لو أوصى الموصى له بالمنفعة الجارية وهل الولد ملك أو وقف؟ فيه الوجهان في نتاج البهيمة، الأصح: أنه ملك، انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما صححه من البناء على أقوال الملك هو ما صححه القاضي حسين فتبعه المتولي، ثم الرافعي، والمعروف إلحاقه بوطء الشبهة حتى لا يجب الحد، ويكون الولد حرًا، فقد حكاه القاضي الحسين عن أصحابنا، وإن رجح هو خلافه وذهب إليه أيضًا البندنيجي والقاضي أبو الطيب وسليم الرازي وابن الصباغ والروياني، وقال في "النهاية" و"البسيط": إنه المذهب ثم أن الإمام أحمد ممن يقول: إن الملك للموقوف عليه، والإمام مالك يقول: بأنه باق على ملك الواقف واختلاف العلماء من أقسام الشبهة، ويعبر عنه بشبهة الطريق، وقد قال أصحابنا: إن المشتري شراء فاسدا يكون وطئه شبهة لأن أبا حنيفة يقول بالملك، وإن كان لا يبيح الوطء به، والذي قالوه هناك موجود بعينه هنا بل أولى لأن الخلاف في الملك ثابت عندنا أيضًا.

ص: 250

الأمر الثاني: أن ما صححه هنا من وجوب الحد على الموصي له بالمنفعة قد تبعه عليه في "الروضة" أيضًا وخالفا ذلك في كتاب الوصية فصححا عدم الوجوب، وسأذكره في بابه إن شاء الله تعالى.

قوله: ويجوز تزويج الأمة الموقوفة في أظهر الوجهين، وعلى هذا فإن جعلنا الملك للموقوف عليه فهو الذي يزوجها، وإن قلنا: لله تعالى، فيزوجها السلطان فإن الموقوف عليه، وإن قلنا: للواقف، فتزويجها بإذن الموقوف عليه، انتهى.

وهذا الإطلاق قد تبعه عليه في "الروضة" أيضًا ويتجه تخصيصه بما إذا كان النظر في الوقف لمن قبلنا الملك له، فأما إذا شرط الواقف النظر لنفسه، أو لأجنبي فيكون الناظر هو الذي يزوج، كما أنه يؤجر، وقد صرح به الماوردي فقال: يزوجها مستحق الولاية على الوقف وتبعه عليه في "شرح الوسيط".

قوله: فرع: ليس للموقوف عليه أن يتزوج بها إن قلنا إنها ملكه وإلا فقد قيل بزواجه، والظاهر المنع احتياطًا، وعلي هذا فلو قال: وقفت عليه زوجته، انفسخ النكاح، انتهى.

وما ذكره في آخر كلامه من انفساخ النكاح بمجرد هذا القول مخالف لما صححه في "المحرر" من اشتراط القبول وموافق لما رجحه النووي في السرقة، وعلى هذا فلو رد بعد ذلك فيتجه الحكم ببطلان الفسخ ويحتمل خلافه.

قوله: وقبول المتولي للنظر يشبه أن يجيء فيه ما في قبول الوكيل وقبول الموقوف عليه انتهى.

ذكر في "الروضة" مثله لكن الراجح عند الرافعي أن الوكيل لا يشترط فيه القبول باللفظ، وفي الموقوف عليه عكسه، فالجمع بينهما متأتٍ ولا شك

ص: 251

أن شبهه بالوكيل أظهر لاشتراكهما في التصرف ولجواز الامتناع منهما بعد قبولها بخلاف السريع.

قوله: ووظيفة المتولي العمارة والإجارة وتحصيل الريع وقسمتها .. إلى آخره.

سكت رحمه الله عن أمر المتولي على المدرسة هل نترك الطلبة له أو إلى المدرس؟ وقد ذكره الشيخ عز الدين في "القواعد الكبري" فقال: إن ذلك للمدرس لا للناظر، لأنه أعرف بأحوالهم ومراتبهم وسكت عن الصوفية، وفي إلحاقهم بالفقهاء نظر، قال: ويجب تفرقة المعلوم المقرر لهم في مكان الدرس لأنه المألوف ولا يظهر به مراعاة بعضهم في القرب والبعد قال: وعلى المدرس إلقاؤه في الوقت المعهود وهو ما بين طلوع الفجر إلى الزوال.

قوله: فرع: للواقف أن يعزل من ولاه وينصب غيره كما يعزل الوكيل، وكأن المتولي نائب عنه وقيل: ليس له العزل، لأن ملكه قد زال فلا تبقى ولايته عليه ويشبه أن تكون المسألة مفروضة في التولية بعد تمام الوقف دون ما إذا وقف، بشرط أن تكون التولية لفلان، لأن في "فتاوى البغوي" أنه لو وقف مدرسة، ثم قال لعالم: فوضت إليك تدريسها، كان له تبديله بغيره ولو وقفها بشرط أن يكون فلانًا مدرسها، أو قال حال الوقف: فوضت تدريسها إليه، فهو لازم لا يجوز تبديله كما لو وقف على أولاده الفقراء لا يجوز التبديل بالأغنياء، وهذا حسن في صيغة الشرط وغير متضح في قوله وقفتها وفوضت التدريس إليه. انتهى.

قال في "الروضة": هذا الذي استحسنه الرافعي هو الأصح أو الصحيح، ويتعين أن تكون صورة المسألة كما ذكر ومن أطلقها فكلامه محمول على هذا، انتهى كلامه.

ص: 252

فيه أمور:

أحدها: أن الخلاف المذكور في أول كلامه مشكل لا يتصور لأنه علل الثاني منه بعدم الولاية لانتفاء الملك، وحينئذ فنقول لا جائز أن تكون صورة المسألة حال اشتراط النظر له لأجل ما صرح به من انتفاء الولاية ولا جائز أن تكون مع السكوت عنه، لأنه لا ولاية له في هذه الحالة علي الصحيح، وأما مع اشتراط النظر لغيره فواضح.

فتلخص أن ما ذكره من تصحيح جواز العزل والولاية مع التعليل بانتفاء الولاية كلام متهافت.

الأمر الثاني: أن ما نقله عن فتاوى البغوي من أنه إذا قال وقفت بشرط أن يكون فلان مدرسًا، صح كيف يستقيم مع أن هذه الصيغة صيغة شرط وزيد قد يقبل التدريس وقد لا يقبله بخلاف ما لو قال وقفت وشرطت له ذلك فتأمله.

وقد راجعت عبارة البغوي في "فتاويه" فوجدت تعبيره صحيحًا، فإنه عبر بقوله: إذا وقف مدرسة على أصحاب الشافعي وشرط أن يكون [فلان](1) مدرسها، وقال حالة الوقف: فوضت التدريس إلى فلان، فهو لازم لا يبدل المدرس، كما لو قال: وقفت هذا على أولادي الفقراء، هذا لفظه بحروفه، وهو تعبير صحيح منطبق على التعبير الذي ذكرناه وهو أن يقول: وقلت وشرطت له.

الأمر الثالث: أن ما توقف فيه الرافعي -وهو: التفويض حالة الوقف- توقف ضعيف، فإن الكلام بأخره ويوضحه أيضًا ما تقدم نقله عن "فتاوى البغوي" فتأمله.

فتلخص أن ما ذكره البغوي حسن في الثاني غير متضح في الأول وعلى

(1) سقط من ب.

ص: 253

العكس مما ذكره الرافعي.

الأمر الرابع: أن الزيادة التي ذكرها النووي متعلقة بمسألتين.

فأولهما: متعلق بقول الرافعي وهذا حسن إلى آخره.

وأخرهما: وهو قوله: ويتعين متعلق بقوله أولا، ويشبه أن تكون المسألة مفروضة .. إلى آخره.

الخامس: أن ما أطلقه الرافعي من جواز العزل وتبعه عليه في "الروضة"، واقتضى كلامه أنه لا فرق بين أن يكون لسبب أم لا قد ذكر في "الروضة"، من "زوائده" قبيل باب الغنيمة عن الماوردي في نظير المسألة ما يخالفه، فقال: وإذا أراد ولي الأمر إسقاط بعض الأجناد المثبتين في الديوان لسبب جاز، وبغير سبب لا يجوز.

قوله: ولو اختلف أرباب الوقف في مقادير الاستحقاق، أو كيفية الترتيب، أو شرط الواقف ولا بينة جعلت الغَلَّة بينهم بالسوية وحكى بعض المتأخرين أن الوجه التوقف إلى إصطلاحهم وهو القياس. انتهى.

وهذه الحكاية عن بعض المتأخرين قد تابعه عليها أيضًا في "الروضة"، وهو عجيب فقد جزم به الإمام في "النهاية"، ثم إن القسمة بينهم على السواء محلها إذا كان الموقوف في أيديهم، أو لا يد لواحد منهم عليه، أما لو كان في يد بعضهم فالقول قوله، كذا نبه عليه جماعة وتبعه عليهم في "الروضة".

قوله في المسألة: فإن كان الواقف حيًا رجع إلى قوله، كذا ذكره صاحب "المهذب" و"التهذيب"، ولو قيل: لا رجوع إلى قوله كما لا رجوع إلى قول البائع إذا اختلف المشتريان منه في كيفية الشراء، لم يكن بعيدا. انتهى.

وهذا الذي ذكره في "المهذب" و"التهذيب" قد ذكره قبلهما الماوردي وبعدهما الروياني في "البحر"، وصرحوا بأنه يقبل قوله بغير يمين، فتفطن

ص: 254

له.

وزاد الماوردي والروياني فقالا: إذا مات الواقف يرجع إلى ورثته، فإن لم يكن وكان له ناظر من جهة الواقف رجع إليه ولا يرجع إلى المنصوب من جهة الحاكم، فإن وجد -أي الوارث والناظر- واختلفا فهل يرجع إلى الوارث أو الناظر؟ على وجهين.

وحكى العراقي شارح "المهذب" الوجهين في اختلاف الناظر والموقوف عليه، وقد سكت هؤلاء عن تحليف الوارث والناظر، والقياس أنهما كالواقف.

قال النووي: ويرجع إلى عادة من تقدمه من نظار الوقف إن اتفقت عادتهم.

واعلم أن النووي رحمه الله قد صوب ما في "المهذب" و"التهذيب"، وقال: إن الفرق بينه وبين البائع ظاهر.

قوله: من "زياداته": قال الغزالي وغيره: فإن لم يعرف أو باب الوقف جعلناه كوقف مطلق لم يذكر مصرفه فيصرف إلى تلك المصارف، انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن هذه المسألة قد ذكرها الغزالي في "الوجيز" فقال: وإن لم يعرف الأرباب فهو كوقف منقطع الأخير في المصرف هذا لفظه، وقد نسى الرافعي هذه المسألة فلم يشرحها، وقد شرحها في "الشرح الصغير"، فقال: ولو لم نعرف الأرباب فهو وقف منقطع الأخير، وفيه الخلاف الذي سبق وكان يجوز أن يوقف إلى التبين، انتهى.

الأمر الثاني: أن تعبير النووي في ما نقله عن الغزالي بقوله كوقف مطلق تعبير فاسد لم يذكره الغزالي، بل الذي ذكره الغزالي إنما هو إلحاقه بالمنقطع

ص: 255

الأخير كما قدمته لك في أوائل هذه المسألة وحينئذ فيصح على أن الصحيح بخلاف ما ذكره -أعني النووي- من إلحاقه المطلق، فإن الأصح فيه عدم الصحة.

قوله: وإن قلنا: إن المتولي هو الموقوف عليه بناء على أن الملك له ففي تمكنه من الإجارة وجهان، [قال في "التتمة": المذهب منهما هو التمكين انتهى.

وهذا الذي] (1) قاله في "التتمة" هو الصحيح، فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير": إنه أظهر الوجهين، وصححه أيضًا النووي في أصل "الروضة".

قوله: وإذا قتل العبد الموقوف فالفتوى على أنه يشتري بثمنه عبد، فإن فضل شيء من القيمة فهل يعود ملكًا للواقف أم يصرف إلى الموقوف عليه؟ وجهان في فتاوى القفال، انتهى.

قال في "الروضة" الوجهان معًا ضعيفان والمختار أنه يشتري به شقص عبد لأنه بدل جزء من الموقوف، والتفريع على وجوب شراء عبد.

قوله نقلًا عن "الجرجانيات": ثم العبد الذي يجعل بدلًا يشتريه الحاكم إن قلنا: الملك في الرقبة لله تعالى، وإن قلنا: للموقوف عليه، فالموقوف عليه، وإن قلنا: للواقف فوجهان، انتهى.

والأصح منهما أنه الواقف فقد جزم به الرافعي في "الشرح الصغير".

قوله: وهل يصير وقفًا بالشراء أم لابد من عقد جديد؟ حكى الروياني فيه -أي في "الجرجانيات"- اختلافا للأصحاب جاريان في بذل المرهون إذا أتلف. انتهى.

فيه أمور:

(1) سقط من أ.

ص: 256

أحدها: أن الأصح أنه لابد من إنشاء وقف فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير": إنه الأظهر والنووي في "زياداته": إنه الأصح.

الأمر الثاني: أن هذا الكلام يوهم الواقف عليه أن الأصح أيضًا في الرهن أنه لابد من إنشائه وليس كذلك، فقد جزم هو والنووي في أواخر الباب الثالث من كتاب الرهن بأنه يصير رهنًا، بل ترددوا في أنه مادام دينا في الذمة قبل أخذه، هل نحكم عليه بأنه رهن أم لا لكون الديون لا ترهن؟ ورجح النووي من "زياداته" الحكم عليه بذلك، بل لك أن تقول: قد تقرر أن المجزوم به في بابه أنه لا يحتاج إلى إنشاء رهن فذكره للخلاف هنا إن كان نقلًا وعبارته لا تقتضيه فمسلم، وإن كان تخريجًا فهو مردود لأن المأخوذ من متلف الوقف لا يصح وقفه كالنقود، وحينئذ فالمشتري به الوقف قد تقدمت له حالتان يمكن النظر إليهما، فكذلك جاء التردد بخلاف المأخوذ من متلف الرهن، فإنه يصح رهنه.

الأمر الثالث: أن اتلاف الأضحية الواجبة هو من نظائر هذه المسألة، وقد فصل فيه الرافعي، وتبعه عليه في "الروضة" فقال في أول النوع الأول منها: إنه إذا أتلفها متلف فإن اشترى المثل بعين القيمة صار المشتري أضحية بنفس الشراء، وإن اشتراه في الذمة، ونوى عند الشراء أنها أضحية [فكذلك وإلا جعله بعد الشراء أضحية](1) انتهى.

ولم يذكر هذا التفصيل في شيء مما تقدم فتلخص أن أفراد هذه القاعدة قد انقسمت إلى ثلاثة أقسام.

ويتأيد ما ذكره آخرًا وهو التفصيل بما إذا كان عنده نصاب من الأثمان فاشترى به عرضا للتجارة أنه ينبني حولها على حوله إن اشتراه في العين دون الذمة، كما ذكره القاضي الحسين والبغوي ونقله الرافعي عن البغوي،

(1) سقط من أ.

ص: 257

وسكت عليه، وجزم به في "الروضة" فلم يعزه إلى أحد.

قوله: وفي جواز شراء الصغير بقيمة الكبير وعكسه وجهان حكاهما في "الجرجانيات"، انتهى.

قال في "الروضة" أقواهما المنع لاختلاف الغرض بالنسبة إلى البطون من أهل الوقف.

قوله: وإذا قتل العبد الموقوف قتلًا يوجب القصاص، فإن قلنا الملك للواقف أو للموقوف عليه استوفاه، وإن قلنا: لله تعالى، فهو كعبيد بيت المال، والظاهر فيه وجوب القصاص، قاله المتولي. انتهى.

وما نقله عن المتولي قد تابعه عليه في "الروضة"، لكن جزم الماوردي بأنه لا قصاص في نفسه ولا في طرفه لئلا يفوت الوقف وما ذكره ظاهر.

قوله: ولو جفت الشجرة فهل يعود ملكها للواقف؟ فيه وجهان: أصحهما المنع وعلى هذا ففي بيعها وجهان: أحدهما يباع ما بقي لتعذر الانتفاع بشرط الواقف، فعلى هذا الثمن كقيمة المتلف، فعلى وجه يصرف إلى الموقوف عليه ملكا، وفي وجه يشتري به شجرة أو شقص بشجرة من جنسها ليكون وقفًا، ويجوز أن يشتري به ودي يغرس موضعها، انتهى كلامه.

وما ذكره من شراء الودي ذكره صاحب "التتمة" فتبعه عليه الرافعي ثم النووي لكن قد تقدم في المسألة السابقة من كلام النووي ترجيح امتناع شراء الصغير بقيمة الكبير وعكسه، والودي (1) المغروس بمثابة الصغير، بل أولى لأن الصغير ينتفع به من حيث الجملة بخلاف الودي، وهذا الإعتراض ذكره في "شرح الوسيط".

قوله: في المسألة: وأصحهما منع البيع لأنه عين الموقوف والوقف لا يباع ولا يورث على ما ورد في الخبر فعلى هذا وجهان:

(1) صغار النخل.

ص: 258

أحدهما: أنه ينتفع بإجارته جذعًا إدامة للوقف في عينه.

والثاني: يصير ملكًا للموقوف عليه كما ذكرنا في قيمة العبد المتلف، واختار صاحب "التتمة" وغيره الوجه الأول إن أمكن استيفاء منفعته منه مع بقائه.

والوجه الثاني: إن كانت منفعته في استهلاكه وزمانة الدابة الموقوفة كجفاف الشجرة، انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: أن ما ذكره أخذًا من الوجهين المفرعين على منع البيع، إنما يستقيم منه الوجه الأول خاصة، وهو كونه ملكًا للموقوف عليه، فكيف يستقيم مع أن تعليله عدم البيع بأنه عين الوقف والوقف لا يباع ولا يورث؟ يلزم منه أيضًا أن لا يملكه الموقوف عليه ولا غيره، ولاسيما أن تمليكه إياه مجوز للبيع وانتقاله عنه بالإرث وغير ذلك مع أن التفريع علي عكسه.

الأمر الثاني: أن مقتضى ما نقله ترجيح تمليك الموقوف عليه الجذع الذي لا منفعة فيه إلا باستهلاكه، وحينئذ فيكون الراجح أيضًا كذلك في الدابة إذا زمنت فزال نفعها كما لو كانت مثلًا من الذكور لأنه ألحقها بجفاف الشجرة لكنه قد ذكر قبل ذلك بأوراق ما يخالفه فقال في الكلام على أن الموقوف عليه يملك الغلة: ولا يجوز ذبح البهيمة الموقوفة، وإن خرجت عن الانتفاع، كما لا يجوز إعتاق العبد [لكن](1) إذا صارت بحيث يقطع بموتها لو لم تذبح.

قال في "التتمة": يجوز ذبحها للضرورة ويباع اللحم في أحد الطريقين، ويشتري به بهيمة من جنسها وتوقف، وفي الثاني إن قلنا: إن الملك في الوقف لله تعالى، فعل الحاكم ما يرى فيه من المصلحة.

(1) مسقط من ب.

ص: 259

وإن قلنا: إنه للواقف أو الموقوف عليه صرف إليهما.

الأمر الثالث: أن موافقة النووي على جعله للموقوف عليه إذا كانت منفعته في استهلاكه لا يستقيم على قاعدته، فقد سبق من "زوائده" في ما إذا قتل العبد الموقوف ما يستلزم تصحيح عكسه فراجعه.

الأمر الرابع: وقد نبه عليه في "الروضة" أن أحكام الشجرة إنما تأتي في الدابة إذا كانت مأكولة، فإن لم تكن فإن البيع لا يأتي إلا على وجه ضعيف لقصد جلدها.

لا جرم أن في بعض النسخ وزمانة العبد الموقوف وهو صحيح لكن في أكثرها، وفي "الروضة" وزمانة الدابة كما تقدم.

الأمر الخامس: لقائل أن يقول: ما الفرق بين امتناع بيع الشجرة الغادمة النفع وبين جواز بيع حصير المسجد الموقوفة ونحوها مما سيأتي قريبا؟

قوله: وأستار الكعبة إذا لم يبق فيها منفعة ولا جمال .. إلى آخره.

هذه المسألة فيها كلام سبق ذكره في الحج في آخر باب محرمات الإحرام.

قوله: إن لم يخف من أولي العرامة.

هو بالعين والراء المهملتين -أي أولى الفساد.

قوله: جميع ما ذكرناه في حصير المسجد ونظائرها هو فيما إذا كانت موقوفة على المسجد، أما ما اشتراه الناظر للمسجد أو وهبه له واهب، وقبله الناظر فيجوز بيعه عند الحاجة بلا خلاف لأنه ملك حتى إذا كان المشتري للمسجد شقصًا كان للشريك الأخذ بالشفعة، ولو باع الشريك فللناظر الأخذ بالشفعة عند الغبطة هكذا ذكروه، انتهى كلامه.

وما ادعاه رحمه الله من عدم الخلاف قلد فيه صاحب "التتمة" وتابعه عليه في "الروضة" أيضًا وليس كذلك، فقد جزم العمراني في "البيان"

ص: 260

بخلافه فقال: كل ما اشترى للمسجد من الحصر والخشب والآجر والطين لا يجوز بيعه لأنه في حكم المسجد، هذا كلامه.

ثم إن الذي سبق محله إذا لم يقفه فأما إذا وقفه فإنه يصير وقفا بلا نزاع، وتجري عليه أحكام الوقف، وقد استدركه عليه النووي.

قال رحمه الله: وهذه مسائل وفروع زائدة.

منها: عن الشيخ أبي محمد أنه وقع في الفتاوى، زمن الأستاذ أبي إسحاق أن رجلًا قال: وقفت داري هذه على المساكين بعد موتي، فأفتى الأستاذ بصحة الوقف بعد الموت، وساعده أئمة الزمان وهذا كأنه وصية، يدل عليه أن في "فتاوى القفال" أنه لو عرض الدار على البيع صار راجعًا، انتهى كلامه.

وما تفقه فيه الرافعي من كونه وصية ذكره في "التتمة": وصرح به ابن الصلاح إلا أنه خلاف المنقول عن الأستاذ ومن ساعده وهم أهل الزمان، فقد قال الإمام في "النهاية" ما نصه: أفتى الأستاذ بأن الوقف يقع بعد الموت وقوع العتق في المدبر بعد الموت وساعده أئمة الزمان وهذا تعليق علي "التحقيق" هذا لفظ الإمام.

والحاصل أن الرافعي قد حصل له ذهول في أمرين تابعه عليهما في "الروضة":

أحدهما: في حمل كلام الأستاذ والأئمة.

والثاني: في ذهوله عن المنقول في وفق ما أثبته بحثًا.

قوله: وفيها -يعني: في "فتاوى القفال"- أنه لو قال: جعلت داري هذه خانكاه للغزاة، لم يصر وقفًا بذلك، انتهى.

واعلم أنه قد تقدم في الباب الأول أنه إذا قال: جعلت داري مسجدًا، صارت مسجدًا على الأصح، فليكن ما قاله القفال هنا جوابًا على الوجه المرجوح هناك وهذا الموضع قد تقدم الوعد بذكره، والخانكاة بالكاف وهو

ص: 261

مركب من لفظ خان اسم.

قوله: نقلا عن "الفتاوى" المذكورة: وإنه لو قال: وقفت هذه البقرة على الرباط الفلاني ليشرب من لبنها من نزله، أو ينفق من نسلها عليه صح، وإن اقتصر على قوله: وقفتها، لم يصح وإن كنا نعلم أنه يريده لأن الاعتبار باللفظ، وأنه لو وقف داره على المسجد الفلاني لم يصح حتى يبين جهة مصرفه، ومقتضي إطلاق الجمهور صحته، انتهى.

واعلم أن المسألتين متشابهتين في المعنى والظاهر أن ما نقله الرافعي عن الجمهور عائد إليهما، فلذلك أخره عنهما، وقد ذكرهما النووي مفترقتين في الباب الأول وذلك يوهم موافقة القفال على إحداهما دون الأخرى، وهو بعيد فاجتنب ذلك واحذره.

قوله: وإذا وقف شجرة، ففي دخول المغرس وجهان، وكذا حكم الأساس مع البناء، انتهى.

والمراد بالأساس الأرض الحاملة للبناء فافهمه.

قوله. ولو وقف على مصلحة المسجد لم يجز النقش والتزويق، لكنه لو تعدى وفعله مع القول بأنه لا يجوز لم يغرم شيئًا، كذا جزم به البغوي في "فتاويه" فتفطن له.

وقد وقع في كلام الرافعي هنا لفظ البواري وهو جمع بارية بالباء الموحدة والياء المشددة بنقطتين من تحت نوع ينسج من القصب كالحصر.

قوله: ولو وقف على النقش والتزويق يعني للمسجد، ففيه وجهان قريبان من الخلاف في جواز تحلية المصحف، انتهى كلامه.

وقد اختلف تصحيح النووي في هذه المسألة فقال من "زياداته" هنا: الأصح أنه لا يصح لأنه منهي عنه، وجزم في "شرح المهذب" في زكاة الذهب والفضة بالصحة، وقد تقدم الكلام على المسألة هناك مبسوطًا

ص: 262

فراجعه.

قوله: لا يجوز قسمة العقار الموقوف من أرباب الوقف، وقال ابن القطان: إن قلنا: القسمة إقرار، جاز، فإذا انقرض البطن الأول، انتقضت القسمة، انتهى كلامه.

وقد نبه الرافعي في كتاب القسمة على أن ما قاله ابن القطان تفريع على أن الملك في الوقف للموقوف عليه، وحكى هناك خلافا في قسمة الوقف عن الطلق وأشعر نقله برجحان الجواز، وصرح به في "الروضة" من "زوائده"، فاعلم ذلك كله.

قوله: وإن انكسر الطنجير والمرجل الموقوفان إلى آخره.

الطنجير: بكسر الطاء، قاله الصنعاني، وهو عجمي مُعَرَّب، والمراد به: الدست.

والمرجل بكسر الميم وبالجيم هي القدر.

قوله: من زوائده: الأصح أنه لا يعطي من وقف الفقراء لفقيرة لها زوج يمونها ولا إلى [المكفى بنفقة أبيه](1)، قال صاحب "المعاياة": ولو كان له صنعة يكتسب بها كفايته ولا مال له استحق من الوقف باسم الفقر قطعًا، وفي هذا الذي قاله احتمال، انتهى كلامه.

واعلم أن في كلام الرافعي في قسم الصدقات ما يخالف هذا، فإنه بعد ذكره للمكفى بنفقة غيره ويكسبه، قال ما نصه: ومن قال الأول وهو الصحيح منع هذا، وقال: الاستحقاقان منوطان بالفقر فوجب التسوية بين البابين كما أن الوصية لأبناء السبيل محمولة على ما يحمل عليه ابن السبيل في آية الزكاة.

هذا لفظه، وحاصله أن البابين متساويان فما منع في أحدهما منع في

(1) سقط من أ.

ص: 263

الآخر لأن مدلولات الألفاظ لا تختلف باختلاف الأبواب، وحذف في "الروضة" هذا الكلام وما ذكره في "الروضة" عن الجرجاني وتوقف فيه، قد جزم به أيضًا الماوردي في "الحاوي" وحكى الروياني في "البحر" فيه وجهين على وفق الاحتمال الذي قاله النووي.

قوله: وسئل الحناطي عن شجرة تنبت في المقبرة هل للناس الأكل من ثمارها؟ فقال: قد قيل يجوز والأولى عندي صرفها إلى مصالح المقبرة، وسئل أيضًا عن رجل غرس شجرة في المسجد كيف يصنع بثمارها؟ قال: إن جعلها للمسجد لم يجز أكلها من غير عوض، ويجب صرف عوضها في مصالح المسجد، ولا ينبغي أن تغرس الأشجار في المساجد، انتهى كلامه.

أما المسألة الأولى فواضحة إلا أن النووي قد قال من "زوائده": إن المختار جواز الأكل.

وأما المسألة الثانية وهي غرسها في المسجد فقد أقره أيضًا النووي كما أقره الرافعي، وزاد -أعني النووي- أنه يجوز الأكل أيضًا إذا غرسها مسبلة، وكذا إن جهلت نيته حيث جرت العادة بالأكل وفي ما أقره أمران:

أحدهما: أن المغروس كيف يخرج عن ملك الغارس بلا لفظ، وقد سبق أنه لو بنى مسجدا لم يخرج عن ملكه بذلك بل لابد من اللفظ.

الأمر الثاني: أن الرافعي قد ذكر في أركان الوقف أنه إذا وقف على المسجد لا يحتاج إلى القبول وإن ملكه فلابد من قبول الناظر عليه.

إذا علمت ذلك فتحتاج المسألة إلى تصوير وهو أن غرسها له هل هو على جهة الوقف أو الملك؟ فإن كان الأول فقد يقال بصحته، وإن لم يوجد لفظ وفيه تعد، وإن كان الثاني وهو المتجه من جهة المعنى، والظاهر من عبارته حيث قال غرسها للمسجد، فإن الموقوف ليس ملكا للموقوف عليه، بل ملكًا لله تعالى فلابد فيه من قبول الناظر على ما سبق.

ص: 264

وقد ذكر الرافعي في أوائل الهبة ما يشكل على هذه المسألة، فقال غرس أشجارًا وقال عند الغرس: أغرسه لابني لم يصر للابن ولو قال: جعلته لابني وهو صغير صار للابن، لأن هبته له لا تقتضي قبولًا بخلاف ما لو جعله لبائع، كذا قاله الشيخ أبو عاصم، وهو ملتفت إلى الانعقاد بالكنايات، وإلى أن هبة الأب لابنه الصغير يكفي فيها أحد الشقين هذا كلامه فلم يكتف بالغرس للابن واشترط اللفظين مع أن الابن أولى لأنه قادر على التمليك والقبول بخلاف المسجد، فإنه قادر على التمليك دون القبول، فظهر بذلك رجحان اشتراط اللفظ في مسألتنا نقلًا ومعنى على خلاف ما دل عليه كلامهما خصوصًا النووي، فإن تعبيره بقوله فإن جهلت نيته صريح في خلاف ما قلناه ولا وجه إلا ما ذكرناه، ولعلنا نزداد فيها إن شاء الله تعالى علمًا.

وأما قول الرافعي: ولا ينبغي أن يغرس الأشجار في المساجد فليس فيه ما يدل على أن ذلك محرم أو مكروه، وقد سبق بيانه في آخر شروط الصلاة فراجعه.

وقد بسط الغزالي هذه المسألة فقال: إن غرس لنفسه منع منه، والثمرة له وعليه قلعه والأجرة للمسجد، ويجوز الأكل منها بإذنه في حياته، فإن مات قبل أداء الأجرة تعلقت بالشجرة والثمرة، وصارا مرتهنين فلا يجوز الأكل بالإذن المتقدم وإن غرس للمسجد على أن يصرف الثمرة في مصالحه لم يجز إلا أن يكون المسجد واسعًا ويكون فيها فائدة الاستظلال بها ولم يكن فيه ما يجمع الطيور فتحبس المسجد فرخص فيه كما في السقيفة، وإن قصد أن يكون وقفًا على قوم لا تعلق لهم بالمسجد منع كما لو غرس لنفسه وإن قصد أن يكون وقفا على المجاورين والمصلين فهذا له تعلق بالمسجد فيحتمل جوازه، وإن لم يعرف قصده جعل كأنه غرسه لنفسه حتى يأتي فيه ما سبق من القلع وغيره ويباع ويرد ما فضل على أجرته إلى المالك أو وارثه، فإن لم

ص: 265

يكن له وارث فيؤخذ للمسجد بدل ما وجب من الأجرة فإن فضل شيء، أو لم يكن بقى من الأجرة شيء فهو مال المصالح، فإن رأى القاضي المصلحة في أن يتركه ويجعل وقفا للمسجد فله ذلك، وإن كان في المصالح ما هو أهم من المسجد، وكان للمسجد فائدة في بقائه للاستظلال ورأى إبقاءه ليأخذ للمسجد من مغله قدر الأجرة ويصرف الباقي إلى المصالح، فهذا قد تصادم فيه محظوران قلعه مع أن فيه فائدة الاستظلال وبقاؤه بالأجرة، وهو يشبه الإجارة، واللائق بالمصلحة الرخصة بالإبقاء إذ لا فائدة للمسجد في القلع.

ص: 266