الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: في "أحكام الإجارة الصحيحة
"
قوله: فلو استأجر للرضاع والحضانة وقلنا: إن الاستئجار لأحدهما يستتبع الآخر فانقطع اللبن، إلي آخر ما قاله.
وهذه المسألة سبق الكلام عليها في الباب الأول.
قوله: وفي وجوب الصبر على الوراق ثلاثة طرق أشبهها: الرجوع فيه إلى العادة، فإن اضطربت وجب البيان وإلا بطل.
وأشهرها: القطع بأنه لا يجب عليه.
والثالث: أنه علي الخلاف في استتباع الحضانة اللبن، انتهى ملخصا.
واقتصر في ["الشرح الصغير" على ترجيح الأول وعبر بالأشبه كما عبر به ههنا. واقتصر](1)، في "المحرر" على ترجيح عدم الوجوب فإنه ذكر أنه المشهور، كما ذكره في "الكبير" وارتضاه وعبر في "الروضة" عن قول الرافعي الأشبه الرجوع إلى العادة بقوله الأصح، واستدرك في "المنهاج" على "المحرر" وصحح العرف.
قوله: وإذا غصب العين المستأجرة وقدر المالك على نزعها ففي وجوبه القولان في العمارة، انتهى.
زاد النووي على هذا فقال: قلت ينبغي أن يكون الأصح وجوب النزع والله أعلم.
وما ذكره هنا من زياداته، قد ذكر في آخر كتاب الإجارة ما يخالفه.
فقال من زياداته أيضًا: الثانية لا يلزم المؤجر أن يدفع عن العين المستأجرة الحريق والنهب وغيرهما وإنما عليه تسليم العين ورد الأجرة إن
(1) سقط من ب.
تعذر الاستيفاء بخلاف المستأجر إذا قدر عليه من غير خطر، فإنه يلزمه كالمودع.
قوله: المسألة الثانية: تطهير الدار عن الكناسة والأنون عن الرماد في دوام الإجارة على المستأجر لأنهما حصلا بفعله، وكسح الثلج عن السطح من وظيفة المؤجر لأنه كالعمارة ثم قال: وأما الثلج في عرصة الدار فإن خف ولم يمنع الإنتفاع فهو ملحق بكنس الدار، وإن كثف فكذلك على الظاهر. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن المراد بإلحاق الثلج بالكناسة إنما هو في عدم الوجوب على المؤجر حتى لو امتنع المستأجر أيضا من إزالته لم يكلف ذلك قطعًا.
وكيف يعقل تكليفه بإزالة ما لم يصدر منه وهو واضح، وقد توهم الرافعي أن المراد إيجابه، على المستأجر فبنى عليه بحثًا.
فإنه قال بعد ذلك: ويلزم المستأجر بعد انقضاء المدة التطهير من الكناسة، وفسروها بالقشور وما سقط من الطعام ونحوه دون التراب الذي يجتمع بهبوب الرياح لأنه حصل لا بفعله، لكن قد مر في ثلج العرصة أنه لا يجب على المؤجر بل هو كالكناسة مع أنه حصل لا بفعله فيجوز أن يكون التراب أيضا كالكناسات في إنهاء الإجارة، وإن حصل لا بفعله، انتهى كلامه.
فانظر كيف حاول الوجوب في التراب على المستأجر كما يجب في الكناسة، واستند في ذلك إلى أن ثلج العرصة يجب عليه إزالته لكونهم قالوا: لا يجب على المؤجر، وما قاله خطأ كما تقدم وقد نبه عليه أيضا النووي من "زياداته".
الأمر الثاني: أن الرافعي حكى وجهين في تنقية البالوعة والحش ونحوهما في دوام الإجارة.
أحدهما: أن التفريع على المؤجر تمكينا من الانتفاع وأظهرهما على المستأجر لأن الإمتلاء يحصل بفعله انتهى.
والتعليلان موجودان في الكناسة والرماد فيلزم جريانهما.
قوله: وهل للمالك منع المستأجر من زراعة الزرع المعين ابتداء إذا ضاق الوقت؟ فيه وجهان، انتهى.
لم يصحح أيضًا شيئًا في "الشرح الصغير" ولا ذكر لها في "المحرر"، والصحيح عدم المنع كذا صححه في "الروضة".
قوله: الثالثة إذا استأجر لبناء والغراس فإن شرطا القلع بعد المدة صح، وإن شرطا الإبقاء فوجهان: أحدهما أن العقد فاسد بجهالة المدة، وهذا أرجح في إيراد جماعة منهم الإمام وصاحب "التهذيب".
والثاني: يصح لأن الإطلاق يقتضي الإبقاء فلا يضر شرطه، وهذا ما أجاب به العراقيون كلهم أو معظمهم، انتهى كلامه.
لم يصرح النووي أيضا بتصحيح في "الروضة" وقد صرح برجحان الثاني في "الشرح الصغير" فقال: وأرجحهما الصحة هذا لفظه.
قوله: وإن لم يشترطا إبقاء ولا قلع لم يقلع مجانًا، بل بأي شيء فيه ما سبق في العارية ثم قال: وإذا عين المؤجر خصلة فامتنع المستأجر، ففي إجباره ما ذكرناه في إجبار المستعير، فإن أجبر كلف تفريغ الأرض مجانا وإلا لم يكلف، بل هو كما لو امتنع المؤجر عن الإختيار، وحينئذ يبيع الحاكم الأرض وما فيها أو يعرض عنهما، فيه خلاف قد مر ويخرج من ذلك عند الاختصار وجهان كما ذكر في الكتاب:
أحدهما: يكلف ذلك لرد الأرض كما أخذ.
وأقيسهما: المنع ولا يبطل حقه من العوض بامتناعه. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن الذي أحال عليه، وهو حكم العارية مضطرب اضطرابًا شديدا سبق إيضاحه.
الثاني: أن ما ذكره في آخر كلام من خروج وجهين، كما في الوجيز غير منتظم، فإنه قدم أنا إن أجبرناه كلف التفريغ مجانا وإلا فلا فإن أراد أن ذلك الحكم يختلف باختلاف الحال كما ذكره في العارية فمن أين الخلاف، وإن كان مراده أن لنا خلافًا في الإجبار، إذا عين المؤجر خصلة، ويصير الأمر كما لو لم يجيز شيئًا فليس كذلك في العارية.
ذكروا أيضًا فقوله كما ذكر في الكتاب لا يطابق هذا، فإن الغزالي إنما حكى الوجهين على قولنا بالإجبار على إجابة المؤجر في أنه هل يجب الأرش أم لا؟
قوله: وعن "البويطي" أنه لا يجوز العدول إلى غير الزرع المعين فمن الأصحاب من قال: إنه قول للشافعي [رواه، ومنهم من قال: إنه رأى رآه، انتهى.
وهذا الذي رواه عن "البويطي" بصيغة التعريض ويوقف في أنه هل هو مذهبه، أو قول للشافعي] (1) قد صرح به في "البويطي" وجعله من كلام الشافعي فقال: وإن كان زرع بعينه سماه، فليس له أن يزرع في أرضه غير الزرع الذي سمي له، ويجعل لكل ذلك مدة، وقد قيل له أن يزرعها غير ما سمى له إذا كان أنفع للأرض مما شاء.
هذا لفظه لكن ههنا فائدة ينبغي أن تعلمها وهي أن "البويطي" قد روى قولا آخر عن الشافعي أنه يجوز ذكره بعد هذا بدون الصفحة في النسخة التي وقفت عليها.
فقال ناقلًا عن الشافعي ما نصه: قال: وإن كاري أرضًا على أن يزرعها
(1) سقط من ب.
حنطة فزرعها شعيرًا وهو أنفع للأرض لم يكن له أن يمنعه بشرطه عليه لأنه ينفعه هذا لفظه.
قوله: ولو قال أجرتكها لتزرع هذه الحنطة ففي صحة العقد وجهان: أحدهما: المنع لأن تلك الحنطة قد تتلف فيتعذر الزراعة.
والثاني: يصح، ولا تتعذر الزراعة بتلف الحنطة، انتهى.
والأصح كما قاله في "الروضة" هو الصحة لأن الزراعة لا تتعذر بتلف الحنطة.
قال: ولو تعذرت لم يكن إحتمال التلف مانعا كالاستئجار لإرضاع هذا الصبي، ولم يتعرض للمسألة في "المحرر" ولا في "الشرح الصغير".
قوله: ولو قال: لتزرع الحنطة ولا تزرع غيرها ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يفسد لأنه ينافي مقتضاه، قال ابن كج والروياني: إنه المذهب.
والثاني: واختاره الأمام أنه يصح العقد ويفسد الشرط لأنه لا يتعلق به غرض صحيح.
والثالث: يصحان، انتهى ملخصًا.
لم يذكر في "الشرح الصغير" ترجيحا إلا للوجه الثاني فإنه نقل رجحانه عن الإمام كما نقله ههنا.
فقال في "الروضة" من زياداته: الأقوى بطلان العقد غير أنه قد وقع له ههنا غلط، وهو أنه صورها في ما إذا أشار إلى حنطة معينة وقال: لتزرع هذه الحنطة دون غيرها، ولم ينقل الرافعي الأوجه في الصورة التي ذكره هو في الإشارة إلى معينة، بل جزم فيها بالبطلان نقلا عن "التهذيب".
وقد يحث في "الشرح الصغير" في مجيء الوجهين فقال: ويشبه أن يجيء فيها الوجهان الأخيران.
قوله: في أصل "الروضة": فرع: إذا تعدى المستأجر للحنطة فزرع الذرة ولم يتخاصما حتى انقضت المدة، وحصد الذرة، فالمذهب وهو نصه في "المختصر" أن المؤجر بالخيار بين أن يأخذ المسمى ويدل النقصان الزائد بزراعة الذرة على ضرر الحنطة، وبين أن يأخذ أجرة المثل لزرع الذرة.
وقال كثيرون في المسألة قولان إلى آخره.
اعلم أن هذه الطريقة الثانية هي المرجحة في الرافعي.
وعبر بقوله: أشهرهما على قولين، ثم إنه ذكر بعد ذلك أن طريقة القطع أوفق لظاهر النص وهذا لا يقتضي تصحيح هذه الطريقة، فإن كونها أقرب إلي ظاهر النص لا ينافي كون الصحيح عند الأصحاب خلافها، ولأجل ذلك اقتصر في "الشرح الصغير" على تصحيح تلك الطريقة أعني طريقة القولين.
ونقلها ابن الرفعة في "الكفاية" عن تصحيح الرافعي ومراده في "الشرح الكبير" كأنه الذي ينقل عنه وأما "الصغير" فإنه لم يقف عليه.
قوله: وفي السرج عند أكبر الفرس للركوب وجوه، ثالثها إتباع السادة، انتهى.
لم يصحح شيئا في "الشرح الصغير" أيضًا ورجح في "المحرر" إتباع العرف.
فقال: إنه الأشبه، ونقله عنه في "الروضة" مقتصرًا عليه، وعبر عنه بالأصح.
قوله: في "الروضة": أما ما هو للتسهيل على الراكب، كالمحمل والمظلة، والوطاء والغطاء الحبل الذي يشد به المحمل على البعير والذي يشد به أحد المحملين إلى الآخر فعلى المستأجر والعرف مطرد به.
وفي "المهذب" وجه في الحبل الذي يشد به أحدهما إلى الآخر أنه على
المستأجر، وهو شاذ. انتهى كلامه.
وتعبيره في آخر كلامه بالمستأجر رأيته أيضًا بخطه وهو سهو، والصواب المؤجر. وعبارة الرافعي صحيحة.
قوله: وأما شد أحد المحملين إلى الآخر هل هو على المؤجر كالشد علي الحمل أو على المستأجر لأنه إصلاح ملكه؟ فيه وجهان. انتهى ملخصًا.
ذكرهما الرافعي أيضًا بعد ذلك في الكلام على إعانة الراكب، ولم يصحح منهما شيئًا أيضًا، والراجح أنه يجب على المؤجر.
كذا رجحه هناك في "الشرح الصغير" فقال: بعد أن عدد ما يجب عليه، وفي شد أحد المحملين إلى الآخر وهما بعد على الأرض وجهان أشبههما لزومه أيضًا.
وقال في "الروضة" من زياداته أيضًا إنه الأصح.
قوله: وإذا اعتيد النزول للإراحة، ولم يتعرضا له في العقد، فلا يجب على المرأة والمريض وفي الرجل القوي وجهان، وحكم النزول عند العقبات الصحاب كذلك أيضًا. انتهى ملخصًا.
قال في "الروضة": ينبغي أن يكون الأصح: الوجوب عند العقبات دون الإراحة.
قال: ثم الكلام مفروض في طريق يعتاد النزول فيه لإراحة الدابة، فإن لم يكن معتادا لم يجب مطلقًا.
قال: والشيخ العاجز كالمريض والمرأة كما قاله الأصحاب.
قال: وينبغي أن يلحق بهم من كانت له وجاهة ظاهرة وشهرة يخل المشي بمروءته في العادة.
قوله: وإن اكتراها للحج عليها ركبها إلي منى ثم إلى عرفات، ثم إلى
المزدلفة، ثم إلى منى، ثم إلى مكة للطواف.
ثم قال ما نصه: وهل يركبها من مكة إلى منى للرمي والطواف؟ فيه وجهان، هذا لفظه، وفيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره من العود إلى الطواف، قد تبعه عليه في "الروضة" وهو سهو إذ لا طواف إلا بالبيت، ولا طواف في منى، وأيضًا فإنه لم يبق من الأطوفة إلا طواف الوداع.
ولا يصح القول بوجوبه على المؤجر لأنه إذا تحلل التحللين فقد انتهى الحج، والذي يظهر أن الرافعي قصد التعبير بالمبيت فسبق العلم إلى الطواف.
الأمر الثاني: قال في "الروضة" وينبغي أن يكون الأصح من الوجهين المذكورين هو الوجوب لأن الحج لم يفرغ.
قوله: وإذا استأجر ثوبا للبس لم ينم فيه ليلا، وفي وقت القيلولة وجهان: أصحهما أن له ذلك، وهو الذي أورده الأكثرون، انتهى.
والتقييد بوقف القيلولة يوهم أن النوم في غيره مخالف له وليس كذلك، فإن الأكثرين كما قاله في "الروضة"، قالوا: يجوز النوم فيه بالنهار من غير تقييد بالقيلولة.
قال لكن ضبطه الصيمري فقال: إن نام ساعة أو ساعتين جاز لأنه متعارف، وإن نام أكثر النهار لم يجز.
قوله: والمنفعة المطلوبة بالعقد لها مستوف ومستوفى منه، ومستوفي به، فأما المستوفى فهو المستحق الاستيفاء فله أن يبدل نفسه بغيره في الركوب والسكنى، وكذلك إذا استأجر دابة لحمل القطن فله حمل الصوف والوبر، أو لحمل الحديد فله حمل الرصاص، وأما المستوفى منه فكالدار والدابة المعينة فلا يجوز إبداله.
وأما المستوفي به فكالثوب المعين للخياطة وفي إبداله وجهان: أصحهما الجواز لأنه طريق، فأشبه الراكب والمتاع المعين للحمل، انتهى.
وتمثيله للقسم الأول بالحمل وقع أيضًا في "الروضة" وليس بصحيح، بل هو من القسم الثالث بلا شك، فإن قيل: كونه من الثالث واضح ولكن كيف نقيسه عليه، فالجواب أن هذا الفرد، متفق عليه، فلذلك قاس عليه الباقي كذا نقله الرافعي في الباب الثالث فقال: وبين الشيخ أبو علي محل الخلاف.
فقال: محله إذا التزم في ذمته خياطة ثوب معين أو حمل متاع معين، أما لو استأجر دابة معينة لركوب أو حمل متاع فلا خلاف في جواز إبدال الراكب والمتاع.
وفرق بأن العقد والحالة هذه يتناول المدة بدليل استقرار الأجرة بتسليمها وإن لم يركب إلى آخره، فهذا عذر الرافعي عن الثاني خاصة لكنه لا يعرف إلا بتوقيف فكان الصواب أن يبين حاله، ثم يقيس عليه.
قوله: وهل يضمن ما يتلف في يده بعد مضي المدة؟ ينبني على وجوب الرد على المستأجر وفيه وجهان:
أصحهما عند الغزالي: أنه لا يجب وإنما عليه التخلية.
وأقربهما إلى ظاهر كلام الشافعي، واختاره الأصطخري: أنه يلزمه الرد مؤنته، انتهى ملخصًا.
وما ذكره ههنا فيه إشعار برجحان الثاني لكنه خالفه في موضعين من هذا الكتاب:
أحدهما: في البيع في الكلام على حكم المبيع قبل القبض.
والموضع الثاني: في كتاب العارية، وقد تقدم ذكر عبارته في الموضعين، وخالفه أيضًا في "المحرر" فقال: إنه الأظهر للوجهين.
وتبعه النووي على هذه المواضع، ولم يذكر في "الشرح الصغير" ترجيحًا إلى ترجيح الغزالي فقط.
قوله: قال القاضي أبو الطيب ولو شرط عليه الرد لزمه بلا خلاف، ومنعه ابن الصباغ وقال: من لا يوجبه عليه ينبغي أن لا يحرر شرطه. انتهى.
تابعه في "الروضة" عليه، وهو يقتضي إقرار القاضي على نفي الخلاف، وأنه ليس في المسألة نزاع إلا ما ذكره ابن الصباغ بحثًا وهو غريب فقد صرح العبادي في "الزيادات" بالخلاف في المسألة وهما ينقلان منه كثيرًا.
فقال: إنها فاسدة عندنا، يعني عند المراوزة خلافًا للإصطخري.
قوله: والأجير المشترك هو الذي ينتقل العمل في ذمته، والمنفرد هو الذي أجر نفسه مدة معلومة، انتهى.
والحدان المذكوران لا يوجد منهما الحكم في إجارة العين، بل الأول يقتضي أنه منفرد، والثاني يقتضي أنه مشترك.
قوله: وقيل: المشترك هو الذي شاركه في الرأي فقال: اعمل في أي موضع شئت، والمنفرد هو الذي عين عليه الموضع، انتهى.
وتخييره في الموضع لا مشاركة فيه في الرأي إنما الشريك في الأمكنة بمعنى عدم التخصيص.
لا جرم أن الإمام لم يفسر بذلك، بل عبر بقوله: من لا يتعين لعمله مكان، والغالب أن الرافعي إنما أخذه منه.
قوله: وحيث قلنا بوجوب الضمان على الأجير فالواجب أقصى قيمته من يوم القبض إلي يوم التلف، أم قيمة يوم التلف فيه وجهان، انتهى.
والأصح هو الثاني: كذا صححه النووي في "الروضة".
قوله: وإن أتلف أجبني الثوب المقصور في يد الأجير، وجعلنا القصارة
عيبا، وفسخ غرم الأجنبي الثوب لمالكه غير مقصور، وقيمة القصارة للأجير، انتهى.
لم يبين المراد من قيمة القصارة وقد بينها في "النهاية" فقال: قيمة الثوب عشرة والأجرة المسماة درهم، والثوب المقصور قيمته خمسة عشر وأجرة مثل القصارة نصف، فالذي قطع به الأئمة قاطبة أنه لا يغرم للقصارة خمسة بل يرجع بمقدار أجرته.
ثم المسألة محتملة فيجوز أن يقال يستحق مقدار المسمى، فكأن ذلك القدر رجع إليه بالفسخ، ويجوز أن يقال يطالب بأجرة مثله فإن الشيخ أسقط اعتبار المسمى، هذا كلامه.
وعدم المطالبة بالخمسة مشكل لأنه أتلف ما قيمته خمسة عشر بدليل المطالبة بها لو لم يفسخ، فينبغي توزيعها عليها بالنسبة.
قوله: فرع: سلم ثوبًا إلي فصار ليقصره فجحد ثم أتى به مقصورًا، إستحق الأجرة إن قصره ثم جحده، وإن جحد ثم قصر فوجهان: وجه المنع أنه عمل لنفسه وخرج الصيدلاني الوجهين على القولين في أن الأجير على الحج إذا صرف الإحرام إلى نفسه، هل يستحق الأجرة؟ انتهى.
والصحيح في مسألة القصارة هو الاستحقاق فإن الرافعي لما حكى القولين في الحج قال ما نصه: وأصحهما: أنه يستحق لصحة العقد في الابتداء، وحصول غرض المستأجر وهذا الخلاف يجري في ما إذا دفع ثوبًا إلى صباغ ليصبغه فأمسكه لنفسه وجحده وصبغه لنفسه ثم رده، هل يستحق الأجرة، وعلى هذا نظائر.
ثم قال: فإن قلنا بالإستحقاق فالأصح وجوب المسمى، وقيل أجرة المثل، انتهى كلام الرافعي ولم يستحضر النووي هذا الكلام المذكور في الحج وقال هنا من زياداته ما نصه: ينبغي أن يكون أصحهما الفرق بين أن يقصد
بعلمه نفسه فلا أجرة أو يقصد عمله عن الإجارة الواجبة فيستحق انتهى.
ولم يذكر ترجيحا غيره أصلا، وهو مخالف لما تقدم من كونه يستحق مطلقًا فلا التفات إليه فإن عبارته تدل على أنه لم يستحضر ما سبق وقد ذكر أيضًا أعني النووي في "إحياء الموات" ما يوافق الاستحقاق فقال ناقلا عن الرافعي: لو قال مالك المعدن لشخص: اعمل فيه فما استخرجته فهو لنفسك أو قال: استخرج لنفسك فالحاصل لمالك المعدن لأنه هبة مجهولة، وفي استحقاقه الأجرة وجهان لأنه لم يتبرع، بل عمل لنفسه، ولم يحصل له، قلت ثبوتها أصح انتهى.
ويسأل عن الفرق بين هذا وبين ما إذا استأجر الأب الأم لإرضاع الولد، وقلنا لا يجوز فإن الأصح في "الروضة" أنها لا تستحق أجرة المثل مع أنها دخلت طامعة، وقريب من هذه المسائل ما إذا قالت المرأة إن طلقتني فأنت بريء من صداقي فطلقها، فإنه لا يستحق شيئا على الصحيح، وسيأتي ذلك في موضعه.
قوله: كما إذا ضرب الدابة أو كبحها باللجام.
الكبح بالكاف المفتوحة والباء الموحدة الساكنة والحاء المهملة هو جذب الدابة باللجام لكئي تقف تقول منه كبحت الدابة، ويقال فيه أيضًا أكمحتها وأكفحتها بالألف فيهما، والكبح أيضًا على وزن الأول وحروفه، إلا أن الثاني منه تاء مثناة من فوق مدلوله رمى الجسم بشيء يؤثر فيه كما قاله الجوهري.
قال: ويطلق أيضًا على الأكل من الطعام إلى أن يشبع.
وإذا علمت ذلك علمت أن ما وقع في الرافعي يجوز قراءته بالموحدة والمثناة.
وقد ذكر الرافعي ألفاظًا أخرى منها التلميذ ومنها البزغ بباء موحدة
مفتوحة وزاي [ساكنة وغين](1) معجمة أيضًا هو شرط الحاجم والبيطار لإخراج الدم، والألة تسمى المبزغ بكسر الميم.
قوله: وكذا لو ركب الدابة من هو أثقل منه وقرار الضمان على الثاني إن كان عالما وإلا فعلى الأول، انتهى كلامه.
وما ذكره من أن قرار الضمان على الأول ليس على إطلاقه، بل محله أن تكون يد الثاني لا تقتضي الضمان كالمستأجر ونحوه.
فإن كانت تقتضي كالمستعير فالقرار عليه كما أوضحوه في الغصب.
قوله: ولو أكرى دابة وركباها فارتدفها ثالث بغير إذنهما فهلكت الدابة ففيما يجب على المرتدف ثلاثة أوجه:
أحدها: نصف القيمة.
والثاني: ثلثها.
والثالث: تقسط على قدر أوزانهم فيلزمه حصة وزنه، انتهى ملخصا.
والأصح هو الثاني كذا صححه في "الروضة".
قوله: وإذا دفع ثوبًا إلى خياط ليقطعه ويخيطه فخاطه قباء ثم اختلفا، فقال الخياط هكذا أمرتني وقال المالك بل أمرتك أن تقطعه قميصا فالذي نص عليه الشافعي في "الإملاء" أنهما يتحالفان ونقله أيضًا عنه المزني في "الجامع الكبير"، ونقل أعني الشافعي عن أبي حنيفة أن القول قول المالك.
وعن ابن أبي ليلى أن القول قول الخياط، ثم قال: وكلاهما مدخول، وإن كان جواب أبي حنيفة أشبه بالحق، واختلف الأصحاب في المسألة على طرق حاصلها أقوال:
أصحها: عند الأكثرين تصديق المالك لأنهما لو اختلفا في أصل الإذن
(1) سقط من ب.
لكان القول قول المالك فكذلك إذا اختلفا في صفته، وهذا كما لو قال دفعت هذا المال إليك وديعة، فقال: بل رهنا أو هبة فإن المصدق هو المالك، وأيضًا فإن الخياط معترف بأنه أحدث نقصا في الثوب ويدعي أنه مأذون فيه والأصل عدمه.
وأيضًا فإنه يدعي أنه أتى بالعمل الذي استأجره عليه والمالك ينكر، فأشبه ما إذا استأجره لحمل متاع، وقال الأجير: حملته إليك وأنكر المالك، فالقول قول المالك.
والقول الثاني: يصدق الخياط لأنهما اتفقا على الإذن في القطع، والظاهر أنه لا يتجاوز المأذون ولأن المالك يدعي علة الغرم، والأصل عدمه.
والثالث: يتحالفان لأنهما اتفقا على عقد معاوضة، واختلفا في صفته لأن كل واحد مدعي ومدعى عليه، فالخياط يدعي الأجرة والمالك ينكرها، وبهذا القول قال أبو علي الطبري، وصاحب "التقريب" والشيخ أبو حامد.
ونقله السرخسي عن ابن سريج، وصححه الغزالي ورجح أبو إسحاق، وابن أبي هريرة، والقاضي أبو حامد وغيرهم نفي التحالف.
ونقل عن ابن سريج أيضًا.
والرابع: إن جرى بينهما عقد تحالفا كسائر الإختلافات، وإن لم يقع عقد فلا لأن الخياط لا يدعي الأجرة، وإنما النزاع في الأرش، انتهى ملخصا.
فيه أمور:
أحدها: أن ذكر القول الرابع يقتضي أن الأقوال السابقة جارية مع وجود العقد وبدونه، وهو باطل قطعا، فإن التحالف لا يجري إلا عند الاتفاق على العقد، وأيضًا فالمسألة مصورة بذلك.
الأمر الثاني: أن الصواب نقلا واستدلالًا إنما هو القطع بالتحالف، أما النقل فلأنه المنقول في هذا الكلام عن الشافعي نفسه، والقولان الأخيران
حكاهما عن غيره، بل زاد على ذلك وقال: أنهما معا مدخولان كما سبق فكيف يمكن مع ذلك أن يكون مذهب الشافعي غير التحالف.
وأما نقله ذلك عن الأكثرين فقلد فيه صاحب "البيان"، ولا شك أن الأصحاب المتقدمين على الرافعي على اختلاف طبقاتهم على ثلاثة أقسام:
الأول: من لم يتعرض للمسألة بالكلية وهم جماعات.
الثاني: من حكى خلافًا ولم يصحح شيئًا منهم القاضي الحسين في تعليقته والصيدلاني في "شرح المختصر" والفوراني في كتابيه "الإبانة" و"العمد" والمتولي في "التتمة"، والإمام في "النهاية" وابن الصباغ في "الشامل" والبغوي في "التهذيب" وأبو عبد الله الطبري في "العدة" والخوارزمي في "الكافي" والقاضي مجلي في "الذخائر".
والقسم الثالث: المصححون لتصديق المالك كما قاله الرافعي، ومنهم أبو الحسن منصور التميمي في كتاب "المسافر"، وأبو الحسن ابن خيران في "اللطيف"، والشيخ أبو محمد الجويني في "مختصر المختصر" و"السلسلة"، وأبو خلف الطبري في "شرح المفتاح"، والغزالي في "عقود المختصر" والسرخسي في "الأمالي"، والروياني في "البحر" و"الحلية"، وأبو نصر الأرغياني في "الفتاوى" وأبو سعد ابن أبي عصرون في كتبه، والهروي في "شرح أدب القضاء" للعبادي.
نعم عبر هذا بالقياس لا بالأصح ونحوه.
وذكر الشافعي في كتاب الصلح من "البويطي" نحوه ورأيت في "أدب القضاء" للإصطخري الميل إليه فإنه عبر بقوله: وكأنه أقوى.
القسم الرابع: المصححون لقول التحالف، فمنهم القفال كما نقله عنه في "البحر" والقاضي أبو الطيب كما نقله عن الشيخ نصر المقدسي في "التهذيب" وفي "المقصود"، وصححه أيضًا الدارمي في "الاستذكار"،
والمحاملي في "المقنع" وفي كتابه المسمى "بالقولين والوجهين"، وكذلك في كتاب "عدة للمسافر وكفاية الحاضر"، والماوردي في "الحاوي"، وأبو علي البندنيجي في "تعليقه" وسليم الرازي في "المجرد"، وفي "رؤوس المسائل" وفي "الكافي" أيضًا والشيخ نصر المقدسي في "التهذيب" وفي "المقصود" وفي "الكافي" والشيخ أبو إسحاق في "المهذب"، و"التنبيه"، والغزالي في "الوسيط" و"الوجيز"، والجرجاني في "التحرير" ،والشاشي في "الحلية"، وأبو نصر البندنيجي في كتاب "المعتمد" وكلام أبي علي الزجاجي في "التهذيب" يقتضي أنه قول الشافعي لا غيره.
وقد تقدم من كلام الرافعي نقل ذلك أيضًا عن أبي علي الطبري، وصاحب "التقريب"، والشيخ أبي حامد، وقد ذكرت لك أيها الواقف على هذه المسألة نقولا موافقة للرافعي لم يطلع عليها بالكلية.
وذكرت أيضًا من ذهب إلى خلاف ذلك والذاهبون إليه أكثر، ومنهم شيخا الطريقتين العراقية والخراسانية القفال والشيخ أبو حامد.
وهو الموافق لنص الشافعي، وللقواعد المذهبية كما سيأتي بيانه فوجب القول به وبالله التوفيق.
وأما تصويب التحالف من جهة الاستدلال فلأن قاعدتنا ذلك في كل عقد معاوضة اتفقا عليه، واختلفا في صفته فما وجه خروج هذه الصورة عن هذه القاعدة العامة المتفق عليها، ولأنهما لو اختلفا والثوب صحيح فقال المالك استأجرتك لتخيطه قميصًا، وقال الخياط بل استأجرتني لأخيطه قباء تحالفا بلا خلاف كما قاله الماوردي، قال وإذا تحالفا قبل القطع وجب القول به بعده لأن كل ما أوجب التحالف مع تغير أحواله وهذا أيضًا دليل قطعي على التحالف، فإن التحالف يجوز بعد تلف المبيع وتعيبه كما هو مذكور في بابه، وأما الاستدلالات التي اعتمد عليها الرافعي في تصديق المالك تعجيبة.
أما الأول: وهو استدلاله بقوله لأنهما لو اختلفا في أصل الإذن لكان القول قول المالك فكذلك إذا اختلفا في صفته، فجوابه: أن المتبايعين لو اختلفا في أصل البيع كان القول قول المنكر بلا نزاع، ولو اختلفا في صفته فإنهما يتحالفان، ولو قلنا بهذا لبطلت مسائل التحالف كلها وتعطلت قاعدته وارتفع، بابه ثم إنا في التحالف قد أعملنا هذه القاعدة بعينها لأن البائع مثلا إذا قال بعتك بعشرة، فقال المشتري بل بخمسة فكل واحد منهما لما كان القول قوله في نفي العقد كان القول قوله في صفته، ولهذا أحلفنا كلا منهما على إثبات ما يقوله، ونفي ما يقوله الآخر، لأنا جعلنا القول قوله ولكن مع يمينه لاحتمال، فلو لم يجعل القول قوله لم نحلفه فلما قبلنا قول كل منهما في التحالف مع يمينه لأجل أن من كان القول قوله في شيء كان القول قوله في صفة ذلك الشيء، ولم يكن لأحدهما مرجع على الآخر فسخنا العقد.
وأما الثاني: وهو استدلاله بقوله كما لو قال دفعت هذا المال إليك وديعة فقال: بل رهنا أو هبة فإن المصدق هو المالك فذهول عجيب أيضًا، لأن التحالف إنما يشرع إذا اتفقا على العقد الواحد واختلفا في صفته وقد وجد ذلك في مسألتنا دون هذه المسألة.
وأما الثالث: وهو إستدلاله بقوله لأن الخياط معترف بأنه أحدث نقصًا في الثوب ويدعي أنه مأذون، والأصل عدمه فعجيب لأنا لا نسلم أن الأصل عدمه ولهذا حلفنا المالك على عدمه وحلفناه هو على عدم ما يقوله المالك، ثم فسخنا لعدم ترجيح أحدهما على الآخر.
وهكذا مسائل التحالف كلها فإن الأصل عدم اشتراط الخيار والأجل والرهن والضمان مع مشروعية التحالف لما ذكرناه.
وأما الرابع: وهو استدلاله بقوله لأن الخياط يدعي أنه أتى بالعمل الذي استأجره عليه والمالك ينكره فأشبه ما إذا استأجره لحمل متاع فقال الأجير حملت وأنكر المالك فأعجب مما قبله لأن التحالف إنما شرع عند الاتفاق
على العقد والاختلاف في صفته، وقد وجد ذلك في مسألتنا، وأما الاستئجار لحمل المتاع فإن النزاع فيه لم يقع في صفة العقد، بل في الإتيان بالمعقود عليه، وأين هذا من ذاك فثبت بما قلناه بطلان جميع أدلة القول بتصديق المالك.
وأما تصديق الخياط وأدلته فالرافعي وغيره يسلمون ضعفها، والذي يظهر أن هذه الأدلة جميعها إنما ذكروها للرد على قول ابن أبي ليلى وهو تصديق الخياط عند ذكرهم لقوله، وقول أبي حنيفة فقط، وهكذا سلكه الشافعي نفسه والرد على ابن أبي ليلى بذلك صحيح.
وأما جمع قول التحالف معه في الاستدلال بها فمردود لما ذكرناه، فثبت أن الحق هو التحالف، ولا شك أن بعض الأصحاب نظر إلى ما حكاه في "الجامع الكبير" من قول أبي حنيفة وابن أبي ليلى وأن قول أبي حنيفة أشبه، وذهل عن ما بعده وهو التصريح بضعفها.
وعن ما في "الإملاء" وغيره وهو التصريح بالتحالف فذهب إليه، واستدل عليه بهذه الأمور الضعيفة التي حصل فيها الالتباس فقلده فيه من بعده، وكثيرا ما يقع ذلك.
قوله: فإن صدقنا الخياط بيمينه، فإذا حلف فلا أرش عليه ، وفي الأجرة وجهان:
أظهرهما: أنها لا تجب أيضًا لأنه في الأجرة مدعى فيكون القول قول المنكر.
وفائدة يمينه دفع الغرم عن نفسه، فإن أوجبناها ففي مقدارها وجهان:
أحدهما: المسمى إتمامًا لتصديقه.
وأظهرهما: أجرة المثل، لأنا لو صدقناه من كل وجه لم يأمن أن يدعى مالًا كثيرًا كاذبًا، انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن النووي في "الروضة" لم يبين الراجح من الوجهين الأخيرين.
الثاني: أن المسألة مفروضة في ما إذا اختلفا مع الاتفاق على الأجرة المسماة في العقد وحينئذ تمتنع الزيادة عليها، فإن انضم إلى الاختلاف في صفة القطع اختلافهما في قدر الأجرة فتلك مسألة أخرى، والتحالف جار فيها بلا شك كما قاله في "الإقليد" وأبدى ابن الرفعة في "المطلب" ذلك أيضًا بأن رب الثوب قد وافقه على استحقاقه بالعقد، واختلافهما إنما حصل في ما يتقرر به.
وقد جعلنا القول قول الخياط، وهذا يظهر بصحيح أصل الإستحقاق.
نعم إن كان الإذن في ضمن جعالة فالمسمى لا يجب فيها إلا بفراغ العمل، فإذا وقع الخلاف فيه وقع الخلاف في الاستحقاق فلا يثبت المسمى وقد ثبت تسمية الإذن في العمل، فوجب أن يجب له أجرة المثل.
واعلم أنه إن كان المسمى أقل من أجرة المثل فهو الواجب بلا نزاع لأنه لا يدعي أكثر منه كذا قالوه، وخرجه ابن أبي الدم على مسألة تقتضي إثبات خلاف، وفرق بينهما في المطلب.
قوله: فإن قلنا لا أجرة له بيمينه فله أن يدعي الأجرة على المالك، ويحلفه فإن نكل فهل يجدد اليمين على الخياط أم يكتفي بيمينه السابقة فيه وجهان:
أحدهما: يجدد لأن إثبات المال بيمين المدعى من غير نكول بعيد.
والثاني: وبه قال القاضي الحسين لا يجدد وكأن يمينه السابقة كانت موقوفه على النكول، انتهى.
والصحيح هو الأول فقد قال الإمام: ذهب إليه ذاهبون.
وقال: إنه قياس الخصومات وهو حسن منقاس ولم ينقل الثاني إلا عن القاضي خاصة، وقد رجح النووي أيضًا ما قلناه.
فقال: وينبغي أن يكون أصحهما التجديد وهذه قضية مستأنفة هذه عبارته.
ولم يستحضر الأصح الذي نقلناه، ولو استحضره لذكره بلا شك لاشتماله على الترجيح النقلي والقياسي.
قوله: في أصل "الروضة" وإن صدقنا المالك بيمينه فعلى الخياط أرش النقصان، وقيل وجهان، فإن أوجبنا فوجهان:
أحدهما: ما بين قيمته صحيحًا ومقطوعًا.
والثاني: ما بين قيمته مقطوعًا قميصًا ومقطوعًا قباء انتهى.
والأصح هو الأول، فإن الأصحاب بنوهما على أصلين:
أحدهما: إذا اكترى أرضًا ليزرع الحنطة فزرع ما هو أضر كالذرة ففيه قولان:
أصحهما: يعرض عن عقد الإجارة، ويلزمه بأجرة المثل.
والثاني: يغرم تفاوت ما بين الزرعين.
الأصل الثاني: الوكيل في البيع إذا ضمناه ففيه قولان: أصحهما يغرم جميع القيمة.
والثاني: يحط عنه ما يتغابن الناس به لأنه كالمأذون فيه.
قالوا فعلى الأول من المسألتين يغرم هنا جميع الأرش، وهو التفاوت ما بين قيمته صحيحًا ومقطوعًا، حتى لو لم يكن قبل القطع فلا شيء عليه.
هذا كلامهم، ومقتضاه تصحيح الأول، وقد صرح بتصحيحه إمام
الحرمين فقال: إنه الأصح، واختاره ابن عصرون في "المرشد" والعجب أن الرافعي نقل عن الشيخ أبي محمد أنه مبني على هذين الأصلين فحذف ذلك من "الروضة" وأرسل الخلاف من غير تصحيح.
واعلم أن مقتضى عبارتهم أن الخياطة لا تدخل في التقويم، فلذلك لم يقولوا بين قيمته، صحيحًا ومخيطًا قباء.
قوله: فإن قلنا يغرم التفاوت بين القطعتين فهل يستحق الأجرة للقدر الذي يصلح للقميص من القطع فيه وجهان: الذي أجاب به منهما صاحب "المهذب" هو الاستحقاق، لكونه مأذونًا فيه وضعفه ابن الصباغ لأنه لم يقطعه للقميص، انتهى.
والأصح منهما عدم الاستحقاق، فقد نقله صاحب "البيان" عن نص الشافعي وعلله بما سبق وهو كونه لم يقطعه، لكونه قميصًا.
وقال في "البحر": إن مقابله ليس بشيء، ولهذا صححه في "الروضة" من زوائده.
قوله: وأما كيفية اليمين إذا صدقنا الخياط فقال في "الشامل": أن يحلف بالله ما أديت لي في قطعه قميصًا، ولقد أديت في قطعه قباء. انتهى.
قال في "الروضة": وقال الشيخ أبو حامد: يحلف لقد أديت لي في قطعه قباء فقط، وهذا أصح إن لم يثبت للخياط أجرة؛ لأن هذا القدر كاف في نفي الغرم، فإن أثبتناها فقول صاحب "الشامل" هو الصواب.
هذا كلامه، وفيه أمور:
أحدهما: في البحث عن تعبير النووي بقوله فقط هل هو من جملة اليمين أم لا؟ فإن كانت فيجوز أن يكون الشيخ أبو حامد اكتفى بذلك لأجلها لأنها في قوة قولنا: أديت لي في قطعه قباء لا قميصًا، وحينئذ فيستوي اليمينان، فإن كانت هذه اللفظة من كلام الناقل بمعنى أنه قال هذا
فقط فيجيء ما يقوله النووي، فالجواب أنها من كلام الناقل، فإن الشيخ أبا حامد لم يتعرض لذلك، وممن نقله عنه كما ذكرناه صاحب "البيان" والظاهر أن "النووي" إنما نقله عنه على عادته في كثرة النقل عنه، ونقله أيضًا كذلك ابن الرفعة وغيره.
الأمر الثاني: أن المسألة مشهورة في المذهب فقد قال: بوجوب الجمع جماعات منهم البندنيجي والقاضي الحسين، والقاضي أبو الطيب، وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم، والثاني صححه الماوردي والروياني.
الأمر الثالث: أن التصحيح الذي قاله النووي وجعله الصواب لا وجه له، بل الذي يقول إنه يكفي الحلف على أنه أمره بقطعه قباء يقول بذلك سواء قلنا يستحق الأجرة أم لا كما قاله في "المطلب" لأنا إن قلنا يستحقها فهو يدعيها بالإذن في القباء وقد أثبته بيمينه، وإن قلنا لا يستحقها فالاقتصار واضح.
ومدرك القائل بأنه لابد أن يحلف أيضًا على أنه ما أمره بقطعه قميصًا لأنه ادعى ذلك فيحتاج أن ينفيه، ولكن للأخر أن يجيب بأن الحلف على الإذن في القباء يتضمن نفي ذلك فالذي زعم النووي أنه الصواب لا وجه له ويبقى حينئذ النظر في المقالتين، ولا شك أن الأكثرين على الجمع، والراجح من جهة المعنى هو الثاني على أنه لا وجه له بالكلية، فإن قول الخياط ما أديت لي في قطعه قميصًا لا أثر له في نفي الأرش ولا استحقاق أجرة، فإنه إنما دل على نفي الإذن خاصة، والذي دل على الأمرين هو قوله لقد أذنت لي في قطعه قباء فإنه نفى الأرش لعدم التعدي، وأثبت الأجرة لوجود الإذن.
ويدل لما قلناه أنا إذا صدقنا المالك فيكيفه الحلف على النفي، كما نقله الرافعي عن ابن الصباغ وأقره وجزم به في "النهاية" و"البسيط" والنفي في
جانب المالك نظير الإثبات في جانب الخياط.
قوله: وإن فرعنا على قول التحالف قال ابن كج: كان المالك هنا كالبائع. انتهى.
تابعه في "الروضة" على أن المالك كالبائع ويظهر أنه سهو، بل الخياط كالبائع لأنه بائع المنفعة ويدل عليه ما قالوه في البيع في تمييز البائع عن المشتري من دخول الياء ووجود النقد وأيضًا استعمال المؤجر لنعت إذا صححنا العقد بها.