الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب قسم الصدقات
وفيه بابان:
الباب الأول: في بيان أصناف الصدقات
قوله: والدار التي يسكنها والثوب الذي يلبسه متجملا به لا يسلب اسم الفقر ثم قال: ولم يتعرضوا لعبده الذي يحتاج إليه إلى خدمته، وهو في سائر الأصول يلحق بالمسكن. انتهى كلامه.
والعجب منه حيث قال ما قال مع أن المسألة مذكورة في "النهاية" على وفق البحث الذي ذكره وهو إلحاقها بالمسكن لكنه اغتفرها في المسكين دون الفقير فإنه نص على أن المسكن والخادم لا يمنعان السكنة، قال: وأما الفقير فلا يحتملها هذه عبارته، واغتفار الرافعي لهما في الفقر يلزم منه الاغتفار في المسألتين بطريق الأولى، وقد ذكر المسألة أيضًا ابن كج في "التجريد" على ما نقله عنه في "الروضة" وألحقها بالمسكن.
قوله: والمكفي بنفقة قريبه لا يعطي من الزكاة على أصح الوجهين على ما ذكره الشيخ أبو علي وغيره، ثم قال: والوجهان في مسألة القريب في ما إذا أعطاه غير من ينفق عليه سهم الفقراء والمساكين وأما المنفق فلا يعطيه من سهم الفقراء أو المساكين لا محالة وله أن يعطيه من سهم العاملين والمكاتبين والغارمين والغراة إذا كان بهذه الصفات. انتهى كلامه.
وما ذكره من إيجاب نفقة المكاتب على فرسه تابعه عليه في "الروضة"، ولم يستحضرا معا في كتاب النفقات ما سبق فيهما في هذا الباب، فإن الرافعي حكى فيها هناك احتمالين عن "الحاوي" وزاد النووي على ذلك فصحح عدم الوجوب وعلله بأنه رقيق، وسوف أذكر لفظه في موضعه -إن شاء الله تعالى- فراجعه.
قوله: الثاني المسكين وهو الذي يملك من المال ما يقع به موقعًا من حاجته وكفايته لكنه لا يكفيه كما إذا احتاج إلى عشرة وهو يملك تسعة أو ثمانية. انتهى.
لم يبين هل المراد عدم الكفاية في ذلك اليوم أم في تلك السنة أم في العمر الغالب، وقد استنبط من كلامهم ما يبين المراد السنة، فإن الرافعي ذكر في كتاب الأيمان أن المسكين ينتقل إلى التكفير بالصوم وذكر في كتاب الظهار أن الانتقال إلى الصوم هل شرطه العجز عن السنة أم عن العمر الغالب؟ فيه احتمالان.
قال النووي: الصواب منهما: اعتبار السنة فثبت من مجموع كلام الرافعي والنووي أن المراد بعدم الكفاية إنما هو في السنة فافهم ذلك، فإنه عزيز مهم فعلى هذا من عجز عن كفاية السنة فهو مسكين، وحينئذ فهل يعطي له كفاية سنة أم كفاية العمر؟
الغالب فيه الخلاف المشهور، ومن معه كفاية سنة لا يعطي شيئًا لأنه ليس بفقير ولا مسكين حالة الإعطاء، فإن كنا نعطيه كفاية العمر الغالب لو نقص ما معه عن السنة.
قوله: واحتج الأصحاب بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحل الصدقة إلا لثلاثة فذكر رجلًا أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له الصدقة حتى يصيب سدادًا من عيش"(1) انتهى.
السداد: هنا بكسر السين على الأفصح ويجوز فتحها وهو ما يسد به الحلة.
(1) أخرجه مسلم (1044)، وأبو داود (1640)، والنسائي (2580)، وأحمد (15957)، والدارمي (1678)، وابن خزيمة (2359) وابن حبان (3291)، والدارقطني (2/ 119)، والطبراني في الكبير (18/ 371) حديث (947)، والبيهقي في الكبرى (11182)، والطحاوي في شرح المعاني (2773) من حديث قبيصة بن المخارق رضي الله عنه.
وأما سداد القارورة وسداد الثغر فبالكسر لا غير والسداد بمعنى الاستقامة فمفتوح، وكذلك السدد أيضًا بغير ألف، قاله الجوهري.
قوله: وفي أجرة الكيال والوزان وعاد الغنم وجهان، أصحهما: أنها على المالك. انتهى.
ومحل هذا الخلاف كما قال في "الروضة" إنما هو في الذي يميز نصيب الفقراء من نصيب المالك قال: فأما الذي يميز بين الأصناف فأجرته من سهم العاملين بلا خلاف.
قوله: الضرب الثاني: مؤلفة المسلمين، وهم أصناف: صنف دخلوا في الإسلام ونيتهم ضعيفة فيتألفون ليثبتوا، وأخرون لهم شرف في قومهم ينبغي تألفهم رغبة نظرائهم في الإسلام ففي هذين الصنفين قولان: أحدهما يعطيان تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أعطى بالمعنى الأول عيينة وابن حصين والأقرع بن حابس وأبا سفيان ابن حرب وصفوان بن أمية وبالمعني الثاني عدي بن حاتم والذبركان بن بدر. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن الذين أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء لم يكن إعطاءهم من الزكاة بل من الغنيمة لأن ذلك كان في وقعة حنين من أموال هوازن كما هو معروف في كتب الحديث والسير.
والثاني: ما ادعاه من كون صفوان أعطى وهو مُسْلم قد ذكره القاضي الحسين ثم صاحب "المهذب" فقلدهما فيه الرافعي، والذي ذكره مسلم في "صحيحه"(1) أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه وهو مشرك وإنما أعطاه مائة، وكذا نص عليه الشافعي في "المختصر" وذكره النووي في "شرح المهذب".
الأمر الثالث: في دعواه أن عديًا أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا قد ذكره صاحب
(1) حديث (1060).
"التتمة" فقلده فيه الرافعي، والذي نص عليه الشافعي في "المختصر" أيضًا أن المعطي له هو أبو بكر وكذلك ذكره الشافعي في "الأم" أيضًا في باب جماع تفريق السهمان، وهو بعد باب علم القاسم فقال: وقد روى أن عدي بن حاتم أتى أبا بكر بنحو ثلاث مائة بعير صدقة فأعطاه منها ثلاثين بعيرًا فجاهد معه بنحو من ألف رجل (1).
ولعل أبا بكر أعطاه من سهم المؤلفة قلوبهم، فإن كان هذا ثابتًا فإني أعرفه من وجه يثبته أهل الحديث وهو من حديث ينتسب إلى بعض أهل العلم بالردة. انتهى لفظه.
وقد بحث الرافعي في أن من يرجى إسلام نظرائه هل يتقيد بالشرف أم لا؟ فنقل عن الغزالي عدم التقييد ثم قال: وسائر الأصحاب نقلوا القولين في الأشراف الذين لهم نظراء في الكفر وقيدوا فيجوز أن يقال: أراد ما أرادوه، ويجوز أن يقال: لا فرق، هذا لفظه، ولم يذكر في "الروضة" هذا البحث وقيده بالشرف.
قوله: وإذا عجز المكاتب فإن كان في يده استرد، وإن كان تالفًا لزمه غرمه على الأصح، وهل يتعلق بذمته أم برقبته؟ وجهان. انتهى.
والأصح تعليقه بالذمة فقد قال في "الشرح الصغير": إنه أظهر الوجهين، وفي "زيادات الروضة": إنه الأصح.
قوله: والأحوط الصرف إلى السيد بإذن المكاتب. انتهى.
ومقتضى إطلاقه أنه لا فرق فيه بين أن يوفي بالنجوم أم لا، وقد ذكر في "الروضة" من "زياداته" ما يقوى ذلك أيضًا، فقال: هذا هو الذي أطلقه جماهير الأصحاب، وقال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي الزاهد من أصحابنا إن كان هذا الحاصل آخر النجوم يحصل العتق بالدفع للسيد بإذن المكاتب
(1) أخرجه البيهقي في الكبرى (7/ 19).
أفضل، وإن حصل دون ما عليه لم يستحب دفعه إلى السيد، لأنه إذا دفعه إلى المكاتب أتجر فيه ونَمَّاه فهو أقرب إلى العتق، هذا كلامه، والصواب ما قاله الشيخ نصر من تخصيص الدعوى، فقد جزم الرافعي بعد هذا في الكلام على الغارم بمثله، وتبعه عليه في "الروضة" فقال: ويجوز الدفع إليه بإذن المديون وهو أولى إلا إذا لم يكن وافيًا وأراد المديون أن يتجر فيه، هذا كلامه.
قوله: ولا يجوز بغير إذنه يعني الصرف إلى السيد بغير إذن المكاتب لأن الاستحقاق له ولكن يسقط عن المكاتب بقدر المصروف، لأن من أدى دين غيره بغير إذنه برأت ذمته. انتهى.
تابعه عليه في "الروضة" وهو مشكل حكمًا وتعليلًا؛ فإن ما يخص المكاتب إنما يتعين له بقبض صحيح، وذلك إنما يكون بقبض المستحق أو نائبه والسيد لا يستحقه وإنما له شيء في ذمة المكاتب وأما التعليل فإنه وإن كان مسلمًا لكونه صورة دال أن يعطي من مال المديون ويبلغه صاحب الدين مع مراعاة أقوال التقاضي، ونظير مسألتنا أن يكون على زيد دين له وله عند شخص دين أو عين فيعطيه ذلك الشخص للمديون، فإن الدين يكون باقيًا والعين مضمونة على معطيها وأخذها ما دامت باقية فإن تلفت العين جاء ما قلناه من أقوال التقاضي.
قوله: فرع أخر نقل بعض أصحاب الإمام أن للمكاتب أن ينفق ما أخذ ويؤدي النجوم من كسبه، ويجب أن يكون الغارم كالمكاتب، زاد في "الروضة" على هذا فقال: قطع صاحب "الشامل" بأن المكاتب يمنع من إنفاق ما أخذ ونقله صاحب البيان عنه، ولم يذكر غيره، وهذا أقيس من قول الإمام. انتهى كلامه.
واعلم أن الإمام رحمه الله قد نص هو على المسألة في "النهاية" فقال
ما نصه: والخيرة إليه في توفية النجم إن شاء وفاة مما اكتسبه واستنفق ما قبضه من الصدقة، وإن شاء سلم ما قبضه من الصدقة هذا لفظه، والمفهوم منه أنه يجوز إعطاء النجوم من كسبه ثم بعد ذلك ينفق ما أخذه، وبه يعلم المراد من هذا الذي نقله الرافعي عن بعض أصحابه، وكلام السائل إنما هو في الاتفاق ابتداء فإنه نقل عن الشافعي أن الدفع إلى سيده أحب ثم قال: وإنما يدفعه إلى سيده بإذنه لئلا يسلمه إليه فيتفقه فإن سلمة إليه فأراد أن ينفقه منعه من ذلك هذا لفظه، وهو صريح في ما قلناه، وإذا علمت ذلك علمت أمورًا:
أحدها: أنهما مسألتان نص كل منهما على مسألة ولا اختلاف في الإمام وغيره كما توهمه في "الروضة".
الثاني: استغراب ما في الرافعي حيث تكون المسألة في "النهاية" وينقلها عن بعض أصحابه.
الثالث: أن الرافعي لم يصرح بأن الناقل نقل ذلك عن الإمام فكيف يقول في "الروضة"؟ وهذا أقيس من قول الإمام.
قوله: في الغارم أما إذا استقرض في معصية كثمن الخمر والإسراف في الانفاق فلا يعطي من سهم الغارمين على المشهور، فيه وجه غريب، وهذا إذا كان مصرًا علي المعصية، فإن تاب فوجهان إلى آخره.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما جزم به هاهنا من تحريم الإسراف في النفقة تابعه عليه في "الروضة" والصحيح خلافه وقد تقد ذلك في باب الحجر، فراجعه.
الأمر الثاني: لم يصرح هنا بتصحيح في إعطاء الثابت وقد صرح به في "الشرح الصغير" فقال: أظهرهما: أنه يعطي.
وهو الذي صححه النووي في كتبه، وذكر عكسه في "المحرر" فقال ما
نصه: والغارمون إن استدانوا لغرض أنفسهم يعطون من الزكاة بشرط أن لا تكون الاستدانة لمعصية. انتهى.
وهذا هو مقتضى كلام الشافعي في "الأم" فإنه شرط في إعطائه أن لا يكون غرمه في معصية، ولم يفصل بين أن يتوب أم لا، ذكر ذلك في باب جماع بيان أهل الصدقات.
قوله: فإن كان الدين على الغارم مؤجلًا ففي إعطائه وجهان إلى آخره.
لم يصرح هنا بتصحيح، وقد صحح في "المحرر" أنه يعطي وعبر بالأظهر، وهو مقتضى كلام "الشرح الصغير" أيضًا فإنه قال: فإن كان مؤجلًا فعلى الوجهين المذكورين في قبل المحل هذا لفظه، والأصح من ذنيك الوجهين أنه يعطي مخالف النووي فصحح من "زياداته" في "المنهاج" و"الروضة" أنه لا يعطي، ولا يستقيم هذا التصحيح عكسه في النجوم.
قوله: من "زياداته" ولو كان عليه دين فقال: جعلته عن زكاتي، لا يجزيه على الأصح حتى يقضيه ثم يرده إليه إن شاء، وعلى الثاني يجزيه كما لو كان وديعة حكاه في "البيان". انتهى كلامه.
وهذه المسألة قد ذكرها الرافعي في أواخر الباب الأول من كتاب الهبة، وقد ذكرت لفظه هناك لغرض آخر فاعلمه وراجعه.
قوله: والغريب المجتاز بالبلد يعطي من سهم السبيل، وقيل: على الخلاف في نقل الصدقة، وبالمنع أجاب المسعودي. انتهى.
وهذا النقل عن المسعودي ذكره في "البيان" فقلده فيه الرافعي، وهو غلط، إنما صَوَّابه الفوراني، وقد سبق وجه الغلط في فصل الأسماء فراجعه.
قوله: ولو استعمل هاشمي أو مطلبي فهل يحل له سهم العاملين فيه وجهان أحدهما نعم لأنه أجره عمله، وهذا أصح عند أبي الحسن العبادي،
وأصحهما عند صاحب "التهذيب": لا؛ كما لو كان غارما أو غازيًا. انتهي كلامه.
لم يصرح في "الشرح الصغير" أيضًا بتصحيح والتصحيح المنع فإنه مقتضى كلامه في "المحرر"، وصححه النووي في "شرح المهذب" و"الروضة"، ولم ينبه في "الروضة" على أنه من "زياداته" بل أدخله في كلام الرافعي، وهو غريب فتفطن له.