الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
(28)
.
ثم أمرهم أن يقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر، ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحقّ من أهل الكتاب، حتى يعطوا الجزية وكانوا قد حاربوهم، وانضموا إلى المشركين عليهم ثم أثبت ما ذكره من كفرهم، بأن اليهود يقولون عزير ابن الله، والنصارى يقولون المسيح ابن الله، يضاهئون المشركين قبلهم، في زعمهم أن له أولادا من الملائكة وغيرهم وأثبته أيضا باتّخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا يطيعونهم من دونه سبحانه، ثم ذكر أنهم يريدون أن يطفئوا نوره، وهو دين الإسلام، بأفواههم، ليسوّغ ما أمر به من قتالهم ثم ذكر أن كثيرا من أحبارهم ورهبانهم ليأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدونهم عن سبيله وأن الذين يكنزون منهم الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيله، لهم عذاب أليم يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) .
ثم ختم الكلام على الفريقين، ببيان ما يحلّ القتال فيه، وما يحرم من شهور السنة، فذكر أن عدة الشهور اثنا عشر شهرا، وأنّ منها أربعة حرما، يحرّم القتال عليهم فيها، ويجب عليهم قتال المشركين كافّة فيما عداها، كما يقاتلونهم كافة ثم حرّم عليهم النّسيء، وهو تأخير الأشهر الحرم عن مواضعها من السنة، إذا صادفتهم وهم في حرب، أو لم يوافق الحج فيها موسم تجارتهم، ليواطئوا عدة ما حرّم الله فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ [الآية 37] .
الكلام على المنافقين الآيات (38- 129)
ثم قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [الآية 38] ، فذكر ما حصل من المنافقين في غزوة تبوك، وكانت في وقت الصيف وشدّة الحر وما حصل في غزو
الروم، وهي دولة قوية ليست كمن قاتلوهم من قبائل العرب، فتثاقل عنها المنافقون واستعظموا غزو الروم، وأثّروا في بعض المؤمنين، وقد بدأ بلومهم على تثاقلهم، إذا قيل لهم انفروا في سبيله، وإيثارهم الحياة الدنيا على الاخرة ثم ذكر أنهم إلّا ينفروا يعذّبهم، ويستبدل قوما غيرهم، ولا يضرّوا النبي (ص) ، وأنهم إلّا ينصروه فقد نصره في هجرته من مكة ثاني اثنين، وقد جزع رفيقه وهما في الغار أن يدركهما المشركون، فقال له كما ورد في التنزيل لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [الآية 40] فأنزل سكينته عليه، وأيّده بجنود من عنده، وجعل كلمة الكافرين السّفلى، وكلمته هي العليا ثم أمرهم أن ينفروا خفافا وثقالا، ويجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ورغّبهم في ذلك، بأنه خير لهم لو كانوا يعلمون ثم عاد السياق إلى توبيخهم على تثاقلهم، فذكر سبحانه، أنه لو كان دعاهم إلى عرض قريب من الدنيا، أو سفر سهل لاتّبعوه طمعا في منافع الدنيا، ولكن طال السفر عليهم في هذه الغزوة، وأيسوا من الفوز بالغنائم، فتثاقلوا عنها، وسيحلفون بالله، أنهم لو استطاعوا الخروج لخرجوا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42)[الآية] ، ثم عاتب تعالى النبي (ص) على إذنه لهم بالقعود، وكان من الخير ألّا يأذن لهم، حتّى يعلم الصادقين في عذرهم من الكاذبين ثم ذكر أن الذين يؤمنون به وباليوم الاخر، لا يستأذنون في الجهاد بأموالهم وأنفسهم، لأنهم يعلمون عظيم ما أعدّ لهم في ذلك اليوم، إذا استشهدوا في الجهاد، وإنما يستأذن في الجهاد الذين لا يؤمنون بذلك من المنافقين ولو أنهم أرادوا الخروج، لأعدوا له عدّته، وخرجوا مع المجاهدين ولكنه علم المصلحة في عدم خروجهم، فثبّطهم عن الخروج ولو خرجوا، لأوقعوا الفتنة في صفوف المسلمين، وأطلعوا أعداءهم على أسرارهم، كما فعلوا مثل هذا من قبل، في غزوة أحد وغيرها.
ثم قسّمهم في النفاق إلى أقسام، أولها: الذين إذا طلبوا للجهاد ذهبوا إلى النبي (ص) وعرضوا عليه أن يعينوه بأموالهم، على أن يأذن لهم في القعود، ولا يفتنهم بعدم الإذن فسقطوا في الفتنة من حيث يظهرون البراءة منها. ثم ذكر السياق بعد هذا،
أنه إن أصاب الرسول (ص) فوز ساءهم، وإن أصيب بمكروه، فرحوا بحذرهم وعدم خروجهم وأمر النبي (ص) أن يذكر لهم، أنه لن يصيب المسلمين إلا ما كتب لهم وأنهم لا يتربّصون بهم إلا إحدى الحسنيين: النصرة أو الشهادة أمّا هم فسيصابون بعذاب من عند الله، أو بأيدي المسلمين ثم ذكر لهم أنّ ما ينفقونه طوعا أو كرها، ليقعدوا في نظيره عن القتال، لن يتقبله منهم لفسقهم، وكفرهم، وعدم إخلاصهم في صلاتهم وإنفاقهم ثم نهى النبيّ (ص) أن تعجبه أموالهم وأولادهم، لأنه يريد أن يعذّبهم بها في الدنيا، بإنفاقها فيما يكرهون، وهو أشقّ شيء عليهم وتزهق أنفسهم، وهم كافرون، فيعذّبون في الاخرة أيضا. ثم ذكر أنهم، مع هذا، يحلفون أنهم من المسلمين، وما هم منهم، ولكنهم قوم جبناء، يفرقون من الجهاد لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) .
وثانيها: الذين يطعنون على النبي (ص) في الصدقات المفروضة، ويزعمون أنه يخص بها أقاربه وأهل مودته فإن أعطوا منها، رضوا وإن لم يعطوا، سخطوا ولو أنهم رضوا بقسمة الله ورسوله فيها، ونصيبهم منها، لكان خيرا لهم ثم ذكر في الجواب عن طعنهم، أنّ هذه الصدقات لها مصارف معلومة، من الفقراء ومن ذكرهم، وهي مصارف لا تراعى فيها قرابة ولا مودة، وإنّما تراعى فيها المصلحة والحاجة.
وثالثها: الذين يؤذون النبي (ص) ويقولون هو أذن، لأنه يسمع ما يقال فيهم وقد أمره سبحانه أن يذكر لهم أنه أذن خير لهم، لأنه يؤمن بالله ويخافه، فلا يقدم على أذى أحد، ولا يسمع إلا للمؤمنين الصادقين، الذين يريدون المصلحة بنقل أخبارهم ثم ذكر أنهم إذا بلغ عنهم ما يقولون، يحلفون للمسلمين أنهم لم يقولوه ليرضوهم، والله ورسوله أحق أن يرضوه، بترك ما يقولونه من الإثم ثم ذكر أنهم حين يفعلون ذلك، يحذرون أن تنزل عليهم سورة تفضحهم به وأمر النبيّ (ص) أن يأمرهم بأن يفعلوا ما يفعلونه من الاستهزاء به وغيره، فإن الله مخرج ما يحذرون من أسرارهم،
بهذه السورة التي أنزلها فيهم ثم ذكر أنه إذا سألهم عما يبلغ عنهم، اعتذروا عنه، بأنه كان على وجه اللعب لا على وجه الجدّ، وردّ عليهم بأنه لا محلّ للّعب في أمر الله وآياته ورسوله، إلى غير ذلك ممّا ذكره في الردّ عليهم ثم ذكر أن المنافقين والمنافقات بعضهم من بعض، فلا يوالي بعضهم إلّا بعضا، لأنهم يستأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، إلى غير هذا ممّا لا يصحّ موالاتهم عليه.
ثم ذكر سبحانه، أنه أعدّ لهم على ذلك نار جهنّم خالدين فيها وذكر أنه سينالهم ما نال من كان قبلهم، ممّن كانوا أشدّ منهم قوة، وأكثر أموالا وأولادا، كقوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم إبراهيم، وغيرهم.
ثم ذكر أن المؤمنين يجب أن يكون بعضهم أولياء بعض، لأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على عكس ما يفعله المنافقون وذكر ما أعدّ لهم من الثواب، كما ذكر ما أعدّ للمنافقين من العذاب ثم أمر النبي (ص) أن يجاهدهم بالتغليظ والتشديد عليهم، ثم أعاد السياق ما ذكره سبحانه، من حلفهم وإنكارهم ما يقولونه بعد الأمر بجهادهم، ليؤكد ثانيا أنهم قالوه.
ورابعها: الذين عاهدوا الله إن أغناهم أن يتصدّقوا من أموالهم، فلمّا آتاهم ما طلبوا بخلوا بصدقاتهم، فجازاهم على ذلك بأن أعقبهم نفاقا لا يفارقهم الى يوم القيامة، وهددهم بأنه يعلم سرّهم ونجواهم ولا يخفى عليه، جلّت قدرته، شيء من أحوالهم ثم ذكر أنهم مع بخلهم بالصدقات يطعنون المطّوعين من المؤمنين فيها، والذين لا يجدون ما يتصدقون به إلا جهد المقلّ، فيسخرون منهم ويزعمون أنهم يقصدون الرياء والسمعة، وأن الله غنيّ عن صدقة المقلّ منهم ثم ذكر أنه جازاهم سخرية بسخرية، ولهم عذاب أليم، ونهى النبي (ص) أن يستغفر لهم كما يستغفر للمسلمين وذكر أنه لا يغفر لهم، ولو استغفر لهم سبعين مرة، لأنهم كفروا به وبرسوله وهو لا يهدي القوم الفاسقين.
ولما انتهى السياق من بيان أقسامهم، عاد إلى أصل الكلام في تثاقلهم وتخلّفهم عن غزوة تبوك، فذكر ما كان من فرحهم بتخلّفهم، وكراهتهم للجهاد
بأموالهم وأنفسهم، وتثبيطهم الناس عن هذه الغزوة وأوعدهم الله وسبحانه، على ذلك بما أوعدهم به، ثم أمر النبي (ص) ألّا يأذن لهم في الخروج بعد ذلك إذا استأذنوه فيه، وألّا يشركهم معه في قتال عدو، ونهاه نهيا قاطعا أن يصلّي على أحد منهم مات، وأن يقوم على قبره وأن تمتدّ عينه إلى أموالهم وأولادهم، كما كان يفعل قبل ذلك من أخذ أموالهم، وقبول تخلفهم ثم وبّخ أصحاب الأموال منهم على ما كانوا يفعلونه من ذلك، ورضاهم بأن يقعدوا مع الخوالف من النساء والولدان ثم ذكر أن الرسول والمؤمنين على خلاف ما يفعل أولئك المنافقون، وأنه أعدّ لهم على ذلك ما أعدّ من جنات النعيم.
ثم شرع السياق في بيان ما حصل من منافقي الأعراب في تلك الغزوة، وكان ما سبق في منافقي المدينة، فذكر، جلّت قدرته، أن المعذّرين منهم جاءوا ليؤذن لهم في القعود، وهم الذين يعتذرون بلا عذر، وأن بعضهم قعد ولم يعتذر جراءة على الله ورسوله فأوعدهم سبحانه، بأنهم سيصيبهم عذاب أليم ثم نفي الحرج عمّن قعد بعذر لضعفه أو لأنه لا يجد الأهبة والزاد والراحلة، فهؤلاء ليس عليهم من سبيل، والله غفور رحيم، إنما السبيل على الذين يستأذنون وهم أغنياء، ولا ضعف فيهم ثم ذكر أنهم سيعتذرون إليهم بعد رجوعهم من الغزو، ونهى النبي (ص) عن قبول عذرهم وذكر أنهم سيحلفون لهم أنهم لم يقدروا على الخروج، ليعرضوا عنهم ولا يوبّخوهم وأمرهم أن يعرضوا عنهم، إعراض مقت وسخط ثم ذكر أن منافقي الأعراب أشدّ كفرا ونفاقا وجهلا من منافقي المدينة وأن منهم من يعتقد أن ما ينفقه في سبيل الله غرامة وخسران، ويتربص بالمسلمين الدوائر بظهور أعدائهم عليهم ثم ذكر أن من الأعراب من يخلص في إيمانه، وأنه سيدخلهم في رحمته وأن السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان، لهم درجات أعلى منهم، لأن الأعراب، وإن أخلصوا في إيمانهم، ليس لهم مثل سبقهم وجهادهم.
ثم ذكر أن من الأعراب وأهل
المدينة منافقين مردوا على النفاق وأن النبي (ص) لا يعلمهم، وهو سبحانه، يعلمهم، وسيعذّبهم مرتين في الدنيا والاخرة وأن منهم آخرين اعترفوا بذنوبهم، وخلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا وذلك بخروجهم مع النبي (ص) في سائر الغزوات، وتخلّفهم في هذه الغزوة وأنه قد قبل توبتهم، وغفر لهم وكانوا قد تأخّروا عن تقديم زكواتهم قبل توبتهم، فأمر النبي (ص) أن يأخذها منهم، لتتمّ توبتهم بها ثم ذكر أنه هو الذي يقبل التوبة عن عباده، ويأخذ الصدقات ترغيبا فيها لمن لم يتب، وأمرهم أن يعملوا الصالحات، لتكفّر ما مضى من سيئاتهم وأخبرهم بأنه يرى عملهم، ترغيبا وترهيبا لهم ثم ذكر أن منهم آخرين ندموا على ما فعلوا، ولكنهم أحجموا عن الحضور الى النبي (ص) ، وإظهار التوبة، خوفا منه أو خجلا واستحياء، وأنهم مرجون لأمره، فإما يعذّبهم وإمّا يوفّقهم لتكميل التوبة، لأن الندم وحده لا يكفي فيها، ثم ذكر أن منهم الذين اتّخذوا مسجدا قبيل غزوة تبوك، يضارّون به مسجد قباء، ويفرّقون به بين المؤمنين ونهى النبيّ (ص) أن يصلّي فيه، وذكر أن مسجد قباء الذي أسس على التقوى، من أول يوم، أحقّ بذلك وأجدر وكان قد أمر النبي (ص) بتخريبه، فذكر أنه لا يزال بنيانهم بعد تخريبه ريبة في قلوبهم، إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) .
ولما انتهى من ذكر ما فعلوه في تلك الغزوة، ذكر أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم، بأنّ لهم الجنة، فلا يصحّ لمسلم أن يبخل بنفسه وماله في الجهاد، كما يبخل أولئك المنافقون، وأنه وعد المجاهدين بذلك وعدا عليه حقّا في التوراة والإنجيل والقرآن، ولا يوجد من هو أوفى بعهده منه. ثمّ أمرهم أن يستبشروا بذلك البيع الرابح، وأخبرهم بأن ذلك هو الفوز العظيم، ومدحهم بأنهم التائبون العابدون، إلى غير ذلك من الصفات التي امتازوا بها على المنافقين، وجعلتهم يبذلون أنفسهم وأموالهم، في سبيل الله، راضين مطمئنين.
ثم نهى النبي (ص) والمؤمنين عن الاستغفار لأولئك المنافقين بعد أن بيّن ما حصل منهم، لأن هذا أشد
عقوباتهم، فكرر النهي عنه تأكيدا له، وذكر انه لا يصح أن يقتدوا، في هذا، باستغفار إبراهيم لأبيه، لأنه لم يستغفر له إلّا بعد أن وعده أن يؤمن، فلما لم يف بوعده تبرّأ منه، وترك الاستغفار له ثم ذكر أنه لا يؤاخذهم بما سبق منهم فيضلّهم، لأنه لا يؤاخذ قوما بعد إذ هداهم، حتى يبيّن لهم ما يتّقون، ثم ذكّرهم بكمال علمه، وواسع ملكه، لينقادوا لنهيه، ويستغنوا به، عن أولئك المنافقين.
وكان قد حصل من النبي (ص) والمؤمنين بعض ما يؤاخذون عليه في تلك الغزوة، كإذنه (ص) للمنافقين في القعود، وتأثّر بعض المؤمنين بتثبيط المنافقين. فذكر أنه تاب عليهم من تلك الزلّات وعلى الثلاثة الذين تخلّفوا منهم، ثم ندموا وتابوا، وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع، فتاب عليهم بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنّوا أن لا ملجأ من الله إلّا إليه وأمرهم بأن يتّقوه، ويكونوا مع الصادقين.
ثم ذكر أنه ما كان لأهل المدينة، ومن حولهم من الأعراب، على العموم، أن يتخلفوا عن النبي (ص) ، لأنهم لا يصيبهم شيء في الجهاد، ولا ينالون ظفرا على العدو، إلّا كتب لهم به عمل صالح، ولا ينفقون نفقة، ولا يقطعون واديا إلّا كتب لهم ثم ذكر أنه لا يكلفهم كلّهم أن ينفروا إلى النبي (ص) ، وإنّما يكلفهم أن تنفر من كل فرقة منهم طائفة إليه، ليتفقّهوا في الدين، ويشاركوه في الجهاد، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.
ثم أمر المؤمنين أن يقاتلوا الذين يلونهم من الكفار، وهم المنافقون وقد أمر النبي (ص) بجهادهم فيما سبق، فأعاده تأكيدا له، والمراد من قتالهم، أن يظهروا العداوة لهم بالتشديد والتغليظ عليهم كما سبق ثمّ حرّضهم عليهم، فذكر أنهم إذا أنزلت سورة من القرآن، فمنهم من يقول:
أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً [الآية 124] وأجاب عن قولهم بأن المؤمنين يزدادون بها إيمانا. وأما هم فيزدادون بها نفاقا إلى نفاقهم ثم وبّخهم بأنهم يفتنون في نفاقهم كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ
يَذَّكَّرُونَ
(126)
. ومنهم من ينظر عند نزولها، هل يراه أحد إذا انصرف كراهة لسماعها، ثم ينصرفون إلى دورهم صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127) .
ثم ذكر لهم من أمر النبي (ص) ما لا يصحّ معه أن ينافقوه، وهو أنه رسول لهم من أنفسهم، عزيز عليه ما هم فيه من العنت، حريص عليهم بالمؤمنين، رؤوف رحيم فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) .