الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبل أن يحلّ العقاب، ويتحقق الإنذار، والإشارة إلى عواقب المكذبين من الأمم الخالية التي حقّ عليها النذير.
كل ذلك يرد في تناسق مطلق، بين السياق والقصة، أو السياق والمشهد، أو السياق والتوجيهات، فتبدو القصص والمشاهد والتوجيهات كلها أجزاء من هذا السياق العام ملوّنة بلونه، مظلّلة بجوّه، محقّقة للغرض الذي يتجه إليه موضوع السورة الرئيس من البدء حتى الختام.
2- مقاصد السورة ومزاياها
مهّدت سورة الأعراف لمقاصدها ببيان عظمة الكتاب، وجلال هدايته، وقوة حجته في توضيح الدعوة، وإنذار المخالفين بها.
ثم تناولت أهداف الدعوة في مكة، وهي تقرير رسالة الإسلام وبيان أصول هذه الدعوة: توحيد الله في العبادة والتشريع، وتقرير البعث والجزاء، وتقرير الوحي والرسالة بوجه عام، وتقرير رسالة محمد (ص) بوجه خاص. وتلك هي أصول الدعوة الدينية التي كانت لأجلها جميع الرسالات الإلهية.
وقد سلكت السورة، في طريقة عرض هذه الحقائق، أسلوبين بارزين، أحدهما أسلوب التذكير بالنعم، والاخر أسلوب التخويف من العذاب والنّقم.
أمّا أسلوب التذكير بالنعم، فتراه واضحا في لفتها أنظار الناس إلى ما يلمسونه ويحسّونه من نعمة تمكينهم في الأرض، ونعمة خلقهم وتصويرهم في أحسن تقويم، ونعمة تمتّع الإنسان بما في هذا الكون من خيرات، سخّرها الله له.
أمّا أسلوب الإنذار والتخويف، فهو ظاهر في جو السورة، وفي قصص الأنبياء فيها. وقد استغرق هذا القصص أكثر من نصفها، وقد ساقت لنا السورة ما دار بين الأنبياء وأقوامهم، وسجّلت السورة جزاء المكذبين بأمر الله الخارجين على دعوة رسله وهدايتهم، وهي ظاهرة تكررت الإشارة إليها في سور القرآن المكية، تحذيرا لأهل مكة أن يصيبهم ما أصاب الأمم من قبلهم.
3- عرض إجمالي لأجزاء السورة
سورة الأعراف أول سورة طويلة نزلت من القرآن الكريم، وهي أطول
سورة في المكّيّ. وهي أول سورة عرضت لتفصيل في قصص الأنبياء مع أممهم. وقد نزلت بين جملتين من السور المكية: يكثر في الجملة التي نزلت قبلها السور القصيرة، التي تعرف بسور «المفصّل» «1» ويكثر في الجملة التي نزلت بعدها السور المتوسطة التي تعرف بسور «المئين» «2» .
وتطالعنا سورة الأعراف بالحديث عن عظمة القرآن. وتأمرنا باتّباعه وتحذّرنا من مخالفته. وتحثّنا على العمل الذي تثقل به موازيننا يوم القيامة «3» في بداية تعدّ براعة استهلال أو عنوان لما تشتمل عليه السورة.
وهي سمة غالبة في سور القرآن حيث نجد الآيات الأولى منها عنوانا معبّرا عن أهدافها وسماتها.
وفي أول سورة الأعراف يقول سبحانه:
المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (3) .
ثم ساقت لنا السورة بأسلوب منطقي بليغ قصة آدم مع إبليس. وكيف أن إبليس قد خدعه بأن أغراه بالأكل من الشجرة المحرّمة. فلمّا أكل منها هو وزوجته، بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ [الآية 22] .
ثمّ وجهت إلى بني آدم نداء، في أواخر هذا الرّبع، نهتهم فيه عن الاستجابة لوسوسة الشيطان. قال تعالى:
يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) .
وفي الرّبع الثاني منها، نراها تأمرنا بأن نأخذ زينتنا عند كل مسجد، وتخبرنا بأن الله- تعالى- قد أباح لنا أن نتمتّع بالطيّبات التي أحلّها لنا،
(1) . تسمّى سور «المفصّل» لكثرة الفصل بينها بالبسملة مثل «الضحى» .
(2)
. هي السور التي يكون عددها قرابة المائة آية.
(3)
. تفسير سورة الأعراف، لفضيلة الدكتور أحمد السيد الكوفي والدكتور أحمد سيّد طنطاوي، صفحة 6 وما بعدها.
وتبشّرنا بحسن العاقبة متى اتّبعنا الرسل الذين أرسلهم الله لهدايتنا ثمّ تسوق لنا، في بضع آيات، عاقبة المكذبين لرسل الله، وكيف أن كلّ أمّة من أمم الكفر، عند ما تقف بين يدي الله للحساب، فإنها تلعن أختها.
قال تعالى:
كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ
(39)
.
ثم تبيّن السورة بعد ذلك عاقبة المؤمنين فتقول:
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (42) .
وفي أواخر هذا الرّبع، وأوائل الرّبع الثالث منها، نراها تسوق لنا تلك المحاورات التي تدور بين أصحاب الجنة وأصحاب النار، وتحكي لنا ما يحصل بينهم من نداءات ومجادلات، تنتهي بأن يقول أصحاب النار لأصحاب الجنة على سبيل التذلل والتوسل، كما ورد في التنزيل:
وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (50) . فيجيبهم أصحاب الجنة كما ورد في التنزيل أيضا:
إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا.
ثم تسوق لنا السورة بعد ذلك جانبا من مظاهر نعم الله على خلقه، وتدعونا إلى شكره عليها لكي يزيدنا من فضله.
وفي الرّبع الرابع منها، وفي أواخر الثالث تحدثنا عن قصة نوح مع قومه.
ثمّ عن قصّة هود مع قومه، ثمّ عن قصة صالح مع قومه. ثمّ عن قصة لوط مع قومه، ثمّ عن قصّة شعيب مع قومه، ولقد ساقت لنا، خلال حديثها عن هؤلاء الأنبياء مع أقوامهم، من العبر والعظات، ما يهدي القلوب، ويشفي الصدور، ويحمل العقلاء على الاستجابة لهدى الأنبياء والمرسلين.
أمّا في الرّبع الخامس منها، فقد
بيّنت لنا سنن الله في خلقه، ومن مظاهر هذه السنن أنه- سبحانه- لا يعاقب قوما إلا بعد الابتلاء والاختبار وأنّ الناس لو آمنوا واتقوا لفتح- سبحانه- عليهم بركات من السماء والأرض وأن الذين يأمنون مكر خالقهم، هم القوم الخاسرون.
قال تعالى:
تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (101) وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (102) .
ثم عقبت على ذلك، ببيان أن الله تعالى قد ساق قصص السابقين للعظة والاعتبار.
ثم أسهبت السورة في الحديث عن قصة موسى (ع) فقصّت علينا في زهاء سبعين آية، استغرقت الربع السادس والسابع والثامن، ما دار بينه وبين فرعون من محاولات ومناقشات، وما حصل بينه وبين السّحرة من مجادلات ومساجلات انتهت بأن قال السحرة كما روى القرآن حكاية عنهم:
قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (122) .
ثم حكت لنا ما لقيه موسى من قومه بني إسرائيل من تكذيب وجهالات، ممّا يدلّ على أصالتهم في التمرد والعصيان، وعراقتهم في الكفر والطغيان.
وفي الرّبع التاسع منها، حدّثتنا عن العهد الذي أخذه الله على البشر بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ثمّ حدثتنا عن التفكير والتدبير في ملكوت السماوات والأرض، وبينت لنا أن موعد قيام الساعة لا يعلمه سوى علّام الغيوب، وأن الرسل الكرام وظيفتهم تبليغ رسالات الله، ثم هم بعد ذلك لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا.
أما في الربع العاشر والأخير، فقد اهتمّت السورة الكريمة بإقامة الأدلة على وحدانية الله، وأنكرت على المشركين شركهم، ودعت الناس إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم:
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199) .
وأمرتهم بأن يكثروا من التضرع والدعاء: