المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الأنعام» - الموسوعة القرآنية خصائص السور - جـ ٣

[جعفر شرف الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌سورة الأنعام

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «الأنعام» »

- ‌1 كيف أنزلت

- ‌2- لم سميت بسورة الأنعام

- ‌3- تاريخ نزول السورة

- ‌4- مميزات المكي والمدني

- ‌5- خصائص السور المكية واضحة في سورة الأنعام

- ‌6- الأغراض الرئيسة لسورة الأنعام

- ‌(أ) وحدة الألوهيّة:

- ‌(ب) قضية الوحي والرسالة

- ‌تكذيب المرسلين:

- ‌نبوة محمد (ص) :

- ‌(ج) قضية البعث والجزاء

- ‌7- قصة إبراهيم الخليل

- ‌8- الوصايا العشر

- ‌الوصية الأولى:

- ‌والوصية الثانية:

- ‌والوصية الثالثة:

- ‌الوصية الرابعة:

- ‌الوصية الخامسة:

- ‌والوصية السادسة:

- ‌الوصية السابعة:

- ‌الوصية الثامنة:

- ‌الوصية التاسعة:

- ‌الوصية العاشرة:

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الأنعام»

- ‌تاريخ نزولها ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌إثبات التوحيد والنبوة الآيات [1- 7]

- ‌شبهتهم الأولى على التوحيد والنبوة الآيات [8- 36]

- ‌شبهتهم الثانية على التوحيد والنبوة الآيات [37- 90]

- ‌شبهتهم الثالثة على التوحيد والنبوة الآيات [91- 108]

- ‌شبهتهم الرابعة على التوحيد والنبوة الآيات [109- 117]

- ‌إبطال بدعة لهم في الحلال والحرام الآيات [118- 123]

- ‌شبهتهم الخامسة على التوحيد والنبوة الآيات [124- 135]

- ‌إبطال بدع لهم في الحلال والحرام الآيات [136- 147]

- ‌شبهتهم السادسة على التوحيد والنبوة الآيات [148- 158]

- ‌الخاتمة الآيات [159- 165]

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الأنعام»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «الأنعام»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الأنعام»

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «الأنعام»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «الأنعام»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الأنعام»

- ‌سورة الأعراف 7

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «الأعراف»

- ‌1- معنى فواتح السور

- ‌2- مقاصد السورة ومزاياها

- ‌3- عرض إجمالي لأجزاء السورة

- ‌4- قصة آدم

- ‌5- نعمة الثياب والزينة

- ‌توسّط الإسلام في شأن الزينة

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الأعراف»

- ‌تاريخ نزولها ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌المقدمة الآيات [1- 9]

- ‌قصة آدم وإبليس الآيات [10- 58]

- ‌قصة نوح وقومه الآيات [59- 64]

- ‌قصة هود وقومه الآيات [65- 72]

- ‌قصة صالح وقومه الآيات [73- 79]

- ‌قصة لوط وقومه الآيات [80- 84]

- ‌قصة شعيب وقومه الآيات (85- 112)

- ‌قصة موسى وفرعون وبني إسرائيل الآيات [103- 174]

- ‌قصة عالم لم يعمل بعلمه الآيات [175- 177]

- ‌الخاتمة الآيات [178- 206]

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الأعراف»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «الأعراف»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الأعراف»

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «الأعراف»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «الأعراف»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الأعراف»

- ‌سورة الأنفال 8

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «الأنفال»

- ‌أهداف السورة

- ‌صور من معركة بدر

- ‌ الغنائم

- ‌الحرب والسلام

- ‌صفات المؤمنين

- ‌نداءات إلهية للمؤمنين

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الأنفال»

- ‌تاريخ نزول السورة ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌تفويض قسمة الأنفال لله والرسول الآيات (1- 40)

- ‌مصرف الأنفال الآيات (41- 75)

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الأنفال»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «الأنفال»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الأنفال»

- ‌المبحث السادس المعاني الغوية في سورة «الأنفال»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «الأنفال»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الأنفال»

- ‌سورة التوبة 9

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «التوبة»

- ‌أسماء السورة

- ‌أين البسملة

- ‌أهداف سورة التوبة

- ‌هدفان أصليان

- ‌رحمة الله بالعباد

- ‌غزوة تبوك

- ‌علاقات المسلمين بغيرهم

- ‌فضل الرسول الأمين

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «التوبة»

- ‌تاريخ نزولها ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌الكلام على المشركين وأهل الكتاب الآيات (1- 37)

- ‌الكلام على المنافقين الآيات (38- 129)

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «التوبة»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «التوبة»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «التوبة» »

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «التوبة»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «التوبة»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «التوبة»

- ‌الفهرس

الفصل: ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الأنعام»

‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الأنعام»

«1»

1-

قال تعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ [الآية 6] .

أقول: دلالة القرن على الزمان مشهورة وحدّه عشر سنين أو عشرون أو ثلاثون أو أربعون أو خمسون أو ستون أو سبعون أو ثمانون أو مائة أو مائة وعشرون. والغالب هو مائة سنة.

والعدد الأخير هو المعروف في عصرنا، وليس شيئا من المقادير الأخرى، فيقال القرن الرابع عشر الهجري، وحدّه من 1301 إلى 1400.

ولكن للقرن دلالات أخرى في العربية القديمة، فهو الأمّة من الناس هلكت، ولم يبق منها أحد، وهذا متحقّق في الآية موضع بحثنا، كما هو متحقق في آيات أخرى منها: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا [يونس: 13] .

ولعل سبب إطلاق القرن على الأمّة، وعلى قدر من السنين في الوقت نفسه مردّه إلى علاقة أحدهما بالآخر بنوع من الاتّصال والملابسة.

2-

وقال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً [الآية 25] .

أي: ومنهم من يستمع إليك حين تتلو القرآن. روي أنّه اجتمع أبو سفيان، والوليد، والنضر، وعتبة، وشيبة، وأبو جهل، وأضرابهم يستمعون تلاوة رسول الله (ص) فقالوا

(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي، مؤسسة الرسالة، بيروت، غير مؤرّخ.

ص: 39

للنضر: يا أبا قتيلة، ما يقول محمّد؟

فقال: والذي جعلها بيته، يعني الكعبة، ما أدري ما يقول، إلّا أنّه يحرّك لسانه ويقول أساطير الأولين، مثل ما حدّثكم عن القرون الماضية.

فقال أبو سفيان: إنّي لأراه حقّا. فقال أبو جهل: كلّا، فنزلت الآية. والأكنّة:

الأغطية، وهي جمع كنان.

والمعنى غطّيت قلوبهم بأغطية لئلّا يفقهوا آيات الله، أي: لكي لا يفقهوها أقول: حذفت لام التعليل كما حذفت أداة النفي «لا» قبل الفعل «يفقهوه» للعلم به من قرينة الحال، وهذا نمط من إيجاز لغة التنزيل، وهو معرض من معارض البلاغة.

3-

وقال تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا [الآية 27] .

والمعنى: ولو ترى إذ أروا النّار....

إن الفعل: «وقف» في الآية مبني للمفعول.

والفعل وقف، والمصدر وقف ووقوف، خلاف الجلوس وهو لازم، تقول: وقفت الدابّة تقف وقوفا. ووقفت الدابّة وقفا، أي: وقّفتها أو أوقفتها، وهو فعل متعدّ نعرفه كثيرا في الأدب القديم، قال امرؤ القيس:

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسى وتجمّل

ومثل قول طرفة:

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسى وتجلّد

ومن ذلك قول النابغة:

وقفت فيها سراة اليوم أسألها

عن حال نعم أمونا عبر أسفار

هذا هو «وقف» الفعل المتعدي، وهو ما لا وجود له في العربية المعاصرة، بل عدل عنه إلى المزيد فيقال: أوقفت السيّارة، ومثله المضاعف: وقّفها.

على أن الفعل في الآية موضع بحثنا «وقفوا» بمعنى أروا وأدخلوا النار فعرفوا مقدار عذابها، كما تقول:

وقفت على ما عند فلان، تريد قد فهمته وتبيّنته.

4-

وقال تعالى: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) .

إنّ الأداة «قد» في قَدْ نَعْلَمُ من

ص: 40

الآية بمعنى «ربّما» ، الذي يجيء لزيادة الفعل وكثرته، كقول زهير:

أخو ثقة لا تهلك الخمر ماله ولكنّه قد يهلك المال نائله وقد علق الشيخ أحمد بن المنير الإسكندري في حاشيته «الارتشاف» فقال: ومثلها، (أي: مسألة «قد» ) في قوله تعالى: وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ [الصّفّ: 5] فإنّه يكثر علمهم برسالته، ويؤكّده بظهور آياته، حتّى يقيم عليهم الحجّة في جمعهم بين متناقضين: أذيّته، ورسوخ علمهم برسالته.

ومنه أيضا قول الشاعر:

قد أترك القرن مصفرّا أنامله أقول: هذه الفائدة من خصائص العربية في اللغة القديمة، أي: أن «قد» تدخل على الفعل المضارع، وتفيد التكثير، بعكس الشائع الكثير وهو التقليل.

أقول: قد يكون بقي شيء من إفادة التقليل ل «قد» مع المضارع في اللغة العربية المعاصرة، إلّا أن إفادة التكثير لا نجد له مكانا وذلك لأن المعربين من الأدباء وغيرهم قد أضاعوا الكثير من خصائص هذه وجهلوا مكانها.

ومن المفيد أن نقف عند قول الزمخشري: أن «قد» في «قد نعلم» بمعنى «ربّما» .

أود أن أقول: إن «ربّما» تفيد التقليل، وهي كذلك في العربية القديمة ولكنها تفيد التكثير أيضا. فماذا بقي منها في العربية المعاصرة؟ لم يبق من ذلك إلا إفادة التقليل وقد يضاف إلى التقليل، الشك والاحتمال الضعيف «1» .

وفي هذه الآية جاء: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ.

وهمزة «إن» مكسورة وقد جرينا في العربية على فتح الهمزة، إذا صحّ أن تؤوّل هي ومعمولاها بمصدر في موضع المفعول به للفعل «نعلم» .

غير أن القراءة جرت بالكسر: وهذه سنة متبعة وعلينا قبولها، ولا يصح سبكها بالمصدر ثم الفعل «يحزن» مثل «ينصر» ، وقرئ أيضا بضم الياء.

والقراءة بالفتح هي المثبتة، وهي الشهيرة، على أن الفعل ثلاثي «حزن يحزن» والفعل متعدّ.

(1) . انظر: مسألة «رب» ، ومسائل أخرى لابن السيد البطليوسي (نشر مجمع اللغة العربية في دمشق 1960) .

ص: 41

أقول: وكون هذا الفعل متعدّيا، معروف مشهور في العربية القديمة، ولا وجود له في العربية المعاصرة فإذا أريد تجاوزه إلى المفعول به، قالوا «أحزن» مزيدا بالهمزة.

وجاء في «الصحاح» أنّ «حزن» لغة قريش، و «أحزن» لغة تميم. والمصدر الحزن. وأمّا الحزن فمصدر «حزن» اللازم.

أقول:

لم أهتد في استقرائي منذ زمان بعيد إلى استعمال «حزن» المتعدي بصيغة المضي، فكلّ الذي وجدته من نصوص هو استعمال «يحزن» ، ويؤيّد دعواي هذه ما ورد في لغة التنزيل، فقد جاء الفعل متعدّيا بصيغة «يفعل» في تسع آيات، منها قوله تعالى:

فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (76)[يس] .

5-

وقال تعالى: وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها [الآية 59] .

أريد أن أقف على قوله تعالى: إِلَّا يَعْلَمُها فأقول: هذا هو أسلوب القرآن يأتي الفعل بعد أداة الاستثناء في الجملة الحالية، وليس من واو كما نجد عند المعربين، ولا سيما في عصرنا الحاضر، يقال:

ما رأيته إلا ووجدته مشغولا بمسألة مشكلة.

وكأن الأسلوب الفصيح القول: ما رأيته إلا وجدته مشغولا بمسألة مشكلة.

ومثل هذا قوله تعالى: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (4) .

وقوله تعالى: وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11)[الحجر] .

6-

وقال تعالى: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً [الآية 65] .

أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً بمعنى أن يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتّى، كلّ فرقة منكم مشايعة لإمام. ومعنى خلطهم: أن ينشب القتال بينهم فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال.

وكتيبة لبّستها بكتيبة

حتى إذا التبست نفضت لها يدي «1»

(1) . «الكشاف» 2: 23.

ص: 42

واللّبس واللّبس: اختلاط الأمر، ولبس عليه الأمر يلبسه لبسا فالتبس، إذا خلطه عليه حتى لا يعرف جهته.

وعلى هذا، فرّق بالفعل بين معنى الخلط وبين قولهم: لبس الثوب فهذه الأخيرة مثل «علم» ، والتي تفيد الخلط مثل «ضرب» . كما فرّق بالمصدر، فمصدر قولهم: لبس الثوب «اللّبس» بضم اللام، أما ما يفيد الخلط فهو «اللّبس» بفتح اللام.

وقالوا: لا بس الرجل الأمر بمعنى خالطه ولا بست فلانا: عرفت باطنه.

أقول: هذه هي الملابسة، أمّا أن يراد بها الالتباس كما في اللغة المعاصرة، فهو أمر جديد حدث عن طريق الاتساع، لأنّ الكلمة تفيد المخالطة. وقد كنا عرضنا لشيء من مادة «لبس» .

7-

وقال تعالى: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [الآية 68] .

المراد بقوله تعالى: يَخُوضُونَ فِي آياتِنا، أي: في الاستهزاء بها والطعن فيها.

أقول: جاءت مادة «الخوض» ، فعلا، ومصدرا، واسم فاعل في إحدى عشرة آية، وفي جميعها قد انصرف «الخوض» إلى الدخول في الباطل وما لا ينبغي، ومن ذلك قوله تعالى:

فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)[الطور] .

غير أننا نجد «الخوض» ، مستعملا في العربية المعاصرة غير متصف بهذه الخصوصية المعنوية، فهو عام يكون في الخير والشر، والحق والباطل، يقال مثلا:«كنا نخوض في مختلف الشؤون» ، والشؤون تكون حقا وباطلا، وقد تكون كلها حقا. وهذا يعني أن المعربين قد جهلوا الكثير من خصائص هذه اللغة العريقة.

8-

وقال تعالى: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها [الآية 70] .

قوله تعالى: وَذَكِّرْ بِهِ، أي:

بالقرآن، والمراد ب أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ أي: مخافة أن تسلم النفس إلى الهلكة والعذاب، وترتهن بسوء كسبها. وأصل الإبسال: المنع، لأن المسلم إليه يمنع

ص: 43

المسلم، قال عوف بن الأحوص الباهلي:

وإبسالي بنىّ بغير جرم

بعوناه ولا بدم مراق «1»

ومنه: هذا عليك بسل، أي: حرام محظور.

وأبسلت فلانا: أسلمته للهلاك فهو مبسل.

ومثل هذا قوله تعالى من الأنعام:

أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا [الآية 70] .

أي: أسلموا بجرائمهم، وقيل:

ارتهنوا، وقيل أهلكوا «2» .

أقول: وهذا من الكلم الشريف الذي اشتملت عليه لغة القرآن، وليس لنا شيء منه في العربية المعاصرة.

إننا لم نعرف في عربيتنا المعاصرة من مادة «بسل» إلا الباسل والبسالة فنقول: الجيش الباسل، وأبدى المحارب بسالة، ولا نعرف الفعل «بسل» .

9-

وقال تعالى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ [الآية 73] .

ورد «الصّور» في عشر من الآيات، وفي جميعها يرد الفعل «نفخ وينفخ» بالبناء للمفعول، فما الصّور هذا؟

وفي «الصّور» قولان أحدهما: أنه بفتح الواو جمعا لصورة، كما في قراءة لقوله تعالى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102)[طه] .

والثاني: أنه القرن الذي ينفخ فيه.

أقول: وأما من قال: إن الصّور «بفتح الواو» هو المراد، وهو جمع صورة، فهو أبو علي.

وقال أبو الهيثم: اعترض قوم فأنكروا أن يكون الصّور قرنا، كما أنكروا العرش والميزان والصّراط، وادّعوا أن الصّور جمع الصورة كما أن الصّوف جمع الصّوفة، والثّوم جمع الثّومة، ورووا ذلك عن أبي عبيدة.

قال أبو الهيثم وهذا خطأ فاحش، وتحريف لكلمات الله، عز وجل، عن مواضعها لأن الله، سبحانه، قال:

وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ [غافر:

64] ففتح الواو.

(1) . الكشاف 2: 36.

(2)

. اللسان (بسل) .

ص: 44

قال: ولا نعلم أحدا من القرّاء قرأها: (فأحسن صوركم)، وكذلك قال: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ [الكهف: 99]، فمن قرأ:(ونفخ في الصّور)، أو قرأ:

(فأحسن صوركم) فقد افترى الكذب وبدّل كتاب الله.

أقول: وأنا أميل إلى قول أبي علي عن أبي عبيدة وهو أن «الصور» جمع صورة كالصوف جمع صوفة، أو أنه «الصّور» جمع الصورة، وذلك يبعد عنا فكرة التجسيم والتمثيل التي تكون في «القرن» ينفخ فيه.

10-

وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ [الآية 80] .

الكلام على وَقَدْ هَدانِ فالنون مكسورة، والأصل:«وقد هداني» والياء مطلوبة لأنها ضمير المتكلم وهي المفعول به، وقد حذفت هذه الياء واجتزئ عنها بكسرة قصيرة. أقول:

«قصيرة» لأنها حركة قصيرة بالقياس إلى الياء التي هي كسرة أو حركة طويلة.

ولماذا هذا الاجتزاء؟ سبب ذلك أن الوقف الجائز بعد هَدانِ يسوّغه وجود حركة قصيرة ولو كانت طويلة، لما حسن الوقف، لأن الوقف على النون الساكنة، أوقع على السمع من الوقف على الياء، أي: المدّ الطويل كما هو أحسن من الوقف على الكسر، وهذا من لطائف حسن الأداء، الذي تقتضيه قراءة القرآن، وإحسان تلك القراءة.

11-

وقال تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الآية 90] .

الكلام على اقْتَدِهْ، والهاء فيها صوت اقتضاه الوقف الذي هو أولى من الوصل في هذه الآية، وذلك أن الوقف لو كان على «الدال» لوجب إسكان الدال، وبذلك يختلّ الفعل، ويلتبس معناه بالأمر من «اقتاد» ، فجيء بالهاء وهو صوت حلقي يحسن السكوت عليه ألا ترى أن العرب في باب النداء والندبة والاستغاثة، وقفوا على الهاء فقالوا يا غوثاه، ويا زيداه، ووا حرّ قلباه، وغير ذلك.

12-

وقال تعالى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الآية 91] .

والمعنى: ما عظّموا الله حقّ تعظيمه.

وقال الخليل: ما وصفوه حقّ صفته.

ص: 45

أقول: هذا هو «القدر» بمعنى التعظيم الذي تحوّل إلى «التقدير» في لغة المعاصرين، يقولون: فلان حظي بالتقدير والاحترام. على أن «التقدير» في فصيح العربية القديمة ليس من هذا، وتقدير الله الخلق، تيسيره كلّا منهم، لما علم أنهم صائرون إليه من السعادة والشقاء، كذا قال المفسّرون والتقدير أيضا تعيين المقدار والدرجة والحدّ.

قال تعالى: وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ [فصلت: 10] .

وقال تعالى: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)[المدّثّر] .

وقال تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ [يس: 39] .

وقال تعالى: قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (16)[الإنسان] .

13-

وقال تعالى: وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ [الآية 93] .

أقول: واسم الفاعل «باسطو» مضاف إلى معموله، والمعنى يبسطون أيديهم، وهذا يعني أن الدلالة الزمنية هي حكاية الحال الماضية، ومن أجل ذلك وجبت الإضافة، ولم يجب النصب، وقد كنا أشرنا إلى هذا الموضوع وأوضحناه.

14-

وقال تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الآية 94] .

أريد أن أقف على قوله تعالى أَوَّلَ مَرَّةٍ، والمضاف إلى المصدر حكمه حكم المصدر مفعولا مطلقا.

أقول: درج المعاصرون على جرّ «أوّل» باللام فيقولون: حدث لأوّل مرّة، والفصيح: حدث أوّل مرّة.

15-

وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى [الآية 95] .

اسم الفاعل في الآية أضيف إلى معموله، وامتنع النّصب. وانظر الآية:

93.

16-

وقال تعالى: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الآية 101] .

قالوا: من إضافة الصفة المشبّهة إلى فاعلها، كقولك: فلان بديع الشّعر، أي: بديع شعره. كقولك: فلان ثبت الغدر، أي: ثابت فيه، والمعنى أنه عديم النّظير والمثل فيها.

وقيل: البديع بمعنى المبدع «1» .

(1) . «الكشاف» 2: 53.

ص: 46

أقول: إن قولهم: البديع بمعنى المبدع أكثر وجاهة، وذلك لأنّ المبدع هو الموجد، والخالق، والبادئ، وأن بدأ وبدع وبده واحد في الأصل والمعنى واحد. وعلى هذا فالمبدع، مقابلا للبديع في الآية، يعضده الاشتقاق.

17-

وقال تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (109) .

أقول القسم في غاية الإغلاظ.

وقد كنت عرضت للايات المصدّرة ب «لئن» وأشرنا إلى اللام أنها موطئة للقسم، ومن أجل ذلك فافعل بعدها جواب للقسم، وقد أكّد بالنون لأنه الجواب المتصل باللام، المثبت المستقبل في دلالته الزمنية.

وعلى هذا، فأسلوب المعاصرين ومن سبقهم ممن أشرنا إليهم من الشعراء، غير فصيح، في جعل الجواب للشرط، يدل عليه اقترانه بالفاء التي هي فاء الجزاء. وَما يُشْعِرُكُمْ، بمعنى (وما يدريكم) ، أن الآية التي تقترحونها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ يعني أنا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بها، وأنتم لا تدرون بذلك.

وذلك أن المؤمنين كانوا يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية، ويتمنّون مجيئها. فكأنّه، عز وجل، قال وما يدريكم أنهم لا يؤمنون. على معنى أنكم لا تدرون ما سبق علمي به من أنهم لا يؤمنون به.

ألا ترى إلى قوله تعالى: كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الآية 110] .

وقيل: «أنّها» بمعنى «لعلّها» من قول العرب: ائت السوق أنّك تشتري لحما.

وقال امرؤ القيس:

عوجا على الطّلل المحيل لأنّنا «1»

نبكي الدّيار كما بكى ابن خذام

ويقوّيها قراءة أبيّ: (لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون) .

وقرئ بالكسر على أن الكلام قد تمّ قبله بمعنى: وما يشعركم ما يكون منهم «2» .

(1) . لأننا بفتح اللام والهمزة، بمعنى لعلّنا.

(2)

. «الكشاف» 2: 57.

ص: 47

18-

وقال تعالى: وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ [الآية 138] .

أقول: حجر بمعنى محجور مثل الذّبح والطّحن، وهذا باب كبير في العربية، وهو ما جاء على «فعل» بكسر فسكون ومعناه مفعول.

ولعل هذه الأبنية السماعية التي تؤدّي ما تؤدّيه الأبنية القياسية، قد سبقت الأبنية القياسية، ومن أجل ذلك احتفظت العربية ببقاياها. ألا ترى أن «فعلة» في كثير من الألفاظ تؤدّي معنى «مفعول» ، نحو اللّقمة والكسوة والضحكة ونحو ذلك، ومثل ذلك ما ورد على «فعل» بفتحتين كالحلب والسلب والجلب والعلل والنّهل.

19-

وقال تعالى: وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا [الآية 139] .

قال الزمخشري «1» : كانوا يقولون في أجنّة البحائر والسوائب: ما ولد منها حيّا، فهو خالص للذكور، لا تأكل منه الإناث.

وأنّث لفظ (خالصة) للحمل على المعنى، لأنّ (ما) في معنى الأجنّة، وذكّر لفظ (محرّم) للحمل على اللفظ.

ويجوز أن تكون التاء في «خالصة» للمبالغة مثلها في راوية الشعر. وأن تكون مصدرا وقع موقع الخالص، كالعاقبة، أي: ذو خالصة.

أقول: ولا أرى قوله الثاني في أن التاء للمبالغة وجيها، والوجه الأول هو الحسن والصواب، وذلك أن لغة القرآن هي لغة العرب، وقد درج العرب على مراعاة اللفظ مرّة ومراعاة المعنى أخرى فإذا اقتضت الحال المراعاة مرّتين، حمل عليهما للتجانس وأظن أن هذه هي الحكمة اللطيفة، التي جرت عليها لغة القرآن، والله تعالى أعلم.

ويحسن أن نشير إلى قول الزمخشري «البحائر والسوائب» بشيء من الشرح فنقول:

أقول: البحيرة والسائبة من قوله تعالى:

ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [المائدة: 103] .

(1) . «الكشاف» 2: 71. [.....]

ص: 48

قيل: البحيرة من الإبل التي بحرت أذنها، أي: شقّت طولا، ويقال: هي التي خلّيت بلا راع.

وقال الأزهري، قال أبو إسحاق النحويّ: أثبت ما روينا عن أهل اللغة، في البحيرة، أنها الناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا، بحروا أذنها، أي: شقّوها، وأعفوا ظهرها من الركوب والحمل والذبح، ولا تحلّأ عن ماء ترده، ولا تمنع من مرعى، وإذا لقيها المعيي المنقطع به لم يركبها.

وقيل: البحيرة الشاة إذا ولدت خمسة أبطن، فكان آخرها ذكرا، بحروا أذنها، أي: شقّوها وتركت فلا يمسّها أحد.

قال الأزهري: والقول هو الأوّل لما جاء في حديث أبي الأحوص الجشمي عن أبيه، أن النبيّ (ص) قال له: أربّ إبل أنت أم ربّ غنم؟ فقال: من كلّ قد آتاني الله فأكثر، فقال: هل تنتج إبلك وافية آذانها فتشقّ فيها وتقول:

بحر؟ يريد جمع البحيرة.

أقول: وهذا من عاداتهم ومعتقدهم الذي درجوا عليه بالباطل فجاء الإسلام وأبطله.

وأمّا «السائبة» فهي أن الرجل في الجاهلية كان إذا قدم من سفر بعيد، أو برئ من علّة، أو نجته دابّة من مشقّة أو حرب قال: ناقتي سائبة، أي: تسيّب فلا ينتفع بظهرها، ولا تحلّأ عن ماء، ولا تمنع من كلأ، ولا تركب.

وقيل: بل كان ينزع من ظهرها فقارة أو عظما فتعرف بذلك فأغير على رجل من العرب، فلم يجد دابة فركب سائبة، فقيل: أتركب حراما؟ فقال:

يركب الحرام من لا حلال له، فذهبت مثلا «1» .

وجاء في الصحاح: السائبة الناقة التي كانت تسيّب في الجاهلية، لنذر ونحوه «2» .

وهذه أيضا آبدة من أوابدهم التي درجوا عليها، وسنأتي إلى الوصيلة فنقول: الوصيلة كانت في الشّاء خاصّة، فكانت الشّاة إذا ولدت أنثى فهي لهم، وإذا ولدت ذكرا فهو

(1) . «اللسان» (سيب) .

(2)

. «الصحاح» (سيب) .

ص: 49

لآلهتهم، فإذا ولدت ذكرا وأنثى، قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا الذّكر لآلهتهم، هذا هو قول المفسّرين للاية.

وقال غيرهم:

الوصيلة الناقة التي وصلت بين عشرة أبطن، وهي من الشّاء التي ولدت سبعة أبطن عناقين عناقين، فإن ولدت في السابع عناقا، قيل: وصلت أخاها، فلا يشرب لبن الأمّ إلّا الرجال دون النساء، وتجري مجرى السائبة.

وقال أبو عرفة: الوصيلة من الغنم كانوا إذا ولدت الشاة ستّة أبطن، نظروا، فإن كان السابع ذكرا ذبح، وأكل منه الرجال والنساء، وإن كانت أنثى تركت في الغنم، وإن كانت أنثى وذكرا، قالوا: وصلت أخاها فلم يذبح، وكان لبنها حراما على النساء.

على أن في الوصيلة أقوالا أخرى ليست بعيدة عن هذه الرسوم الجاهلية.

وأما الحامي: فهو الفحل من الإبل يضرب الضّراب المعدود، قيل: عشرة أبطن، فإذا بلغ ذلك قالوا: هذا حام، أي: حمى ظهره فيترك فلا ينتفع منه بشيء ولا يمنع من ماء ولا مرعى.

وقد أبطل الإسلام هذه الرسوم الجاهلية، وجعلها حلالا كغيرها من الحلال، وبذلك صرّحت الآية.

20-

وقال تعالى: وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً [الآية 142] .

قال الفراء: «الحمولة» ما أطاق العمل والحمل. و «الفرش» : الصّغار.

وقال أبو إسحاق: أجمع أهل اللغة على أن الفرش صغار الإبل.

وقال بعض المفسّرين: «الفرش» صغار الإبل، وإن البقر والغنم من الفرش، والذي جاء في التفسير يدلّ عليه قوله عز وجل ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ [الآية 143] فلما جاء هذا بدلا من قوله تعالى:

حَمُولَةً وَفَرْشاً جعله للبقر والغنم مع الإبل «1» .

21-

وقال تعالى: أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156) .

أريد أن أقف قليلا على «الدراسة» ، وينبغي أن أرجع إلى الآية 105 من هذه السورة، وهي:

(1) . «اللسان» (فرش) .

ص: 50

وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) .

وقد قرئت هذه الآية: (وليقولوا دارست) . والمعنى كما قالوا: درست كتب أهل الكتاب وأمّا دارست أي:

ذاكرتهم. وقرئ: (درست) و (درست)، أي: هذه أخبار قد عفت وامّحت.

أقول: وهذه القراءة الأخيرة لا تعدل قوّة القراءة الأولى ووضوحها، التي اتّفق أكثر القراء وأهل العلم عليها.

وقرأ ابن عباس ومجاهد:

(دارست)، وفسّرها: قرأت على اليهود وقرءوا عليك.

وقرئ: (درست) أي: قرئت وتليت.

والمصدر في هذا الفعل بمعنى القراءة الدّرس كالمصدر في «درس» بمعنى «عفا وامّحى» . أما الدراسة بمعنى القراءة، فهي خاصة بهذه الدلالة. والدّرس بمعنى القراءة من الأصول القديمة في مجموعة اللغات السامية، ومن المعلوم أن المدراش عند العبرانيين هو البيت الذي يدرسون فيه، نظير «المدرسة» في العربية التي استحدثت للمكان في العصور الإسلامية.

ودلالة الدرس على القراءة لها شواهد من كلام الله العزيز، كقوله:

أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37)[القلم] .

وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها [سبأ: 44] .

ص: 51