الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «الأعراف»
«1»
قال تعالى: كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ [الآية 2] على الابتداء «2» .
وقال: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ [الآية 2] على النهي كما قال:
وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ [الكهف: 28] أي: «الحرج فلا يكن في صدرك» ، و:«عيناك فلا تعدوا عنهم» .
وقال تعالى: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ [الآية 6] أي «لنسألنّ القوم الذين بعث إليهم وأنذروا» . وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) .
فَلَنَقُصَّنَّ [الآية 7] بالنون واللام، لأنّ قوله تعالى: فَلَنَسْئَلَنَّ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ على القسم.
وقال تعالى: وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ [الآية 10] فالياء غير مهموزة وقد همز بعض القراء «3» وهو رديء لأنها ليست بزائدة.
وانما يهمز ما كان على مثال «مفاعل» إذا جاءت الياء زائدة في الواحد والألف والواو التي تكون الهمزة مكانها نحو «مدائن» لأنها «فعايل» . ومن جعل «المدائن» من
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب، بيروت، غير مؤرخ.
(2)
. نقل رأي الأخفش في زاد المسير 3: 135.
(3)
. في الطبري 2: 316 و 317 الى عبد الرحمن، وفي السبعة الى نافع، وغلطها نقلا عن أبي بكر، وفي الشواذ 42 الى خارجة عن نافع والأعرج، وفي الجامع 7: 167 الى الأعرج ونافع، وفي البحر 4: 271 الى الأعرج وزيد بن علي والأعمش وخارجة، عن نافع وابن عامر في رواية.
«دان» «يدين» لم يهمز لأن الياء حينئذ من الأصل. وأمّا «قطائع» و «رسائل» و «عجائز» و «كبائر» فإنّ هذا كلّه مهموز، لأنّ واو «عجوز» زائدة، ألا ترى أنك تقول:«عجز» وألف «رسالة» زائدة إذ تقول «أرسلت» فتذهب الألف منها. وتقول في «كبيرة» «كبرت» فتذهب الياء منها. وأما «مصايب» فكان أصلها «مصاوب» لأن الياء إذا كانت أصلها الواو، فجاءت في موضع لا بد من أن تحرك فيه، قلبت الواو في ذلك الموضع إذا كان الأصل من الواو، فلمّا قلبت صارت كأنها قد أفسدت حتى صارت كأنها الياء الزائدة، فلذلك همزت، ولم يكن القياس أن تهمز. وناس من العرب يقولون «المصاوب» وهي قياس» .
وقال تعالى: صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ [الآية 11] . «ثمّ» في معنى الواو «2» ويجوز أن يكون معناه (لآدم) كما تقول للقوم:
«قد ضربناكم» وإنّما ضربت سيدهم.
وقال تعالى: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الآية 12] ومعناه: ما منعك أن تسجد، و (لا) هاهنا زائدة. وقال الشاعر «3» [من الطويل وهو الشاهد الرابع بعد المائتين] :
أبى جوده «لا» البخل واستعجلت به
…
«نعم» من فتى لا يمنع الجوع «4» قاتله «5»
وفسرته العرب: أبى جوده البخل «وجعلوا (لا) زائدة حشوا هاهنا وصلوا بها الكلام. وزعم يونس أنّ أبا عمرو، كان يجرّ «البخل» ولا يجعل «لا» مضافة إليه أراد: أبى جوده (لا) التي هي للبخل لأن (لا) قد تكون للجود والبخل. لأنه لو قال له: «امنع الحقّ»
(1) . وقد نقلت من هذه الآراء جذاذات في التهذيب 12: 253 «صاب» وإعراب القرآن 1: 351 و 352 والجامع 7:
167 و 168.
(2)
. نقله في الجامع 7: 168.
(3)
. لم تفد المصادر والمراجع شيئا في الشاعر.
(4)
. في ما عدا الصحاح واللسان «لا» وردت ب «الجود» .
(5)
. البيت في الخصائص 2: 35 و 283، ومغني اللبيب 1: 249 و 217، وأمالي ابن الشجري 2: 228، واللسان «لا» ، وفيه نقلت عبارات الأخفش من غير نسبة، وكذلك في الصحاح «لا» .
او «لا تعط المساكين» فقال «لا» كان هذا جودا منه.
وقال تعالى: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) أي: على صراطك. كما تقول: «توجّه مكّة» أي: إلى مكة.
وقال الشاعر (من الطويل وهو الشاهد الخامس بعد المائتين) :
كأنّي إذ أسعى لأظفر طائرا
…
مع النّجم في جوّ السّماء يصوب
يريد: لأظفر بطائر. فألقى الباء ونحوه أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ [الآية 150] يريد: عن أمر ربكم.
وقال تعالى قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً [الآية 18] لأنه من «الذّأم» تقول «ذأمته» ف «هو مذءوم» والوجه الاخر من «الذم» : «ذممته» ف «هو مذموم» تقول: «ذأمته» و «ذممته» و «ذمته» كلّه في معنى واحد ومصدر: «ذمته» «الذّيم» .
وقال تعالى: لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ [الآية 18] فاللام الاولى للابتداء والثانية للقسم.
وقال تعالى: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ [الآية 20] والمعنى: فوسوس إليهما الشيطان «1» . ولكن العرب توصل بهذه الحروف كلّها الفعل، ومنهم من يقول:«غرضت» في معنى: اشتقت اليه. وتفسيرها: غرضت من هؤلاء إليه.
وقال تعالى إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ [الآية 20] كأنه يقول: ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا كراهة أَنْ تَكُونا «2» كما تقول: «إيّاك أن تفعل» أي: كراهة أن تفعل.
وقال تعالى: وَطَفِقا [الآية 22] وقرأ بعضهم (وطفقا)«3» فمن قال «طفق» قال: «يطفق» «4» ومن قال «طفق» قال «يطفق» .
وقرأ قوله تعالى: يَخْصِفانِ [الآية 22] قرأه (يخصّفان) جعلها من «يختصفان» فأدغم التاء في الصاد
(1) . نقله في إعراب القرآن 1: 353.
(2)
. نقله في زاد المسير 3: 179، وأشرك معه الزجاج.
(3)
. في الشواذ 42، والبحر 4: 280 نسبت القراءة بالفعل من باب «ضرب» الى ابي السمال، وكذلك في الكشاف 2:96.
(4)
. نقله في الجامع 7: 180، وإعراب القرآن 1: 354، والصحاح «طفق» .
فسكنت، وبقيت الخاء ساكنة، فحرّكت الخاء بالكسر، لاجتماع الساكنين «1» .
ومنهم من يفتح الخاء ويحوّل عليها حركة التاء «2» .
وقال تعالى: وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) فكأنه على القسم، والله أعلم، كأنه قال:
«والله لنكوننّ من الخاسرين إن لم تغفر لنا وترحمنا» .
وقال تعالى: قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ [الآية 26] برفع قوله سبحانه وَلِباسُ التَّقْوى على الابتداء، وجعل خبره في قوله تعالى: ذلِكَ خَيْرٌ «3» وقد نصب بعضهم (ولباس التّقوى)«4» .
وقال تعالى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ [الآية 30] بتذكير الفعل بسبب الفصل كما في قوله تعالى لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ [الحديد: 15] .
وقال تعالى: يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [الآية 35] كأنّ المعنى (فأطيعوهم) .
وقال تعالى: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ [الآية 40] من «ولج» «يلج» «ولوجا» .
وقال سبحانه: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ [الآية 41] بكسر (غواش) لأن هذه الشين في موضع عين «فواعل» فهي مكسورة.
وأما موضع اللام منه فالياء، والياء والواو إذا كانتا بعد كسرة وهما في موضع تحرك برفع أو جرّ، صارتا ياء ساكنة في الرفع، وجرتا ونصبتا في النصب. فلمّا صارتا ياء ساكنة وأدخلت
(1) . في المحتسب 245، والجامع 7: 180، والكشّاف 2: 96 أنها قراءة الحسن، وزاد في البحر 4: 280 الأعرج ومجاهدا وابن وثاب.
(2)
. في الشواذ 42 الى الزهري، وفي المحتسب 245 بلا نسبة. وفي الجامع 7: 181 الى ابن بريدة ويعقوب، وفي البحر 4: 280 الى الحسن في رواية محبوب وابن بريدة ويعقوب. وقد نقل هذا عنه في الصحاح «خصف» . [.....]
(3)
. في السبعة 280 الى ابن كثير وعاصم وأبي عمرو وحمزة، وزاد في الوقف 2: 652 مجاهدا والأعمش، وفي الكشف 1: 460 والتيسير 109/ إلى غير من أخذ بالأخرى.
(4)
. في معاني القرآن 1: 375 الى الكوفيين، وفي الجامع 1: 375 إلى أهل المدينة والكسائي، وفي السبعة 280 والكشف 1: 460 والتيسير 109 الى نافع وابن عامر والكسائي، وفي الوقف 2: 653 أهمل ابن عامر، وزاد أبا جعفر وشبية.
عليها التنوين وهو ساكن ذهبت الياء لاجتماع الساكنين.
وقال تعالى: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ [الآية 43] وهو ما يكون في الصدور. وأما الذي يغلّ به الموثق فهو «الغلّ» .
وقال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا [الآية 43] كما قال سبحانه:
اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ [يونس: 35] وتقول العرب: «هو لا يهتدي لهذا» أي: لا يعرفه. وتقول: «هديت العروس إلى بعلها» . وتقول أيضا: أهديتها إليه» و «هديت له» وتقول: «أهديت له هديّة» . وبنو تميم يقولون «هديت العروس إلى زوجها» جعلوه في معنى «دللتها» وقيس تقول: «أهديتها» جعلوها بمنزلة الهدية.
وقال تعالى وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ (44) وأَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الآية 44] وقال أيضا في موضع آخر:
أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ [يونس: 10] وأَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا [الآية 44] فهذه «أنّ» الثقيلة خفّفت وأضمر فيها، ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة لأنّ بعدها اسما. والخفيفة لا يليها الأسماء. وقال الشاعر «1» [من البسيط وهو الشاهد السادس بعد المائتين] :
في فتية كسيوف الهند قد علموا
…
أن هالك كلّ من يخفى وينتعل «2»
وقال الشاعر «3» [من الوافر وهو الشاهد السابع بعد المائتين] :
أكاشره وأعلم أن كلانا
…
على ما ساء صاحبه حريص.
وتكون أَنْ قَدْ وَجَدْنا في معنى «أي» .
وقوله تعالى: أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ [الآية 50] تكون «أي أفيضوا»
(1) . هو الأعشى ميمون بن قيس، الصبح المنير والإنصاف 1: 113، وفي الكتاب وتحصيل عين الذهب 1: 282 و 440 و 480 و 2: 123، والخزانة 3:547.
(2)
. عجزه في الصبح المنير «أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل» وفي تحصيل عين الذهب 2: 123 ب «من فتية» .
والبيت بعد في الخصائص 2: 441، والمنصف 3: 129، والخزانة 4: 356، والمقاصد النحوية 2: 287، والدرر 1:119.
(3)
. هو عديّ بن زيد معجم شواهد العربية 203، وليس في ديوانه، وذلك ما أشار اليه مؤلف المعجم، ولكنه ليس كما ذكر موجودا في الخصائص 1: 126 و 261، وهو في شرح المفصل 1: 54 وفيه «شاء» بالمعجمة المثلثة.
وفي الكتاب وتحصيل عين الذهب 1: 440 والإنصاف 1: 113 و 236 وأمالي ابن الشجري 1: 188.
وتكون على «أن» التي تعمل في الأفعال لأنك تقول: «غاظني أن قام» و «غاظني أن ذهب» فتقع على الأفعال، وإن كانت لا تعمل فيها وفي كتاب الله وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا [ص: 6] معناها: أي امشوا.
وقال تعالى: فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [الآية 53] بنصب ما بعد الفاء، لأنه جواب استفهام.
وقوله تعالى: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ [الآية 54] عطف على قوله سبحانه: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الآية 54]«1» .
وقال تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) بتذكير (قريب) وهي صفة «الرحمة» وذلك كقول العرب «ريح خريق» و «ملحفة جديد» و «شاة سديس» . وإن شئت قلت:
تفسير «الرحمة» هاهنا: المطر، ونحوه «2» . فلذلك ذكّر. كما في قوله تعالى: وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا [الآية 87] بالتذكير على إرادة «الناس» . وإن شئت جعلته كبعض ما يذكّرون من المؤنث «3» كقول الشاعر «4» [من المتقارب وهو الشاهد الحادي والثلاثون] :
فلا مزنة ودقت ودقها
…
ولا أرض أبقل إبقالها
وقال تعالى في أول هذه السورة:
كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ [الآية 2] لِتُنْذِرَ بِهِ [الآية 2] فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ [الآية 2] هكذا تأويلها على التقديم والتأخير. وفي كتاب الله مثل ذلك كثير، قال تعالى: اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (28)[النمل] والمعنى- والله أعلم- فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ وفي كتاب الله
(1) . نقله في اعراب القرآن 1: 363، والجامع 7:221.
(2)
. نقله في التهذيب 9: 125 «قرب» ، والمشكل 1: 294، والبحر 4: 313، وزاد المسير 3: 216، والتصريح 2:
32، واعراب القرآن 1: 365، والجامع 7:228.
(3)
. نقله مع الشاهد في اعراب القرآن 1: 364، والجامع 7:228.
(4)
. هو عامر بن جوين الطائي، او الخنساء، الكتاب وتحصيل عين الذهب 1: 240، ومجاز القرآن 2: 67، والصحاح واللسان «بقل» ، والبيت بعد في معاني القرآن 1:137.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ [النحل] والمعنى- والله أعلم- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ وفي غافر فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [غافر: 83] .
والمعنى- والله أعلم- فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنَ الْعِلْمِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ. وقال بعضهم فَرِحُوا بِما هو عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ أي:
كان عندهم العلم وهو جهل ومثل هذا في كلام العرب وفي الشعر كثير من التقديم والتأخير. يكتب الرجل:
«أمّا بعد، حفظك الله وعافاك، فإنّي كتبت إليك» فقوله «فإنّي» محمول على «أمّا بعد» وانما هو «أمّا بعد فإنّي» وبينهما كما ترى كلام. قال الشاعر [من الكامل وهو الشاهد الثامن بعد المائتين] :
خير من القوم العصاة أميرهم
…
يا قوم فاستحيوا النساء الجلّس
والمعنى: خير من القوم العصاة أميرهم النّساء الجلّس يا قوم فاستحيوا.
قال الاخر «1» [من البسيط وهو الشاهد التاسع بعد المائتين] :
الشّمس طالعة ليست بكاسفة
…
تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا «2»
ومعناه: الشمس طالعة لم تكسف نجوم الليل والقمر لحزنها على «عمر» «3» وذلك أنّ الشمس كلما طلعت كسفت القمر والنجوم فلم تترك لها ضوا.
وقوله تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ [البقرة: 258] ثم قال أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ [البقرة: 259] ف «الكاف» تزاد في الكلام.
والمعنى: «ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أو الّذي مرّ على قرية» .
ومثلها في القرآن. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] والمعنى ليس
(1) . هو جرير بن عطية بن الخطفي. ديوانه 2: 736، والكامل 2:652.
(2)
. في الديوان «فالشمس كاسفة ليست بطالعة» ، وكذلك شرح الأبيات للفارقي 118، وفي الكامل ب «فالشمس» والشاهد بعد في الصحاح «بكى» .
(3)
. هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الخليفة الأموي، ترجمته وأخباره في مروج الذهب 3: 192- 205، والأغاني 8:151.
مثله شيء. لأنه ليس لله مثل «1» . وقال الشاعر «2» [من الرجز وهو الشاهد العاشر بعد المائتين] :
فصيّروا مثل كعصف مأكول «3»
والمعنى: فصيّروا مثل عصف، والكاف زائدة. وقال الاخر «4» (من الرجز وهو الشاهد الحادي عشر بعد المائتين) :
وصالبات ككما يؤثفين
…
فإحدى الكافين زائدة
وقوله تعالى بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً [النساء: 56] يعني غيرها في النضج، لأنّ الله عز وجل يجدّدها فيكون أشدّ للعذاب عليهم. وهي تلك الجلود بعينها التي عصت الله تعالى، ولكن أذهب عنها النضج، كما يقول الرجل للرجل:«أنت اليوم غيرك أمس» وهو ذلك بعينه إلا أنه نقص منه شيء أو زاد فيه. وفي كتاب الله عز وجل وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ
(28)
[الأنعام] فيسأل السائل فيقول كيف كانوا كاذبين ولم يعودوا بعد. وإنما يكونون كاذبين إذا عادوا.
وقد قلتم إنه لا يقال له كافر، قبل أن يكفر، إذا علم أنه كافر. وهذا يجوز أن يكون أنّهم الكاذبون بعد اليوم كما يقول:«أنا قائم» وهو قاعد، يريد «إني سأقوم» . أو يقول تعالى وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ يعني ما وافوا به القيامة من كذبهم وكفرهم، لأنّ الذين دخلوا النار كانوا كاذبين كافرين.
وقوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (23)[القيامة] يقول «تنظر في رزقها وما يأتيها من الله» . يقول الرجل: «ما أنظر إلّا إليك» ولو كان نظر البصر، كما يقول بعض الناس، كان في الآية التي بعدها بيان ذلك. ألا ترى أنه قال وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (25) [القيامة] ولم يقل:
«ووجوه لا تنظر ولا ترى» وقوله تعالى: تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (25) يدلّ
(1) . سبق للأخفش أن ذكر هذه الآراء، في كلامه على الآيتين 258 و 259 في سورة البقرة، بعبارة لا تكاد تختلف.
(2)
. هو رؤبة بن العجّاج. ديوانه 181، والخزانة 4: 270، وقيل هو حميد الأرقط الكتاب 1:203. [.....]
(3)
. في الخزانة «فأصبحوا» . والبيت بعد في شرح الأبيات للفارقي 180.
(4)
. هو خطام المجاشعي، الكتاب وتحصيل عين الذهب 1: 13، والكتاب 1: 203 و 2: 331، والخزانة 1: 367، والشاهد أيضا في الخزانة 2: 354 و 4: 273.
«الظن» هاهنا على النظر ثم الثقة بالله وحسن اليقين، ولا يدل على ما قالوا.
وكيف يكون ذلك والله سبحانه يقول لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [الأنعام: 103] وقوله تعالى وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الإنسان:
30] يعني ما تشاؤون من الخير شيئا إلّا أن يشاء الله أن تشاؤوه.
وقوله تعالى إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها [النور: 40] حمل على المعنى، وذلك أنه لا يراها وذلك أنّك إذا قلت:«كاد يفعل إنما تعني قارب الفعل ولم يفعل» فإذا قلت «لم يكد يفعل» كان المعنى أنه لم يقارب الفعل ولم يفعل على صحة الكلام. وهكذا معنى هذه الآية. إلّا أنّ اللّغة قد أجازت «لم يكد يفعل» في معنى: فعل بعد شدة، وليس هذا صحة الكلام أنه إذا قال:«كاد يفعل» فإنما يعني قارب الفعل. وإذا قال: «لم يكد يفعل» يقول: «لم يقارب الفعل» إلا أنّ اللغة جاءت على ما فسرت لك، وليس هو على صحة الكلمة.
وقال تعالى أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ [الآية 69] كأنه قال:
«صنعوا كذا كذا وعجبوا» فقال «صنعتم كذا وكذا أو عجبتم» فهذه واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام.
وقال تعالى وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً [الآية 65] وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً [الآية 73] فكلّ هذا- والله أعلم- نصبه على الكلام الأول على قوله تعالى لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ [الآية 59] وكذلك وَلُوطاً [الآية 80]، وقال بعضهم:«واذكر لوطا» . وإنما يجيء هذا النصب على هذين الوجهين، أو يجيء على أن يكون الفعل قد عمل فيما قبله، وقد سقط بعده فعل على شيء من سببه، فيضمر له فعلا. فإنّما يكون على أحد هذه الثلاثة، وهو في القرآن كثير.
وقال تعالى خَلائِفَ الْأَرْضِ [الأنعام:
165] وقال خُلَفاءَ [الآية 69] و [الآية 74] وكلّ جائز، وهو جماعة «الخليفة» .
وقال تعالى وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً [الآية 69] أي: انبساطا.
وقال في موضع آخر بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة: 247] وهو مثل الأول.
وتقرأ فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ [الآية 73] بالجزم إذا جعلته جوابا،
وبالرفع إذا أردت (فذروها آكلة) . وقال تعالى وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها [الآية 145] وقال قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ [الجاثية: 14] وفَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا [الزخرف: 83] فصار جوابا في اللفظ، وليس كذلك في المعنى.
وقال تعالى: فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ [الآية 85] .
ثم قال تعالى: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ [الآية 86] تقول: «هم في البصرة» و «بالبصرة» و «قعدت له في الطّريق» و «بالطّريق» .
وقال تعالى كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا [الآية 92] وهي من «غنيت» «تغنى» «1» «غنى» .
وقال تعالى: أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى [الآية 98] فهذه الواو للعطف دخلت عليها ألف الاستفهام.
وقال تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها [الآية 100] أي: (أو لم يتبيّن لهم) وقرأ بعضهم (نهد)«2» بالنون أي: «أو لم نبيّن لهم» أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ.
وقال تعالى: نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها [الآية 101]«من» زائدة وأراد «قصصنا» كما تقول «هل لك في ذا» وتحذف «حاجة» .
وقال تعالى: فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ [الآية 101] فقوله سبحانه بِما كَذَّبُوا والله أعلم يعني: «بتكذيبهم» باعتبار (ما كذّبوا) اسما للفعل والمعنى: «لم يكونوا ليؤمنوا بالتكذيب» أي لا نسمّيهم بالإيمان بالتكذيب «3» .
وقال تعالى: وَما تَنْقِمُ مِنَّا [الآية 126]«4» وقرأ بعضهم (وما تنقم منّا)«5»
(1) . نقله في إعراب القرآن 1: 369.
(2)
. في الشواذ 45 إلى ابن عباس والسلمي، وفي المشكل 1: 297 الى مجاهد، وفي البحر 4: 350، والكشاف 2:
134، والبيان 1: 369، والإملاء 1: 280، بلا نسبة.
(3)
. نقله في إعراب القرآن 1: 371.
(4)
. هي قراءة الجمهور، كما في البحر 4:366.
(5)
. في الشواذ 45، الى يحيى وإبراهيم وأبي حياة، وفي البحر 4: 366، إلى أبي حياة وأبي اليسر هاشم وابن أبي عبلة، وفي الجامع 7: 261، الى الحسن، وكذلك في إعراب القرآن 1:374.
وهما لغتان «1» (نقم) ، «نقم» ، «ينقم» و «ينقم» وبالأولى نقرأ.
وقال تعالى وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ [الآية 132] لأن (مهما) من حروف المجازاة وجوابها (فما نحن) .
وقال تعالى وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (137)«2» «ويعرشون» «3» لغتان وكذلك (نبطش) و (نبطش)«4» ، و «يحشر» و «يحشر» ، و «يكفّ» و «يكفّ» ، و «ينفر» و «ينفر» .
وقال تعالى: الطُّوفانَ [الآية 133] وواحدتها في القياس «الطوفانة» «5» .
وقال الشاعر «6» [من الرمل وهو الشاهد الثاني عشر بعد المائتين] :
غيّر الجدّة من آياتها «7»
…
خرق الرّيح وطوفان المطر
وهي من «طاف» «يطوف» .
وقال تعالى: جَعَلَهُ دَكًّا [الآية 143] وهو سبحانه حين قال «جعله» كان كأنه قال «دكّه» وقرأ بعضهم (دكّاء) وإذا أراد هذا فقد أجري مجرى وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: 82] لأنه يقال: «ناقة دكّاء» إذا ذهب سنامها.
وقال تعالى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ [الآية 143] على معنى «تجلّى أمره» نحو ما يقول الناس: «برز فلان لفلان» وإنّما برز جنده.
(1) . نقله في إعراب القرآن 1: 374، والجامع 7:261.
(2)
. في الطبري 9: 44، أنها قراءة عامة قراء الحجاز والعراق، إلّا عاصما، وهي إحدى لغتين مشهورتين عند العرب، وفي السبعة 292، إلى ابن كثير ونافع وأبي عمرو وحمزة والكسائي، وإلى عاصم في رواية. وفي البحر 4: 377، إلى الحسن ومجاهد وأبي رجاء، وفي السبعة إلى غير ابن عامر، وأبي بكر، وفي الكشف 1:
475، والتيسير 113، إلى غير أبي بكر، وابن عامر.
(3)
. في الطبري 9: 44، الى عاصم بن أبي النجود، وفي السبعة 292، إلى ابن عامر، وإلى عاصم في رواية، وفي الجامع 7: 272، إلى ابن عامر وأبي بكر عن عاصم، وفي الكشف 1: 475، والتيسير 113، والبحر 4: 377 الى ابن عامر وأبي بكر.
(4)
. نصر لتميم، وضرب للحجاز، اللهجات العربية 444، ولهجة تميم 193، والمزهر 2:275. وكذلك الأمر في «عرش» .
(5)
. نقله في إعراب القرآن 1: 375، والجامع 7: 267، والبحر 4:372.
(6)
. هو حسيل بن عرفطة. نوادر أبي زيد 77.
(7)
. في نوادر أبي زيد 77، والمنصف 2: 228، ب «عرفانه» بدل «آياتها» . [.....]
وأمّا قوله تعالى رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الآية 143] فإنما أراد علما لا يدرك مثله إلّا في الاخرة فأعلم الله سبحانه موسى (ع) أن ذلك لا يكون في الدنيا. وقرأها بعضهم «دكّاء» «1» جعله «فعلاء» وهذا لا يشبه أن يكون.
وهو في كلام العرب: «ناقة دكّاء» أي: ليس لها سنام. والجبل مذكّر، إلّا أن يكون «جعله مثل دكّاء» وحذف «مثل» .
وقال تعالى: مِنْ حُلِيِّهِمْ [الآية 148]«2» وقرأ بعضهم «حليّهم» «3» و «حليّهم» «4» عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ [الآية 148] وقرأ بعضهم «جؤار» «5» وكلّ من لغات العرب.
وقال تعالى: وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ [الآية 149] وقرأ بعضهم «سقط» «6» وكلّ جائز، والعرب تقول:
«سقط في يديه» و «أسقط في أيديهم» «7» .
وأمّا قوله تعالى: مِنْ حُلِيِّهِمْ بضم الحاء فانه «فعول» وهي جماعة «الحلي» ومن قرأ «حليّهم» في اللغة
(1) . هذه القراءة في الطبري 9: 54، الى عامة الكوفيّين وعكرمة، وفي الجامع 7: 278 إلى أهل الكوفة، وفي السبعة 293، والكشف 1: 475، والتيسير 113، والبحر 4: 384، الى حمزة والكسائي. أمّا قراءة «دكّا» ، ففي الطبري 9: 54، الى عامة قراء أهل المدينة والبصرة، وفي الشواذ 45، الى يحيى بن وثاب، وفي السبعة 293 الى ابن كثير ونافع وابن عمرو وابن عامر وعاصم، وفي الجامع 7: 278 إلى أهل المدينة وأهل البصرة، وفي الكشف 1: 475، والتيسير 113، إلى غير حمزة والكسائي.
(2)
. في الطبري 9: 62 أنها قراءة مستفيضة، وفي السبعة 294 إلى ابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم وابن عامر، وفي البحر 4: 392 إلى السبعة غير من أخذ بسواها، وإلى الحسن وأبي جعفر وشيبة. وفي الجامع 7: 284، إلى أهل المدينة وأهل البصرة، وفي الكشف 1: 477، والتيسير 113، إلى غير حمزة والكسائي، وفي الجامع 7: 284، إلى أهل الكوفة إلّا عاصما، وفي البحر 4: 392 الى الأخوين وأصحاب عبد الله، ويحيى بن وثاب وطلحة والأعمش.
(3)
. في السبعة 294 إلى حمزة والكسائي، وإلى عاصم في رواية. وفي الكشف 1: 477، والتيسير 133.
(4)
. في البحر 4: 392 إلى يعقوب.
(5)
. في الشواذ 46، الى أبي السمال، وفي البحر 4: 392 الى الإمام علي وأبي السمال، وقد نقل هذا في الصحاح «جأر» .
(6)
. في الشواذ 46، الى اليماني، وفي البحر 4: 394، الى فرقة منهم ابن السميفع.
(7)
. في البحر 4: 394، إلى ابن أبي عبلة. ويبدو مما جاء في اللهجات العربية، أنّ الزيادة لغة تميم، والتجريد لغة الحجاز 494 وما بعدها، ولهجة تميم 203 وما بعدها.
الأخرى فالمكان الياء كما قالوا:
«قسيّ» و «عصيّ» .
وقال تعالى وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي [الآية 150] بإثبات نونين، واحدة للفعل والأخرى للاسم المضمر وإنّما ثبتت في الفعل، لأنه رفع ورفع الفعل إذا كان للجميع، والاثنين بثبات النون، إلّا أن نون الجميع مفتوحة ونون الاثنين مكسورة، وقد قال تعالى: أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ [الأحقاف: 17] وقد يجوز في هذا الإدغام والإخفاء.
وقال تعالى: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً [الآية 160] على تقدير اثنتي عشرة فرقة، ثمّ أخبر أن الفرق أسباط، ولم يجعل العدد على الأسباط.
وقال تعالى: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ [الآية 154] وقرأ بعضهم (سكن)«1» إلّا أنّها ليست على الكتاب، فنقرأ سَكَتَ وكلّ من كلام العرب.
وقال تعالى وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا [الآية 155] أي: اختار من قومه، فلما نزعت «من» عمل الفعل. وقال الشاعر «2» [من الطويل وهو الشاهد الرابع عشر] :
منا الذي اختير الرجال سماحة
…
وجودا «3» إذا هبّ الرّياح الزعازع
وقال آخر «4» [من البسيط وهو الشاهد الخامس عشر] :
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
…
فقد تركتك ذا مال وذا نشب
وقال النابغة «5» : [من الكامل وهو الشاهد السادس عشر] :
نبّئت زرعة والسّفاهة كاسمها
…
يهدي إليّ أوابد الأشعار «6»
وقال تعالى:
(1) . في الشواذ 46، والجامع 7: 292، والبحر 4: 398، أنها قراءة معاوية بن قرة.
(2)
. هو الفرزدق همّام بن غالب: ديوانه 2: 516، والكتاب وتحصيل عين الذهب 1:18.
(3)
. في الديوان ب «وخيرا» .
(4)
. هو عمرو بن معدي كرب الزّبيدي، ديوانه 35، والكتاب وتحصيل عين الذهب 1: 17، والخزانة 1: 164، وفيها منسوب أيضا إلى أعشى طرود إياس بن عامر، أو العباس بن مرداس، أو زرعة بن السائب، أو خفاف بن ندبة، وفي الكامل 1: 32، منسوبا إلى أعشى طرود إياس بن عامر.
(5)
. هو زياد بن معاوية، وقد سبقت ترجمته.
(6)
. البيت في ديوانه 97، والمقاصد النحوية 2:439.
لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) كما قال إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (43)[يوسف] بوصل الفعل باللام.
وقال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الآية 156] أي: وسعت كلّ من يدخل فيها، لا تعجز عمّن دخل فيها أو يكون يعني الرحمة التي قسّمها بين الخلائق، يعطف بها بعضهم على بعض، حتى عطف البهيمة على ولدها.
وقال فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [الآية 169] إذا قلت «خلف سوء» و «خلف صدق» فهما سواء. و «الخلف» إنّما يريد به الذي بعد ما مضى خلفا كان منه، أو لم يكن خلفا إنّما يكون يعني به القرن الذي يكون بعد القرن، و «الخلف» الذي هو بدل ممّا كان قبله، قد قام مقامه وأغنى غناه. تقول «أصبت منك خلفا» «1» .
وقال تعالى: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى [الآية 169] بإضافة «العرض» الى «هذا» وفسر «هذا» ب «الأدنى» وكل شيء فهو عرض سوى الدراهم والدنانير فإنها عين. وأما «العرض» فهو كلّ شيء عرض لك تقول: «قد عرض له بعدي عرض» أي: «أصابته بليّة وشرّ» وتقول: «هذا عرضة للشرّ» و «عرضة للخير» كلّ هذا تقوله العرب.
وقال تعالى وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ [البقرة: 224] وتقول:
«أعرض لك الخير» و «عرض لك الخير» وقال الشاعر «2» [من الكامل وهو الشاهد السابع عشر بعد المائتين] :
لا أعرفنّك معرضا لرماحنا
…
في جفّ تغلب وارد الأمرار «3»
و «العارض» من السحاب: ما استقبلك وهو ما ورد في قول الله عز وجل فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً [الأحقاف: 24]
(1) . جاء في الصحاح: «الخلف والخلف: ما جاء من بعد. يقال: «هو خلف سوء من أبيه وخلف صدق من أبيه» بالتحريك إذا قام مقامه. قال الأخفش: هما سواء منهم من يحرّك ومنهم من يسكّن فيهما جميعا إذا أضاف.
ومنهم من يقول «خلف صدق» بالتحريك ويسكّن الاخر. ويريد بذلك الفرق بينهما قال الراجز:
إنّا وجدنا خلفا بئس الخلف
…
عبدا إذا ما ناء بالحمل خفف
«الصحاح» «خلف» . [.....]
(2)
. هو النابغة الذبياني زياد بن معاوية، «ديوانه 128» . اللسان «جفف» و «مرر» والصحاح كذلك.
(3)
. في الصحاح واللسان كما مر، «عارضا» بدل «معرضا» ، و «وارد» بدل «واردي» كما هو في الأصل.
وأما «الحبيّ» : فما كان من كل ناحية وتقول: «خذوه من عرض الناس» أي:
ممّا وليك منهم، وكذلك «اضرب به عرض الحائط» أي، ما وليك منه.
وأما «العرض» و «الطول» فإنه ساكن.
وأما قوله «1» [من الطويل وهو الشاهد الثامن عشر بعد المائتين] :
لهنّ عليهم عادة قد عرفنها «2»
…
إذا عرضوا الخطّيّ فوق الكواثب «3»
وأعرضوا، فهذا لأنّ: عرض عرضا. و: «عرضت عليه المنزل عرضا» و «عرض لي أمر عرضا» هذا مصدره. و «العرض من الخير والشرّ» :
ما أصبت عرضا من الدنيا فانتفعت به تعني به الخير، و «عرض لك عرض سوء» .
وقال تعالى: مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ [الآية 168] لا أعلم أحدا يقرأها إلّا نصبا.
وقال تعالى: ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ [الآية 177] فجعل «القوم» هم «المثل» في اللفظ أي: مثل القوم، كما في قوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ.
وقال تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ [الآية 179] من: «ذرأ» «يذرأ» «ذرءا» .
وقال تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ [الآية 180]«4» وقرأ بعضهم (يلحدون)«5» جعله من «لحد» «يلحد» وهي لغة «6» . وقال في موضع آخر
(1) . هو النابغة الذبياني، زياد بن معاوية، ديوانه 58، واللسان «كثب» .
(2)
. الصدر من الديوان واللسان.
(3)
. في الديوان واللسان «عرض» والديوان «عرّض» .
(4)
. في الطبري 9: 134، أنّها قراءة عامة قراء أهل المدينة، وبعض البصريّين والكوفيّين، وفي السبعة 298 إلى ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وأبي عمرو والكسائي، وفي البحر 4: 430 إلى السبعة، إلّا من أخذ بالأخرى، وفي الكشف 1: 484، والتيسير 114، إلى غير حمزة.
(5)
. في الطبري 9: 134 الى عامة قراء أهل الكوفة، وفي السبعة 298، والتيسير 114، والكشف 1: 484، إلى حمزة، وفي البحر 4: 430، إلى حمزة وابن وثاب والأعمش وطلحة وعيسى.
(6)
. لغة المجرّد هي للحجاز، وبعض قرى العالية، وقريش، ولغة المزيد هي لتميم وقيس ومنطقة نجد ودبير وعقيل، اللهجات العربية 492- 498.
لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ [النحل:
103] «1» وقرأ بعضهم (يلحدون) »
وهما لغتان ويُلْحِدُونَ أكثر، وبها نقرأ ويقوّيها وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ [الحج: 25] «3» .
وقال تعالى: وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ [الآية 176] ولا نعلم أحدا يقول (خلد) . وقوله (أخلد) أي: لجأ إليها.
وقال تعالى حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً [الآية 189] لأنّ «الحمل» ما كان في الجوف و «الحمل» ما كان على الظهر.
وقال وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها
[الحج: 2] وأمّا قوله تعالى أَثْقَلَتْ [الآية 189] أي: «صارت ذات ثقل» كما تقول «أتمرنا» «4» أي: «صرنا ذوي تمر» «5» و «ألبنّا» أي: صرنا ذوي لبن» و «أعشبت الأرض» و «أكمأت» وقرأ بعضهم: (فلمّا أثقلت)«6» .
وقال تعالى: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما [الآية 190] وقرأ بعضهم (شركا)«7» لأنّ «الشرك» إنّما هو «الشركة» وكان ينبغي في قول من قال هذا، أن يقول «فجعلا لغيره شركا فيما آتاهما» «8» .
وقال تعالى إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ [الآية 201] و «الطّيف» أكثر
(1) . في الطبري 14: 179 هي قراءة عامة قراء المدينة والبصرة، وفي السبعة 375 إلى ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وأبي عمرو، وفي المحتسب 2: 12 إلى الحسن، وفي البحر 5: 236 إلى غير من أخذ بالأخرى، وفي السبعة وفي التيسير 138 إلى غير حمزة والكسائي، وفي الكشف 1: 484 اقتصر على حمزة.
(2)
. في الطبري 14: 180 أنّها قراءة أهل الكوفة، وفي الكشف 1: 484، والجامع 10: 178، إلى حمزة، وزاد في السبعة 298 و 375، والتيسير 138، الكسائي، وفي البحر 5: 536 زاد عبد الله بن طلحة والسلمي والأعمش ومجاهدا.
(3)
. نقل هذا في زاد المسير 3: 293.
(4)
. نقله بعبارة أخرى في إعراب القرآن 1: 391.
(5)
. نقله في الصحاح «نقل» وزاد المسير 3: 301.
(6)
. في الشواذ 48، نسبت إلى اليماني، وفي البحر 4: 440 بلا نسبة. [.....]
(7)
. في الطبري 9: 148 و 149 إلى عامة قراء أهل المدينة، وبعض المكيين والكوفيين، وفي السبعة 299 إلى نافع وإلى عاصم في رواية، وفي الكشف 1: 485 والتيسير 115 أبدل أبا بكر بعاصم، وفي البحر 4: 440 زاد ابن عباس وأبا جعفر وشيبة وعكرمة ومجاهدا وأبان بن ثعلب.
(8)
. نقل هذا في إعراب القرآن 1: 391، والجامع 7:190.
في كلام العرب. وقال الشاعر «1» [من المتقارب وهو الشاهد التاسع عشر بعد المائتين] :
ألا يا لقوم لطيف الخيال
…
أرقّ من نازح ذي دلال «2»
ونقرأها (طائف) لأنّ عامة القراء عليها.
وقال تعالى بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ [الآية 205] وتفسيرها «بالغدوات» كما تقول:
«آتيك طلوع الشمس» أي: في وقت طلوع الشمس كما قال تعالى بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ [آل عمران: 41 وغافر: 55] وهو مثل «آتيك في الصّباح وبالمساء» وأما «الآصال» فواحدها: «أصيل» «3» مثل: «الأشرار» واحدها: «الشّرير» و «الأيمان» واحدتها: «اليمين» .
(1) . هو أميّة بن أبي عائذ الهذلي: ديوان الهذليين 2: 172، والكتاب وتحصيل عين الذهب 1:319.
(2)
. في ديوان الهذليين والصاحبي 114 ب «يؤرق» بدل «أرّق» وقد نقله في زاد المسير 3: 309 و 310.
(3)
. نقله في إعراب القرآن 1: 396، ونقله في الجامع 7:356.