الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويصابر، حتى لا يضيق صدره بتكذيبهم إياه، ولا ييأس من هدايتهم.
وبيّنت السورة حسن عاقبة المرسلين.
وسوء عاقبة المكذّبين قال تعالى:
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) .
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (10) .
نبوة محمد (ص) :
أثبت القرآن الوحي والرسالة ثم أثبت نبوّة محمد (ص) بالدليل القاطع والحجة البالغة. فقد نشأ هذا النبي يتيما فقيرا أمّيا في بيئة مشركة جاهلة فمن أين له هذا الكتاب المحكم الذي اشتمل على مبادئ الإصلاح العالمي كلها؟ والذي لم يستطع العلم، في أزهى عصوره، أن يهدم حقيقة من الحقائق التي جاء بها.
إن القرآن قد تحدّى العرب ببلاغته وقوّة بيانه فعجزوا عن الإتيان بمثله، أو بعشر سور منه، أو بسورة واحدة.
وقد تحدّى القرآن الزمان كله بخلوده وصحته، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الآية 91] .
(ج) قضية البعث والجزاء
نزلت سورة الأنعام في السنة الرابعة من البعثة بعد أن أمر الله رسوله أن يجهر بالدعوة، وأن يعلن عن العقيدة الإلهية، ويقرر حقيقة البعث والجزاء علنا أمام المشركين.
وقد سلكت سورة الأنعام طرقا شتّى في الاستدلال على قضية البعث فقد استدلت عليه بخلق السماوات والأرض في مقدّمتها العنوانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) .
فمن خلق السماوات والأرض بقدرته فهو قادر على إحياء الموتى واعادة خلق الإنسان. فخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وكررت هذه الحقيقة وأكدت في آياتها بصور شتى فذكرت أن البعث حق، وأن الله بيده الخلق، والأمر، والبدء، والإعادة، والحساب، والجزاء قال تعالى:
لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ [الآية 12] .
وقال سبحانه:
ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) .
وقد استدلّ القرآن في قضية البعث والجزاء، بعديد من الأدلّة، منها أن الحكمة والعدل يقضيان بالحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، كما يقضيان بأن ينال المحسن إحسانه، والمسيء إساءته حتى يطهر المسيء من دنس النفس ويكون أهلا لرحمة الله الكاملة، وهذان شأنان هامّان، إذ كثيرا ما يرتحل الناس عن الدنيا دون أن يسهل طريق النقاء لمن دسّى نفسه، ودون أن يعرفوا الحق فيما اختلفوا فيه وإذا فلا بد من دار أخرى يلقى الإنسان فيها الجزاء أمام حاكم عادل، عليم خبير بكل ما قدّم الإنسان.
وقد تعرّض أحد القضاة الفرنسيين لتاريخ القضاء في فرنسا، وأصدر كتابا ذكر فيه عددا من الحالات، حكم فيها بالإعدام أو الإدانة على متّهمين، ثم برّأتهم الأيّام والحقائق وأحصى عددا من الحالات، برّأ القضاء فيها متّهمين ثم أثبتت الأيام وحقائق الأحداث أنّهم مدانون.
ثم عقّب القاضي بقوله: إنه لا بدّ من جزاء وحساب أمام قاض آخر، لا تخفى عليه خافية ولا تغيب عنه حادثة، في دار أخرى، ليعوّض الناس عن أخطاء القضاء في الدنيا، وليكون حكمه فيصلا ومنصفا للمظلومين، ورادعا للمجرمين، وفي القرآن الكريم آيات عدة تؤكد هذا المعنى، قال تعالى:
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4)[يونس] .
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ
(21)
[الجاثية] .
وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32) .