الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويوفوا الكيل والميزان، ولا يبخسوا الناس أشياءهم، ولا يفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ثم ذكر أن بعضهم استكبر، وأراد أن يخرج شعيبا هو ومن آمن به من قريتهم، وأنه سبحانه أخذهم بالرجفة فأهلكهم وكانوا هم الخاسرين فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (93) .
ثم عقّب على هذه القصص، ببيان أنّ هذا شأنه في كلّ قرية أرسل فيها نبيّا، فلا يأخذها بعذاب الاستئصال دفعة واحدة، بل يأخذها أوّلا بالشدائد والأمراض، ثم يزيل عنهم ذلك، ويأتيهم بالخصب والرخاء، فلا يؤثّر فيهم شيء من ذلك وينسبون ما أصابهم منه إلى عادة الزمان، فيأخذهم بغتة وهم لا يشعرون ولو أنهم آمنوا، لفتح عليهم بركات السماء والأرض بالمطر والنبات.
ثمّ وبّخ أهل القرى الحاضرة على أمنهم أن يصيبهم ما أصاب تلك القرى من بأسه بياتا وهم نائمون، أو ضحًى وهم يلعبون وعلى أمنهم مكره بهم، فلا يأمنه إلا القوم الخاسرون وعلى أنه لم يتبيّن لهم بعد أن ورثوا أرضهم وقصّ عليهم أخبارهم، أنه لو يشاء أصابهم كما أصابهم، ولكنّه طبع على قلوبهم فهم لا يسمعون ثمّ ذكر أنه قصّ عليه من أنباء تلك القرى، وأنّهم كانوا سواء في أنهم يكذبون بعد نزول المعجزات كما كذبوا من قبلها، وينسون عهدهم أن يؤمنوا بعد نزولها وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (102) .
قصة موسى وفرعون وبني إسرائيل الآيات [103- 174]
ثم قال تعالى: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) فذكر أنه بعث موسى إلى فرعون وقومه بآياته، وأنّهم كذّبوا بها فأهلكهم ثمّ فصّل ذلك، فذكر أن موسى أخبر فرعون بأنه رسوله إليه، وطلب منه أن يرسل معه بني إسرائيل إلى الأرض التي وعدوا بها وأنّ فرعون طلب منه آية تدل على صدقه، فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين، فلما رأى قومه ذلك زعموا أنه سحر، وطلبوا منه
أن يجمع السحرة ليغلبوه بسحرهم ثمّ ذكر ما كان من السحرة وإيمانهم حين ظهر لهم عجزهم، وما كان من إصرار فرعون وقومه على الكفر بعد عجز سحرتهم، ومضيهم في الانتقام من بني إسرائيل بقتل أبنائهم واستحياء نسائهم فأمر موسى بني إسرائيل أن يستعينوا على ذلك بالصبر، ووعدهم أن يهلك الله عدوّهم ويستخلفهم في الأرض ثمّ ذكر ما كان من أخذه قوم فرعون بالسنين، ونقص من الثمرات، وأنّهم كانوا إذا أصيبوا بذلك لا يتّعظون به، بل يشتدّ كفرهم، ويزعمون أنّه من شؤم موسى وقومه عليهم ثمّ ذكر أنه أرسل عليهم بعد ذلك الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم فاستكبروا ولم يؤمنوا ثم أوقع عليهم الرّجز وهو الطاعون، فذهبوا إلى موسى ليدعو ربه أن يرفعه عنهم، ووعدوه عند رفعه أن يؤمنوا به ويرسلوا معه بني إسرائيل فلمّا كشف الرجز عنهم نكثوا عهدهم، فانتقم الله تعالى منهم بإغراقهم في البحر، وأورث بني إسرائيل الأرض التي بارك فيها، ودمّر ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون.
ثم ذكر ما كان من بني إسرائيل بعد أن أنجاهم وأغرق آل فرعون، وأنهم جاوزوا البحر، فأتوا على قوم يعبدون الأصنام، فطلبوا من موسى أن يجعل لهم إلها مثلهم، فجهّلهم وبيّن لهم بطلان عبادة الأصنام، وأنه لا يليق بهم بعد أن أنجاهم الله من آل فرعون أن يعبدوا غيره ثم ذكر أن موسى (ع) تغيّب عن قومه أربعين ليلة، ليتلقّى التوراة فيها عن ربّه، واستخلف أخاه هارون على قومه، وأنه لما جاء لميقات ربّه، وكلّمه، طلب منه أن يراه وأنه لم يجبه الى ذلك، وطلب منه أن ينظر إلى الجبل، وقد تجلّى له فاندكّ وتفرّق، وخرّ هو صعقا من هول ما رأى فلمّا أفاق أظهر له التوبة من طلب رؤيته، فقبل توبته وأنزل عليه التوراة مكتوبة في الألواح وأمره أن يأخذها بقوّة، وأن يأمر قومه أن يأخذوا بأحسنها إذا كان فيها تخيير بين حسن وأحسن ووعدهم بأنه سيدخلهم الأرض التي وعدهم بها، وذكر أنه سيصرف عن آياته أصحابها الذين يتكبّرون فيها ويؤثرون سبيل الغيّ على سبيل الرشد، لأنهم كذبوا بآياته وغفلوا عنها، فحبطت أعمالهم ولا يجزون إلا ما كانوا يعملون ثم ذكر أن قوم موسى اتخذوا من بعده من حليّهم
عجلا جسدا له خوار فعبدوه من دونه سبحانه، وأنّهم ندموا على ذلك، ورأوا أنهم قد ضلّوا وطلبوا رحمة الله ومغفرته لذنبهم، وأن موسى رجع إليهم غضبان أسفا لما فعلوا، وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه هارون يجرّه إليه فاعتذر له بأنهم استضعفوه وكادوا يقتلونه، فطلب من ربه أن يغفر له ولأخيه ويرحمهم جميعا ولا يؤاخذهم بما فعلوا وقد أجيب بأنّ الذين اتخذوا العجل وزيّنوا عبادته لهم سينالهم غضب من ربهم وذلّة في الدنيا، لأنهم سيعودون إلى عصيان ربهم، وقد فعلوا ذلك، بعد أن فتحوا الأرض الموعودة لهم وبأنّ الذين لم يقعوا في العبادة مثلهم وأساؤوا بعدم مفارقتهم، ثمّ تابوا وآمنوا، ستغفر سيئاتهم. ثم ذكر سبحانه، أن موسى اختار سبعين رجلا منهم لميقاته ليعتذروا عن ذلك الفعل، وأنه أخذهم بالرجفة إظهارا لغضبه ممّا فعلوا، فتوجّه موسى إليه بالدعاء أن يغفر لهم ويرحمهم، ولا يؤاخذهم بما فعل السفهاء منهم وأنه جل جلاله أجابه بأنه يعذّب من يشاء ولا يسأل عمّا يفعل، وأنّ رحمته وسعت كلّ شيء حتّى العاصين من عباده، وسيكتبها للذين يتّقون ويؤتون الزكاة ويؤمنون به، ويتّبعون الرسول النبي الأمي حين يبعث إليهم، وهو الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، إلى غير هذا مما ذكره في البشارة بمحمد (ص) ، ثم استطرد السّياق من ذلك إلى أمره سبحانه للرسول (ص) بعد هذه البشارة أن يذكر للناس أنه رسول الله إليهم جميعا وأن يأمرهم باتباعه لعلّهم يهتدون ثم ذكر تعالى أن من قوم موسى أمّة يهدون بالحق، فلا ينكرون تلك البشارة.
ثم عاد السياق إلى موسى وقومه، فذكر أن الله جل جلاله قطّعهم اثنتي عشرة أسباطا، وأنه أوحى إليه إذا استسقوه أن يضرب بعصاه الحجر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا بعددهم وأنه ظلّل عليهم الغمام وأنزل عليهم المنّ والسلوى، وأنّهم ما ظلموه سبحانه، إذ عصوه بعد هذا، ولكن ظلموا أنفسهم ثمّ ذكر من عصيانهم أنه أمرهم بسكنى القرية التي وعدهم بها، وهي بيت المقدس، وأن يقولوا حين دخولها حطّة ويدخلوا الباب سجّدا، فبدّلوا ذلك وقالوا حنطة،