الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الأعراف»
«1»
أقول: مناسبة وضع هذه السورة عقب سورة الأنعام فيما ألهمني الله سبحانه: أن سورة الأنعام لما كانت لبيان الخلق، وقال فيها: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ [الأنعام: 2] وقال في بيان القرون كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ [الأنعام: 6] ، وأشير فيها إلى ذكر المرسلين، وتعداد كثير منهم، وكانت الأمور الثلاثة على وجه الإجمال، لا التفصيل، ذكرت هذه السورة عقبها، لأنها مشتملة على شرح الأمور الثلاثة وتفصيلها.
فبسط فيها قصة خلق آدم أبلغ بسط، بحيث لم تبسط في سورة كما بسطت فيها «2» . وذلك تفصيل إجمال قوله: خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ [الأنعام: 2] ثم فصلت قصص المرسلين وأممهم، وكيفية إهلاكهم، تفصيلا تامّا شافيا مستوعبا، لم يقع نظيره في سورة غيرها «3» ، وذلك بسط حال القرون المهلكة ورسلهم، فكانت هذه السورة شرحا لتلك الآيات الثلاث.
وأيضا، فذلك تفصيل قوله تعالى:
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ [الأنعام: 165] . ولهذا صدّر هذه السورة بخلق آدم الذي جعله الله في الأرض
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، الطبعة الثانية، 1398 هـ: 1978 م. [.....]
(2)
. انظر في قوله تعالى من وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [الآية 11] .
الى: قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (25) .
(3)
. انظر من قوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ [الآية 59] الى فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) .
خليفة «1» وقال في قصة عاد: جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ [الآية 69] وفي قصة ثمود: جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ [الآية 74] .
وأيضا فقد قال تعالى في الأنعام:
كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:
12] . وهو موجز، وبسطه هنا بقوله:
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ [الآية 156] . إلى آخره.
فبيّن من كتبها لهم.
وأما وجه ارتباط أول هذه السورة باخر الأنعام فهو: أنه تقدم هناك:
وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام: 153] وقوله تعالى: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ [الأنعام: 155] فافتتح هذه السورة أيضا باتباع الكتاب في قوله جل شأنه: كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ [الآية 2] إلى اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الآية 3] .
وأيضا لمّا تقدم تعالى في الأنعام: ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (159) ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) . قال في مفتتح هذه السورة: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) . فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ [الآية 7] . وذلك شرح التنبئة المذكورة.
وأيضا فلمّا قال سبحانه في الأنعام:
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الأنعام: 160] . وذلك لا يظهر إلا في الميزان، افتتح هذه السورة بذكر الوزن، فقال: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ [الآية 8] ثمّ ذكر من ثقلت موازينه، وهو من زادت حسناته على سيّئاته، ثمّ من خفّت موازينه، وهو من زادت سيّئاته على حسناته ثمّ ذكر بعد ذلك أصحاب الأعراف، وهم قوم استوت حسناتهم وسيّئاتهم.
(1) . انظر من الآية رقم (11) الى آخر الآية رقم (25) .