الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالنبي (ص) في ليلة الهجرة، وأنه سبحانه مكر بهم فدبّر أمره حتى نجّاه منهم. وأنهم كانوا إذا تتلى عليهم آياته في إنذارهم ووعيدهم، لم يؤمنوا بها، وسألوه أن يمطرهم حجارة من السماء، أو يأتيهم بعذاب أليم إن كانت من عنده، وأنه ما كان ليعذّبهم والنبي معهم في مكة، وهم يستغفرونه، ويتوبون إليه، واحدا بعد واحد.
ثم ذكر أنهم يستحقون ما طلبوه من العذاب، لأنهم يصدّون عن المسجد الحرام، ولم تكن صلاتهم فيه إلا صفيرا وتصفيقا، ثم ذكر أنه أذاقهم ما طلبوه من العذاب يوم بدر، وأنهم سيغلبون بعد هذا، ثم يحشرون إلى جهنّم، فيذوقون عذابها بعد عذاب الدنيا، ثم أمر النبي (ص) أن يذكر لهم، أنهم إن ينتهوا عن كفرهم يغفر لهم ما سلف منهم، وإن يعودوا إلى القتال فسيصيبهم ما أصاب أمم الكفر قبلهم وأمر المؤمنين أن يستمرّوا في قتالهم حتى لا يفتنوهم في دينهم، ويكون الدين كله لله، فإن انتهوا عن الكفر والقتال فإن الله بما يعلمون بصير وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) .
مصرف الأنفال الآيات (41- 75)
ثم قال تعالى وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الآية 41] ، فذكر أن خمس الأنفال يصرف لمن ذكرهم، والباقي، وهو أربعة أخماسها، يصرف للغانمين ثم أيد حقه وحق المذكورين في الخمس، بأنه جلّ وعلا الذي أنزل النصر يوم بدر، وقد نزلوا بالعدوة الدّنيا بعيدين عن الماء، ونزل المشركون بالعدوة القصوى قريبين منه، ولو تواعد الفريقان على القتال لاختلفوا في الميعاد، لقلّة المسلمين وكثرة المشركين، ولكنّ الله جمع بينهم على هذا الحال ليكون النصر معجزة من المعجزات لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الآية 42] ثم أيده أيضا بأنه الذي أراهم للنبي (ص) في منامه قليلا ليقدموا على قتالهم، ثم قلّلهم في أعين المؤمنين بعد التقائهم بهم لتقوى قلوبهم، ثم ذكر ما كان من أمره لهم أن يثبتوا ويستعينوا به ويطيعوا رسوله، وما كان من نهيه لهم أن يتنازعوا ويخرجوا كالمشركين بطرا
ورئاء الناس، وقد غرّهم الشيطان وأخبرهم بأنه جار لهم، فلما تراءت الفئتان للقتال فرّ منهم، لأنه رأى ما لم يروه من مدد الملائكة للمؤمنين ثم ذكر ما كان من استحقار المنافقين واليهود، لقلّة عددهم ورميهم لهم بالغرور لخروجهم بهذا العدد القليل، مع أن من يتوكل على الله ينصره ولو كان قليل العدد، ثم ذكر ما كان من الملائكة الذين سلّطهم على المشركين يتوفّونهم ويضربون وجوههم وأدبارهم، ويأمرونهم أن يذوقوا عذاب الحريق بما قدمت أيديهم ثم ذكر أنه أخذهم بهذا أخذ آل فرعون والذين كفروا من قبلهم بذنوبهم، لأنه لا يغيّر نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.
ثم ذكر أن أولئك المنافقين واليهود الذين رموا المؤمنين بالغرور لقلة عددهم شر الدوابّ عنده، لجهلهم ونقضهم عهودهم عهدا بعد عهد ثم أمر النبي (ص) إذا وجدهم في الحرب، أن يفعل بهم ما يشرد به من خلفهم من أعدائه، وإذا خاف منهم خيانة أن ينبذ إليهم عهدهم نبذا ظاهرا، بألّا يبادرهم بالحرب قبل علمهم بنبذ العهد.
ثم أوعد الكفار جميعا، بأنه لا يعجزه أن يصيبهم بمثل ما أصابهم يوم بدر، وأمر المؤمنين أن يعدّوا لقتالهم ما استطاعوا من آلات الحرب ليرهبوهم بذلك، ويرهبوا من يبطن لهم العداوة من المنافقين واليهود، ثم أمره إذا جنحوا بعد ذلك للسلم أن يجنح لها وذكر أنهم إن يريدوا خداعه بها فإنه هو حسبه، وهو الذي أيّده بنصره وبالمؤمنين، ثم أمره أن يحرّضهم دائما على القتال، ووعدهم بأنهم إن يكن منهم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منهم مائة صابرة تغلب ألفا، ثم خفف عنهم وأمرهم أن يثبتوا المائة منهم لمائتين، والألف لألفين.
ثم عاتب النبي (ص) والمسلمين على اتخاذهم الأسرى في غزوة بدر، لأنه لا يصح له اتخاذ الأسرى من الكفار إلا بعد أن يثخن فيهم بالقتل، ليضعف جمعهم، ويقلّ عددهم ثم ذكر أنهم آثروا الأسر طمعا في الفداء، ولولا أنه لا يعذب إلّا بعد الإنذار لمسّهم فيما أخذوا عذاب عظيم ثم أباح لهم بأن يأكلوا ممّا أخذوه من الفداء، لئلّا يفهموا من ذلك أنه محرّم عليهم ثم أمره أن يذكر لمن قاتل مع
المشركين من مسلمي مكة وأسر معهم، أنه إن يعلم في قلوبهم خيرا يؤتهم خيرا ممّا أخذ منهم، وأنهم إن يريدوا خيانته بعد إطلاقهم فقد خانوه من قبل فأمكن منهم ثمّ رغّبهم في الهجرة، فجعل ولاية الإسلام للمهاجرين والأنصار، وقطع الولاية بين من هاجر ومن لم يهاجر منهم، وأجاز للمهاجرين والأنصار إن استنصروهم أن ينصروهم إلا على من عاهدوهم من المشركين وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض، فلا يصح للمسلمين أن يوالوهم ويقاتلوا معهم وذكر أن المهاجرين والأنصار، هم المؤمنون حقّا لا غيرهم ممّن لم يهاجر، وأن الذين آمنوا من بعد ذلك وهاجروا، فهم من المؤمنين حقّا أيضا ثم أبطل الإرث بسبب الهجرة والنصرة، وجعله لذوي القرابة، فقال جلّ شأنه وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الآية 75] .