الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «طه»
«1»
أقول: روينا عن ابن عبّاس وجابر بن زيد، في ترتيب النزول: أن «طه» نزلت بعد سورة مريم، بعد ذكر سورة أصحاب الكهف. وذلك وحده كاف في مناسبة الوضع، مع التاخي بالافتتاح بالحروف المقطّعة.
وظهر لي وجه آخر، وهو: أنه لمّا ذكرت في سورة مريم قصص الأنبياء، زكريا، ويحيى، وعيسى، مبسوطة، وقصّة ابراهيم، وهي بين البسط والإيجاز، وقصّة موسى، وهي موجزة بجملة «2» ، فقد أشير إلى بقية النبيّين إجمالا «3» . وذكر في هذه السورة شرح قصّة موسى، التي أجملت هناك، فاستوعبت غاية الاستيعاب وبسّطت أبلغ بسط «4» ثم أشير إلى تفصيل قصّة آدم، الذي وقع مجرد اسمه هناك، «5» ثم ورد في سورة «الأنبياء» بقيّة قصص من لم يذكر في مريم، كنوح، ولوط، وداود، وسليمان وأيوب وذي الكفل،
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية، 1398 هـ: 1978 م.
(2)
. وردت قصّة موسى في ثلاث آيات قصار من «مريم» [51 و 52 و 53] .
(3)
. وذلك في قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا [مريم: 58] .
(4)
. وذلك في قوله تعالى: وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9) إلى ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (97)
(5)
. وقع مجرد ذكر اسم آدم في «مريم» في قوله تعالى: مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ [مريم: 58] . وذكرت قصّته مفصّلة في «طه» من قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [الآية 116] إلى قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [الآية 123] .
وذي النون، وأشير إلى قصّة من ذكرت قصّته إشارة وجيزة، كموسى، وهارون، وإسماعيل، وزكريا، ومريم، لتكون السورتان كالمتقابلتين.
وبسطت في سورة «الأنبياء» قصّة إبراهيم البسط التام فيما يتعلق به مع قومه، ولم تذكر حاله مع أبيه إلّا إشارة «1» . كما أنّه في سورة مريم ذكر حاله مع قومه إشارة، ومع أبيه مبسوطا «2» . فانظر إلى عجيب هذا الأسلوب، وبديع هذا الترتيب.
(1) . قصة ابراهيم (ع) في الأنبياء وردت في قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ [الأنبياء: 51] . الى: وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73)[الأنبياء] . وكلّها في إبراهيم وقومه. أما عن إبراهيم وأبيه، فأشير إليها في قوله إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ [الأنبياء: 52] .
(2)
. وردت قصّة إبراهيم وأبيه في «مريم» من قوله تعالى: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ [مريم:
42] . الى سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (47)[مريم] . وجاءت الإشارة اليه مع قومه في قوله تعالى:
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [مريم: 48] .