الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السورة ظلال النعمة، وظلال الشكر، والتوجيهات إليها، والتعقيب بها، في مقاطع السورة، وتضرب عليها الأمثال، وتعرض لها النماذج، وأظهرها نموذج إبراهيم:
شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) . كل أولئك في تناسق ملحوظ بين الصور والأفكار، والعبارات والإيقاعات، والقضايا والموضوعات نرجو أن نشاهده في أثناء استعراضنا لأجزاء السورة.
التوحيد في السورة
تبدأ سورة النحل بآية مشهورة، تقال كثيرا عند ما يحين الأجل، ويقف الإنسان عاجزا أمام حوادث القدر، يقول سبحانه:
أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) .
ومن أسباب نزول هذه الآية، أنّ أهل مكة كانوا يستعجلون الرسول (ص) أن يأتيهم بعذاب الدنيا أو عذاب الاخرة. وكلما امتدّ بهم الأجل، ولم ينزل العذاب، زادوا استعجالا، وزادوا استهزاء واستهتارا، وحسبوا ان محمدا يخوّفهم بما لا وجود له ولا حقيقة، ليؤمنوا له ويستسلموا، ولم يدركوا حكمة الله في إمهالهم، ورحمته في إنظارهم، ولم يحاولوا تدبّر آياته في الكون، وآياته في القرآن.
نعم الله
تسترسل الآيات في سورة النحل، تستعرض نعم الله سبحانه على الإنسان، فتذكر خلق السماوات والأرض والإنسان، والأنعام والنبات، والليل والنهار، والجبال والبحار، والشمس والقمر والنجوم، وهي ظواهر طبيعية ملموسة، ولكننا إذا قرأنا الآيات [3- 18] في سورة النحل نجد أننا أمام لوحة كونية معروضة، تنتقل بالإنسان من مشهد الى آخر، وكل مشهد يدل على وحدانية الخالق، ووحدانية المنعم. وتعرض الآيات هذه النعم فوجا فوجا، ومجموعة مجموعة.
في الفوج الأول، تتحدّث الآيات عن خلق السماوات والأرض، فيقول سبحانه:
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ [الآية 3] .
فالحق قوام خلقهما والحق قوام تدبيرهما والحق عنصر أصيل في
تصريفهما، وتصريف من فيهما وما فيهما، فما من شيء من ذلك كله عبث ولا جزاف، بل كل شيء قائم على الحق، وملتبس به، وسائر في النهاية اليه.
ثم تستعرض الآيات نعمة خلق الأنعام، والأنعام المتعارف عليها في الجزيرة العربية كانت الإبل والبقر والضأن والمعز، وقد أباح الله أكلها، أما الخيل والبغال والحمير فللركوب والزينة، ولا تؤكل، ثم يجيء التعقيب على هذه النعمة، بقوله سبحانه:
وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (8) .
ليظل المجال مفتوحا في التصوّر البشري لتقبّل أنماط جديدة من أدوات الحمل والنقل والركوب والزينة. إن الإسلام عقيدة مفتوحة مرنة، قابلة لاستقبال طاقات الحياة كلّها، ومقدّرات الحياة كافة، ومن ثم يهيّئ القرآن الأذهان لاستقبال كلّ ما تتمخض عنه القدرة والعلم والمستقبل، استقباله بالوجدان الديني المتفتح المستعدّ لتلقي كل جديد، في عجائب الخلق، والعلم والحياة.
ولقد وجدت وسائل للحمل والنقل والركوب والزينة لم يكن يعلمها أهل ذلك الزمان، وستجدّ وسائل أخرى لا يعلمها أهل هذا الزمان، والقرآن يهيّئ القلوب والأذهان بلا جمود ولا تحجّر، حينما يقول سبحانه وتعالى:
وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (8) .
والفوج الثاني: من آيات الخلق والنعمة، إنزال الماء، وإنبات النبات والمرعى والزرع، التي يأكل منها الإنسان، مع الزيتون والنخيل والأعناب وغيرها من أشجار الثمار.
في الفوج الثالث تتحدث الآيات عن تسخير الليل والنهار، والشمس والقمر، والنجوم، وكلّها ذات أثر حاسم في حياة الإنسان، ومن شاء فليتصور نهارا بلا ليل، أو ليلا بلا نهار، ثمّ يتصوّر مع هذا حياة الإنسان والحيوان والنبات في هذه الأرض كيف تكون، كلّ أولئك طرف من حكمة التدبير، وتناسق النواميس في الكون كله. يدركه أصحاب العقول التي تتدبر وتعقل:
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) .
وفي الفوج الرابع من أفواج النعمة فيما خلق الله للإنسان: