المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الكهف» - الموسوعة القرآنية خصائص السور - جـ ٥

[جعفر شرف الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌سورة النحل

- ‌البحث الأول أهداف سورة «النحل»

- ‌عرض إجمالي للسورة

- ‌التوحيد في السورة

- ‌نعم الله

- ‌وحدة الألوهية

- ‌أدلة الوحدانية

- ‌اسم السورة

- ‌مظاهر القدرة الإلهية

- ‌الأوامر والنواهي

- ‌ختام سورة النحل

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌إبطال الشرك الآيات [1- 23]

- ‌رد شبهة لهم على القرآن الآيات [24- 34]

- ‌عود الى إبطال شركهم الآيات [35- 37]

- ‌رد شبهة لهم على البعث الآيات [38- 42]

- ‌رد شبهة لهم على النبوة الآيات [43- 50]

- ‌عود الى إبطال أنواع من الشرك الآيات [51- 100]

- ‌عود الى رد شبههم على القرآن الآيات [101- 111]

- ‌الخاتمة الآيات [112- 128]

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «النحل»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «النحل»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «النحل»

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «النحل»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «النحل»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «النحل»

- ‌سورة الإسراء

- ‌المبحث الأول أهداف سورة ‌‌«الإسراء»

- ‌«الإسراء»

- ‌وعد الله لبني إسرائيل

- ‌أوهام المشركين، وحجج القرآن الكريم

- ‌من أسرار الإعجاز في سورة الإسراء

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الإسراء»

- ‌تاريخ نزولها ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌إثبات الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الآيات (1- 8)

- ‌الموازنة بين كتابي المسجدين الآيات (9- 59)

- ‌بيان حكمة الإسراء الآيات (60- 81)

- ‌عود إلى بيان فضل القرآن الآيات (82- 111)

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الإسراء»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «الإسراء»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الإسراء»

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «الإسراء»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «الإسراء»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الإسراء»

- ‌سورة الكهف 18

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «الكهف»

- ‌القصص في سورة الكهف

- ‌ قصة أصحاب الكهف

- ‌قصة موسى والخضر

- ‌قصة ذي القرنين

- ‌أهداف سورة الكهف

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الكهف»

- ‌تاريخ نزولها ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌المقدمة الآيات [1- 8]

- ‌قصة أصحاب الكهف الآيات [9- 82]

- ‌قصة ذي القرنين الآيات [83- 108]

- ‌الخاتمة الآيات [109- 110]

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الكهف»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «الكهف»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الكهف»

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «الكهف»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «الكهف»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الكهف»

- ‌سورة مريم 19

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «مريم»

- ‌أهداف السورة

- ‌القصص في سورة مريم

- ‌حكمة خلق عيسى (ع)

- ‌قصة ميلاد عيسى (ع)

- ‌أسلوب القرآن

- ‌المعالم الرئيسة في السورة

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «مريم»

- ‌تاريخ نزولها ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌نتف من قصص بعض الرسل الآيات [1- 58]

- ‌انحراف خلفهم عن سننهم الآيات [59- 98]

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «مريم»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «مريم» »

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «مريم»

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «مريم»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «مريم»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «مريم»

- ‌سورة طه 20

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «طه»

- ‌معنى طه

- ‌أهداف السورة من أهداف سورة طه:

- ‌قصة موسى (ع) في القرآن

- ‌قصة موسى في سورة طه

- ‌أدلّة موسى (ع) على وجود الله تعالى

- ‌موسى والسحرة

- ‌غرق فرعون ونجاة موسى

- ‌موسى والسامري

- ‌مشاهد القيامة وختام السورة

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «طه»

- ‌تاريخ نزولها ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌الحث على الصبر [الآيات 1- 8]

- ‌قصة موسى الآيات [9- 114]

- ‌قصة آدم الآيات [115- 127]

- ‌الخاتمة الآيات (128- 135)

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «طه»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «طه»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «طه»

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «طه»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «طه»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «طه»

- ‌سورة الأنبياء 21

- ‌المبحث الأول أهداف سورة «الأنبياء»

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌نظم السورة

- ‌أشواط أربعة

- ‌الشوط الأول

- ‌الشوط الثاني

- ‌الشوط الثالث

- ‌الشوط الرابع

- ‌المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الأنبياء»

- ‌تاريخ نزولها ووجه تسميتها

- ‌الغرض منها وترتيبها

- ‌إنذارهم باقتراب حسابهم الآيات (1- 47)

- ‌قصص الأنبياء الآيات (48- 91)

- ‌الخاتمة الآيات (92- 112)

- ‌المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الأنبياء»

- ‌المبحث الرابع مكنونات سورة «الأنبياء»

- ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الأنبياء»

- ‌المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «الأنبياء»

- ‌المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «الأنبياء»

- ‌المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الأنبياء»

الفصل: ‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الكهف»

‌المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الكهف»

«1»

1-

وقال تعالى: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6) .

الباخع: القاتل المهلك، يقال: بخع نفسه يبخعها بخعا وبخوعا، قال ذو الرمّة:

ألا أيّهذا الباخع الوجد نفسه لشيء نحته عن يديه المقادر أقول: والبخع من الكلم القديم الذي افتقدناه منذ عصور.

2-

وقال تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (9) .

قالوا: الرّقيم اسم كلبهم، قال أمية بن أبي الصّلت:

وليس بها إلّا الرّقيم مجاورا وصيدهم والقوم في الكهف همد وقيل: هو لوح من رصاص، رقمت فيه أسماؤهم، جعل في باب الكهف.

وقيل: إنّ الناس رقموا حديثهم نقرا في الجبل.

وقيل: هو الوادي الذي فيه الكهف، وقيل: الجبل، وقيل: مكانهم بين غضبان وأيلة دون فلسطين.

أقول: الذي أراه أن «الرّقيم» هو «المرقوم» ، ولعله كتابهم أو كتابتهم، وما سطروه ونقشوه.

وما زال «الرّقم» في العربية يشير إلى الكتابة والنقش والإشارة.

3-

وقال تعالى: وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الآية 14] .

(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي، مؤسسة الرسالة، بيروت، غير مؤرّخ.

ص: 143

وقوله: وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ، أي:

قوّيناها بالصبر على هجر الأوطان والنعيم، والفرار بالدّين إلى بعض الغيران «1» ، وجسّرناهم على القيام بكلمة الحق والتظاهر بالإسلام.

أقول: والربط على القلوب، كناية جميلة عن تقويتها بالصبر والجلد على الصعاب.

4-

وقال تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ [الآية 17] .

قوله تعالى: تَتَزاوَرُ أي: تتمايل، والأصل تتزاور.

وقرئ: تزورّ وتزوارّ بوزن تحمر وتحمارّ، وكلّها من الزّور وهو الميل، ومنه زاره إذا مال إليه.

وهذا يدلنا على أن «الزيارة» من الزّور، وهو الميل الحسّي الذي تحوّل إلى زيارة، وذهاب فيهما ميل جسدي، وآخر معنويّ عاطفيّ.

5-

وقال تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الآية 18] . انظر: [آل عمران: 9] . 6- وقال تعالى: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ [الآية 19] .

«الورق» : الفضّة مضروبة كانت أو غير مضروبة، وقرئ بسكون الراء والواو مكسورة أو مفتوحة، وكذلك الرّقة، وقالوا: إنها الدراهم.

أقول: وهذا من الكلم القديم الذي بقي في النصوص القديمة.

7-

وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [الآية 21] .

أي: وكذلك أعثرنا عليهم (أي:

أهل الكهف) أهل المدينة.

و «أعثر» في الآية فعل متعد، حذف مفعوله، تقديره: أهل المدينة.

وقد جاء هذا الفعل في الآية: 107 من المائدة، ببناء الثلاثي وهو قوله تعالى: فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما.

أقول: وعلى هذا، يكون استعمال المعاصرين صحيحا حين يقولون:

عثرنا على هذه المسألة، مثلا.

(1) . الغيران، جمع الغار.

ص: 144

وجاء في معجمات العربية: وعثر على الأمر: اطّلع عليه.

ولا حجّة لمن ذهب إلى خطأ هذا القول من المعاصرين.

8-

وقال تعالى: وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي [الآية 24] .

أقول: إن الاكتفاء بالحركة القصيرة بعد النون، يهيّئ مناسبة أن يجيء بعدها حركة طويلة في قوله تعالى:

رَبِّي، ولو أنك أطلت في الأولى وقرأت «يهديني» لما حسن الأداء من الناحية الصوتية، ألا ترى إلى قوله سبحانه: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ [الآية 17] .

فإن الْمُهْتَدِ جاء بالكسر، والأصل «المهتدي» ، ولكن لمّا حسن الوقف عليه اجتزئ بالكسر، توقّعا للسكون، الذي يتطلبه الوقف.

9-

وقال تعالى: وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) .

«الملتحد» بزنة اسم المفعول:

الملتجأ.

أقول: وليس لنا في عربيتنا المعاصرة إلّا الثلاثي، ومنه «اللّحد» . 10- وقال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) .

وقوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ، أي: احبسها معهم وثبّتها، قال أبو ذؤيب:

فصبرت عارفة لذلك حسرة ترسو إذا نفس الجبان تطلّع أقول: وهذا من معاني «الصبر» القديمة، التي عفا أثرها بسبب شيوع معنى «الصبر» المعروف، وهو الصبر على المحن والشدائد، وبهذا المعنى أصبح الفعل «صبر» من الأفعال اللازمة، وأصله التعدّي لأن المعنى هو الحبس في الأصل، فكأن «الصابر» على الشدّة من يحبس نفسه، فيحملها على الاحتمال.

قلت: لم يبق من هذا المعنى شيء إلّا ما اصطلح عليه أهل الشمال الإفريقي، الذين أخذوا المضاعف، وأطلقوه على ما يحبس من الفواكه والخضر واللحوم في الصفيح، وهو ما

ص: 145

ندعوه في المشرق «المعلّبات» وعندهم يقال: «المصبّرات» .

أقول: وأهل إفريقية في هذه اللفظة، أفصح منا نحن عرب المشرق ذلك أن «المعلّبات» و «التعليب» قد جاء من «العلبة» ، وهي قدح ضخم من جلود الإبل، وقيل: العلبة من خشب، كالقدح الضخم يحلب فيها، وقيل:

إنها كهيئة القصعة من جلد، ولها طوق من خشب.

وهذه «العلبة» القديمة كان لنا في العراق شيء منها، ولا سيّما في بغداد، فهي وعاء من خشب، تضع فيه القرويات اللبن الخاثر، ويأتين به ليباع.

وجاء في الآية أيضا قوله تعالى:

وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ.

والمعنى: ولا تتجاوزهم عيناك وتتعدّياهم، أي: لا تتجاوز عيناك الفقراء، وتزوّرا عنهم.

أقول: وهذا استعمال جميل للفعل «عدا يعدو» .

وجاء في الآية نفسها: وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) .

والمعنى: كان أمره مجاوزا الحدّ. وهذا من الكلم الجميل الذي لا نعرفه الآن، وإن كنا نستعمل الإفراط والتفريط.

11-

وقال تعالى: بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) .

وقال أيضا: نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) .

والمعنى: المرتفق هو المتّكأ من المرفق، وهذا لمشاكلة قوله سبحانه: وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) ، وإلّا فلا ارتفاق لأهل النار، ولا اتّكاء.

12-

وقال تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً [الآية 33] .

أي: كلّ واحدة من الجنّتين آتت غلّتها، وأخرجت ثمرتها.

أقول: جاء الفعل مختوما بتاء التأنيث آتت، ولم يأت «آتتا» كما وردت في بعض القراآت.

فماذا يقال في هذه المسألة؟ قالوا:

إنّ «كلتا» مفرد، ولذلك حمل الفعل بعدها على اللفظ، ولو حمل على المعنى لقيل: آتتا.

كأن «كلتا» اسم مقصود مفرد، ولذلك فإنّ مراعاة لفظها أكثر وأفصح

ص: 146

من مراعاة معناها، مثلها مثل «كلّ» فلفظها مفرد، وهو المحمول عليه أكثر مما يحمل على معناها ومثل هذا «من» و «ما» الموصوليّتان أو الشرطيّتان.

وقوله تعالى: وَلَمْ تَظْلِمْ، أي:

لم تنقص.

وإفادة «الظلم» لمعنى النقص معروف في العربية وهو كقول الشاعر:

أيظلمني مالي كذا ولوى يدي لوى يده الله الذي هو غالبه أي: ينقصني مالي.

أقول: ولشيوع «الظلم» في دلالته المعروفة في عصرنا، أنسيت هذه الدلالة الأخرى التي وردت في الآية.

13-

وقال تعالى: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الآية 43] .

أقول: كنّا قد أشرنا إلى أن العربية قد تحمل على اللفظ كثيرا، فأشرنا إلى أن كلمة «كلّ» لفظها لفظ المفرد، وكذلك «ركب» ، و «وفد» ، و «قوم» ، و «شجر» ، و «طفل» وغير ذلك كثير.

وقد تحمل على المعنى في الكلمات التي أشرنا إليها، قال تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ [الحجرات:

11] .

وفي غير هذه الكلمات.

وهذا يعني أننا لا نستطيع أن نقول:

إنّ هذا أفصح من ذاك.

وقد كنا عرضنا لكلمة «طائفة» ، وكيف وردت في الآيات الكريمة يراعى لفظها مرّة، كما يراعى معناها أخرى.

ومثل «طائفة» كلمة «فئة» ، ولنعرض الآيات التي وردت فيها هذه الكلمة:

قال تعالى: قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:

249] .

فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ [آل عمران: 13] .

وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ [الأنفال: 19] .

فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ [القصص: 81] .

قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا [آل عمران: 13] .

أقول: ومجيء كلمة «فئة» في جملة هذه الآيات نظير ما ورد في كلمة

ص: 147

«طائفة» وغيرها في لغة التنزيل.

14-

وقال تعالى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها [الآية 53] .

قوله تعالى: مُواقِعُوها أي:

مخالطوها واقعون فيها.

أقول: وهذا استعمال للفعل «واقع» يحقّ لنا أن نقف عليه.

15-

وقال تعالى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (71) .

أي: لقد جئت شيئا عظيما، وهو من أمر الأمر إذا عظم، قال داهية دهياء إدّا إمرا.

أقول: ما كان أحوجنا إلى أن تحتفظ عربيّتنا المعاصرة بهذا النوع من الكلم الثلاثي الجميل، وهو قريب منّا، ولا سيما أن مادة «أمر» كثيرة التداول.

16-

وقال تعالى: فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ [الآية 77] . قوله تعالى: اسْتَطْعَما أَهْلَها، أي: طلبا الطعام.

وقوله سبحانه: أَنْ يُضَيِّفُوهُما وقرئ يضيفوهما. ويقال: ضافه إذا كان ضيفا.

وحقيقته: مال إليه، من ضاف السهم عن الغرض، ونظيره: زاره من الازورار.

وأضافه وضيّفه: أنزله وجعله ضيفه.

وفي قوله تعالى: فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ، استعيرت الإرادة للمداناة والمشارفة.

أقول: كأن القول: يوشك أن ينقضّ. واستعارة الإرادة للمداناة والمشارفة لا نعرفها في العربية المعاصرة، ولكننا نجدها في العامّية الدارجة في العراق، فنقول في المناسبة نفسها في الحديث عن جدار آيل للسقوط:«يريد يسقط» .

ص: 148