الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأرض المقدّسة، لا يدخلون فيها لأنّ فيها قوما جبّارين.
وفي سورة الكهف كانت كذلك حلقة واحدة: حلقة لقاء موسى للعبد الصالح، وصحبته فترة. وقد سبق الحديث عنها في سورة الكهف، بعنوان قصّة موسى والخضر.
فأمّا في «البقرة» و «الأعراف» و «يونس» ، وفي هذه السورة، سورة طه، فقد وردت منها حلقات كثيرة، ولكن هذه الحلقات تختلف في سورة عنها في الأخرى. تختلف الحلقات المعروضة، كما يختلف الجانب الذي تعرض منه، تنسيقا له مع اتجاه السورة التي يعرض فيها.
في «البقرة» ، سبقتها قصّة آدم (ع) وخلقه وتكريمه في الملأ الأعلى.
فجاءت قصّة موسى وبني إسرائيل تذكيرا لبني إسرائيل بنعمة الله عليهم وعهده إليهم وإنجائهم من فرعون وملئه، واستسقائهم وتفجير الينابيع لهم، وإطعامهم المن والسلوى.
وذكرت عدوانهم في السبت، وقصّة البقرة، وفي «الأعراف» سبقها الإنذار وعواقب المكذّبين بالآيات قبل موسى عليه السلام، فجاءت قصّة موسى تعرض ابتداء من حلقة الرسالة، وتعرض فيها آيات العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع، وتعرض حلقة السحرة بالتفصيل، وخاتمة فرعون وملئه المكذّبين وفي يونس، سبقها عرض مصارع المكذبين ثم عرض منها حلقات ثلاث:
حلقة الرسالة وحلقة السحرة وحلقة غرق فرعون.
أما هنا، في سورة طه، فقد كان مطلع السورة يشفّ عن رحمة الله ورعايته لمن يصطفيهم لحمل رسالته وتبليغ دعوته فجاءت القصّة مظلّلة بهذا الظلّ، تبدأ بمشهد المناجاة، وتتضمّن نماذج من رعاية الله لموسى في طفولته وشبابه ورجولته وتثبيته وتأييده وحراسته وتعهده.
قصة موسى في سورة طه
ولد موسى في مصر، ونما وترعرع في بيت فرعون، ثم قتل رجلا من طريق الخطأ، فخرج هاربا إلى أرض مدين وهناك تزوج بنت نبيّ الله شعيب (ع) ، ومكث في أرض مدين عشر سنين، ثمّ عاد بأهله إلى مصر.
وفي الطريق أدركته عناية الله ومنّ الله عليه بالرسالة والعناية. وناداه:
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (13) .
وهذا الوحي يتعلّق بثلاثة أمور مترابطة: الاعتقاد بالوحدانيّة والتوجّه بالعبادة والإيمان بالسّاعة وهي أسس رسالة الله الواحدة. ومن نداء الله لموسى:
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (15) .
وخص الله موسى بمعجزات ظاهرة، وآيات باهرة. أمره أن يلقي عصاه فألقاها، فإذا هي حية تسعى ثم نمّت وعظمت حتّى غدت في جلادة الثّعبان، وضخامة الجانّ. لمحها موسى، فاشتد خوفه، فناداه الله:
قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (21) ثم أدخل موسى يده تحت إبطه، فخرجت بيضاء بياضا يغلب نور الشمس، ليس فيها بهاق «1» أو برص «2» أو مرض وتمّت لموسى معجزتان هما اليد والعصا، فرأى آيات الله الكبرى. واطمأنّ للنهوض بالتّبعة العظمى.
أمر الله موسى، أن يذهب إلى فرعون رسولا وداعيا إلى الهدى، ومبشّرا بالجنة، لمن أطاع الله، وبالنار لمن عصاه.
فطلب موسى من ربه أن يشرح له صدره، وأن ييسّر له أمره، وأن يحلّ حبسة في لسانه ليفقه الناس قوله، وأن يمنّ الله عليه بمعين من أهله، هو أخوه هارون.
واستجاب الله دعاء موسى وحباه بفضل زائد، وذكّره بإفضاله عليه صغيرا وناشئا، حيث نجّاه عند ما قتل قتيلا خطأ، وألقى عليه المحبّة، وربّاه برعايته، وصنعه بعين عنايته. قال سبحانه:
وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39) .
(1) . البهاق: مرض يذهب بلون الجلد، فتقع فيه بقع بيض.
(2)
. البرص: بياض يقع في الجسد، لعلّة.