الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العظيم. والبشرى للذين صبروا، ومضاعفة الثواب لهم.
ثم تذكر الآيات بعض آداب تلاوة القرآن، وهي الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، لطرد شبحه من مجلس القرآن الكريم، كما تذكر بعض تقوّلات المشركين عن القرآن، فمنهم من يرمي الرسول (ص) بافترائه على الله، ومنهم من يقول: إن غلاما أعجميّا هو الذي يعلمه هذا القرآن.
وفي نهاية الدرس، يبيّن جزاء من يكفر بعد إيمانه، ومن يكره على الكفر، وقلبه مطمئنّ بالإيمان. ويبيّن جزاء من فتنوا عن دينهم، ثم هاجروا، وجاهدوا، وصبروا. وكلّ أولئك، تبيان وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين.
وفي الآيات إباحة لمن أكره على الكفر، أن ينطق لسانه به، ما دام قلبه عامرا بالإيمان. روى ابن جرير بإسناده أن العذاب لمّا اشتد على عمار بن ياسر، نطق ببعض ما أرادوا، ثم شكا ذلك الى النبي (ص) فقال له النبي:
«كيف تجد قلبك؟» قال: مطمئنّا بالإيمان. قال النبي: «إن عادوا فعد» ، فكانت رخصة في مثل هذه الحال. وقد أبى بعض المسلمين أن يظهروا الكفر بلسانهم، مؤثرين الموت على لفظه باللسان، كذلك صنعت سميّة أم ياسر، وهي تطعن بالحربة في موضع العفّة حتى تموت، وكذلك صنع أبوها ياسر.
وقد كان بلال، رضوان الله عليه، يعذّب أشدّ العذاب، حتى لتوضع الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر، ويطلب منه أن ينطق بكلمة الشرك، فيأبى وهو يقول: أحد أحد.
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أيّ جنب كان في الله مصرعي
ختام سورة النحل
يتحدث الربع الأخير من سورة النحل، عن مثل ضربه الله سبحانه، لتصوير حال مكّة وقومها المشركين، الذين جحدوا نعمة الله عليهم، لينظروا المصير الذي يتهدّدهم من خلال المثل الذي يضربه لهم، حين يقول سبحانه:
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112) .
وهي حال أشبه شيء بحال مكّة جعل الله فيها البيت، وجعلها بلدا حراما، من دخله فهو آمن مطمئن، لا تمتدّ إليه يد، ولو كان قاتلا، ولا يجرأ أحد على إيذائه، وهو في جوار بيت الله الكريم. وكان الناس يتخطّفون من حول البيت، وأهل مكّة في حراسته وحمايته كانوا آمنين مطمئنين، كذلك كان رزقهم يأتيهم هيّنا هنيئا، من كل مكان مع الحجيج ومع القوافل الآمنة، مع أنهم في واد قفر جدب غير ذي زرع، فكانت تجيء إليهم ثمرات كل شيء، فيتذوقون طعم الأمن وطعم الرغد، منذ دعوة إبراهيم الخليل عليه السلام، فإذا كذّب أهل مكة بدعوة محمد (ص) ، وجحدوا رسالته، استحقوا العقاب والعذاب ولباس الجوع والخوف، جزاء كفرهم وعنادهم.
ثم ينتقل السياق بهم، الى الطيّبات التي حرّمها أبناء القبائل المكية على أنفسهم، اتّباعا لأوهام الوثنية، وقد أحلّها الله لهم، وحدّد المحرّمات، وبيّنها، وليست هذه منها، وذلك لون من الكفر، بنعمة الله، وعدم القيام بشكرها، يتهدّدهم بالعذاب الأليم من أجله. وهو افتراء على الله لم تنزل به شريعة.
وبمناسبة ما حرّم على المسلمين من الخبائث، يشير الى ما حرّم على اليهود من الطيّبات بسبب ظلمهم. وقد جعل هذا التحريم عقوبة لهم على عصيانهم.
ولم يكن محرّما على آبائهم، في عهد إبراهيم (ع) الذي كان أمّة قانتا لله حنيفا، ولم يك من المشركين، شاكرا لأنعمه، اجتباه وهداه الى صراط مستقيم. فكانت حلالا له الطيبات، ولبنيه من بعده، حتى حرّم الله بعضها على اليهود، عقوبة لهم خاصة، ومن تاب من بعد جهالته، فإن الله غفور رحيم.
ثم جاءت رسالة محمد (ص) ، امتدادا واتّباعا لرسالة ابراهيم (ع) ، فعادت الطيّبات كلّها حلالا، وكذلك السبت الذي منع فيه اليهود من الصيد، فإنما السبت على أهله الذين اختلفوا فيه، ففريق كف عن الصيد، وفريق نقض عهده، فمسخه الله، وانتكس عن مستوى الإنسانية.
وتختم السورة عند هذه المناسبة بالأمر الى الرسول (ص) ، أن يدعو الى سبيل ربّه، بالحكمة والموعظة
الحسنة. وأن يجادلهم بالتي هي أحسن. وأن يلتزم قاعدة العدل، في ردّ الاعتداء بمثله دون تجاوز
…
والصبر والعفو خير، والعاقبة بعد ذلك للمتّقين المحسنين، لأن الله معهم ينصرهم ويرعاهم، ويهديهم طريق الخير والفلاح.
وفي أسباب نزول القرآن، أنّ الآيات الأخيرة من سورة النحل، نزلت في حمزة بن عبد المطلب، حين استشهد في غزوة أحد، وفي هذه الغزوة مثّل المشركون بالمسلمين، فبقروا بطونهم، وقطعوا مذاكيرهم، وما تركوا أحدا غير ممثّل به، سوى حنظلة بن الراهب، كان الراهب أبو عامر مع أبي سفيان، فتركوا حنظلة لذلك، ثمّ وقف رسول الله (ص) على جثّة حمزة، وقد مثّل به، فرآه مبقور البطن فقال:«أما والذي أحلف به، إن أظفرني الله بهم، لأمثّلن بسبعين مكانك» فنزل قوله تعالى:
وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) .
ولما نزلت هذه الآية، كفّر النبي (ص) عن يمينه، وكفّ عما أراده، ومن هذا ذهبوا الى أن خواتيم سورة النحل مدنية، ولا خلاف في تحريم المثلة، وقد وردت الأخبار بالنهي عنها، حتى بالكلب العقور.