الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الأنبياء»
«1»
1-
وقال تعالى: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الآية 3] .
أقول: أكثر النحويون في الكلام على هذه الآية فقالوا: «الواو» فاعل، و «الذين» بدل.
وقالوا: «الذين» فاعل، «والواو» ليس ضميرا.
وقالوا: هي لغة.
أقول: القول إنّها لغة مقبول، ولكنّي أقول أيضا: إنّ هذه المسألة ليست «لغة» ومعنى ذلك أنها شيء خاصّ، بل ربّما اتّجه القول اتّجاها حسنا، لو قلنا إنّ مجيء الفاعل اسما ظاهرا، مع تحمّل الفعل «إشارة» أو «علامة» لهذا الفاعل في أنه مثنّى أو جمع، أسلوب من أساليب العرب، أخذ في الزوال والنقص في عصر القرآن، فجاء منه شيء قليل، والآية شاهد على ذلك.
2-
وقال تعالى: بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ [الآية 5] .
والمعنى: أنّ الكافرين قالوا: إنّ القرآن تخاليط أحلام، رآها النبيّ (ص) في المنام.
وأريد أن أقف وقفة قصيرة على قوله تعالى: أَضْغاثُ أَحْلامٍ فأقول:
«الضّغث» : قبضة حشيش مختلطة الرّطب باليابس، وهذا يعني أنّ «أضغاث الأحلام» رؤيا لا يصح تأويلها، لاختلاطها.
والقول البديع في هذا التركيب، إضافة المادي إلى المحسوس. وهو
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي، مؤسسة الرسالة، بيروت، غير مؤرّخ. [.....]
«الأضغاث» إلى المعنويّ، وهو «الأحلام» بمعنى الرؤيا للشبه بينهما وهو الاختلاط.
3-
وقال تعالى: وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11) .
أريد ب «قرية» أهل القرية، ومن أجل ذلك وصفت بأنها «ظالمة» ، ثم قال تعالى: وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11) .
أقول: ودلالة «القرية» على «أهلها» كثير في القرآن، ومنه:
وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (4)[الأعراف] .
وقوله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها [يوسف: 82] .
وأمّا دلالة القرية على المكان فكثير أيضا، وقد ورد في آيات كثيرة.
4-
وقال تعالى: لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ [الآية 13] .
والمراد: وارجعوا إلى ما نعمتم فيه من العيش الرّافه، أي إلى نعمكم التي أترفتكم.
5-
وقال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ [الآية 18] . أي: أنّنا ندحض الباطل بالحق، واستعار القذف والدمغ تصويرا لإبطاله، وإهداره، ومحقه.
وأصل الدّمغ الشّجّ، يقال دمغه حتى بلغت الشّجّة الدّماغ.
أقول: واستعارة «الدمغ» في هذا الخصوص استعارة جميلة، لإحكام تصوير حقيقة محق الباطل بالحقّ.
6-
وقال تعالى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) .
وقوله تعالى: وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) .
أي لا يعيون، عن قتادة والسّدّيّ.
وقيل: لا يملّون، وقيل: لا ينقطعون، مأخوذ من البعير الحسير، المنقطع بالإعياء.
7-
وقال تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الآية 22] .
أقول: الضمير في قوله تعالى:
فِيهِما ضمير الاثنين يعود إلى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ في الآية 19:
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
فقد عدّت «السماوات» أحد جزأي المثنّى نظير «الأرض» فجاء الضمير
كناية عنهما، ولم يلتفت إلى أن «السماوات» جمع.
ومثل هذه المسألة ما ورد في الآية 30: من السورة نفسها، وهي:
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما.
8-
وقال تعالى: وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ [الآية 31] .
أي: كراهة «أن تميد بهم» .
أقول: وحذف المصدر المبيّن للسبب، وهو المفعول له، ورد في لغة القرآن التماسا للإيجاز، وهو مطلب من مطالب البلاغة، وأنه يلمح في المعنى، ومن ذلك قوله تعالى:
وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النحل: 15 ولقمان: 10] .
أي: كراهة أن تميد بكم.
وقوله تعالى: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ [الإسراء: 46] .
والتقدير كراهة أن يفقهوه.
9-
وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) .
وفي قوله تعالى: يَسْبَحُونَ (33) . إضافة فعل العقلاء إليها، سوّغ مجيء الواو والنون، كما قال سبحانه:
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (4)[يوسف] .
10-
وقال تعالى: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ [الآية 57] .
أي لأدبّرنّ في بابهم تدبيرا خفيّا يسوؤكم ذلك.
والفعل «كاد يكيد» فعل متعدّ، كما في الآية وقد يطوى المفعول به، كما في قوله تعالى:
كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ [يوسف:
76] .
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً (16)[الطارق] .
والكيد التدبير بباطل أو حقّ.
والكيد الخبث والمكر.
1-
وقال تعالى: وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ [الآية 77] .
«السّوء» : بفتح السّين هو المصدر، أمّا الاسم فهو السّوء بالضّمّ.
12-
وقال تعالى: وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ
إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ
[الآية 78] .
وقوله تعالى: نَفَشَتْ، أي:
تفرّقت ليلا. ونفشت الغنم والإبل:
رعت ليلا بلا راع وهذا معنى نادر للفعل «نفش» ، لأنّ النفش تشعيث الشيء بأصابعك حتّى ينتشر.
والنّفش، بالتحريك، الصوف والخصب.
13-
وقال تعالى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً [الآية 87] .
أي: أنّه «مغاضب» لقومه، فقد أغضبهم بمفارقته، لخوفهم حلول العقاب عليهم.
أقول: والمزيد «غاضب» ممّا لم يتيسّر لي أن اقف عليه في غير لغة التنزيل.
14-
وقال تعالى: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) .
الحدب: النشز من الأرض، أي:
المرتفع.
وقوله تعالى: يَنْسِلُونَ (96)، أي: يظهرون ويسرعون. أقول: وفي لغة المعاصرين يقال:
جاءوا من كل حدب وصوب، أي:
جاءوا من كلّ جهة، وكثيرا ما يخطئون فيسكنون الدال من «حدب» .
وكأنّ أصل العبارة، أنّها قابلت بين «الحدب» وهو النشز المرتفع قليلا، وبين «الصّوب» الذي يدل على الانصباب والانحدار، وهو ضدّ التصعيد، وهو الإصابة والتصوّب أيضا.
15-
وقال تعالى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) .
قلنا: قرأ ابن عبّاس: حضب جهنم بمعنى الحصب. وهو ما يحصب به، أي يرمى كالحصى، وهو المحصوب من باب فعل بمعنى مفعول مثل السّلب، والحلب ونحو هما.
وقرئ: «الحصب» بإسكان الصّاد، وهو من باب الوصف بالمصدر.
وقرئ: حطب بالطاء.
ومن المفيد أن نقول: إن «حضب» بالضاد المعجمة، هو الحطب في لغة اليمن.