الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول أهداف سورة
«الإسراء»
«1»
سورة الإسراء سورة مكّية، نزلت في السنة الحادية عشرة للبعثة قبل الهجرة بسنة وشهرين. وتسمّى سورة «الإسراء» ، نظرا لذكر الإسراء في صدرها، كما تسمّى سورة «بني إسرائيل» لأنها تحدّثت عنهم، وعن إفسادهم في الأرض، وعن عقوبة الله لهم على هذا الفساد.
وعدد آياتها 111 آية، وهي من أواخر ما نزل من السّور في مكّة، وقد تميّزت آياتها بالطول النسبي، وبسط الفكرة، والدعوة إلى التحلّي بالآداب ومكارم الأخلاق.
فسورة الإسراء اشتملت على خصائص السورة المكّية، ومن ناحية أخرى ظهرت فيها صفات من خصائص السورة المدنية، لأنها من أواخر ما نزل في مكّة فهي ممهّدة للعهد المدني، أو هي ممّا يشبه المدني، وهو مكّي.
الإسراء
بدأت سورة الإسراء بقوله تعالى:
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) .
وخلاصة الإسراء: أن الله تعالى، أكرم رسوله محمدا (ص) ، بمعجزة إلهية، هي الانتقال به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بالشام، ثم صعد إلى السماوات العلا، ورأى من كل سماء مقرّبيها، ورأى سدرة
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1979- 1984. [.....]
المنتهى، وجنة المأوى، وآيات ربّه الكبرى، ثم فرض الله سبحانه عليه الصلاة، لتكون صلة بين المخلوق والخالق، ورباطا بين الإنسان وربّه، وعاد (ص) إلى مكة قبل طلوع الفجر.
والرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، رحلة مختارة من لدن اللطيف الخبير، تربط بين عقائد التوحيد الكبرى، من إبراهيم وإسماعيل (ع) إلى محمد خاتم النبيين (ص) ، وتربط بين الأماكن المقدّسة لديانات التوحيد جميعا.
وكأنّما أريد بهذه الرحلة العجيبة، إعلان وراثة الرسول الأخير لمقدّسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه المقدسات، وارتباط رسالته بها جميعا فهي رحلة ترمز إلى أبعد من حدود الزمان والمكان، وتتضمّن أكبر من المعاني القريبة، التي تنكشف عنها للنظرة الاولى.
والإسراء آية صاحبتها آيات:
لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا.
والنقلة العجيبة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، في الوقت القصير، آية من آيات الله، تفتح القلب على آفاق عجيبة في هذا الوجود، وتكشف عن نعم الله على الجنس البشري، الذي كرّمه الله وفضّله على كثير من خلقه، واصطفى من بينهم رسلا وأنبياء، يوحي إليهم ويخصّهم بالنبوّة والهداية، والمعجزات الباهرة.
هذا الإسراء آية من آيات الله. وهو نقلة عجيبة بالقياس إلى مألوف البشر، والمسجد الأقصى، هو طرف الرحلة، وهو قلب الأرض المقدّسة التي بارك الله حولها، بركات مادية ومعنوية، فحولها الأشجار والثمار، وإليها يتحرّك الحجيج، وقد زارها الأنبياء والمرسلون.
واتفق جمهور العلماء على أن الإسراء كان بالروح والجسد، يقظة لا مناما وذهب بعض العلماء إلى أن الإسراء كان بالروح فقط، وكان في النوم لا في اليقظة، لقوله تعالى في سورة الإسراء:
وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الآية 60] .
وقد رد جمهور العلماء بأن هذه الآية، تشير إلى رؤيا رآها النبي (ص) ليلة غزوة بدر الكبرى، قال تعالى: