الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) .
حتى إذا انتهى التقرير والفصل وعاد السياق إلى القصص، عاد الإيقاع الرّضي المديد:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) .
حتّى إذا جاء ذكر المكذّبين، وما ينتظرهم من عذاب وانتقام، تغيّر الإيقاع والجرس:
قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (75) .
وفي موضع الاستنكار، يشتدّ الجرس والنّغم بتشديد الدّال:
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (89) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) .
وهكذا يسير الإيقاع في السورة وفق المعنى والجو، ويشارك في إبقاء الأسلوب الذي يتناسق مع المعنى في ثنايا السورة، وفق انتقالات السياق من فكرة إلى فكرة، ومن معنى إلى معنى.
المعالم الرئيسة في السورة
يمكننا أن نلمح ثلاث مجموعات رئيسة في سورة مريم:
المجموعة الأولى: تتضمّن قصّة زكريّا ويحيى، وقصّة مريم وعيسى، والتعقيب على هذه القصّة بالفصل في قضيّة عيسى التي كثر فيها الجدل، واختلفت فيها أحزاب اليهود والنصارى.
المجموعة الثانية: تتضمّن حلقة من قصّة إبراهيم مع أبيه وقومه، واعتزاله لملّة الشّرك، وما عوّضه الله من ذرية نسلت بعد ذلك أمّة. ثمّ أشارت إلى قصص النبيّين، ومن اهتدى بهم ومن خلفهم من الغواة، ومصير هؤلاء وهؤلاء وتنتهي بإعلان الربوبية الواحدة التي تعبد بلا شريك:
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) .
والمجموعة الثالثة والأخيرة: تبدأ بالجدل حول قضية البعث، وتستعرض
بعض مشاهد القيامة، وتعرض صورة من استنكار الكون كلّه لدعوى الشرك.
وتنتهي بمشهد مؤثّر عميق، من مصارع القرون:
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ [الآية 74] .
أي أمة من الأمم الماضية، بتكذيبهم الرسل.
هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98) .
وقد جاء تفسير الطبري لهذه الآية الأخيرة من سورة مريم بما معناه:
يقول تعالى ذكره: وكثيرا أهلكنا يا محمّد، قبل قومك من مشركي قريش مِنْ قَرْنٍ يعني من جماعة من الناس، إذ سلكوا سبيل المعاصي والشرك: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ.
يقول فهل تحس أنت منهم أحدا يا محمّد، فتراه وتعاينه أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98) .
يقول أو تسمع لهم صوتا، بل بادوا وهلكوا وخلت منهم دورهم، وأوحشت منهم منازلهم، وصاروا إلى دار لا ينفعهم فيها إلّا صالح من عمل قدّموه فكذلك قومك هؤلاء صائرون إلى ما صار إليه أولئك، إن لم يعاجلوا التوبة قبل الهلاك.
وهكذا تنتهي سورة مريم، بعد تقرير قدرة الله الفائقة، وحكمته البالغة في خلق يحيى وخلق عيسى (ع) ، وتقرير قدرته سبحانه على البعث والحشر والحساب والجزاء، ومكافأة المؤمنين ومعاقبة المعتدين.