الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عشرَة مراكب وَفِي الباحة أَرْبَعَة مراكب وَتلف فِيهَا من الْأَمْوَال مَا لَا ينْحَصر وتغيرت أَرْبَعَة مراكب وأنكسرت أدقالهم ورموا من حملهمْ أَكثر من النّصْف وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
سنة أثنين بعد التسْعمائَة
902 هـ
وَفِي يَوْم الْأَحَد وَقت الْعَصْر الثَّامِن وَالْعِشْرين من شهر شعْبَان توفّي الشَّيْخ الْعَلامَة الرحلة الْحَافِظ أَبُو عبد الله شمس الدّين مُحَمَّد أبن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عُثْمَان بن مُحَمَّد السخاوي الأَصْل القاهري الشَّافِعِي بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة حَال مجاورته الْأَخِيرَة بهَا وعمره إِحْدَى وَسَبْعُونَ سنة وَصلي عَلَيْهِ بعد صَلَاة الصُّبْح يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي تَارِيخه بالروضة الشَّرِيفَة ووقف بنعشه تجاه الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَدفن بِالبَقِيعِ بجوار مشْهد الإِمَام مَالك وَكَانَت جنَازَته حافلة وَلم يخلفه بعد مثله فِي مَجْمُوع فنونه وَكَانَت وِلَادَته فِي ربيع الأول سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَحفظ الْقُرْآن الْعَظِيم وَهُوَ صَغِير وجوده ثمَّ حفظ الْمِنْهَاج الْأَصْلِيّ والفية ابْن مَالك والنخبة والفية الْعِرَاقِيّ وَشرح النخبة وغالب الشاطبية ومقدمة الشاوي فِي الْعرُوض وَكلما أنْتَهى حفظه لكتاب عرضه على شُيُوخ عصره
وبرع فِي الْفِقْه والعربية وَالْقِرَاءَة وَغَيرهَا وشارك فِي الْفَرَائِض والحساب والميقات وأصول الْفِقْه وَالتَّفْسِير وَغَيرهَا وَأما مقرؤاته ومسموعاته فكثيرة جدا لَا تكَاد تَنْحَصِر واخذ عَن جمَاعَة لَا يُحصونَ حَتَّى بلغت عدَّة من اخذ عَنهُ زِيَادَة على أَرْبَعمِائَة نفس وَأذن لَهُ غير وَاحِد بالإفتاء والتدريس والإملاء وَسمع الْكثير من الحَدِيث على شَيْخه إِمَام الْأَئِمَّة الشهَاب بن حجر وَأَقْبل عَلَيْهِ بكليته اقبالاً يزِيد على الْوَصْف حَتَّى حمل عَنهُ علما جماً وأختص بِهِ كثيرا بِحَيْثُ كَانَ من اكثر الآخذين عَنهُ وأعانه عَليّ ذَلِك قرب منزله مِنْهُ وَكَانَ لَا يفوتهُ مِمَّا يقْرَأ عَلَيْهِ إِلَّا النَّادِر
وَقَرَأَ عَلَيْهِ الِاصْطِلَاح بِتَمَامِهِ وَسمع عَلَيْهِ جلّ كتبه كالألفية وَشَرحهَا مرَارًا وعلوم الحَدِيث إِلَّا الْيَسِير من أَوَائِله لِأَبْنِ الصّلاح واكثر تصانيفه
فِي الرِّجَال وَغَيرهَا كالتقريب وَثَلَاثَة أَربَاع اصله وَاللِّسَان بِتَمَامِهِ ومشتبه النِّسْبَة وَتَخْرِيج الزَّاهِر وتلخيص مُسْند الفردوس والمقدمة وأماليه الحلبية والدمشقية وغالب فتح البارى وَتَخْرِيج المصابيح وَابْن الْحَاجِب الأَصْل وَتَعْلِيق التَّعْلِيق ومقدمة الْإِصَابَة وَجُمْلَة يطول تعدادها وَفِي بعضه مَا سَمعه أَكثر من مرّة وَلم يُفَارِقهُ إِلَى أَن مَاتَ وَأذن لَهُ فِي الاقراء والإفادة والتصنيف وتدوب بِهِ فِي معرفَة العالي والنازل والكشف عَن التراجم والمتون وَسَائِر الِاصْطِلَاح وَغير ذَلِك
وجاب الْبِلَاد وجال وجد فِي الرحلة وارتجل إِلَى حلب ودمشق وَبَيت الْمُقَدّس والخليل ونابلس والرملة وحماه وبعلبك وحمص بِحَيْثُ أَن الَّذِي سمع عَنْهُم يكونُونَ قريب مائَة نفر بل زَاد عدد من أَخذ عَنهُ من الاعلى والدون والمساوي على ألف وَمِائَتَيْنِ والأماكن الَّتِي تحمل فِيهَا من الْبِلَاد والقرى على الثَّمَانِينَ وأجتمع لَهُ من المرويات بِالسَّمَاعِ وَالْقِرَاءَة مَا يفوق الْوَصْف وَهِي تتنوع انواعاً تنيف على الْعشْر حَسْبَمَا ذكره مُسْتَوْفِي فِي تَرْجَمته من تَارِيخه وَأَعْلَى مَا عِنْده من الْمَرْوِيّ مَا بَينه وَبَين الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بالسند المتماسكة فِيهِ عشرَة انفس واكثر مِنْهُ وَأَصَح مَا بَين شُيُوخه وَبَين النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهِ الْعدَد الْمَذْكُور واتصلت لَهُ الْكتب السِّتَّة وَكَذَا حَدِيث كل من الشَّافِعِي وَأحمد والدارمي بِثمَانِيَة وسائط وَفِي بعض الْكتب السِّتَّة كَأبي دَاوُد من طَرِيق آخر وأبواب فِي النَّسَائِيّ مَا هُوَ سَبْعَة بِتَقْدِيم الْمُهْملَة واتصل لَهُ حَدِيث مَالك وَأبي حنيفَة بِتِسْعَة بِتَقْدِيم الْمُثَنَّاة
وَحج بعد وَفَاة شَيْخه ابْن حجر مَعَ وَالِديهِ وَلَقي جمَاعَة من الْعلمَاء فاخذ عَنْهُم كَأبي الْفَتْح الْأَغَر والبرهان الزمزمي والتقي بن فَهد وَأبي السعادات ابْن ظهيرة وخلائق ثمَّ زار الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَرجع إِلَى الْقَاهِرَة ملازماً للسماع وَالْقِرَاءَة والتخريج والإستفادة من الشُّيُوخ والأقران من غير فتور عَن ذَلِك وَلم يزل يجْتَهد فِي السماع ويرحل إِلَى الأقطار حَتَّى وصل إِلَى مَا وصل إِلَيْهِ وَخَصه بعض شُيُوخه على عقد
مجْلِس الْإِمْلَاء فامتثل إِشَارَته فاملا حَتَّى اكمل تِسْعَة وَخمسين مَجْلِسا ثمَّ توجه إِلَى الْحَج فِي سنة سبعين فحج وجاور وَحدث هُنَاكَ بأَشْيَاء من تصانيفه وَغَيرهَا واقرأ ألفية الحَدِيث تقسيماً وغالب شرحها لناظمها والنخبة وَشَرحهَا واملأ مجَالِس بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام
وَلما رَجَعَ إِلَى الْقَاهِرَة شرع فِي املاء تَكْمِلَة تَخْرِيج شَيْخه للأذكار ثمَّ املاء تَخْرِيج اربعي النَّوَوِيّ ثمَّ غَيرهَا بِحَيْثُ بلغت مجَالِس الاملاء ستماية مجْلِس فَأكْثر وَكَذَا حج فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وجاور سنة سِتّ ثمَّ سنة سبع وَأقَام مِنْهَا ثَلَاثَة أشهر بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة ثمَّ فِي سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين وجاور سنة ثَلَاثَة ثمَّ سنة ارْبَعْ ثمَّ فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وجاور إِلَى أثْنَاء سنة ثَمَان فَتوجه إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فَأَقَامَ بهَا شهرا وَصَامَ رَمَضَان بهَا ثمَّ عَاد فِي شوالها إِلَى مَكَّة وَمكث بهَا مَا شَاءَ الله ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة وجاور بهَا إِلَى أَن مَاتَ وَحمل النَّاس من أهلهما والقادمين عَلَيْهِمَا عَنهُ الْكثير جدا رِوَايَة ودراية وحصلوا من تصانيفه مَعَ مُلَازمَة النَّاس فِي منزله للْقِرَاءَة دراية وَرِوَايَة فِي تصانيفه وَغَيرهَا بِحَيْثُ ختم عَلَيْهِ مَا يفوق الْوَصْف من ذَلِك وَأخذ عَنهُ من الْخَلَائق مَا لَا يُحْصى كَثْرَة
وَشرع فِي التصنيف والتخريج قبيل الْخمسين وهلم جرا وتصانيفه إِلَيْهَا النِّهَايَة فِي الشَّهَادَة لَهُ لمزيد علوه وفخره وَمن تصانيفه فسح المغيث بشرح الفية الحَدِيث وَهُوَ مَعَ اختصاره فِي مُجَلد ضخم وسبك الْمَتْن فِيهِ على وَجه بديع لَا يعلم فِي هَذَا الْفَنّ اجْمَعْ مِنْهُ وَلَا أَكثر تَحْقِيقا لمن تدبره وتوضح لَهُ حَاذَى بِهِ الْمَتْن بِدُونِ الإفصاح والمقاصد الْحَسَنَة فِي بَيَان كثير من الْأَحَادِيث المشتهرة على الْأَلْسِنَة وَهُوَ كتاب جليل لم يسْبق إِلَى مثله مُفِيد فِي بَابه جدا وَالْقَوْل البديع فِي الصَّلَاة على الحبيب الشَّفِيع وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن والضوء اللامع لأهل الْقرن التَّاسِع يكون سِتّ مجلدات وعمدة المحتج فِي حكم الشطرنج والمنهل العذب الروي فِي تَرْجَمَة قطب الْأَوْلِيَاء للنووي والجواهر والدرر فِي تَرْجَمَة شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر فِي مُجَلد ضخم وَرُبمَا يكْتب فِي مجلدين والتاريخ الْمُحِيط وَهُوَ فِي نَحْو ثَلَاثمِائَة ورقة على حُرُوف المعجم لَا يعلم من سبقه إِلَيْهِ وتلخيص تَارِيخ الْيمن ومنتقى من تَارِيخ مَكَّة للفاسي
والفوائد الجلية فِي الْأَسْمَاء النَّبَوِيَّة وَالْفَخْر الْعلوِي فِي المولد النَّبَوِيّ وارتقاء الغرف بحب أقرباء الرَّسُول وَذَوي الشّرف والايناس بمناقب الْعَبَّاس ورجحان الكفة فِي بَين أهل الصّفة وَالْأَصْل الْأَصِيل فِي تَحْرِيم النَّقْل من التَّوْرَاة والانجيل وَالْقَوْل المتين فِي تَحْسِين الظَّن بالمخلوقين وَغير ذَلِك وقرض أَشْيَاء من تصانيفه غير وَاحِد من أَئِمَّة الْمَذْهَب كالحافظ ابْن حجر والجلال الْمحلي وَالْعلم البُلْقِينِيّ والشرف الْمَنَاوِيّ والتقي الحصني والعيني والكافياجي وتناقلها النَّاس إِلَى كثير من الْبلدَانِ والقرى وَكتب الأكابر بَعْضهَا بخطوطهم حَتَّى قَالَ بَعضهم إِن لم تكن التصانيف هَكَذَا وَإِلَّا فَلَا
فائد
وَكَانَ شَيْخه شيخ الأسلام ابْن حجر يُحِبهُ ويثني عَلَيْهِ وينوه بِذكرِهِ ويعترف بعلو فخره ويرجحه على سَائِر جماعته المنسوبين إِلَى الحَدِيث وصناعته وَكَانَ من دعواته لَهُ قَوْله وَالله المسؤول أَن يُعينهُ على الْوُصُول إِلَى الْحُصُول حَتَّى يتعجب السَّابِق من اللَّاحِق
وَمِمَّا وَصفه بِهِ بعض الْحفاظ بعد كَلَام تقدم وَهُوَ وَالله بَقِيَّة من رَأَيْت من الْمَشَايِخ وَأَنا وَجَمِيع طلبة الحَدِيث بالبلاد الشامية والبلاد المصرية وَسَائِر بِلَاد الأسلام عِيَال عَلَيْهِ وَالله مَا أعلم فِي الْوُجُود لَهُ نظيراً
وَقَالَ غَيره هُوَ الْآن من الافراد فِي علم الحَدِيث الَّذِي اشْتهر فِيهِ فَضله وَلَيْسَ بعد شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر فِيهِ مثله
وَقَالَ غَيره وَاسِطَة عقدهَا من العقد الْإِجْمَاع على أَنه أَمْسَى كالجوهر الْفَرد وَأصْبح فِي وَجه الدَّهْر كالغرة حَتَّى صَارَت الْغرَر مَعَ جواهره كالذرة بل جواد جوده شهد لَهُ جَرَيَانه بِالسَّبقِ فِي ميدان الفرسان وَحكم لَهُ بِأَنَّهُ هُوَ الْفَرْع الَّذِي فاق أَصله البديع بالمعاني فَلَا حَاجَة للْبَيَان أَضَاء هَذَا الشَّمْس فاختفت مِنْهُ كواكب الدراري كَيفَ لَا وَقد جاده الْفَيْض بِفَتْح الْبَارِي فَهُوَ نخبة الْعَصْر والدهر وَعين القلادة فِي طبقَة الْجُود لِأَنَّهُ عين السخاء وَزِيَادَة فبدايته إِلَيْهَا النِّهَايَة ومنهاجه أوضح طرق إِلَى الْغَايَة وهوالخادم للسّنة الشَّرِيفَة وَالْحَاوِي لمحاسن
الِاصْطِلَاح والنكت المنيفة فبهجته زهت بروضها وروضته زهت ببهجتها
وَقَالَ آخر هُوَ الَّذِي انْعَقَد على تفرده بِالْحَدِيثِ النَّبَوِيّ الاجماع وانه فِي كَثْرَة اطِّلَاعه وتحقيقه لفتوته بلغ مَا لَا يُسْتَطَاع ودونت تصانيفه واشتهرت وَثبتت سيادته فِي هَذَا الْفَنّ النفيس وتقررت وَلم يُخَالف أحد من الْعُقَلَاء فِي جلالته ووفور ثقته وديانته وأمانته بل صَرَّحُوا بأجمعهم بِأَنَّهُ هُوَ المرجوع إِلَيْهِ فِي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح والتحسين والتصحيح بعد شَيْخه شيخ مَشَايِخ الْإِسْلَام ابْن حجر حَامِل راية الْعُلُوم والأثر وَقَالَ آخر لقد أَجَاد النَّقْل من كَلَامي الله وَرَسُوله الْقَدِيم والْحَدِيث وسارت بفضله الركْبَان وبالغت فِي السّير الحثيث ومدحه آخر بِهَذِهِ الأبيات وَهِي
…
يَا سيداً أضحى فريد زَمَانه
…
وَدَلِيل مَا قد قلته الاجماع
عِنْدِي حَدِيث مُسْند ومسلسل
…
نرويه بالاتقان لَا الوضاع
مَا فِي الزَّمَان سواك يلقى عَالما
…
صحت بِذَاكَ اجازة وَسَمَاع
الْخَيْر فِيك تَوَاتَرَتْ أخباره
…
وَهُوَ الصَّحِيح وَلَيْسَ فِيهِ نزاع
يَا من إِذا مَا قد أَتَاهُ ممرض
…
يشكو زَوَال الضّر والأوجاع
…
ورئي بعد مَوته على هَيْئَة حَسَنَة فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ حاسبني وَغفر لي وحشرني مَعَ الْعلمَاء وترجمته فِي تَارِيخه ثَلَاثَة كراريس على الْقطع الْكَامِل
قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رحمه الله عقب تِلْكَ التَّرْجَمَة إِن شَيخنَا صَاحب التَّرْجَمَة حقيق بِمَا ذكره لنَفسِهِ من الْأَوْصَاف الْحَسَنَة وَلَقَد وَالله الْعَظِيم لم أر فِي الْحفاظ الْمُتَأَخِّرين مثله وَيعلم ذَلِك كل من اطلع على مؤلفاته أَو شَاهده وَهُوَ عَارِف فَقِيه منصف فِي تراجمه ورحم الله جدي حَيْثُ قَالَ فِي تَرْجَمته إِنَّه انْفَرد بفنه فطار اسْمه فِي الْآفَاق وَكَثُرت مصنفاته فِيهِ وَفِي غَيره طَار صيته شرقاً وغرباً شاماً ويمناً وَلَا أعلم الْآن من يعرف عُلُوم الحَدِيث مثله وَلَا أَكثر تصنيفاً وَلَا أحسن وَلذَلِك أَخذهَا عَنهُ عُلَمَاء الْآفَاق من الْمَشَايِخ والطلبة والرفاق وَله الْيَد