الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. بِحَق مُحَمَّد والآل طراً
…
وكل الْأَوْلِيَاء والمرسلينا
وتاريخ لَهُ بدءاً وختماً
…
أَتَى يَا صَاح فِي نظمي مُبينًا
فعاينه بِفضل مِنْك واسأل
…
من الْمولى الدُّعَاء لَهُ معينا
ترَاهُ جَاءَ فِي ذَا اللَّفْظ طبقًا
…
وَهَا هُوَ القطب تَاج العارفينا
…
وَتُوفِّي فِي شهر ذِي الْقعدَة سنة سِتّ بعد الْألف وعمره نَحْو سنة وشهرين فَإِنَّهُ ولد فِي رَمَضَان من السّنة الَّتِي قبلهَا وَمَات فِي هَذَا التَّارِيخ فَليعلم وقبره دَاخل قبَّة سَيِّدي الْوَالِد
سنة سبع وَسبعين بعد التسْعمائَة
(977) هـ
وَفِي آخر شعْبَان سنة سبع وَسبعين توفّي السُّلْطَان الْأَعْظَم وَالْملك الأكرم السُّلْطَان بدر بن السُّلْطَان عبد الله بن السُّلْطَان جَعْفَر الكثيري سُلْطَان حَضرمَوْت وَكَانَ مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعمِائَة وَولي السلطنة وَهُوَ شَاب وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق جودا كثير الإنفقا وافر الْعقل ظَاهر الْفضل عريق الرِّئَاسَة حسن السياسة طيب السِّيرَة جميل الصُّورَة حَتَّى كَانَ كَمَا قَالَ بعض الْفُضَلَاء كَانَ كاسمه بَدْرًا منيرا أَيْنَمَا طلع سَطَعَ وغيثا عَزِيزًا كَيفَ مَا وَقع نفع وَكَانَ فِي زَمَانه بدر الصُّدُور وَصدر البدور وَكَانَ لطيف المعاشرة ظريف المحاضرة شجاعاً مقداماً وهزبراً ضرغاماً فكم أباد أحزاب الضلال ومزقها وَكم أَزَال فرق الْفساد وفرقهاوكان محظوظاً جدا حَتَّى كَانَ لَا يقْصد بَابا مغلقاً إِلَّا انْفَتح وَلَا يقدم على أَمر مبعم إِلَّا اتَّضَح وَلَا يتَوَجَّه إِلَى مطلب إِلَّا نجح وَهُوَ الَّذِي دَان الْبِلَاد وخضعت لَهُ الْعباد وَأول من أظهر بحضرموت هَيْبَة الْملك بسعده وَأسسَ قَوَاعِد السلطنة ومهدها لمن يعده وطالت دولته حَتَّى لم يعلم أَن أحدا من السلاطين مكث فِي الْملك هَذِه الْمدَّة
وَكَانَ يُقَال أَن ثَلَاثَة من الصسلاطين كَانُوا فِي عصر وَاحِد وَكَانُوا متقاربين فِي السن وَالْولَايَة وَكَانُوا رزقوا السعد والاقبال وطالت أَيَّام ملكهم أحدهم صَاحب التَّرْجَمَة هَذَا وَالثَّانِي الشريف أَبُو نمي بسن بَرَكَات وَالثَّالِث السُّلْطَان سُلَيْمَان صَاحب اروم
وَحكي إِن جمَاعَة نالوا من السُّلْطَان بدر بِحُضُور بعض الصلحاء الْكِبَار من السَّادة آل أَبَا علوي فنهاهم عَن ذَلِك وَقَالَ هُوَ خير من الأروام وَمَا يروي من ذَلِك عَنْهُم ولولاه مَا سلمت حَضرمَوْت مِنْهُم وَلَا استحلوا الْحَرَام وظلموا الْأَنَام وَكَانَ ذَلِك الصَّالح يَدْعُو بطول بَقَاء السُّلْطَان الْمَذْكُور وَكَانُوا يرَوْنَ أَنه حامياً لَهُ بِحَالهِ الْمَشْهُور فَمَا حصل عَلَيْهِ مَا حصل من سَابق الْمَقْدُور إِلَّا بعد موت ذَلِك الرجل الْمَذْكُور وَقد مدحه بعض الْعلمَاء الْأَعْلَام بِهَذِهِ القصيدة البديعة وَهِي
…
اشبب لَكِن بالمفاخر وَالْمجد
…
ولي صبوة لَكِن إِلَى طالع السعد
ولي طرب لَكِن إِلَى حَضْرَة العللا
…
ولي ظمأ لَكِن إِلَى الْكَوْثَر الْعد
إِلَى حَضْرَة الْعليا إِلَى مُنْتَهى المنى
…
إِلَى مقْعد الْأَسْنَى إِلَى جنَّة الْخلد
إِلَى الطَّاهِر الأزكى إِلَى علم الْهدى
…
إِلَى العروة الوثقى إِلَى الْجَوْهَر الْفَرد
إِلَى الأمجد الْمولى إِلَى ملك الورى
…
إِلَى منبع الْحسنى إِلَى الأسل الْورْد
إِلَى ذِي العلى وَالْفضل وَالْفَخْر والحجى
…
وذى النّسَب الوضاح والخط وَالْجد
إِلَى ذِي علم الأجواد صفوة جَعْفَر
…
أبي عمر الْمُعْطِي المطهمة الجرد
فمدح ابْن عبد الله أولى فَأَنَّهُ
…
هُوَ الْملك الشهم السبوق إِلَى الْجد
أَخُو هَمهمْ جاوزن أبعد غَايَة
…
وَجزم وحزم بغنيان عَن الحشد
فَمَا جَعْفَر من المستعين ووايث
…
ومستنصر والمستضيء وَمَا الْمهْدي
وماالملك الْمَنْصُور والمكتفي
…
وَمَا الْأمين وَمَا الْمَأْمُون وَمَا صَاحب الرشد
وَمَا المرتضى وَمَا المفتدى ثمَّ طائع
…
وَمَا المقتفى فِي سَاعَة الْبَذْل والرقد
وَمَا قاهر مَا قَائِم متوكل
…
ومستعصم بِاللَّه فِي الْحل وَالْعقد
وَمَا طَاهِر مسترشد ثمَّ رَاشد
…
وَمَا الْحَاكِم الْمَعْرُوف فِي النَّاس بِالْقَصْدِ
ومستنجد إِلَّا كعقد مفصل
…
بدر وَبدر الْملك وَاسِطَة العقد
حوى كل فضل مُجمل ومفصل
…
وَهَذَا الَّذِي ابديت معشار مَا عِنْدِي
فطاعته فرض وصحبته غنى
…
مجانبته حَرْب وخصمته تردي
فسبحان من أعطَاهُ مكلكا على الورى
…
وألزمه فِي أمره خدمَة العَبْد
فَلَا زلت محروساً وقدرك سامياً
…
وملكك مَحْفُوظًا وعيشك فِي رغد
وصيتك منشوراً وعدلك شَامِلًا
…
وجودك مَبْسُوطا على الشَّام والهند
يساعدك الْمَقْدُور فِيمَا تريده
…
وتخدمك الْأَمْلَاك فيالقرب والبعد
…
ثمَّ توفّي بعده وَلَده السُّلْطَان عبد الله وَهُوَ الَّذِي قبض على أَبِيه وَحجر عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ وَغلب على الْملك ووثب على السلطنة وَكَانَ رَأْي بعض الصَّالِحين فِي الْمَنَام رُؤْيا حاصلها أَنه رأى أَرْبَعَة من الصَّالِحين عرف مِنْهُم الْوَلِيّ الشهير الشَّيْخ مُحَمَّد أَبَا وَزِير كل مِنْهُم قد مسك ركنا وَقَالُوا نُرِيد نولي عبد الله فَلم تمض بعد ذَلِك إِلَّا مُدَّة يسيرَة وهجم الْمشَار إِلَيْهِ على أَبِيه وَاسْتولى على الْملك وَذَلِكَ دَلِيل على مَا رُوِيَ أَنه لَا يقوم سُلْطَان فِي هَذَا الْعَالم عَالم الشَّهَادَة إِلَّا بعد أَن ينصبه أَوْلِيَاء الله تَعَالَى بِإِذن الله تَعَالَى فِي عَالم الْغَيْب وَكَانَ حسن الِاعْتِقَاد فِي الْأَوْلِيَاء وَالصَّالِحِينَ محباً للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين رحمه الله
وَتَوَلَّى بعده وَلَده السُّلْطَان جَعْفَر وَلم تطل أَيَّامه وَمَات مقتولا فِي سنة سبعين
ثمَّ تولى بعده عَمه السُّلْطَان الْعَادِل وَالْملك الْكَامِل اسلطان عمر بن السُّلْطَان بدر سُلْطَان الْعَصْر وأعجوبة الدَّهْر جم الْفَضَائِل حسن الشَّمَائِل وافر الْعقل كثير الْعدْل ذُو سيرة مرضية فِي الرّعية وسلوك حسن مَعَ سَائِر الْبَريَّة حسن السياسة صَادِق الفراسة صَاحب أَخْلَاق الطف من النسيم وأبهج من الدّرّ النظيم قل أَن ورد عَلَيْهِ أحد من الغرباء إِلَّا وَصدر يثني عَلَيْهِ الثَّنَاء الْجَمِيل أَو وَفد إِلَى ساحته بعض الْفُضَلَاء إِلَّا وَانْصَرف يشْكر مَا أسداه إِلَيْهِ من الْبر الجزيل
…
ثَنَاء جميل عَنْك يشني معطر
…
ووفرك مبذول وعرضك سَالم
وسعت الورى حلماً وبشراً بهيبة
…
وَبِذَلِك للمعروف والثغر باسم
بصدر رحيب واسعقد وسعتهم
…
وجودا حَكَاهُ الوابل المتراكم دمائه أَخْلَاق عَظِيمَة خَالق
…
رَحِيم كريم أَصله متقادم جمعت خِصَالًا يَا ابْن بدر حميدة
…
بواحدها يُسمى الْفَتى ويساهم
حَيَاء ومعروفاً وجودا بشاشة
…
وعلماً وحلماً جلّ من هُوَ قَاسم
فَالله تَعَالَى يمْنَع الْمُسلمين بِبَقَاء ذته الطاهرة ويديم أَيَّام دولته الزاهرة آمين وَأمه أم ولد حبشية وَلَا يفهم من هَذَا أَن مثل هَذَا نقبيضه فِي جلالة قدره الرفيع وعلو شَأْنه الشامخ المنيع
وَحكي أَن هِشَام بن عبد الْملك قَالَ لزيد بنعلي بن الْحُسَيْن رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ بَلغنِي أَنَّك تُرِيدُ الْخلَافَة وَلَا تصلح لَهَا لِأَنَّك ابْن أمة فَقَالَ لهزيد رضي الله عنه إِن الْأُمَّهَات لايضعن شَيْئا من الْأَبْنَاء وَلَيْسَ أحد أولى بِاللَّه وَلَا أرفع منزلَة عِنْده من نَبِي بَعثه وَقد كَانَ إِسْمَاعِيل عليه السلام من خير الْأَنْبِيَاء وَولد مُحَمَّد خَيرهمْ وَكَانَ ابْن أَمة وَأَخُوهُ ابْن حرَّة مثلك فاختاره الله عَلَيْهِ فَأخْرج مِنْهُ خير الْبشر وَأم اسحاق سارة فَمن وَلَده القردة والخنازير وَمَا على أحد جده رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا كَانَت أمه فَخَجِلَ هِشَام وَتزَوج زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن رضي الله عنه أّمة لَهُ أعْتقهَا فلامه عبد الْملك على ذَلِك وَكتب غليه أما بعد فَإِنَّهُ بَلغنِي عَنْك أَنَّك اعتقت أمتك وتزوجتها وقدكان لَك فِي أكفائك فِي قُرَيْش مَا تستكرم بِهِ فِي الصهر فَلم تنظر لنَفسك وَلَا لولدك ونكحت فِي اللؤم
فَكتب إِلَيْهِ أما بعد فَإِنِّي أعتقتهابكتاب الله وارتجعتها بِسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنه مَا فرق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من تقى لأحد فِي مجد أَن الله قد رفع بِالْإِسْلَامِ الخسيسة وَأتم النقبصة وَأكْرم بِهِ من اللؤم فَلَا عَار على مُسلم هَذَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أَمته وَامْرَأَة عَبده فَقَالَ عبد الْملك إِن عَليّ بن الْحُسَيْن تشرف من حَيْثُ يتضع النَّاس
وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق أَن ثَلَاثَة سادوا الْأَنَام فِي زمانهم وَانْفَرَدَ كل مِنْهُم بِالْفَضْلِ الظَّاهِر وَالْعقل الباهر ومزيد الصّلاح والهمة الْعَالِيَة والسيرة الحميدة والذكاء العجيب والفهم الْغَرِيب وَالنّظم الْحسن والإنشاء البديع وَكَانَت أم كل وَاحِد مِنْهُم أم ولد حبشية
أما أحدهم فالشريف الْفَاضِل الصَّالح وجله الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الْبيض أَبَا علوي وَكَانَت وَفَاته بالشحر سادس جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى بعد الْألف وَالثَّانِي صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بنالعلامة عَليّ البسكري الْمَكِّيّ ثمَّ المغربي الْمَالِكِي وَسَيَأْتِي ذكره فِي تَرْجَمَة صَاحبه الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْحق الْمَالِكِي وَالثَّالِث الشَّيْخ الرئيس ذِي الْكَرم الجم وَالْفضل الْكثير جمال الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ الشهير عبد اللَّطِيف الْمَكِّيّ الْحَنَفِيّ الشهير بمخدوم زَاده أبقاه الله تَعَالَى
قلت وَكَذَلِكَ كَانَت أم اخي السَّيِّد مُحَمَّد مصطفى الَّذِي يُنَوّه سَيِّدي الْوَالِد بِذكرِهِ وَيُشِير إِلَيْهِ كثييرا أم ولد الحبشية وَاسْمهَا نور الصَّباح وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم السبت ثمن عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة بسورت وَعَلِيهِ وعيه قبَّة ومزار وَكَانَ مولدهفي لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين من شهر رَمَضَان سنة سبع وَسِتِّينَ وَكَانَت أم أخي السَّيِّد مُحَمَّد فضل الله الْمَوْلُود فِي الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين وَتِسْعمِائَة والمتوفي فِي سَابِع جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة أم ولد هندية وكتانت من الصَّالِحَات العابدات وَكَانَت تقْرَأ الْقُرْآن الْعَظِيم توفيت يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي شهر شعْبَان سنة اثنى عشر بعد الْألف رَحمهَا الله وَيقرب من هَذَا مَا ذكره ابْن الصّلاح رحمه الله فِي رحلته قَالَ
روينَا عَن الزُّهْرِيّ انه قَالَ قدمت على عبد الْملك بن مَرْوَان فَقَالَ من أَيْن قدمت يَا زهري قلت م مَكَّة قَالَ فَمن خلفت بهَا يسود أَهلهَا قَالَ قلت عَطاء ابْن أبي رَبَاح قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قلت منالموالي قَالَ فيمَ سادهم قلت بالديانة وَالرِّوَايَة قَالَ ان أهل الدّيانَة وَالرِّوَايَة يَنْبَغِي أَن يسودوا النَّاس قلت نعم قَالَ فَمن يسود أهل الْيمن قَالَ قلت طَاوُوس بن كيسَان قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قلت من الموَالِي قَالَ فيمَ سادهم قلت بِمَا سادهم بِهِ عَطاء قَالَ من كَانَ كَذَلِك يَنْبَغِي أَن يسود النَّاس قلت نعم قلت نعم قَالَ فَمن يسود أهل مصر قلت يزِيد بن أبي حبيب قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قلت من الموَالِي فَقَالَ كَمَا قَالَ فِي الاولين مَعَه قَالَ فَمن يسود أهل الشَّام قلت مَكْحُول الدِّمَشْقِي قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قلت من الموَالِي عبد نوبي أَعتَقته امْرَأَة من هُذَيْل فَقَالَ كَمَا قَالَ ثمَّ قَالَ فَمن يسود أهل الجزيرة قلت مَيْمُون ابْن مهْرَان قَالَ فَمن الْعَرَب أم م الموَالِي قلت من الموَالِي فَقَالَ كَمَا قَالَ ثمك قَالَ فَم يسود أهل خُرَاسَان قلت الضَّحَّاك بن مُزَاحم قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قلت من اموالي فَقَالَ كَمَا قلا ثمَّ قَالَ فَمن يسودأهل الْبَصْرَة قلت الْحسن بن أبي الْحسن قَالَ م اعرب أم من الموَالِي قلت من الموَالِي فال فَمن يسود أهل الْكُوفَة قلت
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ من الْعَرَب ام من الموَالِي قلت من الْعَرَب قَالَ وَيلك يَا زهري فرجت عني فوَاللَّه لتسودن الموَالِي على الْعَرَب حَتَّى يخْطب لَهَا على المنابر وان الْعَرَب تحتهَا قَالَ قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا هُوَ أَمر الله وَدينه فَمن حفظه سَاد وَمن ضيعه سقط
فَائِدَة
كَانَ أَبُو السَّيِّد الْجَلِيل الْكَبِير الْمِقْدَار صَاحب امقامات والأنوار الإِمَام الْعَالم العابد عبد الله بن الْمُبَارك قدس الله روحه عبدا هنجيا كَمَا ذكر القزيني فِي كتاب أَخْبَار الْبِلَاد وآثار الْعباد وَكَانَ هَذَا الرجل من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وَمِمَّنْ تستنزل الرَّحْمَة بِذكرِهِ وترجي الْمَغْفِرَة بحبه كَمَا قَالَه ولي الله الإِمَام النَّوَوِيّ رحمه الله فَلَا بُد أَن تشف الاسماع بِذكر شَيْء من أَوْصَافه الفاخرة رَجَاء أَن ينفعنا الله ببركته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
حُكيَ انه كَانَ بمرو قَاض اسْمه نوح ابْن مَرْيَم وَكَانَ رَئِيسا أَيْضا وَكَانَت لهبنت ذَات جمال خطبهَا جمَاعَة من الْأَعْيَان والأكابر وَكَانَ لَهُ غُلَام هندي ينظر بساتينه فَذهب يَوْمًا إِلَى البستانت فَطلب من غُلَامه شَيْئا من الْعِنَب فَأتى بعنب حامض فَقَالَ لَهُ هَات عنباً حلواً فاتى بحامض فَقَالَ القَاضِي وَيحك مَا تعرف الحلو من الحامض فَقَالَ بلَى وَلَكِنَّك امرتني بحفظها وَمَا امرتني بالاكل مِنْهَا وَمن لَا يَأْكُل لايعرف فتعجب القَاضِي من كَلَامه وَقَالَ حفظ الله عَلَيْك أمانتك وَزوج مِنْهُ ابْنَته فَولدت عبد الله بن الْمُبَارك الْمَشْهُور بِالْعلمِ والورع وَكَانَ يحجّ سنة ويغزو فِي سنة اخرى
وَحكي عَنهُ رحمه الله عَلَيْهِ قَالَ خرجت للغزو مرّة فَلَمَّا تراءت الفئتان خرج من صف التّرْك فَارس يَدْعُو إِلَى البرَاز فَخرجت إِلَيْهِ فَإِذا قد دخل وَقت الصَّلَاة قلت لَهُ تَنَح عني حَتَّى أُصَلِّي ثمَّ افرغ لَك فَتنحّى فَصليت رَكْعَتَيْنِ وَذَهَبت إِلَيْهِ فَقَالَ لي تَنَح عني حَتَّى اصلي أَنا أَيْضا فتنحيت عَنهُ فَجعل يُصَلِّي إِلَى الشَّمْس فَلَمَّا خر سَاجِدا هَمَمْت ان أغدر بِهِ فَإِذا قَائِل يَقُول {وأوفوا بالعهد إِن الْعَهْد كَانَ مسؤولا} فَتركت
الْغدر فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالَ لي لم تحركت قلت اردت الْغدر بك قَالَ فَلم تركته قلت لِأَنِّي أمرت بِتَرْكِهِ قَالَ الَّذِي أَمرك بترك الْغدر أَمرنِي بِالْإِيمَان وآمن والتحق بصف الْمُسلمين
وَحكي انه كَانَ معاصراً لفضيل بن عِيَاض رَحْمَة الله عَلَيْهِ وفضيل قدجاور بِمَكَّة وواظب على الْعِبَادَة بِمَكَّة وَالْمَدينَة فَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك
…
يَا عَابِد الْحَرَمَيْنِ لَو ابصرتنا
…
لعَلِمت انك بِالْعبَادَة تلعب
من كَانَ يخضب جده بدموعه
…
فنحورنا بدمائنا تتخضب
وغبار خيل الله فِي أنف امرءٍ
…
ودخان نَار جَهَنَّم لَا يذهب
هذاكتاب الله يحكم بَيْننَا
…
لَيْسَ الشَّهِيد كَغَيْرِهِ لَا يكذب
…
وَحكى الْحسن بن الرّبيع انه خرج ذَات سنة فِي جيوش الْمُسلمين إِلَى الْغَزْو فلماتقابل الصفان خرج من صف الْكفَّار فَارس يطْلب الْقرن فَذهب إِلَيْهِ فَارس من الْمُسلمين فَمَا أمْهل الْمُسلم حَتَّى قَتله فخرجح إِلَيْهِ آخر فَمَا أمهله ثمَّ آخر فَمَا أمهله فاحجم النَّاس عَن مبارزته وَدخل الْمُسلمين مِنْهُ حزن فَإِذا فَارس متلثم خرج إِلَيْهِ من صف الْمُسلمين وَرِجَال مَعَه زَمَانا ثمَّ رَمَاه وجر رَأسه فَكبر الْمُسلمُونَ وفرحوا وَلم يكن يعرفهُ اُحْدُ فَعَاد إِلَى مَكَانَهُ وَدخل فِي غمار النَّاس قَالَ الْحسن فبذلت جهدي حَتَّى دَنَوْت مِنْهُ وحلفته ان يرفع لثامه فاذا هُوَ عبد الله بن الْمُبَارك فَقلت يَا امام الْمُسلمين أخفيت نَفسك عَن هَذَا الْفَتْح الْعَظِيم الَّذِي يسره الله على يدك فَقَالَ الَّذِي فعلت لَهُ لَا يخفى عَلَيْهِ
وَحكي ان عبد الله بن الْمُبَارك عَاد من مرو إِلَى الشَّام لقلم رَآهُ مَعَه بمرو وَصَاحبه بِالشَّام
ورثي سُفْيَان الثَّوْريّ رحمه الله عَلَيْهِ بعد مَوته فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ مَا فعل اللهبك قَالَ رحمني فَقيل مَا حَال عبد الله بنالمبارك قَالَ هُوَ مِمَّن يدْخل على ربه كل يَوْم مرَّتَيْنِ ولد سنة مائَة وَعشْرين وَتُوفِّي سنة مائَة واحدى وَثَمَانِينَ عَلَيْهِ رحمه الله ورضوانه