الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا إِن صحت كَيفَ وَقد سَاق الله لكم الكمالين نَعُوذ بِاللَّه من الْجَهْل بِمَعْرِِفَة حقكم انْتهى
سنة ثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة
930 هـ
فِي فجر يَوْم الْأَحَد شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة توفّي الشَّيْخ إِمَام شيخ الْإِسْلَام الْعَلامَة ذُو التصانيف المفيدة والفتاوي السديدة الْمجمع على جلالته وتحريه وورعه اقضى قَضَاهُ الْمُسلمين أوحد عباد الله الصَّالِحين صفي الدّين أَبُو السرُور القَاضِي أَحْمد بن عمر بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن القَاضِي يُوسُف بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حسان بن الْملك سيف بن ذِي يزن المدحجي السيفي الْمرَادِي شهَاب الدّين الشهير بالمزجد بميم مَضْمُومَة ثمَّ زاء مَفْتُوحَة ثمَّ جِيم مُشَدّدَة مَفْتُوحَة ودال مُهْملَة آخر الْحُرُوف الشَّافِعِي الزبيدِيّ ببلدة زبيد وَصلي عَلَيْهِ بجامعها الْكَبِير وَدفن بِبَاب سِهَام وقبره قبلي تربة الشَّيْخ عَليّ افلح وَلم يخلف بعده مثله رَحمَه الله تَعَالَى ونفعنا بسره وسر علومه ورثاه جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء والأدباء من تلامذته ومعاصريه وَعظم الأسف عَلَيْهِ وَكَانَ من الْعلمَاء الْمَشْهُورين وَبَقِيَّة الْفُقَهَاء الْمَذْكُورين وَاحِد الْمُحَقِّقين المعتمدين المرجوع إِلَيْهِم فِي النَّوَازِل المعضلة والحوادث المشكلة وَكَانَ على الْغَايَة من التَّمَكُّن فِي مَرَاتِب الْعُلُوم الإسلامية من الْأُصُول وَالْفُرُوع وعلوم الْأَدَب
وَذكروا لَهُ كرامات وَهُوَ الَّذِي افتى بحلية البن والقهوة
ولد رَحمَه الله تَعَالَى سنة سبع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة بِجِهَة قَرْيَة الزبيدية وَنَشَأ بهَا وَحفظ جَامع المختصرات ثمَّ اشْتغل فِيهَا على أبي الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد بن مريفد ثمَّ انْتقل إِلَى بَيت الْفَقِيه بن عجيل فَأخذ فِيهَا على شيخ الْإِسْلَام إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم جغمان والطاهر بن أَحْمد بن عمر جغمان وَأخذ أَيْضا عَن القَاضِي عبد الله بن الطّيب النَّاشِرِيّ وَقَالَ تِلْمِيذه شمس الدّين النَّاشِرِيّ لقد سَمِعت شَيخنَا شهَاب الدّين الْمشَار إِلَيْهِ يَقُول مَا دخلتني هَيْبَة من أحد قطّ كَمَا كَانَت تدخلني بَين يَدي إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور انْتهى
ثمَّ ارتحل إِلَى زبيد واشتغل فِيهَا بالفقه على الْعَلامَة أبي حَفْص عمر الْفَتى وَنجم الدّين يُوسُف الْمقري بن يُونُس الجباي وَبِهِمَا تخرج وانتفع وَأخذ الْأُصُول عَن السفيكي والجبائي والْحَدِيث عَن الْحَافِظ يحيى العامري وَعَن الصّديق الطّيب المطيب والحساب والفرائض عَن موفق الدّين النَّاشِرِيّ والعلامة الْحُسَيْن الصباحي بتعز وَغَيرهم وبرع فِي عُلُوم كَثِيرَة وتميز فِي الْفِقْه حَتَّى كَانَ فِيهِ أوحد وقته
وَمن مصنفاته الْمَشْهُورَة فِي الْفِقْه الْعباب وَالْمُحِيط بمعظم نُصُوص الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب وَهُوَ كاسمه وكما وَصفه جَامعه رحمه الله إِذْ قَالَ شعر
…
إِلَّا أَن الْعباب أجل سفر
…
من الْكتب الْقَدِيمَة والجديده
كتاب قد تعبت عَلَيْهِ دهراً
…
وخضت لجمعه كتبا عديده
وَقربت القصي لطالبيه
…
وَقد كَانَت مسافته بعيده
وغصت على الخبايا فِي الزوايا
…
فها هِيَ فِيهِ بارزة عتيده
وَكم قد رضت فِيهِ جِيَاد فكري
…
وَمَرَّتْ لي بِهِ مدد مديده
إِلَى أَن بلغ الرَّحْمَن مِنْهُ
…
مرادي من مواهبه المديده
فدونك كنز علم لست تلقى
…
مدى الْأَزْمَان فِي الدُّنْيَا مديده
وثق بِجَمِيعِ مَا فِيهِ فَانِي
…
منحت الْعلم فِيهِ مستفيده
إلهي اجْعَلْهُ لي ذخْرا وضاعف
…
ثوابي من عطاياك الحميده
وجد بقبوله وَاجعَل جزائي
…
رضاك وجنة الْخلد المشيده
بجاه مُحَمَّد خير البرايا
…
وتنقذهم عَن الكرب الشديده
وصل مُسلما أبدا عَلَيْهِ
…
وَعم جَمِيع عترته السعيده
…
وَهُوَ على أسلوب الرَّوْض جمع فِي مسَائِل الرَّوْض ومسائل التَّجْرِيد وَهُوَ كتاب عَظِيم جَامع لأكْثر أَقْوَال الإِمَام الشَّافِعِي وَأَصْحَابه وأبحاث الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم على الْغَايَة من جزالة اللَّفْظ وَحسن التَّقْسِيم وَلَقَد اشْتهر هَذَا الْكتاب فِي الْآفَاق وَوَقع على حسنه ونفاسته الاجماع والاتفاق وَكثر اعتناء النَّاس بِشَأْنِهِ وانتفاع الطّلبَة بِهِ واغتباطهم ببيانه واعتناء غير وَاحِد من عُلَمَاء الْإِسْلَام بشرحه كالعارف شيخ الْإِسْلَام أبي الْحسن الْبكْرِيّ فانه شَرحه بشرحين صَغِير وكبير كتب الصَّغِير أَولا وَجعله
أصلا وميز فِيهِ الْمَتْن من الشَّرْح بخطوط سود ثمَّ كتب على الْحَوَاشِي زيادات كَثِيرَة وميزها عَن الشَّرْح الأول وَذكر أَن مَا دونهَا شرح صَغِير وَأَنَّهَا مَعَ الشَّرْح الصَّغِير شرح كَبِير
قَالُوا وَخط الشَّارِح على غَايَة من الصعوبة بِحَيْثُ عجز أَكثر أَصْحَابه عَن اسْتِخْرَاج خطه وَاسْتمرّ الشَّرْح فِي المسودة لتِلْك الصعوبة ثمَّ تصدى بعض الطّلبَة لتبييض الشرحين الْمَذْكُورين فبيض حَتَّى وصل إِلَى نَحْو ثلث الشَّرْح وانْتهى ذَلِك إِلَى نَحْو من تسعين جُزْءا وَكَذَا شَرحه شيخ الْإِسْلَام أَحْمد بن حجر الهيتمي رَحمَه الله تَعَالَى إِلَّا أَنه لم يتم بل قَارب ثلث الْكتاب فِيمَا أَظن نعم عيب عَلَيْهِ فِيهِ قَوْله خلافًا لِلشَّيْخَيْنِ فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة وَقد تقرر أَن الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى الْآن فِي مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي هُوَ مَا اتّفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ فَإِن اخْتلفَا فالنووي لِأَنَّهُ متعقب رُبمَا ظهر لَهُ مَا خَفِي على الأول الا مَا اتّفق الْمُتَأَخّرُونَ قاطبة على أَنه سَهْو أَو غلط وَمَا عداهُ لَا عِبْرَة بِمن خَالف فِيهِ
نبه على ذَلِك خَاتِمَة الْمُتَأَخِّرين شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر الهيتمي رَحمَه الله تَعَالَى وَذكر أَن هَذَا هُوَ مَا أَخذه عَن مشايخه وهم عَن مشايخهم وَهَكَذَا انْتهى وَالله أعلم وَهُوَ فِي مُجَلد ضخم
وَمِنْهَا تَجْرِيد الزَّوَائِد وتقريب الفرائد فِي مجلدين جمع فِيهِ الْفُرُوع الزَّائِدَة على الرَّوْضَة غَالِبا وَكتاب تحفة الطلاب ومنظومة الارشاد فِي خَمْسَة آلَاف وَثَمَانمِائَة وَأَرْبَعين بَيْتا وَزَاد على الارشاد كثيرا من الْمسَائِل والقيود ونظم أَوَائِله إِلَى الرَّهْن فِي مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ مكث نَحْو خمس عشرَة سنة ثمَّ شرع فِي تتمته فكمله فِي أقل من سنة وفتاوى جمعهَا وَلَده القَاضِي الْعَلامَة بركَة الْمُسلمين حُسَيْن بن أَحْمد المزجد ثمَّ جمعهَا ابْن النَّقِيب وَزَاد فِيهَا من تفقهاته مَا لَا غنى عَنهُ وَله غير ذَلِك وتفقه بِهِ خلائق كَثِيرُونَ مِنْهُم أَبُو الْعَبَّاس الطبنداوي وَشَيخ الْإِسْلَام ابْن زِيَاد والحافظ الديبع والعلامة مُحَمَّد بن عمر بحرق وَصَالح النماري وَغَيرهم من أكَابِر الْأَعْيَان وَاخْتِلَاف أَجنَاس الطّلبَة من جِهَات شَتَّى وَله شعر حسن وَمِنْه فِي الْحصن الْحصين
إِذا مَا خفت من نوب الفنا
…
فلازم عدَّة الْحصن الْحصين
وثق بِجَمِيعِ مَا فِيهَا لتظفر
…
سَرِيعا بالتخلص عَن يَقِين
فقد جربتها فَوجدت فِيهَا
…
أَمَان الْخَائِفِينَ من الْمنون
وفيهَا برْء دَاء لَا يداوى
…
تفريج عَن الْقلب الحزين
وَمِنْه
…
لَا تصْحَب الْمَرْء إِلَّا فِي استكانته
…
تَلقاهُ سهلاً أديباً لين الْعود
واحذره ان كَانَت الايام دولته
…
لَعَلَّ يوليك خلقا غير مَحْمُود
فَإِنَّهُ فِي مهاو من تغطرسه
…
لَا يرعوي لَك أَن عادى وَأَن عودي
وَقل لأيامه اللَّاتِي قد انصرمت
…
بِاللَّه عودي علينا مرّة عودي
…
وَمِنْه
…
قلت للفقر أَيْن أَنْت مُقيم
…
قَالَ لي فِي محابر الْعلمَاء
إِن بيني وَبينهمْ لاخاء
…
وعزيز عَليّ قطع الاخاء
…
وَكَانَ ينظم فِي الْيَوْم الْوَاحِد نَحْو ثَمَانِينَ بَيْتا مَعَ الْقُيُود والاحترازات وَله مرثية عَظِيمَة فِي شَيْخه عمر الْفَتى
قَالَ حفيده شيخ الْإِسْلَام قَاضِي قُضَاة الْأَنَام أَبُو الْفَتْح ابْن حُسَيْن المزجد رَحمَه الله تَعَالَى كَانَ جدي رَحمَه الله تَعَالَى شرح جَامع المختصرات للنسائي فِي سِتّ مجلدات ثمَّ لما رَآهُ لم يسْتَوْف مَا حواه الْجَامِع الْمَذْكُور من الْجمع وَالْخلاف القاه فِي المَاء فاعدمه وَالله الْمُسْتَعَان
قَالَ عَلامَة الْعَصْر ومفتيه أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن النَّاشِرِيّ أبقاه الله تَعَالَى كَانَ القَاضِي الْمشَار إِلَيْهِ إِذا سئم من الْقِرَاءَة والمطالعة استدعى بمقامات الحريري فيطالع فِيهَا ويسميها طبق الْحَلْوَى وَولي قَضَاء عدن ثمَّ قَضَاء زبيد وباشر ذَلِك بعفة وديانة وطالت مدَّته فِيهَا
وَحكي أَنه لما جَاءَ زبيد وأتى إِلَيْهِ بمعلومها قَالَ جِئْنَا من عدن إِلَى عدم وَكَأَنَّهُ وَالله أعلم كَانَ غير رَاض بِهَذِهِ الْمرتبَة لما فِيهَا من الْخطر الْعَظِيم وَذَلِكَ لكَمَال ورعه واحتياطه فِي دينه واستحقاره لزهرة الدُّنْيَا ومنصبها وَكَانَ على جَانب عَظِيم من الدّين حَتَّى قَالَ بَعضهم فِي عصره لَو جَازَ أَن يبْعَث الله نَبيا فِي عصرنا لَكَانَ أَحْمد المزجد هُوَ ذَلِك النَّبِي
قَالَ النماري وَلما دخلت عَلَيْهِ وشرعت فِي قِرَاءَة الْعباب لَدَيْهِ أخذتني من دهشته الهيبة وَالْعَظَمَة مَا مَنَعَنِي اسْتِيفَاء مَا كنت آلفه من الانبساط فِي حَال الْقِرَاءَة ففهم ذَلِك مني وَأخذ يباسطني بِذكر بلدي وَأَن مِنْهَا الشَّاعِر الْفُلَانِيّ الَّذِي قَالَ فِي قصيدته مَا هُوَ كَيْت وَكَيْت حَتَّى زَالَ عني ذَلِك الدهش وثابت إِلَيّ نَفسِي
قلت والهيبة من عَلَامَات الْأَوْلِيَاء وَلَا يعزب عَنْك مَا مر قَرِيبا من أَنه أَي المزجد قَالَ مَا دخلتني هَيْبَة قطّ كَمَا كَانَت تدخلني بَين يَدي الْفَقِيه ابراهيم يَعْنِي شَيْخه ابراهيم بن أبي الْقَاسِم جغمان وَبِذَلِك يعلم أَنه من وَفقه الله ليعظم شَيْخه قيض الله لَهُ من يعظمه من الآخذين عَنهُ وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى ملازماً للعزلة وَالْعِبَادَة وتلاوة الْقُرْآن وَالدَّفْع بِالَّتِي هِيَ أحسن وَيشْهد لَهُ بذلك قَوْله من قصيدة
…
فلازم كسر بَيْتك فَهُوَ ادّعى
…
لبعدك عَن قَبِيح الاعتياد
وسامح أهل عصرك واعف عَنْهُم
…
وعش مستأنساً بالانفراد
وَقل أقرضتكم عرضي جَمِيعًا
…
وَقد ابرأتكم يَوْم الْمعَاد
لكم حق عَليّ وَلَا أرى لي
…
حقوقاً عنْدكُمْ هَذَا اعتقادي
لِأَنِّي عبد سوء ذُو عُيُوب
…
يصاح عَليّ فِي سوق الكساد
…
وَقَالَ النماري شَيخنَا الْمَذْكُور أوقاته مرتبَة يَجْعَل أَوَاخِر اللَّيْل وَأول النَّهَار لدرس الْقُرْآن ثمَّ يشْتَغل بِمَا لَهُ من أوراد ثمَّ بالتفسير ثمَّ بالفقه ثمَّ يخرج إِلَى الحكم إِلَى وَقت الظّهْر ثمَّ يقيل ثمَّ يشْتَغل بالاحياء للغزالي وَنَحْوه من كتب الرَّقَائِق وَفِي آخر النَّهَار ينظر فِي التَّارِيخ إِلَى أَن يخرج لمجلس الحكم بعد صَلَاة الْعَصْر لِأَنَّهُ كَانَ يجلس للْحكم فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ
قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد انْتفع بِهِ النَّاس وَأخذ عَنهُ الطّلبَة وَاسْتمرّ على عَظمته ووجاهته حَتَّى مَاتَ فِي دولة الأروام رَحمَه الله تَعَالَى انْتهى
وَحكى تِلْمِيذه العَبْد الصَّالح الْعَلامَة المفنن مُحَمَّد بحرق قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام فِي ثغر عدن وَقت السحر وَبِيَدِهِ الْكَرِيمَة كتاب يطالع فِيهِ قَالَ فَقلت لَهُ أَلَك اطلَاع يَا رَسُول الله على تصانيف امتك فَقَالَ نعم فَقلت مَا تَقول فِي عقيدة احياء عُلُوم الدّين قَالَ
لابأس بهَا فَقلت هَل لَك اطلَاع على تصانيفهم الْفِقْهِيَّة قَالَ نعم وَلم أر أجزل عبارَة عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمَا رَأَيْت مثل مَجْمُوع لأبي السرُور الَّذِي ضمنه الرَّوْض وَزَاد عَلَيْهِ بَاقِي مسَائِل الْمَذْهَب فَوَقع ببالي أَن الْمَجْمُوع الْمَذْكُور هُوَ الْعباب انْتهى
وَكَانَ بَينه وَبَين سَيِّدي الشَّيْخ القطب شمس الشموس أَبُو بكر بن عبد الله العيدروس اتِّحَاد كلي وَلكُل مِنْهُمَا إِلَى الآخر ميل قلبِي وَكَانَت بَينهمَا محبَّة ومكاتبات ومواصلات ومراسلات ومدح هُوَ العيدروس بقصيدة سبقت فِي تَرْجَمته وَفِيه أَيْضا يَقُول العيدروس نفع الله بِهِ
…
سَلام كوبل عَم ساجمه
…
تفتح عَن نور الكمام مباسمه
سَلام يفوق الْمسك فِي نشر عطره
…
ويزرى بذوق الشهد فيَّ طاعمه
على السَّيِّد الحبر الْعَلِيم شهابنا
…
نواوي الْعلَا مفتي الزَّمَان وحاكمه
لَهُ فِي سلوك الدّين أوضح مَنْهَج
…
لَهُ من فنون الْعلم أوفى مقاسمه
لكل زمَان عَالم يقْتَدى بِهِ
…
وَهَذَا زمَان لَا شكّ أَنْت عالمه
بمجلسه تجلى الْعُلُوم ويهتدي
…
بِهِ كل حبر لَيْت من هُوَ ملازمه
يفك عويص المشكلات دراية
…
بديهته تبدي خَفِي مكارمه
…
وَفِيه يَقُول أَيْضا من قصيدة لَهُ أُخْرَى شعر
…
شهَاب الْعلَا غوث الملا هُوَ أَحْمد
…
وقاضي قُضَاة الْوَقْت فِي مُدَّة الْعَصْر
فَيوم لَهُ فِي الْعلم وَالْفضل والحجى
…
يزِيد على أَعمار سبع من النسْر
وَفِي الْعلم يم لم يزل متلاطماً
…
يجل عَن الاحصاء وَالْعد والحصر
…
ومناقبه كَثِيرَة وترجمته طَوِيلَة وَقد أفردها بالتصنيف حفيده القَاضِي أَبُو الْفَتْح بن الْحُسَيْن المزجد فِي جُزْء لطيف سَمَّاهُ منية الأحباب فِي مَنَاقِب صَاحب الْعباب
وَإِذا تَأَمَّلت مَا أسلفناه عَنهُ من الْأَخْبَار الجميلة وَالسير الحميدة علمت أَنه من الْعلمَاء الاخيار الابرار وَلَا يُنَافِي ذَلِك مَا كَانَ متلبساً بِهِ من الْقَضَاء وَنَحْوه فقد ابتلى بِمثل ذَلِك غير وَاحِد من الْعلمَاء الصلحاء كشيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وَشَيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ وحسبك أَن العيدروس نفع الله بِهِ وَصفه بِهَذِهِ الْأَوْصَاف الجليلة والنعوت الجميلة
وَإِذا وَقع من مثل هَذَا الرجل فِيهِ مثل هَذَا القَوْل فقد أغْنى ثناءه عَن كل وصف وَالشَّهَادَة مِنْهُ خير من شَهَادَة ألف ألف وَكَانَ لصَاحب التَّرْجَمَة أَرْبَعَة أَوْلَاد عَليّ وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَعبد الرَّحْمَن وكل مِنْهُم افتى فِي حَيَاة أَبِيه وَمَات مِنْهُم اثْنَان فِي حَيَاة ابيهما وهما عبد الرَّحْمَن وَحسن ورثاهما وحزن عَلَيْهِمَا فوفاة حسن سنة تسع وَتِسْعمِائَة ووفاة عبد الرَّحْمَن سنة احدى عشر وَتِسْعمِائَة
وفيهَا فِي لَيْلَة الْعشْرين من شعْبَان توفّي الشَّيْخ الإِمَام البارع النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ الأديب المفنن القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن مبارك أبن عبد الله بن عَليّ الْحِمْيَرِي الْحَضْرَمِيّ الشَّافِعِي الشهير بحرق بحاء مُهْملَة بعد الْمُوَحدَة ثمَّ رَاء مَفْتُوحَة بعْدهَا قَاف وَكَانَ من الْعلمَاء الراسخين وَالْأَئِمَّة المتبحرين اشْتغل بالعلوم وتفنن بالمنطوق مِنْهَا وَالْمَفْهُوم وتمهر فِي المنثور والمنظوم وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي جَمِيع الْعُلُوم وصنف فِي كثير من الْفُنُون كالحديث والتصوف والنحو الصّرْف والحساب والطب وَالْأَدب والفلك وَغير ذَلِك وَمَا رَأَيْت أحدا من عُلَمَاء حضر موت أحسن وَلَا أوجز عبارَة مِنْهُ وَله نظم حسن وَهُوَ أحد من جمع بَين ديباجتي النّظم والنثر فنثره منثور الرياض جاد بهَا السحائب ونظمه منظوم الْعُقُود زانتها النحور والترائب
…
إِن شَاءَ أنشأ نثراً رائعاً وَكَذَا
…
إِن ود أنْشد نظماً يشبه الدررا
…
وَهُوَ الَّذِي يَقُول هَذِه الأبيات مجيباً لبَعض الْفُضَلَاء الممتحنين لَهُ من أهل زَمَانه شعر
…
يَا من أَجَاد غَدَاة أنْشد مقولا
…
وَأفَاد من احسانه وتفضلا
إِن كنت ممتحني بِذَاكَ فانني
…
لست الهيوبة حَيْثُ مَا قيل انزلا
وَإِذا تبادرت الْجِيَاد بحلبة
…
يَوْم النزال رَأَيْت طرفِي أَولا
قسما بآيَات البديع وَمَا حوى
…
من صنعتيه موشحاً ومسلسلا
لَو كنت مفتخراً بنظم قصيدة
…
لبنيت فِي هام المجرة منزلا
من كل قافية تروق سماعهَا
…
وتعيد سحبان فصاحة باقلا
وَيرى لبيد فِيهَا بليد قلبه
…
حصراً وينقلب الفرزدق أخطلا
…
.. وعَلى جرير نجر مطرف تيهنا
…
ومهلهلا ينديه نسيح مهلهلا
وَلَئِن تبنا ابْن الْحُسَيْن فانني
…
سأكون فِي تِلْكَ الصِّنَاعَة مُرْسلا
أظننت أَن الشّعْر يصعب صوغه
…
عِنْدِي وَقد أضحى لدي مذللاً
أبدي العجاب إِذا برزت مفاخراً
…
أَو مادحاً للْقَوْم أَو متغزلا
لكنني رجل أصون بضاعتي
…
عَمَّن يساوم بخسها مبتذلا
وَأرى من الجرم الْعَظِيم خريدة
…
حسنا تهدى للئيم وتجتلا
مَا كنت أَحسب عقرباً تَحْتك بالأفعى
…
وَلَا هيفا يزاحم بزلا
وَأَنا الْغَرِيب وَأَنت ذَاك وبيننا
…
رحم يحِق لمثلهَا أَن توصلا
…
وَلَقَد أَجَاد فِيهَا كل الإجادة وَللَّه دره وَلَا يبعد أَن براعته فِي الشّعْر لِمَعْنى ارثى من إِمَامه الشَّافِعِي رضي الله عنه فقد حُكيَ عَنهُ من ذَلِك الْكثير وَكَانَ من فحول الشُّعَرَاء وَهُوَ الَّذِي يَقُول
…
وَلَوْلَا الشّعْر بالعلماء يرزي
…
لَكُنْت الْيَوْم أشعر من لبيد
…
فَائِدَة
ذكر الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ رحمه الله فِي كِتَابه مَنَاقِب الإِمَام الشَّافِعِي رضي الله عنه قبل ذكر الْأَشْعَار المنقولة عَن الشَّافِعِي مُقَدّمَة وَهِي إِن انشاء الشّعْر وأنشاده غير مَذْمُوم وَالدَّلِيل عَلَيْهِ النَّص والمعقول
أما النَّص فَمَا رُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أستنشد من شعر أُميَّة بن أبي الصَّلْت مائَة بَيت وَقَالَ أَن كَاد يسلم وأستنشد من أبي بكر رضي الله عنه شعر قس بن سَاعِدَة وَهُوَ قَوْله شعر
…
فِي الذاهبين الْأَوَّلين
…
من الْقُرُون لنا بصائر
لما رَأَيْت مواردا للْمَوْت
لَيْسَ لَهَا مصَادر
…
وَقد تلفظ عليه الصلاة والسلام بمصاريع من أَبْيَات لبيد مِنْهَا
…
إِلَّا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل
…
وكل نعيم لَا محَالة زائل
…
وَمِنْهَا قَول طرفَة
…
ستبدي لَك الْأَيَّام مَا كنت جَاهِلا
…
ويأتيك بالأخبار من لم تزوده
…
وَكَانَ الصّديق رضي الله عنه حَاضرا فَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي لم يقل الْقَائِل كَذَلِك بل قَالَ {ويأتيك بالأخبار من لم تزَود}
وَأما الْمَعْقُول فالنكتة فِيهِ مَا ذكره الشَّافِعِي رضي الله عنه وَهُوَ أَن الشّعْر حسنه حسن وقبيحه قَبِيح وَلذَلِك قَالَ عليه الصلاة والسلام أَن من الشّعْر لحكمة
وَالْمَقْصُود من هَذِه الْمُقدمَة أَن لَا يَقُول جَاهِل أَن صَنْعَة الشّعْر لَا تلِيق بالعلماء الْمُجْتَهدين فان ذَلِك جهل بالشعر لَان الشّعْر اذا كَانَ مُشْتَمِلًا على الْعلم وَالْحكمَة كَانَ اشرف الْكَلِمَات انْتهى
وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ آيَة من آيَات الله تَعَالَى وَكتبه تدل على غزارة علمه وَكَثْرَة أطلاعه وَكَانَ غَايَة فِي التَّحْقِيق وجودة الْفِكر والتدقيق وَكَانَ مولده فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بحضرموت وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن ومعظم الْحَاوِي ومنظومة الْبرمَاوِيّ فِي الاصول والفية النَّحْو بكمالها وَأخذ عَن جمَاعَة من فُقَهَاء حضر موت مِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا جرفيل ثمَّ ارتحل إِلَى عدن ولازم الإِمَام عبد الله بن أَحْمد محزم واشتغل عَلَيْهِ فِي الْفِقْه وأصوله والعربية حَتَّى كَانَ جلّ أنتفاعه بِهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ جَمِيع الفية ابْن مَالك فِي النَّحْو وَجَمِيع سيرة ابْن هِشَام وَجُمْلَة صَالِحَة من الْحَاوِي الصَّغِير فِي الْفِقْه وَسمع عَلَيْهِ جملَة من عُلُوم شَتَّى وَكَذَلِكَ أَخذ عَن الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا فضل ثمَّ أرتحل إِلَى زبيد وَأخذ عَن علمائها فَأخذ علم الحَدِيث عَن زين الدّين مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف الشرجي وَعلم الْأُصُول عَن الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الصَّائِغ وَكَذَلِكَ أَخذ عَنهُ التَّفْسِير والْحَدِيث والنحو وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح الْبَهْجَة الوردية لأبي زرْعَة وَأخذ أَيْضا عَن السَّيِّد الشريف الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الأهدل والبسه خرقَة التصوف وَصَحب الشَّيْخ أَبَا بكر العيدروس واخذ عَنهُ وانتفع بِهِ فَعَادَت عَلَيْهِ بركته وَلما حج فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة سمع من الْحَافِظ شمس الدّين السخاوي وسلك السلوك فِي التصوف
وَحكي عَنهُ انه قَالَ دخلت الأربعينية بزبيد فَمَا اتممتها إِلَّا وانا اسْمَع أعضائي تذكر الله تَعَالَى كلهَا وَلزِمَ الْجد والأجتهاد فِي الْعلم وَالْعَمَل وَأَقْبل على نفع النَّاس أَقراء وافتاء وتصنيفاً
وَكَانَ رحمه الله من محَاسِن الدَّهْر لَهُ الْيَد الطولي فِي النّظم والنثر والخطب وَغَيرهَا وَكَانَ غَايَة فِي الْكَرم محسناً إِلَى الطّلبَة وَغَيرهم كثير الايثار محباً لأهل الْخَيْر متصفاً بالأنصاف رجاعاً إِلَى الْحق مفضالاً جواداً سيداً قوي النَّفس مواظباً على أَفعَال الْخَيْر وتولي الْقَضَاء بالشحر فصدع بِالْحَقِّ وحمدت احكامه وعزل نَفسه من الْقَضَاء ثمَّ عزم إِلَى عدن وَحصل لَهُ بهَا قبُول وجاه عِنْد اميرها مرجان ثمَّ لما مَاتَ مرجان عزم إِلَى الْهِنْد ووفد على السُّلْطَان مظفر فقربه السُّلْطَان وعظمه وَلما خبر علمه وفضله زَاد فِي تَعْظِيمه وتبجيله وأنزله الْمنزلَة الَّتِي تلِيق بِهِ
وَمن تصانيفه تبصرة الحضرة الشاهية الاحمدية بسيرة الحضرة النَّبَوِيَّة الاحمدية والاسرار النَّبَوِيَّة فِي اخْتِصَار الاذكار النووية ومختصر التَّرْغِيب والترهيب لِلْمُنْذِرِيِّ وَكتاب الحديقة الانيقة فِي شرح العروة الْوَثِيقَة وَكتاب عقد الدُّرَر فِي الْإِيمَان بِالْقضَاءِ وَالْقدر وَكتاب العقد الثمين فِي أبطال القَوْل بالتقبيح والتحسين وَكتاب الحسام المسلول على منتقصي أَصْحَاب الرَّسُول وَكتاب العقيدة الشَّافِعِيَّة فِي شرح القصيدة اليافعية وَكتاب الْحَوَاشِي المفيدة على أَبْيَات اليافعي فِي العقيدة
وَذكر فِي كِتَابه تَرْتِيب السلوك ان لَهُ على أَبْيَات الشَّيْخ عبد الله بن أسعد اليافعي ثَلَاثَة شُرُوح بسيط ووسيط وووجيز ومختصر الْمَقَاصِد الْحَسَنَة وَكتاب حلية الْبَنَات والبنين فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من أَمر الدّين وَكتاب ذخيرة الاخوان الْمُخْتَصر من كتاب الِاسْتِغْنَاء بِالْقُرْآنِ وَكتاب النبذة المنتخبة من كتاب الاوائل للعسكري وَكتاب تَرْتِيب السلوك إِلَى ملك الْمُلُوك وَكتاب مُتْعَة الاسماع باحكام السماع الْمُخْتَصر من كتاب الأمتاع وَكتاب النبذة المختصرة فِي معرفَة الْخِصَال المكفرة للذنوب الْمُقدمَة والمؤخرة وَكتاب مواهب القدوس فِي مَنَاقِب ابْن العيدروس وَكتاب شرح الملحة للحريري وَشرح لامية ابْن مَالك فِي التصريف وَهُوَ شرح مُفِيد جدا وَله أَيْضا عَلَيْهَا شرح أَصْغَر مِنْهُ وَاخْتصرَ شرح الصَّفَدِي على لامية الْعَجم وَله أَيْضا رِسَالَة فِي الْحساب ورسالة فِي الْفلك والمنظومة فِي الطِّبّ وَشَرحهَا وَغير ذَلِك
وَبِالْجُمْلَةِ فمحاسنه كَثِيرَة وفضائله شهيرة وَمن مقاطيعه
.. انا فِي سلوة على كل حَال
…
اذ اتاني الحبيب أَو ان اباني
اغنم الْوَصْل إِن دنى فِي أَمَان
…
وَإِذا مَا نأى أعش بالأماني
…
وَله أَيْضا
…
لَئِن بلغ الزوار خيف منى منا
…
وَأمنا برمي الْخمر من لَهب لجمر
…
فبالمنحنى من أضلعي والعقيق من
…
دموعي على التَّشْرِيق شاركت فِي الْأجر
…
وَذكره السخاوي فِي ضوئه قَالَ وصاهر صاحبنا حَمْزَة النَّاشِرِيّ على ابْنَته واولدها وتولع بالنظم ومدح عَامر بن عبد الْوَهَّاب حِين شرع فِي بِنَاء مدارس بزبيد وَالنَّظَر فِيهَا وَكَانَ من أَولهَا فِيمَا انشدنيه حِين لقِيه بِمَكَّة وَأَخذه عَليّ وَكَانَ قدومه لَيْلَة الصعُود فحج حجَّة الاسلام وَأقَام قَلِيلا ثمَّ رَجَعَ كَانَ الله لَهُ شعر
…
أبي الله إِلَّا أَن تحوز المفاخرا
…
فسماك من بَين الْبَريَّة عَامِرًا
عمرت رسوم الدّين بعد دروسها
…
فاحييت آثَار الآله الدواثرا
فَأَنت صَلَاح الدّين لَا شكّ هَذِه
…
شواهده تبدو عَلَيْك ظواهرا
…
قَالَ وَكَذَلِكَ أَنْشدني مِمَّا امتدح بِهِ الْمشَار إِلَيْهِ بَيْتا هُوَ عشر كَلِمَات وَهُوَ
…
نشرت بحراً برا معينا ناصراً
…
شمس الْمُلُوك صَلَاح دينك عَامِرًا
…
وَضَمنَهُ فِي أَرْبَعَة أَبْيَات يسْتَخْرج مِنْهَا الضَّمِير من الْعشْر فَقَالَ
…
ايدت دينك يَا رب الْعلَا أبدا
…
بناصرالملوك الأَرْض قد ضهدا
اعني بِهِ عَامِرًا شمس الْمُلُوك فَكُن
…
نصيره ابداً فِي كل مَا قصدا
وناصراً ومعيناً فَهُوَ شمس ضحى
…
اخفى نُجُوم مُلُوك الأَرْض مُنْذُ بدا
سميته عَامِرًا لما أردْت بِهِ
…
صَلَاح دينك أرغاماً لمن جحدا
…
انْتهى وَكَانَ السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب يراسل الشَّيْخ حُسَيْن بن عبد الله العيدروس بقصائد يخبر فِيهَا بأموره وَيطْلب مِنْهُ الدُّعَاء فَكَانَ الْفَقِيه الْمَذْكُور يجِيبه عَنْهَا والقصائد مَذْكُورَة مَعَ جواباتها مثبتة فِي كتاب الشَّيْخ أَحْمد بن الْحُسَيْن الَّذِي صنفه فِي أَخْبَار وَالِده وَهِي فِي غَايَة الفصاحة والبلاغة وَأعظم شَاهد على فضل الْفَقِيه وَمَا أودعهُ الله من السِّرّ فِيهِ وَذكر الشَّيْخ أَحْمد فِي الْكتاب الْمَذْكُور أَنه اجْتمع بالفقيه بحرق ومدحه
وَأَطْنَبَ فِيهِ غَايَة الْأَطْنَاب رحمه الله وَسَتَأْتِي قصيدته الَّتِي رثى بهَا الشَّيْخ أَحْمد بن أبي بكر العيدروس فِي تَرْجَمته وَهِي فِي غَايَة الْجَوْدَة وَمن نظمه الْحسن هَذِه القصيدة المسمطة الَّتِي امتدح بهَا شَيْخه سَيِّدي الشَّيْخ أَبُو بكر بن عبد الله العيدروس نفعنا الله ببركاته وَهِي
…
سأبيح بالغرام
…
كم ذأ تستر بعشيقى
وَأَرْفَع ذِي اللثام
…
أَو خُذ نَصِيبي ورزقي
زِدْنِي فِي الملام
…
يَا عاذلي لَا تتبقي
وَأشهر ذَا الْكَلَام
…
فِي كل غرب وشرق
مَا للنَّاس معي
…
إِذا هويت كل رعنا
وأحنيت أُصْبُعِي
…
فِي عشق سلمى ولبنا
واصغى مسمعي
…
لكل معنى ومغنا
وسأشرب من مدام
…
الْحبّ يَا صَاح وأسقى
مَا فِي الْحبّ عَار
…
كلا وَلَا فِيهِ من باس
سأخلع ذَا العذار
…
وأحمله شَهْري على الراس
وأعصي من أَشَارَ
…
وأترك رضَا النَّاس للنَّاس
من كَانَ مستهام
…
مثلي فَيَأْتِي بشقي
وَالله الْعَظِيم
…
لَا أرعوي للعواذل
لي رب كريم
…
بجوده الْكل شَامِل
كرر يَا نديم
…
من مطربات البلابل
حدك يَا غُلَام
…
الدُّف من كل طرقي
سأصرح وَأَقُول
…
عشقت زيد المسما
وأغنم ذَا الْقبُول
…
من قبل أما وَأما
مَا للنَّاس فضول
…
من هابهم مَاتَ غما
دعهم فِي سَلام
…
يسْعد حد الله ويشقى
سأنثر فِي الْجُلُوس
…
عُقُود در وعقيان
فِي ابْن العيدروس
…
عالي المقامات والشان
منفوس النُّفُوس
…
ومنتهى كل إِنْسَان
طَال عمره ودام
…
لكل فتق ورتق
…
وَله قصيدة عَظِيمَة سَمَّاهَا العروة الْوَثِيقَة فِي الْجمع بَين الشَّرِيعَة والحقيقة أَجَاد فِيهَا إِلَى الْغَايَة ورحها وَشَرحهَا سَمَّاهَا الحديقة الانيقة وَقد مر ذكره عِنْد مؤلفاته وَقد كتبت عَلَيْهَا أَيْضا شرحاً مُخْتَصرا سميته الْحَوَاشِي الرشيقة على العروة الْوَثِيقَة وَله هَذَا اللغز وَقد حلّه بالنثر بعده وَهُوَ مَذْكُور بعبارته قَالَ شعر
…
يَا متقناً كَلِمَات النَّحْو أجمعها
…
حدا ونوعاً وافراداً ومنتظمه
مَا أَربع كَلِمَات وَهِي أحرفها
…
أَيْضا وَقد جمعتها كلهَا كلمة
…
ثمَّ قَالَ هَذَا فِي تَمْثِيل الْوَقْف على هَاء السكت أَي قَوْلك كلمد فالكاف فِي قَوْلك كلمة للتمثيل وَاللَّام للجر وَالْمِيم أَصْلهَا مَا الاستفهامية حذفت الفها والهآء للسكته
وَوجدت بِخَطِّهِ مَا صورته فرع لَو صدر مِنْهُ لفظ مُحْتَمل للطَّلَاق فَظَنهُ طَلَاقا أَو أفتاه جَاهِل بِوُقُوع الطَّلَاق الْبَائِن فاقر عِنْد الشُّهُود انه طَلقهَا أَو أنشأ طَلَاقا آخر مَعَ اعْتِقَاده انها قد بَانَتْ بِاللَّفْظِ الأول لم يُؤَاخذ باقراره وَلم يَقع طَلَاقه الثَّانِي لانه مَبْنِيّ على ظن فَاسد وَالله اعْلَم
قَالَ مُحَمَّد بن عمر بحرق الْحَضْرَمِيّ كَانَ الله لَهُ
وَمن كراماته مَا حُكيَ انه حضر مجْلِس بعض الوزراء بِالْهِنْدِ وَكَانَ فِي ذَلِك الْمجْلس رجل من السَّحَرَة فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ أرتفع ذَلِك السَّاحر وَقعد فِي الْهَوَاء قَالَ فَوَقع عِنْدِي من ذَلِك واستغثت بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم واومأت إِلَيْهِ بغردة من حذائي فَمَا زَالَت تضربه إِلَى ان رَجَعَ إِلَى مَكَانَهُ بالارض
وَحكي أَنه وَقع بَينه وَبَين بعض وزراء السُّلْطَان بحث فاحتقره ذَلِك الْوَزير فتعب الْفَقِيه من ذَلِك ودعا عَلَيْهِ فنهب بَيته فِي ذَلِك الْيَوْم وَأخذ جَمِيع مَا كَانَ فِيهِ فجَاء إِلَى الْفَقِيه معتذراً ومستعطفاً وَوَصله بِشَيْء وَطلب مِنْهُ الدُّعَاء فَحسب انه فعل ذَلِك واذا بالْخبر يَأْتِيهِ من عِنْد السُّلْطَان بالاجلال والتعظيم وَيرد جَمِيع مَا نهب لَهُ وان الَّذِي وَقع من ذَلِك إِنَّمَا كَانَ غَلطا فَإِنَّهُ امْر بِنَهْب بَيت غَيره فَرد جَمِيع مَا أَخذ لَهُ
وَحكي ان ام الْفَقِيه كَانَت من جواري الشَّيْخ عبد الله العيدروس فيرون ان تِلْكَ الْبركَة كَانَت فِيهِ بِسَبَبِهَا
وَحكي انه مَاتَ بالسم وَالسَّبَب ذَلِك انه حظى عِنْد السُّلْطَان إِلَى غَايَة فحسده الوزراء على ذَلِك فَوَقع مِنْهُم مَا أوجب لَهُ الشَّهَادَة وناهيك بهَا من سَعَادَة وَمن أحسن مَا قيل فِيهِ هَذَا الدوبيت لبَعْضهِم يمدحه
…
لأي الْمعَانِي زيدت الْقَاف فِي أسمكم
…
وَمَا غيرت شَيْئا إِذا هِيَ تذكر
لانك بَحر الْعلم وَالْبَحْر شَأْنه
…
اذا زيد فِيهِ الشىء لَا يتَغَيَّر
…
وَمثله قَول الآخر فِيهِ أَيْضا
…
فَأَنت بَحر وقاف مَا لَهُ طرف
…
مُحَمَّد أسمك الْمَعْرُوف مَوْصُوفا
سمي خير الْأَنَام الطَّاهِر من مضى
…
يهناك يهناك هَذَا الْفَخر تَشْرِيفًا
…
وفيهَا توفّي الشهَاب أَحْمد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن عبد الله الْكِنَانِي الحوراني الْمقري الْحَنَفِيّ المغربي نزيل مَكَّة ببلدة غَزَّة وَدفن بهَا وَولد فِي حُدُود السِّتين وَثَمَانمِائَة بغزة وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن وَمجمع الْبَحْرين وطيبة النشر وَغَيرهمَا واشتغل بالقراءات وتميز فِيهَا وَفهم الْعَرَبيَّة وأشتغل فِيهَا وقطن مَكَّة على خير وانجماع مَعَ تحرز وتبجل كَذَا ذكره السخاوي قَالَ وَقد لازمني فِي الدِّرَايَة وَالرِّوَايَة وكتبت لَهُ إجَازَة ووسمعته ينشدني نظمه شعر
…
سَلام على دَار الْغرُور لِأَنَّهَا
…
مكدرة لذاتها بالفجائع
فَإِن جمعت بَين المحبين سَاعَة
…
فعما قَلِيل اردفت بالموانع
…
قَالَ ثمَّ قدم الْقَاهِرَة من الْبَحْر فِي رَمَضَان سنة تسع وَثَمَانِينَ وأنشدني من لَفظه قصيدتين فِي الْحَرِيق والسيل الْوَاقِع بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّة وكتبهما لي بِخَطِّهِ وسافر لغزة لزيارة امهِ وَأَقْبل عَلَيْهِ جمَاعَة من اهلها
قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رحمه الله وَبعد الْمُؤلف اجْتمعت بِهِ فِي غَزَّة سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَهُوَ يعظ بهَا ويخطب نائبها بِجَامِع الْأَشْرَف قايتباي فِيهَا ويقرىء الْأَبْنَاء مَعَ فقره وفضله وَحسن نظمه وكتبت عَنهُ بعضه وَقَالَ لي أَنه اقام بِمَكَّة ثَلَاثَة عشر سنة وَتردد إِلَى الْمَدِينَة واليمن وزيلع وَأخذ عَن جمَاعَة فِيهَا وَفِي الْقَاهِرَة وَهُوَ مبارك متقشف نفع الله بِهِ