المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة أربع وسبعين بعد التسعمائة - النور السافر عن أخبار القرن العاشر

[العيدروس]

فهرس الكتاب

- ‌سنة أثنين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاث بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع بعد التسْعمائَة

- ‌سنة خمس بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سِتّ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَان بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع بعد التسْعمائَة

- ‌سنة عشر التسْعمائَة

- ‌سنة أثنتي عشرَة بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاثَة عشر بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع عشر بعد التسْعمائَة

- ‌سنة خَمْسَة عشر بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سِتَّة عشر بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سَبْعَة عشر بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَانِيَة عشر بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع عشر بعد التسْعمائَة

- ‌سنة الْعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة إِحْدَى وَعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاث وَعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة خمس وَعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع وَعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَان وَعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع وَعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أثنين وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة خمس وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَرْبَعِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة)

- ‌سنة خمس وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَان وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة إِحْدَى وَخمسين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاث وَخمسين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع وَخمسين بعد التعسعمائة

- ‌سنة خمس وَخمسين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سِتّ وَخمسين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع وَخمسين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَان وَخمسين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع وَخمسين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة إِحْدَى وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاث وستي بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة خمس وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة احدى وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة اثْنَيْنِ وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سِتّ وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَان وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سِتّ وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة إِحْدَى وَتِسْعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاثَة وَتِسْعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع وَتِسْعين بعد التسْعمائَة

الفصل: ‌سنة أربع وسبعين بعد التسعمائة

الْمَذْهَب وَقيل أَنه كَانَ محققاً فِي علم الْأُصُول وَله نظم حسن وَرَأَيْت لَهُ قصائد فِي مدح وَالِدي وَكَانَ ناخوذاً فِي ذَلِك الْمركب حسن علوان الْمَشْهُور فخرق أَيْضا رحمهم الله آمين

‌سنة أَربع وَسبعين بعد التسْعمائَة

(974) هـ

وَفِي ثامن عشر جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَسبعين توفّي الْوَلِيّ الصَّالح المجذوب عبد الله بن الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْأَسْقَع أَبَا علوي بِمَكَّة وَكَانَ يَوْم مَوته مشهوداً وقبره بالشبيكة مَعْرُوف يزار وَكَانَ م الْأَوْلِيَاء العارفين وَالْأَئِمَّة المقربين السالكين المجذوبين اولي الكرامات الخارقة والأنفاس الصادقة والمقامات الْعلية وَالْأَحْوَال السّنيَّة انْتَشَر مناقبه وعمت مواهبه وفاضت على الخليقة أسراره ونفحاته ووسعت الْبَريَّة بركاته انْتقل بأَهْله وَولده إِلَى مَكَّة وجاور بهَا إِلَى أَن توفّي بهَا وَكَانَت مُدَّة اقامته بِمَكَّة المشرفة أَربع عشرَة سنة وَكَانَ لَهُ بهَا جاده عَظِيم فِي الْأَنَام وَقبُول عِنْد الْخَاص وَالْعَام

وَحكى عَن السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين بن عبد الرَّحْمَن خرد أَبَا علوي أَن الشريف أَحْمد أَبَا رَقَبَة كَانَ يصحب الشَّيْخ أَحْمد بن حُسَيْن العيدروس وَالسَّيِّد أَحْمد بن علوي أَبَا مجدب وَالسَّيِّد عبد الله بن الْفَقِيه الاسقع وَرُبمَا أَنه كَانَ يَأْمُرهُ بَعضهم بضد مَا يَأْمُرهُ بِهِ الآخر فشق ذَلِك عَلَيْهِ وتحير فِيهِ فَخرج إِلَى ضريح العيدروس وآلى على نَفسه أَنه لَا يذهب من عِنْده حى يُعلمهُ بأحوال الثَّلَاثَة وبمن يَقْتَدِي بِهِ مِنْهُم فَنَامَ فَكَلمهُ الشَّيْخ عبد الله العيدروس قَالَ لَهُ جِئْت تسْأَل عَن أحوالنا الثَّلَاثَة أما الشَّيْخ أَحْمد بن حُسَيْن فبحر الْحَقِيقَة وَأما السَّيِّد أَحْمد بن علوي فأفرده الله وَأما عبد الله ابْن الْفَقِيه فَلهُ نوبَة ضرب فِي السَّمَاء ونوبة تضرب فِي الأَرْض وَشرب من كأس الحميا رُوِيَ أَو كَمَا قَالَ

وفيهَا فِي رَجَب توفّي الشَّيْخ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام خَاتِمَة أهل الْفتيا والتدريس ناشر عُلُوم الإِمَام مُحَمَّد بن إِدْرِيس الْحَافِظ شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حجر الهيتمي السَّعْدِيّ الْأنْصَارِيّ بِمَكَّة وَدفن بالمعلاه فِي تربة الطبريين وَكَانَ بحراً فِي علم الفقهوتحقيقه لَا تكدره الدلاء وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ كَمَا أجمع على ذَلِك العارفون وانعقدت

ص: 258

عَلَيْهِ خناصر الملاء إِمَام اقتدت بِهِ الْأَئِمَّة وَهَمَّام صَار فِي إقليم الْحجاز أمة

مصنفاته فِي الْعَصْر آيَة يعجز عَن الاتيان بِمِثْلِهَا المعاصرون فهم عَنْهَا من منهل تدريسه صفاء المشرب وَطَالَ مَا طَاف حول كعبة مَنَاسِكه من الوافدين الْقَارئ كواكب سيارة فِي منهاج سَمَاء الساري يَهْتَدِي بهَا المهتدون تَحْقِيقا لقَوْله تَعَالَى {وبالنجم هم يَهْتَدُونَ} وَأحد الْعَصْر وَثَانِي الْقطر وثالث الشَّمْس والبدر من أَقْسَمت المشكلات أَن لَا تتضح إِلَّا لَدَيْهِ وأكدت المعضلات آليتها أَن لَا تتجلى إِلَّا عَلَيْهِ لَا سِيمَا وَفِي الْحجاز عَلَيْهَا قد حجر وَلَا عجب فَإِنَّهُ الْمُسَمّى بِابْن حجر

ولد فِي رَجَب سنة تسع وَتِسْعمِائَة وَمَات أَبوهُ وَهُوَ صَغِير فكلفه الإمامان الكاملان علما وَعَملا الْعَارِف بِاللَّه شمس الدّين بن أبي الخمائل وشمس الدّين الشناوي ثمَّ أَن الشَّمْس الشناوي نَقله من بَلَده محلّة أبي الهيتم إِلَى مقَام القطب الشريف سَيِّدي أَحْمد البدوي نفع الله بِهِ فقلرأ هُنَالك على عَالمين بِهِ فِي مبادئ الْعُلُوم ثمَّ نَقله فِي سنة أَربع وَعشْرين وَهُوَ فِي سنّ نَحْو أَرْبَعَة عشر سنة إِلَى الْجَامِع الْأَزْهَر مُسلما لَهُ إِلَى رجل صَالح من تلامذة شَيْخه الشناوي وَابْن أبي الحمائل فحفظه حفظا بليغاً وَجمعه بعلماء مصر فِي صغر سنه فَأخذ عَنْهُم وَكَانَ قد حفظ الْقُرْآن الْعَظِيم فِي صغره

وَمن مشايخه الَّذين أَخذ عَنْهُم شيخ الْإِسْلَام القَاضِي زَكَرِيَّا الشَّافِعِي وَالشَّيْخ الإِمَام المعمر الزيني عبد الْحق السنباطي وَالشَّيْخ الإِمَام فَقِيه مجلي النَّفس الشَّافِعِي وَالشَّمْس ابْن أبي الحمائل وَالشَّمْس الشهدي واشمس السمهودي والطبلاوي الشفي وَالشَّيْخ الإِمَام أبي الْحسن الْبكْرِيّ الشَّافِعِي وَالشَّمْس اللقاطي الضيروطي وَالشَّمْس الطهراي وَالشَّمْس الْعباد وَالشَّمْس البدوي وَالشَّمْس بن عبد الْقَادِر الفرضي وَالشَّمْس الدلجي والشهاب التطوي والشهاب الركسي والشهاب بن عبد الْحق السنباطي

ص: 259

والشهاب تالبلقيني والشهاب بن اطحان والشهاب بن النجار الْحَنْبَلِيّ والشهاب بن الصَّائِغ رَئِيس الْأَطِبَّاء واذن لَهُ بَعضهم بالافتاء والتدريس وعمره دون الْعشْرين وبرع فِي عُلُوم كَثِيرَة من التَّفْسِير والْحَدِيث وَعلم اكلام وأصول الْفِقْه وفروعه والفرائض والحساب والنحو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والمنطق والتصوف

وَمن محفوظاته فِي الْفِقْه الْمِنْهَاج للنووي ومقروءاته كَثِيرَة لَا يُمكن تعدادها وَأما اجازات الْمَشَايِخ لَهُ فكثيرة جدا وَقد استوعبها رحمه الله فِي مُعْجم مشايخه وَقدم إِلَى مَكَّة فِي آخر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ فحج وجاور بهَا فِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا ثمَّ عَاد إِلَى مصر ثمَّ حج بعياله فِي آخر سنة سبع وَثَلَاثِينَ ثمَّ حج سنة أَرْبَعِينَ وجاور من ذَلِك الْوَقْت بِمَكَّة المشرفة وَأقَام بهَا يؤلف ويفتي ويدرس إِلَى أَن توفّي فَكَانَت مُدَّة اقامته بهَا ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وَذكر رحمه الله فِي مُعْجم مشايخه قَالَ كنت بِحَمْد الله مِمَّن وقف بُرْهَة من الزَّمَان فِي أَوَائِل الْعُمر باشارة مَشَايِخ أَرْبَاب الْأَحْوَال وأعيان الْأَعْيَان لسَمَاع الحَدِيث من المسندين وَقِرَاءَة مَا تيَسّر من كتب هَذَا الْفَنّ على الْمُفَسّرين وَطلب الْإِجَازَة بأنواعها المقررة فِي هَذَا الْعلم الواسعة أرجاؤه الاسعة أنحاؤه مَعَ النَّاس والملازمة فِي تَحْصِيل الهلوم الآلية والعلوم الْعَقْلِيَّة والقوانين الشَّرْعِيَّة لَا سِيمَا علم الْفِقْه وَأَصله تَفْرِيعا وتأصيلاً إِلَى أَن فتح الْكَرِيم من تِلْكَ الْأَبْوَاب مَا فتح ووهب مَا وهب ومنح وتفضل بِمَا لم بكن فِي الْحساب ومراعاة نتيجة الإكتساب حَتَّى أجازني أكَابِر أسادستي باقراء تِلْكَ الْعُلُوم وافادتها وبالتصدي لتحرير المشكلة مِنْهَا بالتقرير وَالْكِتَابَة واإشارتها ثمَّ بالافتاء والتدريس على مَذْهَب الإِمَام المطلبي الشَّافِعِي ابْن إِدْرِيس رضي الله عنه وارضاه وَجعل جنَّات المعارف منقلبه ومثواه ثمَّ بالتصنيف والتأليف وكتبت من الْمُتُون والشروح مَا يغنى رُؤْيَته عَن الاطناب فِي مدحه والإعلام بشرحه كل ذَلِك وسنى دون سنّ الْعشْرين بحلول نظر جمَاعَة عَليّ من العارفين اولي التَّصَرُّف وَالشُّهُود والتمكين وأرباب الامداد الوافر وكنوز الاسعاف والاسعاد الباهر ثمَّ جردت صَارف عزمي وأرهقت حد فهمي فِي خدمَة السّنة المطهرة باقراء علومها وإفادة مرسومها المستكتمة لاسيما بعد الاتيان إِلَى حرم الله تَعَالَى واستيطان بَلَده والتفرغ لاسماع المقيمين

ص: 260

والواردين حِيَازَة لنشر الْعلم والفوز بعلاه ومدده صادعا فَوق رُؤُوس الأشهاد ليعلم الْحَاضِر والباد أَن من يبع نَفسه لمولاها يقطعهَا عَن سَائِر الْأَغْرَاض إِلَى حِيَازَة الْعُلُوم وأولاها الَّتِى آل التغفل عَنْهَا إِلَى اندراسها والتشاغل بالحظوظ الفانية إِلَى تزلزل قواعدها وأساسها منادياً فِي كل مجمع وناد وَسمر وعداد عباد الله هلموا إِلَى شرف الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَإِنَّهُ لَا طَرِيق أقرب فِي الْوُصُول إِلَى الله من الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة المنزهة من أَن يشوبها أدنى شوب من المطامع الدُّنْيَوِيَّة وَمن ثمَّ قَالَ أَئِمَّة الْفِقْه والعرفان كَالْإِمَامِ الْأَعْظَم أبي حنيفَة النُّعْمَان ان لم تكن الْعلمَاء أَوْلِيَاء فَلَيْسَ ببه ولي فِي زمن من الْأَزْمَان لكِنهمْ لم يُرِيدُوا صور الْعلم بل حقائق تَطْهِير الْقُلُوب ثمَّ ملأها من معارف الْقَوْم دون شقاشق أهل الرسوم وكما أَن للصوفية سياحات لَا بُد مِنْهَا كَذَلِك لأئمة السّنة حالات لَا يسْتَغْنى أَكْثَرهم عَنْهَا وشتان مَا بَينهمَا شتان لِأَن نفع تِلْكَ قَاصِر على أَهلهَا وَهَذِه عَامَّة النَّفْع وَالْإِحْسَان وَلذَا دَعَا لَهُم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بأعظم دَعْوَة وحباهم عَن غَيرهم بِأَفْضَل حبوة فَقَالَ نضر الله امْرَءًا سمع مَقَالَتي فوعاها فأداها كَمَا سَمعهَا وَمَعَ هَذَا الْعُلُوّ الشامخ والشرف الراسخ تقهقر الزَّمَان فركدت الهمم لاسيما عَن هَذَا الْعلم الْعلي الشَّأْن حَتَّى كَاد النَّاس بعد أَن فقدتالرحلة فِي طلب الاسناد إِلَى شاسع الأقطار يطْلبُونَ الْإِجَازَة بالاستدعاء بِالْكِتَابَةِ من الأساتذة الْبعدَاء الديار وَأما الْآن فقد زَالَ ذَلِك التقاحم فِي طلبه وَنسي هذاالتزاحم فِي نيل رتبه وتقاعدت عَنهُ الهمم إِلَى الْغَايَة فاخلدت إِلَى أَرض شهواتها عَن طلب الدِّرَايَة وَالرِّوَايَة وَذهب المسندون الجلة وَمن كَانَت تزدهي يوجودهم الْملَّة شعر

كَانَ لم يكن بَين الجحون إِلَى الصَّفَا

أنيس وَلم يسمر بِمَكَّة سامر

لَكِن بِحَمْد الله تَعَالَى قد بقى من آثَارهم بقايا وَفِي زَوَايَا الزَّمَان مِمَّا تحمل عَنْهُم خبايا وَأَنا أَرْجُو أَن أكون إِن شَاءَ الله من متبعيهم بِحَق ووارثيهم بِصدق لِأَنِّي أَخَذته رِوَايَة واتقنته دراية عَن الْأَئِمَّة المسندين مِمَّن يضيق الْمقَام عَن استيعابهم ويحجب الِاقْتِصَار على مسانيد أشهر مشاهيرهم

ص: 261

شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي ثمَّ شَيخنَا الزيني عبد الْحق السنباطي ثمَّ شيخ مَشَايِخنَا بالاجازة الْخَاصَّة وَشَيخنَا بالاجازة الْعَامَّة لِأَنَّهُ أجَاز لمن أدْرك حَيَاته وَأَنِّي ولدت قبل وَفَاته بِنَحْوِ ثَلَاث سِنِين فَكنت مِمَّن شملته اجازته واشتملته عنايته حَافظ عصره بِاتِّفَاق أهل مصره الْجلَال السُّيُوطِيّ انْتهى

وَمن مؤلفاته شرح الْمشكاة نَحْو الرّبع وَشرح الْمِنْهَاج فلإمام النَّوَوِيّ فِي مجلدين ضخمين وشرحين على الارشاد للمقوى كَبِير وَهُوَ الْمُسَمّى بالامداد وَالصَّغِير وَهُوَ الْمُسَمّى فتح الْجواد وَشرح الهمزية البوصيرية وَشرح الاربعين النواوية وَالصَّوَاعِق المحرقة فِي الرَّد على أهل الْبدع والضلال والزندقة وكف الرعاع عَن مُحرمَات اللَّهْو وَالسَّمَاع والزواجر عَن اقتراب الْكَبَائِر ونصيحة الْمُلُوك وَشرح مُخْتَصر الْفَقِيه عبد الله أَبَا فضل الْحَاج الْمُسَمّى الْمنْهَج القويم فِي مسَائِل التَّعْلِيم وَالْأَحْكَام فِي قواطع الْإِسْلَام وَشرح الْعباب الْمُسَمّى بالايعاب وتحذير الثِّقَات عَن أكل الكفتة والقات وَشرح قِطْعَة صَالِحَة من ألفية ابْن مَالك وَشرح مُخْتَصر أبي الْحسن الْبكْرِيّ فِي الْفِقْه وَشرح الْمِنْهَاج وحاشية على الْعباب وَاخْتصرَ الْإِيضَاح والإرشاد وَالرَّوْض والأخير لم يتم ومناقب أبي حنيفَة ومؤلف فِي الْأَصْلَيْنِ والتصوف ومنظومة فِي أصُول الدّين وَشرح عين الْعلم فِي التصوف لم يتم

والهيتمي نِسْبَة إِلَى محلّة أبي الهيتم من اقليم الغربية بِمصْر وَالسَّعْدِي نِسْبَة إِلَى سعد باقليم الشرقية من إقليم مصر أَيْضا ومسكنه بالشرقية لَكِن انْتقل إِلَى محلّة أبي الهيتم غي الغربية

وَأما شهرته بَاب حجر فَقيل ان أحد أجداده كَانَ ملازماً للصمت لَا يتَكَلَّم إِلَّا عَن ضروروة أَو حَاجَة فشبهوه بِحجر ملقى لَا ينْطق فَقَالُوا حجر ثمَّ اشْتهر بذلك وَقد اشْتهر بِهَذَا اللقب أَيْضا شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي وَكَاد صَاحب التَّرْجَمَة يُشبههُ فِي فنه الَّذِي اشهر بِهِ وَهُوَ الحَدِيث مَعَ مَا منحه الله بِهِ من الزِّيَادَة عَلَيْهِ من علم الْفِقْه الَّذِي لم يشْتَهر بِهِ الْحَافِظ الْعَسْقَلَانِي هَذَا الاشتهار كَيفَ وَهُوَ سميه فاشبهه اسْما ووصفاً وزادته

ص: 262

نِسْبَة إِلَى جوَار الْحرم الشريف شرفاً وَقد كنت نثرت فِيهِ قَدِيما مُشِيرا إِلَى هَذَا الِاسْم الشريف فَقلت ابْن حجر فِي الْبشر كالياقوت فِي الْحجر يشاركها فِي الِاسْم ويفارقها فِي الرَّسْم وللشيخ الْعَلامَة عبد الْعَزِيز بن عَليّ الزمزمي الْمَكِّيّ فِيهِ شعر

مِنْك المعارف فاضت عذبة وَلكم

عذباً زلالاً فاض من حجر

ولصاحبنا الْفَقِيه أَحْمد بن الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد أَبَا جَابر

قد قيل من أَصمّ تَفَجَّرَتْ

لِلْخلقِ بِالنَّصِّ الْجَلِيّ أَنهَار

وتفجرت يَا معشر الْعلمَاء من

حجر الْعُلُوم فبحرها زخار

أكْرم بِهِ قطباً محيطاً بالعلا

ورحآؤه حَقًا عَلَيْهِ تدار

وفيهَا توفّي السُّلْطَان الْأَعْظَم سُلَيْمَان بن سليم سُلْطَان العثمانيين وَكَانَ عادلاً فَاضلا وللأديب ماميه الانقشاري فِي تَارِيخ وَفَاته شعر

انْتقل الْعَادِل من دنيته

جاور الرَّحْمَن وَالْمولى الرَّحِيم

قَالَت الأقطاب فِي تَارِيخه

مَاتَ سُلَيْمَان بن سُلْطَان سليم

ولهفيه مراثية أَجَاد فِيهَا كل الإجادة مِنْهَا هَذِه الأبيات

لقد بجدد الْبَيْت الْعَتِيق حداده

وَقد وشحت طراز السود المحامد

كَأَن بني الْعَبَّاس سنت سوادها

عَلَيْهِ وبالأعلام قاست دَلَائِل

وَكَانَ عماد الدّين فِي كل حَادث

وسلطانه بالنصر للشَّرْع حافل

وَمَا كَانَ علمي قبل فقد سما الْعلَا

بِأَن الثرى للنيرين منَازِل

على عد علمي حم حمى ملكه حمى

وَعَن قَوْله كم قَالَ روا ناقل

وجثته فِي الأَرْض أضحت دفينة

وَمن شَأْنهَا تحوي اكنوز الجنادل

بِسبع أقاليم بَكَى النَّاس وَاحِدًا

على السَّبع يطوي فِي الوغى وَهُوَ حاثل

فَصَبر وعفو الْعين سَار وسارح

ودمعي على الْخَدين هام وهامل

فكم حَيّ قلب وَقد تقلب فِي الغضا

عَلَيْهِ وَكم عقل غَدا وَهُوَ ذاهل

وَكم انفق الْأَمْوَال فِي الْغَزْو قَائِلا

إِلَّا فِي سَبِيل الله مَا أَنا فَاعل

شياطين أهل الْكفْر ولت لِأَنَّهَا

سُلَيْمَان وافا وَهُوَ للشرك خاذل

غزاهم بعزم كالشاب وَقد سما

وَمن حوله عد النُّجُوم حجافل

أسود لَهَا لهف الدروع مَوَاطِن

وغاياتها سمر القنا والعوامل

ص: 263

وَهِي طَوِيلَة أَولهَا

لعمرك مَا الْأَعْمَار إِلَّا مراحل

وفيهَا مُرُور الحادثات مناهل

ولحسنها ذكرت مِنْهَا هَذِه الأبيات وفيهَا اشارة إِلَى بعض مآثره رحمه الله وَلَوْلَا خشيَة التَّطْوِيل لأتيت بهَا جميعنا فَإِن قاعدتنا فِي هَذَا التَّارِيخ الْبسط فِي تَرْجَمَة الْعلمَاء والصلحاء دون غَيرهم من السلاطين وَنَحْوهم وَحكي أَنه لما مَاتَ السُّلْطَان سليم وَتَوَلَّى وَلَده سُلَيْمَان سمع قَائِلا يَقُول

قل لشياطين الْبُغَاة اخسأوا

قد اوتي الْملك سُلَيْمَان

ولمكامية الانقشاري أَيْضا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ

لَو يقاسي قيس مَا قاسيته

لشكى للنَّاس ضرّ الضرتين

ذَاك مَجْنُون بليلى وَحدهَا

وانا الْمَجْنُون بَين الليلتين

قَالَ بعض الْفُضَلَاء وَقد وقف عَلَيْهِمَا عجب من رومي هَذِه الفصاحة قلت وَمثله ان الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله لما سمع هذَيْن الْبَيْتَيْنِ

إِذا مَا رَآنِي العاذلون وغردت

حمائم دوح أيقظتها النسائم

يَقُولُونَ مَجْنُون جفته سلاسل

وممسوس خي فارقته التمائم

وهما لتاج الطرفي الاصفهاني تعجب من ذَلِك وَقَالَ مَا ظَنَنْت ان أحدا من الْعَجم يصل كَلَامه إِلَى هَذَا الْحَد وَبعث إِلَيْهِ بخلعة وَكَانَ الشَّاعِر ماميه الأنقشاري الْمَذْكُور حج فِي سنة خمس وسين وَتِسْعمِائَة وَحصل لَهُ قبُول عَظِيم وطارح ادبآء مَكَّة بأشعارعه

قَالَ الشَّيْخ عبد الرؤوف بن يحيى الْوَاعِظ تلميذ الشَّيْخ ابْن حجر الهيثمي فِي وَصفه انه مِمَّن توَحد فِي عصره بصناعة الشّعْر وبرع فِي الصناعتين فِي الْغَزل والنسيب وَكَاد ان يكون ثَانِي الحاجري فِي الرقة والتشبيب وَمن شعره أَيْضا فِي القهوة وَهُوَ تَشْبِيه حسن

طَاف يسْعَى بقهوة مقَام

شمس حسن سما بصبح الْمحيا

كأسها الْبَدْر والحباب نُجُوم

وَهِي ليل تجلى بكف الثريا

ص: 264

وَمِنْه

قد شربنا قهوة بنية

وَلها شربنا غَدا بالنيه

لَوْنهَا قد حكى أذايب مسك

أَو زباد وسط الزباد الجلية

وَمِنْه

أتتتنا قهوة من قشر بن

تعين على الْعِبَادَة للعباد

حكت فِي كف أهل اللطف صرفا

زباداً ذائباً وسط الزباد

وَمِنْه أَيْضا على لسانها

أَنا المعشوقة السمرا

اجلى فِي الفناجين

وعود الْهِنْد لي عطر

وذكري شاع فِي الصين

وَمِنْه أَيْضا

مَا زلت أبْكِي حيرة الأجرع

حَتَّى اسْتَغَاثَ الْغَيْث من ادمعي

وددت من توديع أهل اللوى يَوْم النَّوَى لَو أَن قلبِي معي

يابين مَا شِئْت امتحنن إِنِّي

لَوْلَا فِرَاق الْجزع لم أجزع

قد مستني ذكر عبير الْحمى

حَتَّى قد مس معي مسمعي

وَانْقطع الصَّبْر وَضاع القوى

لكنما مد معي مدمعي

يَا حادي الْبَين ترآى الْحمى

فلعلع الْأَصْوَات فِي لعلعي

لم أدر هَل صبح بدا بالسنا

أم أسفرت ليلى عَن البرقع

وَمِنْه

سبا الْعُقُول بصاد جلّ فاطره

وصاد قلب الْمَعْنى وَهُوَ فاطره

غزال ربرب يغزل الجفن غازلنا

وَقد غزاني ببيض السود ناظره

فريد وصف تثنى قده هيفاً

وماس تيهاً على الأغصان ناضره

إِن صال بأعينه أَسد فرائسه

أَو مَال مايسه فالقلب طَائِره

نَبِي حسن بَدَت أنوار طلعته

تهدي الَّذِي قد اضلته غدائره

مَا مثله بشر فِي ثغره دُرَر

فِي طرفه حور هاروت ساحره

لم انس حِين وفا وَالْوَقْت فِيهِ صفا

والصب بعد جَفا قد سر خاطره

والهم منفرج وَالْقلب منبلج

وَالرَّوْض مبتهج تزهو أزاهره

ص: 265

وَبَات ينشدني والكأس سفي يَده

بِذكر صبوحك أهنا الْعَيْش باكره

وَمِنْه

كل الْوُجُود تجليات جماله

لَكِن بدا متحجبا بحلاله

نورولا شَيْء سواهُ وَإِنَّهُم

ظنُّوا السوى لتشكلات خياله

لاتشهدن النَّقْص لَو فِي نقصا إِنَّمَا

مرآته تجلى عَلَيْهِ بِحَالهِ

فاطلب وَلَو أفنيت عمرك طَالبا

فعساك أَن تحظى بكنز وصاله

وَمِنْه

زمن الْورْد روح جسم الزَّمَان

وحياة النُّفُوس نبت الرُّمَّان

فدعاني واودعاني بِحسان

والقياني بَين القنان القيان

كل حوراء تفتن الْحور حسنا

وجمالا وزتزهو على الْولدَان

بدر ثمَّ يُدِير بَين النُّجُوم

فِي هِلَال الكؤوس شمس الدنان

فِي رياض أرضي الْغَمَام ثراها

فتراها قد زخرفت كالجنان

سِيمَا وَالربيع حَيا فأحيا

ميت الأَرْض بالحيا الفتان

وَبدر السَّحَاب منثور در

نظمته مباسم الاقحوان

وتغنت بلابل الدوح لما

ان تجلت عرائس الاغصان

فتباهت وَشقت الارض شقاً

وجلا الْغُصْن وردة كالدهان

مَا أحيلى الصبوح بَين صباح

فِي صباح أَتَى ببشر التهاني

فِي رياض تجنت فَلهَذَا

سلسلتها سلاسل الغدوان

فاغتنم فرْصَة الزَّمَان وبادر

قبل ان تَدور نَوَائِب الْحدثَان

ولعمري مَا الْعُمر إِلَّا زمَان

قد مضى بالمنا وغر الاماني

وَمِنْه مورياً بالنغمات

ركب الحجان صَعِيد عراقها

فأثار نَار الشوق من عشاقها

لما سرى لَيْلًا بسلمى قَاصِدا

اهداه نَار ضاء من اشراقها

شمس إِذا رفعت سَحَاب ردائها

ابدت لنا القمرين من أطواقها

عجبا لعَيْنِي كَيفَ أغرقها البكا

وجوانحي تَشْكُو لظى حراقها

مَا علم الْقمرِي ينوح بشجوه

إِلَّا جريح ان من اشواقها

ص: 266

وَمِنْه هَذَا التخميس

حَبِيبِي زار فِي روض نزيه

وجاد بِرُؤْيَة الْوَجْه الْوَجِيه

وَحين سكرت بالأشجان فِيهِ

سقاني خمرة من ريق فِيهِ

وَحيا بالعذار وَمَا يَلِيهِ

وانعم لي بوصال بعد صد

وأقربني إِلَيْهِ بعد بعدِي

وَبت وحيدة من فَوق زندي

وسارت معانقي خداً بخد

غزال فِي الْأَنَام بِلَا شَبيه

وَأمسى الدَّهْر طَوْعًا فِي يدينا

وَعين السعد ناظرة إِلَيْنَا

وباتت شمسنا تجلى لدينا

وَبَات الْبَدْر مطلعاً علينا

سلوه لَا ينم على أَخِيه

وَمِنْه هَذَا التخميس على الْبَيْتَيْنِ الْمَشْهُورين

أَلا طاعات نَفسك فاجتنبها

وساعات الْأَمَانِي فارتقبها

وزردة منحة إِن تحتلبها

إِذْ 1 ادرت نياقك فاحتلبها

فَمَا تَدْرِي الفصيل لمن يكون

تحذر من أمورك واحتكمها

وَمن دنياك فَانْقَطع واتهمها

وسفن الصَّبْر فارك واستلمها

فان هبت رياحك فاغتنمها

فان لكل خافقة سُكُون

وَمِنْه هَذَا التخميس أَيْضا

يَا من يروم من الْإِنْسَان رفقته

ويرتجي من أهيل الود صحبته

قد قَالَ قبلك من عانى عشيرته

مَا فِي زَمَانك تصفو مودته

وَلَا صديق إِذا خَان الزَّمَان وفا

ص: 267

فَلَا تعاشر فَتى يرميك فِي نكد

وان رآك بِخَير مَاتَ من كمد

فَلَا خلا جَسَد فِي الدَّهْر من حسد

فعش وحيداً وَلَا تركن إِلَى أحد

اني نَصَحْتُك فِيمَا قلته وكفا

وفيهَا فِي رَجَب ختم صَحِيح البُخَارِيّ عِنْد الْأَمِير الصَّالح الفخان الحبشي بِقِرَاءَة الْعَلامَة القَاضِي جمال الدّين محجمد المهايمي وَعمل الفخان لختمه ضِيَافَة عَظِيمَة وَأَنْشَأَ القَاضِي المهايمي فِي فضل البُخَارِيّ خطْبَة وَذكر فِي آخرهَا الفخان قَرَأَهَا ذَلِك الْيَوْم على رُؤُوس الاشهاد

وفيهَا سَافر وَالِدي من بروج إِلَى أحمج اباد وَقَامَ بهَا إِلَى ان توفّي وَكَانَ يَوْم دُخُوله إِلَيْهَا يَوْمًا مشهوداً وَخرج لاستقباله مِنْهَا من كَانَ بهَا من الوزراء

وفيهَا صنع الاستاذ شيخ الاسلام جمال الدّين مُحَمَّد بن الاستاذ شيخ الْإِسْلَام أبي الْحسن الْبكْرِيّ ضِيَافَة عَظِيمَة لتطهير اولاده الْكِرَام وَاتفقَ فِي ذَلِك الْوَقْت اتمام دَار عمرها الاستاذ أَيْضا فانشأ الأديب البارع ابراهيم بن امبلط الْمصْرِيّ فِي ذَلِك قصيدة بديعة فِي بَابهَا فائقة بَين أترابها مُشْتَمِلَة على الْمعَانِي الغريبة ومكا وَقع فِي ذَلِك من الْأُمُور العجيبة مَعَ رقة الانسجام والجناس التَّام

وَافق السعد فِي حماك السرورا

وأمان الزَّمَان أرْخى الستورا

فتمتع ونم وقم فِي قُصُور

لم يصل وَاحِد إليهاقصورا

ان رَآهَا الحسود يَوْمًا بِعَين

يَنْقَلِب طرفه إِلَيْهِ خسيرا

ان رب السَّمَاء اعطاك فِيهَا

فَرحا عاطفا عَلَيْهِ سُرُورًا

ودحى عَنْك حادثات اللَّيَالِي

وَبنى بَينهَا وَبَيْنك سورا

لَا تخف ان سَمِعت طَارق ليل

فَهُوَ بِالْخَيرِ قد اتاك بشيرا

مَا لهَذَا الْبَنَّا فِي الْحسن واللطف

وان كَانَ وَاسِعًا وكبيراً

أسسوه على التقى فَلهَذَا

هُوَ بِالْخَيرِ لم يزل معموراً

شكر الله سعي من قد بناه

انه كَانَ سَعْيه مشكورا

ستوفى لَك الأجور بِمَا

وفيت للصانعين فِيهِ الأجورا

ص: 268

.. فبإتمتامه اقم فِي هناءٍ

وبختن الْبَنِينَ عش مَسْرُورا

قطعت سرة لَهُم قبل هَذَا

لَكِن الْآن طهروا تَطْهِيرا

وَسَيَأْتِي زواجهم عَن قريب

فتأهب لَهُ واعط المهور ا

صَاحِبي أحضرا وَلِيمَة ختن

ودعا عنكما محالا وسرورا

وانظرا مجمعا لَهُم ضم خلقا

لَيْسَ يُحْصى أعدادهم تكثيراً

عَالما صَالحا أَمِيرا كَبِيرا

قَاضِيا ساهداً غَنِيا فَقِيرا

فَيَقُول الْفَقِيه عني استنيبوا

فِي جهاتي وعطلوها شهورا

فجهاتي مَشْغُولَة عَن جهاتي

ولي الْعذر إِن تركت الحضورا

والاصولي قَائِل بِي اضطرار

وتبيح الضَّرُورَة المحضورا

وَيَقُول الْخَطِيب للنَّاس جَهرا

يَا أولي الْجد شمبروا تشميرا

وَيَقُول القَاضِي وللأكل يُوفي

كَانَ ذَلِك فِي الْكتاب مسطورا

قد دَعَاني ولي أَمْرِي

وَعِنْدِي يسْتَحق الْمُخَالف التعزيرا

وَتقول الشُّهُود جِئْنَا نُؤَدِّي

مَا علينا ونترك التاخيرا

وَتقول الْقُرَّاء عنوان خير

نَحن فِي رزقنا نرى التيسيرا

وَيَقُول الْمجِيد علم لُغَات

بل لجرعان تعرفُون نظيرا

والعروضي لَا يقطع إِلَّا فِي

لُحُوم وَلم يقطع بحورا

وأخو النَّحْو قد أَعْلَاهُ اخْتِلَاط

فَهُوَ يُبْدِي ضَمِيره المستورا

ويجر المصوب من غير سوغ

ثمَّ من بعد يرفع المجرورا

جملَة الْأَمر انهم ابصروا مَا

حير الْعقل مِنْهُم تحييرا

رق قلبِي على رغيف سيواط

حِين أَبْصرت قلبه مكسورا

وقباب الْحَلْوَى الَّتِي عرضوها

عَن جموع السَّلامَة التكسيرا

والعزيزي من إياد طوال

خَافَ فازداد لَونه تصفيرا

وَلكم فِي السماط رَأس سميط

وسليخ قد اسْتَوَت تخميرا

ودجاج معلوفة وأوز

كَانَ مِنْهَا الصُّدُور تشفي الصدورا

جمع الطَّيِّبَات طولا وعرضاً

ولعمري يسْتَوْجب التصديرا

شبع النَّاس كلهم مِنْهُ أكلا

وانتهابا وَلم يزل مَسْتُورا

وَالَّذين اعتنوا بِنَقْل قراهم

ينقلون الصَّحِيح والمشهورا

رَضِي الله فِيهِ من نقباء

قد أجادوا التصريف والتدبيرا

ص: 269

.. فَإِذا أبصروا بأيدي نابصيه

لم يظهروا تَأْثِيرا

وَإِذا قَالَ قَائِل لنقيب

مَا تراهم يَقُول كن ستيرا

وَإِن هَذَا رزق حَلَال

مُبَاح وَرَأى مَنعه لَهُم مَحْظُورًا

كم أُلُوف من فضَّة وَكَذَا من

ذهب قدرت لَهُ تَقْديرا

لم يكن دِرْهَم ولادينار

مستعداً لَهُم وَلَا مصرورا

بل من الله قد أَتَت وبحمد

انفقت فِي الهنا وعادت أجورا

وَلكم أوقدت مصابيح نور

فِيهِ حَتَّى بدا الصَّباح منيرا

تشبه النَّجْم كَثْرَة وارتفاعاً

وضياء على الْأَنَام ونورا

فِي لَيَال بدابها قمر الْأُفق

منبرا فزادها تنويرا

وشموع كَأَنَّهَا الفات فِي

طروس الظلام خطت سطورا

كلما مس نوره الرّيح أَمْسَى

كلسان بَين الشفاه أديرا

والحرقات فِي المراكب ترمي

شرراً من قراضة مُسْتَطِيرا

صَنْعَة الكيميا فِي الرّفْع والخفض

ترينا التصعيد والتقطيرا

كمروق السِّهَام دفعا ورفعاً

وبروق السَّمَاء لاحت ظهورا

أَو كَمَا فر طَائِر فر حَسْبَمَا

فعلا شاهقاً وَجَاوَزَ سورا

أَو كحلي فِي رَأسه شربوس

قد تبدا مقرعاً منشورا

أَو كَمَا قرطت سلاسل در

وبدا حب عقدهَا منثورا

أَو كَمَا تبذر الْحُبُوب لزرع

أَو كَمَا تنفخ الشفاة القشورا

أَو كخشخاشة بكف صَغِير

لم يجد أكلهَا فصب البزورا

أَو كَمَا تنثر النُّقُود نقوطاً

أَو كَمَا تخرجد الرياض زهورا

وَلكم فصلت ثِيَاب حَرِير

وَغدا فِي اختلافها الْأَمر شورا

وَلكم اطلقت صنوف بخور

وشممنا نشراً لَهَا وعبيرا

وَلكم سكر نقي مذاب فِي

الْأَوَانِي مكوراً تكريرا

وَترى النَّقْل والفواكه والحلوى

لجمع الورى أعدت فطورا

وَلكم قد أدير القهوة بن

وسقينا مِنْهَا شرابًا طهُورا

من تعاطى مِنْهَا شهاراً جهاراً

لَا يرى فِي الورى عَلَيْهِ نكيرا

وخيام مَنْصُوبَة لَا يرى من

حل فِيهَا شمساً وَلَا زمهريرا

ص: 270

.. وَتَوَلَّى فِينَا ملك جَدِيد

دَامَ فِينَا مؤيداً منصورا

وَله بالحلى زينت الدُّنْيَا

واثرت ملابساً وستورا

إِن أردْت اللحاظ تلق حَرِيرًا

أَو أردْت الْجُلُوس تلق سريرا

واكتسى الرَّوْض من بَدَائِع صنعا

موشى محبرا تحبيرا

واكتست خضبة من الْخلْع الْخضر

الَّتِي فَضلهَا غَدا مجرورا

وأجادت رقصاً باكمام زهر

عطر الْكَوْن نشرها تعطيرا

وفصاح الطُّيُور غنت بلحن

وَأجَاب المطوق الشحرورا

ولجمع الأتراك يَوْم عَظِيم

كَانَ يحوي الْأَمِير والمأمورا

والأغاوات والصناجق إِلَّا صَاحب

السعد مَا اسْتَطَاعَ الحضورا

ودعا السَّادة الْبَنِينَ وَأَعْطَاهُمْ

من المَال مبلغا مصرورا

وكساهم ملابس فاخرات

صيرت خاطراً لَهُم مجبورا

بعد اجلالهم بِحسن تلقيه

واحلا لَهُم محلا اثيرا

ثمَّ قَاضِي الْقُضَاة جَاءَ و

ابْتَاعَ لَهُ كَانَ جمعهم موفورا

والأمير الْمُعظم دفتر دَار مصر يُعْطي الْوُقُوف الكثيرا

وَيَقُول انْظُرُوا لعبد ولاكم

خدمَة فالأمير لَيْسَ أَمِيرا

أدباً مِنْهُ واحتشاماً ولطفاً

زَاده فِي مقَامه تَكْبِيرا

ومماليك صَاحب السعد جَاءُوا

جلّ من قد براهم تصويرا

نَحْو سبعين وَثَمَانِينَ شخصا

كل شخص يَحْكِي الْقَضِيب النضيرا

بالحياصات والعصائب صيغت

من نضار صفا وأشرق نورا

والمزامير والطبول بأيدي

من يجيد التطبيل والتزميرا

فغدا يَوْم جمعهنم وَهُوَ يَحْكِي

بهم يَوْم موكب مَشْهُورا

ثمَّ كَانَت لَهُم نَهَارا وليلاً

زفف تجمع الموَالِي الصدورا

من أولى الْخَيْر وَالصَّلَاح وَأهل

الْعلم زيدوا على الورى توفيرا

وَمن السَّادة الموقعين وَأَصْحَاب

الدَّوَاوِين كَانَ جماً غفيرا

وَجَمِيع الْكتاب إِلَّا قَلِيلا

وَجَمِيع التُّجَّار إِلَّا يَسِيرا

ثمك بَاقِي الْأَنَام إِلَّا كَبِيرا

أَو رَضِيع ثدي صَغِيرا

قلت لَوْلَا جمَالهمْ بِثِيَاب

لحكى الْبَعْث جمعهم والنشورا

وتصور الشموع والزهر فاقت

كثرا واستوق بهَا تَقْديرا

ص: 271

وزهت باخْتلَاف شكل

ولون زَادهَا فِي جمَالهَا تزهيرا

ثمَّ فِيهَا الجنائب الغر تزهو

بلبوس قد شهرت تشهيرا

من خُيُول مسومات جِيَاد

عاليات وغاليات مهورا

وَلمن زف مَعَ بنيه صغَارًا

وكطساهم من اللبَاس حَرِيرًا

وَتَوَلَّى أجر الْحساب لَهُم عَن

والديهم يَبْغِي بِذَاكَ الأجورا

ثمَّ فِي سَابِع الْخِتَان لَهُم

كَانَ مُهِمّ ضاهى المهم الكبيرا

فِي اجْتِمَاع وَفِي مصابيح نور

عمرت حِين أشبعت تعميرا

وسماط مركب طَبَقَات

كم حوى طيبا وَحَازَ حنورا

فِيهِ لَا يعبر اوصف عَنهُ

فَلِذَا أطبقوا عَلَيْهِ حبورا

قاسه كل ذِي ذِرَاع طَوِيل

فَرَآهُ محرراً تحريرا

أمنُوا عِنْده رقيبا نَقِيبًا

وحسود الْأكل وغيورا

والمشاهير بِالدُّخُولِ من القرا

والواعظين كَانُوا حضورا

يقرأون الْقُرْآن طوراً وطورا

ينشدون الموشح المشهورا

فظفرنا مَعَهم باحياء ليل

كَانَ بِالْخَيرِ كُله معمورا

كَانَ هَذَا المهم حاوي مهمات

عِظَام يحْتَاج شرحا كَبِيرا

نَحْو شهر يقالم فِي كل يَوْم

فَرح كَامِل عديم نظيرا

مَعَ غلاء الأقوات سعراً

وَإِذ لَا يقْضِي حكم حَاكم تسعيرا

يَا لتِلْك الليال حسنا وطيباً

ليتها مَا انْقَضتْ ودامت شهورا

تمّ فِيهَا السرُور من كل وَجه

ومحى صفو عيشها التكديرا

وبلغنا من الزَّمَان الْأَمَانِي

وَأمنا الْمخوف والمحذورا

لسرور الْأُسْتَاذ من سخر الله

لَهُ الْكَوْن كُله تسخيرا

وأفاض الآله مِنْهُ علينا

نعما جمة وفضلاً كَبِيرا

وكراماته غَدَتْ بَيِّنَات

لَيْسَ تخفى على الْأَنَام ظهورا

من أَبُو بكر الإِمَام لَهُ جد

وَقد كَانَ للنَّبِي نَصِيرًا

ورفيقا وَصَاحب وأنيساً

من عَدو فِي الْغَار يَأْتِي مغيرا

حَاز إِسْنَاده علو ورفعاً

دَرَجَات على الْأَنَام وفورا

أَخذ الْعلم عَن أَبِيه عَن الصّديق

عَن سيد اورى مأثورا

لَا تَجف عين علمه عين ضد

فَهِيَ عين قد فجرت تفجيرا

ص: 272

.. سَيِّدي هَذِه هَدِيَّة عبد

من فريض قد غاص فِيهِ البخورا

لَو رَأَتْ درة النفيس الغواني

نظمته وقلدته النحورا

فِيهِ لب حُلْو المذاق وقشر

فَخذ اللب مِنْهُ وارم القشورا

مزج الْجد مِنْهُ بِالْهَزْلِ كَيْمَا

بانتقالاته يرى مجبورا

عذره فِي تأخيرره رمد فِي

عَيْنَيْهِ لم يزل مَعْذُورًا

وشعاري التَّأْخِير دأباً وَمعنى لم أزل فِي الورى بِهِ مغيورا

وَعَسَى أَن يحصل بِي نظر مِنْك

فَيلقى التَّقْدِيم والتأخيرا

دمت فِي الْعَالمين عمرا طَويلا

كل عَام تنشي مهما كَبِيرا

وَبقيت الزَّمَان مُجْتَمع الشمل

بأولادك الْجَمِيع قريرا

بالوالي أبي السرُور وتاج الدّين

والعارفين عاشوا دهورا

ثمَّ عبد الرَّحِيم أَيْضا وزين

العابدين الَّذِي اسْتحق الظهورا

وأخيهم أبي الْمَوَاهِب ثمَّ الأ

عملا صَالحا وعلماً غزيرا

قد حَضَرنَا ولائماً لَيْسَ تحصى

وَشَهِدْنَا جمع الْأَنَام الكثيرا

مَا رَأينَا وَلَا سمعنَا بِشَيْء

مثل هَذَا واسأل بِذَاكَ خَبِيرا

وَلَقَد قيل أرخوه فَقُلْنَا

فَرح مبهج الْقُلُوب سُرُورًا

وَصَلَاة من رَبنَا وَسَلام

لنَبِيّ إِلَى الْأَنَام بشيرا

مَا أُقِيمَت فِي شرع طه بمُوسَى

سنة للخليل يهدي السرورا

سنة خمس وَسبعين بعد التسْعمائَة (975) هـ

وَفِي لَيْلَة الْأَحَد بعد صَلَاة الْمغرب حادي عشر رَجَب الْفَرد الْحَرَام سنة خمس وَسبعين توفّي شيخ الْإِسْلَام مفتي الْأَنَام علم الْأَئِمَّة الْأَعْلَام مُحَرر الْمَذْهَب وطراز الْمَذْهَب أستاذ الْمُحَقِّقين سراج الظلمَة نَاصِر السّنة المحمدية بالحجيج السّنيَّة والبراهين المضيئة أَبُو الضياء عبد الرَّحْمَن ابْن عبد الْكَرِيم بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن زِيَاد الغيثي المقصري نِسْبَة إِلَى المقاصرة بطن من بطُون عك بن عدنان الزبيدِيّ بَلَدا ومولدا ومنشأ الشَّافِعِي مذهبا الْأَشْعَرِيّ مُعْتَقدًا الْحكمِي خرقَة اليافعي تصوفاً وَفِي ذَلِك يَقُول رحمه الله

أَنا شَافِعِيّ فِي الْفُرُوع ويافعي

فِي التصوف أشعري المعتقد

ص: 273

.. وبذا أدين الله القاه بِهِ

أَرْجُو بِهِ الرضْوَان فِي الدُّنْيَا وغد

وَصلى عَلَيْهِ وَلَده مفتي الْمُسلمين مُفِيد الطالبين الشَّيْخ الإِمَام عبد السَّلَام بعد صَلَاة الصُّبْح بالجامع المظفري بزبيد ثمَّ حمل على رُؤُوس الجم الْغَفِير وانسكب عَلَيْهِ الدمع الغزير وَدفن إِلَى جنب وَالِده بمقبرة بَاب القرتب من مَدِينَة زبيد وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم لم تَرَ الْأَعْين مثله رحمه الله وَرَضي عَنهُ آمين آمين وَخَلفه بعده على الافتآء والتدريس وَلَده الْمَذْكُور وَقدمه فِي ذَلِك الْجُمْهُور وَأفْتى ودرس إِلَى أَن ناخ بِبَاب مَوْلَاهُ وعرس

كَانَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور شَافِعِيّ الزَّمَان انْتَشَر ذكر فَضله فِي الْآفَاق قصدته الفتاوي من شاسع لبلاد وَضربت إِلَيْهِ آباط الْإِبِل من كَا نَاد للأخذ عَنهُ والاقتباس مِنْهُ ولد رحمه الله فِي شهر رَجَب الْحَرَام سنة تِسْعمائَة رَأس الْقرن حفظ الْقُرْآن عَن ظهر الْغَيْب على وَالِده ثمَّ الْإِرْشَاد فِي الْفِقْه والعلامة مُحَمَّد وأخيه أَحْمد ابْني مُوسَى الصنجاعي وَشَيخ الْإِسْلَام أَحْمد المزجد وتلميذه شيخ الْإِسْلَام أبي الْعَبَّاس أَحْمد ابْن الطّيب الطبنداوي وَبِه تخرج وانتفع واذن لَهُ فِي التدريس والإفتاء فدرس وافتى فِي حَيَاته وَصحح لَهُ اجوبته واخذ فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالسير على الإِمَام الْحَافِظ الضَّابِط وجيه الدّين بن الديبع وعَلى الْفَقِيه مُوسَى بن عبد اللَّطِيف المشرع وَأخذ فِي الْفَرَائِض على الشَّيْخ الْعَلامَة فَرد زَمَانه وَشَيخ شُيُوخ أَوَانه الصّديق الْغَرِيب الْحَنَفِيّ وَأخذ فِي الْأُصُول على الْفَقِيه الزَّاهِد الْعَارِف بِاللَّه المفتن جمال الدّين يحيى قتيب والعربية عَن الْفَقِيه الصَّالح الْفَاضِل المقرء مُحَمَّد مفضل اللحياني وجد واجتهد إِلَى أنرأى النَّفْع وَوجد وطالعالكتب مختصرها ومبسوطها حَتَّى صر عينا من أَعْيَان الزَّمَان يشار إِلَيْهِ بالبنان وتعقد عَلَيْهِ الخناصر وتلمذ لَهُ الأكابر

وَفِي سنة اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة حج إِلَى بَيت الله الْحَرَام وزار قبر النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَاجْتمعَ بفضلاء الْحَرَمَيْنِ ودرس فِي الْحَرَمَيْنِ بِمحضر م أَعْيَان البلدتين الشريفتين كمفتي الْحجاز شيخ الْإِسْلَام عبد الْعَزِيز الزمزمي وَأَمْثَاله وَكَانَ يَقُول شربت من زَمْزَم لثلاث لأرجع إِلَى بلدي وَاجْتمعَ بوالدي واشتغل بالافتاء وليرضى الله عني فَوجدت

ص: 274

خَصْلَتَيْنِ رجعت إِلَى بلدي وَاجْتمعت بوالدي وَعمر بعد ذَلِك زَمَانا طَويلا واشتغل بالإفتاء من سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة بعد وَفَاة شَيْخه أبي الْعَبَّاس الطبنداوي وَكَانَ يَقُول أَرْجُو ان ألْقى الثَّالِثَة وَمَا ذَلِك على الله بعزيز

وَلما مَاتَ شَيْخه الْمَذْكُور تصدر للتدريس والإفتاء اسْتِقْلَالا وصنف ودرس الْفِقْه بالجامع الْكَبِير بزبيد بمدرسة الوهابية والأشرفية والوثاقية من مدارس زبيد وَله تدريس الحَدِيث بِجَامِع الباشا مصطفى النشار بزبيد أَيْضا وَكَانَ من الْفقر على جَانب عَظِيم بِحَيْثُ لَا يملك إِلَّا شَيْئا يَسِيرا من الْكتب وَكَانَ غَالب أوقاته كَمَا كَانَ يخبر عَن نَفسه انه يصبح وَلَيْسَ عِنْده قوت يَوْمه وَهُوَ مَعَ ذَلِك لَا يتْرك التدريس وَيسْعَى بعد تَمام الدَّرْس فِي تَحْصِيل قوت يَوْمه وَأخْبر رضي الله عنه أنارأته وضعت لَيْلَة وَلم يكن عِنْده مِمَّا يعْمل لذات النّفاس ولولدها حَتَّى عجز عَن الْمِصْبَاح فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَبَاتُوا كَذَلِك وَكَانَ تدريسه عَن تَحْقِيق ومباحثه فِي نِهَايَة التدقيق لَا يقْعد للتدريس حَتَّى يطالع الْكتب المبسوطة كالوسيط وَالْخَادِم والكوكب الْوَقَّاد وحاشية السمهودي وَالرَّوْضَة وَقد يقْعد أَيَّامًا يعْتَذر عَن التدريس لعدم المطالعة وطريقته انه يجمع الدرسة على درس وَاحِد من أول النَّهَار إِلَى مُضِيّ ربعه يذكر الدَّلِيل وَالْعلَّة وَمَا تفهمه الْعبارَة ومايرد ليه وَمن وَافق وَمن خَالف فِي المصنفات والفتاوي والنكت والحواشي وتحضر فِي التدريس الْكتب المبسوطة تورد عَلَيْهِ الطّلبَة الابحاث والاشكالات فَمَا رأى من صَوَاب قَرَّرَهُ وَمَا لَا فَلَا وَيطول الْمجْلس بالمشاطرة بَين تلامذته فِي الابحاث عَن الْقَوَاعِد وعبارات الْأَصْحَاب وَرُبمَا كَانَ يجلس من أَوله إِلَى آخِره على مَسْأَلَة وَاحِدَة وَرُبمَا قَامَ الشَّيْخ من مَجْلِسه وأشكال الْمَسْأَلَة مَا ارْتَفع فيحله فِي مجْلِس آخر لِأَنَّهُ كَانَ وقافا عِنْد الاشكالات وَرُبمَا تمر ايام فِي تَحْقِيق مَسْأَلَة وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة تدريس الْمَذْهَب لَا كتاب لِأَنَّهُ كَانَ يَقُول رحمه الله أَنا ادرس الْمَذْهَب لَا كتاب

وَكَانَ تدريسه فِي الْأُسْبُوع السبت والأحد وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَله درس فِي الحَدِيث بمنزله بعد صَلَاة الْعَصْر جَمِيع الْأُسْبُوع لم يتْرك غير عصر الْجُمُعَة وَختم عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْمجْلس كتب عديدة من التفاسير والْحَدِيث

ص: 275

وَالسير وَغير ذَلِك وَفِي شهر رَجَب وَشَعْبَان ورمضان يقْرَأ عَلَيْهِ صَحِيح البُخَارِيّ بالجامع المظفري بزبيد بِحَضْرَة الجم الْغَفِير من الْعلمَاء والطلبة وَغَيرهم بِأَيْدِيهِم النّسخ العديدة نَحْو الْأَرْبَعين نُسْخَة وَبَين يَدَيْهِ هُوَ فتح الْبَارِي وَقد اخبر رضي الله عنه انه رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْعينِ الشحمية والسكينة وَالرَّحْمَة مَا لم ير فِي مجْلِس غَيره وَيكون ختم هَذَا الدَّرْس صبح الْيَوْم التَّاسِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان ويحضر الْخَتْم جمع عَظِيم من الْخَاص وَالْعَام وأمير الْبَلَد وقضاة الشَّرْع وأجناس مُخْتَلفَة من بوادي زبيد وَيكون جمعا حفيلاً مشهود الْخَيْر وَالْبركَة وينشد فِيهِ القصائد المبتكرة وَتظهر بركَة الْمجْلس على من حضر وَكَانَ يبتدي مجْلِس الدَّرْس بِالْفَاتِحَةِ وَآيَة الْكُرْسِيّ وَيس وتارك وَالْإِخْلَاص والمعوذتين وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالدُّعَاء وَقصد للْفَتْوَى المشكلة من الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَأَرْض الْهِنْد والحبشة وحضرموت وَقد يقْصد لَهَا من الْبَلَد الَّتِي هِيَ زبيد فَلَا يعجل بالكتب عَلَيْهَا ويمهل فِيهَا مُدَّة كلَاما أَو على نظيرها يَطْلُبهُ وَلَا يكْتب عَلَيْهَا حَتَّى يقف عَلَيْهِ ويبحث فِيهَا مَعَ أَصْحَابه وَغَيرهم من أهل الْمَذْهَب وَيَأْمُرهُمْ بالتفتيش وَالِاجْتِهَاد وَيَأْخُذ مَا عِنْد كل وَاحِد وينازله على فهمه ويبحث مَعَه فَيرد مَا يرد وَيقبل مَا يقبل ويدأب فِي ذَلِك ويدأب الطّلبَة وَإِذا كَانَت الْمَسْأَلَة مشكلة جدا أَو مهمة جمع عَلَيْهَا كَلَام الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وَكتب عَلَيْهَا مؤلفاً وَكلما ذَكرْنَاهُ عَنهُ من هَذَا الِاجْتِهَاد والتوقف والمهل والفحص والبحث والمناظرة والمنازلة وَالْقَبُول وَالرَّدّ من الْوَرع وَالِاحْتِيَاط فِي الدّين وَحصل بَينه وَبَين جمَاعَة من أهل عصره مخالفات ومشاحنات فِي مسَائِل ولشيخ الْإِسْلَام ابْن حجر الهيتمي مفتي مَكَّة وَغَيره وكل مِنْهُم ألف وَبرهن على مَا يَقُول وَهُوَ يؤلف وَيرد عَلَيْهِم فِي مؤلفاته وفتاواه ينْقل عبابات الْأَصْحَاب برمتها وألفاظها ويعيب على من يحذف مِنْهَا أَو يلخصها حَتَّى بلغت مؤلفاته فِي ذَلِك نيفاً وَثَلَاثِينَ مؤلفاً

وَفِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة نزل فِي عَيْنَيْهِ مَاء فَكف بَصَره فاحتسب وَرَضي وَقَالَ مرحبة بموهبة الله وجاءه قداح فَقَالَ لَهُ أنقشك ويصطلح

ص: 276

بَصرك وَقَالَ بعض أهل اثروة وَأَنا أنْفق عَلَيْك وعَلى عِيَالك مُدَّة ذَلِك فَامْتنعَ وَقَالَ شَيْء البسنيه الله بِهِ لَا أتسبب فِي ابطاله وَمَعَ ذَلِك لم يفقد شَيْئا من أَحْوَاله وَكَانَ على مادته فِي التصنيف والافتاء والتصنيف يَأْمر وَلَده بالفتش وَيُشِير إِلَى المظنات وَيقْرَأ عَلَيْهِ فيقرر الحكم وأستمر على تدريسه على عَادَته فِي الْجَامِع وَغَيره من الْمدَارِس الَّتِي ذَكرنَاهَا قبل وَإِذا ورد عَلَيْهِ سُؤال قرئَ عَلَيْهِ فيتأمله ثمَّ يَأْمر بفتش المظان وأسماعه إِيَّاهَا فَينزل السُّؤَال على ذَلِك ثمَّ يَأْمر بالكتب وَألف مؤلفاته وَهُوَ على حَالَة الْعَمى وَله فتاوي مؤسصسة على التَّحْقِيق

قَالَ تِلْمِيذه الْعَلامَة القَاضِي عمر بن عبد الْوَهَّاب النَّاشِرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قرأتها عَلَيْهِ جَمِيعهَا بِحَضْرَة الْجُمْلَة من مَشَايِخ الْعلم وَغَيرهَا من الطّلبَة وامرني ان اتتبع مَا شَذَّ مِنْهَا وَلم يدْخل فِي الْفَتَاوَى وقرأتها عَلَيْهِ وصححتها لَدَيْهِ قَالَ وَله مؤلفات قَرَأت عَلَيْهِ بَعْضهَا انْتهى

قلت اما مصنفاته فَتَحْرِير الْمقَال فِي حكم من خبر بِرُؤْيَة هِلَال شَوَّال وَحَاصِله وجوب الافطار على من اخبر بِرُؤْيَة شَوَّال إِذا اعْتقد صدق الْمخبر وَحصل بَينه وَبَين الْعَلامَة إِسْمَاعِيل الْعلوِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مُنَازعَة والف الْعلوِي كتابا فِي عدم الْجَوَاز لَكِن وَافق ابْن زِيَاد أهل الْيمن وَمَكَّة ومصر وَغَيرهم

وَمن مؤلفاته إِثْبَات سنة رفع الْيَدَيْنِ عِنْد الإحرامك وَالرُّكُوع والاعتدال وَالْقِيَام من الرَّكْعَتَيْنِ وَكتاب فتح المبي فِي أَحْكَام تبرع الْمَدِين والمقالة الناصة على صِحَة مَا فِي الْفَتْح والذيل وَالْخُلَاصَة وَهَذِه الثَّلَاثَة التآليف بِسَبَب مَا وَقع بَينه وَبَين ابْن حجر لم يُوَافق ابْن زِيَاد بل صنف كتابا آخر فِي عدم بطلَان تبرع الْمَدِين فَعِنْدَ ذَلِك رد عَلَيْهِ وجيه الدّين بِكُل من الثَّلَاثَة الْكتب وَله كتاب النخبة فِي الاخوة والصحبة وَكتاب فتح الْكَرِيم الْوَاحِد فِي انكار تَأْخِير الصَّلَاة على ائمة الْمَسَاجِد والادلة الْوَاضِحَة فِي الْجَهْر بالبسملة وانها من الْفَاتِحَة وَهُوَ كتاب حافل مُشْتَمل على مَنَاقِب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة والتقليد واحكام رخص الشَّرِيعَة وَذَلِكَ مِمَّا لَا غناء للفقيه عَن تَحْصِيله وَكتاب إِقَامَة الْبُرْهَان على كمية الترا وَيْح فِي رَمَضَان وكاب الرَّد على من

ص: 277

اوهم ان ترك الرَّمْي للْعُذْر يسْقط الدَّم وَكتاب تَجْدِيد الْأَئِمَّة الْإِسْلَام من تَغْيِير بِنَاء الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْجَوَاب الْمُحَرر فِي أَحْكَام الْمسْقط المحذر وبغية المشتاق فِي تَصْدِيق مدي الانفاق وكشف الْغُمَّة عَن حكم الْمَقْبُوض عَمَّا فِي الذِّمَّة وَكَون الْملك فِيهِ مَوْقُوفا عِنْد الْأَئِمَّة ومزيل العنا فِي أَحْكَام الْغِنَا والأجوبة المرضية عَن الأسئلة المكية وَالْجَوَاب المتين عَن السُّؤَال الْوَارِد من الْبَلَد الْأمين وَحل الْمَعْقُود فِي أحجكام الْمَفْقُود وَفصل الْخطاب فِي حكم الادعاء باتصال الثَّوَاب وإيضاح النُّصُوص المفصحة بِبُطْلَان تَزْوِيج الْوَلِيّ الْوَاقِع على غير الْحَظ والمصلحة وايراد النقول الذهبية عَن ذَوي التَّحْقِيق فِي أَنْت طَالِق على صِحَة الْبَرَاءَة عَن صقيع الْمُعَارضَة لَا التَّعْلِيق وإسعاف المستفتي عَن قَول الرجل لامْرَأَته أَنْت أُخْتِي وسمط اللآل فِي كتب الْأَعْمَال وافصاح الدّلَالَة فِي ان الْعَدَالَة الْمَانِعَة عَن الشَّهَادَة بِجَامِع الْعَدَالَة وكشف النقاب عَن أَحْكَام الْمِحْرَاب وَله رِسَالَة فِي القات والكفته والقهوة والبن وَجَمِيع المخدرات الْمُبَاحَة والمكروهة وَالْحرَام وَغير ذَلِك منالمؤلفات العديدة والفتاوي لالمفيدة

قَالَ الْعَلامَة مفتي الْعَصْر أَحْمد بن النَّاشِرِيّ أبقاه الله تَعَالَى قَالَ الْعَلامَة مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم جغمان مؤلفات ابْن زِيَاد أَكثر تَحْقِيقا من كتب ابْن حجر الهيتمي

وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا كَانَ إِلَّا نووي الزَّمَان وَوَاحِد هَذَا الشَّأْن ملازماً لبيته ومسجده لَا يخرج إِلَّا لصلاته وتدريس مُنْقَطِعًا عَن النَّاس محبوباً إِلَيْهِم تزدحم النَّاس على تَقْبِيل يَده بعد صَلَاة الْجُمُعَة والتمسح بِهِ والتماس بركته وتقصده الْعلمَاء والكبراء والامراء والوزراء والفقراء والأغنياء إِلَى منزلهللتبرك بِهِ وبدعائه وَكَانَ مسموع الْكَلِمَة لَا ترد شَفَاعَته وَكَانَ سريع الدمعة مجاب الدعْوَة حسن العقيدة فِي أهل الله الصُّوفِيَّة وصالحيهم اذا اجْتمع بِأحد مِنْهُم التمس منهادعاء والمؤاخاة ويعتقد بالمجاذيب إِلَى الله تَعَالَى ويذاكر أهل التصوف فِي كَلَام الْقَوْم فيستفيدون مِنْهُ ويعتقد بمحيي الدّين ابْن عَرَبِيّ ويثني عَلَيْهِ وعى كَلَامه وَيفتح عَلَيْهِ فِيهِ بذوق عَظِيم وَمَا جالسه أحد إِلَّا واستفاد مِنْهُ وَتعلم وتأدب واتعظ وَكَانَ شَدِيد التَّأْلِيف

ص: 278

بَين الطّلبَة يؤدبهم بِلِسَانِهِ وحاله ويزهدهم فِي الدِّينَا وَيكرهُ لَهُم الِاشْتِغَال بهَا ويزجرهم عَن مجالسة الْجُهَّال وَأهل الْأَهْوَاء وَلَا يرضى لَهُم الترشيح لوظائف الْأَحْكَام وَيَأْمُرهُمْ بالتحلي بحلية الْكَمَال ويحثهم على الِاشْتِغَال بِالْعلمِ ومطالعة الْكتب المبسوطة وَلَا يرضى لَهُم بالاقتصار على المختصرات ويستعين يهم على المشكلات المدلهمة والفتاوي المعضلية المهمة وكل ذَلِك بِسَبَب الألفة لقُلُوبِهِمْ وَإِلَّا فهم لَا يُنكرُونَ استغناءه عَنْهُم ورسوخ الْعلم فِي قلبه وَقد بشر بِهِ بعض الصَّالِحين قبل مولده

أخبر وَالِده عبد الْكَرِيم رحمه الله أَنه دخل مَسْجِدا بزبيد يُقَال لَهُ مَسْجِد الزيالع قَالَ قصدت ذَلِك الْمَسْجِد الْمَذْكُور يتأملني من ورائي فَقَالَ لي يَا فَقِيه تقرا فِي الْعلم فَقلت لَا فَقَالَ لَو قَرَأت لَكُنْت منصفا فقما بلغ وَلَده وَهُوَ كانيحكي بِهَذِهِ الْحِكَايَة وَيَقُول كَأَنَّهُ رأى عبد الرَّحْمَن فِي صلبي

قلت وَلَا يبعد ذَلِك على أهل الله تعلى فقد أذكرتني هَذِه الْحِكَايَة مَا نقلته عَن خطّ الْحَافِظ الْمسند أَمَام الحَدِيث النَّبَوِيّ بزبيد أقضى الْقُضَاة مجد الدّين الشِّيرَازِيّ صَاحب الْقَامُوس أَحْمد بن عبد اللَّطِيف الشرجي وَصُورَة ذَلِك حكى لي حفظه الله وأبقاه وَالْإِشَارَة بذلك إِلَى الْمجد الْمَذْكُور إِنَّه دخل فِي بعض السنين مَدِينَة قُم فَسمِعت بِأَن كتبا تعرض للْبيع فَذَهَبت إِلَى بَيت صَاحبهَا فَأَدْخلنِي وأحضر الْكتب بَين يَدي ومددت يَدي إِلَى كتاب مِنْهَا وفتحته فَإِذا هُوَ بِخَط أبي فَقلت هَذَا خطّ وَالِدي فَقَالَ مَا أسم والدك فَقلت يَعْقُوب ابْن ابراهيم الفيروزابادي قَالَ فَقَامَ الرجل إِلَيّ وَقبل راسي وَقَالَ صدقت كَأَن جَاءَنِي والدك فِي بعض السنين إِلَى غَار من مغارات هَذَا الْجَبَل وَأَنا مُنْقَطع إِلَى الله فِيهِ لِلْعِبَادَةِ فَأَقَامَ عِنْدِي أَيَّامًا وَنسخ لي هَذَا الْكتاب فِيهِ وَكَانَ يخدمني ويتعبد معي فاتفق فِي بعض الْأَيَّام أَن قلت لَهُ يَا شيخ يَعْقُوب مَا ترى ننزل إِلَى الْمَدِينَة فَتدخل الْحمام ونتنظف فَقَالَ الْأَمر إِلَيْك فِي ذَلِك فنزلنا فَلَمَّا دَخَلنَا الْحمام قلت لَهُ هَات ظهرك لأحكه فَامْتنعَ عَليّ وَقَالَ أولى بخدمتك فلازمته على ذَلِك

ص: 279

وَهُوَ يتمنع فَرَأَيْت الْحِيلَة فِي ذَلِك إِن قلت لَهُ لتصل بركَة يَدي إِلَى ظهرك فهنالك أَعْطَانِي ظَهره فَسمِعت حسك فِي ظَهره فَقلت لَهُ يَا يَعْقُوب فِي ظهرك أَوْلَاد فَقَالَ مَا يدْريك قلت أحسست بهم قَالَ كم هم قلت أَرْبَعَة قَالَ سمهم فَقلت على الْفَوْر مُحَمَّد ويوسف وَعلي وَحسن قَالَ ثمَّ فارقني وفارقته فَمن ظانت مِنْهُم قَالَ شَيخنَا مجد الدّين أَنا مُحَمَّد قَالَ هَل لَك أخوة قلت نعم كَمَا ذكرت يُوسُف وَعلي وَحسن قَالَ وَكلهمْ فِي الْحَيَاة قلت لَا توفّي عَليّ وَحسن فَقَالَ الْحَمد لله فتعجبت من كشفه وَمن غَرِيب الأتفاق قَالَ وأسم هَذَا الرجل أَيْضا مجد الدّين وَهُوَ من عباد الله الصَّالِحين

قلت وَقَرِيب من هَذَا أنالشيخ أَبَا بكر العيدروس قدس الله روحه قَالَ لابنأخيه وَهُوَ جدي عبد الله بن شيخ بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس تمن فَقَالَ مَا أُرِيد إِلَّا الْبركَة وَالدُّعَاء لي بذرية صَالِحَة فَقَالَ لَهُ يَا عبد الله سيلد لَك من الْأَوْلَاد الذُّكُور فلَان وَفُلَان وَفُلَان وَسَمَّاهُمْ أَبُو بكر وَشَيخ وحسين وَكَانَ إِذْ ذَاك جدي لم يتَزَوَّج بعد ثمَّ خرج إِلَى حَضرمَوْت بعد وَفَاة عَمه الْمشَار إِلَيْهِ وتزوجبها أمْرَأَة فَولدت لَهُ أَوْلَادًا كَمَا ذكر وَسَمَّاهُمْ بِتِلْكَ الْأَسْمَاء الَّتِي سماهم بهَا الشَّيْخ ثمَّ ولد لَهُ بعد الثَّلَاثَة ولد سَمَّاهُ مُحَمَّد أَخْبرنِي بِهَذِهِ الْحِكَايَة الثِّقَة سَالم بن عَليّ أَبَا موجه رحمه الله وَقد سَمعتهَا من سَيِّدي الْوَالِد قدس الله روحه بِلَفْظ قريب من هَذَا

وَذكر سَيِّدي الْوَالِد رحمه الله فِي كتاب العقد النَّبَوِيّ والسر المصطفوي أَن جده الْأَعْلَى وَهُوَ الشَّيْخ الْكَبِير وَالْوَلِيّ الشهير علوي بن الشَّيْخ القطب الْفَقِيه مُحَمَّد بن عَليّ أَرَادَ أَن يتْرك التَّزْوِيج إيثاراً للأنقطاع فِي الْعِبَادَة فَهَتَفَ بِهِ هَاتِف من ظَهره نَحن فِي ظهرك ذُرِّيَّة صَالِحَة تزوج وأخرجنا وَإِلَّا خرجنَا من ظهرك فَتزَوج بعد ذَلِك وَولد لَهُ أَوْلَاد تَنَاسَلُوا بذرية طيبَة مباركة صَالِحَة حَتَّى كَانَ مِنْهُم من لَا يُحْصى من الْمَشَايِخ الكاملين وَالْعُلَمَاء العاملين الَّذين شهرتهم نغني عَن الْأَطْنَاب فِي مدحتهم فَكَأَنَّمَا عناه الْقَائِل بقوله

فَهُوَ أَبُو الْآبَاء

خير منجب ومنسل

ص: 280

.. وَهُوَ أَبُو الأشبال

حَيا قَبره كل ولي

أَوْلَاد الزهر بهم

يدْفع كل معضل

كم فيهم من قطب

كم فيهم من بدل

كم كم مُحدث فَقِيه

ومحدث ولي

وكأنما عَنى الآخر ذُريَّته بقوله

من تلق مِنْهُم تقل لاقيت سيدهم

مثل النُّجُوم الَّتِي يسري بهَا الساري

شدت إِلَيْهِم الرّحال من أَطْرَاف الْبِلَاد وغنى بذكرهم الحداة فِي كل سمر وناد طبق ذكرهم طباق الأَرْض وَعم نفعهم الْمَشَارِق والمغارب بالطول وَالْعرض وَلَو لم يكن مِنْهُم إِلَّا الاستاذ الْكَامِل القطب الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف وحفيده الْأُسْتَاذ الْمُحَقق القطب الْغَوْث عبد الله العيدروس الَّذين عقم الزَّمَان أَن يَجِيء بأمثالهم وَلَا سمحت الدهور بأشكالهم أعَاد الله علينا من بركاتهم فِي الدَّاريْنِ آمين آمين آمين

قلت وَكَانَ الشَّيْخ علوي الدّين هَذَا من آيَات الله الْكُبْرَى وَهُوَ منأمثال الشَّيْخ وَمن مناقبه أَنه كَانَ يعرف الشقي من السعيد ويحيي وَيُمِيت بِإِذن الله تَعَالَى وَيَقُول للشَّيْء كن فَيكون بِإِذن الله تَعَالَى إِلَى غير ذَلِك من الكرامات الْعَظِيمَة واولخوارق الَّتِي لَا يُشَارِكهُ فِيهَا غَيره نفع الله بِهِ وَأعَاد علينا من بركاته آمين

ولبعضهم يمدح رِسَالَة الْعَلامَة الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد صَاحب التَّرْجَمَة

إِلَّا إِنِّي وقفت على الرسَالَة

وَمَا حوت الرسَالَة من مقَالَة

فألقيت الْمقَال مقَال حق

وَتَحْقِيق لمن صدق أنتحاله

على أَن المُصَنّف بَحر علم

لَهُ الْعلمَاء تشهد بالجلاله

فَمَا قَالَ الإِمَام فَتى زَمَانه

فَإِن الْحق فِيهِ لَا محاله

على تخريجهم فَافْهَم كَلَامي

فَإِن الْعلم لَا يخفى رِجَاله

وَلَوْلَا أَن للمكي فضل

سعت كتبا يَدَاهُ بِهِ وَقَالَهُ

كتاب فِي المناقب فِيهِ عدل

وإنصاف يدل على الكمالة

ص: 281

.. لَكُنْت لما رَأَيْت لسوء ظَنِّي

بجهلي مَا عرفت من الْعَدَالَة

وَلَا أرْضى لَهُ ينشي خلافًا

لمن فِي الْعلم قد وَجب أمتثاله

وَلَكِنِّي سَأَلت الله رَبِّي

يمن عَليّ فضلا بالجماله

وفيهَا فِي الْيَوْم الثَّانِي عشر من شَوَّال توفّي الشَّيْخ الإِمَام مفتي الْأَنَام عَلامَة الزَّمَان مقدم الْأَعْيَان عيد السَّلَام ابْن شيخ الاسلام وجيه الدّين ابْن عبد الرَّحْمَن بن علد الْكَرِيم بن زِيَاد وَاحِد عُلَمَاء الْبِلَاد وفاضلها بِاتِّفَاق الْحَاضِر والباد أَبُو نصر عز الدّين ولد سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة نَشأ فِي حجر وَالِده وتغذى بدر علومه وفوائده فظهرت المعيته وبراعته أقرَّت فِي حَيَاة أَبِيه نجابته تفقه بوالده كثيرا وَرَأس على الأكابر صَغِيرا درس وأفى فِي حَيَاة أَبِيه وصنف مصنفات لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا فَقِيه وَكتب معاصر أَبِيه على فَتَاوِيهِ وَانْفَرَدَ بعد وَالِده بالإفتاء مَعَ زحمة الْبَلَد بأئمة شَتَّى ودرس بالمدارس الَّتِي كَانَ وَالِده يدرس بهَا الْمَذْكُورَة فِي تَرْجَمته وَكَانَ من الْولَايَة وَالْعلم وَالْفضل على جَانب عَظِيم لَا يجهل

قَالَ الْعَلامَة الشَّاب الظريف الْفَاضِل بَرَكَات ابْن الْفَقِيه سعادات العطارد وحمهما الله تَعَالَى رَأَيْت لَهُ مراسلة كتبهَا لبَعض أَصْحَابه يَقُول فِيهَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يبشرني بِكَذَا وَكَذَا ولوح بِأُمُور ذكرهَا فِي الرسَالَة الْمَذْكُورَة ثمَّ قَالَ وَوَاللَّه {أَنه لقَوْل فصل وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} انْتهى

قَالَ رحمه الله وَرَضي عَنهُ رَأَيْت ابْن الرّفْعَة نجم الدّين فِي النّوم فرأيته أوقفني على مَسْأَلَة فِي الْوَسِيط فعقيب ذَلِك نزل بِي سُؤال هُوَ عين لَك الْمَسْأَلَة وَلم يكن عِنْدِي نقل عَلَيْهَا غير مَا نبهني عَلَيْهِ ابْن الرّفْعَة فحمدت اللعه تَعَالَى على ذَلِك انْتهى

وكل هَذَا ببركة أَبِيه وبركة أدبه مَعَ الْعلمَاء فَإِنَّهُ لم يذكر مِنْهُم أحدا فِي مؤلفاته إِلَّا وترضى عَنهُ وَأثْنى على فَضله وَبَالغ فِي تَعْظِيمه والترحم عَلَيْهِ كثر ذَلِك مِنْهُ فِي مؤلفاته وفتاويه وَله شرح على مولد السَّيِّد الْحُسَيْن

ص: 282

بن الصّديق الأهدل وَشرح لوادع ابْن الْجَوْزِيّ مَاتَ عَنْهُمَا مسودين وَله كتاب سَمَّاهُ تشنيف الاسماع بِحكم الْحَرَكَة فِي الذّكر وَالسَّمَاع وَكتاب سَمَّاهُ القَوْل النافع القويم لمن كَانَ ذَا قلب سليم وَكتاب سَمَّاهُ التَّحْرِير الْوَاضِح والإكمال فِي حكم المَاء الْمُطلق والمستعمل وَكتاب سَمَّاهُ الْمطَالع الشمسية فِي الْأَجْوِبَة السّنيَّة وَهُوَ مُشْتَمل على فقه وَحَدِيث تقبل الله ذَلِك مِنْهُ وَرَضي عَنهُ

وفيهَا فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء وَقت السحر توفّي الْعَالم الصَّالح الْوَلِيّ الشهير الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى على المتقي بن حسام الدّين بن القَاضِي عبد املك بن قَاضِي خَان الْقرشِي بِمَكَّة المشرفة بعد مجاورته بهَا مُدَّة طَوِيلَة وَدفن فِي صبح تِلْكَ اللَّيْلَة ومدفنه بالمعلاه بسفح جبل محاذي تربة الفضيل بن عِيَاض بَين قبريهما الطَّرِيق المسلوك عِنْد مَحل يُقَال لَهُ نَاظر الْجَيْش وعمره سَبْعَة وَثَمَانُونَ سنة وَقيل تسعون سنة رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ من الْعلمَاء العابدين وَعباد الله الصَّالِحين على جَانب عَظِيم من الْوَرع وَالتَّقوى وَالِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة ورفض السوي وَله مصنفات عديدة وَذكروا عَنهُ أَخْبَارًا حميدة رَحمَه الله تَعَالَى آمين

وَمن مناقبه الْعَظِيمَة انه رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام وَكَانَت لَيْلَة جُمُعَة وَسبع وَعشْرين فِي شهر رَمَضَان فَسَأَلَهُ عَن أفضل النَّاس فِي زَمَانه فَقَالَ لَهُ أَنْت قَالَ ثمَّ من فَقَالَ مُحَمَّد بن طَاهِر بِالْهِنْدِ وَرَأى تِلْمِيذه الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب أَيْضا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَسَأَلَهُ مثل ذَلِك فَقَالَ لَهُ شيخك ثمَّ مُحَمَّد ابْن طَاهِر بِالْهِنْدِ فجَاء إِلَى الشَّيْخ عَليّ المتقي ليخبره بالرؤيا فَقَالَ لَهُ قبل أَن يتَكَلَّم قد رَأَيْت مثل الَّذِي رَأَيْت وَكَانَ يُبَالغ فِي الرياضة حَتَّى نقل عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول فِي آخر عمره وددت أَنِّي لم أفعل ذَلِك لما وجده من الضعْف فِي جسده عِنْد الْكبر

قَالَ الفاكهي وَكَانَ يتَنَاوَل من الطَّعَام إِلَّا شَيْئا يَسِيرا جدا على غَايَة من التقلل فِيهِ بِحَيْثُ يستبعد من الْبشر الِاقْتِصَار على ذَلِك الْقدر وَمَا ذَاك إِلَّا لملكة حصلت لَهُ فِيهِ وَطول رياضة وصل بهَا إِلَيْهِ حَتَّى كَانَ إِذا زيد فِي غدائه الْمُعْتَاد وَلَو قدر فولة لم يقدر على هضمه قَالَ وَكَذَا كَانَ قَلِيل

ص: 283

الْكَلَام جدا قَالَ غَيره وَكَانَ قَلِيل الْمَنَام مؤثراً للعزلة عَن الْأَنَام

قلت وَقد علمت أَن أصُول التصوف فِي الِابْتِدَاء تَدور على أَرْبَعَة أَشْيَاء قلَّة الطَّعَام وَقلة الْكَلَام وَقلة الْمَنَام واعتزال الْأَنَام

قَالَ بَعضهم جعل الْخَيْر كُله فِي بَيت ومفتاحه الْجُوع وَجعل الشَّرّ كُله فِي بَيت ومفتاحه الشِّبَع وَقَالَ يحيى بن معَاذ لوز كَانَ الْجُوع يُبَاع بِالسوقِ لما كَانَ يَنْبَغِي لطلاب الْآخِرَة إِذا دخلُوا السُّوق أَن يشتروا غَيره وَقَالَ سهل مَا صَار الابدال إبدالاً إِلَّا بِأَرْبَع خِصَال اخماص الْبُطُون والسهر والصمت والاعتزال عَن النَّاس فقد قيل فِي صفة الابدال إِن أكلهم فاقه ونومهم غَلَبَة وَكَلَامهم ضَرُورَة

قلت هَذَا وَإِن كَانَ تقليل الْغذَاء مستحسناً عِنْد الْقَوْم بالججملة وَلكنه لَيْسَ بمقصود أُصَلِّي وَلَعَلَّه يتَوَلَّد من الإفراط آفَات مخلة بِالْمَقْصُودِ الْأَصْلِيّ وَإِنَّمَا الْمَقْصُود من التقليل كسر النَّفس وتقوية الْقلب وتبييضه فَإِن الْجُوع يذيب شَحم الْقلب ويقلل دَمه فيبيض ويرق ويصفو فيستعد بصفائه لقبُول نور الذّكر وأنوار الْمُعَامَلَات الشَّرْعِيَّة والواردات الغيبية ثمَّ تنعكس الْأَنْوَار من مرْآة الْقلب إِلَى أَرض النَّفس {وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا} وتلاشت ظلمات صِفَات النَّفس وَانْشَقَّ صدف ظلمَة الشَّهْوَة عَن درة الْمحبَّة فَإِن الشَّهْوَة مَطِيَّة تالمحبة وَهِي الْمَطْلُوب من الْإِنْسَان وَبهَا فاق على الْمَلَائِكَة المقربين وسجدوا لَهُ فَافْهَم جدا فالامساك الْمَحْمُود عَن الطَّعَام مَا يكون محمياً عَن طرفِي الإفراط والتفريط كَمَا قَالَ تَعَالَى {وكلوا وَاشْرَبُوا وَلَا تسرفوا} فالمحمي من الْإِسْرَاف نصف رَطْل إِلَى رَطْل كل يَوْم أَو قريب من هَذَا فيزيد وَينْقص مِنْهُ كل طَائِفَة على قدر قوتهم وَصِحَّة مزاجهم

وَكَانَت وِلَادَته ببرهان فَور سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَقيل خمس وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ومؤلفاته كَثِيرَة نَحْو مائَة مؤلف مَا بَين صَغِير وكبير ومحاسنه جمة ومناقبه ضخمة وَقد افردها الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد

ص: 284

الفاكهي الْمَكِّيّ فِي تأليف لطيف سَمَّاهُ القَوْل النقي فِي مَنَاقِب المتقي ذكر فِيهِ من سيرته الحميدة ورياضاته الْعَظِيمَة ومجاهداته الشاقة مَا يبهر الْعُقُول ولعمري مَا أحسن قَوْله فِيهِ حَيْثُ يَقُول طابق اسْم شَيخنَا عَليّ ولقبه المتقي مَوضِع علماه ومسماه وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من الْكتاب الْمَذْكُور مَا اجْتمع بِهِ أحد من العارفين أبي الْحسن الْبكْرِيّ وَشَيخنَا الْفَقِيه الْعَارِف الزَّاهِد الْوَجِيه العمودي وَشَيخنَا أَمَام الْحَرَمَيْنِ الشهَاب ابْن حجر الشَّافِعِي وصاحبنا فَقِيه مصر شمس الدّين الرَّمْلِيّ الْأنْصَارِيّ وَشَيخنَا فصيح عُلَمَاء عصره شمس الْبكْرِيّ وَلكُل من هَؤُلَاءِ الجلة عِنْدِي مَا دلّ على كَمَال مِدْحَة شَيخنَا المتقي بِحسن استقامته والاستقامة أجل كرمه وَقَول كل من هَؤُلَاءِ معتمدي شَهَادَته

إِذا قَالَت حذام فصدقوها

فإنالقول مَا قَالَت حذام

قَالَ وَمن ثمَّ اشْتهر باقليم مَكَّة المشرفة أشهر من قفا وَصَارَ يَقْصِدهُ وُفُود بَيت الله كَمَا يقْصد الْمشعر الْحَرَام والصفا حَتَّى بلغ صيته لسلطان الْإِسْلَام المرحوم الْمُقَدّس سُلَيْمَان بعد أَن كَانَ يفرغ على يَدَيْهِ بل قَدَمَيْهِ مَاء الطَّهَارَة مَحْمُود أعظم سلاطين الْهِنْد اعتقادا فِيمَا لَهُ من شَأْن قَالَ وشهرته فِي الْهِنْد وجهاتها أَضْعَاف شهرته بِمَكَّة كَمَا لَا يحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى اقامة برهَان قَالَ وَمن مناقبه أَن بعض أَصْحَابه رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام فِي حَيَاة لاشيخ عَليّ وَكَانَت الرؤؤيا بِمَكَّة المشرفة قَائِلا يَا رَسُول الله بِمَاذَا تَأْمُرنِي حَتَّى أَفعلهُ قَالَ تَابع الشَّيْخ عَليّ المتقي فَمَا فعل افعله انْتهى

قلت وَفِي هَذَا أدل دَلِيل على أَن الشَّيْخ عَليّ المتقي نفعنا الله ببركاته كَانَ لَهُ النَّصِيب الأوفر من مُتَابَعَته صلى الله عليه وسلم وَلذَا خصّه صلى الله عليه وسلم بِالذكر دون غَيره من أهل زَمَانه وَأمر الرَّائِي بملاحظة افعاله ومتابعته فِيهَا إِلَى غير ذَلِك من الاشارات كتسميته شَيخا وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو اسحق الشِّيرَازِيّ نفعنا الله ببركاته يفتخر بمنام نبوي فِيهِ تسميهة النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَهُ شَيخا

قلت وَرَأَيْت فِي بعض التَّعَالِيق رِسَالَة من إملاء الشَّيْخ مفعنا الله ببركاته تشْتَمل على نبذة من أَحْوَاله الَّتِي لَا تتلقى إِلَّا عَنهُ كالمشيرة إِلَى كَمَال

ص: 285

مبدأه ومآله فَرَأَيْت إِن أذكر مِنْهَا هُنَا مَا دعت إِلَيْهِ الْحَاجة قَالَ

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لَهُ رب الْعَالمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَأما بعد فَيَقُول الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى على بنم حسام الدّين الشهير بالمتقي أَنه خطر فِي خاطري ان ابين للأصحاب من أول أَمْرِي إِلَى آخِره فاعلموا رحمكم الله أَن الْفَقِير لما وصل عمري إِلَى ثَمَان سِنِين جَاءَ فِي خاطر وَالِدي رحمه الله أَن يَجْعَلنِي مرِيدا لحضرة الشَّيْخ باجن قدس الله سره فجعلني مرِيدا وَكَانَ طَرِيقه طَرِيق السماع وَأهل الذَّوْق والصفاء فبايعني على طَرِيق الْمَشَايِخ الصُّوفِيَّة وَأخذت عَنهُ وَأَنا ابْن ثَمَان سِنِين ولقنني الذّكر الشَّيْخ عبد الْحَكِيم بن الشَّيْخ باجن قدس سره وَكنت فِي بداية أَمْرِي أكتسب بصنعة الْكتاب لقوتي وقوت عيالي وسافرت الْبلدَانِ فَلَمَّا وصلت إِلَى الملتان صَحِبت الشَّيْخ حسام الدّين وَكَانَ طَرِيقه طَرِيق الْمُتَّقِينَ فصحبته مَا شَاءَ الله ثمَّ وصلت مَكَّة المشرفة وصحبت الشَّيْخ أَبَا الْحسن الْبكْرِيّ الصديقي قدس الله سره وَكَانَ لَهُ طَرِيق التَّعَلُّم والتعليم وَكَانَ شَيخا عَارِفًا كَامِلا فِي الْفِقْه والتصوف فصحبته مَا شَاءَ الله ولقنني الذّكر وَحصل لي من هذَيْن الشَّيْخَيْنِ الجليلين عَلَيْهِمَا الرَّحْمَة والغفران من الْفَوَائِد العلمية والذوقية الَّتِي تتَعَلَّق بعلوم الصُّوفِيَّة فصنفت بعد ذَلِك كتبا ورسائل وَأول رِسَالَة صنفتها فِي الطَّرِيق إِلَى الله سميتها تَبْيِين الطّرق إِلَى الله تَعَالَى وَآخر رِسَالَة صنفتها سميتها غَايَة الْكَمَال فِي بَيَان أفضل الْأَعْمَال فَمن كَانَ من الطّلبَة حصل مِنْهُمَا رِسَالَة يَنْبَغِي لَهُ ان يحصل الْأُخْرَى ليلازم بَينهمَا فِي الْقَصْد انْتهى

قلت وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا كَانَ هَذَا الرجل إِلَّا من حَسَنَات الدَّهْر وخاتمه أهل الْوَرع ومفاخر الْهِنْد وشهرته تغني عَن تَرْجَمته وتعظيمه فِي الْقُلُوب يُغني عَن مدحه

وفيهَا غرق مركب بِالْهِنْدِ فِي خور كنباته كَانَ فِيهِ عشرَة من السَّادة آل أَبَا علوي فَكَانُوا مكن جملَة من غرق وحصلت لَهُم الشَّهَادَة بِسَبَب ذَلِك رَحِمهم الله

ص: 286