الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَرَمَيْنِ الشريفين مَا يجل عَن الْوَصْف وَلما رجعا إِلَى الديار المصرية بعد الْحَج والزيارة تجهز مَعَهُمَا أَمِير الْحجاز الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن بَرَكَات بِاخْتِيَارِهِ وَرضَاهُ وَتوجه بصحبتها إِلَى بَاب السُّلْطَان فقابله بالأحسان الجزيل وَالْبر العريض الطَّوِيل وَأكْرم نزله وَأَعْلَى مَحَله وَلم يزل عِنْده مجللا مُحْتَرما مقضي الْحَوَائِج أول دَاخل وَآخر خَارج إِلَى أَن رَجَعَ إِلَى الْحجاز مُتَوَلِّيًا أمورها لَيْسَ لأحد مَعَه كَلَام وَالْحَمْد لله
سنة إِحْدَى وَعشْرين بعد التسْعمائَة
921 هـ
وَفِي يَوْم الْخَمِيس الثَّانِي وَالْعِشْرين من شهر جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَعشْرين توفّي الْفَقِيه الْأَجَل جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد النظاري رَحمَه الله تَعَالَى بِمَدِينَة إب بعد ان طلع إِلَيْهَا متوعكاً بِنَحْوِ شهر وَترك وَلَده الْفَقِيه عبد الْحق عوضا عَنهُ بزبيد وَوصل الْعلم بوفاته إِلَى مَدِينَة زبيد يَوْم السبت الرَّابِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور وَصلي عَلَيْهِ بِمَسْجِد الأشاعر بهَا وقرى لَهُ ثَلَاثَة أَيَّام بِالْمَسْجِدِ الْمَذْكُور وَحضر الْقِرَاءَة لَهُ خلق كثير لَا يُحصونَ وَحضر عبد الْوَهَّاب بن السُّلْطَان عَامر الْقِرَاءَة يَوْم الثَّالِث وَتصدق عَنهُ أَوْلَاده بِصَدقَة عَظِيمَة رَحمَه الله تَعَالَى وَأَسْكَنَهُ جنته فَنعم الرجل كَانَ عقلا وصيانة وديناً وَأَمَانَة باذلا للمعروف كافا للاذى معينا للملهوف لَهُ صدقَات جليلة سرا وَعَلَانِيَة وَكَانَ قطب رحى المملكة السُّلْطَانِيَّة الظافرية وَعين الْأَعْيَان فِي الْجِهَة اليمانية وَمن آثاره المخلدة لذكره بِنَاء الْجَامِع بِبَيْت الْفَقِيه عجيل عمره عمَارَة متقنة إِلَى الْغَايَة ومدرسة بِمَدِينَة أَب ووقف عَلَيْهَا وَقفا جَلِيلًا وَجُمْلَة من الْكتب النفيسة وَله من الْآثَار الْحَسَنَة مَا يجل عَن الْوَصْف
سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين بعد التسْعمائَة
922 هـ
وَفِي سلخ الْمحرم أول سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين توفّي الشَّيْخ أَحْمد بن الشَّيْخ أبي بكر العيدروس بعدن وَدفن بهَا فِي قبَّة أَبِيه وعمره يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ سنة تَقْرِيبًا وَأمه بهية بنت الشَّيْخ عَليّ بن أبي بكر بن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف وامها فَاطِمَة بنت الشَّيْخ عمر المحضار ابْن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف فولده الشَّيْخ عمر من الْجِهَتَيْنِ كَمَا وَلَده أَيْضا الشَّيْخ أَبُو بكر
ابْن عبد الرَّحْمَن السقاف مرَّتَيْنِ وَقد تميز بِهَذَا عَن غَيره من بني عَمه كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْعَلامَة بحرق رحمه الله حَيْثُ يَقُول
…
أصل السِّيَادَة لَا ينتمي
…
إِلَى حد إِلَّا هُوَ السَّيِّد
لَئِن شاركته بَنو العيدروس
…
بفخر هُوَ الشَّمْس لَا يجْحَد
فقد خصّه الله من بَينهم
…
بآيَات مجد لَهُ تشهد
حوى سر جديه من أمه
…
فطاب لَهُ الْفَرْع والمحتد
…
فَهُوَ الْوَارِث لِأَبِيهِ وجده وحامل الرَّايَة من بعده وَولي عَهده فقد قَامَ بالْمقَام أتم قيام ونهض بِمَا نَهَضَ بِهِ آباؤه الْكِرَام فَسَاد وجاد وَبنى معاقل الْمجد وشاد وأحيى الرَّوَاتِب الَّتِي أسسها أَبوهُ والاوراد وواظب على اطعام الطَّعَام وصلَة الارحام والاحسان إِلَى الْفُقَرَاء والايتام باذلاً جاهه وَمَاله فِي أيصال النَّفْع إِلَى أهل الْإِسْلَام وَكَانَ رأى بعد موت أَبِيه كانه حمل أَبَاهُ على كتف وجده على كتف وَتوقف فِي تَأْوِيلهَا فَكَانَ تَأْوِيلهَا قِيَامه بمقام أَبِيه بعدن وبمقام جده بحضر موت
وَكَانَ فِي مُدَّة ايامه السعيدة وَطول حَيَاته العزيزة الحميدة مجريا النَّفَقَة التَّامَّة الوافرة وَالْكِسْوَة الفاخرة لمن كَانَ ابوه مجريا لَهُ من زَوْجَة وخادمة وَنَحْوهَا قَائِما بكفاية الْفُقَرَاء نفقه وَكسَاء صيفاً وشتاءً حَتَّى أَن ثمن الْكسْوَة الَّتِي أشتراها فِي آخر ختمته لرمضان صلاهَا بلغ خَمْسَة آلَاف دِينَار فَأكْثر
وَحكي أَن خبز مطبخه إِذا ركموه يبلغ إِلَى سطح الدَّار ودور عدن عالية جدا بِحَيْثُ أَنَّهَا تكون على ثَلَاثَة قُصُور غَالِبا قَالَ الرَّاوِي فعجبت فَقلت مَا كَانَ بعدن إِذْ ذَاك سَائل قَالُوا لَا مَا كَانَ فِي زمن الشَّيْخ أبي بكر وَولده الشَّيْخ أَحْمد يُوجد فِي عدن سَائل أصلا ومحاسنه رضي الله عنه أَكثر من أَن تحصر وَأشهر من أَن تذكر
من كراماته حكى الشريف مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن كريشه أَبَا علوي أَنه مرض مرّة بزيلع وَهُوَ عِنْد الشريف علوي بن إِسْمَاعِيل وأصابه وجع الْبَطن وَكَانَ علوي الْمَذْكُور وَكيلا للسَّيِّد أَحْمد بن أبي بكر وَهُوَ إِذْ ذَاك بهَا فَعَن لَهُ الرُّجُوع إِلَى عدن فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي أَن كريشه مبطون
فَكيف أعمل بِهِ فَقَالَ رح أقذف لَهُ وَكَانَ لَهُ حسن ظن كَامِل فِي الشَّيْخ وعقيدة ثَابِتَة فَلم يَتَمَالَك أَن جَاءَ إِلَيْهِ وَوضع بَطْنه على بَطْنه وتقيأ شَيْئا كثيرا ثمَّ قَالَ مُحَمَّد فَمَا هُوَ إِلَّا أَن قَامَ عني وَقمت وَكَأن لم يكن بِي شَيْء وسارا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وللعلامة مُحَمَّد بن عمر بحرق فِيهِ مرثية فِي غَايَة الْحسن وَهِي شعر
…
لمن تبنى مشيدات الْقُصُور
…
وَأَيَّام الْحَيَاة إِلَى قُصُور
وَحَتَّى م التهالك والتفاني
…
على الخداعة الدُّنْيَا الْغرُور
فَمَا يغتر بالدنيا لَبِيب
…
وَلَو ابدت لَهُ وَجه السرُور
فغاية صفوها كدر وأقصى
…
حلاوتها إِلَى الكأس المرير
ألم ترى كَيفَ هدت ركن مجد
…
وفاضت بَحر مكرمَة زخو
وروعت الْأَنَام بفقد شخص
…
رزيته على بشر كثير
شهَاب ثاقب من نور بدر
…
تبقى من شموس من بدور
نماه العيدروس وكل قطب
…
غياث للورى فَرد شهير
تناثر عقدهم نجما فنجما
…
تغيب تَحت أطباق الصخور
فأظلم بعدهمْ دست الْمَعَالِي
…
وأكسف قطرهم بعد الزهور
فوا اسفا على أطواد حلم
…
إِذا أستشكلت ملمات الْأُمُور
وواحزناً على تيار جود
…
يمد بصيب الْغَيْث الغزير
وَيَا لهفا على أَخْلَاق لطف
…
يفوق الزهر فِي الرَّوْض النَّضِير
لَئِن ذَهَبُوا فقد أَبقوا فخاراً
…
يضيق لحصره صدر السطور
ففاقوا النَّاس أَحيَاء وفاقت
…
ضرائحهم على أهل الْقُبُور
فَلَا يَأْتِي الزَّمَان لَهُم بِمثل
…
وَهل للشمس وَيحك من نَظِير
على تِلْكَ الْوُجُوه سَلام رب
…
رَحِيم غَافِر بر شكور
الهى كن لنا خلفا وذخرا
…
فانك جَابر الْعظم الكسير
وصل على أجل الْخلق قدرا
…
مُحَمَّد البشير لنا النذير
وَمن وَالَاهُ من آل وَصَحب
…
على مر الأصائل والبكور
…
وفيهَا زَالَت دولة الشراكسة على عهد الغوري وَهُوَ آخر مُلُوكهمْ فقد فِي حَرْب السُّلْطَان سليم وَلم يظْهر لَهُ خبر
وفيهَا فِي يَوْم الْخَمِيس الثَّانِي من شهر صفر توفّي الْفَقِيه الْعَالم الْفَاضِل جمال الدّين مُحَمَّد بن الْفَقِيه مُوسَى بن عبد الْمُنعم الضجاعي أحد المدرسين
بِمَدِينَة زبيد وَدفن بهَا بعد صَلَاة الْعَصْر من ذَلِك الْيَوْم عِنْد أَبِيه وجده بعد أَن صلي عَلَيْهِ بِمَسْجِد الأشاعر وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم
وفيهَا فِي عصر يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس شعْبَان توفّي الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْبُرْهَان أَبُو الْوَفَاء ابْن الزين الْمقري أبي هُرَيْرَة أبن الشَّمْس بن الْمجد الكركي الأَصْل القاهري المولد وَالدَّار الْحَنَفِيّ أَمَام السُّلْطَان وَيعرف بِابْن الكركي غريقاً شَهِيدا فِي بركَة الْفِيل تَحت منزله بهَا وَكَانَ مولده وَقت الزَّوَال من يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع رَمَضَان سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وَأمه أم ولد جركسية فحفظ الْقُرْآن وَأَرْبَعين النَّوَوِيّ والشاطبية ومختصر الْقَدُورِيّ والفية ابْن مَالك وَغَيرهَا وَعرض على عُلَمَاء عصره كالشهاب ابْن حجر وَالْعلم البُلْقِينِيّ والعلمان القلقشندي واللؤلؤي السَّقطِي وَسعد الدّين بن الديري وَابْن الْهمام وَجَمَاعَة آخَرين وَكَتَبُوا كلهم لَهُ وَسمع صَحِيح مُسلم أَو أَكْثَره على الزين الزَّرْكَشِيّ وتلى الْقُرْآن على بَعضهم وجود الْقِرَاءَة مَعَ رؤسائها وَأكْثر من مُلَازمَة الشَّافِعِي وَاللَّيْث وَغَيرهمَا من الْمشَاهد الجليلة وعادت بركَة أَرْبَابهَا وزوارها عَلَيْهِ وَفِي غُضُون ذَلِك مقبل على الْعلم وتحصيله يتَوَجَّه لمنقوله ومعقوله فَأخذ الْمِيقَات عَن الْبَدْر القيمري وَالْفِقْه والعربية عَن الشَّمْس امام الشيخوخة وَكَذَا أَخذ عَن النَّجْم الْغَزِّي قَاضِي الْعَسْكَر بل والعز عبد السَّلَام الْبَغْدَادِيّ وَسمع عَلَيْهِ الشِّفَاء مُلَفقًا بِقِرَاءَة قارئين وَقَرَأَ الصَّحِيحَيْنِ على الشهَاب أَحْمد بن صَالح الْحلَبِي الْحَنَفِيّ ابْن الْعَطَّار وَحضر دروسه بل حضر دروس الْكَمَال ابْن الْهمام ولازم التقي الحصني وَكَذَا النقي الشمني والكافياجي وَعظم اخْتِصَاصه بهم
وَمِمَّا أَخذ عَن الشمني التَّفْسِير وعلوم الحَدِيث وَالْفِقْه والأصلين والعربية والمعاني وَالْبَيَان والمنطق وَغَيرهَا بقرَاءَته وَمرَّة غَيره تَحْقِيقا ودراية وبقراءته أَيْضا الشِّفَاء وَالْبُخَارِيّ وَدخل مَعَهم فِي كثير من مشكلات كتب هَذِه الْفُنُون وَغَيرهَا وأذنوا لَهُ فِي اقرائها
وَلما سَافر قايتباي فِي أَيَّام امارته قبل أَن يصير إِلَيْهِ الْملك إِلَى بعض الْبِلَاد أستصحبه أماماً ثمَّ لم يلبث إِلَى أَن أرتقى إِلَى السلطنة فقربه وَأَدْنَاهُ وأحبه
فَبَلغهُ مناه وأختص بِهِ عَمَّن عداهُ وخوله مزِيد النعم وشمله فِيهَا يلتمسه بنعم وَأَعْطَاهُ قِرَاءَة البُخَارِيّ بالقلعة وولاه تدريس أَمَاكِن مُتعَدِّدَة ومشيخة الصُّوفِيَّة فِي بَعْضهَا وخطابة بعض الْمدَارِس واقطاع ورتب لَهُ فِي كل يَوْم دِينَارا وحوالي وعدة وظائف كَانَت مَعَه وَمَعَ أَبِيه بِجَامِع طولون من رئاسة وَغَيرهَا بِحَيْثُ قيل ان المستقر فِي متحصله اليومي من جهاته شَيْء كثير سوى مَا يساق إِلَيْهِ من الْهَدَايَا والعطايا كاعطائه فِي جهاز ابْنة لَهُ فِيمَا قيل ألف دِينَار من السُّلْطَان وَمن الدوادار مثلهَا بل ازيد ونوه بِهِ فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة وَكَانَ شَأْنه أَعلَى من ذَلِك إِذْ كَانَ الْقُضَاة وَغَيرهم من الْأَعْيَان مِمَّن يتَرَدَّد لبابه ويتلذذ بخطابه بل مَال الْفُضَلَاء من الغرباء وَغَيرهم إِلَى الأستفادة مِنْهُ وَسَمَاع مباحثه والأنتفاع بتنويهه ومساعدته وبمساعدته اسْتَقر شَيْخه الحصني فِي مشيخة الشَّافِعِي وَلم يزل يزِيد اخْتِصَاصه بالسلطان بِحَيْثُ لم يخْتَلف عَنهُ فِي أَسْفَاره حَتَّى انه دخل مَعَه الشَّام وحلب وَبَيت الْمُقَدّس وَمَكَّة وَالْمَدينَة
قَالَ السخاوي أَنه تمنى بِحَضْرَتِهِ الْمَوْت فانزعج من ذَلِك وَقَالَ بل انا أتمناه لتقرأ عَليّ عِنْد قَبْرِي وتزورني وَنَحْو ذَلِك وَلذَا لم يجب سُؤَاله فِي مشيخه مدرسته المكنية قَالَ وَقد صنف وافتى وَحدث وروى ونظم ونثر ونقب وَتعقب وخطب وَوعظ وَقطع وَوصل وَقدم واخر
وَمن تصانيفه فِي الْفِقْه فَتَاوَى مبوبه فِي مجلدين وحاشية على توضيح ابْن هِشَام هَذَا كُله مَعَ الفصاحة والبلاغة وَحسن الْعبارَة الْمُقْتَضِيَة للانتظام والربط والانسجام والضبط وجودة الْخط ولطف الْعشْرَة والظرف والميل إِلَى النادرة واللطف ومزيد الذكاء والتفنن وَسُرْعَة البديهة الَّتِي يَتَّضِح بهَا التَّبْيِين وطراوة النغمة والأعتراف بِالنعْمَةِ والطبع الْمُسْتَقيم الَّذِي لَا يمِيل بِهِ غَالِبا لدني وَلَا لئيم وَلم يزل فِي ازدياد من الترقي حَتَّى بلغ مبلغا عَظِيما إِلَى أَن كَانَ فِي أَوَاخِر جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَثَمَانِينَ تنكد خاطر السُّلْطَان من جِهَته فَمَنعه من الْحُضُور فِي حَضرته فَتوجه للإقراء فِي بَيته لفنون الْعلم والفتيا إِلَى أَن كَانَ فِي مستهل ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَتِسْعين عَاد للْإِمَامَة على عَادَته ثمَّ أُعِيد لكل من قِرَاءَة الحَدِيث ومشيخة الأشرفية فِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا
قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رحمه الله أَقُول وَبعد الْمُؤلف فِي زمَان النَّاصِر ابْن الْأَشْرَف قايتباي تولى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ مستهل الْمحرم عَام ثَلَاث وتسعمائه ثمَّ عزل عَن الْقَضَاء فِي سنة سِتّ وَتِسْعمِائَة وَاسْتمرّ مَفْصُولًا حَتَّى عرض عَلَيْهِ الْقَضَاء شرف الغوري فَلم يقبله فَاسْتحْسن الْملك مِنْهُ ذَلِك وَصَارَ مبجلاً مُعظما حَتَّى مَاتَ رحمه الله
وفيهَا فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء عَاشر جُمَادَى الأولى توفّي الشَّيْخ الْعَالم الْفَاضِل الْجمال أَبُو الْفَتْح إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أسماعيل ابْن عَليّ القلقشندي الأَصْل القاهري المولد وَالدَّار الشَّافِعِي بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ مولده فِي حادي عشر سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن والشاطبيتين وَعرض على خلق كثير كالبساطي والمحب ابْن نصر الله والحافظ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي وَسمع على الآخرين وَأَبِيهِ وجده والتاج السرابيسي والناقوسي وَالزَّرْكَشِيّ وَابْن نَاظر الصلاحية وَابْن الطَّحَّان وَابْن بردس وَعَائِشَة الحنبلية والواسطي فِي آخَرين وَقَرَأَ بِنَفسِهِ الْكثير على غير وَاحِد من المسندين بل قَرَأَ فِي محَاسِن الِاصْطِلَاح على ابْن ابْن المولد الْعلم البُلْقِينِيّ واجاز لَهُ خلق مِنْهُم الْعَلَاء البُخَارِيّ وَقَرَأَ على ابْنه فِي التقاسيم والْحَدِيث وَغير ذَلِك وَكَذَا قَرَأَ على الْمحلي شرح الْمِنْهَاج وَجمع الْجَوَامِع وَشرح الْبردَة وَمَا كتبه من التَّفْسِير وَغَيرهَا وعَلى الشرواني فِي التَّوَسُّط وَغَيره وَحج فِي حَيَاة أَبِيه وَكَانَ دُخُوله بِمَكَّة فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَخمسين وَسمع بهَا على المراغي والأسيوطي وَابْن هِنْد وَغَيرهم ثمَّ أَخذ بِالْمَدِينَةِ فِي سنة سبع وَخمسين عَن عبد الله بن فَرِحُونَ لقرَاءَته ثمَّ حج ثَالِثَة فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَاسْتقر فِي مشيخة الدوادارية وخزانة الْكتب الأشرفية برسباي وَغَيرهَا بعد أَبِيه وَكَذَا فِي تدريس الحَدِيث بِجَامِع طولون مشاركاً لِعَمِّهِ ثمَّ اسْتَقل بِهِ بعد مَوته مَعَ الْمُبَاشرَة بِهِ فِي تدريس التَّفْسِير بالجمالية برغبة عبد الْبر بن الشّحْنَة وَفِي الْفِقْه بالسكرية بِمصْر ودرس بعض الطّلبَة بل حدث باليسير هَذَا مَعَ مَا ذكر وزائد قَالَه السخاوي
قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رَحمَه الله تَعَالَى أَقُول وَبعد الْمُؤلف عمر حَتَّى انْفَرد بعلو الاسناد وتزاحم عَلَيْهِ الطّلبَة من الْعباد وَخرج لنَفسِهِ أَرْبَعِينَ حَدِيثا عشارية الْإِسْنَاد وَبَعض طلبته أَرْبَعِينَ حَدِيثا عشارية الْإِسْنَاد وَبَعض طلبته أَرْبَعِينَ أُخْرَى عالية فَرغب الطّلبَة فِي أَحدهمَا مَعَ غَالب مروياته فِي معرفَة العالي والنازل واسماء الروَاة واعتناء بِالتَّحْدِيثِ واعتقاد فِي الصُّوفِيَّة وصدقات مَعَ جلالة وعظمة وَلذَلِك ولي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِالْقَاهِرَةِ مرّة بعد أُخْرَى أَولهَا سنة إِحْدَى عشر وَتِسْعمِائَة وَثَانِيها فِي سنة ثَلَاثَة عشرَة وَاجْتمعت بِهِ فِي أَيَّام ولَايَته فِيهَا فَقَرَأت عَلَيْهِ أَشْيَاء ثمَّ عزل فِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا فضعفت بنيته وَقلت حركته لإستيلاء البلغم عَلَيْهِ وَقل مَا بِيَدِهِ وَاسْتمرّ مَفْصُولًا حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى
وفيهَا فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع عشر ذِي الْقعدَة توفّي الْفَاضِل برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن أبي بكر بن الشَّيْخ عَليّ الطرابلسي الْحَنَفِيّ نزيل الريدية من الْقَاهِرَة بمدرسته بِالْقَاهِرَةِ وَصلي عَلَيْهِ فِيهَا وَدفن بالقرافة وَكَانَ مولده فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَثَمَانمِائَة بطرابلس وَأخذ بِدِمَشْق عَن جمَاعَة مِنْهُم الشّرف بن عبد وَقدم مَعَه الْقَاهِرَة حِين طلب لقضائها فلازم الصّلاح الطرابلسي وَرغب لَهُ عَن تصوفها بالريدية لما أَخذ مشيخة الاشرف وَأخذ عَن الريمي شرح الفية الْعِرَاقِيّ للناظم وَعَن الشَّيْبَانِيّ اشياء وَكَذَا سمع على الْحَافِظ السخاوي شرح مَعَاني الْآثَار والْآثَار لمُحَمد بن الْحسن وَغَيرهمَا وعلق عَنهُ بعض التَّأْلِيف بل سمع على أبي السُّعُود الْقُرْآن والرضي والأوجافي
قَالَ السخاوي وَهُوَ فَاضل سَاكن دين مِمَّن حضر بعد فِي أثْنَاء سنة أَربع وَتِسْعين مَعَ الْحَنَفِيَّة بالقبة الدوادارية بَين يَدي السُّلْطَان وَعلم بِحَالهِ وفضله فأنعم عَلَيْهِ بأَشْيَاء ثمَّ قَرَّرَهُ فِي الجوالي المصرية عَن الكوراني قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد رحمه الله اقول وَبعد الْمُؤلف صَار من اكابر الْحَنَفِيَّة وَتَوَلَّى مشيخة الْمدرسَة القحماسية وَفصل كل قَضِيَّة لاجماعهم على علمه وخيره وصلاحه وَألف عدَّة مؤلفات مِنْهَا الاسعاف فِي حكم الْأَوْقَاف وجاور بِمَكَّة واقر فِي سنة خمس عشرَة وتسعماية ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة رَحمَه الله تَعَالَى