المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة ثلاثة وتسعين بعد التسعمائة - النور السافر عن أخبار القرن العاشر

[العيدروس]

فهرس الكتاب

- ‌سنة أثنين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاث بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع بعد التسْعمائَة

- ‌سنة خمس بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سِتّ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَان بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع بعد التسْعمائَة

- ‌سنة عشر التسْعمائَة

- ‌سنة أثنتي عشرَة بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاثَة عشر بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع عشر بعد التسْعمائَة

- ‌سنة خَمْسَة عشر بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سِتَّة عشر بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سَبْعَة عشر بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَانِيَة عشر بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع عشر بعد التسْعمائَة

- ‌سنة الْعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة إِحْدَى وَعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاث وَعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة خمس وَعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع وَعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَان وَعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع وَعشْرين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أثنين وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة خمس وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَرْبَعِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة)

- ‌سنة خمس وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَان وَأَرْبَعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة إِحْدَى وَخمسين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاث وَخمسين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع وَخمسين بعد التعسعمائة

- ‌سنة خمس وَخمسين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سِتّ وَخمسين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع وَخمسين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَان وَخمسين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع وَخمسين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة إِحْدَى وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاث وستي بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة خمس وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع وَسِتِّينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة احدى وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة اثْنَيْنِ وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سِتّ وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَان وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع وَسبعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة أَربع وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سِتّ وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة سبع وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع وَثَمَانِينَ بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة إِحْدَى وَتِسْعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة ثَلَاثَة وَتِسْعين بعد التسْعمائَة

- ‌سنة تسع وَتِسْعين بعد التسْعمائَة

الفصل: ‌سنة ثلاثة وتسعين بعد التسعمائة

مرحلة من تريم كَانَت إقاتمته بهَا وقصده إِلَيْهَا الزوار من الأقطار حَيا وَمَيتًا

وفيهَا توفّي الْحَكِيم شهَاب الدّين مَحْمُود بن شمس الدّين السندي وَكَانَ آيَة فِي الْحِكْمَة والمعالجات وَحكي ان بعض السلاطين اهدى إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود صَاحب كجرات أَشْيَاء نفيسة من جُمْلَتهَا جَارِيَة وصيفة فَأَعْطَاهَا السُّلْطَان لبَعض الوزراء فاتفق ان الْحَكِيم الْمَذْكُور جس نبضها قبل أَن يَمَسهَا ذَلِك الْوَزير فحذره من ذَلِك وَقَالَ ان من يُجَامِعهَا سيموت فأرادوا تجربته فِي ذَلِك فجاؤا بِعَبْد وادخلوه عَلَيْهَا فَمَاتَ لوقته فازداد تعجب الْوَزير وَسَأَلَهُ عَن السَّبَب فِيهِ فَقَالَ انهم اطعموا أمهَا فِي حَال حملهَا أَشْيَاء أورثت ذَلِك وان مهديها قصد هَلَاك السُّلْطَان

قلت فَللَّه دره من طَبِيب ماهر مَا احذقه وَقد ذكر الْقزْوِينِي فِي عجائب الْبلدَانِ مَا يقرب من هَذَا فَقَالَ عِنْد الْكَلَام على عجائب الْهِنْد وَمن عجائبها البيش وَهُوَ نبت لَا يُوجد إِلَّا فِي الْهِنْد سم قَاتل أَي حَيَوَان يَأْكُل مِنْهُ يَمُوت ويتولد تَحْتَهُ حَيَوَان يُقَال لَهُ فارة البيش تَأْكُل مِنْهُ وَلَا يَضرهَا وَمِمَّا ذكر أَن مُلُوك الْهِنْد إِذا أَرَادوا الْغدر بِأحد عَمدُوا إِلَى الْجَوَارِي إِذا ولدن وفرشوا من هَذَا النبت تَحت مهودهن زَمَانا ثمَّ تَحت فراشهن زَمَانا ثمَّ تَحت ثيابهن زَمَانا ثمَّ يطعموهن مِنْهُ فِي اللَّبن حَتَّى تصير الْجَارِيَة إِذا كَبرت تتَنَاوَل مِنْهُ وَلَا يَضرهَا ثمَّ يبْعَث بهَا مَعَ الْهَدَايَا إِلَى من أَرَادوا الْغدر بِهِ من الْمُلُوك فَإِنَّهُ إِذا غشيها مَاتَ

‌سنة ثَلَاثَة وَتِسْعين بعد التسْعمائَة

(993) هـ

وَفِي ربيع الثَّانِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين توفّي الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم قطب العارفين الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ أبي الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عوض بن عبد الْخَالِق بن عبد الْمُنعم ابْن يحيى بن يَعْقُوب بن نجم الدّين بن عِيسَى بن دَاوُد بن نوح بن طَلْحَة بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق رضي الله عنه الْبكْرِيّ الصديقي الشَّافِعِي الْأَشْعَرِيّ الْمصْرِيّ وَأم جده الْأَعْلَى أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد فَاطِمَة بنت الشريف تَاج الدّين الْقرشِي بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن يرحم بن حسان بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْحسن الْمثنى بن

ص: 369

بن حسن السبط وَرُوِيَ أَن الشَّيْخ كَانَ يفتخر بِهَذِهِ النِّسْبَة النَّبَوِيَّة وَيَقُول مَا أحب أَن لي بهَا كَذَا وَكَذَا

وَكَانَ هَذَا الشَّيْخ من آيَات الله فِي الدَّرْس والإملاء فَكَانَ إِذا تكلم فِيهِ تكلم بِمَا يحير الْعُقُول وَيذْهل الأفكار بِحَيْثُ لَا يرتاب سامعه فِي أَن مَا يتَكَلَّم بِهِ لَيْسَ من جنس مَا ينَال بِالْكَسْبِ وَرُبمَا كَانَ يتَكَلَّم فِيهِ بِكَلَام لَا يفهمهُ أحد من أهل مَجْلِسه مَعَ كَون كثيبر مِنْهُم أَو أَكْثَرهم على الْغَايَة من التَّمَكُّن فِي سَائِر الْعُلُوم الإسلامية والإحاطة بفنونها فيذكر لَهُ ذَلِك بعد الْقيام من الْمجْلس فَيَقُول لَيْسَ ذَلِك بِأَعْجَب من حَال الْمُتَكَلّم بِهِ فإنني فِيهِ مثله وَكَانَ إِلَيْهِ النِّهَايَة فِي اعْلَم حَتَّى كَانَ بعض أَئِمَّة الْعُلُوم والمعارف هُنَاكَ مِمَّن أفنى عمره فِي كسب الْعُلُوم الدِّينِيَّة والمعارف الربانية يَقُول وَالله لَا نَدْرِي من أَيْن هَذَا الْكَلَام الَّذِي نَسْمَعهُ من هَذَا الْأُسْتَاذ وَلَا نعلم لَهُ أصلا يُؤْخَذ مِنْهُ وَلَوْلَا الْعلم بسد بَاب النُّبُوَّة لاستدلينا بِمَا نَسْمَعهُ مِنْهُ على نبوته

وَأما مجالسه فِي التَّفْسِير بوما يقرره فِيهَا من الْمعَانِي الدقيقة والأبحاث الغاضة مَعَ اسْتِيعَاب أَقْوَال آثمة التَّفْسِير من السّلف وَالْخلف وَبَيَان أولاها بالاعتماد عِنْده وَذكر المناسبات بَين السُّور والآيآت وَبَين أسمآء الذَّات المقدسة وَالصِّفَات ومواضعها وَمَا قَالَه آثمكة الطَّرِيق فِي كل آيَة من عُلُوم الْإِشَارَة فَإِن الْقُرْآن نزل بهَا أَيْضا فَذَاك مِمَّا يحير الْعُقُول ويدهش الخواطر مَعَ كَون مَا يلقيه من ذَلِك كُله من أَلْفَاظ مخترعة بَالِغَة فِي الفصاحة والبلاغة والجزالة والإيضاح إِلَى الْغَايَة الَّتِي لَيْسَ وَرَاءَهَا غَايَة مَعَ كَون أَكْثَرهَا أَو جَمِيعهَا مسجعاً مقفى معرباً مَوْضُوعا فِي مَحَله الَّذِي لَا أولى مِنْهُ بِهِ لم يحفظ لَهُ أحدا هفوة فِي لفظ من أَلْفَاظه من جِهَة اعراب أَو تصريف أَو تَقْدِيم أَو تَأْخِير أَو غير ذَلِك من هفوات الْأَلْسِنَة فِي تَقْرِير الْعُلُوم وَمَا من درس من دروسه إِلَّا وَهُوَ مفتتح بِخطْبَة بديهية أَو غير بديهية مُشْتَمِلَة على الْإِشَارَة إِلَى كَا مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ ذَلِك الدَّرْس على طَرِيق براعة الاستهلال

وَهَكَذَا كَانَت مجالسه فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وكل علم يتصدر لتقريره لَا يظنّ سامعه المتمكن فِي ذَلِك الْعلم الْحَافِظ لأصوله وفرعه أَنه ترك فِي

ص: 370

كل بحث كلمة لأحد من الْمُتَكَلِّمين فِيهِ مَعَ مَا يبديه هُوَ من اختياراته الشريفه وَكَانَ الشُّعَرَاء من فضلاء مصر المتمكنين فِي علم اللُّغَة وقواعد الشّعْر ومذاهب الانشاء يقصدون يَوْم خَتمه فيكتبون القصائد البديعة فِي مدحه وَبَيَان مَا من الله بِهِ عَلَيْهِ من سَائِر النعم الظَّاهِرَة والباطنة فتتلى أَو المهم مِنْهُ على رُؤُوس الأشهاد فِي مجْلِس الشريف وَفِيه خلائق من الْخَاصَّة والعامة وَيجْلس هُوَ نفعنا الله ببركاته لاستماع مَا يُتْلَى مِنْهَا بَين يَدَيْهِ ويجيز على كل مِنْهَا وَيظْهر السرُور بهَا لطفاً مِنْهُ بأصحابها وجبراً لخواطرهم ومقابلة لحسن ظنهم وعقائدهم نفعنا الله ببركاته وَكَانَ إِذا قَامَ من كل مجْلِس جلس فِيهِ للتدريس فِي الْجَامِع الْأَزْهَر أَو غَيره يتَقَدَّم إِلَيْهِ النَّاس لتقبيل يَده والتبرك بدعائه إِذْ ذَاك والقرب من مَوْضِعه الشريف الَّذِي هُوَ مَوضِع الرَّحْمَة وَيَقَع بَينهم ازدحام عَظِيم وَرُبمَا سقط بَعضهم تَحت أَقْدَام النَّاس وَحَوله إِذْ ذَاك جمَاعَة من جند السُّلْطَان الرّوم وَغَيرهم قد حَلقُوا على حَضرته بِأَيْدِيهِم خشيَة عَلَيْهِ من الايذاء بالازدحام وَرُبمَا أَخذ وَاحِدًا مِنْهُم بِيَدِهِ الشَّرِيفَة وَهِي ممدودة لتقبيل النَّاس لطول زمن مدها لَهُم إِذْ كَانَ يقف لَهُم بعد درسه نَحْو سَاعَة زمنية ثمَّ يسير إِلَى جِهَة دَابَّته وَالنَّاس على الْغَايَة فِي الازدحام عَلَيْهِ إِلَى أَن يصل إِلَيْهَا وَمِمَّا يشْهد بِكَوْنِهِ بالْمقَام الْأَعْلَى من الْإِحَاطَة بأنواع الْعُلُوم وأصناف المعارف مَا كَانَ يتَكَلَّم بِهِ فِي مجالسه الْخَاصَّة والعامة من منظوم الْكَلَام ومنثوره

وَلما مرض وَالِده شيخ الْإِسْلَام وَفَارِس ميدان الْعُلُوم والمعارف أَبُو الْحسن الْبكْرِيّ نفعنا الله ببركاته مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ اختلى بولده الْمَذْكُور وَخَصه من مواهب اله بِمَا خصّه الله بِهِ ثمَّ استدعى بتلامذته ومريديه من شُيُوخ الْإِسْلَام وكبراء الْإِعْلَام مِمَّن أفنوا أعمارهم فِي الاستفادة مِنْهُ وَالْأَخْذ عَنهُ وَأمره بالاستفادة مِنْهُ وَالْأَخْذ عَنهُ وَالدُّخُول تَحت حكمه ثمَّ لما انْتقل وَالِده إِلَى دَار الْكَرَامَة هم بعض من عُظَمَاء تلامذته بِالْجُلُوسِ فِي مجْلِس وَالِده بالجامع الْأَزْهَر ظنا مِنْهُ أَن وَلَده الْمَذْكُور لم يبلغ رُتْبَة الْجُلُوس فِي مجْلِس وَالِده لصِغَر سنه إِذْ ذَاك فَإِن عمره إِذا ذَاك كَانَ نَحوا من إِحْدَى وَعشْرين سنة مَعَ أَنه لم يسْبق لَهُ قبل ذَلِك اشْتِغَال

ص: 371

بِالْعلمِ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ التأهل للجلوس فِي مجْلِس وَالِده الَّذِي هُوَ بالْمقَام الْأَعْلَى من كل علم وَمَعْرِفَة وَإِلَّا لم يستبعدوا ذَلِك مِنْهُ

وَقد ذكر اليافعي فِي تَارِيخه أَن ابْن سينا فرغ من الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وعمره ثَمَان عشرَة سنة مَعَ مَا قيل فِي ابْن سينا من الْقدح الْمَدْح فتقرر الْأَمر على أَن يعقدوا للمذكور مَجْلِسا يكون فِيهِ أَكثر عُلَمَاء مصر من سَائِر الْمذَاهب أَو كُله فَحَضَرُوا وَشرع الْمَذْكُور فِي تَقْرِير الْعُلُوم عَن ظهر قلب وَفِي ظَنِّي أَن كَلَامه كَانَ مَشْرُوعا فِي تَفْسِير الْقُرْآن فقرر فِي ذَلِك الْمجْلس من أَنْوَاع الْعُلُوم وأصناف المعارف مَا بهر عُقُولهمْ وحير البابهم فِي أَلْفَاظ لم يسمع السامعون فِي زمانهم أفْصح وَلَا أبلغ وَلَا أمتن وَلَا أجزل وَلَا أجمع مِنْهَا فاذعنوا لَهُ من ذَلِك الْآن وَعرفُوا أَنه أَحَق مِنْهُم وَمن غَيرهم من عُلَمَاء مصر وَغَيرهَا بِمَجْلِس أَبِيه وَلم يزل من ذَلِك الْآن الصَّدْر الْمُقدم فِي كل مجْلِس جلس فِيهِ من مجَالِس عُلَمَاء الاسلام وعلماء أَرْكَان الدولية الْإِعْلَام إِلَى أَن توفاه الله تَعَالَى إِلَى مَا منحه الله تَعَالَى فضاهى أَبَاهُ فِي حَاله ومقاله وحذا حذوه فِي الْعُلُوم ونسج على منواله وَتَابعه فِي أخلاقه الحميدة وآثاره الصَّالِحَة حَتَّى قيل مَا أشبه اللَّيْلَة بالبارحة وَقد أَشَارَ رحمه الله إِلَى مَا منحه الله من مَرَاتِب الْكَمَال فِي هَذَا السن فَقَالَ

وصلت وسني عشرُون مَا

تقاصر عَنهُ فحول الرِّجَال

فَمَا ابْن ثَمَانِينَ إِلَّا الْوَلِيد

ومجدي يزِيد بقومي وآلي

وَله جملَة تصانيف مِنْهَا شرح على مُخْتَصر أبي شُجَاع فِي الْفِقْه وَكتب أَيْضا على أَوَائِل مَنْهَج شيخ الاسلام زَكَرِيَّا شرحا وَلم تساعد الْقُدْرَة على اتمامه وَله رسائل فِي أَنْوَاع من الْعُلُوم والمعرف والآداب كرسالة فِي الِاسْم الْأَعْظَم ورسالة فِي الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ورسالته فِي آدَاب الشَّيْخ والمريد ورسالته فِي الزِّيَارَة وَغَيرهَا من الرسائل الجامعة النافعة الدَّالَّة على كَمَال تمكنه فِي سَائِر الْعُلُوم الإسلامية والمعارف الربانية وديوان شعر كَبِير وَكَانَ على مَا قيل يَقُول وَقت الْوَارِد وَرُبمَا كَانَ بَين النَّاس بمنزله الشريف أَو بَين أَهله أَو وَحده فورد عَلَيْهِ الْوَارِد فاستدعى

ص: 372

بالدواة والقرطاس وَكتبه إِذْ ذَاك وَمَا من معنى أَشَارَ إِلَيْهِ أَئِمَّة اطريف مِمَّا يتَعَلَّق بِالذَّاتِ المقدسة أَو الصِّفَات المنزهة أَو بِالذَّاتِ المحمدية وَالصِّفَات النَّبَوِيَّة إِلَّا وَله فِيهِ القَوْل الأبلغ وَاللَّفْظ الْأَفْصَح وَمن كَلَامه أقل وَاجِب على الْفَقِير أَن لَا يتَطَهَّر من نَجَاسَة الذُّنُوب بِالتَّوْبَةِ وَهِي الاقلاع عنالمعصية والندم على فعلهَا والعزم على تَركهَا ورد الظلامة إِن كَانَت وَقدر وَعَلِيهِ أَن يتدارك فوائت صلوَات تَركهَا وَأَن يُبَادر بِالنّظرِ والالتفات لأستاذ يَخْدمه ويتمثل أمره ويؤمره على نَفسه ليرج لَهُ خبائثها وينقب لَهُ عَن دسائسها ويستعين بِاللَّه ثمَّ بِهِ على طهراته من ذَلِك فَإِذا صَحَّ ذَلِك للْفَقِير فَهُوَ الْغَنِيمَة الْكَبِيرَة والإكسير الْأَكْبَر والكبري الْحمر وه بعد استنشاق رَوَائِح الْوُصُول آدَاب مِنْهَا أَن لَا تقف عَن مرتبَة بل يتخطاها بِصدق الْيَقِين وَمِنْهَا أَن لَا يشْهد أَنه وصل فَذَلِك حجاب عَظِيم بل يغيب فِي شُهُوده وَذَلِكَ هُوَ الْمقَام الْكَرِيم وَمِنْهَا أَن لَا ينفذ سهم نقمة عَن قَوس نَفسه لأحد من الْخلق وَلَو بَالغ فِي أذيته بل يُبَالغ فِي مُعَامَلَته بِالرَّحْمَةِ حَتَّى يبلغ الامهال أَجله وَيفْعل الله مايشاء وَالسَّلَام

وَسُئِلَ رضي الله عنه لم كَانَ فِي أهل مَكَّة قسوة الْقلب وَفِي أهل الْمَدِينَة لينها فَقَالَ لِأَن أهل مَكَّة جاوروا الحججر وَأهل الْمَدِينَة جاوروا الْبشر وَأنْشد بَعضهم بِحُضُور الْأُسْتَاذ الْمَذْكُور قَول الشَّاعِر

لله قَامُوس يطيب وُرُوده

اغنى الورى عَن كل معنى أَزْهَر

نبذ الصِّحَاح بِلَفْظِهِ الْبَحْر من

عاداته يلقى صِحَاح الْجَوْهَرِي

فَكسر الصَّاد من صِحَاح فَقَالَ الْأُسْتَاذ الصِّحَاح لَا تكسر فتعجب كل من كَانَ فِي الْمجْلس من هَذَا الْجَواب مَعَ سهولة اللَّفْظ والتروية ويروى عَن شيخ الْإِسْلَام الطبلاوي أَنه قَالَ الصِّحَاح بِالْفَتْح أفْصح وَأكْثر اسْتِعْمَالا وَمَا ألطف قَوْله قدس الله روحه إِذْ يَقُول

مَا أَرض مفتح الأزهار وبهيج مشعشع الْأَنْوَار

ولآل منظمات عقوداً

لغوان عرائس ابكار

وشموس تضيء فِي أفق السعد

زها ضوءها على الأقمار

وغصون بايكها تسجع

رق فتنسى ترنم الأوتار

ص: 373

.. مثل قَول الْإِلَه فِي حق جدي

ثَان اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار

ومنم نظمه فِي هَذِه الْوَسِيلَة الْعَظِيمَة وَهِي

مَا أرسل الرَّحْمَن أَو يُرْسل

من رَحْمَة تصعد أوتنزل

فِي ملكوت الله أَو ملكه

من كل مَا يخْتَص أَو يَشْمَل

إِلَّا وطه امصطفى عَبده

نبيه مختاره الْمُرْسل

وَاسِطَة فِيهَا وَاصل لَهَا

يعلم هَذَا كل من يعقل

فلذ بِهِ فِي كل مَا ترتجي

فَهُوَ شَفِيع دَائِم يقبل

وعذ بِهِ من كل مَا تختشي

فَإِنَّهُ المأمن والمعقل

وَحط احمال الرجا عِنْده

فَإِنَّهُ الْمرجع والموئل

وناده إِن أزمت انشبت

أظفارها واستحكم المعضل

يَا أكْرم الْخلق على ربه

يَا خير من فيهم بِهِ يسْأَل

قد مستني الكرب وَكم مرّة

فرجت كرباً بعضه يذهل

وَلنْ يرى أعجز مني فَمَا

لشدتي أقوى وَلَا أحمل

فبالذي خصك بَين الورى

برتبة عَنْهَا العلى ينزل

عجل باذهاب الَّذِي اشْتَكَى

فَإِن توقف فَمن أسأَل

فحيلتي ضَاقَتْ وصبري انْقَضى

وَلست أَدْرِي مَا الَّذِي أفعل

فَأَنت بَاب الله أَي امرء

أتاهمن غَيْرك لَا يدْخل

صلى عَلَيْك الله مَا صافحت

زهر الروابي نسة شمال

مُسلما مَا فلح عطر الْحمى

وطاب مِنْهُ الند والمندل

والآل والأصحا مَا غردت

ساجعة أمكلودها مخضل

وَمِنْه هَذِه الأبيات وأنشدها بَين يَدي الحضرة النَّبَوِيَّة وَحكي أَنه سمع المصراع الْأَخير مِنْهَا من الحضرة النَّبَوِيَّة

وَلما أَتَيْنَا قبر اشرف مُرْسل

ولاح لناسر الْعِنَايَة ينجلي

وغيب سر الرّوح فِي ملكوته

فَصَارَ عَن الأكوان فِي أَي معزل

وَسَار عَن الْجمع الْمُحِيط لربتبة

تعالت بسر الذَّات عَن وصف منزل

عرضت عَلَيْهِ مَا أُرِيد فَقَالَ لي

لِسَان تجلى الْحق مني بمقول

مجيباً بِمَا أملته من عطائه

سمعنَا وأعطينا فَوق المؤمل

ص: 374

وَمِنْه

أَتَيْنَا على النجب الْعتاق لطيبة

وَقد ضَاقَ من نَفسِي فسيح فضائها

وأنزلت حاجاتبي بِبَاب مُحَمَّد

على ثِقَة من نحبها وقضاثها

وَمِنْه

أحس من تنظر الْعُيُون فَتى

عرفه الله أَنه الله

أبعد عَنهُ حظوظه فغدا

فِي حَضْرَة قَصده الله

فرغه عَن جَمِيع عالمه

فَصَارَ بِالْحَقِّ شغله الله

ادخله خلوه مُقَدَّسَة

يذكرهُ فِيهَا وَذكره الله

علمه مَا يَشَاء ثمَّ علا

بِهِ إِلَيْهِ فَعلمه الله

حقق فِيهِ الْقبُول مِنْهُ لَهُ

فَإِن دَعَاهُ أَجَابَهُ الله

لطفه فارتقى وَزوج بِهِ

فِي النُّور فضلا فنوره الله

بلغه الْمُنْتَهى وأوصله

فَعَاد عبدا شُهُوده اله

ألبسهُ من ثِيَاب حَضرته

ملابساً رقمها هُوَ اله

وَبعد أَن صَار مُنْفَردا علما

قَالَ لَهُ إِنِّي أَنا الله

وَمِنْه

إِذا صدق صَحَّ العَبْد فِي حب مَوْلَاهُ

الأح لَهُ معنى الْجمال وابداه

وأغناه عَن أَوْصَافه ونعوته

وَالْجمع فِي غيب الْحَقِيقَة أبقاه

وأبلسه تَاج المعارف وَالْهدى

وآنسه بِالْقربِ مِنْهُ وَأَدْنَاهُ

وَمِنْه

إِذْ يعمر قلب بالاله غَدا

مرآه كل شُهُود كَامِل الرتب

واودعت فِيهِ بل لَهُ برزت

كل العومن فَلم يحْتَج إِلَى كتب

وَصَارَ بَيْتا يطوف العارفون بِهِ

ويدركون بِهِ المأمول من طلب

وَمِنْه أَي قلب قَابل الْحق فَلم

ينشرح هَذَا الْخلاف الْوَاقِع

وَأي صدر صَار معنى سره

ثمَّ لم يُغني بِفضل وَاسع

أَي عين أَبْصرت أنواره

ثمَّ تلتاح لابهى سَاطِع

ص: 375

.. غير أَنِّي ضيق الصَّدْر فَمَا

ذَاك إِلَّا من وجود الْمَانِع

ثمَّ لأحجر عَلَيْكُم سادتي

إِن رحمتم أَو قطعْتُمْ قَاطع

هَكَذَا أبقى كئيباً بائساً

حاش لله فذلي شَافِع

إِنِّي من تعلمُونَ أَنه

لم يزل فِي الْبَاب أوفى خاضع

لم يزل للعفو مِنْكُم راجياً

لم يزل فِي الْعَفو أقوى طامع

عجلوا بالغوث هَذَا وقته

وارحموا ذل كئيب خاشع

عبدكم فقيركم كسيركم

مَا لكم من جبره من دَافع

وَمِنْه

إِذا خطب ذَنْب علينا دجا

أنرنا دجاه بِنور الدجا

فكم شدَّة كمن ذنُوب عِظَام

لَهَا الله بِالْعَفو قد فرجا

كم ضقت ذرعا بجرمي فَمَا

وجدت سوى الفو لي مخرجا

فَللَّه الجأ وَلَا تيأسن

فَمَا خَابَ عبد إِلَيْهِ التجا

وَمِنْه

وَمَالِي شَيْء عَلَيْهِ اعْتِمَاد

وَلَكِن إِلَى فضلك الِاسْتِنَاد

جعلتك ذخري ليَوْم الخطوب

وغوثي وعوني يَوْم الميعاد

وَمِنْه

إِذا ضَاقَ أَمر فَلَا تيأسن

وَكن راجياً فضل رب مُجيب

فكم شدَّة وأتى بعْدهَا

من الله نصر وَفتح قريب

وَمِنْه استفتح الْفضل بِخَير الورى

رَسُول رب الْعَالمين الحبيب

وَلَا تخف بِاللَّه من حَاسِد

فَإِن مَوْلَاك عَلَيْهِ رَقِيب

واستعن بِالْحَقِّ وخل السوي

فَأَنت فِي حفظ الْقَرِيب الْمُجيب

واستمنح الْجُود بِهِ واثقاً

بِاللَّه فَالرَّأْي بِهَذَا مُصِيب

وَاجعَل جَمِيع الْعُمر فِي طَاعَة

فطاعة الْخَالِق أزكى نصيب

فَمن يطع الْخَالِق يُولد

من فيضه الباهر سر عَجِيب

فابكي زَمَانا مر فِي غَفلَة

بأدمع هاطلة كالصيب

ص: 376

.. وَتب إِلَى الله وخف قهره

أَو عد إِلَيْهِ عود عبد منيب

وَمِنْه

لَيْسَ للْعَبد سوى الله

فانتهض واصدق مَعَ الله

واترك الأكوان وارحل

عَن سوى الله إِلَى الله

وَاحْذَرْ الأغيار واشهد

كل ذِي الْأَشْيَاء من الله

والزم الْآدَاب واترك

حَاله الْخلق إِلَى الله

هَكَذَا من كَانَ عبدا

فوض الْأَمر إِلَى الله

لست تخشى قطّ سوء

إِن توكلت على الله

لَا وَلَا صداً وطرداً

إِن تَوَجَّهت إِلَى الله

كم عُيُوب ستر الله

كم ذنوبا غفر الله

وَمِنْه

إِذا ضَاقَ فَلَا تجزعن

وسلمك الْمولى بِهِ قد حمكم

وَإِيَّاك إياك أَن تعترض

فمعترض الْحق يلقى النَّدَم

وراض بأحكامه يرتقي

من الْمجد فَوق معالي القمم

ويؤتيه مَطْلُوبه عَاجلا

ويسعفه بسجال الْكَرم

وَيذْهب عَنهُ بتفريجه

مضايقة الدي قد أهم

فَمَا سَاد أهل الصَّفَا غَيرهم

سوى الْوَفَاء بعهود الذمم

وتسليمهم للاله الْعَزِيز

وتفويضهم لمعيد النعم

وَمِنْه

أمولاي قل لي ترى الدَّهْر باللقى

يمن فلي شوق إلييك شَدِيد

وَهل تمتلي الْعين مِنْك بنظرة

وَيقرب من بعد الْفِرَاق بعيد

وَمِنْه

أود من الدُّنْيَا صديقا موافياً

وفياً بِمَا أرضاه يرضى وينشرح

فَإِن لم أجد أَعرَضت عَن كل كَابر

وَقلت لقلبي قد خلا الْكَوْن فاسترح

ص: 377

وَمِنْه

إِن فِي الشاروخ معنى

يظْهر الْعرْفَان سره

إِن تعلى فَهُوَ وتر

أَو تدلى فَهُوَ كثره

وَمِنْه

قل لمن زَاد فِي ارْتِكَاب عَظِيم الذَّنب

دهراً وللحدود تعدى

مَا جَمِيع الذُّنُوب فِي جنب عَفْو الله

إِلَّا أقل من أَن تعد

وَمِنْه

يَا قلب إِن كنت قلبِي لَا تمل للْغَيْر

واصبر على حكم من نهواه تلقى الْخَيْر

واسلك وَلَو كنت فِي الرّفْعَة ضَعِيف السّير

واصدق مَعَ الله ترزق مثل رزق الطير

وَمِنْه

يَا قلب ان كنت قلبِي ارْض بالأقدار

وراقب الله فِي الاعلان والاسرار

واشهد بِعَين البصيرة بهجة الْأَنْوَار

مُسْتَهْلكا لجَمِيع الْحجب والاستار

وَمِنْه

يَا قلب ان كنت غب عَن الأكوان

وطب بنشوة مَا لَهَا ادنان

خمرة قديمَة علت عَن خير الْحدثَان

هِيَ المدام وساقي الْقَوْم والندمان

وَمِنْه

وَلَو أفرغوا كل الديَّان بباطى

وَلَو ابتغ سكرا لما مسني سكري

وَلَو ابْتغِي مُنْكرا وَقَالُوا مدامة

رَأَيْت فى طاشت بسكرته الْخمر

وَمِنْه هَذَا الْفَرد وَهُوَ أنْشدهُ السيخ يحيى الخزاعلى وَهُوَ تلميذ وَالِده الشَّيْخ أبي الْحسن وَقَالَ اجز يَا يحيى

ونفسك دع عَنْك التَّكَلُّف واطرح وَلَا تلْتَفت إِلَّا إِلَى الله تسترح

فَقَالَ الشَّيْخ يحيى

ونفسك سر السِّرّ ان فقت تسترح

فجل فِي مجَال الله بِاللَّه تسترح

وَمِنْه وَهُوَ مِمَّا قَالَ فِي مرض مَوته وَهُوَ آخر شعر أنْشدهُ

ص: 378

.. وَلَقَد اقول لطالبي إحسانهم

إحسانهم يَأْتِيك سعياً بِلَا طلب

كم فَرجوا من كربَة عَن عبدهم

وَكَذَلِكَ هم أهل التَّفْرِيج الكرب

وَوجدت بِخَط صاحبنا الْعَلامَة شهَاب الدّين الشَّيْخ أَحْمد بن الْعَلامَة عَليّ البسكري الْمَكِّيّ الْمَالِكِي المغربي قَالَ انشدنا شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد الْبكْرِيّ عِنْد نظره الى المَاء وتكسره وتجمده

أنظر الى المَاء الذى

بيد النسيم تجمدا

قد شبهوه بميرد

فلأجل ذَا يبرى الصيدا

وَالشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمي الْمَكِّيّ فِيهِ

وانه قطب هَذَا الْوَقْت دون مرا

بِهِ الْوُجُود ازدهى عطفا وانتظما

سمى خير البرايا سبط عتريه

ونجعل صديقه من فَضله عظما

قد عَنهُ واسمع بِهِ وَانْظُر اليه نجد

مَا قد ملا مسمعاً مَعَ مقله وفما

حدث عَن الْبَحْر ان حَدِيث عَنهُ وَلَا

عَلَيْك من حرج تخشى بِهِ التهما

بَحر يفِيض علوماً من جوانبه

بالبحث فِي كل فن موجه التطما

من حَضْرَة الْقُدس فيضاً حل عَن

الشَّيْخ تلقه إِلَّا بتخصيصص لَهُ قسما

مواهب باكتساب لَا تنَال إِذا

ادراكها اعجز الْحفاظ والفهما

وَمَا احسن قَول الأديب إِبْرَاهِيم ابْن المبلط فِيهِ من قصيدة طَوِيلَة

وكراماته غدته ببنات

لَيْسَ تخفى على النَّاس ظهورا

من أَبى بكر الإِمَام لَهُ جد

وَقد كَانَ للنَّبِي نَصِيرًا

ورفيقا وصاحبا واتيا

من عَدو فى الْغَار بَات مغيرا

حَاز إِسْنَاد علو رفيعاً

دَرَجَات على الْأَنَام وفورا

اخذ الْعلم عَن أَبِيه عَن الصّديق

عَن سيد الورى مأثورا

لَا نجف عين علمه عين ضد

فَهِيَ عين قد فجرت تفجيرا

وَله أَيْضا فِيهِ وَقد رَجَعَ من الْحَج ومدح فييها القهوة فَقَالَ

كفى شرفا لَهَا انها

قدار فِي الْحجر والحجره

وانها تشرب فِي حَضْرَة

الْأُسْتَاذ شيخ الْوَقْت والحضره

مُحَمَّد نجل أبي بكر الصّديق

أَعلَى رَبنَا قدره

ص: 379

.. أهللا بِهِ من قادم قد أَتَى

بعد تَمام الْحَج والعمره

مُسَافر طلعته أسفرت

عَن طلعة الشَّمْس يَا لَهَا سَفَره

فِي كل عَاميْنِ لَهُ حجَّة

وَالْحج لم يفْرض سوى مره

إِذا أَرَادَ الْحَج فى عَامه

لَا يرد يخْشَى وَلَا حره

مبارك الطلعة ميمونها

فَمن رأى وَجها لَهُ سره

قلت إِمَام عَارِف ذَاكر

لله لَا تاخذه فتره

لَهُ كرامات غَدَتْ للورى

ظَاهِرَة مظهرة سره

وَاعجَبا من حاسديه فَمَا

ينالهم شَيْء سوى الحسره

فَلَيْسَ فيهم من حذا حذوه

وَلَيْسَ فيهم من قفا أَثَره

مَا مِنْهُم الا قنبل بِلَا

سيف ومذبوح بِلَا شفره

يعجز عَن نيل علاهُ أمره

لَيْسَ لَهُ قدر وَلَا قدره

مَا اللَّيْث كالهر وَلَا الدّرّ

كالحصى وَلَا الصارم كالابره

ان كنت ذَا جهل بِعلم لَهُ

فاسال أولي الْأَخْبَار والخبره

وَكَانَ الشَّيْخ يحجّ فِي كل عَاميْنِ مرّة وَلابْن المبلط فِي تَارِيخ مجْلِس بناه الْأُسْتَاذ

يَا نَاظرا صلي على الْمُصْطَفى

وَآله الغر وَأَصْحَابه

وَاعْلَم بِأَن الْعلم كنز الْهدى

فَمَا قوام الدّين إِلَّا بِهِ

والزم حمى الْبكْرِيّ شمس العلى

ومرغ الخد باعتابه

ابوابه بالسعد مَفْتُوحَة

يَا سعد من لَاذَ بأبوابه

أنشأ بَيْتا جَاءَ تَارِيخه

يسلم من يدْخل من بَابه

وَكَانَ شيخ أهل هَذَا الطَّرِيق حَالا وَإِمَام اربابها حَقِيقَة ورسما ومحمى رسوم المعارف فعلا واسماً عباب لَا تكدره الدلاء وسحاب تنقاصر عَنهُ الْأَنْوَار مَعَ مَا خصّه الله بِهِ من الْعُلُوم والمعارف والأخلاق وجمال الصُّورَة والهيبة والعرفان والسكينة والعفة والصيانة والجود وَالرَّحْمَة وَالْقِيَام بِحُقُوق الْخَاصَّة والعامة وَلَقَد رَأَيْت من أَقْوَاله وَبَلغنِي من أخلاقه وأحواله مَا لَا تسعها عبارَة وَلَا يهتدى إِلَيْهَا بِإِشَارَة وَذكروا لَهُ كرامات كَثِيرَة

ص: 380

وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لم يكن لَهُ نَظِير فِي زَمَانه وَلم يخلفه بعده مثله رحمه الله وَكَانَ وَالِده من كبار أهل الْعلم بل قبل انه كَانَ مُجْتَهد زَمَانه والمجدد على رَأس الْمِائَة التَّاسِعَة وأحق النَّاس بالقضاة وَقد عرض عَلَيْهِ فَامْتنعَ مِنْهُ قولا باتاً وَهُوَ الْمجمع على انه فريد عصره علما وَولَايَة وَحَالا افصح أهل زَمَانه قَلما ومقالاً وأعظمهم سؤددا وجلالة ورفعةً وكمالاً عَالم الْمُسلمين دون نزاع وَشَيخ مَشَايِخ الْإِسْلَام الَّذِي انْقَطَعت عَن مضاهاته الأطماع وانتشرت مصنفاته كالآخذين عَنهُ إِلَى سَائِر الْبِقَاع واشتهرت كراماته ومكاشفاته حَتَّى رونها الألسن ووعتها الأسماع خَاتِمَة الْمُحَقِّقين لِسَان الْمُتَكَلِّمين حجَّة المناظرين بَقِيَّة السّلف الصَّالِحين

وَحكي أَن أمه رَأَتْ فِي الْمَنَام وَهِي حَامِل بِهِ كَأَن الشَّمْس أَو الْقَمَر فى سبايتها فَذَهَبت الى عَالم بالتغبير وقصتها عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا حملك هَذَا ذكر بملا الشرق والغرب علما وَكَانَ شيخ الطَّرِيقَة واحفظ من على وَجه الأَرْض بِالْحَقِيقَةِ وأفصح أهل زَمَانه على الاطلاق وأعظمهم نورانية وانشاءاً بالِاتِّفَاقِ ملك الْقُلُوب بعذوبة لَفظه وخدم السعد تَحت ركائب حَظه تعرف بِمن شآء بمعارف فَصَارَ من خاصته واجتنى ثَمَر صحبته ة تنكر على من شآء فَمَنعه استجلاء عرائس عرفانه وحجبه عَن حَضرته سَار فِي منَازِل السائرين سير الْجُنَيْد وفى منهاج العايدين سير أهل التَّجْرِيد أَعماله أغلبها قلبية وعلومه أَكْثَرهَا وهبية أَن تكلم فِي المعارف أبهر أهل العرفة أَو سكت خلت من لم يره قبل بأنواره قد عرفه لَا يتَكَلَّم فِي الْمحبَّة الا رايته ذَا شرف شَدِيد وَلَا يذكر بِاللَّه إِلَّا ألآن قلوباً فِي القساوة كالحديد تخال من حضر مَجْلِسه من الْقَوْم بِسَمَاع كَلَامه سكارى وَقُلُوبهمْ فِي شُهُود جماله عِنْد تنزل التجليات عَلَيْهِ واله حيارى لَا يرتاب ناظره مَعَ سَماع كَلَامه أَنه من أَرْبَاب الْقُلُوب وان المتنزل عَلَيْهِ من الْعلم اللدني قريب عهد بربه بارز من حَضْرَة علام الغيوب كَيفَ وَقد تربى فى حجر الْجلَال وارتضع من ثدي الْكَمَال واتصل نسبه بالذروة الصديقة أَو الشَّجَرَة المحمدية الحسنية بِاعْتِبَار أَنه سبط آل الْحسن وَجَاز كَمَال الْخلق الْحسن والفصاحة واللسن فَهُوَ ربيب أهل تِلْكَ الحضرة أهل الْولَايَة السَّابِقين بِأول نظرة الْمُمَيز من لدنهم فِي الْحَال طفوليته تَمْيِيز

ص: 381

الْمَوْعُود من قبلهم على لِسَان بَعضهم أَن يكون فِي مملكة الْعرْفَان ملكا عَزِيزًا مشاهداً فى اخر أمره صدق هَذَا الْوَعْد وإنجازه تنجيزا أَلا ترى الى لبسه خلع الرِّئَاسَة الدِّينِيَّة وَحَال العوارف وصون نَفسه عَن الذلة لأبناء الدُّنْيَا مَعَ الْعلم بانه مباجنا بل جنى ثَمَر المعارف جولانه فِي ميدان الرياضات وَقبل أَن ترسي سفينة قدسه الْجَارِيَة فِي بحار انسه على سواحل الْإِرْشَاد لمعالم الديانَات والى ابدائه فِي مجَالِس املائه لكلماته الفتحية العطائية وعرائس الْحَقَائِق الْبَارِدَة عَن حضرات الْفَتْح المحمدي وَاللِّسَان الصديقي ولعمري أَن النَّاظر إِلَيْهِ إِذْ ذَاك يشْهد طلعته عِنْد ذَلِك نورا مَحْضا بل ذَاته وملابسته كلهَا كَذَلِك لكنه نور جمال يتمنع النّظر اليه وَلَا يدع فَذَلِك من أثر التجليات الالهية عَلَيْهِ وَكَانَ مَا هُوَ عَلَيْهِ من الِاشْتِغَال بالتصنيف والإفتاء لَا يزَال يتَكَلَّم على طَرِيق الاملاء وَكَانَ يجلس بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَفِي الْمَسْجِد النَّبَوِيّ وَفِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى وفى الْجَامِع الْأَزْهَر وناهيك بِهَذِهِ الْمَوَاضِع الَّتِي كَانَ يجلس فِيهَا وَكَانَ كَأَنَّمَا يعْتَرف من بَحر اعاد الله عللينا من بركاته

وَحكي أَنه كَانَ لَا يملي على الْقُرْآن والْحَدِيث حَتَّى يطالع الْمحل الَّذِي يتَكَلَّم عَلَيْهِ كعادة غَيره قَالَ فَبَيْنَمَا أَنا أطالع فِي الكراس وَأَنا قَاصد إِلَى الْجَامِع إِذْ نوديت فِي سري يَا أَبَا الْحسن أما الْقُرْآن والْحَدِيث فإلينا وَأما غَيره فإليك فَمن ذَلِك الْعَهْد الى تَارِيخه مَا طالعت لأملأ عَلَيْهِمَا فلى غعلى ذَلِك تسع وَثَلَاثُونَ أَو قَالَ بضع وَعِشْرُونَ سنة وانما اجىء الى مَحل الالقاء ولالا أدرى مَا يلقى على لِسَان فَيجْرِي الله تَعَالَى عَلَيْهِ نَحْو مَا تسمعونه

وَله تصافيف كَثِيرَة لَا تحصى من جُمْلَتهَا تَفْسِير الْقرن الْعَظِيم واسْمه تسهيل السَّبِيل فِي فهم مَعَاني التَّنْزِيل وَشرح الْعباب الفقهي بشرحين مَبْسُوط ومختصر وَشرح روض ابْن الْمقري فِي حجم نصف شرح شَيْخه زَكَرِيَّا وَزَاد فِيهِ على شَيْخه اثنى عشر ألف فرع على كل فرع مِنْهَا علاقَة على الحاشبة بِصُورَة ف وَشرح منهاج النَّوَوِيّ بِخَمْسَة شُرُوح مِنْهَا الْكَنْز وَالْمُغني وَالْمطلب وَشرح الوردية فى النَّحْو وَاخْتصرَ من

ص: 382

ايسا غوجي فِي مِقْدَار ورقة صَغِيرَة وَجمع أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ حَدِيثا كل أَرْبَعِينَ مِنْهَا فِي نوع مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي الطّواف وَأَرْبَعُونَ فِي الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم واربعون فى الشيب واربعون فى السِّوَاك انى غير ذَلِك من المؤلفات الجامعة النافعة الدَّالَّة على كَمَال احاطته وعلو شَأْنه نفعنا الله ببركاته آمين

وَيُقَال إِن مؤلفاته تنيف على أَرْبَعمِائَة تأليف وَله حزب عَظِيم يُسمى حزب الْفَتْح وَقد شَرحه الْعَلامَة عبد النووى أَنه لَا يُوصف بِحل وَلَا بَحر الثَّالِث

جعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الشُّبْهَة وسطا بَين الْحَلَال وَالْحرَام

ص: 383

قَالَ ابْن سُرَيج فى الودائع أما الشُّبْهَة فهى الشىء الْمَجْهُول تَحْلِيله على الْحَقِيقَة وتحريمه على الْحَقِيقَة فَيجب فِيمَا هَذَا شَأْنه التَّوَقُّف عَن التَّنَاوُل لَهَا فَإِذا لم يجد غنى عَنْهَا تنَاول مِنْهَا على حسب الْكِفَايَة لَا على حسب الاستكثار لِأَن الله تَعَالَى أَبَاحَ الْميتَة عِنْد الضَّرُورَة وهى مُحرمَة فالشبهة دونهَا انْتهى

وَتوسع العبادى فَقَالَ فى الزِّيَادَات سُئِلت عَن الشُّبْهَة فى هَذَا الزَّمَان فَقلت هَذَا لَيْسَ زمَان الشُّبْهَة اجْتنب مَا عَرفته حَرَامًا يَقِينا

والتحقة قَائِلا بِلِسَان طلق فصيح الله الله مرَارًا مُشِيرا بسبابته وطرقه الى السَّمَاء اشارة تذكيرها قَالَ بِحَيْثُ ان الْجمال سمع لَفظه فَعجب غَايَة الْعجب وَقَالَ مَا شَأْن هَذَا الرَّضِيع وَكم سنه فَقلت لَهُ هَذَا ولد مجدوب وتجاهلت عَلَيْهِ وَكَانَ يَقُول انى اذا دهنى هَذَا الامر لَا دَوَاء إِلَّا الالتجاء إِلَى الله تَعَالَى وَلذَا لما عجب بعض أَرْكَان الدولة من كَثْرَة تَوَجُّهِي إِلَى الحضرة الحرمية مَعَ عَظِيم الْمَشَقَّة والضعف فِي بنيتي وَعظم الْمصرف الَّذِي يبلغ كل عَام ثَلَاثَة آلالف دِينَار بِاعْتِبَار الْمُجَاورَة وَقَالَ لى يَا سَيِّدي اما تتركوا الاكثار من السّفر إِلَى الْحجاز فَقلت لَهُ أَنْت إِذا عرضت لَك حاجات فى أَمر اللملكة مَاذَا تفعل قَالَ أسافر إِلَى بَاب السُّلْطَان لعرضها فَقلت لَهُ فَأَنا تعرض لي حاجات فاسافر إِلَى بَاب السُّلْطَان وَهُوَ بَاب الله تَعَالَى

وَمَا أحسن قَوْله فِي كِتَابه نتائج الذّكر فِي حقائق الْفِكر فِي أثْنَاء كَلَام لَهُ أَلا ترى الْحداد إِذا ادخل حَدِيدَة ليحميها فِي النَّار لأَنْت بَعْدَمَا كَانَت قاسية وبررت محمرة اللَّوْن بعد أَن كَانَت سَوْدَاء مظْلمَة وأضاء نورها وقوى اشراقها وانقدح شِرَارهَا فالاستغراق فِي الْمَذْكُور بالتخلي عَن السوي والتجلي بِشُهُود نعوت ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام مُسْتَغْرقا فِيهَا تذْهب أوصصاف البشرية مَا يكسبه الذاكر من أنوار المعارف القدسية فيتبدل وَصفه ويتغبر حلاه وتشرق أنوار علاهُ فهناك تذْهب الرسوم ويتجلى الحى القيوم والى ذَلِك الاشارة بقولى

أنوار ذاتك أشرقت فى ذاتي

فمحيت عَن كوني وكل صفاتي

ص: 384

.. وَخرجت عَن كل الْوُجُود حَقِيقَة

فجمال وَجهك فائق اللَّذَّات

ومنن شعره أَيْضا

قد كَانَ لي ارب قبل الْوُصُول بكم

فَمد تجيتم صرنا بِلَا أرب

ادهشتمونى عَن الاحساس قاطية

فصرت فَردا لكم فى سَائِر الزئب

وَهُوَ الذى افتى يحليه القهوة حَتَّى قَالَ فِي ذَلِك من أَبْيَات

كاللبن الْخَالِص فِي حلّه

مَا فارقته بِغَيْر الواد

وَله أَيْضا فِيهَا هَذِه الأبيات

أَقُول لمن قد ضَاقَ بالهم صَدره

وَأصْبح من كئر التشاغل فى الْفِكر

عَلَيْك بِشرب الصَّالِحين فَإِنَّهُ

شراب طهُور سامي الذّكر وَالْقدر

فمطبوخ قشر البن قد شاع ذكره

عَلَيْك بِهِ تنجو من الْهم فِي الصَّدْر

وخل ابْن عبد الْحق يفى بِرَأْيهِ

وخذها بفتوى من أبي الْحسن الْبكْرِيّ

وَاجْتمعَ هُوَ وجدي الشريف عبد الله بن شيخ عِنْد الْحرم الشريف وتعانقا وَكَانَ مَعَ الْأُسْتَاذ وَلَده صَاحب التَّرْجَمَة فَطلب لَهُ الدُّعَاء من الْحس الْبكْرِيّ فَاسْتَجَاب الله دعاؤهما فِي الِاثْنَيْنِ وصارا كِلَاهُمَا آيَتَيْنِ فقاق كل مِنْهُمَا فى عصره الأقران وَصَارَ قدوه لأهل زَمَانه وَكَانَ مولده سنة تسع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَلم اطلع على تَارِيخ وَفَاته هَذَا وَهُوَ الَّذِي مَنَعَنِي من ان اترجم لَهُ فى هَذَا التَّارِيخ بالاستقلال والا فَهُوَ جزى بذلك اذ هُوَ أوحد زَمَانه علما وَحَالا ومقاما ومغرقه رحمه الله

نعم مَاتَ رضي الله عنه فِي عشر السِّتين بِلَا خلاف فانه توفّي وَعمر وَلَده شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد الْبكْرِيّ اُحْدُ وَعِشْرُونَ سنة وَمَات الْمَذْكُور سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وعمره نَيف وَسِتُّونَ سنة فَليعلم وَالله أعلم وَخلف الشَّيْخ مُحَمَّد أَوْلَاد أَجلهم الشَّيْخ زين العابدين مَشى على طَرِيقه وَالِده فِي الْإِمْلَاء والدرس والجود وَالْكَرم ومحاسن الْأَخْلَاق والشيم مَعَ الجاه الْعَظِيم وَالْقَبُول التَّام عِنْد الْخَاص وَالْعَام وَذكروا عَنهُ كرامان وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَاتَ فِي سنة ثَلَاث عشرَة بعد الْألف رَحمَه الله

ص: 385

قتلة بعض باشوات مصر ظلما لَان الشَّيْخ كَانَ اغلظ لَهُ بالْقَوْل فِي بعض الْأُمُور فَغَضب وَقَتله ثمَّ أَن أهل مصر المحروسة قَامُوا على ذَلِك الرجل وقتلوه وَمن شعره

دَار فكري يَا رب فِي كل خلق

لم أجد سواك وحقك

فاغثى فإنى عبد رقك

وتطف وامنن عَليّ برزقك

وفيهَا توفّي الشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الْحق الْعقيلِيّ الْمَالِكِي بِمَكَّة وَكَانَ قد تربى فِي حجر الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة على ابْن مُحَمَّد البكرى المالكى وَأخذ عَنهُ وَقَرَأَ عيله فَهُوَ من أجل تلاميذته وَلِهَذَا اوصى إِلَيْهِ وَقت وَفَاته بتربية وَلَده صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن على البكرى فاخذ عَنهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِ حَتَّى برع وانْتهى إِلَى مَا انْتهى إِلَيْهِ رحمه الله آمين وَسمعت صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن عَليّ البسكري قَالَ سَمِعت شَيخنَا جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الْحق الْمَالِكِي يَقُول إِن الشَّيْخ الْكَبِير الرباني الْعَارِف بِاللَّه مُحَمَّد بن عراق أرسل إِلَى الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن عبد الْغفار الْمَالِكِي أَن يتْرك شرب القهوة فِيمَا بَين النَّاس ويشربها فِي خلْوَة وان يتْرك السماع وَأَن يتْرك لعب الشطرنج فَقَالَ لَهُ السيخ أَحْمد بن عبد الْغفار اما مَا أَمرتنِي بِهِ من ترك شرب القهوة فِيمَا بَين النَّاس وشربها فِي الخلوه فَكَانَ الأولى أَن تامرنى بعكس ذَلِك وَأما مَا أَمرتنِي بِهِ من ترك السماع فَلَا سمع وَلَا طَاعَة فِي ذَلِك وَأما مَا أَمرتنِي بِهِ من ترك لعب الشطرنج فَهُوَ حق وَصدق غبير أَنى ابْتليت بِهَذَا الدَّاء فاسأل الله لي تَعْجِيل الدَّوَاء وَالسَّلَام

قلت وَكَانَ تِلْمِيذه سيدنَا وصاحبنا الشَّيْخ أَحْمد الْمَذْكُور من أهل الْعلم وَالصَّلَاح مُتبعا للْكتاب وَالسّنة سالكا على النهج السّلف الصَّالح متصفا بالعفاف قانعا باكفاف لَا ترى فى أَكثر الْأَوْقَات إِلَّا مَشْغُولًا بمطالقة أَو كِتَابَة مظْهرا للجمالة لَهُ جملَة مصنفات مِنْهَا رِسَالَة فِي القهوة مفيدة جدا وَكَانَ كف بَصَره قبل وَفَاته بِقَلِيل وَكَانَت وَفَاته فِي لَيْلَة السبت ثَالِث عشر شهر ربيع الثَّانِي سنة تسع بعد الْألف باحمد اباد وعمره سَبْعُونَ سنة رحمه الله وَمن شعره

ص: 386

.. أَقْسَمت بِاللَّه مَا حَالَتْ مودتكم

يَوْمًا وَلَا حلت عَن عهدى وميثاقى

وَلَا تنقست أنفاساً ارددها

إِلَّا وَفِي ضمنهَا دمعي وأشواقي

وَقد لسعت بحيات الْفِرَاق وَلم

أجد لذذاتى ترياقا وَلَا راقى

غير العدعاء بَان الله يجمعنا

فِي سوحه كرماً من غير عواق

وَمِنْه أَيْضا فِي صدر رِسَالَة أرسل بهَا إِلَى بعض أَصْحَابه بِمَكَّة المشرفة

وحياة من حل الْحطيم وزمزما

والمروتين وَمن بِذَاكَ الْوَادي

مَا حلت عَن حبكم وَلَو أنني

حاولت ذَاك لما اطاع فُؤَادِي

وَمِنْه

تدارك أَيهَا الساقى نقوسا

ترقت والهموم الى التراق

بِنِعْمَة شادن توحي يَدَاهُ

إِلَى الأوتار آيَات اشتياق

فَقُمْ نملا صحائفنا سُرُورًا

بِشرب وَالْتزم واعتناق

وَمِنْه

إِذا الْعشْرُونَ من شعْبَان وافت

تهَيَّأ الصّيام وللقيام

وَلَا تكسل عَن الطَّاعَات فِيهِ

فَهَذَا الْوَقْت وَقت الاغتنام

فشهر الصَّوْم قد وافاك حَقًا

بِكُل المكرمات على الدَّوَام

وَمِنْه

إِلَّا قُولُوا لمن قد زَاد طَعنا

وعد وانا وَلَا يخْشَى رقيبه

سِهَام اللَّيْل قد قربت مدجاها

تنبه انها تأتى قَرْيَة

تيقظ من مَنَامك واخش مِنْهَا

وحقق انها تَأتي مصيبه

وَمِنْه

لله مجْلِس انس

حاوي جَمِيع المحاسن

قد تمّ حسنا وظرفاً

فَانْظُر إِلَيْهِ وعاين

وَمِنْه مُعَارضا قَول من قَالَ مدحا فى صَحِيح البخارى

صَحِيح البخارى لَو انصفوا

لما خطّ إِلَّا بِمَاء الذَّهَب

ص: 387

فَقَالَ رحمه الله

صَحِيح البخارى لَو انصفوا

لما خطّ إِلَّا بِمَاء الْبَصَر

وَمَا ذَاك إِلَّا لضبط الْأُصُول

وَعدل الروَاة ينْقل الْخَبَر

وَفِيه عُلُوم الورى جمة

تضمنها قَول خير الْبشر

وَقد فاق فضلا على غَيره

فأضحى إِمَامًا لكتب الْأَثر

هُوَ الْبَحْر علما فَإِن خضنه

ظَفرت بكثر الْهدى والدرر

فُلَانُهُ درسا وَلَا تبتغى

بِهِ غَيره فى المَاء وَالْبكْر

فقد قَالَ قوم لَهُم خبْرَة

هُوَ الْبُرْء من أَمر خطر

لدنبا وَأُخْرَى وَفِي كل مَا

ترجي وتبغي بِهِ من وطر

لجامعه رَحْمَة دَائِما

كقطر السَّمَاء ورمش النّظر

وعد الرمال وَمَاء الْبحار

وعد الطُّيُور وَنبت الشّجر

الى الْحَشْر والنشر والملتقى

بدار الْبَقَاء وَحسن الْمقر

وناظمها يرتجي دَعْوَة

من الصحب بِالْخَيرِ عِنْد النّظر

وصل آلهي على الْمُصْطَفى

وَمن نوره فاق ضوء الْقَمَر

وَآل وَصَحب وأتباعهم

وَمن جَاءَ من بعدهمْ فِي الْأَثر

وَمِنْه تخميس على هَذِه القصيدة الْعَظِيمَة وَهُوَ هَذَا

يَا من لَدَيْهِ العَبْد حَقًا يخضع

وَالروح مِنْهُ والجوارح نضرع

يَدْعُوك عِنْد الكرب فضلا تدفع

يامن يرى مَا فى الضَّمِير وَيسمع

أَنْت المعبد لكل مَا ينوقع

أَنِّي تعبت من الذُّنُوب وثقلها

هِيَ كالجبال فَلَا أُطِيق لنقلها

فامتنن على بمحوها ويغسلها

بامن يُرْجَى للشدائد كلهَا

يَا من إِلَيْهِ المشتكى والمفزع

يَا رب بالفرقان ثمَّ بلم يكن

هون على الحادثات لكى نهن

هَا عَبدك العاصى تحقق لايظن

يَا من خَزَائِن ملكه فِي قَول كن

امين فَإِن الْخَيْر عِنْد أجمع

يَا رب طاعاتي إِلَيْك قَليلَة

يَا رب أوزارى على ثَقيلَة

ص: 388

.. مَا لى ملاذ لَا وَلَا لى حِيلَة

مَالِي سوى فقري إِلَيْك وَسِيلَة

وبالافتقار إِلَيْك فقري أدفَع

كَيفَ السُّؤَال حقيرة وذليلة

وبضاعة التَّقْوَى لذى قَليلَة

وعوائد الافضال مِنْك جزيلة

مَالِي سوى فقرى اليك وَسِيلَة

فلئن رددت فَأَي بَاب أَقرع

يَا رب عَبدك يشتكي من سقمه

يَا رب من يَرْجُو لشدَّة غمه

إِن أَنْت تدفع عَظِيم ملمة

فَمن الذى أَدْعُو وَمَا هتف باسمه

إِن كَانَ فضلك عَن فقيرك يمْنَع

يَا رب هَذَا العَبْد اصيح راجيا

عفوا من الْمَاضِي وَمَا هُوَ آتِيَا

وَتَكون عني فِي الْقِيَامَة رَاضِيا

لَو دعك أَن تقنط عاضاة

الْفضل أجزل والمواهب أوسع فَائِدَة

ذكر ابْن جمَاعَة وَابْن عَسَاكِر والسهيلي أَن الأبيات السَّبْعَة الَّتِي أَولهَا يَا من يرى فِي الضَّمِير وَيسمع فِي خاصيتها الْإِجَابَة زَاد ابْن جمَاعَة وَرَأى ذَلِك مَنْقُولًا بِخَط النَّوَوِيّ عَن بعض العارفين وَمِنْه أَيْضا تخميس هَذِه الأبيات الْمَشْهُورَة الْبركَة وَهُوَ هَذَا

توسل بِالنَّبِيِّ وبالوصى

وبالحسين والشهم الزكي

وَكم لله من فضل وَفِي

وَكم لله من لطف خَفِي

يدق خفاه عَن فهم الذكي

إِلَيْهِ تَوَجُّهِي فِي كل دهر

عَلَيْهِ توكلي فِي كل أَمر

فكم من شدَّة ذهبت وفقر

وَكم يسر أَتَى من بعد عسر

فَفرج كربَة الْقلب الشجي

فشكراً للَّذي فلق الصباحا

فكم من أزمة عَنَّا ازاحا

وَكم هم تعاظم ثمَّ رَاحا

لَا وَكم أَمر تَاء بِهِ صباحا

وتأتيك المسرة بالْعَشي

إِلَى كم يَا جهول تزيد لؤما

وَمَا لَك لَا تفيق الدَّهْر نوماً

ص: 389

.. دع الأوطان يَا خلى وقوما

إِذا ضَاقَتْ بك الْأَحْوَال يَوْمًا

فثق بِالْوَاحِدِ الْفَرد الْعلي

إِذا ضَاقَ الفضاء وكل رحب

عَلَيْك بِكُل حَادِثَة وخطب

وَلم يجد الحبيب وكل صحب

توسل بِالنَّبِيِّ فَكل صَعب

يهون إِذا توسل بالنبى

إِذا لم تلق بالإخوان منعا

وضاق الْقلب بالأهوال ذرعا

توسل بالنبى تنَال

وبالصديق والفاروق جمعا

وَذي النورين وَالْمولى عَليّ

زمَان فِيهِ للأعداء أَمر

وجسم فِيهِ للالآم قهر

فَكُن يَا قلب ثبتاً فِيك صَبر

وَلَا تحزن إِذا مَا ضَاقَ صدر

فكم لله من لطف خَفِي

رويداً يَا زمَان فكم تعنت

فروحي نَحْو وَادي الْخيف حنت

وَنَفْسِي نَحْو خير الرُّسُل أَنْت

عَلَيْهِ صَلَاة رَبِّي مَا تغنت

حمامات على ورق رُوِيَ

وَمِنْه تخميس على بَيْتِي شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي

يَا رب كم من نعْمَة أسديتها

يَا رب كم من رَحْمَة أرسلتها

شكرا لفضلك كم ذنُوب غفرتها

يَا رب أَعْضَاء السُّجُود عتقتها

من فضلك الوافي وَأَنت الواقي

بِشِرَاك أَعْضَاء السُّجُود لَك الهنا

بِالْعَفو والغفران جَاءَ شرعنا

وَلَقَد عتقت الْبَعْض منا رَبنَا

وَالْعِتْق يسري بالغنا يَا ذَا الْغِنَا

فَامْنُنْ على الفانى بِعِتْق البافى

وَمِنْه أَيْضا تخميس على هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وهما للشَّيْخ عبد الْمُعْطى أَبَا كثير

أَدْعُوك يَا رب فِي الأصباح والأشراق

تمنن علينا من النيرَان بالاعتاق

وتبسط الرزق يَا وهاب يَا خلاق

يَا مَالك الْملك يَا فتاح يَا رزاق

يامن تكفل الْخلق بالارزاق

فرج علينا الهي كل أَمر ضَاقَ

وأمنن برزق وسيع فائض دفاق

ص: 390

.. يَا رب عَيْشًا هنيا صافياً قد راق

يَا رب عطفا علينا مِنْك بالاشفاق

وَفِيه يَقُول الشَّيْخ الْفَاضِل النحرير عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد الدبير أديب عصره وفريد دهره

وأفا الْكتاب من الملاذ البكرى

أزرى حلاوته بطعم السكرِي

فَغَدَوْت من فرحي بِهِ ومسرتي

نشوان رَاح فِي ثِيَاب تبخرى

حصلت بِهِ الى النسيم منورا

أمينة مثل الصَّباح المسفر

يَا سَيِّدي خلي صديقي قدوتي

مسدي إِلَيّ مواهباً لم تصغر

يَا جَامعا للْعلم طراً والعلى

وَجَمِيل شيم لَا يشنه ممترى

أَنْت الذى خضت الْعُلُوم باسرها

وَبَلغت قصواها وَلَيْسَ بمنكر

يَا وَارِثا شرفا الْفَضِيلَة كَابِرًا

عَن كَابر حَقًا بمثلك مفخري

أَعنِي شهَاب الدّين من فاق الورى

بِالْفَضْلِ وَالْأَدب الْأَغَر الأنور

مذ غبت عَنى لم أزل لَك ذَاكِرًا

بمناقب لَك وَالثنَاء الأعطري

هَل عطفة مِنْك يَا خل برأفة

فجواي نَام والتسلي مزدري

وَالله اسْأَل جمع شَمل عَاجل

فدعاء ظهر الْغَيْب صَاح مُؤثر

أبقاك رَبِّي للأفادة دَائِما

بالمصطفى الهادى الْأمين وجيدر

وللشيخ عبد اللَّطِيف الْمَذْكُور فِيهِ جملَة قصائد مِنْهَا قصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا

أَعنِي بِهِ أَحْمد الْمُخْتَار سيرته

خلقا وخلقا سة اه لَا يُسَاوِيه

شهَاب الدّين نجل عَليّ البسكري بَلَدا

الْمَالِكِي مذهبا من ذَا يساميه

قد خصّه بجزيل الْفضل خالقه

بسر طي معَان فِي معاليه

لَهُ بديع بَيَان فِي الْخطاب يرى

وجيز لفظ وَقد جلت مَعَانِيه

فكم جلا دررا تسمو الذرارى من

أَبْيَات أفكاره الْمَخْصُوص من فِيهِ

أخباره قد أَتَت فِي الْحَال تخبر عَن

مَاض ومستقب من أَمر باريه

حَدِيثه الْحسن العالي رِوَايَته

أعلت لسامعه شَأْنًا وَرَاوِيه

ص: 391

وَمِنْهَا قصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا

شيخ الزَّمَان البسكري المقتدى

فَالله يَكْفِيهِ الصوارف مَا بقى

وفيهَا فِي ثَانِي عشر الْمحرم توفّي الشَّيْخ الْفَاضِل الْعَالم الْمُحدث الْفَقِيه رحمه الله بن عبد الله السندي الْحَنَفِيّ نزيل الْمَدِينَة المشرفة بِمَكَّة وَدفن بهَا وَكَانَ من الْعلمَاء العاملين وَعباد الله الصَّالِحين رَحمَه الله تَعَالَى وطبق بعض الْفُضَلَاء تَارِيخ مَوته بِحِسَاب الْجمل فجَاء رحمه الله قد نَالَ مُرَاده وَزَاد فِي الْعدَد إثنان وَذَلِكَ مسامح فِيهِ عِنْد أهل هَذَا الْفَنّ خُصُوصا إِذا كَانَ التَّارِيخ فِيهِ مُنَاسبَة للْحَال

قلت وَأحسن من هَذَا مَا أتفق لوالدي رحمه الله فَإِنَّهُ ولد لَهُ ولد سَمَّاهُ فضل الله وَجَاء تَارِيخه أَيْضا فضل الله وَهَذَا من غَرِيب الاتفاقات ولطيف المناسبات قيل وَلما فرغوا من دَفنه مُطِرُوا فِي تِلْكَ السَّاعَة وَقد أَشَارَ صاحبنا الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ عبد اللَّطِيف الحامى الْمَكِّيّ الشهير بمخدوم زَاده إِلَى هَذَا فِي القصيدة الَّتِي رثاه بهَا فَقَالَ

رَحْمَة الله لَا تفارق مثوى

رَحْمَة الله بالحيا والغمام

وَكَانَ لَهُ أَخ أُسَمِّهِ حميد وَكَانَ من أهل الْعلم وَالصَّلَاح حسن الاخلاق كثير التَّوَاضُع وافر الْعقل ظَاهر الْفضل جليل الْقدر وَحصل لَهُ فِي آخر الْأَمر جاه عَظِيم جاور بِمَكَّة المشرفة تسع سِنِين وَمَات بهَا سنة تسع بعد الْألف وقبر عِنْد أَخِيه صَاحب التَّرْجَمَة وعمره نَحْو تسعين سنة وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ بَقِيَّة السّلف الصَّالح رحمه الله

وفيهَا فِي لَيْلَة الْخَامِس من الْمحرم توفّي الخان مُحَمَّد الفخان بن ياقوت الفخان سلطاني وَكَانَت وِلَادَته بِأَحْمَد أباد فِي لَيْلَة الْخَمِيس خَامِس شهر صفر سنة اثْنَيْنِ وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ شَابًّا صَالحا فَاضلا حسن الْأَخْلَاق والشيم مَشْهُورا بالسخاء وَالْكَرم وَغير ذَلِك من الصِّفَات الحميدة كالحياء والمروءة والعفاف والتواضع مفرطا فى الشجَاعَة وَكَانَ محبا لأهل الْفضل مقرباً لَهُم محسناً إِلَيْهِم مؤلفاً لَهُم حسن العقيدة فِي الاولياء وَالصَّالِحِينَ عَظِيم الرأفة بالفقراء وَالْمَسَاكِين وزر بكجرات وخواطب بالفخان بعد موت أَبِيه فحمدت سيرته ودام على ذَلِك بُرْهَة

ص: 392

من الزَّمَان وَلما استولى السُّلْطَان اكبر على كجرات سَار مَعَه إِلَى اكره وولاه كوالير ثمَّ اضاف إِلَيْهَا بهار وَكَانَ من جملَة الامراء الَّذين عينهم على بنكاله وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَاتَ بهَا رحمه الله

سنه أَربع وَتِسْعين بعد التسْعمائَة 994 هـ

وَفِي سنة أَربع وَتِسْعين توفّي العَبْد الصَّالح اتلخان الحبشي مُرِيد سَيِّدي الشَّيْخ الْوَالِد وَكَانَ مُبَارَكًا سليم الصَّدْر حسن العقيدة فِي الْأَوْلِيَاء وَالصَّالِحِينَ سِيمَا فِي شَيْخه سَيِّدي الْوَالِد فَإِنَّهُ كَانَ فانياً فِيهِ وَفِي محبته باذلا روحه وَمَاله فِي مرضاته وَكَانَ يحفظ لَهُ جملَة من الكرامات وَكَانَ يتَصَرَّف بِهِ وَكَانَ يكْتب للنَّاس التمائم بِخَطِّهِ فتنفع وَحكي أَنه كَانَ لَا يحسن الْكِتَابَة وَلَا الاستخراج فَذكر ذَلِك لشيخه الْمَذْكُور فَقدر عَلَيْهِمَا ببركته وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق لين الْجَانِب متواضعا كثيرا الصَّدَقَة والاحسان عفيفاً رَحمَه الله تَعَالَى آمين

وفيهَا كَانَ جهز السُّلْطَان أكبر عَسْكَر إِلَى الدكن مدَدا لبرهان شاه فانكسروا وَرَجَعُوا

سنة خمس وَتِسْعين بعد التسْعمائَة 995 هـ

وَفِي سنة خمس وَتِسْعين أحدث السُّلْطَان مُرَاد بن السُّلْطَان سليم بن السُّلْطَان سُلَيْمَان على بَاب الصَّفَا سَبِيلا للشُّرْب فَجعل الشَّيْخ الْفَاضِل عَليّ بن عبد الْكَبِير أَبَا حميد الْحَضْرَمِيّ أصلا الْمَكِّيّ وطناً لذَلِك تَارِيخا لطيفاً ونظمه فِي أَبْيَات فَقَالَ

أَنا سَبِيل أشاد مجدي

مليك كل الورى مُرَاد

مليك كل الْمُلُوك طراً

عجماً وعرباً لَهُ تقاد

فاق على قَيْصر وكسرى

بعدلله قرت الْبِلَاد

بأمنه عز كل قطر

الْغَوْر والسهل والنجاد

مد على الْخلق فيض بر

فَعَاشَ فِي فَضله الْعباد

صَار بِهِ للاله جاراً

وجاره الدَّهْر لَا يكَاد

يعم كل الْأَنَام نفعا

كَأَنَّهُ للورى عهاد

ص: 393

.. فَكَانَ لِلْخلقِ من نداه

مَاء بام الْقرى وَزَاد

لَهُ من الله سلسبيل

وكوثر مَا لَهُ نفاد

جَاءَ بِلَا غَايَة لمجد

تَارِيخ بُنْيَانه المشاد

أَسْنَى بالصفا سَبِيلا

لله سلطاننا مُرَاد

سنة سِتّ وَتِسْعين بعد التسْعمائَة 996 هـ

وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس تَاسِع الْمحرم سنة سِتّ وتسعمين توفّي الشريف الْفَاضِل مُحَمَّد بن الْحُسَيْن السَّمرقَنْدِي الحسينى بِالْمَدِينَةِ المشرفة وَكَانَ أهل الدينة إِذا أَرَادوا مُكَاتبَة أحد من الأكابر لَا يَكْتُبُونَ ذَلِك المرسوم إِلَّا باشائه وَلما مَاتَ أحصيت كتبه فَكَانَت ألفا وَتسْعُونَ كتابا وَوجدت بِخَطِّهِ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ

روحي ائتلفت بحبكم فِي الْقدَم

من قبل وجودهَا فِي الْقدَم

مَا يحل بِي بعد عرفانكم

أَن أنقل عَن طرق هواكم قدمى

وَذكر أَنَّهُمَا لسيدى الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلاني قدس الله روحه وانهما اذا قرئا فِي اذن المصروع أَفَاق الْبَتَّةَ وَاجْتمعَ هُوَ وَالشَّيْخ عبد الرؤوف الْوَاعِظ تجاه الْحرم الشريف فَحصل غيث فَقَالَ السَّيِّد مُحَمَّد السمر قندى

لله يَوْمًا بِفنَاء مَكَّة

تجاه بَيت الله أقْصَى الطّلب

فَقَالَ نزل الْغَيْث على سطحه

وسال من ميزاته وانسكب

فَقَالَ السَّيِّد مُحَمَّد

سُئِلت أَن أفْصح عَن كنهه

قلت لجينا قد جرى من ذهب

وَمن شعره ايضاً هَذِه القصيدة وهى فى مدح الشربف أَحْمد بن سعد الْحُسَيْنِي الْمدنِي رَئِيس الْأَشْرَاف بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وأولها

عز الديار بطول السمر والقضب

وَالْأَخْذ بالثار مَعْدُود من الْحسب

هَذَا بسعدك يَا ابْن الأكرمين أَتَى

وَإِن أردْت فَقل سعدي وَسعد أَبى

ص: 394

وفيهَا فِي يَوْم الْخَمِيس السَّابِع وَالْعِشْرين فِي شهر ربيع الأول توفيت السيدة سلمى بنت سَيِّدي الشَّيْخ الْوَالِد رحمهمَا الله وخلفت سِتَّة من الْأَوْلَاد الذُّكُور خَمْسَة مِنْهُم ابوهم السَّيِّد مُحَمَّد بن الشَّيْخ أَحْمد بن حُسَيْن العيدروس وهم حُسَيْن وَعلي وَعبد الرَّحْمَن وَأَبُو بكر وعلوي وَالسَّادِس أَبوهُ الْهَادِي بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب ابا علوى واسْمه أَحْمد أَصْلحهم الله بِمَا أصلح بِهِ آبَاءَهُم العارفين ورزقهم مَا رزق أولياءهم المقربين

وفيهَا فِي عصر يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع شهر شعْبَان توفّي الشَّيْخ الإِمَام والحبر الْهمام الرحالة الْمُحَقق المعمر الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن الصّديق الْخَاص الْحَنَفِيّ الزبيدِيّ وَدفن صَبِيحَة الْخَمِيس بِبَاب سِهَام وعمره نَحْو التسعين وَكَانَ من كبار عُلَمَاء زبيد وأعيان المدرسين بهَا وَبَقِيَّة الْمُفْتِينَ على الْمَذْهَب الامام الْأَعْظَم أَبى حنفية بقطر الْيمن وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي زَمَانه وَلم يخلف بعده مثله وَكَانَ الباشوات فَمن دونهم يعظمونه جدا ويقبلون كَلَامه وَلَا يردون شَفَاعَته غَالِبا رَحمَه الله تَعَالَى

وفيهَا وَقعت الزلزلة بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة فَقَالَ بعض الْفُضَلَاء من أهل مَكَّة فِي ذَلِك

إِذا زلزلت أَرض خير الورى

فزلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا

فشمر عَن سَاقه عَارِف

وَقَالَ عني ذَوُو النهى مَالهَا

وفيهَا خلع مرتضى نظام شاه فِي يَوْم سادس عشر شهر رَجَب وَمَات بعد ثَلَاثَة أَيَّام من خلعه ثمَّ وَلَده حُسَيْن عشرَة أشهر وَقتل يَوْم سادس عشر جُمَادَى الأولى قَتله الخراسانيون ثمَّ تسلطن بعده إِسْمَاعِيل بن برهَان شاه فَحكم إِسْمَاعِيل سنتَيْن وشهرين ثمَّ خلع بوصول أَبِيه برهَان

سنة سبع وَتِسْعين بعد التسْعمائَة 997 هـ

وَفِي سنة سبع وَتِسْعين توفيت الولية الصَّالِحَة السيدة الْخيرَة فَاطِمَة بنت السَّيِّد وَزَوْجَة السَّيِّد وَأم السادات بنت الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن على

ص: 395

زَوْجَة سَيِّدي الشَّيْخ الْوَالِد وَأم أَوْلَاده الْكِبَار وَكَانَت من العابدات الصَّالِحَات وَحكي عَنْهَا كثير من الكرامات ويكفيها أَنه يصدق فِيهَا مَا قيل فِي بنت الشَّيْخ عمر المحضار بنت القطب وَزَوْجَة القطب وَأم القطب

قلت وَبنت الشَّيْخ عمر الْمَذْكُور لم يكن لَهَا أحد من الْأُخوة وَأما هَذِه فأخوها الشَّيْخ الْكَبِير شهَاب الدّين بن عبد الرَّحْمَن وَقد قيل فِيهِ أَنه قطب فَتكون أُخْت القطب أَيْضا وَهَذِه وَالله هِيَ المناقب الَّتِى لَا تدْرك بِدُونِ الْمَوَاهِب فهنيئا لَهَا ذَلِك وطوبى ثمَّ حَيْثُ أَنَّهَا كَذَلِك رَحمهَا الله تَعَالَى وَكنت التمست من وَلَدهَا أخي السَّيِّد عبد الله أَن يطْلب لي مِنْهَا الدُّعَاء فَأخْبر أَنَّهَا تلفظت عِنْد ذَلِك وَالْحَمْد لله بِأَلْفَاظ تشعر بمزيد الاعتناء وَكَمَال السَّعَادَة بِحُضُور الْوَلِيّ الْكَبِير والعارف الشهير السَّيِّد الْجَلِيل جمال الدّين مُحَمَّد بن عقيل أَبَا علوى أَرْجُو من الله تَعَالَى ثَمَرَة ذَلِك وَمَا ذَلِك على الله بعزيز

وفيهَا سَافَرت من أَحْمد اباد إِلَى بروج واقمت بهَا سنة وشهران وَكتب إِلَى الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف الشهير بمخدوم زَاده فِي صدر مَكْتُوب شعر

مذ قدمتم لبروج وحللتم

برباها غارت جَمِيع النواحي

فَلِذَا أَرض سورت فِي اغتباط

لم تزل مثل غَيرهَا فِي نواح

وَكتب أَيْضا

أَنْت شمس وبروج لَك برج

وَكَذَا الشَّمْس فِي أبراجها تتنقل

فَعَسَى سُورَة بنورك تحظى

وعَلى خلقك الْعَظِيم الْمعول

وفيهَا وَقع الشُّرُوع فِي عمَارَة قبَّة ضريح سَيِّدي الشَّيْخ الْوَالِد شيخ بن عبد الله بن شيخ بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس أَبَا علوى وَوضع أول لبنة فِيهَا صَبِيحَة يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر جُمَادَى الأولى

وفيهَا فِي رَجَب الْفَرد فرغت من تصنيف كتابي الفتوحات القدوسية فِي الْخِرْقَة العيدروسية وَوَافَقَ تَارِيخ ذَلِك الْعَام بِحِسَاب الْجمل

ص: 396

عدد حُرُوف لبس خرقَة وَكَانَ جعل هَذَا التَّارِيخ صاحبنا الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجامي الْمَكِّيّ الشهير بمخدوم زَاده قَالَ وَلما كَانَ مَوْضُوع هَذَا الْكتاب الشريف والتأليف المنيف هُوَ لبس الْخِرْقَة أَتَى تَارِيخ ذَلِك لبس خرقَة وَقل أَن يتَّفق مثل هَذَا التَّارِيخ لَكِن سر نفس العيدروس سرى فأثر وعَلى مثلهم مثل هَذَا لَا يستكثر وَلَا يستنكر وَقد نظمت التَّارِيخ

لمن حلل الْكَرَامَة مُسْتَحقَّة

لمن أدّى لِبَاس الْفقر حَقه

لمحيي الدّين نجل شرِيف شيخ

وَمن حلى بدر اللَّفْظ نطقه

سليل العيدروس أَبَا وَأما

وَمن بدر السُّعُود أنار أفقه

تفقه فِي الْعُلُوم صَغِير سنّ

لقد نَالَ السَّعَادَة من تفقه

حباه الله علما من لَدنه

بِلَا كد أَتَاهُ وَلَا مشقة

فيا لَك عَالم علم أَمَام

لَهُ فِي الْعلم تَحْقِيق ودقة

وتأليف لَهُ كالبحر وافا

ابان بِهِ لَدَى الْفُضَلَاء حذقه

لما قد نَالَ من خلق وحلم

لَهُ الْأَحْرَار قد أضحت أرقه

فَصدق مَا أَقُول بِلَا نزاع

فقد أبدى لَك الرَّحْمَن صدقه

وَلما كَانَ ذَا التَّأْلِيف فِيمَن

تشرف فِي الانام بِلبْس خرقه

فَلَا عجب وَلَا بدع إِذا مَا

اتى تَارِيخ ذَلِك لبس خرقه

قلت وعارض هَذِه القصيدة الْمُبَارَكَة صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ البسكري الْمَالِكِي رَحمَه الله تَعَالَى

تَبَسم فاتنى يَوْمًا ببرقه

فذابت مهجتي وازددت عشقه

وحيرني وصيرني ذليلاً

واشعل فِي الْفُؤَاد وَقيد حرقه

فَقلت لَهُ ترفق بِي وسر بِي

طَرِيق اللاء قد أضحوا أرقه

وَلَا تمنع عبيدك من وصال

وَلَا تقطع بِفَضْلِك قطّ رزقه

فألوى معرضًا يُبْدِي دلالا

على من زَاد من جفنيه دفقه

يواصل صده فِي كل حِين

وَيمْنَع رفده وكذاك نطقه

فَلَمَّا أَن تَمَادى فِي صدودي

وادمى مقلتي والعظم دقه

وصرت مولهاً صبا كئيباً

حَزِين الْقلب من بعد وَشقه

ص: 397

.. ثنيت عنان شكواي إِلَى من

حباه الله مغربه وشرقه

إِمَام الْعَصْر قطب الْوَقْت حَقًا

واعلمه وأفضله وَافقه

هُوَ الحبر الإِمَام ونجل شيخ

وَمن نَالَ الْعُلُوم بِلَا مشقه

هُوَ الفخرالمعظم من تحلى

بِكُل المكرمات وَحَازَ سبقه

مرقى السالكين إِلَى مقَام

بادنى نظرة مِنْهُ وحدقه

رعاه الله مَا أحلى وأغلى

جواهره وَهَذَا الدّرّ نطقه

فعاينه بتصنيف عَظِيم

يُسمى الْفَتْح فِي الباس خرقه

لقد حلى الْمجَالِس حِين يقرا

جواهره بلطف ثمَّ رقّه

لقوم قد علوا عزا وشأناً

بهم يسقى الرَّحِيم الله خلقه

بِهِ أبدى كرامات عِظَام

وسطرها بِمَعْرِِفَة ودقه

لذا قد قَالَ رب الْفضل قبلي

أبان بِهِ لَدَى الْفُضَلَاء حذقه

وَضَابِط عَامه وَالْوَصْف قد جَاءَ

بِقَوْلِي الْكثير النَّفْع فافقه

فَلَا زَالَت دراريه توالي

علينا سرمداً مَا نَالَ افقه

وَعَبْدك أَحْمد يَرْجُو دواماً

لَهُ وَذَوِيهِ لَا يَنْفَكّ عتقه

لكم ولآلكم بَين البرايا

ويحميه من الاسواء ورفقه

بِحَق مُحَمَّد مَا نَار بدر

وَمَا لمعت بِذَاكَ الْخيف برقه

كَذَاك الْآل وَالْأَصْحَاب طراً

وَمَا ظهر السَّحَاب وجاد ودقه

سنة ثَمَان وَتِسْعين بعد التسْعمائَة (998) هـ

وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَتِسْعين توفّي الْوَلِيّ السعيد الشريف الْعَلامَة ذُو الْولَايَة والإمامة الْحَافِظ الضَّابِط مُسْند الدُّنْيَا مَالك أزمة الشّرف الْعليا مُحدث الديار اليمنية وفقيهها باجماع الْبَريَّة الطَّاهِر بن الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الأهدل جمال الدّين بركَة الْمُسلمين مُفِيد الطالبين وَصلي عَلَيْهِ بِمَسْجِد الأشاعر بعد صَلَاة الْعَصْر وَدفن بمقبرة أَهله بِبَاب سِهَام قَرِيبا من مشْهد الشَّيْخ الصياد

ولد سنة أَربع عشرَة وَتِسْعمِائَة بقرية المراوغة وَبهَا نَشأ وَتعلم الْقُرْآن وَقَرَأَ على إِمَام جَامعهَا الشَّيْخ الصَّالح الْفَاضِل الْعَلامَة فَخر الدّين أبي بكر الْمعلم عُلُوم النَّحْو والحساب وَالْفِقْه وَغير ذَلِك وَبِه تخرج ثمَّ

ص: 398

انْتقل إِلَى مَدِينَة زبيد ولازم شيخ الْإِسْلَام وعلامة الانام الْحَافِظ أَبَا الضياء عبد الرَّحْمَن بن عَليّ الديبع الشَّيْبَانِيّ فَقَرَأَ عَلَيْهِ وانتفع بِهِ انتفاعاً رقى بِهِ إِلَى دَرَجَة الْكَمَال وساد على الْأَمْثَال وَله مَشَايِخ كَثِيرَة فِي الحَدِيث وَغَيره مِنْهُم الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام أَبُو الْعَبَّاس الطبنداوي ومولانا عَلامَة الدَّهْر وَوَاحِد الْعَصْر الشَّيْخ وحيد الدّين عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد وَالسَّيِّد الشريف الْعَلامَة عبد المحسن بن السَّيِّد الأهدل وَالشَّيْخ إِمَام الْمُحَقِّقين وأستاذ الْمُحدثين شيخ الطَّرِيقَة وَإِمَام الْحَقِيقَة وجيه الدّين بركَة الْمُسلمين عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي وَقَرَأَ على الْأُسْتَاذ مفتي الْمُسلمين مُحَقّق عصره الْمولى برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم مطير وَأَجَازَ لَهُ وَأخذ على الْعَلامَة الْفَقِيه الفهامة الشَّيْخ شرف الدّين أبي الْقَاسِم بن الطَّاهِر بن جغمان وَأَجَازَ لَهُ أَيْضا وعَلى جمَاعَة آخَرين من آل جغمان وَغَيرهم وكل مِمَّن تقدم ذكره أَيْضا أجَاز لَهُ وارتحل إِلَى مَكَّة المشرفة وجاور فِيهَا وَاجْتمعَ فِيهَا بِجَمَاعَة من الْعلمَاء مثل شيخ الْإِسْلَام أبي الْحسن الْبكْرِيّ وَقَرَأَ عَلَيْهِ وَالشَّيْخ الْحَافِظ الْأُسْتَاذ أبي السعادات الْمَالِكِي وَأخذ عَلَيْهِ وَغير هَؤُلَاءِ من الْمَشَايِخ ثمَّ أَنه أنفرد بعد شَيْخه ابْن الديبع برئاسة تدريس الحَدِيث واتحد بسؤدد هَذَا الْعلم وَأخذ عَلَيْهِ خلق كثير ورحل إِلَيْهِ للأخذ عَنهُ من كل جِهَة من الأقطار

أَخذ عَنهُ جمع كثير من الْبَلَد وَغَيرهَا فَمنهمْ الْعَلامَة الْحَافِظ الْفَقِيه الفهامة شَيخنَا محيي الدّين عبد الْقَادِر أبي الْفَتْح الْبَزَّاز الشَّافِعِي وَالسَّيِّد الْعَلامَة الْفَقِيه الأصولي الْمُحدث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الحفيظ بن عمر الْبَزَّاز الشَّافِعِي وَالشَّيْخ الْعَلامَة الْأُسْتَاذ المفنن مفتي الْمُسلمين الصّديق ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد الْخَاص الْحَنَفِيّ وَالشَّيْخ الْفَقِيه الأديب النبيه مفتي الْحَنَفِيَّة مُحَمَّد بن أَحْمد الصَّابُونِي وَالشَّيْخ الْعَالم الْعَامِل الْفَاضِل الْكَامِل مفتي الْإِسْلَام شَيخنَا برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن جغمان وَشَيخنَا الْفَقِيه ابْن الْفَقِيه الْعَلامَة الْمُفْتِي مُحَمَّد بن الْوَلِيّ المقرب عبد الرَّحْمَن بن الْفَقِيه شيخ الْإِسْلَام أَحْمد بن مُوسَى الضجاعي وَالْقَاضِي الْعَلامَة الأديب الفهامة الرئيس النفيس أَمِين الدّين بن القَاضِي عبد الْعَلِيم الْأَحْمَر الشَّافِعِي كَاتب الخزانة السُّلْطَانِيَّة بالمملكة اليمانية وَالشَّيْخ الْفَقِيه الأديب الْعَالم الْأُسْتَاذ الصُّوفِي

ص: 399

عبد الله بن مُحَمَّد المشرع وَخلق كثير من الطّلبَة وَتخرج بِهِ ابْن ابْنه الْعَلامَة السَّيِّد الشريف الْحُسَيْن بن أبي بكر بن الطَّاهِر وَهُوَ من النجباء أبقاه الله وَهُوَ بِحَمْد الله تَعَالَى مُسْتَمر إِلَى الْآن على قِرَاءَة البُخَارِيّ بِمَسْجِد جده عبد الرَّحْمَن بن حُسَيْن الأهدل على سَيِّدي الشَّيْخ الْعَلامَة الصّديق الْخَاص مُدَّة شهر رَجَب وَشهر رَمَضَان كل سنة على مَا كَانَ زمَان السَّيِّد الطَّاهِر الْمَذْكُور من الْفُقَهَاء الْمُحدثين الْحفاظ وَفقه الله وأدام النَّفْع بِهِ وَحفظ بِهِ هَذَا الْبَيْت فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو من قديم الزَّمَان من ثَلَاثَة أَقسَام فَقِيه ومحدث ومحدث وَقد ذكر صاحبنا الأديب الْفَاضِل حُسَيْن بن عبد الْبَاقِي الزَّاهِر الزبيدِيّ هَذِه الْأَقْسَام فِي قصيدته الَّتِي امتدح بهَا سَيِّدي الشَّيْخ القطب الرباني عَليّ بن عمر الأهدل حِين زار ضريحه سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وأولها

مَا لَاحَ برق الْقَلِيل

إِلَّا وأجرى مقل

وشاقني لحيرة

على الْكَثِيب الأهبل

والأبيات الْمشَار إِلَيْهَا قَوْله

فَهُوَ أَبُو الاباء

خير منجب ومنسل

وَهُوَ أَبُو الأشبال

حَيا قَبره كل ولي

أَوْلَاده الزهر بهم

يدْفع كل معضل

فهم فريقان وجمعهم

وَمن الْفرق خلي

أما مُحدث فَقِيه

أَو مُحدث ولي

كم فيهم من قطب

كم فيهم من بدل

وَهِي طَوِيلَة

وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ المترجم لَهُ أوحد عصره علما وصلاحاً وَمَعْرِفَة تَامَّة ذَا حفظ واتقان وَضبط وَمَعْرِفَة بأسماء الرِّجَال وَجَمِيع علم الحَدِيث عمي آخر عمره بعد أَن حصل بِخَطِّهِ كتبا كَثِيرَة وصنف وَاخْتصرَ شرح دُعَاء أبي حَرْبَة تصنيف جده حُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن اختصاراً حسنا نَافِعًا فِي نَحْو خمس وَعشْرين كراساً خلصه مِمَّا كَانَ فِيهِ من الانكارات على أهل الله الصُّوفِيَّة وَسَماهُ مطَالب أهل الْقرْيَة فِي شرح دُعَاء الْوَلِيّ أبي حَرْبَة

ص: 400

وقرض على الْكتاب الْمَذْكُور الْعَلامَة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم مطير وَقَالَ مُخَاطبا للمؤلف

أَحْسَنت فِي طي مَا طَالَتْ مسافته

طي السّجل فَلم ينقص بل زادا

جَزَاك ذُو الْعَرْش خيرات شملن أَبَا

وأصلهم ثمَّ أَوْلَادًا وأحفادا

وَكتب عَلَيْهِ عمر بن عبد الْوَهَّاب النَّاشِرِيّ

تَأَمَّلت مِصْبَاح المطالب مرّة

فهان مُحِيط الْكَشْف فِي نقطة الْقرب

مدارك عرفان هَمت بمعارف

على عارفيها مثل مهمل السحب

فشكراً لمن أَتَاك ذوقاً وَحِكْمَة

وَفصل خطاب يفصل الْأَمر فِي الْخطب

ورثاه صاحبنا الأديب حُسَيْن الزَّاهِر بقصيدة على رُوِيَ بَيت الرسَالَة القشيرية

أما الْخيام فَإِنَّهَا كخيامهم

وَأرى نسَاء الْحَيّ غير نسائها

وَأول المرثية

مَا للنفوس تتيه فِي غلوائها

لم يثنها التقريع عَن أهوائها

وَهِي طَوِيلَة أعَاد الله علينا من بركته وبركة تبلغه وعَلى الْمُسلمين أَجْمَعِينَ ورحمه رَحْمَة الْأَبْرَار وَكتب إِلَيْهِ صاحبنا الْفَقِيه أَحْمد بن مُحَمَّد أَبَا جَابر يطْلب مِنْهُ الْإِجَازَة فِي علم الحَدِيث خُصُوصا صَحِيح البُخَارِيّ وَذَلِكَ بعد أَن قَرَأَ عَلَيْهِ نبذة من أَوله بِهَذِهِ الأبيات

يَا ناثر الدّرّ على مسمعي

بِحَضْرَة الانجاب فِي مجمع

وحافظ الْعَصْر ونحريره

الْفَاضِل الجهبذ واللوذعي

السَّيِّد الطَّاهِر زاكي الورى

نجل الْحُسَيْن الأروع الأورع

اسْمَع مقَالا راق فِي اللَّفْظ

وَالْمعْنَى وشاق الأنجب الألمعي

الجابري لزائر مستمسكاً

بِهَذِهِ الْآثَار والأربع

فقد قرا الْجَامِع مستأنساً

بسوحك المخضر والممرع

وقصده الْمُعظم من فَضلكُمْ

اجازة تحلو على المسمع

بِمَا لكم فِي ذَاك من مُسْند

عَن كل حبر مفصح مصقع

ص: 401

.. وَمَا رويتم مُسْندًا عَالِيا

عَن الإِمَام الْحَافِظ الديبع

وَمَا اخذتم عَنهُ من نثره

ونظمه المعجب والمبدع

أبقاك رب الْعرض فِي نعْمَة

دائمة فِي جَانب أرفع

مَا غنت الورقاء فِي رَوْضَة

ولعلع الرَّعْد على لعلع

فَأَجَابَهُ باجازة بِخَط الْعَلامَة الْفَقِيه عبد الله بن مُحَمَّد المشرع أجل تلامذته قَالَ الْفَقِيه أَحْمد أَنْشدني شَيخنَا الطَّاهِر مُسْند البُخَارِيّ ومسند مُسلم فِي هَذِه الأبيات حَال قراءتي عَلَيْهِ البُخَارِيّ

لنا مُسْند عَال سَمَاعا وَنسبه

إِلَى الْحَافِظ الحبر البُخَارِيّ يَسْتَعْدِي

فجامعه يرويهِ عَن الزين شَيخنَا

عَن الْعلوِي البُخَارِيّ أخي الرشد

عَن العرولي وَهُوَ مُوسَى فَتى مَرْوِيّ

عَن الْمسند الْحجاز أَحْمد ذِي السعد

عَن ابْن الزبيدِيّ عَن أبي الْوَقْت شَيْخه

عَن الداوودي عَن ابْن حمويه الْفَرد

عَن المنسد الحبر الْفربرِي وَهُوَ عَن

إِمَام الورى الثبت البُخَارِيّ ذِي النَّقْد

وَمُسلم يرويهِ عَن الزين شَيخنَا

عَن الْجَزرِي شمس الْهدى صَالح الْقَصْد

عَن المتقن الْعدْل الشهابي ذَاك عَن

إِمَام الْهدى الشَّمْس ابْن قماح الْمهْدي

عَن الوَاسِطِيّ إِبْرَاهِيم الثبت وَهُوَ عَن

أبي الْفَتْح مَنْصُور الفراوي عَن الجهدي

عَن الْفَارِسِي المرتضى عبد غَافِر

عَن ابْن الجلودي اضمم لَهُ الْجِيم تستهدي

عَن ابْن لِسُفْيَان الْفَقِيه الَّذِي رَوَاهُ

عَن مُسلم فاحفظه إِن كنت ذَا جهد

وَقد كنت طلبت من الْفَقِيه أَحْمد رحمه الله أَن يُخْبِرنِي بِهَذَا السَّنَد فَامْتنعَ عَليّ تأدباً معي ثمَّ أجازني وَللَّه الْحَمد وَطلب مني أَن أجيزه بسندي إِلَى جَامع الصَّحِيح فَفعلت وكتبت لَهُ ذَلِك مَعَ الْإِجَازَة بِلبْس الْخِرْقَة وَالْإِجَازَة بمصنفاتي ومصنفات وَالِدي وَسَائِر رواياتي وَلَا بَأْس أَن أذكر هُنَا اسنادي الْمُتَّصِل إِلَى الإِمَام البُخَارِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ ونفعنا بِهِ فِي الدَّاريْنِ آمين

تتميما للفائدة فَأَقُول أَخْبرنِي الشَّيْخ الإِمَام الْمسند المعمر عبد الْمُعْطِي بن حسن بن الشَّيْخ الإِمَام عبد الله أَبَا كثير قَالَ أَخْبرنِي بِهِ شيخ الْإِسْلَام مُجَدد الدّين خَاتِمَة الْعلمَاء والمسند ابْن أَبُو يحيى زين الدّين زَكَرِيَّا بن مُحَمَّد بن

ص: 402

أَحْمد بن أَحْمد بن زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي قَالَ أخبرنَا بِهِ حَافظ الْعَصْر وعلامة الدَّهْر أَبُو الْفضل شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن حجر الْعَسْقَلَانِي ثمَّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي قَالَ أخبرنَا بِهِ النَّجْم أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحِيم بن عبد الْوَهَّاب الْحَمَوِيّ الْمصْرِيّ قَالَ أخبرنَا بِهِ الصّلاح أَبُو عَليّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد الزفتاوي الْمصْرِيّ قَالَ أخبرنَا بِهِ الشَّيْخ الْمسند المعمر مُلْحق الأحفاد بالأجداد أَبُو الْعَبَّاس شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي طَالب الحجار قَالَ أخبرنَا بِهِ أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي بكر بن روزويه القلانسي قَالَ أخبرنَا بِهِ أَبُو الْوَقْت عبد الأول بن عِيسَى السبحري الْهَرَوِيّ قَالَ أخبرنَا بِهِ أَبُو الْحسن عبد الرَّحْمَن بن المظفر الداوودي قَالَ أخبرنَا بِهِ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن حمويه السَّرخسِيّ قَالَ أخبرنَا بِهِ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف الْفربرِي قَالَ أخبرنَا بِهِ مُؤَلفه الْحَافِظ الْحجَّة إِمَام الْمُحدثين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ سَمَاعا عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ مرّة بفربر وَمرَّة ببخارى فَذكره وَلما وفقني الله تَعَالَى وَله الْحَمد من بَين أهل زماني لخدمة هَذَا الْكتاب الشريف الَّذِي مَا لَهُ فِي فَضله ثَانِي فقريء بِحَمْد الله تَعَالَى على يَدي مرَارًا عديدة فِي أَوْقَات مباركة ومجالس سعيدة واتخذت ذَلِك دأبي على مر الشُّهُور والسنين وَبلغ عدد الْقِرَاءَة إِلَى تَارِيخ الْآن فَوق الْأَرْبَعين وشاع ذَلِك فِي التهائم والنجود وسارت بِذكرِهِ الرفاق والوفود حَتَّى قَالَ بَعضهم من قصيدة امتدحني بهَا

كل مسلسل يروي صِحَاح حَدِيثه

وَعَلِيهِ كم صَحِيح بخاري

وَقَالَ الآخر

هَذَا البُخَارِيّ لم يزل تاليه فِي

بَدْء وَختم فِي مقامك شادي

يرويهِ عَنْك عَن الَّذين رويته

عَنْهُم بِصِحَّة مُقْتَضى الاسناد

فاشكر آله الْعَرْش جلّ ثَنَاؤُهُ

لقد اصطفاك فَأَنت أَي مُرَاد

وانشد فضلاء الْعَصْر فِي ذَلِك القصائد البديعة والخطب البليغة وَمن ذَلِك قصيدة الأديب الْفَاضِل النَّاظِم الناثر الْعَلامَة حُسَيْن بن عبد الْبَاقِي الزَّاهِر الزبيدِيّ وأرسلها إِلَى الْهِنْد من زبيد المحروسة كَانَ الله لَهُ آمين

كأس الحَدِيث عَن الأحباب معسول

أطلق مسلسلة فالشمل مشمول

ص: 403

.. وهات عَن سَاكِني الجرعاء لي خَبرا

اسناده مَا لقلبي عَنهُ تَحْويل

عمري لقد لذ فِي سَمْعِي مكرره

وكل شَيْء على التّكْرَار مملول

شَبَّبَ لسمعي بِنَاء عَن مواصلتي

وارفع حَدِيثك عَنهُ فَهُوَ مَوْصُول

فطالما وصل العذال من طرق

اسناد عذل لسمعي وَهُوَ مَعْلُول

قَالُوا نرى الْحبّ قد أوهاك قلت لَهُم

ذَاك الضعْف عِنْد حبيب الْقلب مَقْبُول

يَا فارغي الْقلب لي عَن لومكم شغل

هَل يَسْتَوِي فارغ منا ومشغول

لساكني الجرع من وَادي العقيق جرى

من مطلب الْعين كنز كُله لولو

وشهب دمعي حمراً فِي الخدود جرت

وطرف طرفِي بِقَيْد النَّجْم مشكول

لَكِن مسانيد أخباري سترفعها

نصا حسان صحيحات مَرَاسِيل

سأمتطي فِي الفلا هوجاً مشرفة

فِيهَا على الأين ارقال وتبغيل

خَفِيفَة الرّوح لَكِن فِي مسامعها

وقر إِذا قَالَ حادي عيسنا قيلوا

لم تكتحل بمنام فِي فراسخها

حَتَّى يلوح لَهَا من طيبَة ميل

يَا لهف نَفسِي ضَاعَ الْعُمر فِي لعب

وَلَيْسَ عِنْدِي إِلَّا القال والقيل

وواعظ الشيب فَوق الرَّأْس قَالَ افق

إِلَى مَتى أَنْت باللذات مَشْغُول

إِلَى م يَا نفس لَا تلوي الْعَنَان عَن

الْعِصْيَان غَرَّك من ذِي الْبَطْش تهيل

لوذي بِبَاب رَسُول الله واعتذري

فالعذر عِنْد رَسُول الله مَقْبُول

جاه الرَّسُول عَظِيم عِنْد خالقه

بِهِ تهون على الْخلق التهاويل

أعْطى مقَاما شريفاً دونه وقفت

رسل الآله وروح الْقُدس جِبْرِيل

روح من الْفَيْض منشاه يقوم بِهِ

من مُطلق النُّور تَقْوِيم وتشكيل

مَا كَانَ فِي ملاء إِلَّا ولاح بِهِ

لمظهر الْحق بَين الْخلق تَعْدِيل

فكم تنقل من صلب إِلَى رحم

حَتَّى انْتهى لابيه الطول والطول

وَكم لقس وشق مَعَ سطيح بِهِ

بشائر وتخاويف وَتَأْويل

وَانْشَقَّ ايوان كسْرَى عِنْد مولده

وانحط عَن رَأسه تَاج واكليل

وناره خمدت من بعد مَا عبدت

لَهَا قُرُون وجيل بعده جيل

ونكس الله أصنام الطغام لَدَى

الْبَيْت الْحَرَام وعرش الشّرك مثلول

وباءت اللات والعزى بذلتها

ونالها بعد ذَاك الْعِزّ تذليل

رد الآله بِهِ عَن بَيته فرقا

وافته يقدمهَا فِي سَيرهَا الْفِيل

فَلَا وَرَبك مَا بروا وَلَا ثبتوا

وصرعتهم على الأَرْض الأبابيل

ص: 404

.. وَكم لَهُ معجزات كالشموس سنا

بهَا لاشراق وَجه الْحق تهليل

لَا حد يحصرها لَا عد يضبطها

وَلَيْسَ يجهلها إِلَّا المجاهيل

مَا مس بالكف ذَا دَاء أضرّ بِهِ

إِلَّا وزند يَمِين الدَّاء مشلول

وَمن يسير سقى جَيْشًا واطعمه

وفاض من بعد مشروب ومأكول

وَالْعود أَوْرَق والعرجون فِي يَده

مهند من سيوف الله مسلول

والبدر شقّ لَهُ نِصْفَيْنِ أَي بمنى

وَأشْهد النَّاس طه وَهُوَ مجذول

بِهِ شرائع كل الرُّسُل قد نسخت

وَمَا لشرعته نسخ وتبديل

لذاك لَو عَاشَ مُوسَى لم يَسعهُ سوى

اتِّبَاعه عَنهُ هَذَا القَوْل مَنْقُول

بِخَاتم الرُّسُل صرنا أمة وسطا

لنا على الْأُمَم الماضين تَفْضِيل

وَفِي الْقِيَامَة من نور الْوضُوء لنا

دون الورى غرر زهر وتحجيل

كتَابنَا احكمت آيَاته فَكَذَا

لِسَان كل بليغ عَنهُ مسلول

هُوَ الْقَدِيم فَلَا يبْلى محاسنه

من الجديدين دع مَا قَالَ ضليلي

أَخْبَار من قبلنَا فِيهِ محررة

وَفِيه وللدين تَفْرِيع وتأصيل

بِهِ الرَّسُول تحدى كل ذِي لسن

وَهل تقوم مَعَ الْحق الأباطيل

هَل بعث أَحْمد إِلَّا رَحْمَة شملت

وظلها أبدا فِيهِ لنا طول

لنا عَن البوق والناقوس أَي غنى

إِذْ جَاءَ آذان وتكبير وتهليل

ومزق الله جَيش الْمُلْحِدِينَ بِهِ

وكل من حجَّة الْإِسْلَام مجذول

بِسَيْفِهِ دمر الْأَعْدَاء فَلم يقهم

من نسج دَاوُد فِي الهيجاء سرابيل

وَقد أمد بصحب كَالنُّجُومِ هم

السّعر المغاوير وَالصَّيْد البهاليل

هم الليوث العبوس الشوس لَيْسَ لَهُم

سوى القنا السمر أَو بيض الظياغيل

وبالمليك والرغب الْعَظِيم على

شهير وللريح فِي الْأَعْدَاء تنكيل

يَا سَيِّدي يَا رَسُول الله خُذ بيَدي

فلي عَلَيْك غَدا فِي الْحَشْر تعويل

يَا أصدق الناطقين الصَّادِقين لَدَى

قَول وَفعل وَيَا من قيله القيل

يَا من علا ورقى السَّبع الطباق إِلَى

مقَام قرب تناءى عَنهُ جِبْرِيل

كقاب قوسين أدناه وَكَلمه

مَوْلَاهُ فِي حَيْثُ لَا أَيْن وتمثيل

وَهَذِه رُتْبَة مَا نالها ملك

أَو مُرْسل حبله بِاللَّه مَوْصُول

هَذَا حَدِيثك يَا فتح الْجواد قرأناه

ومسك الختام الْيَوْم تَكْمِيل

الفاظه كربيع زَاهِر أنق

زاه بهتان مَاء المزن مطلول

ص: 405

.. بِهِ المعاجم تزهو والجوامع فِي

عُقُود أَبْوَابهَا مِنْهُ قناديل

وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ غنية لَك يَا

من سر فكرته كالسين مصقول

فَهُوَ الإِمَام أَمِير الْمُؤمنِينَ أَمِين

الْمُصْطَفى عَنهُ هَذَا الْعلم مَحْمُول

الْحَافِظ الثِّقَة الْعدْل الْخَبِير بِإِجْمَاع

الثِّقَات صَدُوق القَوْل مَقْبُول

فانظمه يَا رب مَعَ خير الورى فَلهُ

قلب بسنته الْبَيْضَاء مَشْغُول

وَقد سمعناه من لفظ الْخَبِير بِهِ

قِرَاءَة زانها فِي الْجمع ترتيل

حَتَّى ختمناه يَا ختم الْمقَام فسل

حسن الختام لنا فالفضل مبذول

وَاشْفَعْ لنا ولقارئنا ومقرئنا

والسامعين ففيك الْخَيْر مأمول

وَشَيخنَا القطب محيي الدّين من لَهُ

بِمَا يروم فللانسان تأميل

القادري ابْن شيخ العيدروس فلي

عقيدة ووداد فِيهِ مأمول

ولي فؤاد على حسن الْوَلَاء لَك قد

طويته وعَلى الاخلاص مجبول

صلي عَلَيْك صَلَاة الله يَا أملي

بوصله لي بهَا فِي الْحَشْر توصيل

قد قيدتني ذُنُوبِي عَنْك واظماى

اليك وَالْقلب بالأشواق مغلول

وَإِن وَردت عَلَيْك الْحَوْض خُذ بيَدي

فورده العذب ذَاك الْيَوْم منهول

وَتَحْت ظلّ اللِّوَاء الْمَعْقُود قل لي قل

وَاشْفَعْ فَإنَّك عِنْد الله مَقْبُول

وهاك من مدحي لامية شرفت

بمجد مدحك فِي لاماتها طول

تطفلت فلهَا يَا ابْن الْكِرَام على

أَبْيَات بَانَتْ سعاد الْيَوْم تطفيل

خلعت لِابْنِ زُهَيْر خلعة فغدا

لَهُ بهَا من عَظِيم الجاه تجليل

فَهَل أرى روض حَالي زاهراً بك فِي

دَار النَّعيم وشملي ثمَّ مشمول

صلى وَسلم رَبِّي دَائِما أبدا

عَلَيْك مَا سرحت قوداء شمليل

والآل والصحب والاتباع أجمعهم

وَمن بهديهم المرضي مَشْغُول

تمت فَخذ ملحاً من طي عدتهَا

وَالْحَمْد لله تتميم وتكميل

وفيهَا توفّي الرجل الصَّالح الْمَشْهُور المعمر وجيه الدّين الْهِنْدِيّ باحمد اباد وَكَانَ من أهل الْعلم والزهد وَحصل لَهُ الْقبُول الْعَظِيم مَعَ النَّاس وانتفع بِهِ الطّلبَة فِي كثير من الْفُنُون واشتهر أمره جدا

وفيهَا كَانَت ولادَة وَلَدي شيخ جعله الله من أهل ولَايَته وتولاه

ص: 406

برعايته وحمايته وكلايته آمين وطبق بعض الْفُضَلَاء تَارِيخ ذَلِك الْعَام بِحِسَاب الْجمل على أحرف سَيِّدي شيخ جَاءَ ثمَّ نظمه بِأَبْيَات فَقَالَ

لله مَوْلُود سعد

عَم الْوُجُود سناء

أكْرم بِهِ من هِلَال

فاق البدور ضِيَاء

ونشره مذ تبدى

قد عبق الأرجاء

تَارِيخه ان ترمه

قل سَيِّدي شيخ جَاءَ

وَكَانَت وِلَادَته بِمَدِينَة بروج من أَعمال كجرات

وفيهَا قدم بروج مَوْلَانَا الشَّيْخ مُحَمَّد العيدروس من أَحْمد اباد وَأقَام بهَا أشهراً ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَحْمد اباد وَفِي مُدَّة اقامته ببروج كتب إِلَيْهِ الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف مخدوم زَاده بِهَذِهِ الأبيات وَهِي

لقد آنست يَا شمس الشموس

فأهلاً بالشريف العيدروس

بقطب الْوَقْت أَهلا ثمَّ سهلاً

أيا زين الْمجَالِس والدروس

وَيَا شمس الشموس وَمن تحلت

بِهِ الأفواه منا كالطروس

وبروج عِنْدَمَا حليت فِيهَا

لقد أمست بيمنك كالعروس

وسرت مِنْك ترجو الْقرب فضلا

وَإِلَّا فَهِيَ فِي يَوْم عبوس

فقربك سَيِّدي لَا شكّ فِيهِ

حَيَاة للقلوب وللنفوس

فطالع من يودك فِي سعود

وَمن يثناك فِي نحس النحوس

وَلَا زَالَت بك العلياء تسمو

وَأَنت لافقها شمس الشموس

وفيهَا توفّي الرجل الصَّالح سَالم بن عَليّ أَبَا موجة ذكر لي رحمه الله أَنه صنع للسَّيِّد الْوَلِيّ أَحْمد بن علوي أَبَا جحدب حذاء لطيفاً وَقدمه إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ تمن الَّذِي تُرِيدُ فَقلت لَهُ قد وَكلتك يَا سَيِّدي فاختر لي أَنْت وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْجُمُعَة بِحَضْرَة النَّاس وَلما كَانَت الْجُمُعَة الاخرى أعَاد عَليّ السُّؤَال فَذكرت لَهُ مثل ذَلِك الْجَواب فَأَرَادَ أَن يختبرني وَقَالَ لي عساك تُرِيدُ صناديق ذهب فَقلت لَهُ لَا

ص: 407