الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول: أحكام الرجعة في الطلاق الرجعي
ذكرهما ابن رشد؛ وقال الترمذي: (حسن صحيح وهو أحسن شيء رُوي في هذا الباب)، وكذا قال البخاري وغيره. وأما الحاكم فأغرب في كلامه على هذا الحديث، فادّعى أنه صحيح على شرط الشيخين من حديث ابن عمر وعائشة وابن عباس ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله، وأنه واه من حديث علي، ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهذا عجيب بالنسبة إلى حديث عمرو بن شعيب فإنه إن أراد نسخة عمرو بن شعيب فهو أحد المصحِّحين لها والمكثرين من إخراجها، وإن أراد الطريق عنه فإنها صحيحة بالاتفاق، بل كادت تبلغ حد التواتر لتعددها وثقة رجالها الذين هم على شرط الصحيح. فقد رواه عن عمرو بن شعيب عامر الأحول
وحسين المعلم وعبد الرحمن بن الحارث ومطر الوراق وحبيب المعلم وأبو إسحاق الشيباني.
فرواية عامر الأحول خرَّجها الترمذي وابن ماجه وابن الجارود والطحاوي في مشكل الآثار ولفظه: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عِتق له فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما لا يملك" لفظ الترمذي قال: (حسن صحيح، وهو أحسن شيء رُوي في هذا الباب).
ورواية حسين المعلم خرَّجها البيهقي من طريق إسماعيل القاضي ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: "لا طلاق قبل النكاح".
ورواية عبد الرحمن بن الحارث: خرَّجها أبو داود وابن ماجه.
ورواية مطر الوراق خرَّجها أبو داود والطحاوي في المشكل والبيهقي.
ورواية حبيب المعلم خرَّجها أبو داود الطيالسي والبيهقي من طريقه عن حماد بن سلمة عن حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: "لا طلاق إلّا بعد نكاح، ولا عتق إلّا بعد ملك"، قال البيهقي:(رواه جماعة عن عمرو بن شعيب، بعضهم قال: عن جده، كما قال مطر الوراق، وبعضهم قال: عن عبد الله بن عمرو، كما قال حبيب المعلم). قلت: وكلاهما سواء على الصحيح.
ورواية أبي إسحاق الشيباني خرَّجها أبو نعيم في تاريخ أصبهان: ثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد ثنا يونس بن حبيب ثنا حبيب بن هوذة ثنا مندل ثنا أبو إسحاق الشيباني عن عمرو بن شعيب به، ولفظه:"لا طلاق لما لا تملكون، ولا عِتق فيما لا تملكون، ولا نذر فيما لا تملكون ولا نذر في قطيعة رحم".
فهذه أسانيد صحيحة عن عمرو بن شعيب، لكن أُعلت هذه النسخة بما قد يكون هو مقصود الحاكم من توهيتها، فقد خرَّج سعيد بن منصور في سننه من حديث
عمرو بن شعيب قال: "كان أبي عرض عليَّ امرأة يزوجنيها فأبيت أن أتزوجها وقلت: هي طالق البتة يوم أتزوجها، ثم ندمت فقدمت المدينة فسألت سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير فقد قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا طلاق إلّا بعد نكاح" قالوا: فهذا يشعر بأن من قال فيه عن أبيه عن جده سلك الجادة، وإِلّا فلو كان عنده عن أبيه عن جده لما احتاج أن يرحل فيه إلى المدينة ويكتفي فيه بحديث مرسل، وهذا بعد صمته عن عمرو بن شعيب محتمل غير قاطع، فإِنه يكون قد نسي الحديث ولم يتنبه لأخذ الحكم فيه حتى ذكره له سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، ومحتمل لأن يكون وقف عليه في النسخة التي أخذها عن أبيه عن جده، وهي صحيفة مكتوبة بعد هذه الحكاية، وإِلّا فبعيد أيضًا أن يتفق ستة من الثقات الأثبات كلهم على الوهم في الحديث، ويكون الجميع سمعه من عمرو مرسلًا أو معضلًا، ثم يسلكون فيه الجادة، ولا يوجد من بينهم من يحفظ الحديث على وجهه اللهم إلّا أن يكون عمرو دلس عليهم وأوهمهم أنه سمعه من أبيه عن جده.
وحديث علي رواه أبو داود في الوصايا من سننه، والطحاوي في مشكل الآثار، والطبراني في الصغير، كلهم من طريق أحمد بن صالح ثنا يحيى بن محمد الجاري ثنا عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم عن أبيه عن سعيد بن عبد الرحمن بن رُقيش أنه سمع شيوخًا من بني عمرو بن عوف، ومن خاله عبد الله بن أبي
أحمد قال: قال علي بن أبي طالب: "حفظت لكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ستًّا: لا طلاق إلّا بعد نكاح، ولا عتاق إلّا من بعد ملك، ولا وفاء لنذر في معصية، ولا يُتْمَ بعد احتلام، ولا صُمات يوم إلى ليل، ولا وصال في الصيام" اختصره أبو داود فاقتصر على قوله: "لا يُتمَ بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى ليل" وقال الطبراني: (قال أحمد بن صالح: عبد الله بن أبي أحمد بن جحش من كبار تابعي المدينة، قد لقي عمر بن الخطاب وهو أكبر من سعيد بن المسيب).
قلت: والحديث حسّنه النووي في الأذكار اغترارًا بسكُوتِ أبي داود.
وقال المنذري في تلخيص السنن: (فيه يحيى بن محمد المدني الجاري، قال البخاري: يتكلمون فيه. وقال ابن حبان: يجب التنكب عمّا انفرد به من الروايات. وقال العقيلي: لا يتابع على هذا الحديث. قال المنذري: وهو منسوب إلى الجار بالجيم والراء المهملة، بُليدة على الساحل بقرب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ وقال ابن القطان: هو حديث معلول، مخالد بن سعيد بن أبي مريم وابنه عبد الله مجهولان، ولم أجد لعبد الله ذكرًا إلّا في اسم ابن له يقال إسماعيل ابن عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم ذكره ابن أبي حاتم، وهو مجهول الحال كذلك. فأمَّا جده سعيد بن أبي مريم فثقة، ويحيى بن محمد المدني مجهول أو ضعيف إن كان ابن هانئ، وعبد الله بن أبي أحمد
ابن جحش مجهول الحال أيضًا، وليس بوالد بكير بن عبد الله الأشج كما ظنه ابن أبي حاتم حين جمع بينهما؛ والبخاري قد فصل بينهما فجعل الذي يروي عن علي في ترجمة، والذي يروي عن ابن عباس وهو والد بكير في ترجمة أخرى، وأيهما كان فحاله مجهولة أيضًا.
قلت: وليس كما قال، أمَّا خالد بن سعيد بن أبي مريم فقد روى عنه ابنه عبد الله ومحمد بن معن الغفاري وعطاف بن خالد المخزومي، فارتفعت عنه الجهالة، وذكره ابن حبان في الثقات؛ وأمَّا ابنه عبد الله فروى عنه ابنه إسماعيل ويحيى بن محمد الجاري ومحمد بن يحيى الكناني، فارتفعت جهالته أيضًا، وقد قال أحمد بن صالح:(ثقة من أهل المدينة)، وذكره ابن شاهين في الثقات، وأمَّا يحيى بن محمد المدني فليس هو ابن هانئ، بل هو ابن عبد الله بن مهران وليس هو بمجهول ولا ضعيف، فقد روى عنه أحمد بن صالح المصري الحافظ وهارون الحمَّال ومحمد ابن عبد الله بن نمير والزبير بن بكار ومؤمل بن اهاب وأبو يحيى بن أبي مسرة وغيرهم، وقال العجلي:(ثقة)، وكذا قال عباس الدوري عن يحيى بن يوسف الزمى أنه ثقة، وقال ابن عدي:(ليس بحديثه بأس). وأمّا عبد الله بن أبي أحمد بن جحش فليس بمجهول أصلًا، فقد سبق عن أحمد بن صالح المصري الحافظ أنّه من
كبار التابعين قد لقي عمر بن الخطاب وأنه أكبر من سعيد بن المسيب، وكذلك قال العجلي، بل قال ابن سعد:(له رؤية)، وقال أبو نعيم:(له ولأبيه صحبة)، وقال ابن مندة:(أتى به أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما ولد فسماه عبد الله)، ولهذا ذكره جماعة في الصحابة وهو معروف روى عنه ابنه بكير، ويقال بكر وابن أخته سعيد بن عبد الرحمن ابن رقيش وحسين بن السائب وعبد الله بن الأشج والد بكير، فمثل هذا لا يقال فيه مجهول الحال. والحديث له مع هذا طرق أخرى عن علي مرفوعًا ذكرت المرفوع منها في المستخرج على مسند الشهاب؛ وخرَّج البيهقي في السنن الموقوف منها، والكل شاهد ومقوٍ لهذا الطريق.
وحديث معاذ، قال الحافظ في الفتح: أخرجه الحاكم والبيهقي من طريق ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن معاذ بن جبل قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا طلاق إلّا بعد نكاح، ولا عِتق إلّا بعد ملك" ورجاله ثقات، إلّا أنه منقطع بين طاوس ومعاذ، وقد اختلف فيه على عمرو بن شعيب، فرواه عامر الأحول ومطر الوراق وعبد الرحمن بن الحارث وحسين المعلم، كلهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والأربعة ثقات وأحاديثهم في السنن، ومن ثم صحّحه من يقوي حديث عمرو بن شعيب، وهو قوي لكن فيه علة الاختلاف.
قلت: وهم الحافظ في هذا وهمًا غريبًا، فإن الذي في مستدرك الحاكم وسنن البيهقي عن ابن جريج عن عمرو بن دينار، لا عمرو بن شعيب، فلا اختلاف أصلًا، وله مع ذلك طريق أخرى عن طاوس، أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة صفوان ابن مسلم من روايته عن طاوس عن معاذ به، وقد صحّحه الحاكم على شرطهما، وأقرّه الذهبي غافلًا عن كون رواية طاوس عن معاذ مرسلة.
وحديث جابر رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما، وأبو داود الطيالسي، وأبو يعلى في معجمه، وعنه أبو عمرو بن مهران في فوائد الحاج، والطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن وغيرهم من أوجه عن جابر مطولًا ومختصرًا، وبعض طرقه رجالها رجال الصحيح، وقد صحّحه الحاكم على شرطهما كما سبق.
وحديث ابن عباس: رواه الحاكم من طريق أيوب بن سليمان عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق لمن لا يملك" صحّحه الحاكم؛ ورواه أيضًا موقوفًا عليه من طريق فطر بن خليفة عن الحسن بن مسلم بن ينّاق عن طاوس عن ابن عباس "أنه تلا قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} فلا يكون طلاق حتى يكون نكاح" ثم قال: صحيح الإِسناد.
وحديث عائشة رواه ابن أبي شيبة والدارقطني والحاكم وغيرهم بلفظ: "لا طلاق إلّا بعد نكاح، ولا عتق إلّا بعد ملك" وهو عند الطحاوي في مشكل الآثار موقوفًا عليها. ونقل الترمذي في العلل عن البخاري أنه قال في حديث عائشة وحديث عمرو ابن شعيب: (هما أصحّ ما رود في الباب)، ولفظه عند الدارقطني: "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا سفيان على نجران -فذكر قصة، وفي آخر الحديث- مكان فيما عهد إلى أبي
سفيان أوصاه بتقوى الله وقال: لا يطلقن رجل ما لم ينكح، ولا يعتق ما لم يملك، ولا نذر في معصية الله".
وفي الباب: عن عمرو بن حزم، والمِسْوَر بن مخرمة، وعبد الله بن عمر، وأبي ثعلبة الخشني، وجماعة من التابعين، مرسلًا ومقطوعًا.
فحديث عمرو بن حزم رواه الدارمي والبخاري في التاريخ الكبير، كلاهما من طريق يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود حدثني الزهري، عن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن أن لا يمسّ القرآن إلّا طاهر، ولا طلاق قبل إملاك، ولا عتاق حتى يبتاع" لفظ الدارمي؛ وقال البخاري: عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا طلاق قبل نكاح" بطوله؛ قال البخاري: (وقال أبو اليمان: أنا شعيب عن الزهري: قرأت عند أبي بكر بن عمرو كتابًا فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم بعضه، ثم قال: فيه نظر) يعني سليمان بن داود الذي أخرجه في ترجمته.
وحديث المِسْوَر بن مخرمة رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في الصحيح، وحمزة بن يوسف السهمي في تاريخ جرجان، كلهم من طريق علي بن الحسين بن
واقد ثنا هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عن المِسْوَر بن مخرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك" ووقع عند حمزة بن يوسف: علي بن الحسين ابن واقد حدثني أبي عن هشام بن سعد. وهذا من قبيل المزيد في متصل الأسانيد لأنه يروي عنهما معًا.
وحديث عبد الله بن عمر رواه الطبراني في الصغير، والحاكم في المستدرك، من طريق محمد بن يحيى القطيعي ثنا عاصم بن هلال البارقي عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا طلاق إلّا بعد نكاح" صحّحه الحاكم. وأغرب الحافظ، فاقتصر على عزوه لابن عدي من هذا الوجه، ونقل عن ابن عدي أنه قال:(قال ابن صاعد كما حدث به: لا أعلم له علة)؛ قال الحافظ: (وقد استنكروه على ابن صاعد ولا ذنب له فيه، وإنما علته ضعف حفظ عاصم).
قلت: والحق ما قاله الحافظ في حق ابن صاعد، فإنه لم ينفرد به، فقد أخرجه الطبراني، عن صالح بن أحمد بن أبي مقاتل عن محمد بن يحيى القطيعي شيخ ابن صاعد فيه.
وحديث أبي ثعلبة الخشني رواه الدارقطني، لكنه من رواية علي بن قرين وهو كذاب.
1306 -
قوله: (وحجة مالك في الرواية الأولى، ما رواه ابن وهب عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب أنه قال: "مضت السُّنة في الذي يطلق امرأته ثم يراجعها فيكتمها رجعتها حتى تحل فتنكح زوجًا غيره، أنه ليس له من أمرها شيء ولكنها لمن تزوجها" وقد قيل إن هذا الحديث إنما يُروى عن ابن شهاب فقط).
قلت: هو في مصنف ابن وهب وسنده صحيح كما ترى، وفيه بعده قال ابن وهب:(وأخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ونافع مثله). قال ابن حزم: وصحَّ أيضًا من طريق ابن سمعان عن الزهري مثل ذلك إذا كانا في بلد واحد.
قلت: ومراد سعيد بن المسيب بالسُّنة سُنة عمر رضي الله عنه، لا سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك رُوي عن عمرو رضي الله عنه من أوجه في سنن سعيد بن منصور وغيره.