المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثاني: في بيوع الربا - الهداية في تخريج أحاديث البداية - جـ ٧

[أحمد بن الصديق الغماري]

فهرس الكتاب

- ‌22 - كتاب الطلاق

- ‌الجملة الأولى: أنواع الطلاق

- ‌الباب الأول: في معرفة الطلاق البائن والرجعي

- ‌الباب الثاني: في معرفة الطلاق السني من البدعي

- ‌الباب الثالث: في الخلع

- ‌الباب الرابع: تمييز الطلاق من الفسخ

- ‌الباب الخامس: في التخيير والتمليك

- ‌الجملة الثانية: أركان الطلاق

- ‌الباب الأول: ألفاظ الطلاق وشروطه

- ‌الباب الثاني: في المطلق الجائز الطلاق

- ‌الباب الثالث: فيمن يتعلق به الطلاق من النساء

- ‌الجملة الثالثة: الرجعة بعد الطلاق

- ‌الباب الأول: أحكام الرجعة في الطلاق الرجعي

- ‌الباب الثاني: أحكام الارتجاع في الطلاق البائن

- ‌الجملة الرابعة: أحكام المطلقات

- ‌الباب الأول: في العدة

- ‌الباب الثاني: في المتعة

- ‌23 - كتاب الإيلاء

- ‌24 - كتاب الظهار

- ‌الفصل الأول: ألفاظ الظهار

- ‌الفصل الثاني: شروط وجوب الكفارة في الظهار

- ‌الفصل الثالث: فيمن يصح فيه الظهار

- ‌الفصل الرابع: ما يحرم على المظاهر

- ‌الفصل الخامس: هل يتكرر الظهار بتكرر النكاح

- ‌الفصل السادس: هل يدخل الإيلاء على الظهار

- ‌الفصل السابع: أحكام كفارة الظهار

- ‌25 - كتاب اللعان

- ‌الفصل الأول: الدعاوى الموجبة للعان وشروطها

- ‌الفصل الثاني: صفات المتلاعنين

- ‌الفصل الثالث: في صفة اللعان

- ‌الفصل الرابع: حكم النكول

- ‌الفصل الخامس: الأحكام اللازمة لتمام اللعان

- ‌26 - كتاب الإِحداد

- ‌27 - كتاب البيوع

- ‌الجزء الأول: تعريف أنواع البيوع

- ‌الجزء الثاني: أسباب الفساد العامة في البيوع المطلقة

- ‌الباب الأول: في الأعيان المحرمة البيع

- ‌الباب الثاني: في بيوع الربا

- ‌الباب الثالث: في البيوع المنهي عنها

- ‌الباب الرابع: في بيوع الشروط والثنيا

- ‌الباب الخامس: في البيوع المنهي عنها من أجل الضرر أو الغبن

- ‌الباب السادس: النهي عن البيع في وقت العبادات

- ‌القسم الثاني الأسباب والشروط المصححة للبيع

- ‌الباب الأول: في العقد

- ‌القسم الثالث: الأحكام العامة للبيوع الصحيحة

- ‌الباب الأول: أحكام العيوب في البيع المطلق

- ‌الباب الثاني: في بيع البراءة

- ‌28 - كتاب الصرف

- ‌29 - كتاب السلم

- ‌الباب الأول: محل السلم وشروطه

- ‌الباب الثاني: ما يجوز أن يقتضى من المسلم إليه بدل ما انعقد عليه السلم

- ‌الباب الثالث: في اختلاف المتبايعين في السلم

- ‌30 - كتاب بيع الخيار

- ‌31 - كتاب بيع المرابحة

- ‌الباب الأول: فيما يعد من رأس المال وصفة رأس المال الذي يبني عليه الربح

- ‌الباب الثاني: حكم ما وقع من الزيادة أو النقصان

- ‌32 - كتاب بيع العَرِيَّة

- ‌33 - كتاب الإِجارات

- ‌34 - كتاب الجعل

- ‌35 - كتاب القراض

- ‌الباب الأول: في محل القراض

- ‌الباب الثاني: في شروط القراض

- ‌36 - كتاب المساقاة

- ‌37 - كتاب الشركة

- ‌38 - كتاب الشفعة

الفصل: ‌الباب الثاني: في بيوع الربا

‌الباب الثاني: في بيوع الربا

والدارقطني، والبيهقي من رواية عيسى بن يونس، زاد البيهقي: من رواية حفص بن غياث، كلاهما عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر:"أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والسِّنَّوْر" وقال الترمذي: (هذا حديث في سنده اضطراب وقد رُوي هذا الحديث عن الأعمش عن بعض أصحابه عن جابر).

قلت: ما هذا اضطراب ولا قريب من الاضطراب بل غايته أن الأعمش لم يسمّ أبا سفيان في رواية من روى عنه ذلك، وعبر عنه ببعض أصحابه فكان ماذا؟ بل الرواية التي سمت أبا سفيان عينت المبهم في تلك الرواية وقضت عليها. وقال البيهقي:

ص: 176

(هذا حديث صحيح على شرط مسلم دون البخاري، فإن البخاري لم يحتج برواية أبي سفيان ولا برواية أبي الزبير، ولعل مسلمًا لم يخرجه من رواية أبي سفيان في الصحيح لأن وكيع بن الجراح رواه عن الأعمش قال: قال جابر بن عبد الله فذكره ثم قال: قال الأعمش: أرى أبا سفيان، فالأعمش كان يشك في وصل الحديث فصارت رواية أبي سفيان بذلك ضعيفة) يعني في نظر مسلم لا في الواقع لأن جزمه في رواية حفص بن غياث وعيسى بن يونس يدل على أن الشك طرأ له في بعض المرات لا في جميع الأوقات، فالحديث من رواية حفص وعيسى صحيح على شرط مسلم كما قال البيهقي.

1347 -

حديث قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "ألَّا وإنَّ رِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأوَّلُ رِبًا أضَعُهُ رِبا العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ".

مسلم وغيره كما سبق في الحج من حديث جابر بن عبد الله في حديثه الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: "فأجازَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عَرَفَة، فوجَد القُبَّةَ قد ضُربت له بنَمِرة، فنزل بها، حتّى إذا زاغت الشمسُ أمرَ بالقَصْواءِ فرُحِلَت له، فأتى بطنَ الوادي، فخطبَ الناسَ وقال: إنَّ دماءَكُمْ وأموالكُمْ حرامٌ كحُرْمَة يومِكُمْ هذا، في شهرِكُمْ هذا، في بلدكم هذا، ألا كلُّ شيءٍ من أمرِ الجاهليَّة تحت قدميَّ مَوْضُوع، ودماءُ الجاهليَّة مَوْضُوعة، وإنَّ أوَّلَ دمٍ أضعُ من دمائنَا دمُ ابن ربيعةَ بن الحارِثِ،

ص: 177

كانَ مُسْترضِعًا في بني سَعْدٍ فقتلَتْهُ هُذَيْلٌ، ورِبا الجاهليَّةِ مَوْضُوعٌ، وأوَّل رِبًا أضعُ ربانًا، رِبا عبَّاس بن عبد المُطَّلِب، فإنه مَوْضُوعٌ كُلُّه" الحديث.

وفي الباب عن أبي حرة الرقاشي عن عمه عند أحمد والدارمي. وعن عمرو ابن الأحوص عند أبي داود، والترمذي:

1348 -

حديث ابن عباس: "لا رِبًا إلَّا في النَّسِيئَةِ".

ليس هو من حديث ابن عباس؛ إنَّما هو من روايته عن أسامة بن زيد، أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وجماعة من حديث عمرو بن

ص: 178

دينار عن أبي صالح الزيات قال: "سمعت أبا سعيد الخدري يقول: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم مِثْلًا بمِثْل، من زاد أو ازداد فقد أربى" فقلت له: إنّ ابن عبّاس يقول غير هذا. فقال: لقد لقيت ابن عباس فقلتُ: أرأيتَ هذا الذي تقول، أشيءٌ سمعتَهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو وجدتَهُ في كتاب الله عز وجل؟ فقال: لم أسمعهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أجده في كتاب الله، ولكنّ حدَّثني أُسامة بن زَيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الرِّبا في النَّسِئَةِ" لفظ مسلم. وفي رواية له: "إنَّما الربا في النَّسيئة" وفي أخرى له: "لا ربًا إلَّا فيما كان يدًا بيد". ولفظ البخاري: "لا ربًا إلَّا في النَّسيئة".

1349 -

قوله: وإنَّما صار جمهور الفقهاء إلى أن الربا في هذين النوعين لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.

سيأتي ذلك في أحاديث الباب.

ص: 179

1350 -

حديث عبادة بن الصامت قال: "سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بالذهَبِ والفِضَّةِ بالفِضَّةِ والبُرِّ بالبُرِّ والشَّعيرِ بالشَّعِيرِ والتمْرِ بالتمْرِ والمِلْحِ بالمِلْحِ إلَّا سَواءً بِسواءٍ، عينًا بِعَيْنٍ فَمَنْ زادَ أوِ ازْدَادَ فَقَدْ أرْبى".

أحمد والدارمي ومسلم واللفظ له والأربعة وغيرهم وله ألفاظ يأتي بعضها.

1351 -

حديث عمر بن الخطاب: "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هَاءَ وهَاءَ، والبُرُّ بالبُرِّ رِبًا،

ص: 180

إلَّا هاءَ وهَاءَ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وهَاءَ، والشَّعِيرِ بالشعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ".

مالك، وأحمد، والدارمي والبخاري، ومسلم، والأربعة، وجماعة، وعند أكثرهم "الذهب بالورِق" وهي رواية مالك.

1352 -

قوله: وذلك في بعض الروايات الصحيحة في حديث عبادة بن الصامت. وفيها: "وبيعُوا الذَّهَبَ بالوَرِقِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بيدٍ، والبُرُّ بالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ".

ص: 181

أحمد، ومسلم من حديث عبادة السابق وزاد في آخره:"فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد". ولأبي داود والنسائي، عن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذهب بالذهب تِبْرُها وعَيْنها، والفضة بالفضة تِبرها وعينها، والبر بالبر مُدْيٌ بمُدْيٍ

ص: 182

والشعير بالشعير مُدْي بمدي، والتمر بالتمر مُدْي بمُدْي، والملح بالملح مُدْي بمُدْي، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة، والفضة أكثرهما يدًا بيد، ولما نسيئة فلا، ولا بأس ببيع البُرّ بالشعير والشعير أكثرهما يدًا بيد، وأما نسيئة فلا". وللترمذي بعد اللفظ السابق قبل حديث عقب قوله: "فمن زاد أو

ص: 183

ازداد فقد أربى. بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدًا بيد وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدًا بيد، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدًا بيد". ولابن ماجه: "وأمَرَنا (يعني

ص: 184

النبيّ صلى الله عليه وسلم) أن نبيع البُرَّ بالشعير والشعير بالبُرِّ يدًا بيد كيف شئنا". وللنسائي نحوه إلّا أنه قال: "وأمرنا أن نبيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر يدًا بيد كيف شئنا".

1353 -

حديث مَعْمَر بن عبد الله قال: كُنْتُ أسمعُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الطَّعَامُ بالطَّعَامِ مِثْلًا بمِثْلٍ".

ص: 185

أحمد، ومسلم والبيهقي، بزيادة قال:"وكان طعامُنا يومئذٍ الشعير".

1354 -

حديث قوله صلى الله عليه وسلم لعامله بَخيْبَر من حديث أبي سعيد وغيره: "إلَّا كَيْلًا بكَيْلٍ يدًا بيد".

قلت: لم أجده بهذا اللفظ وهو غريب جدًا. وقد روى البخاري في الاعتصام من صحيحه، ومسلم والبيهقي، كلهم من طريق سليمان بن بلال عن عبد

ص: 186

المجيد بن سهيل أنه سمع سعيد بن المسيب أن أبا سعيد الخدري وأبا هريرة حدثاه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عَدِيّ الأنصاري فاستعمله على خيبر، فقدِم بتمر جَنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَكُلُّ تمرِ خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله إنّا لنشتري الصَّاعَ بالصَّاعين من الجمْعِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا، ولكن مِثْلًا بمِثْل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان". ورواه مالك في الموطأ، والبخاري، ومسلم، من طريقه عن عبد المجيد بن سهيل، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فلا تفعل، بعْ الجَمْع بالدراهم ثم ابتعْ بالدراهم جَنيبًا". ورواه الدارقطني من طريق الدراوردي عن عبد المجيد به "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سواد بن غزية أخا بني عدي من الأنصار" فذكر مثل لفظ مالك إلَّا أنه زاد فيه: "وكذلك الميزان" كما قال سليمان بن بلال.

1355 -

قوله: منها أنهم رووا في بعض الأحاديث المتضمنة المسميات المنصوص عليها في حديث عبادة زيادة، وهي "كذلك ما يُكَال ويُوزَنَ" وفي بعضها: "وكذلك

ص: 187

المِكْيَالُ والميزان".

قلت: أما اللفظ الأول فرواه إسحاق بن راهويه في المسند وابن عدي في الكامل وابن حزم في المحلى والبيهقي في السنن، كلهم من حديث حيّان بن عبيد الله قال: "سألت أبا مجلز عن الصرف؟ فقال: يدًا بيد، كان ابن عباس لا يرى به بأسًا ما كان منه يدًا بيد. فأتاه أبو سعيد فقال له: ألا تتقي الله، حتى متى يأكل الناس الربا؟ أو ما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة، يدًا بيد، عينًا بعين، مِثْلًا بمِثْل، فما زاد فهو رِبًا؟ ثم قال: وكذلك ما يكال ويوزن أيضًا. فقال ابن عباس لأبي سعيد: جزاك الله الجنة، ذكّرتني أمرًا قد كنت أنسيته فأنا أستغفر الله وأتوب إليه. فكان ينهى عنه بعد

ص: 188

ذلك". قال ابن عدي: (تفرد به حيان). قال البيهقي: (وقد تكلموا فيه). وأطال ابن حزم في تعليل هذا الحديث من جهة الإسناد والمعنى فقال: (أولًا هو منقطع لأن أبا مجلز لم يسمعه لا من أبي سعيد ولا من ابن عباس، وذكر فيه أن ابن عباس تاب ورجع عن القول بذلك، وهذا باطل، فقد روى الثقة المختص به خلاف هذا. ثم أسند من طريق أحمد بن حنبل عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: ما كان الربا قط في هاء وهات وحلف سعيد بن جبير بالله ما رجع عنه حتى مات. قال ابن حزم: ثم هو من رواية حيان بن عبيد الله وهو مجهول ثم لو انسند لما كانت فيه حجة، لأن قوله: "وكذلك ما يكال ويوزن" ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو من

ص: 189

كلام أبي سعيد لو صحّ. وهو أيضًا عنه منقطع لأن هذا خبر رواه نافع، وأبو صالح السمان، وأبو المتوكل الناجي، وسعيد بن المسيب، وعقبة بن عبد الغافر وأبو نضرة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد الجريري، وعطاء بن أبي رباح، كلهم عن أبي سعيد الخدري، وكلهم ذكروا أنهم سمعوه منه، وكلهم متصل الأسانيد بالثقات المعروفين إليهم، ليس منهم أحد ذكر هذا اللفظ فيه، يعني:"وكذلك ما يكال ويوزن" -وهو بين في الحديث المذكور نفسه لأنه لما تمَّ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو مجلز: ثم قال فابتدأ الكلام المذكور مفصولًا عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يبعد أن يكون من كلام أبي مجلز وهو الأظهر فبطل من كل جهة) اهـ. وهو كلام جيد للغاية وقد أعطى ابن حزم لهذا الحديث حقه من البحث الدقيق النفيس وزاد بيان بطلانه من جهة المعنى مما هو خارج عن بحث موضوع التخريج فليطلب منه، فإنه نفيس للغاية. إلَّا أن قوله في حيان بن عبيد الله أنه مجهول زعم الحافظ في ترجمته من اللسان أن ابن حزم لم يصب فيه. وأظن أن الحافظ هو الأولى بذلك لأنه لم يذكر له من الرواة ما يحقق رفع الجهالة عنه. وقد قال البخاري:(ذكر الصلت منه الاختلاط)، وذكره ابن عدي في الضعفاء كما سبق، وكذلك العقيلي وقال:(لا يتابع على حديثه). وروى الدارقطني من طريق المبارك ابن مجاهد عن مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا

ص: 190

ربا إلَّا في ذهب أو فضة، أو ما يكال أو يوزن مما يؤكل ويشرب" قال الدارقطني:(هذا مرسل، ووهم المبارك على مالك في رفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول سعيد بن المسيب) وقال ابن القطان: (المبارك بن مجاهد ضعيف ومع ضعفه فقد انفرد عن مالك برفعه والناس رووه عنه موقوفًا).

قلت: وكذلك هو في الموطأ عن سعيد بن المسيب من قوله، فرفعه باطل جزمًا، ولهذا قال ابن حبان:(لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد)، وضعّفه قتيبة جدًا، وذكره ابن الجارود والدولابي، والعقيلي وابن عدي في الضعفاء.

ص: 191

وأما اللفظ الثاني وهو: "وكذلك المكيال والميزان" فلم أره يذكر المكيال، وقد سبق عزوه إلى الصحيح بزيادة:"وكذلك الميزان" في حديث أبي سعيد وأبي هريرة دون ذكر المكيال، وقد بين الحفاظ أن هذه الكلمة ليست مرفوعة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فقال البيهقي: (ويقال إن هذا اللفظ من جهة أبي سعيد الخدري قال: ويستدل على ذلك برواية داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري في احتجاجه على

ص: 192

ابن عباس بقصة التمر قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربيت إذا أردت ذلك فبع تمرك بسلعةٍ ثم اشتر بسلعتك أي تمر شئت" قال أبو سعيد: فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربا أم الفضة بالفضة فكان هذا قياسًا من أبي سعيد للفضة على التمر الذي روى فيه قصته، إلَّا أن بعض الرواة رواه مفسرًا مفصولًا، وبعضهم رواه مجملًا موصولًا). أما ابن حزم فأثبتها مرفوعة، ولكن بيَّن معناها بما يبطل التعلق بها.

1356 -

حديث عمرو بن العاص: "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمَرُه أن يأخُذَ في قَلائصِ

ص: 193

الصَّدَقةِ، البَعِيرَ بالبَعِيرَيْنِ إلى الصَّدَقَة".

قلت: كذا وقع في الأصل عمرو بن العاص، وهو وهم من المصنف، والصواب عبد الله بن عمرو بن العاص، أخرجه أحمد وأبو داود، والدارقطني، والحاكم؛ والبيهقي، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص:"أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهّز جيشًا، فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ في قِلاص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين الى إبل الصدقة". وفي لفظ للدارقطني: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشتر لي إبلًا بقلائص غن الصدقة إذا جاءت حتى تؤدّي إليهم، فاشتريت البعير بالاثنين والثلاث قلائص، حتى فرغت، فأدّى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من إبل الصدقة". وفي لفظ له: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يُجهِّز جيشًا فنفدت الإبل، فأمرنا أن نأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة". وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم) وأمَره الذهبي. وصحّحه غيرهما أيضًا وهو الحق. وطعن فيه ابن القطان للاضطراب الواقع فيه من ابن إسحاق وبجهالة بعض رواته. وليس الأمر كما قال، ثم إنه لم يقع له إلَّا من طريق ابن إسحاق وقد أخرجه الدارقطني والبيهقي من وجه آخر من رواية عمرو

ص: 194

ابن شعيب عن أبيه عن جده، وصححه من هذا الوجه البيهقي، وهو كذلك لأن رجاله ثقات رجال الصحيح، فزال ما يخشى من اضطراب ابن إسحاق، وبانضمام روايته إلى هذا الطريق يزداد الحديث قوة ومتانة وصحة وله مع ذلك شواهد يطول ذكرها.

فائدة: روى الطحاوي هذا الحديث وزاد في آخره: ثم نسخ ذلك. فروى من طريق أبي عمر الحرضي، ومن طريق الخصيب قالا حدثنا حماد بن سلمة عن محمد ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن جبير عن أبي سفيان عن عمرو بن حريث عن عبد الله بن عمرو به بالزيادة المذكورة وهي زيادة غريبة يجب النظر فيها من أين دخلت في الحديث وممن زادها فيه.

1357 -

حديث الحسن عن سَمُرَة: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الحَيَوَانِ بالحَيَوانِ نَسِيئَة".

كذا هو لفظ الحديث وإن سقط من الأصل لفظ "نسيئة". أخرجه أحمد

ص: 195

والدارمي وأبو داود، والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن الجارود والطحاوي، والبيهقي وغيرهم، وقال الترمذي:(حسن صحيح، وسماع الحسن من سمرة صحيح، هكذا قال علي بن المديني وغيره). وقال البيهقي: (أكثر الحفاظ لا يثبتون سماع الحسن من سمرة في غير حديث العقيقة) والسند عن الإمام الشافعي أنه قال: هذا الحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

1958 -

حديث جابر: "الحَيَوانُ اثْنان بِوَاحِدٍ، لا يَصْلُحُ النَّساءُ ولا بأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ".

ص: 196

قال المصنف: رواه الترمذي.

قلت هو كذلك رواه من طريق حجّاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن جابر، وقال:(حديث حسن). ومن طريق حجّاج أيضًا أخرجه أحمد في المسند، وابن ماجه في السنن. ورواه الطحاوي في معاني الآثار من وجه آخر من طريق عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث عن أبي الزبير، ولفظه عن جابر:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرى بأسًا ببيع الحيوان بالحيوان، اثنين بواحد، ويكرهه نسيئة".

وفي الباب عن جابر بن سمرة وابن عمر وابن عباس.

فحديث جابر بن سمرة رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، قال حدثني أبو إبراهيم الترجماني هو إسماعيل بن إبراهيم ثنا أبو عمر المقري عن سماك عن جابر بن سمرة:"أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة". ورواه الطبراني في الكبير من وجه آخر من رواية داود بن مهران عن محمد بن الفضل بن عطية عن سماك به.

وحديث ابن عمر رواه الطبراني في الكبير من طريق محمد بن دينار الطَّاحي عن يونس بن عبيد عن زياد بن جبير عن ابن عمر به مثل الذي قبله. ومحمد بن دينار

ص: 197

مختلف فيه. وقد نقل الترمذي عن البخاري أنه قال: (إنما يروى هذا عن زياد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا). وله طريق آخر رواه أحمد، والطبراني في الكبير، كلاهما من رواية أبي جناب الكلبي عن أبيه عن ابن عمر بمعناه في حديث مطول. وأبو جناب الكلبي ضعيف، ومع ضعفه فهو مدلس.

وحديث ابن عباس رواه ابن حبان وابن الجارود في صحيحيهما، والطحاوي في معاني الآثار، والطبراني في الكبير والأوسط، والدارقطني، والبيهقي، وجماعة، كلهم من حديث معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة". قال البيهقي: (هكذا رواه جماعة عن معمر موصولًا، وذلك وهم، والصحيح عن معمر عن يحيى عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا). ثم أخرجه من طريق الفريابي عن الثوري عن معمر به مرسلًا، ثم قال:(وكذلك رواه عبد الرزاق وعبد الأعلى عن معمر، وكذلك رواه علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. قال: وروينا عن البخاري أنه وهن رواية من وصله). ثم أسند عن ابن خزيمة أنه قال: (الصحيح عند أهل المعرفة بالحديث أن هذا الخبر مرسل ليس بمتصل). وتعقّبه ابن

ص: 198

التركماني فقال: (حاصله أنه اختلف على الثوري فيه فرواه عنه الفريابي مرسلًا، ورواه عنه الزبيري والذماري متصلًا، واثنان أولى من واحد، كيف وقد تابعهما أبو داود الحفري فرواه عن سفيان موصولًا، كذلك أخرجه ابن حبان في صحيحه، فظهر بهذا أن رواية من رواه عن الثوري موصولًا أولى من رواية من رواه عنه مرسلًا، واختلف أيضًا على معمر فيه، فرواه عنه عبد الرزاق وعبد الأعلى مرسلًا على أن عبد الرزاق رواه أيضًا عنه موصولًا كما رأيت في نسخة جيدة من نسخ المصنف له، ورواه عن معمر ابنُ طهمان والعطار موصولًا، وتأيدت روايتهما بالرواية المذكورة عن عبد الرزاق وبما رجح من رواية الثوري، فظهر أن رواية من رواه عن معمر موصولًا أولى، ومعمر أحفظ من علي بن المبارك فروايته عن يحيى موصولًا أولى من رواية ابن المبارك عنه مرسلًا، وبالجملة فمن وصل حفظ وزاد فلا يكون من قصر حجة عليه، وقد أخرج البزار هذا الحديث وقال: ليس في هذا الباب حديث أجل إسنادًا منه) الخ.

ما قال ابن التركماني وهو الحق الذي لا يشك فيه منصف، إلَّا أنهم إذا رأوا حديثًا معارضًا لما هو أرجح منه في نظرهم حاولوا تضعيف المرجوح بما لا يكاد يوافق أصلًا من الأصول، بل ولا قولًا من الأقوال، واعتمدوا في طعنهم على مجرد الرأي والاستحسان، وأشد الناس في ذلك المقلدة عند نصرة مذهبهم، وفي مقدمتهم ابن التركماني نفسه فهو إنما صرح بالحق وتمشى مع الأصول والقواعد لكون الحديث موافقًا لمذهبه وإلا لرأيت منه العجب العجاب من التحريف والروغان واللف والدوران، وأيا ما كان فالحق في هذا الحديث أنه صحيح، وخلاف هذا لا يسمع من المتفوه به كائنًا من كان، وبعد هذا فليفزع إلى الجمع والترجيح بينه وبين النص المبيح السابق.

ص: 199

1359 -

قوله: قال ابن المنذر: ثبت "أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم اشْتَرى عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ أسْوَدَيْن". و"اشْتَرى جارِيةً بِسَبْعَةِ أرْؤسٍ".

أما شراء العبد بالعبدين فرواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنَّسائي، وابن الجارود، والبيهقي من حديث جابر بن عبد الله قال:"جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة ولم يشعُرْ أنه عبد، فجاء سيِّدُه يريده، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعْنِيه، فاشتراه بعبدَيْن أسودين، ثم لم يبايع أحدًا بعد حتى يسأله أعبد هو" ولفظ ابن الجارود عن جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى عبدًا بعبدين أسودين".

ص: 200

وأما حديث الجارية فرواه الطيالسي، وأحمد، ومسلم، وابن ماجه وابن الجارود والبيهقي من حديث أنس:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى صبية بسبعة أرؤس من دحية الكلبي".

1360 -

حديث: "لا تَبِيعُوا مِنْها غائبًا بِناجِزٍ".

متفق عليه من حديث أبي سعيد قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تبيعوا الذهب بالذهب إلَّا مِثْلًا بِمِثْل، ولا تُشِفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الوَرِق بالوَرِق إلَّا مِثْلًا بمِثْل ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا غائبًا بناجِز".

ص: 201

1361 -

حديث: "لا تَبِيعُوا البُرَّ بالبُرِّ والشَّعِيرَ بالشَّعِيرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ".

تقدم معناه في حديث عبادة بن الصامت وغيره.

1362 -

قوله: وأيضًا فإن في بعض طرق حديث عبادة بن الصامت: "وَبِيعُوا الذَّهَبَ بالفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ، والبُرَّ بالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ، والمَلْحَ بالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ" قال المصنف: ذكره عبد الرزاق ووكيع عن الثوري، وصحح هذه الزيادة الترمذي.

ص: 202

قلت: تقدم عزو هذه الزيادة عقب حديث عبادة.

1363 -

حديث: "الطَّعامُ بالطَّعامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ".

ص: 203

تقدم من حديث معمر بن عبد الله عند أحمد، ومسلم وغيرهما.

ص: 204

1364 -

حديث مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المُسَيِّب: "أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بيْعِ الحَيَوانِ باللَّحْمِ".

هو كذلك في الموطأ، وأخرجه أيضًا الشافعي، وأبو داود في المراسيل، والدارقطني والحاكم، والبيهقي، وغيرهم، من طريق مالك، ومن طريق غيره أيضًا. قال ابن عبد البر: (لا أعلمه يتصل من وجه ثابت، وأحسن أسانيده مرسل سعيد هذا، إلَّا ما حدثنا خلف بن القاسم ثنا محمد بن عبد الله بن أحمد حدثنا أبي ثنا أحمد بن حماد بن سفيان الكوفي ثنا يزيد بن عمرو الغنوي ثنا يزيد بن مروان ثنا مالك

ص: 205

عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع اللحم بالحيوان" قال: وهذا حديث إسناده موضوع لا يصح عن مالك ولا أصل له في حديثه).

قلت: ويزيد بن مروان كذاب وضاع، وقد أخرجه الدارقطني في السنن من طريقه أيضًا وقال:(تفرد به يزيد بن مروان عن مالك بهذا الإِسناد ولم يتابع عليه، وصوابه في الموطأ عن ابن المسيب مرسلًا). وأخرجه من طريقه أيضًا أبو نعيم في الحلية وقال: (تفرد به يزيد بن عمرو عن يزيد بن مروان). وقال البيهقي في السنن عقب مرسل ابن المسيب: (هذا هو الصحيح، ورواه يزيد بن مروان الخلال عن مالك عن الزهري عن سهل بن سعد مرفوعًا وغلط فيه).

قلت: يلام البيهقي على هذه العبارة ولابد فإنه لا معنى للحكم بالغلط على رجل كذبوه واتهموه بالوضع. ثم إن قول ابن عبد البر: (لا أعلمه يتصل من وجه ثابت) متعقب بوروده متصلًا من حديث سمرة وابن عمر.

فحديث سمرة أخرجه الحاكم في المستدرك من رواية الحسن عنه: "أن

ص: 206

النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الشاة باللحم" ثم قال: (صحيح الإسناد، رواته عن آخرهم أئمة حفاظ ثقات ولم يخرجاه، وقد احتج البخاري بالحسن عن سمرة). وأخرجه البيهقي من طريق ابن خزيمة أنه سئل عن بيع مسلوخ بشاة فقال: ثنا أحمد بن حفص السلمي حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن الحسن عن سمرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع الشاة باللحم" قال البيهقي: (هذا إسناد صحيح ومن أثبت سماع الحسن من سمرة عده موصولًا، ومن لم يثبته فهو مرسل جيد يضم إلى مرسل سعيد بن المسيب والقاسم بن أبي بزة).

وحديث ابن عمر رواه البزار من حديث ثابت بن زهير عن نافع عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان". وثابت بن زهير منكر الحديث.

وفي الباب مرسلان آخران: أحدهما رواه الطبراني في الكبير برجال الصحيح عن عبيد بن نضلة الخزاعي: "أن رجلًا نحر جزورًا فاشترى منه رجل عشيرًا بحقة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده" قال أبو نعيم: (قال فيه بعض أصحابنا عن سفيان قال فيه إلى أجل). لكن رواه أيضًا بلفظ آخر عنه قال: "أصاب الناس جهد شديد

ص: 207

على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فعشر رجل بعيرًا له عشرًا ثم قال: من أحب أن يأخذ عشيرًا من هذا اللحم بقلوص إلى حبل الحبلة، فأخذ الناس، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن يرد، فرد البيع" ورجاله رجال الصحيح أيضًا. وبينت هذه الرواية أن الأولى وقع فيها اختصار.

ص: 208

ثانيهما رواه البيهقي من طريق الشافعي أنا مسلم عن ابن جريج عن القاسم ابن أبي بزة قال: قدمت المدينة فوجدت جزورًا قد جزرت فجزئت أربعة أجزاء، كل جزء منها بعناق، فأردت أن أبتاع منها جزءًا، فقال لي رجل من أهل المدينة:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع حي بميت" سألت عن ذلك الرجل فأخبرت عنه خيرًا.

ص: 209

1365 -

حديث سعد بن أبي وقاص أنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شراء التمر بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذا جَفَّ؟ فقالوا: نعم. فنهى عن ذلك".

عزاه في الأصل لمالك، وهو كذلك رواه مالك عن عبد الله بن يزيد أن زيدًا أبا عيّاش أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسُّلْت؟ فقال سعد: أيتهما أفضل؟ قال البيضاء. فنهاه عن ذلك. وقال سعد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل، وذكره. ومن طريق مالك رواه الشافعي والطيالسي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والطحاوي والدارقطني والحاكم

ص: 210

والبيهقي، وقال الترمذي:(حسن صحيح)، وقال الحاكم:(هذا حديث صحيح لإجماع أئمة النقل على إمامة مالك، وأنه محكم في كل ما يرويه من الحديث، إذ لم يوجد في رواياته إلَّا الصحيح خصوصًا في حديث أهل المدينة، ثم لمتابعة هؤلاء الأئمة إياه في روايته عن عبد الله بن يزيد، والشيخان لم يخرجاه لما خشياه من جهالة زيد أبي عياش).

قلت: سيأتي تمام الكلام على هذا الحديث في الذي بعده.

1366 -

قوله: والحديث أيضًا اختلف الناس في تصحيحه ولم يخرجه الشيخان. قال الطحاوي: خولف فيه عبد الله، فرواه يحيى بن أبي كثير عنه:"أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بيْعِ الرُّطَبِ بالتَمْرِ نَسِيئَةً".

وقال: إن الذي يروى عنه هذا الحديث عن سعد بن أبي وقاص هو مجهول.

ص: 211

قلت رواية يحيى بن أبي كثير رواها أبو داود والطحاوي في معاني الآثار والدارقطني والحاكم والبيهقي، كلهم من رواية معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن يزيد به، أما الحاكم فرواه من جهة حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير به. وقال الطحاوي: هذا أصل الحديث فيه ذكر النسيئة، زاده يحيى بن أبي كثير على مالك بن أنس فهو أولى، وقد روى هذا الحديث أيضًا غير عبد الله بن يزيد على مثل ما رواه يحيى بن أبي كثير أيضًا، حدثنا يونس أخبرنا ابن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله حدثه عن عمران بن أبي أنس أن مولى لبني مخزوم حدثه:"أنه سئل سعد بن أبي وقاص عن الرجل يسلف الرجل الرطب بالتمر إلى أجل؟ فقال سعد: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا". قال: فهذا عمران بن أبي أنس، وهو رجل متقدم معروف، قد روى هذا الحديث كما رواه يحيى بن أبي كثير، فكان ينبغي أن يكون حديث عبد الله بن يزيد، لما اختلف عنه فيه، أن يرتفع ويثبت حديث عمران هذا، فيكون النهي الذي جاء في حديث سعد إنما هو لعلة النسيئة لا لغير ذلك، هـ.

ص: 212

وخالفه الدارقطني والبيهقي، فقال الدارقطني عقب رواية يحيى بن أبي كثير:(خالفه مالك وإسماعيل بن أمية والضحاك بن عثمان وأسامة بن زيد، رووه عن عبد الله بن يزيد ولم يقولوا فيه نسيئة، واجتماع هؤلاء الأربعة على خلاف ما رواه يحيى يدل على ضبطهم للحديث، وفيهم إمام حافظ وهو مالك بن أنس). زاد البيهقي بعد إسناده هذا الكلام عن الدارقطني: (والعلة المنقولة في هذا الخبر تدل على خطأ هذه اللفظة، وقد رواه عمران بن أبي أنس عن أبي عياش نحو رواية الجماعة) ثم أسند من طريق الربيع بن سليمان ثنا عبد الله بن وهب أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن عمران بن أبي أنس قال: سمعت أبا عياش يقول: "سألت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن اشتراء السلت بالتمر؟ فقال سعد: أبينهما فضل؟ قالوا: نعم. قال: لا يصلح. وقال سعد: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اشتراء الرطب بالتمر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبينهما فضل؟ قالوا: نعم الرطب ينقص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا يصلح". وتعقبه ابن التركماني فقال: (أخرج أبو داود رواية يحيى ثم قال عقبها: رواه عمران

ص: 213

ابن أبي أنس عن مولى بني مخزوم عن سعد نحوه. وظاهر هذا أن عمران رواه كرواية يحيى وعلى خلاف رواية الجماعة، ويوضح ذلك ما ذكره الطحاوي في مشكل الحديث فقال: حدثنا يونس ثنا ابن وهب الحديث السابق. ثم قال: فظهر بهذا أن عمران رواه على موافقة رواية يحيى ومخالفة رواية الجماعة، وهذا السند أجل من السند الذي ذكره البيهقي، يونس هو ابن عبد الأعلى حافظ احتج به مسلم وهو أجل من الربيع، وهو المرادي، لأنه كان في عقله شيء حكاه ابن أبي حاتم عن النسائي ولم يخرج له صاحبا الصحيح، وعمرو بن الحارث المصري الراوي عن بكير حافظ جليل وهو أجل من مخرمة بن بكير بلا شك لأن مخرمة ضعفه ابن معين وغيره، وقال ابن حنبل وابن معين: لم يسمع من أبيه إنما وقع له كتابه، ومالك قد اختلف عليه في سند الحديث كما ذكره البيهقي، واختلف أيضًا على إسماعيل فروى عنه نحو رواية مالك، ذكره البيهقي وغيره، وروى الطحاوي عن المزني عن الشافعي عن ابن عيينة عن إسماعيل عن عبد الله بن يزيد عن أبي عياش الزرقي عن سعد الحديث، قال الطحاوي: وهذا محال، أبو عياش الزرقي صحابي جليل وليس في سنن عبد الله بن يزيد لقاء مثله، واختلف أيضًا على أسامة فرواه عنه ابن وهب نحو رواية مالك، ورواه الليث عن أسامة وغيره عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة، وفي أطراف المزي رواه زياد بن أيوب عن علي بن غراب عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد عن أبي عياش عن سعد موقوفًا، ولم يذكر

ص: 214

الدارقطني ولا غيره فيما علمنا سند رواية الضحاك لينظر فيه، ولو سلم حديث هؤلاء من الاختلاف كان حديث يحيى بن أبي كثير أولى بالقبول من حديثهم لأنه زاد عليهم وهو إمام جليل، وزيادة الثقة مقبولة، كيف وفي رواية عمران بن أبي أنس التي ذكرناها ما يقوي حديثه وتبين أنه لم ينفرد به، ويظهر من هذا كله أن الحديث قد اضطرب اضطرابًا شديدًا في سنده ومتنه، وزيد مع الاختلاف فيه هو مجهول لا يعرف، كذا قال ابن حزم وغيره، وأخرج صاحب المستدرك هذا الحديث من طرق منها رواية يحيى ثم صحّحه ثم قال: لم يخرجه الشيخان لما خشيا من جهالة زيد، وفي تهذيب الآثار للطبري علل الخبر بأن زيدًا انفرد به وهو غير معروف في نقلة العلم) انتهى كلام ابن التركماني. وهو تطويل بتهويل وتمويه بتحويل، فإن أحدًا من العقلاء فضلًا عن أهل الحديث لا يقول بتقديم رواية الواحد على الجماعة خصوصًا وفي الجماعة مالك، وهو عكس القضية، وجعل رواية الواحد في مقابلة الجماعة التي فيها مالك مقدمة. وبطلان هذا لا يشك فيه ابن التركماني فضلًا عن أن يخفى عليه. أضف إلى هذا أن ما تضمنته رواية الجماعة قد صح متواترًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة من الصحابة خرجت أحاديثهم في الصحيح معرفة "بأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر" الأول بمثلثة والثاني بمثناة، وهو معنى "نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر" الذي رواه مالك وموافقوه، فالثمر بمثلثة شامل للرطب وغيره من الفواكه الرطبة، ولهذا احتج بها ابن حزم على هذه الصورة المذكورة في حديث مالك مع إعراضه عن هذا الحديث لعدم

ص: 215

صلاحيته للاحتجاج في نظره لكونه لم يعرف زيدًا أبا عياش، فرد حديثه لجهالته عنده مع أنه ليس كذلك، فالأحاديث المذكورة شاهدة لحديث الباب ومقوية له ومرجحة لقول مالك وموافقيه على قول يحيى بن أبي كثير وزيادته. وأيضًا فقد صرح الطحاوي وابن حزم وغيرهما بتواتر أحاديث النهي عن المزابنة. والمزابنة هي بيع الثمر بالتمر كيلًا وحتى لو قلنا بقول أبي حنيفة في تفسيرها وأنها بيع التمر في رؤوس النخل، فالأحاديث الأخرى المفسرة لها بما قلنا فيها زيادة، والزيادة يجب قبولها من الثقة فضلًا عن جماعة الصحابة الذين فسروها لمجرد بيع الثمر بالتمر بدون قيد كونه في رؤوس النخل لأن تلك إنما هي صورة من صوره التي كانت تقع غالبًا أيام وجود الرطب. وأيضًا فإن العلة التي ذكرها البيهقي قاطعة في بطلان رواية يحيى بن أبي كثير وتحقيق دخول الوهم فيها وبتصحيح رواية مالك والجماعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن الرطب أينقص إذا جف؟ فلما أجيب بذلك قال: فلا إذًا، فنصّ على أن النقص الموجب للتفاضل هو العلة. ولو كانت العلة هي التأخير والنسيئة لما سأل عن ذلك ولذكر النهي عن النسيئة من أول مرة، وهذا قاطع واضح. ولذلك أضرب عنه ابن التركماني لعدم إمكان الجواب عنه. ثم نعود إلى باقي تمويهاته فنقول: أما تقديمه رواية يونس بن عبد الأعلى على الربيع

ص: 216

ابن سليمان المرادي، لأن يونس أحفظ وأجل من الربيع المرادي، فمردود لأن كلًا من الربيع ويونس حافظ ثقة في درجة واحدة إن لم يكن الربيع أجل من يونس لأن الربيع هو رواية كُتب الإمام الشافعي، والمزني مع جلالته أخذ ما فاته سماعه من الشافعي من كتاب الربيع ولم يأخذ عن يونس بن عبد الأعلى، وأيضًا فيونس بن عبد الأعلى قد عدوا من منكراته حديث:"لا مهدي إلا عيسى" واتهمه الذهبي بالتدليس ولم يقع مثل ذلك في حق الربيع.

وأما قوله: (في عقله شيء) فهي عبارة فاسدة موهمة أن في عقله خللًا، وليس كذلك، إنما قالوا: كانت فيه غفلة يعني في أمور الدنيا، لا في العلم والحفظ، فإنهم اتفقوا على وصفه بالثقة والثبت والإتقان، والغفلة في أمور الدنيا غير ضائرة، لأن ذلك كان وصف كثير من العلماء، ولاسيما الصالحين والأتقياء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن أكثر أهل الجنة البله" كما قال الطحاوي في مشكل الآثار: حدثني محمد بن عزيز الأيلي ثنا سلامة بن روح عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما قوله: (إن الربيع لم يخرج له صاحبا الصحيح) فتمويه ليس وراءه متنفس، فإنه ليس كل الثقات روى لهم صاحبا الصحيح، ولا كل من أعرضا عنه ليس بثقة، بل فيمن لم يرويا عنه وتركاه من هو أجل بكثير ممن رويا عنه كأئمة أهل البيت رضي الله عنهم وأمثالهم. وهذا إمامه أبو حنيفة لم يرويا عنه، وزادا هم وغيرهم التصريح بضعفه مع عدم الرواية عنه، فهل يرى أنه ضعيف من أجل ذلك، أو أن رواية غيره ممن خرجا له مقدمة على روايته. وهذا يونس بن عبد الأعلى نفسه قد روى له مسلم، وأعرض

ص: 217

عنه البخاري الذي هو أعلى وأجل من مسلم بالاتفاق، فهل ذلك يكون دليلًا على سقوط روايته عند التعارض، إذا كان كذلك فرواية مالك وموافقيه الذين اتفقا على الرواية عنهم مقدمة على رواية يونس لهذا الحديث.

وأما قوله في عمرو بن الحارث: (أنه أجل من مخرمة بن بكير، وأن مخرمة ضعفه ابن معين) فليس كذلك، بل عمرو بن الحارث ومخرمة في درجة واحدة أيضًا وإن كان ابن معين ضعف مخرمة، فإن أحمد بن حنبل ضعف عمرو بن الحارث وقال:(قد كان عمرو عندي ثقة ثم رأيت له مناكير)، وقال في موضع آخر:(يروي عن قتادة أشياء يضطرب فيها ويخطئ)، فإن كان كلام ابن معين ضائرًا لمخرمة بن بكير، فكلام أحمد ضائرًا لعمرو بن الحارث، فهما سواء. وقوله: إن ابن حنبل وابن معين قالا: لم يسمع من أبيه إنما وقع له كتابه، فهذا من أغث ما وقع لأهل الحديث من الكلام وأسقط ما صدر عنهم من الرأي في التجريح، بل هو كلام يجب أن لا ينظر فيه

ص: 218

العاقل ويعده من هفوات أهل الحديث ولغوهم الباطل الذي يمر به كريمًا ولا يلتفت إليه، فإن رواية الرجل من كتاب أبيه الموثوق به أنه كتابه وخطه أعلى وأجل من الرواية عنه بالسماع، لأن الحفظ قد يخون، بل هو الواقع، وما حصل هذا الخلاف الكثير والاضطراب الشديد في متون الأحاديث من الأقدميين إلَّا من خيانة حفظهم لهم لكونهم كانوا لا يكتبون غالبًا اعتمادًا على حفظهم، ولذلك لا يوجد مثل ذلك في المتأخرين أصلًا، بل والسماع نفسه يحصل فيه ما يحصل من الوهم، لاسيما في مجلس الإملاء، مع كثرة الرواة وبعد السامع من الحافظ المملي بخلاف كتابة الذي بخطه، فالتعليق بهذا في رد الأحاديث ضرب من الجنون والنطق بالمحال الباطل، فإنه لو كان ذلك دليل الضعف لما صحّ لنا ولا لمن قبلنا بأزيد من ألف سنة حرف واحد من العلم ولا من الحديث ولا من الفقه ولا من التفسير ولا من اللغة ولا من الجرح والتعديل ولا من غير ذلك، لأن كل ما عندنا من ذلك نقل من الكتب لا سماع، ثم ليس هو نقلًا من خطوط أصحاب الكتب كرواية مخرمة من خط أبيه بل من خطوط الغير المتكررة البعيدة عن تاريخ المصنفين.

ص: 219

وأما قوله: (ومالك قد اختلف عليه في سند الحديث كما ذكره البيهقي) فأعجب من كل هذا، إذ يدل على وقاحة فاضحة، فإن البيهقي أسند عن علي بن المديني أنه قال: حدثناه أبي عن مالك أنه حدثه عن داود بن الحصين عن عبد الله بن يزيد فذكره، قال علي:(وسماع أبي من مالك قديم قبل أن يسمعه هؤلاء، فأظن أن مالكًا كان علقه قديمًا عن داود بن الحصين عن عبد الله بن يزيد ثم سمعه من عبد الله فحدث به قديمًا عن داود ثم نظر فيه فصححه عن عبد الله بن يزيد وترك داود بن الحصين). فقد بين علي بن المديني، إمام أهل الحديث في معرفة علل الحديث، وجه هذه الرواية التي حدثه بها أبوه عن مالك، فأعرض ابن التركماني عن ذلك وجعلها اضطرابًا في حديث مالك. ولو كان الأمر منحصرًا في هذا لكان هينًا، ولكن عبد الله بن جعفر والد علي بن المديني الذي انفرد بهذه الرواية كذاب وضاع متفق على ضعفه وترك حديثه، فكيف يعتبر ما انفرد به في مخالفة جمهور ثقات الرواة عن مالك، ولو أن

ص: 220

البيهقي اعتمده في حكاية مثل هده لأجلب ابن التركماني عليه بخيله ورجله ولملأ الدنيا صياحًا عليه، ولكان الحق بيده لو فعل ذلك البيهقي، ولكن الفاعل لذلك الآن هو ابن التركماني.

وأما ذكره الاختلاف على إسماعيل بن أمية في الحديث أيضًا بما نقله عن الطحاوي في أبي عياش الزرقي، فذلك خطأ من الطحاوي، إذ لم يعرف أن أبا عياش الزرقي رجلان: أحدهما صحابي قديم مختلف في اسمه، قيل زيد بن الصامت وقيل ابن النعمان وقيل اسمه عبيد، وقيل عبد الرحمن بن معاوية. والثاني تابعي اسمه زيد بن عياش، لم يختلف في اسمه، وكنيته أبو عياش الزرقي، ويقال المخزومي، وقد فرق بينهما أبو أحمد الحاكم ونبّه الحافظ في التهذيب على كلام الطحاوي.

وأما ذكره الاختلاف على أسامة بن زيد أيضًا بأن الليث رواه عنه وعن غيره عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، موجود الغير معه صارف لوجود الاختلاف منه إلى ذلك الغير فلعل الليث أحال روايته على رواية ذلك الغير فلا يتحقق نسبة الاختلاف إليه سلمنا فلا مانع إذًا أن يكون لعبد الله بن يزيد فيه طريقان. فإن هذا المعنى مشهور متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه عنه الجمع الغفير من أصحابه كابن عمر وأبي هريرة وسهل بن حثمة ورافع بن خديج إلى أزيد من عشرة من الصحابة. فأي مانع أن يسمعه عبد الله بن يزيد من الطريقين، ولو شئنا لقلنا

ص: 221

كما قال هو في رواية الضحاك بن عثمان وطالبناه بعزو رواية الليث وذكر السند إليه حتى ننظر فيه، بل مطالبته هو بذلك أولى من مطالبة الدارقطني كما فعل هو معه.

وأما كون زياد بن أيوب رواه عن علي بن غراب عن أسامة به موقوفًا على سعد، فعلي بن غراب فيه ضعف واختلاف، وعلى فرض الاتفاق على ثقته فأكثر أحاديث الصحيحين رواها الأقدمون: مالك وشعبة وعبد الرزاق وابن أبي شيبة ووكيع وحماد بن سلمة وأمثالهم موقوفة، بل كان الأقدمون ينصرون وقف الأحاديث احتياطًا فلم يعلل أحد أحاديث الصحيحين برواية أولئك الأئمة لها موقوفة. ولئن كان علي بن غراب أوقف الحديث فقد رفعه الثقات والقول قول الرافع لأن معه زيادة.

وأما زعمه أن زيدًا مجهول، تقليدًا لمن سبقه إلى ذلك، فقد سبق الحفاظ إلى الرد على من وصفه بذلك فقال الخطابي في معالم السنن:(قد تكلم بعض الناس في إسناد حديث سعد بن أبي وقاص، وقال زيد أبو عياش ضعيف -يعني مجهولًا- وليس الأمر على ما توهمه، وأبو عياش هذا مولى بني زهرة معروف، وقد ذكره مالك في الموطأ، وهو لا يروي عن رجل متروك الحديث بوجه، وهذا من شأن مالك وعادته معلوم، وقد روى أبو داود مثل حديث سعد من طريق ابن عمر). وقال ابن الجوزي في التحقيق: (قال أبو حنيفة: زيد أبو عياش مجهول، فإن كان هو لم يعرفه فقد

ص: 222

عرفه أئمة النقل). وقال الحافظ زكي الدين المنذري: (حكي عن بعضهم أنه قال: زيد أبو عياش مجهول، وكيف يكون مجهولًا وقد روى عنه اثنان ثقتان: عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان وعمران بن أبي أنس، وهما ممن احتج لهم في صحيحه، وقد عرفه أئمة هذا الشأن، فالإمام مالك قد أخرج حديثه في الموطأ مع شدة تحريه في الرجال ونقده وتتبعه لأحوالهم. والترمذي قد صحّح حديثه، وكذلك الحاكم في المستدرك، وقد ذكره مسلم في كتاب الكُنى، وكذلك ذكره النسائي في كتاب الكُنى، وكذلك ذكره الحافظ أبو أحمد الكرابيسي في الكنى، وذكروا أنه سمع من سعد بن أبي وقاص وما علمت أحدًا ضعفه) هـ. وقال الحافظ: ذكره ابن حبان في الثقات، وصحح الترمذي وابن خزيمة وابن حبان حديثه المذكور، وقال فيه الدارقطني: ثقة. ثم ذكر كلام الحاكم السابق في تصحيح هذا الحديث عقب عزوه.

قلت: وسيأتي في الذي بعده توثيق ابن التركماني للعالية امرأة أبي إسحاق،

ص: 223

وهي مثل أبي عياش ما قيل فيها يقال فيه ولا فارق، وكم لها من نظير في كلامه.

1367 -

حديث العالية عن عائشة أنّها سمعتها وقد قالت لها امرأة كانت أم ولد لزيد بن أرقم: "يا أمَّ المؤمنين إِنَي بِعْتُ من زيد عبدًا إلى العطاء بثمانمائة فاحتاجَ إلى ثمنِهِ فاشتريتُهُ منهُ قبل مَحلِّ الأجَلِ بستمائة، فقالت عائشة: بِئْسَما شَرَيْتِ وبِئْسَما اشتَرَيْتِ، أبلِغي زَيْدًا أئه قَدْ أبطل جِهَادَهُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إنْ لمْ يتُبْ، قالت: أرأيت إنْ تركت وأخذتُ الستمائة دينار؟ قالت: نعمْ، فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فانْتَهَى فَلَهُ ما سَلَفَ.

عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأحمد والدارقطني والبيهقي من رواية أبي إسحاق عن امرأته العالية به، ورواة طلحة بن محمد والحسين بن خسرو في

ص: 224

مسنديهما لأبي حنيفة من رواية أبي حنيفة عن أبي إسحاق فقال عن امرأة أبي السفر أن امرأة قالت لعائشة بالحديث. وقال الدارقطني: أم محبة والعالية مجهولتان لا يحتج بهما.

قلت: وهذا عجيب من الدارقطني جدًا، فإِن أم محبة لا دخل لها في الحديث من جهة الرواية، وإنما وقع ذكرها في الحديث على أنها صاحبة القصة مع زيد بن أرقم، فوقع عند الدارقطني من رواية يونس بن أبي إسحاق، عن أُمه، العالية بنت أيفع قالت:"خرجت أنا وأم محبة إلى مكة، فدخلنا على عائشة فقالت لنا: من أنتن؟ قلنا: من أهل الكوفة، قالت فكأنها أعرضت عنا، فقالت لها أم محبة: يا أم المؤمنين، كانت لي جارية وأني بعتها من زيد بن أرقم الأنصاري بثمانمائة درهم إلى عطائه" الحديث. ولهذا أحجم البيهقي عن نقل كلام الدارقطني مع أنه ينقل كل ما أعلّ به الأحاديث في سننه، وقد قال ابن الجوزي في "التحقيق": (قالوا: العالية مجهولة لا يقبل خبرها، قلنا: بل هي امرأة معروفة جليلة القدر، ذكرها ابن سعد في "الطبقات" فقال: العالية بنت أيفع بن شراحيل امرأة أبي إسحاق السبيعي

ص: 225

سمعت عائشة). وقال ابن التركماني في الجوهر النقي: العالية معروفة روى عنها زوجها وابنها، وهما إمامان، وذكرها ابن حبان في الثقات من التابعين، وذهب إلى حديثها هذا الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه ومالك وابن حنبل والحسن بن صالح الخ.

ص: 226

قلت: وقد قال الذهبي: (ما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها). ذكر ذلك في الميزان، وهو من أهل الاستقراء التام في الرواة، وقد سكت على هذا الحديث في تهذيب سنن البيهقي ولم يعله بالعالية المذكورة.

تنبيه: سبق أن أبا حنيفة قال في هذا الحديث عن أبي إسحاق عن امرأة أبي السفر: أن امرأة قالت لعائشة، وذلك وهم منه في الحديث. والصواب ما قاله سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن امرأته العالية: أن امرأة أبي السفر باعت جارية من زيد بن

ص: 227

أرقم، الحديث، ذكره البيهقي، فامرأة أبي السفر هي أم محبة المذكورة.

1368 -

حديث ابن عباس: "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا أمرَ بإخراجِ بَني النَّضِيرِ جاءَهُ ناسٌ مِنْهُم فقالُوا: يا نَبيَّ الله إنَّكَ أمَرْتَ بإخْراجِنا ولنا على الناسِ ديون لمْ تحل، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ضَعُو وَتَعَجَّلُوا".

الطبراني في الأوسط والبيهقي في السنن من حديث مسلم بن خالد الزنجي عن محمد بن علي بن يزيد بن ركانة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس به مثله، وقال البيهقي:(إنه ضعيف) أي لضعف مسلم بن خالد الزنجي وقال سعيد بن منصور ثنا سفيان عن عمرو بن دينار: "أن ابن عباس كان لا يرى بأسًا أن يقول اعجل لك وتضع عني".

ص: 228

1369 -

حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ ابْتاعَ طَعامًا فَلا يَبِعْهُ حتَّى يَقْبَضَهُ".

هو عند مالك في الموطأ ولكن بلفظ: "حتى يستوفيه". ورواه أيضًا أحمد والدارمي والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وآخرون من طريق مالك عن نافع، ومن طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر، ولفظ عبد الله بن

ص: 229

دينار: "حتى يقبضه" إلَّا أن البخاري قال في رواية إسماعيل بن أبي أويس عن مالك: "حتى يقبضه" وكذلك قال الدارمي عن خالد بن مخلد عن مالك.

ص: 230

وفي الباب عن أبي هريرة وجابر وابن عباس كلها في الصحيح.

1370 -

حديث: "لا يَحِلُّ بَيْعٌ وَسَلَفٌ ولا رِبْح ما لَمْ يُضْمَنْ ولا بَيْعُ ما لَيْسَ عنْدَكَ".

الطيالسي وأحمد والدارمي وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن الجارود والحاكم والبيهقي من حديث عمرو بن شعيب

ص: 231

عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص به بلفظ: "لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ماليس عندك"، صحّحه الحاكم، وقال الترمذي:(حسن صحيح)، ولفظ الطيالسي:"نهى عن سلف وبيع" الحديث.

1371 -

حديث حكيم بن حزام قال: "قلت: يا رسول الله إني أشترِي بيوعًا فما يحل لي منها وما يحرم؟ فقال: يا ابْنَ أخي إذا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فلا تَبِعْهُ حتَى تَقْبضَهُ". قال المصنف: قال أبو عمر: حديث حكيم بن حزام رواه يحيى بن أبي كثير عن يوسف بن ماهك أن عبد الله بن عصمة حدثه أن حكيم بن حزام قال: ويوسف بن ماهك وعبد الله بن عصمة لا أعرف لهما جرحة إلا أنه لم يرو عنهما إلا رجل فقط، وذلك في الحقيقة ليس بجرحة وإن كرهه جماعة من المحدثين.

قلت: وهذا غريب من ابن عبد البر بالنسبة لقوله: (إن يوسف بن ماهك وعبد الله بن عصمة لم يرو عنهما إلا رجل واحد) فإن يوسف بن ماهك من رجال الصحيحين، وقد روى عنه نحو خمسة عشر رجلًا فأكثر، من مشاهيرهم: عطاء بن

ص: 232

أبي رباح وأيوب السختياني وحميد الطويل وابن جريج وأبو بشر وإبراهيم بن مهاجر وعمرو بن مرة ويعلى بن حكيم وعبد الملك بن ميسرة وآخرون. وقد روى عنه هذا الحديث بخصوصه أبو بشر جعفر بن إياس وأيوب السختياني ويونس ويعلى بن حكيم وعطاء وعامر الأحول. وكذلك عبد الله بن عصمة، روى عنه عطاء بن أبي رباح ويوسف بن ماهك وصفوان بن مَوْهَب، وذكره ابن حبان في الثقات. ووهم ابن حزم فقال:(إنه متروك). وكأنه اشتبه عليه بآخر، فإن في الرواة ثلاثة، كلهم عبد الله بن عصمة وفيهم من هو متروك منكر الحديث أو مجهول لا يعرف. ثم إن هذا الحديث اختلف فيه على يحيى بن أبي كثير فرواه هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عصمة عن حكيم بن حزام، هكذا رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن هشام والبيهقي في سننه من طريق عبد الوهاب عن هشام. وخالفهما يحيى بن سعيد فقال: عن هشام حدثني يحيى بن أبي كثير عن رجل أن يوسف بن ماهك أخبره به مثله فزاد في السند رجلًا بين يحيى بن أبي كثير ويوسف بن ماهك، وبيَّن اسم هذا الرجل بيعلى بن حكيم معاذ بن فضالة وشيبان وأبان بن يزيد العطار وهمام بن يحيى، كلهم قالوا عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن يعلى بن حكيم ثني يوسف بن ماهك أن عبد الله بن عصمة حدثه عن حكيم بن حزام بالحديث. خرج رواية معاذ بن فضالة الطفَّاويّ بن الجارود في المنتقى، ورواية

ص: 233

شيبان خرجها ابن الجارود أيضًا والبيهقي، ورواية أبان بن يزيد العطار خرجها الطحاوي في معاني الآثار والدارقطني في السنن، ورواية همام بن يحيى خرجها ابن الجارود والدارقطني، كلاهما من رواية حِبّان بن هلال عنه قال: ثنا يحيى بن أبي كثير ثنا يعلى بن حكيم أن يوسف بن ماهك حدثه أن عبد الله بن عصمة حدثه أن حكيم بن حزام حدثه به. ورواه قاسم بن أصبغ في مصنفه من طريق زهير بن حرب عن حبان بن هلال به، فأسقط من السند عبد الله بن عصمة مع تصريحه بالتحديث، فقال: ثنا همام بن يحيى ثنا يحيى بن أبي كثير أن يعلى بن حكيم حدثه أن يوسف بن ماهك حدثه أن حكيم بن حزام حدثه، الحديث. واغتر ابن حزم بظاهر هذا الإسناد فصححه مع زعمه بأن عبد الله بن عصمة متروك كما سبق، فوهم في الأمرين معًا. فلا عبد الله بن عصمة متروك ولا يوسف بن ماهك سمعه من حكيم، وإنما وقع الإسقاط من الإسناد جزمًا، بدليل رواية أبي الجارود والدارقطني وغيرهما كالبيهقي فإنه أشار إلى رواية همام المذكورة بمثل ما رواه ابن الجارود والدارقطني. وأغرب الأوزاعي على عادته فقال: عن يحيى بن أبي كثير حدثني يعلى بن حكيم بن حزام: "أن أباه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أشتري بيوعًا فما يحل لي منها؟ قال: إذا اشتريت بيعًا فلا تبعه حتى تقبضه". ورواه أبو بِشْر جعفر بن إياس عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن

ص: 234

حِزام بدون ذكر عبد الله بن عصمة، أخرجه أبو داود الطيالسي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وتابعه على ذلك أيوب فرواه عن يوسف عن حكيم، أخرجه أحمد والترمذي والطبراني في الصغير والبيهقي. وكذلك تابعهما يونس عن يوسف، أخرجه أحمد. ورواه عطاء عن عبد الله بن عصمة بذكر الطعام خاصة، فروى أحمد والنسائي والطحاوي، كلهم من طريق ابن جريج عن عطاء قال: أخبرني عبد الله بن عصمة الجشمي أنه سمع حكيم بن حزام يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له "ألم يبلغني أنك تبيع الطعام، قال بلى يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تبع طعامًا حتى تشتريه وتستوفيه" قال عطاء وأخبرني صفوان بن مَوْهِب عن عبد الله بن محمد بن صيفي عن حكيم بن حزام مثله.

ص: 235

وكذلك رواه البيهقي بالسند الثاني فقط ثم رواه النسائي والطحاوي أيضًا من طريق عبد العزيز بن رفيع عن عطاء عن حزام بن حكيم عن حكيم بن حزام قال: "كنت أشتري طعامًا فأربح فيه قبل أن أقبضه، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبعه حتى تقبضه".

1372 -

قوله: وقد نهى عن بيع ما لم يضمن.

تقدم قبل حديث بلفظ: "عن ربح ما لم يضمن".

ص: 236

1373 -

حديث سعيد بن المسيب مرسلًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ ابْتَاعَ طَعامًا فلا يَبِعْهُ حتَى يَسْتَوْفِيَهُ، إلّا ما كانَ لهنْ شركةٍ أو تَوْلِيَةٍ أو إقَالَة" قال ابن رشد: رواه مالك.

قلت: وليس كذلك، إنما رواه سحنون في المدونة قال: أخبرني ابن القاسم

ص: 237

عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه إلا ما كان من شرك أو إقالة أو تولية". أما مالك فقال في الموطأ؛ (ولا يحل بيع الطعام قبل أن يستوفى لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، غير أن أهل العلم قد اجتمعوا على أنه لا بأس بالشرك والتولية والإقالة في الطعام وغيره). وروى عبد الرزاق في مصنفه قال: أخبرنا ابن جريج عن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا مستفاضًا بالمدينة، قال:"من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه ويستوفيه إلا أن يشرك فيه أو يوليه أو يقيله".

1374 -

حديث ابن عمر قال: كُنَّا في زَمَنِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم نَبْتَاعُ الطعَامَ جزافًا فَبَعَثَ إلَيْنَا

ص: 238

مَنْ يأمُرُنا بانْتقَالِهِ مِنَ المكانِ الذي ابْتَعْنَاه فيهِ إلى مَكَانٍ سِواهُ قبلَ أن نَبِيعَهُ". قال أبو عمر ابن عبد البر: وإن كان مالك لم يرو عن نافع في هذا الحديث ذكر الجزاف، فقد روته جماعة وجوّده عبيد الله بن عمر وغيره، وهو مقدم في حفظ حديث نافع.

قلت: لم أر لفظ الجزاف إلا في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع، وفي رواية الزهري عن سالم عن أبيه علي أن في الرواية عن عبيد الله بن عمر من ذكره بدون زيادة الجزاف وأكثر الرواة وافقوا مالكًا على عدم ذكر الجزاف في الحديث كابن إسحاق وموسى بن عقبة جويرية ومحمد بن عبد الرحمن بن غنج، فما قاله ابن عبد البر غير ظاهر، ثم إن اللفظ المذكور هنا هو سياق مالك في الموطأ، وهو عنده بدون ذكر الجزاف. وكذلك رواه أحمد ومسلم والنسائي والبيهقي من طريق

ص: 239

مالك. ورواه أبو داود عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: "كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام فيبعث إلينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه، يعني جُزافًا" هكذا زاد هذه الزيادة في آخر حديث مالك، فأدرجها المصنف أو غيره في الحديث، وإلا فالموطأ ليست فيه هذه الزيادة، ولا ذكرها جل الرواة عن مالك. وقد وافقه ابن إسحاق، فرواه عن نافع عن ابن عمر، وصرح ابن إسحاق بقوله: حدثني نافع عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عليهم إذا ابتاعوا من الركبان الأطعمة من يمنعهم أن يتبايعوها حتى يؤوا إلى رحالهم" رواه أحمد. وكذلك قال موسى بن عقبة عن نافع حدثنا ابن عمر "أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتى ينقلوه حيث يباع الطعام" رواه البخاري والطحاوي وكذلك رواه جويرية عن نافع عن ابن عمر قال: "كنا نتلقَّى الركبان فنشتري منهم الطعام، فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى يُبلَغ به سوقُ الطعام" رواه البخاري ثم قال: (هذا

ص: 240

في أعلى السوق) يريد التلقي وقع منهم في أعلى السوق قبل أن يبلغ المكان المعد لبيعه فيه لورود النهي عن التلقي خارجه، واستدل البخاري على ذلك برواية عبيد الله بن عمر الآتية. وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر:"أنهم كانوا يبتاعون الطعام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الركبان" الحديث، رواه النسائي. أما عبيد الله بن عمر فقال عن نافع عن ابن عمر قال:"كنا نشتري الطعام من الركبان جزافًا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن الجارود والطحاوى والبيهقي من طرق عن عبيد الله، على أن البخاري رواه من طريق يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: "كانوا

ص: 241

يبتاعون الطعام في أعلى السوق فيبيعونه في مكانه، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه"، وهذا اختصار من يحيى بن سعيد أو مدَّد الراوي عنه أو البخاري نفسه لأن الرواة عن عبيد الله متفقون على ذكر الجزاف في حديثه. وتابعه الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: "رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يُضْرَبون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَبيعوه حتى يُؤوُوه إلى رِحالهم" رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي.

ص: 242