الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك ما حدث به الأعمش، قال: جالست إياس بن معاوية فحدثني بحديث قلت: من يذكر هذا؟ فضرب لي رجلًا من الحرورية. فقلت: إلي تضرب هذا المثل، تريد أن أكنس الطريق بثوبي فلا أدع بعرة ولا خنفساء إلا حملتها1. في حين وردت نصوص تشير إلى صدقهم، فقد كان سليمان بن الأشعث يقول:
"ليس في أصحاب الأهواء أصح حديثًا من الخوارج، ثم ذكر عمران بن حطان وأبا حسان الأعرج"2 ويقول ابن تيمية: "الخوارج مع مروقهم من الدين فهم أصدق الناس، حتى قيل: إن حديثهم أصح الحديث"3.
فلو صح ما نقل عن ابن لهيعة فإن دور الخوارج في الوضع ضئيل جدًّا ولا يعدو أن يكون هوى لفرد منهم وليس صفة تعمهم.
1 الرامهرمزي: المحدث الفاصل 1/ 12.
2 الخطيب: الكفاية/ 130؛ وانظر هدي الساري لابن حجر، ص432؛ وفتح الباري له 2/ 154.
3 ابن تيمية: المنتقى من منهاج الاعتدال/ 480.
الخلافات الكلامية:
وقد تضافرت جملة عوامل أخرى في تنمية الأحاديث الموضوعة كان من بينها ظهور الفرق الكلامية المتعددة كالقدرية والمرجئة والجهمية والمشبهة الممثلة ثم حركة المعتزلة التي ازداد سلطانها في العصر العباسي، ولئن أعطت المناظرات العميقة بين هذه الفرق متعة ذهنية لأرباب العقول المتعطشة فإنها فتحت بابًا من أبواب الفتن، وساهمت في تمزيق كيان المجتمع الإسلامي، كما أنها ضخمت.
الجانب النظري التجريدي على حساب الجانب العملي الذي أكد عليه الصحابة الذين وقفوا عند النصوص المتشابهة وآيات وأحاديث الصفات دون تأويل، فحافظوا بذلك على صفاء العقيدة وإشراقها في حين أضاع أرباب الكلام بمجادلاتهم التي ترمي إلى الإيضاح والتعليل وضوح العقيدة وصفاء الفكرة، ولم تثمر جهودهم غير الانقسام والتمزيق في الكيان الإسلامي.
وكان لا بد لأهل الكلام وأتباع الفرق من تأييد عقائدهم وآرائهم بنصوص الشرع ولما لم يجدوا ما يغنيهم في الأحاديث الصحيحة لجأ قليلو الورع منهم إلى الوضع في الحديث تأييدًا لمذاهبهم. قال محرز أبو رجاء وكان يرى القدر فتاب منه: "لا ترووا على أحد من أهل القدر شيئًا فوالله لقد كنا نضع الأحاديث ندخل بها الناس في القدر نحتسب بها فالحكم لله"1، وبسبب وضع أهل الكلام وأرباب الفرق للأحادي أو تأويلهم لها حسب أهوائهم ظهرت السنة أمام الجاهلين بها بمظهر التناقض فالمرجئة2 والقدرية3 والمجسمة4 والمعطلة5 والمفوضة6 وسائر الفرق على اختلافها وتباين آرائها تعتمد في دعم وجهات نظرها على السنة.
فمثلًا من المناقشات المبكرة بين المسلمين هل يزيد الإيمان أم لا؟ وقد وعضت أحاديث في دعم الرأيين كحديث: "الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ومن
1 العسقلاني: لسان الميزان 1/ 12.
2 المرجئة: هم الذين يرون أن الإيمان معرفة الله فقط ويقولون: "لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة".
3 القدرية: هم الذين يقولون بحرية الإرادة، أي أن الإنسان مخير وليس مسيرا.
4 المجسمة: هم الذين يشبهون صفات الله تعالى بصفات المخلوقين.
5 المعطلة: هم نفاة الصفات.
6 المفوضة: فرقة من الغلاة يزعمون أن الله تعالى فوض خلق الدنيا إلى محمد عليه الصلاة والسلام ومنهم من يقول إلى علي رضي الله عنه، ومنهم من يقول إلى كليهما:"مختصر التحفة الاثني عشرية، ص16". لكن المراد هنا التفويض في الصفات.
قال غير ذلك فهو مبتدع"، وضعه أحمد بن محمد بن حرب1 ووضع حديث آخر يناقضه: "من زعم الإيمان يزيد وينقص فزيادته نفاق ونقصانه كفر، فإن تابوا وإلا فاضربوا أعناقهم بالسيف"، وقد وضعه محمد بن القاسم الطايكاني2، وكانت فتنة القول بخلق القرآن مدعاة لوضع أحاديث ضد هذه الفكرة من ذلك حديث يقطع بكف من يقول بخلق القرآن3، وكذلك وضعت المجسمة أحاديث كثيرة لتاييد آرائها في الصفلات من ذلك حديث وضعه أبو السعادات بن منصور فيه أن الله تعالى ينزل ليلة الجمعة إلى الدنيا ويجلس على كرسي من نور وبين يديه لوح فيها أسماء من يثبت الرؤية والكيفية والصورة4.
وقد اتخذ بعض المتكلمين من هذا التناقض بين الموضوعات ومن التناقض الظاهري بين بعض الأحاديث الصحيحة وسيلة لثلب أهل الحديث وانتقادهم وقد دافع ابن قتيبة عن أهل الحديث وأوضح أن البلية إنما هي من أهل الكلام وذلك في كتابه القيم: "تأويل مختلف الحديث"5 وكما وضعت أحاديث لدعم آراء الفرق الكلامية فقد وضعت أحاديث ضد بعض هذه الفرق من قبل خصومها فقد وضع الأبرد بن الأشرس حديثًا يقرر أن القدرية زنادقة6 كما جاء في حديث موضوع آخر أنهم مجوس هذه الأمة7، وكتب الموضوعات مليئة
1 ابن عراق: تنزيه الشريعة 1/ 150.
2 المصدر السابق: 1/ 149.
3 انظر السيوطي: اللآلئ المصنوعة 1/ 4؛ وابن عراق: تنزيه الشريعة 1/ 134.
4 ابن عراق: تنزيه الشريعة 1/ 138.
5 انظر ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث/ 2-7.
6 السيوطي: اللآلئ المصنوعة 1/ 248، ولكن السيوطي حكم على الحديث من طرق أخرى بأنه بمجموع طرقه ينتهي إلى درجة الحسن الجيد المحتج به "1/ 259" وكذلك عزاه السيوطي في جامعه الصغير للحاكم وحسنه الشيخ الألباني، "انظر صحيح الجامع الصغير 4/ 150؛ ومشكاة المصابيح 1/ 38؛ والسنة لابن أبي عاصم 1/ 144".
7 المصدر السابق 1/ 257.