الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوهم أحيانا. إذ أن للصحابي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن غيره، فإذا رأى من لا خبرة له رواية الصحابي عن الصحابي ظن الأول تابعيا فيكشفه في التابعين فلا يجده فكان سياق الرواة كلهم مساقا واحدا على الحرف أولى1.
1 العسقلاني: تهذيب التهذيب 1/ 7
علم الرجال والتاريخ:
لقد كانت كتب الرجال يطلق عليها "تأريخ" سواء كانت مرتبة على الطبقات أم على حروف المعجم، ومن هنا حاول المتأخرون أن يميزوا بين التواريخ والطبقات، وقد اعتبر العز بن جماعة ذلك من الأمور المشكلة، وحاول التمييز بينها بعبارة غامضة فقال:"والحق عندي أنهما بحسب الذات يرجعان إلى شيء واحد، وبحسب الاعتبار يتحقق ما بينهما من التغاير"1.
وقد عقب السخاوي على ذلك بقوله: "بينهما عموم وخصوص وجهي، فيجتمعان في التعريف بالرواة وينفرد التاريخ بالحوادث، والطبقات بما إذا كان في البدريين مثلا من تأخرت وفاته عمن لم يشهدها، لاستلزامه تقديم المتأخر الوفاة"2.
وقد ذكر السخاوي أن كلامه في التفريق بين التاريخ والطبقات ينطبق على مصنفات الأقدمين في الطبقات، ذلك لأن المتأخرين راعوا في الطبقات سني الوفيات.
إن بعض المؤلفين أطلقوا على كتبهم في الرجال اسم التاريخ منذ فترة مبكرة ترجع إلى النصف الأول من القرن الثالث الهجري، حيث أطلقه البخاري على بعض مصنفاته في الرجال وهي "التاريخ الكبير" و"التاريخ الأوسط" و"التاريخ الصغير" كذلك فعل معاصره علي بن المديني "ت234هـ" حيث سمى كتابه في الرجال بـ "التاريخ" وسمى ابن أبي خيثمة "ت279هـ".
كتابه بـ "التاريخ الكبير" وتابعهم في ذلك بعض المؤلفين التالين، وكانت كلمة
1، 2 السخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 453.
التاريخ قد استعملت للتاريخ الحولي منذ تلك الفترة المبكرة أيضا حيث سمي خليفة بن خياط حولياته باسم "التاريخ"1 على أن الجزم بذلك يبدو صعبا وأيا كان الأمر فإن المؤلفين الأوائل في الرجال اعتبروا كتبهم تاريخا ولعل تبرير ذلك يعود إلى ذكر سنوات الولاة والوفاة لبعض المترجمين.
وقد استمر اعتبار كتب الرجال من فروع التاريخ حتى بعد أن تبلورت بعض المفاهيم حول تعريف التاريخ وتحديد مجالاته وأغراضه وظهرت في الدراسات المتأخرة التي قام بها الكافيجي2 سنة 879هـ والسخاوي3 "ت902هـ" فقد اعتبر السخاوي "علم التاريخ فن من فنون الحديث النبوي"4.
وذكر في فوائد علم التأريخ أنه "يظهر الشيخ الذي جعل روايته عنه من مقصده كان قد مات قبل مولده أو كان قد اختل عقل أو اختلط أو لم يجاوز بلدته التي لم يدخلها الطالب قط"5. وبيان ذلك كله من مباحث علم الرجال.
وقد استشهد السخاوي على جلالة علم التاريخ بأن السخاوي ألف "التاريخ الكبير" بين القبر النبوي والمنبر الشريف وكان يصلي لكل ترجمتين ركعتين6 وكتاب التاريخ الكبيرهذا من كتب الرجال وعندما ذكر السخاوي قوائم بأسماء التصانيف في التاريخ أورد ضمنها أنواع المصنفات في علم الرجال وقد اعتبر السخاوي معرفة تاريخ الرجال واجبا في حين أن معرفة الأخبار والأشعار وما إلى ذلك لا يعدو أن يكون مباحا7، ولم يقتصر اعتبار علم الرجال من
1 روزنثال: علم التاريخ عند المسلمين، 24-25.
2 في كتابه: "المختصر في علم التاريخ".
3 في كتابه القيم: "الاعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ".
4 السخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 450.
5 المصدر السابق، 450.
6 المصدر السابق، 452.
7 المصدر السابق، 454.
فروع التواريخ وذكر فوائده ضمن فوائد التاريخ على السخاوي فقد ذكر معاصره السيوطي "ت911هـ" أن "من فوائد التاريخ معرفة الآجال وحلولها وانقضاء العدد وأوقات التعاليق ووفيات الشيوخ ومواليدهم والرواة عنهم فنعرف بذلك كذب الكاذبين وصدق الصادقين"1.
وقد تابعهما كل من حاجي خليفة وطاش كبرى زاده في اعتبار علم الرجال أحد فروع علم التاريخ2. وقد تساءل روزنثال عما إذا كان من الصحيح قبول التراجم بشكلها الحالي كعنصر بارز في علم التاريخ كما فعل المؤرخون المسلمون؟ مع اعترافه بأن التراجم جزء أساسي من التاريخ وأن فيها مقدارا لا بأس به من المادة التي يمكن تصنيفها واعتبارها تأريخية3. وطبيعي أن ذلك ينطبق على كتب التراجم المتأخرة بصورة أوضح إلا أنه ينطبق أيضا على كتب الرجال التي حوت مادة تأريخية دقيقة وموثوقة لكنها قليلة ومشتتة فقد قدمت خلال التراجم معلومات منها ما يتصل بالإدارة، كذكر الولاة والقضاة ومنها ما يتعلق بتواريخ الغزوات والمعارك حيث ترد عرضا عند ذكر اشتراك أصحاب التراجم في الغزوات، ومنها ما يتعلق بخطط المدن التي ترد عرضا أيضا خلال تحديد محل سكنى صاحب الترجمة، وكذلك التعريف بالعشائر التي نزلت في المدن عندما تكون مرتبة على المدن وحاوية على الأنساب.
ولكتب الرجال أهمية خاصة في التعريف بالحياة الثقافية للمدن والأقطار الي تناولت تراجم علمائها، وهذه المعلومات قد تسد بعض الفجوات في المادة التي تقدمها الكتب التأريخية كأن يتم بها إكمال قوائم الولاة أو القضاة في مدينة معينة أو خلال فترة محددة، أو تكمل معلومات الكتب التأريخية عن خطط المدن وما شاكل، على أنه من الضروري عدم المبالغة في أهمية المادة التأريخية التي تقدمها كتب الرجال.
1 السيوطي: الشماريخ في علم التأريخ، 7.
2 أنظرحاجي: كشف الظنون 1/ 271.
وطاش كبرى زاده: مفتاح السعادة 2/ 237.
3 روزنثال: علم التاريخ عند المسلمين، 28.
وتظهر أهمية كتب الرجال في نوع من الدراسات التأريخية التي ظهرت حديثا وهي ما يسمى بعلم "تأريخ التأريخ" الذي يتعرض لدراسة الأصول التي استقى منها المؤخرون مادتهم ونقد هذه الأصول حيث تقدم كتب الرجال معلومات لها أهمية بالغة في التعريف برواة الأخبارة وبيان أحوالهم وعقائدهم وأخلاقهم مما يلقي ضوءا على دوافعهم وأغراضهم، وقد مكن من الإفادة من كتب الرجال في هذا المجال المشاركة الجدية التي قام بها المحدثون في نقل الأخبار1 إلى جانب رواية الحديث التي جعلت كتب الرجال تترجم لهم، ولكن ينبغي أن لا يبالغ في ذلك فإن معظم التراجم التي ذكرتها كتب الرجال قصيرة والمعلومات التي أوردتها مقتضبة ولكنها في حالات كثيرة تنفرد بها مما يجعل لها أهمية كبيرة.
ويبرز تأثير علم الرجال على كتب التراجم من حيث الشكل والمحتوى رغم أن كتب التراجم لم تقتصر على رجال الحديث، بل تناولت أيضا الملوك والأمراء والولاة والقضاة والشعراء والأدباء والقراء وغيرهم، فترتيب مادة الترجمة من حيث الاهتمام بضبط الأسماء وذكر الأنساب وبيان الصفات الخلقية والعقلية والجسمية وذكر شيوخ المترجم وتلاميذه وبعض مروياته أحيانا والاعتناء بذكر سني الوفيات، وهذه التراجم لا تختلف في طبيعة المادة ولا التنظيم عما هي عليه في كتب الرجال.
ويظهر أثر علم الرجال في التنظيم العام الذي اتبعته كتب التراجم في ترتيب مادتها، فالتنظيم على الطبقات أو على حروف المعجم هما أساس ترتيب كتب التراجم، وقد سبقت كتب الرجال إلى استعمال هذين الأساسين في عرض مادتها.
وقد لا يكون من المجازفة القول أن كتب التراجم ليست إلا تقليدا لكتب الرجال مع توسيع النطاق بإدخال تراجم لا علاقة لها برواة الحديث، ومع توسع أكثر في الكلام عن أحوال الرجال وأخبارهم.
1 يمكن التأكد من ذلك بملاحظة الشيوخ الذين نقل عنهم خليفة بن خياط ومحمد بن سعد والطبري.