المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التنظيم على النسب - بحوث في تاريخ السنة المشرفة

[أكرم العمري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌تقديم للأستاذ عبد الكريم زيدان

- ‌مقدمة الطبعة الرابعة:

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة:

- ‌مقدمة الطبعة الثانية:

- ‌مقدمة الطبعة الأولى:

- ‌الوضع في الحديث:

- ‌تمهيد:

- ‌بدء الوضع:

- ‌أثر الخلافات السياسية في الوضع:

- ‌دور الخوارج في الوضع:

- ‌الخلافات الكلامية:

- ‌الزنادقة:

- ‌القصاصون:

- ‌وضع جهلة الصالحين للحديث:

- ‌دور العصبية للمدن والجنس والإمام:

- ‌الوضع لأغراض خاصة:

- ‌جهود العلماء في مقاومة الوضع:

- ‌المصنفات في علم الرجال حتى نهاية القرن الخامس "دراسة وتحليل

- ‌مدخل

- ‌كتب معرفة الصحابة:

- ‌المصنفون من الصحابة

- ‌كتب الطبقات:

- ‌المصنفون في الطبقات:

- ‌أنواع كتب الجرح والتعديل

- ‌مؤلفو كتب الضعفاء:

- ‌مؤلفوا كتب الثقات

- ‌مؤلفون جمعوا بين الثقات والضعفاء:

- ‌المصنفات في رجال الحديث المذكورين في الكتب والسنة وغيرها

- ‌كتب معرفة الأسماء:

- ‌كتب الأسماء والكنى والألقاب:

- ‌كتب المؤتلف والمختلف:

- ‌كتب المتفق والمفترق والمتشابه:

- ‌تواريخ الوفيات

- ‌المصنفات في الوفيات:

- ‌تواريخ الرجال المحلية

- ‌معاجم الشيوخ:

- ‌كتب الرجال عند الشيعة:

- ‌أسس تنظيم كتب علم الرجال

- ‌التنظيم على النسب

- ‌ التنظيم على الطبقات:

- ‌ التنظيم على المدن:

- ‌ التنظيم على حروف المعجم:

- ‌علم الرجال والتاريخ:

- ‌علم الرجال والنقد التاريخي:

- ‌نشاط الرحلة في طلب الحديث:

- ‌تدوين الحديث:

- ‌الكتابة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌كتابة الحديث في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌رأي العلماء في تعارض هذه الأحاديث:

- ‌كتابة الحديث في جيل الصحابة:

- ‌أمثلة الصحف التي كتبها الصحابة في الحديث:

- ‌كتابة الحديث في جيل التابعين فما بعدهم:

- ‌كتب الرواية المهمة:

- ‌موطأ مالك:

- ‌مسند الإمام أحمد بن حنبل "ت241ه

- ‌صحيح الإمام البخاري "ت256ه

- ‌صحيح الإمام مسلم "ت261ه

- ‌كتاب سنن أبي داؤد السجستاني "ت275ه

- ‌جامع الترمذي "ت279ه

- ‌سنن النسائي "ت303ه

- ‌سنن ابن ماجه "ت273ه

- ‌كتب الرواية المهمة بعد القرن الثالث الهجري

- ‌ثبت المصادر والمراجع:

- ‌أولا: المصادر القديمة

- ‌ثانيا: المراجع

- ‌فهارس:

- ‌فهرست أسماء المصنفين

- ‌فهرست الموضوعات:

الفصل: ‌التنظيم على النسب

‌أسس تنظيم كتب علم الرجال

‌التنظيم على النسب

أسس تنظيم كتب علم الرجال:

اتبعت كتب علم الرجال في تنظيم مادتها الأسس الأربعة التالية:

1-

التنظيم على النسب.

2-

التنظيم على الطبقات.

3-

التنظيم على المدن.

4-

التنظيم على حروف المعجم.

1-

التنظيم على النسب:

كان للأنساب أهمية كبيرة عند العرب في الجاهلية فاهتموا بحفظها وكان شعرهم الذي يكون الشطر الأكبر من أدبهم يحتوي على ثروة من علم النسب1، ولا شك أن حياة البداوة التي جعلت من القبيلة أكبر وحدة اجتماعية وسياسية في حياتهم لها دخل كبير في اهتمامهم بالأنساب إذ لابد لأفراد القبيلة من معرفة مفاخر آبائهم وأجدادهم وأصالة أنسابهم، كما لابد لهم منمعرفة مثالب القبائل الأخرى فبذلك يوفرون مادة لأهم أغراض شعرهم: الفخر والهجاء.

وقد استمر الاهتمام بالأنساب بعد ظهور الإسلام وانتشاره وقيام دولته، فلم يمنع الإسلام الاهتمام بالأنساب وإن كان قد قاوم العصبية القبلية، وكل

1 أنظر عن احتواء الشعر على الأنساب:

Dentan، The Idea of History in the ancient Near East، p. 246-249.

ص: 171

عصبية جاهلية ذلك لأن العصبية شيء ومعرفة الأنساب شيء آخر، فقد حث القرآن الكريم الناس على التعارف، ولا يكون التعارف دون معرفة الأنساب1.

وقد نسب النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وحض على تعلم الأنساب، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علموا أنسابكم تصلوا أرحامكم"2.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أنساب قبائل العرب وربما نسب بعض أصحابه، "قال عمرو بن مرة الجهني كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"من كان من معد فليقم" فقمت فقال لي: "إجلس" فعل ذلك ثلاثا. قلت يا رسول الله ممن نحن؟ قال: "أنتم من قضاعة بن مالك بن حمت بن سبأ"3. كما نسب أيضا سعدا حين سأله: من أنا يا رسول الله؟ قال: "أنت سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة، من قال غير ذلك فعليه لعنة الله" 4.

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أعلم قريش بأنسابها شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك5.

وورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله "تعلموا من الأنساب ما تصلون به أرحامكم وتعرفون به ما يحل كم مما يحرم عليكم من النساء، ثم انتهوا"6.

وقد حدث في حياته صلى الله عليه وسلم أن اجتمع بعض الصحابة على رجل يحدث بالأنساب في المسجد فيذكر ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فإذا

1 قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم} "سورة الحجرات: آية 13".

2 الحاكم: معرفة علوم الحديث، 169؛ وانظر ابن حزم: جمهرة أنساب العرب، 3.

3 خليفة: الطبقات، 32أ.

4 الحاكم: معرفة علوم الحديث، 169.

5 المصدر السابق، 169.

6 السمعاني: أنساب، 1/ 11. وقوله "ثم انتهوا" أي: عن التفاخر المؤدي إلى العصبية.

ص: 172

جماعة فقال: "ما هذا؟ " قالوا: رجل علامة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: وما العلامة؟ " قالوا: رجل عالم بأيام الناس وعالم بالعربية وعالم بالأشعار وعالم بالأشعار العرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا علم لا يضر أهله" 1. وبإسناد آخر عن أبي هريرة، أنه قال: "هذا علم لا ينفع وجهل لا يضر" 2، وهكذا لم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن الاجتماع على تعلم الأنساب والأخبار والأشعار، وقد حدث الكلام عنها في مسجده بالذات، وأما قوله: "هذا علم لا ينفع" في رواية أبي هريرة رضي الله عنه فلعله أراد الأشعار والأخبار لأن نفع علم الأنساب ظاهر وقد حض صلى الله عليه وسلم تعلمه3. إذ أن قسما من أحكام الشرع يحتاج تطبيقها إلى معرفة الأنساب، ولذلك كانت معرفة بعض الأنساب فرضا على المسلمين كمعرفة نسب النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة أن الخلافة لا تجوز إلا في قريش فلو جهلت الأنساب لأمكن ادعاء الخلافة لمن لا تحل له، وكمعرفة الأنسان أباه وأمه وكل من يلقاه بنسب في رحم محرمة لما يترتب على ذلك من أحكام الزواج والمواريث4.

لقد رتب ديوان الجند الذي أنشأه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على القبائل، وقد راعى عمر القرابة من النبي صلى الله عليه وسلم في تسلسل القبائل التي سجلها فقدم بني هاشم على غيرهم من العشائر القرشية، وقدم قريش على غيرها من القبائل العربية5، وقد أصبح هذا التسلسل في ترتيب العشائر أساسا اتبعته كتب النسب التي كتبت في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري فيما بعد.

ويمكن أن نعتبر ديوان الجند أول تقييد شامل للأنساب وكانت الحاجات العملية للدولة هي التي أدت إلى ظهوره.

1 المصدر السابق، 1/ 9.

2 المصدر السابق.

3 يرى ابن حزم أن حديث "هذا علم لا ينفع وجهل لا يضر" موضوع لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنظر: جمهرة أنساب العرب، 3-4.

4 ابن حزم: جمهرة أنساب العرب، 2.

5 ابن سعد: الطبقات الكبرى، 3/ 282-296؛ والطبري: تاريخ الرسل والملوك، 1/ 2749-2750.

ص: 173

لقد أعطت السابقة في الإسلام والمشاركة في الغزوات الأولى مع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابها مكانة مرموقة بين المسلمين، وهذا ما حدث للمهاجرين الأولين والبدريين والأحديين وأهل بيعة العقبة، وقد امتدت آثار ذلك إلى ابنائهم وأحفادهم فاهتم هؤلاء بحفظ أنسابهم والتعريف بها لما في ذلك من قيمة اجتماعية، وينبغي أن لا ننسى أن أهل السابقة في الجهاد تمتعوا بامتيازات اقتصادية أيضا زمن عمر بن الخطاب1.

وقد ظل التماسك القبلي قويا عندما استقر العرب في الأمصار المفتوحة فكانت خطط الأمصار كالبصرة والكوفة قائمة على أساس قبلي حيث سكنت كل عشيرة في موضع خاص بها2.

وكانت القبيلة هي الوحدة العسكرية في ميادين القتال، كما كانت أساسا للتنظيم الاجتماعي والإداري في الأمصار3.

وهذه العوامل جعلت معرفة الأنساب ضرورة دينية واجتماعية وعسكرية وإدارية فاستمر الاهتمام بها حتى برز في ظل الدولة الإسلامية عدد من كبار النسابين الذين كانوا يعتمدون على ذاكرتهم قبل بدء تدوين الأنساب منهم من جيل الصحابة أبوجهم بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي فهو أحد أربة كانت قريش تأخذ منهم علم النسب4، وقد استمر اهتمامه بالأنساب بعد إسلامه، وجبير بن مطعم بن عدي الذي كان من أعلم الناس بالأنساب5، ودغفل بن حنظلة السدوسي الذي اختاره معاوية بن أبي سفيان لتعليم ابنه يزيد علم الأنساب6 وعبيد بن شرية الذي اشتهر بمعرفة أنساب

1 ابن سعد: الطبقات الكبرى، 3/ 296.

2 أنظر أحمد كمال زكي: الحياة الأدبية في البصرة، 27-29.

3 العلي: التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة، 38-40.

4 ابن عبد البر: الاستيعاب، 4/ 1623.

5 ابن حزم: جمهرة أنساب العرب، 5.

6 ابن عبد البر: الاستيعاب، 4/ 1623، وقال:"يقال أن له صحبة ورواية ولا يصح عندي سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم".

ص: 174

وأخبار اليمن وصحار العبدي والشرقي بن القطامي وغيرهم1 وقد استمر الاهتمام بالأنساب خلال القرنين الأول والثاني الهجريين ولكن التأليف في الأنساب بدأ في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، ولعل أول من ألف في الأنساب بعد محاولة الزهري التي لم تتم هو أبو اليقظان النسابة "ت190هـ" ومعاصره مؤرج بن عمرو السدوسي "ت195هـ" وهشام بن الكلبي "ت204هـ" ولا غرابة في أن يكون هؤلاء الثلاثة عراقيين فقد تركزت في العراق فعاليات النسابين خلال القرنين الأولين للهجرة في الكوفة والبصرة وهما مركزان نشيطان للقبال العربية2.

ولم يقتصر الاهتمام بالأنساب على النسابين الذين كانت الأنساب مادتهم الرئيسية فقد اهتم المحدثون أيضا منذ القرون الأولى بالأنساب فلا نجد محدثا كبيرا إلا وله علم بالنسب وممن عرف بذلك سعيد بن المسيب أحد كبار التابعين، وقد تابعه في الاهتمام بالأنساب ابنه محمد بن سعيد3 وتلميذه محمد بن شهاب الزهري الذي يقول:"ما خططت سوداء في بيضاء إلا نسب قومي"4 وقتادة بن دعامة السدوسي الذي قال فيه أبو عمرو بن العلاء: "أنه كان من أنسب الناس"5، والقاسم بن ربيعة وكان الحسن البصري إذا سئل النسب، قال:"عليكم بالقاسم بن ربيعة"6.

وترجع عناية المحدثين بالأنساب إلى أهميتها في معرفة رواة الحديث ولذلك فقد استمر الاهتمام بالأنساب في أوساط المحدثين خلال القرن الثاني الهجري وعندما ظهرت المصنفات في رجال الحديث احتوت مادة غزيرة في

1 ابن النديم: الفهرست، 137-138.

2 الدوري: نشأة علم التاريخ عند العرب، 34.

3 ابن حزم: جمهرة أنساب العرب، 5.

4 الرامهرمزي: المحدث الفاصل، 52.

5 الذهبي: تذكرة الحفاظ، 1/ 123.

6 ابن سعد: الطبقات الكبرى، 7/ 152.

ص: 175

النسب. وليست مادة النسب هذه دخيلة على علم الرجال، فالأصل في كتب الرجال التعريف بالرواة بذكر أنساب آبائهم وأمهاتهم، وقد انتقد ابن الأثير كتابي أبي عبد الله بن مندة وأبي نعيم الأصبهانيين في معرفة الصحابة لأنهما أكثرا ذكر الأحاديث والكلام عليها وبيان عللها ولم يطيلا نسب الشخص وأخباره وأحواله مما يعرف به، وامتدح من ناحية كتاب "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر القرطبي لأنه استقصى ذكر الأنساب وأحوال الشخص ومناقبه وكل ما يعرف به حتى أنه يقول هو ابن أخي فلان وابن عم فلان وصاحب الحادثة الفلانية، وكان هذا هو المطلوب من التعريف أما ذكر الأحاديث وعللها وطرقها فهو بكتب الحديث أشبه1.

وهكذا أوضح ابن الأثير أن النسب من المادة الأساسية في كتب الرجال، فلا عجب إذا وجدنا بعض المصنفين في علم الرجال يرتبون مادتهم على النسب.

والترتيب على النسب يعني أن المصنف يجمع الرواة الذين هم من عشيرة أو قبيلة واحدة في موضع واحد يقدم لهم مثلا بقوله: ومن قريش ثم من بني هاشم فلان وفلان.. ويذكرهم، ثم يتبع نسقا معينا في عرض القبائل والعشائر بأن يبدأ بمضر ثم قحطان، ولا يقدم قحطان على مضر، كذلك يبدا من مضر بقريش ثم بقية قبائل مضر وهذا التقديم قائم على أساس القرابة من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق القول أن أول من اتبع هذا التسلسل عند سرد الأنساب عمر بن الخطاب في تدوين الديوان، ولما ظهرت كتب الأنساب تقيدت بهذا التسلسل، ثم امتد هذا التنظيم إلى كتب الرجال التي نظمت مادتها على النسب، بل امتد أيضا إلى بعض المسانيد الحديثية التي رتبت الشيوخ على القبائل2. ومن هذا يتضح أن تنظيم القبائل بهذا الشكل إسلامي بحت ولا يرجع إلى أصول جاهلية.

1 ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة، 1/ 5.

2 السيوطي: تدريب الراوي شرح تقريب النواوي، 354-355.

ص: 176

إن أقدم من أخذ بالترتيب على النسب من المصنفين في الرجال هما خليفة ابن خياط "ت240هـ" في "الطبقات" ومحمد بن سعد "ت230هـ" في "الطبقات الكبرى".

فأما خليفة فقد كان أكثر التزاما بالترتيب على النسب حيث جعل النسب هو الأساس الوحيد في ترتيب الصحابة في المدينة، ولم يعتبر السابقة في الإسلام ولا تقدم سنة الوفاة، ولا التفاضل بين الصحابة، وبهذا استطاع أن يعرض الرواة من الصحابة على أساس العشائر دون إخلال بهذا الأساس سواء في ما كتبه عن الصحابة في المدينة أو ما كتبه عن الصحابة في الأمصار كالكوفة والبصرة، وكذلك فعل عند كلامه عن الصحابة الذين نزلوا بلاد الشام.

ويستمر التقسيم على النسب ظاهرا في طبقات خليفة عند كلامه عن التابعين في الكوفة والبصرة والمدينة، ولا يتجاوز هذا الأساس إلا في موضع واحد فقط عند ذكره للطبقة الثانية من التابعين في المدينة، فقد قدم ابناء المهاجرين على غيرهم معتبرا السابقة في الإسلام، ولكنه عاد بعد ذلك إلى الترتيب النسبي.

وقد حافظ خليفة بن خياط على النسق الذي اتبعه في تسلسل القبائل من بداية كتابه حتى يتلاشى عنده الترتيب على النسب بعد التابعين، مما يؤكد أن تسلسل القبائل عنده لم يكن مجرد ترتيب عرضي بل هو أمر مقصود قائم على فكرة القرابة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو بذلك يتابع كتب الأنساب.

إن الترتيب على النسب يختفي بعد طبقة التابعين، ولا يعود إلى الظهور إلا في القسم الأخير الذي خصصه للنساء.

أما محمد بن سعد فقد مزج بين الترتيب حسب السابقة في الإسلام وحسب النسب في القسم الذي خصصه للصحابة في المدينة1، حيث اعتبر السابقة في الإسلام الأساس الأول، فوضع البدريين طبقة أولى، وجعل من له إسلام قديم وهاجر إلى الحبشة أو شهد أحدا ثم من أسلم قبل فتح مكة طبقة

1 وهما المجلدان الثالث والرابع من طبعة بيروت.

ص: 177

ثانية من الصحابة، ولم يسم الطبقة الثالثة من الصحابة وهم من أسلم بعد الفتح، غير أنه رتب الرجال ضمن الطبقة الواحدة على اساس النسب، فهو يبدأ في طبقة البدريين مثلا ببني هاشم ثم بقية بطون قريش ثم مضر فالأوس فالخزرج.. إن اعتبار ابن سعد السابقة في الإسلام جعله يقسم الصحابة إلى ثلاث طبقات1. ومن ثم فلم يعد بإمكانه المحافظة على الترتيب النسبي بصورة دقيقة كما فعل خليفة بن خياط الذي اعتبر الصحابة طبقة واحدة، فترجمة العباس بن عبد المطلب مثلا تأتي عند خليفة بن خياط بعد ترجمة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة في حين تتقدمها عند ابن سعد تراجم الكثيرين من الذين شهدوا بدرا ولا تأتي ترجمة العباس عنده إلا في الطبقة الثانية من الصحابة.

وبينما يمتد الترتيب على النسب في طبقات خليفة إلى الصحابة في الأمصار وإلى طبقة التابعين فغن ابن سعد يقتصر في استعمال الترتيب النسبي على الصحابة والصحابيات2 في المدينة.

إن خليفة وابن سعد اهتما بالترتيب على النسب في القسم الذي خصصاه للصحابة من كتابيهما في الطبقات، في حين تقل مراعاتهم لذلك في بقية أقسام كتابيهما، وقد ألفت كتب كثيرة في معرفة الصحابة منذ أوائل القرن الثالث الهجري، ولكن لم يصل إلينا منها إلا القليل، وأقدم ما وصل إلينا كتاب "تسمية أولاد العشرة" لعلي بن المديني "ت234هـ" ورغم أنه لا يرتب كتابه على النسب

1 ذهب البعض إلى أنه جعلهم خمس طبقات "العراقي: فتح المغيث، 4/ 53". ولعل ذلك باعتبار البدريين طبق أولى. ومن له إسلام قديم أوهاجر إلى الحبشة طبقة ثانية، ومن شهد أحدا طبقة ثالثة، ومن أسلم قبل الفتح طبقة رابعة، ومن أسلم بعد الفتح طبقة خامسة، لكن الفصل بين من له إسلام قديم أو هاجر إلى الحبشة وبين من شهد أحدا ومن أسلم قبل الفتح وجعلهم ثلاث طبقات غير واضح عند ابن سعد.

2 خصص ابن سعد المجلد الثامن للنساء الصحابيات، ولا يظهر فيه الترتيب على النسب واضحا، ولكن ملاحظة تعاقب التراجم يدل على أنه جمع النسوة من العشيرة الواحدة في موضع واحد متبعا النسق التقليدي في تسلسل العشائر.

ص: 178

بل اعتبر في الترتيب السابقة في الإسلام والفضل إلا أن أثر الترتيب النسبي يظهر في ذكر ابناء الصحابة وأحفادهم بصورة مجتمعة.

وأما كتاب "معرفة الصحابة" لأبي عبد الله بن مندة "ت395هـ" فهو مرتب على حروف المعجم، وكذلك كتاب "معرفة الصحابة" لأبي نعيم "ت430هـ". وكتاب "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر "ت463هـ".

ومن الكتب المتأخرة التي اعتمدت على كتب المتقدمين وحفظت لنا بعض مادتها كتاب "أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير الجزري "ت630هـ" وقد جمع فيه كتب ابن مندة وأبي نعيم وابن عبد البر ونقل عن أبي موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى الأصفهاني "ت518هـ" الذي استدرك على ابن مندة، وعن أبي علي الغساني الذي استدرك على ابن عبد البر، كما نقل عن آخرين أيضا لم يذكرهم في قائمة مصادره منهم جعفر بن محمد المستغفري "ت432هـ" ولكن ابن الأثير لم يذكر شيا عن ترتيب هذه المؤلفات، أما كتاب ابن الأثير نفسه فقد رتبه على حروف المعجم. وكذلك رتب العسقلاني "ت852هـ" كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" على حروف المعجم أيضا.

وهكذا فإن سائر ما وصل إلينا من كتب الصحابة مرتب على حروف المعجم إلا كتاب "تسمية أولاد العشرة" لابن المديني، كما يشير السخاوي إلى أن كتاب أبي أحمد العسكري "ت382هـ" في "معرفة الصحابة" مرتب على القبائل1.

وخلاصة القول، أنه لا يوجد ما يشير إلى استمرار الترتيب على النسب بصورته الدقيقة كما استعمله ابن سعد وخليفة بن خياط، ويمكن القول أن معظم المصنفين في "معرفة الصحابة" تركوا الترتيب على النسب لأنه يجعل تناول الكتاب والإفادة منه من الصعوبة بمكان خاصة وأنهم لم يكونوا يستعملون

1 السخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 542.

ص: 179