الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن سائر الأحاديث الواردة في فضائل السور هي من الموضوعات بل صحت الأحاديث في ذلك وقد جمع السيوطي في ذلك كتابا سماه "خمائل الزهر في فضائل السور"1.
وقد أدرك العلماء خطر قيام الصالحين بوضع الأحاديث فهي تلقى رواجا لحسن ظن الناس بهم وعدم تفطنهم إلى احتمال كذبهم، فنبه العلماء على ذلك محذرين فقال أبوعاصم النبيل "ما رأيت الصالح يكذب في شيء أكثر من الحديث"2 وكان يحيى بن سعيد القطان يقول طما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير والزهد"3. وقد فسر الإمام مسلم ذلك "بأن الكذب يجري على لسانهم ولا يتعمدونه"4.
وقال العراقي: "يريد والله أعلم المنسوبين للصلاح بغير علم يفرقون به بين ما يجوز لهم ويمتنع عليهم أو أن الصالحين عند حسن ظن وسلامة صدر فيحملون ما سمعوه على الصدق ولا يهتدون لتمييز الخطأ من الصواب"5.
1 السيوطي: تدريب الراوي/ 190.
2 ابن عدي: الكامل 1/ 46أ.
3 المصدر السابق 1/ 46أوابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 5أوالخطيب: تاريخ بغداد 2/ 98 لكنه يذكر "ما رأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث".
4 مسلم: مقدمة الصحيح 1/ 18.
5 العراقي: فتح الغيث/ 130.
دور العصبية للمدن والجنس والإمام:
ولعبت العصبية دورا في ظهور الأحاديث الموضوعة سواء كانت عصبية للمكان الذي يسكنه الوضاعون أو للجنس الذي ينتمون إليه أو للإمام الذي
يتبعون مذهبه الفقهي فأما العصبية للمدن فقد ظهرت بعد استقرار العرب في المدن المفتوحة واختلاط قبائلهم ببعضها من جهة وبالأعاجم من جهة أخرى حيث حدث تداخل وتصاهر بين الأجناس العديدة التي ضمتها المدينة الإسلامية وقد ضعف نتيجة ذك الشعور بالقبيلة تدريجيا وظهر بجانبه التعصب للمدينة والانتساب إليها مع القبيلة وحل الفخر بالمدينة مكان الفخر بالقبيلة وقد أدت العصبية والمنافسة بين المدن إلى وضع أحاديث كثيرة في فضائل بعض المدن وفي ذم مدن أخرى حتى لا تكاد تخلو مدينة من المدن الإسلامية من أحاديث وضعت لها أو عليها. وقد وضع الكديمي حديثا في فضل البصرة "إني لأعرف أرضا يقال لها البصرة أقومها قبلة وأكثرها مساجد ومؤذنين، يدفع عنها البلاء ما لا يدفع عن سائر البلاد"1.
ووضع محمد بن معبد الرحمن بن البيلماني حديث "يأتي على الناس زمان يكون أفضل الرباط رباط جدة"2 ووضع ميسرة بن عبد ربه نحو أربعين حديثا في فضائل قزوين3. ووضع أحمد بن كنانة الشامي حديث "إذا ذهب الإيمان من الأرض وجد ببطن الأردن"4 ووضع أبو عصمة حديثا طويلا في فضائل مدن خراسان واحدة واحدة5 أما الأحاديث التي وضعت في ذم بعض المدن من قبل المدن المنافسة لها فهي كثيرة جدا أيضا ومن ذلك ما وضعه عمار بن زربي في ذم البصرة وأنه سيكون بها خسف ومسخ6 وما وضعه أبان بن أبي عياش "الجفاء والبغي في الشام"7 ومن الأحاديث ما وضع في مدح مدن مجتمعة أو ذم مدن مجتمعة، ولعل ذلك يلقي في بضع الأحياء ضوءا على العلاقات بين المدن
1 ابن عراق: تنزيه الشريعة 2/ 58.
2 المصدر السابق 2/ 46.
3 ابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 5أ.
4 ابن عراق: تنزيه الشريعة 2/ 57.
5 المصدر السابق 2/ 47-48.
6 المصدر السابق أيضا 2/ 50.
7 المصدر السابق 2/ 58.
مثل حديث "بابان مفتوحان في الدنيا للجنة عبادان وقزوين"1، فلعله دليل على حسن العلاقة بين سكان المدينتين، وفي كتب الجغرافية والبلدان ككتاب الأعلاق النفيسة لابن رسته والبلدان لابن الفقيه الهمذاني وغيرهما نماذج كثيرة للأحاديث الموضوعة في فضال المدن.
وأما العصبية للجنس فتظهر في بعض الأحاديث الموضوعة مثل "دعوني من السودان إما الأسود لبطنه وفرجه" وقد وضعه يحيى بن أبي سليمان المديني2. وحديث "الزنجي إذا شبع زنى، وإذا جاع سرق، وإن فيهم لسماحة ونجدة" وقد وضعه عنبسة البصري3 ولعل وضع الأحاديث في ذم الزنج يعكس كراهية أهل البصرة لهم.
ومن مظاهر العصبية للجنس وضع حديث "أبغض الكلام إلى الله تعالى بالفارسية وكلام الشيطان الخوزية وكلام أهل النار البخارية، وكلام أهل الجنة العربية" وقد وضعه إسماعيل بن زيادة بن غالب القطان4.
وقد لعبت العصبية لأئمة المذاهب دورا في إنماء الأحاديث الموضوعة، ويظهر ذلك في أحاديث كثيرة منها "سيأتي من بعدي رجل يقال له النعمان بن ثابت، ويكنى أبا حنيفة ليحيين دين الله وسنتي على يديه"5. وقيل للمأمون ألا ترى إلى الشافعي ومن تبعه بخراسان فقال حدثنا أحمد وذكر إسناد حديث "يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس، ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي"6.
1 ابن عراق: تنزيه الشريعة 2/ 59.
2، 3 ابن عراق: تنزيه الشريعة 2/ 31.
4 السيوطي: اللآلئ المصنوعة 1/ 11.
5 الخطيب: تاريخ بغداد 2/ 289 وابن عراق: تنزيه الشريعة 2/ 30.
6 ابن عراق: تنزيه الشريعة 2/ 30 والخطيب: تاريخ بغداد 5/ 309 لكنه ينقل عن الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري أن المتهم بوضعه هو محمد البورقي.