المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ التنظيم على الطبقات: - بحوث في تاريخ السنة المشرفة

[أكرم العمري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌تقديم للأستاذ عبد الكريم زيدان

- ‌مقدمة الطبعة الرابعة:

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة:

- ‌مقدمة الطبعة الثانية:

- ‌مقدمة الطبعة الأولى:

- ‌الوضع في الحديث:

- ‌تمهيد:

- ‌بدء الوضع:

- ‌أثر الخلافات السياسية في الوضع:

- ‌دور الخوارج في الوضع:

- ‌الخلافات الكلامية:

- ‌الزنادقة:

- ‌القصاصون:

- ‌وضع جهلة الصالحين للحديث:

- ‌دور العصبية للمدن والجنس والإمام:

- ‌الوضع لأغراض خاصة:

- ‌جهود العلماء في مقاومة الوضع:

- ‌المصنفات في علم الرجال حتى نهاية القرن الخامس "دراسة وتحليل

- ‌مدخل

- ‌كتب معرفة الصحابة:

- ‌المصنفون من الصحابة

- ‌كتب الطبقات:

- ‌المصنفون في الطبقات:

- ‌أنواع كتب الجرح والتعديل

- ‌مؤلفو كتب الضعفاء:

- ‌مؤلفوا كتب الثقات

- ‌مؤلفون جمعوا بين الثقات والضعفاء:

- ‌المصنفات في رجال الحديث المذكورين في الكتب والسنة وغيرها

- ‌كتب معرفة الأسماء:

- ‌كتب الأسماء والكنى والألقاب:

- ‌كتب المؤتلف والمختلف:

- ‌كتب المتفق والمفترق والمتشابه:

- ‌تواريخ الوفيات

- ‌المصنفات في الوفيات:

- ‌تواريخ الرجال المحلية

- ‌معاجم الشيوخ:

- ‌كتب الرجال عند الشيعة:

- ‌أسس تنظيم كتب علم الرجال

- ‌التنظيم على النسب

- ‌ التنظيم على الطبقات:

- ‌ التنظيم على المدن:

- ‌ التنظيم على حروف المعجم:

- ‌علم الرجال والتاريخ:

- ‌علم الرجال والنقد التاريخي:

- ‌نشاط الرحلة في طلب الحديث:

- ‌تدوين الحديث:

- ‌الكتابة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌كتابة الحديث في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌رأي العلماء في تعارض هذه الأحاديث:

- ‌كتابة الحديث في جيل الصحابة:

- ‌أمثلة الصحف التي كتبها الصحابة في الحديث:

- ‌كتابة الحديث في جيل التابعين فما بعدهم:

- ‌كتب الرواية المهمة:

- ‌موطأ مالك:

- ‌مسند الإمام أحمد بن حنبل "ت241ه

- ‌صحيح الإمام البخاري "ت256ه

- ‌صحيح الإمام مسلم "ت261ه

- ‌كتاب سنن أبي داؤد السجستاني "ت275ه

- ‌جامع الترمذي "ت279ه

- ‌سنن النسائي "ت303ه

- ‌سنن ابن ماجه "ت273ه

- ‌كتب الرواية المهمة بعد القرن الثالث الهجري

- ‌ثبت المصادر والمراجع:

- ‌أولا: المصادر القديمة

- ‌ثانيا: المراجع

- ‌فهارس:

- ‌فهرست أسماء المصنفين

- ‌فهرست الموضوعات:

الفصل: ‌ التنظيم على الطبقات:

فهارس مفصلة كالتي نجدها في المصادر المطبوعة في وقتنا الحاضر، ولذلك فقد لجأوا إلى الترتيب على حروف المعجم.

وأخيرا فليس من الغريب أن لا نجد أثرا للترتيب على النسب في كتب الرجال الأخرى فإن الترتيب على النسب كما تمثل بدقة عند ابن سعد، وخليفة إنما يتعلق بالقسم الخاص بالصحابة وأنساب الصحابة معلومة، فإذا تخلت كتب معرفة الصحابة عن الترتيب على النسب فكيف نتوقع استمرار الترتيب على النسب في كتب الرجال الأخرى التي تشتمل على كثيرين من الموالي أو العرب الذين لم تضبط أنسابهم كما ضبطت أنساب الصحابة.

ص: 180

2-

‌ التنظيم على الطبقات:

لم يستعمل القرآن الكريم لفظ "الطبقة" ولكنه استمعل "طبق" و"طباق" قال تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق} 1. وقال: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} 2.وتذكر معاجم اللغة كلمة "الطبقة" في مادة "طبق". وطبق من الناس أي جماعة، والمطابقة: الموافقة، وطبقات الناس مراتبهم3. قال ابن الأعرابي:"الطبق الجماعة من الناس يعدلون جماعة مثلهم"4. وقد حاول اللغويون المتقدمون تحديد الطبقة زمنيا فذكر الهجري عن ابن عباس: الطبقة عشرون سنة5. ولكننا إذا قبلنا مثل هذا التحديد فإن من الصعوبة أن نسلم بظهور فكرة الطبقات بهذا الوضوح والدقة في جيل ابن عباس. ولا يمكن في هذا المجال أن نعول على حديث "أمتي على خمس طبقات كل طبقة أربعون عاما، فأما طبقتي وطبقة أصحابي فأهل علم وإيمان، وأما الطبقة الثانية ما بين الأربعين إلى الثمانين فأهل بر وتقوى ثم الذين يلونهم إلى عشرين ومائة سنة

1 سورة الانشقاق: آية 19.

2 سورة الملك: آية3، سورة نوح: آية 14.

3 الجوهري: الصحاح، 4/ 1512.

4 ابن منظور: لسان العرب، 12/ 79.

5 المصدر السابق، 15/ 80؛ وانظر الزبيدي: تاج العروس، 6/ 414.

ص: 180

أهل تراحم وتواصل ثم الذين يلونهم إلى ستين ومائة أهل تدابر وتقاطع، ثم الهرج الهرج النجا النجا"1. فقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات2.

وقد أطلقت الطبقة على القرن مجازا، إذا اقتصرنا على تحديد معين للقرن وهو الجيل3.

ورغم هذه المحاولات في تحديد الطبقة زمنيا فإن استعمال الطبقة كوحدة زمنية ثابتة لم يظهر إلا في فترة متأخرة جدا وذلك حينما استعملها الذهبي وجعلها تساوي عشر سنين4.

ويرى روزنثال أن تقسم الطبقات إسلامي أصيل وأنه أقدم تقسيم وجد في التفكير التاريخي الإسلامي وأنه نتيجة طبيعة لفكرة صحابة الرسول فالتابعون

إلخ، ولا علاقة له بمؤثرات خارجية5. ومما يؤيد هذا الرأي حديث أورده البخاري ونصه "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"6، فخير القرون الصحابة ثم التابعون ثم أتباع التابعين7. على أن للقرن تعاريف متباينة منها أنه مائة سنة وقد بين الحافظ ابن حجر أنه التحديد المشهور، وقال:"والمراد بقرن النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة، وقد ظهر أن الذي بين البعثة وآخر من مات من الصحابة مائة سنة وعشرون سنة أو دونها أو فوقها"8.

1 ابن ماجة: السنن، 2/ 1349.

2 المصدر السابق، السنن، 2/ 1349؛ أنظر الحاشية منها.

3 ابن منظور: لسان العرب، 12/ 80؛ وانظر الزبيدي: تاج العروس، 6/ 414.

4 الذهبي في تاريخ الإسلام.

5 روزنثال: علم التاريخ عند المسلمين، 133-134.

6 البخاري: الصحيح، 5/ 2-3.

7 العيني: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 16/ 170.

8 فتح الباري، 7/ 3-4.

ص: 181

إن أبسط أشكال التقسيم على الطبقات هواستعمالها بمعنى جيل، وقد استعمل بعض المصنفين كلمة قرن بدل طبقة، فعل ذلك بحشل في "تاريخ واسط" الذي ألفه سنة 288هـ، رغم ان استعمال الطبقات كان معروفا في عصره1، بل أن بحشل نفسه استعمله في مؤلفه مرة2. وقد قسم الرواة من أهل واسط حتى طبقة شيوخه إلى أربعة قرون3.

إن استعمال الطبقة للدلالة على الجيل يتمثل بصورة واضحة في مصنفات ابن حبان البستي "ت354هـ" ففي كتابيه" الثقات" و"مشاهير علماء الأمصار" قسم الرواة إلى أربع طبقات هي الصحابة والتابعون وأتباع التابعين وتبع الأتباع. وكذلك فعل الحاكم النيسابوري "ت404هـ" في تاريخ نيسابور حيث قسم الرواة إلى صحابة، تابعين، أتباع التابعين. فلما انتهى من ذكر أتباع التابعين، قال:"ثم الأتباع وهو القرن الرابع بعد النبوة والثالث بعد الصحابة"4، وهكذا استعمل الحاكم الطبقة والقرن والجيل كمترادفات.

ولكن أقدم استعمال للطبقة لم يكن بمعنى الجيل كما لم يكن بسيطا كما استعمله ابن حبان فيما بعد وإن كان التقسيم إلى صحابة

تابعين. أتباع التابعين واضحا تمام الوضوح في أقدم ما وصل إلينا من كتب الطبقات ولكنه بمثابة إطار يحتوي على تقسيمات أصغر ضمنه. فقد قسم الصحابة وحدهم إلى عدة طبقات بلغت أحيانا اثنتي عشر طبقة بالنظر إلى السبق في الإسلام والهجرة وشهود المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم5. وقد قسمهم البعض إلى أكثر من اثنتي عشر طبقة6. وكذلك قسم كل من التابعين وأتباع التابعين إلى عدة طبقات.

وقد تباين عدد طبقات كل من الصحابة والتابعين والأتباع في كتب الرجال لأن

1 روزنثال: علم التاريخ عند المسلمين، 229.

2 بحشل: تاريخ واسطن 122، 131.

3 المصدر السابق، 47، 85، 151، 218.

4 تاريخ نيشابور، 175.

5 الحاكم: معرفة علم الحديث، 22-25.

6 المصدر السابق.

ص: 182

ذلك يتصل بذوق المصنف واجتهاده، وأقدم ما وصل إلينا من كتب الطبقات كتاب "الطبقات" لخليفة بن خياط وكتاب "الطبقات الكبرى" لمحمد بن سعد وكتاب "الطبقات" لمسلم بن الحجاج "ت261هـ". وتسمية هذه الكتب بالطبقات يدل على تأصل نظام الطبقة في هذه الفترة المبكرة.

أما خليفة بن خياط فقد اعتبر الصحابة كلهم طبقة واحدة إذ لم يعتبر شرطا غير كونهم صحابة فلم يأبه إلى السابقة في الإسلام أوالفضل كما يفعل معاصره محمد بن سعد.

أما التابعون والأتباع فقد قسمهم إلى عدة طبقات يتباين عددها بين المدن ولم يميز بين طبقات التابعين وطبقات الأتباع ومن بعدهم بل ذكر طبقات الرواة بتعاقب حتى عصره.

وأما محمد بن سعد فقد جعل الصحابة ثلاث طبقات1، ويرى البعض أنه جعلهم خمس طبقات2 وقد اعتبر في تقسيمهم السابقة في الإسلام فقد جعل البدريين طبقة أولى والمسلمين الأوائل ممن شهد أحدا وما بعدها من المشاهد طبقة ثانية وألحق بهم من أسلم قبل الفتح3، ولم يذكر ابن سعد من أسلم بعد الفتح حيث يكونون حسب ترتيبه الطبقة الثالثة. أما التابعون فتختلف طبقاتهم بين المدن ولكنه بصورةعامة جعلهم ثلاث طبقات وربما بلغ بهم أربع طبقات4، ولكن التمييز بين التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم في طبقات ابن سعد عسير إلا على من له معرفة واسعة بالرجال، لأنه سرد طبقاتهم جميعا بتعاقب ولم يفصل بينهم كما فعل في تمييز الصحابة عن غيرهم5.

1 ابن الصلاح: مقدمة، 121.

2 العراقي: فتح المغيث، 4/ 53.

3 مبدأ اعتبار السابقة في الإسلام والفضل في تقسيم الصحابة اتبعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في توزيع العطاء.

4 العراقي: فتح المغيث، 4/ 53.

5 في الطبقات الكبرى "ليدن" تجد في آخر الطبقة السابعة من أهل المدينة قوله "آخر طبقات التابعين" وهذا خطأ لأن فيهم من توفي سنة 229هـ ولا أعلم مصدر هذا الوهم.

ص: 183

ويحق هنا أن نتساءل عن مفهوم الطبقة عند خليفة بن خياط ومحمد بن سعد؟ هل للطبقة عندهما مفهوم زمني معين؟

إن التمحيص يدل على أن خليفة بن خياط ومحمد بن سعد كليهما لم يعتبرا سني الوفيات أساسا يعتمدانه في التقسيم على الطبقات. فالتداخل كبير بين سني وفيات تراجم الطبقات المتتالية، ففي طبقات خليفة نجد أن وفيات الطبقة الرابعة من البصريين مثلا تتراوح بين "110-115هـ" بينما وفيات الطبقة الخامسة تتراوح بين "128-132هـ" كذلك تتراوح وفيات الطبقة السادسة منهم بين "136-156هـ" في حين تترواح وفيات الطبقة السابعة منهم بين "149-115هـ" وأما في طبقات ابن سعد فتتراوح وفيات الطبقة الأولى من الكوفيين مثلا بين "62-115هـ" وتترواح وفيات الطبقة الثانية منهم "83-111هـ" وهكذا جعل في الطبقة الأولى من تأخرت وفياتهم عن أهل الطبقة الثانية. فالتقسيم على الطبقات إذ لا يقوم على اعتبار سني الوفيات في هذه الفترة المبكرة فعلى أي أساس يقوم إذا؟

لقد ذكرت أن أساس تقسيم الصحابة إلى طبقات عند ابن سعد هو اعتبار السابقة في الإسلام، أما طبقات التابعين ومن بعدهم فقائم عند خليفة وابن سعد على اعتبار اللقيا بين الصحابة والتابعين، فكبار التابعين هم الذين رووا عن كبار الصحابة ذوي السابقة والفضل، وهم الطبقة الأولى من التابعين، أما التابعون الذين رووا عن صغار الصحابة ولم يلتقوا بكبارهم لعدم لحاقهم بهم فيكونون طبقة ثالثة أو رابعة، وكذلك فإن من روى عن سعيد بن المسيب وغيره من كبار التابعين فإنهم يكونون الطبقة الأولى من أتباع التابعين.

إن كتابي خليفة بن خياط ومحمد بن سعد في تراجم المحدثين قد وضعا لخدمة علم الحديث ومن ثم فقد جاء ترتيب كتابيهما على الطبقات ملائما لهذا

ص: 184

الغرض حيث استعملا الطبقة للدلالة على القوم المتشابهين من حيث اللقاء والسن وبعبارة أدق من حيث تقاربهم في السن وفي الشيوخ الذين أخذوا عنهم.

وذكر التقارب في السن هنا لا يتناقض مع قولي أن الطبقات لم تعتبر الوفيات أساسا تقوم عليه إذ من الطبيعي أن من يلقى كبار الصحابة يكون متقدما في السن وتتقدم وفاته في العادة على وفاة من يلقى صغار الصحابة، ولذلك نجد أن وفيات الطبقة الأولى غالب ما تتقدم على وفيات الطبقات التالية.

إن عدم اعتبار سني الوفيات أساسا للتقسيم على الطبقات هو الذي جعل الطبقة في فترة النشأة لا تتخذ مفهوم الوحدة الزمنية الثابتة، فمرة تكون حوالي العشر سنوات، وأخرى تقارب العشرين سنة، وثالثة في حدود الجيل وربما تجاوزته.

إن التمييز بين طبقات الصحابة والتابعين ومن بعدهم لها علاقة بنقد إسناد الحديث فهي وسيلة لمعرفة ما في الحديث من غرسال أو انقطاع1 أو عضل أو تدليس2. وبمعرفة طبقات الرواة أيضا يمكن التمييز بين السماء المتشابهة والمتفقة، فقد يتفق اسمان في اللفظ فيظن أن أحدهما الآخر، فإذا أردنا التمييز بينهما فينبغي معرفة طبقتيهما إن كانا من طبقتين، فإن كانا من طبقة واحدة فربما أشكل الأمر، وربما عرف ذلك بمن فوقه أو دونه من الرواة، فربما كان أحد المتفقين في الإسم لا يروي عمن روى عنه الآخر فإن اشتركا في الراوي الأعلى وفيمن روي عنهما فالإشكال حينئذ أشد، وإنما يميز ذلك أهل الحفظ والمعرفة3.

1 ابن الصلاح: مقدمة، 123.

2 المرسل: هو ما سقط من إسناده إسم الصحابي. "انظر ابن كثير: الباعث، ص47".

المنقطع: هو أن يسقط من السند رجل ليس بصحابي. "انظر: الباعث، ص47".

المعضل: هو ما سقط من إسناده اثنان فصاعدا. "الباعث، ص51".

المدلس: أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه سمعه منه. "ابن كثير: الباعث الحثيث، ص53".

3 العراقي: فتح المغيث / 161.

ص: 185

وبسبب الجهل بالطبقات غلط غير واحد من المصنفين فربما ظن راويا آخر غيره، وربما أدخل راويا في غير طبقته1.

إن فائدة التقسيم على الطبقات تتم لو اتبع المصنفون تقسيما واحدا، ولم يتباين عدد الطبقات بين مصنف وآخر. فتباين عدد الطبقات عندهم يجعل النسبة إلى الطبقة ليست مطلقة بل تتقيد بطريقة كل مصنف، فلم يعد بالإمكان أن نكتفي بالقول مثلا أن عبد الرحمن بن أبي الزناد في الطبقة السادسة من أهل المدينة فهو كذلك عند ابن سعد فقط أما في طبقات خليفة فهو في الطبقة الثامنة. ومن ذلك أيضا أن أنس بن مالك وغيره من صغار الصحابة مع العشرة وغيرهم من أكابر الصحابة من طبقة واحدة إذا نظرنا إلى تشابههم في أصل صفة الصحبة كما فعل خليفة بن خياط ومن بعده ابن حبان، أما إذا نظرنا إلى تفاوت الصحابة في سوابقهم ومراتبهم كانوا عدة طبقات كما فعل ابن سعد ومن قلده وعندها لا يكون أنس وغيره من صغار الصحابة من طبقة العشرة بل دونهم بطبقات2. وقد أخذ الحافظ المزي على نظام الطبقات أنه يوهم أحيانا، ذلك أن للصحابي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن غيره، فإذا رأى من لا خبرة له رواية الصحابي عن الصحابي ظن الأول تابعيا فيكشفه في التابعين فلا يجده، لذلك رأى العسقلاني أن سياق الرواة علىاختلاف طبقاتهم مساقا واحدا على الحروف أولى3.

ورغم المآخذ على نظام الطبقات إلا أنه كان ملائما لأغراض الحديث التي ابتكر من أجلها، ومن ثم فإن استعماله لم يقتصر على خليفة بن خياط ومحمد بن سعد بل استعمله معاصرون لهم ومتأخرون عنهم، واستمر التقسيم على الطبقات أساسا تتبعه بعض المصنفات في الرجال حتى القرن الثامن الهجري.

1 المصدر السابق 4/ 161.

2 ابن الصلاح: مقدمة، 160-161.

3 العسقلاني: تهذيب، 1-7.

ص: 186

وممن رتب كتابه على الطبقات الإمام مسلم بن الحجاج "ت261هـ" في كتابه "الطبقات" وقد ذكرت المراجع أنه اقتصر على الصحابة والتابعين واكتفى بتجريد الأسماء1، وأنه قسم التابعين إلى ثلاثة طبقات2، إلا أن المراجع لم تشر إلى طريقته في عرض الصحابة وهل اعتبرهم طبقة واحدة أم أكثر؟

واتبع نظام الطبقات أبوعروبة الحسين بن محمد بن مودود الحراني "ت137هـ" في كتابه "الطبقات"3 إلا أن ما بقي منه لا يكفي لتوضيح حدود الطبقة عنده، إلا أنه اعتبر الصحابة طبقة واحدة.

واتبع هذا الترتيب ابن حبان البستي "ت354هـ" في كتابيه "الثقات" و"مشاهير علماء الأمصار"، وقد اعتبر الصحابة طبقة أولى والتابعين طبقة ثانية والأتباع طبقة ثالثة وتبع الأتباع طبقة رابعة.

وكذلك فإن قسما من التواريخ المحلية اتبعت نظام الطبقات أيضا مثل "طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها" لأبي الشيخ الأنصاري "ت369هـ" حيث قسمهم حتى عصره إلى إحدى عشرة طبقة.

وكذلك "تاريخ الرقة" لمحمد بن سعيد القشيري "ت334هـ" و"تاريخ داريا" لعبد الجبار الخولاني "ت370هـ" ولا يختلف مفهوم الطبقة عند هؤلاء المؤلفين جميعا علما وجدناه عند ابن سعد وخليفة بن خياط.

وقدامتد استعمال نظام الطبقات إلى كتب التراجم الأخرى كتراجم

1 السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، 684.

2 العراقي: فتح المغيث، 4/ 161.

3 ولأبي عروبة كتاب "طبقات الجزريين" و"طبقات أهل الرقة" مفقودان.

ص: 187

القراء1 والفقهاء2 والصوفية3 والشعراء4 والأدباء5 والنحاة6 والأطباء7 مما يدل على تأثير نظام الطبقات وشيوع استعماله في مجالات عديدة في حين أنه لم يبتكر إلا لخدمة علم الحديث. وعندما لم يلتزم أبو نعيم الأصبهاني "ت430هـ" في كتابه "حلية الأولياء" بنظام الطبقات بصورة دقيقة في سائر كتابه بل اكتفى بالتمييز بين الصحابة ومن تلاهم وخلط التابعين ومن بعدهم انتقده ابن الجوزي "ت597هـ" فقال "إنه خلط في ترتيب القوم من ينبغي أن يؤخر وأخر من ينبغي أن يقدم فعل ذلك في الصحابة وفيمن بعدهم، فلا هو ذكرهم على ترتيب الفضائل ولا على ترتيب المواليد ولا جمع أهل كل بلد في مكان، وربما فعل هذا في وقت ثم عاد فخلط خصوصا في أواخر الكتاب فلا يكاد طالب الرجل يهتدي إلى موضعه"8. وقد رتب ابن الجوزي كتابه "صفة الصفوة" على الطبقات متبعا طريقة ابن سعد حيث اعتبر السابقة في الإسلام فقسم الصحابة إلى خمس طبقات، ثم ذكر التابعين ومن بعدهم على الطبقات أيضا، ويتداخل التنظيم على الطبقات مع التنظيم على المدن حيث يذكر الطبقات ضمن المدينة الواحدة، ويذكر أنه فعل ذلك تسهيلا للطلب على الطالب9.

1 مثل "طبقات القراء" لخليفة بن خياط "ت240هـ".

2 مثل "طبقات الفقهاء" لأبي إسحاق الشيرازي "ت476هـ".

3 مثل "طبقات الصوفية" لأبي عبد الرحمن السلمي "ت412هـ".

4 مثل "طبقات الشعراء" لمحمد بن سلام الجمحي "ت232هـ".

5 مثل "نزهة الألباء في طبقات الأدباء" لأبي البركات عبد الرحمن بن محمد بن الأنباري "ت577هـ".

6 مثل "طبقات النحويين" لأبي بكر الزبيدي "ت379هـ".

7 مثل "طبقات الأطباء والحكماء" لأبي داؤد سليمان بن حسان الأندلسي "ت377هـ.

8 ابن الجوزي: صفة الصفوة 1/ 5

9 المصدر السابق 1/ 7.

ص: 188

إن الترتيب على الطبقات استمر متبعا في ميدانه الأصيل فرتبت بعض كتب الرجال على الطبقات حتى فترة متأخرة، فقد رتب عبد الغني المقدسي الجماعيلي "ت600هـ" كتابه "الكمال في معرفة الرجال"1 على الطبقات، ولكن المزي "ت742هـ" لم يحافظ على ترتيب الكمال عندما هذبه حيث رتبه على حروف المعجم وكذلك الذهبي "ت748هـ" في كتابه "الكاشف عن رجال الكتب الستة"2 وهو مختصر من تهذيب الكمال للمزي3 اتبع الترتيب على حروف المعجم، كذلك فعل العسقلاني في كتابه "تهذيب التهذيب" الذي هو تهذيب لكتاب "تهذيب الكمال للمزي".

إن أبرز من اهتم بنام الطبقات في القرن الثامن الهجري هو الحافظ الذهبي "ت748هـ" في كتبه "تذكرة الحفاظ" و"تاريخ الإسلام" و"المجرد في أسماء رجال كتاب ابن ماجه" ففي ثالث هذه الكتب نجده يرتب الرجال على الطبقات ويسمي الطبقة بإسم أحد الأعلام البارزين فيها فيقول: طبقة الأعمش وابن عون؛ طبقة الزهري وأيوب؛ طبقة ابن المسيب ومسروق، إلا أن هذه الطبقات ليست مرتبة على أساس زمني كما هو شأن كتب الطبقات الأخرى، بل اكتفى بتجميع من هم من طبقة واحدة، أما كتابه "تذكرة الحفاظ" فهو كما يدل عنوانه في تراجم الحفاظ فقط، وليس كتابا شاملا لرواة الحديث، وقد قسم الحفاظ حتى عصره إلى إحدى وعشرين طبقة، واعتبر في ذلك اللقيا، وقلما اعتبر سني الوفيات4 التي نلاحظ تداخلها بين الطبقات

1 يوجد المجلد الرابع منه فقط مخطوط في دار الكتب الظاهرية بدمشق "حديث 367 رقم 1158.

2 مخطوط في دار الكتب الظاهرية "حديث 320".

وانظر العسقلاني: تهذيب 1/ 7. وقد نشر أخيرا.

3 الذهبي: الكاشف عن رجال الكتب الستة، المقدمة.

4 من ذلك ترجمة زيد بن أبي أنيسة في الطبقة الرابعة مع أنه من طبقة الأوزاعي في الخامسة وعلل الذهبي ذلك بتقدم سنة وفاة زيد "أنظر تذكرة الحفاظ 1/ 140" وربما فعل عكس ذلك كتأخيره ترجمة أبي الأحوص إلى الطبقة السادسة مع أن مكانه الخامسة وعلل ذلك بصغر سنه "انظر تذكرة الحفاظ 1/ 250".

ص: 189

المتتالية، وقد أشار الذهبي إلى ذلك بقوله "ولابد في كل طبقة من مجاذبة الطبقتين، وإلا فلو بولغ في تقسيم الطبقات لجاءت كل طبقة ثلاث طبقات وأكثر"1.

ويمكن القول أن الطبقة في "تذكرة الحفاظ" تساوي الجيل في الغالب. أما كتابه "تاريخ الإسلام" فقد رتبه الذهبي على السنين والطبقات معا، فهو يذكر أحداث كل سنة ثم يترجم لم توفي فيها، وربما قدم الوفيات على الأحداث.

وقد أشار الذهبي إلى نقص المادة التي اعتمدها "ولم يعتن القدماء بضبط وفيات العلماء وغيرهم حتى ضبطوا جماعة فيهم جهالة بالنسبة إلى معرفتنا لهم، فلهذا حفظ وفيات خلق من المجهولين، وجهلت وفيات أئمة من المعروفين، وأيضا فإن عدة بلدان لم يقع إلينا أخبارها إما لكونها لم يؤرخ علماءها أحد من الحفاظ، أو جمع لها تاريخ ولم يقع إلينا"2.

وبسبب عدم ضبط القدماء للوفيات لجأ الذهبي إلى عقد فصل في الوفيات التي حدثت خلال فترة حكم الخليفة كلها فقد عقد فلا فيمن توفي في خلافة عمر3، وفصلا آخر فيمن توفي في خلافة عثمان4، ولكنه استطاع في معظم السنين أن يذكر سني الوفيات، وقد استعمل الطبقة كوحدة زمنية واضحة الحدود وجعلها تساوي عشر سنوات5، وبذلك خالف الذهبي الأقدمين الذين اعتبروا اللقيا أساس التقسيم على الطبقات بل خالف نهجه هو في تذكرة الحفاظ الذي اعتبر فيه اللقيا ولم يعتبر الوفيات، ومع ذلك فإن الذهبي المحدث لا يستطيع أن يتخلص نهائيا من اعتبار اللقيا ففي ترجمة عبد الله بن الصمات في الطبقة الثامنة يقول "وقد تأخرت وفاته عن هذه الطبقة فسيعاد إن شاء الله تعالى"6.

1 الذهبي: تذكرة الحفاظ 1/ 250.

2 الذهبي: تاريخ الإسلام 1/ 17.

3 الذهبي: تاريخ الإسلام 2/ 66.

4 المصدر السابق 2/ 86.

5 يلاحظ أن الإمام البخاري في التاريخ الصغير له ذكر من مات "من بين عشر ومائة إلى عشرين ومائة" أي خلال عشر سنوات "انظر ص123 منه" فهل أفاد الذهبي منه؟.

6 المصدر السابق 3/ 176.

ص: 190