المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

نَهْيًا لَهُ عَنْ الْعُمُومِ، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَصَحَّ نَهْيُهُ، وَلَوْ - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٥

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْإِقْرَارِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ)

- ‌(بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ)

- ‌(كِتَابُ الصُّلْحِ)

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ]

- ‌(بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ)

- ‌[فَصْلٌ دَيْنٌ بَيْنَهُمَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ لِشَرِيكِهِ]

- ‌(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ)

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ]

- ‌(كِتَابُ الْوَدِيعَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْعَارِيَّةِ)

- ‌(كِتَابُ الْهِبَةِ)

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)

- ‌[فَصْلٌ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌(بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا)

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌(بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ)

- ‌(بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْمُكَاتَبِ)

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ]

- ‌[ فَصْلٌ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا]

- ‌[بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌{بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى}

- ‌[كِتَابُ الْوَلَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ]

- ‌[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[ فَصْلٌ حُرْمَةُ طَرَفِ الْإِنْسَانِ]

- ‌[إقْرَار الصَّبِيّ وَالْمَجْنُون فِي الْحَجَر]

- ‌[فَصْلٌ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌(فَصْلٌ) غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ

- ‌(كِتَابُ الْغَصْبِ)

- ‌[ فَصْلٌ غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ]

- ‌(كِتَابُ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ)

- ‌(بَابُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ)

- ‌(كِتَابُ الْقِسْمَةِ)

- ‌[مَا تَشْتَمِل عَلَيْهِ الْقِسْمَة]

- ‌[الْإِجْبَار عَلَى الْقِسْمَة]

- ‌(كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ)

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْمُزَارَعَة]

- ‌[مَاتَ الْمَزَارِع قَبْل الزَّرْع]

- ‌(كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ)

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْمُسَاقَاة]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]

- ‌[تفسخ الْمُسَاقَاة بِالْعُذْرِ]

- ‌[التَّسْمِيَة عِنْد الذَّبْح]

- ‌[ مَوْضِع الذَّبْح]

- ‌[حَدّ الشَّفْرَة قَبْل الذَّبْح]

- ‌ النَّخْعُ وَقَطْعُ الرَّأْسِ وَالذَّبْحُ مِنْ الْقَفَا)

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ]

- ‌[أَكُلّ الْأَرْنَب]

- ‌ذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ

- ‌[مَا يَحِلّ مِنْ حَيَوَان الْمَاء]

- ‌[مَا يَحِلّ بِلَا ذكاة]

الفصل: نَهْيًا لَهُ عَنْ الْعُمُومِ، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَصَحَّ نَهْيُهُ، وَلَوْ

نَهْيًا لَهُ عَنْ الْعُمُومِ، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَصَحَّ نَهْيُهُ، وَلَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعًا كَانَ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْخُصُوصِ فَكَانَ قَوْلُ مَنْ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ الْإِذْنُ أَوْلَى، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ لِحَاجَتِهِ إلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ حَاجَةِ الْآخَرِ إلَى الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ بِأَنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: دَفَعْتُ إلَيْك مُضَارَبَةً أَنْ تَعْمَلَ فِي بَزٍّ فِي رَمَضَانَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ دَفَعْتُ إلَيَّ لِأَعْمَلَ فِي طَعَامٍ فِي شَوَّالٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ مَنْ يَقُولُ فِي شَوَّالٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ آخِرَ الشَّرْطَيْنِ يَنْسَخُ أَوَّلَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتَا وَقْتًا، أَوْ وَقَّتَا وَقْتًا وَاحِدًا، أَوْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى يَقْضِي بِمَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ كَأَنَّهُمَا لَمْ يُوَقِّتَا، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

(كِتَابُ الْوَدِيعَةِ)

قَالَ رحمه الله (الْإِيدَاعُ هُوَ تَسْلِيطُ الْغَيْرِ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ الْوَدِيعَةُ مَا يُتْرَكُ عِنْدَ الْأَمِينِ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ: الْوَدِيعَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْعِ، وَهُوَ مُطْلَقُ التَّرْكِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجَمَاعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَوْ لَيُكْتَبُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ» أَيْ تَرْكُهُمْ إيَّاهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3] قُرِئَتْ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْمُودَعُ الشَّيْءُ الْمَتْرُوكُ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «الْإِيمَانُ نُورُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْدَعَهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ» فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْأَلَ التَّوْفِيقَ عَلَى حِفْظِ وَدِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى حِفْظِ جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَحِفْظُهَا يُوجِبُ سَعَادَةَ الدَّارَيْنِ وَالْخِيَانَةُ تُوجِبُ الشَّقَاءَ فِيهِمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «الْأَمَانَةُ تَجُرُّ الْغِنَى وَالْخِيَانَةُ تَجُرُّ الْفَقْرَ» وَرُوِيَ أَنَّ زُلَيْخَا لَمَّا اُبْتُلِيَتْ بِالْفَقْرِ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهَا مِنْ الْحُزْنِ عَلَى يُوسُفَ عليه السلام جَلَسَتْ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فِي زِيِّ الْفُقَرَاءِ فَمَرَّ بِهَا يُوسُفُ عليه السلام فَقَامَتْ تُنَادِي أَيُّهَا الْمَلِكُ اسْمَعْ كَلَامِي فَوَقَفَ يُوسُفُ عليه السلام فَقَالَتْ الْأَمَانَةُ أَقَامَتْ الْمَمْلُوكَ مَقَامَ الْمُلُوكِ وَالْخِيَانَةُ أَقَامَتْ الْمُلُوكَ مَقَامَ الْمَمْلُوكِ فَسَأَلَ عَنْهَا يُوسُفُ عليه السلام فَقِيلَ إنَّهَا زُلَيْخَا فَتَزَوَّجَهَا مَرْحَمَةً عَلَيْهَا، ثُمَّ شَرْطُ الْوَدِيعَةِ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَيْهَا عِنْدَ الِاسْتِحْفَاظِ وَرُكْنُهَا قَوْلُ الْمُودِعِ أَوْدَعْتُك هَذَا الْمَالَ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُودَعِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، أَوْ بِالْفِعْلِ فَقَطْ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحِفْظِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ عِنْدَ الطَّلَبِ وَصَيْرُورَةُ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ قَالَ رحمه الله (وَهِيَ أَمَانَةٌ فَلَا تُضْمَنُ بِالْهَلَاكِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ يَقْضِي بِمَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقَعَانِ مَعًا وَلَا عَلَى التَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَمْ يَشْهَدُوا بِهِ وَإِذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِمَا يَعْمَلُ بِبَيِّنَةِ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ كَذَا فِي الْأَصْلِ. اهـ.

[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ]

(كِتَابُ الْوَدِيعَةِ) مُنَاسَبَةُ هَذَا الْكِتَابِ بِمَا تَقَدَّمَ مَرَّتْ فِي أَوَّلِ الْإِقْرَارِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ الْعَارِيَّةَ وَالْهِبَةَ وَالْإِجَارَةَ لِلتَّنَاسُبِ بِالتَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ بِلَا تَمْلِيكِ شَيْءٍ وَفِي الْعَارِيَّةِ أَمَانَةٌ مَعَ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ لَكِنْ بِلَا عِوَضٍ وَفِي الْهِبَةِ تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِلَا عِوَضٍ وَهِيَ الْهِبَةُ الْمَحْضَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْبَيْعِ وَفِي الْإِجَارَةِ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِعِوَضٍ وَفِيهِ مَعْنَى اللُّزُومِ وَمَا كَانَ لَازِمًا أَقْوَى وَأَعْلَى مِمَّا كَانَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَكَانَ فِي الْكُلِّ التَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى

فَأَوَّلُ الْقَطْرِ غَيْثٌ ثُمَّ يَنْسَكِبُ

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ مَشْرُوعٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَهُوَ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لِصَاحِبِهَا بِحِفْظِ مَالِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ ائْتَمَنَ أَمَانَةً فَلْيُؤَدِّهَا» وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْوَدِيعَةُ مَا نَصُّهُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَالْمُودَعُ الشَّيْءُ الْمَتْرُوكُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ يُقَالُ أَوْدَعْت زَيْدًا مَالًا وَاسْتَوْدَعْته إيَّاهُ إذَا دَفَعْته إلَيْهِ لِيَكُونَ عِنْدَهُ فَأَنَا مُودِعٌ وَمُسْتَوْدِعٌ بِالْكَسْرِ وَزَيْدٌ مُودَعٌ وَمُسْتَوْدَعٌ بِالْفَتْحِ وَالْمَالُ مُودَعٌ وَمُسْتَوْدَعٌ أَيْضًا أَيْ وَدِيعَةٌ اهـ

(فَرْعٌ) فِي صُورَةِ وَضْعِ الْمَالِ عِنْدَ آخَرَ وَذَهَابُهُ وَتَرْكُهُ أَوْ إلْقَاءُ الرِّيحِ فِي بَيْتِهِ كَانَ قَابِلًا لِلْوَدِيعَةِ عُرْفًا بِالسُّكُوتِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِصَاحِبِ الْحَمَّامِ أَيْنَ أَضَعُ ثِيَابِي فَقَالَ الْحَمَّامِيُّ ثَمَّةَ فَوَضَعَهُ فَسُرِقَتْ يَضْمَنُ الْحَمَّامِيُّ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِقَوْلِهِ قَابِلًا لِلْوَدِيعَةِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُغْنِي وَفَتَاوَى قَاضِيخَانْ. اهـ. (قَوْلُهُ عِنْدَ الِاسْتِحْفَاظِ) حَتَّى لَوْ أَوْدَعَ الْآبِقَ أَوْ الْمَالَ السَّاقِطَ فِي الْبَحْرِ أَوْ الطَّيْرَ الَّذِي يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ لَا يَصِحُّ وَكَوْنُ الْمُودَعِ مُكَلَّفًا شَرْطٌ أَيْضًا لِيَجِبَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ) احْفَظْ هَذَا الشَّيْءَ أَوْ خُذْ هَذَا الشَّيْءَ وَدِيعَةً عِنْدَك اهـ

(قَوْلُهُ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحِفْظِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ) حَتَّى لَوْ رَأَى إنْسَانًا يَسُوقُهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ يَضْمَنُ لِتَرْكِهِ الْحِفْظَ الْمُلْتَزَمَ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْمُودَعَ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْعَقْدِ. اهـ. بَدَائِعُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْإِيجَابُ وَحْدَهُ كَافٍ فِي حَقِّ الْأَمَانَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَالِكُ لِلْغَاصِبِ أَوْدَعْتُك الْمَغْصُوبَ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَالِ أَمَانَةً حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِرَبِّ الْمَالِ فَيَثْبُتُ بِهِ وَحْدَهُ وَأَمَّا وُجُوبُ الْحِفْظِ فَيَلْزَمُ الْمُودَعَ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً. اهـ. شَرْحِ مَجْمَعٍ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهِيَ أَمَانَةٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ حَمْلِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي قَوْلِكَ لِإِنْسَانٍ

ص: 76

«لَا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ وَلِأَنَّ الْمُودَعَ مُتَبَرِّعٌ فِي الْحِفْظِ وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ؛ وَلِأَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ فَيَكُونُ هَلَاكُهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ؛ وَلِأَنَّ لِلنَّاسِ حَاجَةً إلَى الْإِيدَاعِ فَلَوْ ضَمِنَ الْمُودَعُ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ فَكَانُوا يُحْرَجُونَ بِذَلِكَ، وَهَلَاكُهَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ أَوْ لَا وَبَيْنَ إنْ هَلَكَ لِلْأَمِينِ مَالٌ غَيْرُهَا مَعَهَا، أَوْ لَمْ يَهْلِكْ وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله إنْ ادَّعَى أَنَّهَا سُرِقَتْ وَحْدَهَا يَضْمَنُ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ.

قَالَ رحمه الله (وَلِلْمُودِعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ)؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ أَنْ يَحْفَظَهَا مِثْلَ مَا يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ وَمَالُ نَفْسِهِ يَحْفَظُهُ بِمَنْ فِي عِيَالِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاكَنَةُ لَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَة إذَا دَفَعَتْ الْوَدِيعَةَ إلَى زَوْجِهَا لَا تَضْمَنُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى أَجِيرِهِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ الْمُودَعَ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى وَكِيلِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ، أَوْ دَفَعَ إلَى أَمِينٍ مِنْ أُمَنَائِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ حَفِظَهُ مِثْلَ مَا يَحْفَظُ مَالَهُ وَجَعَلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، ثُمَّ قَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَزَاهُ إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ، وَهُوَ إلَى الْحَلْوَانِيِّ، ثُمَّ قَالَ، وَعَنْ هَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي التُّحْفَةِ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ بِالْعِيَالِ فَقَالَ وَيَلْزَمُ الْمُودَعَ حِفْظُهُ إذَا قَبِلَ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ بِهِ مَالَهُ وَذَكَرَ فِيهِ أَشْيَاءَ حَتَّى ذَكَرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفَظَ بِشَرِيكِ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ مَالُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْعِيَالَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ ضَمِنَ) أَيْ بِغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَرْضَ بِيَدِ غَيْرِهِ وَالْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْمُضَارِبِ لَا يُضَارِبُ وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ لَهُ إيدَاعٌ حَتَّى يَضْمَنَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ فِي الْحِرْزِ وَضْعٌ فِي يَدِ مَنْ فِي يَدِهِ الْحِرْزُ فَيَكُونُ كَالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ قَالَ رحمه الله (إلَّا أَنْ يَخَافَ الْحَرَقَ، أَوْ الْغَرَقَ فَيُسَلِّمُهَا إلَى جَارِهِ، أَوْ فُلْكٍ آخَرَ)؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى جَارِهِ، أَوْ الْإِلْقَاءَ إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى عِنْدَ إحَاطَةِ النَّارِ بِدَارِهِ وَعِنْدَ تَخَبُّطِ السَّفِينَةِ تَعَيَّنَ حِفْظًا فَلَا يَضْمَنُ بِهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِهِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَدَعْوَى ضَرُورَةٍ دَعْوَى مُسْقِطٌ لَهُ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا إذَا أَتْلَفَهَا بِالصَّرْفِ فِي حَاجَتِهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِعِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى الْأَجْنَبِيِّ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهَا فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى وَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَقِرَّ فِيهَا بِأَنْ وَقَعَتْ فِي الْبَحْرِ ابْتِدَاءً، أَوْ بِالتَّدَحْرُجِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ طَلَبهَا رَبُّهَا فَحَبَسَهَا قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا، أَوْ خَلَطَهَا بِمَالِهِ حَتَّى لَا تَتَمَيَّزَ ضَمِنَهَا)؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهَا إذْ لَا يَرْضَى صَاحِبُهَا بِإِمْسَاكِهَا بَعْدَهُ فَيَكُونُ مَعْزُولًا فَصَارَ يَدُهُ عَلَيْهَا كَيَدِ الْغَاصِبِ فَيَضْمَنُ، وَكَذَا بِالْخَلْطِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا مُتَعَدِّيًا إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

حَيَوَانٌ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ أَمَانَةً بِاسْتِحْفَاظِ صَاحِبِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ قَصْدًا وَالْأَمَانَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ وَأَلْقَتْ ثَوْبَ إنْسَانٍ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ يَكُونُ ذَلِكَ أَمَانَةً عِنْدَهُ وَلَكِنْ بِلَا قَصْدٍ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ أَيْ هِيَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إذَا هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ التَّقْصِيرُ فِي الْحِفْظِ وَخَلْطُهَا بِمَالِهِ وَمَنْعُهَا مِنْ مَالِكِهَا بَعْدَ الطَّلَبِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ يَجُوزُ لِلْمُودَعِ دَفْعُ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِمْ وَلَا يَضْمَنُ عِنْدَ تَلَفِهَا الزَّوْجَةُ وَالْوَلَدُ وَالْمَمْلُوكُ وَالْأَجِيرُ ثُمَّ قَالَ فِيهَا شَيْئَانِ لَا يُوجِبَانِ الضَّمَانَ مَعَ الْخِلَافِ إذَا قَالَ لَا تَدْفَعْ إلَى زَوْجَتِك فَدَفَعَ إلَيْهَا وَتَلِفَ أَوْ قَالَ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْمُودِعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ) فِي الذَّخِيرَةِ الدَّفْعُ إلَى الْعِيَالِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَنْ فِي عِيَالِهِ أَمِينًا وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ اهـ.

(فَرْعٌ) لَوْ ادَّعَى الْمُودَعُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ الدَّعْوَى فَلْيُرَاجَعْ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ ضَمِنَ) صُورَتُهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ وَيَتْرُكَ الْوَدِيعَةَ فِيهِ وَفِي بَيْتِهِ غَيْرُهُ وَالْإِيدَاعُ أَنْ يَنْقُلَ الْوَدِيعَةَ مِنْ بَيْتِهِ وَيَدْفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ بِالْإِيدَاعِ لِمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْتَزَمَ حِفْظَ مَالِ غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ وَمَالُ نَفْسِهِ يُحْفَظُ بِالْإِيدَاعِ قُلْنَا قَوْلُهُ إنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ وَيَدُهُ تَحْفَظُهُ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ جَوَابٌ عَنْهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ أَيْ بِنَفْسِهِ غَالِبًا فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَحْفَظَ مَالَ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يَخَافَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ ضَمِنَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَلَوْ أَرَادَ سَفَرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَيْسَ بِعُذْرٍ اهـ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ الْغَرَقُ) أَوْ اللُّصُوصُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) يَعْنِي لَوْ أَوْدَعَ غَيْرَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَهُ عَنْ عُذْرٍ لَا يُصَدَّقُ إلَخْ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَا نُصَدِّقُهُ عَلَى الْعُذْرِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ ثُمَّ قَالَ وَكَذَلِكَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيدَاعَ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ فَإِذَا ادَّعَى سُقُوطَ الضَّمَانِ لِلضَّرُورَةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمَالِكَ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِيدَاعِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ دَفَعَ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ احْتَرَقَ بَيْتُ الْمُودَعِ فَدَفَعَهَا إلَى جَارِهِ وَكَذَا فِيمَا يُشْبِهُ هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَفِي الْمُنْتَقَى هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بَيْتَهُ احْتَرَقَ فَإِذَا عَلِمَ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ) وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ مِنْ أَخْذِهَا دُونَ حَمْلِهَا إلَى صَاحِبِهَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَذَلِكَ لَوْ جَحَدَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا صَارَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهَا بِخِلَافِ الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ تَرَكَ الْخِلَافَ وَعَادَ إلَى الْوِفَاقِ

ص: 77

حَقِّهِ بِسَبَبِ فِعْلِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَيَمْلِكُ الْمَخْلُوطَ وَلَا سَبِيلَ لِلْمُودِعِ فِي الْمَخْلُوطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا إذَا خَلَطَهَا بِجِنْسِهَا شَرِكَهُ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ صُورَةً وَأَمْكَنَهُ مَعْنًى بِالْقِسْمَةِ فَكَانَ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيمَا لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ إفْرَازٌ وَتَعْيِينٌ حَتَّى مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ عَيْنًا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَكَانَ إمْكَانُ الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ قَائِمًا مَعْنًى فَيَتَخَيَّرُ وَلَهُ أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ وَلَا يَكُونُ الِاسْتِهْلَاكُ مِنْ الْعِبَادِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إعْدَامَ الْمَحَلِّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِمْ فَيَصِيرُ ضَامِنًا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُهَا الشَّرِكَةُ لِيَصِلَ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى حَقِّهِ فَلَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً لِلشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ لَا يَكُونُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ

ثُمَّ قَالُوا لَا يُبَاحُ لِلْخَالِطِ التَّنَاوُلُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُودِعُ الْخَالِطَ لَا سَبِيلَ لِلْمُودِعِ عَلَى الْمَخْلُوطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ لَا غَيْرُ، وَقَدْ سَقَطَ بِإِبْرَائِهِ وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ وَتَتَعَيَّنُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَخْلُوطِ وَفِيهِ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ وَلَوْ خُلِطَ الْمَائِعُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ كَالزَّيْتِ بِالشَّيْرَجِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ صُورَةً وَمَعْنًى لِتَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَتَعَيُّنِ الْمُبَادَلَةِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَخْلُو عَنْ حَبَّاتِ الْآخَرِ فَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ وَقِيلَ لَا يَنْقَطِعُ بِالْإِجْمَاعِ لَامِكَانِ التَّمْيِيزِ فِي الْجُمْلَةِ وَقِيلَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْمَخْلُوطُ مِلْكًا لِلْخَالِطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَصِيرُ، وَلَوْ خُلِطَ الْمَائِعُ بِجِنْسِهِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِمَا بَيَّنَّا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله يُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ أَجْزَاءً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله شَرِكَهُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ عِنْدَهُ، وَقَدْ مَرَّ فِي الرَّضَاعِ، وَلَوْ خُلِطَتْ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ بَعْدَ الْإِذَابَةِ صَارَ مِنْ الْمَائِعَاتِ؛ لِأَنَّهُ مَائِعٌ حَقِيقَةً عِنْدَ الْخَلْطِ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ اشْتَرَكَا)؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِالتَّعَدِّي، وَلَمْ يُوجَدْ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ فَيَشْتَرِكَانِ ضَرُورَةً وَهَذِهِ شَرِكَةُ أَمْلَاكٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهَا فِي الشَّرِكَةِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَنْفَقَ بَعْضَهَا فَرَدَّ مِثْلَهُ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي ضَمِنَ الْكُلَّ)؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ صَارَ ضَامِنًا لَهُ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ وَصَارَ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ ضَامِنًا أَيْضًا لِكَوْنِهِ خَلَطَ مَالَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهِ وَقَبْلَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا خَلَطَهُ الْوَدِيعَةِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْوَدِيعَةِ فَيَضْمَنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ تَعَدَّى فِيهَا، ثُمَّ زَالَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

ارْتَفَعَ الضَّمَانُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَرْتَفِعُ كَالْجُحُودِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (فَرْعٌ) قَالَ قَاضِيخَانْ قَوْمٌ دَفَعُوا إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ لِيَدْفَعَ الْخَرَاجَ عَنْهُمْ فَأَخَذَهَا وَشَدَّهَا فِي مِنْدِيلِهِ وَوَضَعَ فِي كُمِّهِ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَذَهَبَتْ مِنْهُ الدَّرَاهِمُ وَهُوَ لَا يَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ وَأَصْحَابُ الْمَالِ لَا يُصَدِّقُونَهُ قَالُوا لَا يَكُونُ ضَامِنًا وَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ ذَهَبَتْ الْوَدِيعَةُ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ وَثَمَّةَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ

(قَوْلُهُ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ بِالضَّمَانِ)، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فَإِنْ انْشَقَّ الْكِيسُ فِي صُنْدُوقِهِ فَاخْتَلَطَتْ بِدَرَاهِمِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِمَا جَمِيعًا وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْنِي إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخِرِ أَلْفَانِ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ بِمَالِهِ الْآخَرِ خَلْطًا لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا فَثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي لِوُجُودِ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي بَعْضِهِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ

هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ صِحَاحًا أَوْ مُكَسَّرَةً فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ أَحَدِهِمَا صِحَاحًا وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ مُكَسَّرَةً فَلَا يَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُمَيَّزُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَدْفَعُ إلَى الْمُودِعِ مَالَهُ وَيُمْسِكُ الْمُودَعُ مَالَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ صِحَاحًا جِيَادًا وَفِيهَا بَعْضُ الرَّدِيءِ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ صِحَاحًا رَدِيئَةً وَفِيهَا بَعْضُ الْجِيَادِ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَ الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا خَلْطٌ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ كَيْفَ يَقْتَسِمَانِ إنْ تَصَادَقَا أَنَّ ثُلْثَيْ مَالِ أَحَدِهِمَا جِيَادٌ وَرَدِيءٌ (قَوْلُهُ فَيَشْتَرِكَانِ)، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. هِدَايَةٌ.

(قَوْلُهُ وَصَارَ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ ضَامِنًا أَيْضًا) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ فَأَنْفَقَ طَائِفَةً مِنْهَا فِي حَاجَتِهِ كَانَ ضَامِنًا لِمَا أَنْفَقَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِالْإِنْفَاقِ وَلَا يَضْمَنُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْلَفْ فَإِنْ جَاءَ بِمِثْلِ مَا أَنْفَقَ وَخَلَطَ بِالْبَاقِي صَارَ ضَامِنًا لِجَمِيعِهَا مَا أَنْفَقَ بِالْإِتْلَافِ وَمَا بَقِيَ بِالْخَلْطِ هَذَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ عَلَى مَالِهِ عَلَامَةً حِينَ خَلَطَ بِمَالِ الْوَدِيعَةِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَامَةٌ لَا يَضْمَنُ سِوَى مَا أَنْفَقَ لِإِمْكَانِ التَّمْيِيزِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ تَعَدَّى إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَقَّبَ لِلْمَسْأَلَةِ إنَّ الْمُودَعَ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ كَذَا فِي نَسْخِ طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ وَفِي الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ إذَا خَالَفَا ثُمَّ تَرَكَا الْخِلَافَ بَقِيَ الضَّمَانُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَفِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ الْعَيْنَ بِالْخِلَافِ هَلْ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ أَمْ لَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْخِلَافِ لَا يَضْمَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْخِلَافِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا هَلَكَ فِي حَالَةِ الْخِلَافِ وَاخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَقَالَ فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَيْنَ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ بِلَفْظِ

ص: 78

التَّعَدِّي زَالَ الضَّمَانُ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَإِقْرَارِهِ بَعْدَ جُحُودِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ ارْتَفَعَ حِينَ صَارَ ضَامِنًا لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالْأَمَانَةِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى صَاحِبِهَا وَلَا تَعُودُ الْأَمَانَةُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَصَارَ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَكَالْجُحُودِ وَلَنَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْحِفْظِ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا فَإِذَا خَالَفَ فِي الْبَعْضِ ارْتَفَعَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ فَإِذَا رَجَعَ إلَى الْوِفَاقِ فِي غَيْرِهِ أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ فِيهِ فَارْتَفَعَ الْخِلَافُ ضَرُورَةً فَتَعُودُ الْأَمَانَةُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِلْحِفْظِ فِي مُدَّةٍ فَتَرَكَ الْحِفْظَ فِي بَعْضِهَا، ثُمَّ عَادَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ لِلْعَيْنِ إذَا تَعَدَّى فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ، ثُمَّ زَالَ التَّعَدِّي حَيْثُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الضَّمَانِ إنَّمَا تَكُونُ بِإِعَادَةِ يَدِ الْمَالِكِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُمَا الْعَيْنَ كَانَ لِأَنْفُسِهِمَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ فَإِذَا تَرَكَا الْخِلَافَ لَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ إلَى صَاحِبِهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا بِخِلَافِ الْمُودَعِ فَإِنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فِي الْحِفْظِ

فَإِذَا تَرَكَ الْخِلَافَ فَقَدْ رَدَّهَا إلَى يَدِ صَاحِبِهَا حُكْمًا فَبَرِئَ إذْ هُوَ نَائِبٌ عَنْهُ وَبِخِلَافِ الْجُحُودِ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ فَيَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ كَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّهُ بِالْجُحُودِ يُنْتَقَضُ إيمَانُهُ فَلَا يَعُودُ مُسْلِمًا إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَبِالْمُخَالَفَةِ فِعْلًا لَا يُنْتَقَضُ حَتَّى إذَا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ صَحَّ، وَلِهَذَا جُحُودُ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ يَكُونُ فَسْخًا، وَكَذَا جُحُودُ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْبَيْعَ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَ بِحَضْرَتِهِ عَزَلَ نَفْسَهُ، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ وَيَنْفَرِدُ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا طَالَبَهُ الْمُودِعُ فَقَدْ عَزَلَهُ فَيَكُونُ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِمْسَاكِ غَاصِبًا وَلَوْ عَادَ إلَى الْإِقْرَارِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَإِقْرَارِهِ بَعْدَ جُحُودِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله لَوْ جَحَدَهَا عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبِهَا، أَوْ عِنْدَهُ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ حَالِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الرَّدَّ، أَوْ طَلَبَ مِنْهُ الرَّدَّ عِنْدَ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ فَجَحَدَهَا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا يُعَدُّ إنْكَارًا وَلَا خِلَافًا، وَإِنَّمَا هُوَ إتْقَانٌ لِلْحِفْظِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ حَالَ غَيْبَتِهِ وَلَمْ يَعْزِلْهُ صَاحِبُهَا فَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ سَبَبُ الضَّمَانِ لِكَوْنِهِ إتْلَافًا حُكْمًا فَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ كَالْإِتْلَافِ حَقِيقَةً قُلْنَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ إتْلَافًا إذَا أَرَادَ تَمَلُّكَهَا وَمُرَادُهُ هُنَا حِفْظُهَا بِقَطْعِ طَمَعِ الطَّامِعِينَ فَكَيْفَ يَكُونُ إتْلَافًا.

قَالَ رحمه الله (وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ النَّهْيِ وَالْخَوْفِ) أَيْ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ إذَا لَمْ يَنْهَهُ الْمُودِعُ وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا بِالْإِخْرَاجِ، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهُ الْخُرُوجُ بِهَا إلَى مَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ، وَإِنْ طَالَتْ لَا يَخْرُجُ بِمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَصِيرَةَ لَا يُخَافُ فِيهَا عَادَةً؛ وَلِهَذَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ السَّفَرَ الْقَصِيرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَخْرُجُ بِمَالِهِ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ وَرُبَّمَا تَسْتَغْرِقُ الْمُؤْنَةُ الْوَدِيعَةَ، وَفِيهِ إهْلَاكُهَا فَلَا يَجُوزُ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ إخْرَاجُ الْمَبِيعِ فَإِنْ أَخْرَجَ ضَمِنَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ، وَهُوَ الْحِفْظُ فِي الْأَمْصَارِ عَادَةً وَصَارَ كَالِاسْتِحْفَاظِ بِأَجْرٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْأَمْرَ صَدَرَ مُطْلَقًا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَكَانِ كَمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِالزَّمَانِ، وَالْمَفَازَةُ مَحَلٌّ لِلْحِفْظِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَالْكَلَامُ فِيهِ فَصَارَ كَالْمِصْرِ؛ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مَعَ أَنَّ وِلَايَتَهُمَا نَظَرِيَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَلَوْلَا أَنَّهُ مِنْ الْأَحْسَنِ لَمَا جَازَ ذَلِكَ لَهُمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَوْدَةَ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ تَتَقَوَّمُ فِي تَصَرُّفِهِمَا حَتَّى لَا يَنْفُذَ بَيْعُهُمَا بِمِثْلِهَا وَزْنًا لِعَدَمِ النَّظَرِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مَأْمُورٌ بِالْبَيْعِ لَا بِالْحِفْظِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحِفْظُ بِمُقْتَضَى الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ إلَّا بَعْدَ حِفْظِهِ وَالِاسْتِحْفَاظُ بِأَجْرٍ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ وَمَا يَلْزَمُ الْآمِرَ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ ضَرُورَةَ صِحَّةِ أَمْرِهِ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ إضْرَارًا بِهِ وَالْمُعْتَادُ كَوْنُهُمْ فِي الْمِصْرِ لَا حِفْظُهُمْ فِيهِ وَمَنْ يَكُونُ فِي الْمَفَازَةِ يَحْفَظُ مَالَهُ فِيهَا كَأَهْلِ الْأَخْبِيَةِ، وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مُخِيفًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ بِأَنْ سَافَرَ مَعَ أَهْلِهِ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ نَهَاهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْمِصْرِ فَخَرَجَ بِهَا ضَمِنَ إنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْبَرَاءَةِ وَالْبَرَاءَةُ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ تَعَدَّى مَا نَصُّهُ بِأَنْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَعُودُ الْأَمَانَةُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا اعْتَبَرَا الْخِلَافَ فِعْلًا بِالْخِلَافِ قَوْلًا فَإِذَا جَحَدَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ أَقَرَّ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَأْجِرُ لِلْعَيْنِ إذَا تَعَدَّى إلَخْ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ ثُمَّ جَاوَزَهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا لَا جَائِيًا لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَهَى بِالْوُصُولِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَبِالْعَوْدِ إلَيْهِ لَا يَعُودُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عِنْدَهُ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ حَالِهَا) وَخَصَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ كَذَلِكَ وَكَذَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِمَا أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي مَبْسُوطِ مُحَمَّدٍ وَفِيمَا ذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ فَأَوْرَدَهُ كَذَلِكَ اهـ مِعْرَاجٌ.

ص: 79

أَبْلَغُ فِي الْحِفْظِ فَكَانَ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ لَا يَضْمَنُ.

قَالَ رحمه الله (، وَلَوْ أَوْدَعَا شَيْئًا لَمْ يَدْفَعْ الْمُودِعُ إلَى أَحَدِهِمَا حَظَّهُ) أَيْ لَوْ أَوْدَعَ رَجُلَانِ شَيْئًا عِنْدَ رَجُلٍ فَحَضَرَ أَحَدُهُمَا يَطْلُبُ نَصِيبَهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالَا لَهُ ذَلِكَ وَالْخِلَافُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ لَهُمَا أَنَّ الْحَاضِرَ طَلَبَ نَصِيبَهُ خَاصَّةً فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ، وَهُوَ النِّصْفُ وَهُوَ لَهُ؛ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ فَكَذَا يُؤْمَرُ الْمُودَعُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مَا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّ الْمُودَعَ لَا يَمْلِكُ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمَا؛ وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَهُ لَا يَكُونُ قِسْمَةً بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى إذَا هَلَكَ الْبَاقِي رَجَعَ صَاحِبُهُ عَلَى الْآخِذِ بِحِصَّتِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ قِسْمَةٌ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ نَصِيبَ الْغَائِبِ إلَيْهِ لِعَدَمِ إذْنِهِ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ فَيَضْمَنُ نِصْفَهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا وَأَخْذُهُ الشَّرِيكَ عِنْدَ الظَّفَرِ بِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُودَعَ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا إذَا كَانَ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَلِلْمَدِينِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةٌ عِنْدَ آخَرَ فَلِغَرِيمِهِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَدِيعَةَ إذَا ظَفِرَ بِهَا وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِذَلِكَ وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلَيْنِ دَخَلَا الْحَمَّامَ وَأَوْدَعَا عِنْدَ الْحَمَّامِيِّ أَلْفًا فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا فَطَلَبَهُ مِنْهُ فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ الْآخَرُ وَطَالَبَهُ فَتَحَيَّرَ الْحَمَّامِيُّ وَذَهَبَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فَقَالَ لَهُ قُلْ لَا أُعْطِيك حَتَّى تُحْضِرَ صَاحِبَك فَانْقَطَعَ.

قَالَ رحمه الله (، وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ مَا يُقْسَمُ اقْتَسَمَاهُ وَحَفِظَ كُلٌّ نِصْفَهُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْآخَرِ ضَمِنَ بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْمُرْتَهَنَيْنِ وَالْوَكِيلَيْنِ بِالشِّرَاءِ إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَقَالَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَحْفَظَ بِإِذْنِ الْآخَرِ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْآخَرِ وَلَا يَضْمَنَ كَمَا فِيمَا لَا يُقْسَمُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَهُوَ أَقْيَسُ أَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِحِفْظِهِمَا لَا بِحِفْظِ أَحَدِهِمَا وَرِضَاهُ بِأَمَانَةِ الِاثْنَيْنِ لَا يَكُونُ رِضًا بِأَمَانَةِ الْوَاحِدِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ فِعْلَ الِاثْنَيْنِ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي يَتَنَاوَلُ الْبَعْضَ لَا الْكُلَّ فَإِذَا سَلَّمَ الْكُلَّ إلَى الْآخَرِ وَلَمْ يَرْضَ الْمَالِكُ بِهِ ضَمِنَ وَلَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ؛ لِأَنَّ مُودَعَ الْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يُقْسَمُ فَالْمَالِكُ رَضِيَ بِثُبُوتِ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْدَعَهُمَا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى حِفْظِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَمْكَنَهُمَا الْمُهَايَأَةُ صَارَ رَاضِيًا بِحِفْظِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ.

قَالَ رحمه الله

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَالْخِلَافُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْخِلَافُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَإِنَّمَا قَالَ وَهُوَ الْمُرَادُ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْقُدُورِيِّ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلْوَجْهَيْنِ فَقَالَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا يُقْسَمُ اسْتِدْلَالًا بِوَضْعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي ثَلَاثَةِ نَفَرٍ أَوْدَعُوا رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَغَابَ اثْنَانِ وَجَاءَ وَاحِدٌ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَكَذَلِكَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ وَمَنْ اسْتَوْدَعَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ مَا سِوَاهَا مِمَّا يُقْسَمُ ثُمَّ جَاءَ أَحَدُهُمْ يَطْلُبُ نَصِيبَهُ وَلَمْ يَحْضُرْ صَاحِبَاهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهَا شَيْئًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ نَأْخُذُ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ ثُلُثَهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ صَاحِبَاهُ يَدْفَعُ نَصِيبَهُ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ هَذَا قِسْمَةً عَلَى الْغَائِبِ حَتَّى إنَّ الْغَائِبَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُودَعِ كَانَ لِلْغَائِبِ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ فِيمَا قَبَضَ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْقَابِضِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ فِيمَا قَبَضَ (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَرَضًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ خَرَجَ الْآخَرُ وَطَالَبَهُ) أَيْ وَقَالَ إنَّا دَفَعْنَاهُ إلَيْك وَقَدْ ضَيَّعْت حَقِّي بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَحْدَهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فَقَالَ لَهُ قُلْ لَا أُعْطِيك حَتَّى تُحْضِرَ صَاحِبَك) أَيْ لَأَنَّكُمَا دَفَعْتُمَاهُ إلَيَّ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَكْسُ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْمُودِعَ وَاحِدٌ وَالْمُودَعَ مُتَعَدِّدٌ وَالْمُتَقَدِّمَةُ بِالْعَكْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْآخَرِ ضَمِنَ) أَيْ ضَمِنَ الدَّافِعُ النِّصْفَ وَلَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ كَمَا سَيَجِيءُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا أَوْدَعَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ مَالًا قَالَ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ يَعْنِي يَقْتَسِمَانِهِ قَالَ فَإِنْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا الْمَالَ كُلَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَتَوَى الْمَالُ قَالَ يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي دَفَعَ النِّصْفَ وَلَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ شَيْئًا قَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا تُسْتَطَاعُ قِسْمَتُهُ فَأَمَّا مَا لَا تُسْتَطَاعُ قِسْمَتُهُ نَحْوَ الْمَمْلُوكِ وَالثَّوْبِ فَإِذَا دَفَعَ أَحَدُ الْمُسْتَوْدَعِينَ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِهِ لَمْ يَضْمَنْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ إذَا سَلَّمَ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ) أَيْ فَضَاعَ ضَمِنَ النِّصْفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا) أَيْ فَكَانَ دَفْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفْعًا إلَى أَمِينِ الْمَالِكِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْمُهَايَأَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ مِنْ الشَّامِلِ لَوْ أَوْدَعَ رَجُلَيْنِ عَبْدًا فَتَهَايَآ عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا شَهْرًا وَعِنْدَ الْآخَرِ شَهْرًا لَمْ يَضْمَنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْحِفْظُ مَعًا فَجَازَ

ص: 80

(وَلَوْ قَالَ لَهُ لَا تَدْفَعُ إلَى عِيَالِك، أَوْ احْفَظْ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَدَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَوْ حَفِظَهُ فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ الدَّارِ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ الْمُودِعُ قَالَ ذَلِكَ لِلْمُودَعِ فَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْحِفْظُ مَعَ مُرَاعَاةِ شَرْطِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُفِيدًا فَيَلْغُو، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِمَّا يُحْفَظُ فِي يَدِ مَنْ مَنَعَهُ الْمُودِعُ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ فَرَسًا فَيَمْنَعُهُ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى غُلَامِهِ، أَوْ تَكُونَ عَقْدَ جَوْهَرٍ فَيَمْنَعُهُ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى امْرَأَتِهِ، أَوْ كَانَتْ بُيُوتُ الدَّارِ مُتَسَاوِيَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِمَّا لَا يُحْفَظُ فِي يَدِ مَنْ نَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ فَرَسًا فَنَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى امْرَأَتِهِ، أَوْ كَانَتْ عَقْدَ جَوْهَرٍ فَنَهَاهُ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى امْرَأَتِهِ، أَوْ كَانَتْ بُيُوتُ الدَّارِ مُخْتَلِفَةً بِأَنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا عَوَرٌ ظَاهِرٌ فَيَضْمَنُ بِالْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ فِي مِثْلِهِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ حَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى ضَمِنَ) أَيْ إنْ كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْ دَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى مَنْ نَهَاهُ عَنْ دَفْعِهَا إلَيْهِ بِأَنْ نَهَاهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى امْرَأَتِهِ فُلَانَةَ وَلَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى، أَوْ نَهَاهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى غُلَامِهِ فُلَانٍ وَلَهُ غُلَامٌ آخَرُ فَخَالَفَهُ، أَوْ قَالَ لَهُ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ، أَوْ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَحَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى ضَمِنَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي الْأَمَانَةِ وَالْكِيَاسَةِ وَمَعْرِفَةِ طُرُقِ الصِّيَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَمَّا يُوجِبُ شَيْئًا فِي الدَّيْنِ إذْ هِيَ الْحَامِلَةُ عَلَى الْحِفْظِ كَمَا يَنْبَغِي، وَكَذَا الدُّورُ تَخْتَلِفُ فِي الْحِرْزِ فَكَانَ هَذَا الشَّرْطُ مُفِيدًا فَيُعْتَبَرُ إذَا كَانَ لَا يُحْرِجُ بِالْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ، وَذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ ذَكَرْنَا وَإِلَّا فَلَا.

قَالَ رحمه الله (ضَمِنَ مُودَعُ الْغَاصِبِ لَا مُودَعُ الْمُودَعِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ مُودَعُ الْمُودَعِ أَيْضًا فَيَكُونُ لِصَاحِبِهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ عَامِلًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ خَائِنٌ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الثَّانِي بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ وَالثَّانِي مُتَعَدٍّ بِقَبْضِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَنَزَلَا مَنْزِلَةَ الْغَاصِبِ وَمُودَعِ الْغَاصِبِ أَوْ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، أَوْ الْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ غَيْرَ أَنَّ الثَّانِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ، وَلَهُ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ مِنْ يَدِ أَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ لَا يَضْمَنُ لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يُفَارِقْهُ لِحُضُورِ رَأْيِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ لَا تَدْفَعْ إلَى عِيَالِك إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي، وَإِنْ قَالَ لَا تَدْفَعْهَا إلَى امْرَأَتِك أَوْ عَبْدِك أَوْ وَلَدِك أَوْ أَجِيرِك فَإِنِّي أَتَّهِمُهُمْ عَلَيْهَا فَدَفَعَهَا إلَى الَّذِي نَهَاهُ عَنْهُ فَهَلَكَتْ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ دَفْعِهَا إلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَإِنْ كَانَ يَجِدُ مِنْ أَهْلِهِ وَخَدَمِهِ مَنْ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ وَيَضَعُهَا عِنْدَهُ غَيْرَ هَذَا فَأَعْطَاهُ وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُ ضَمِنَهُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِعُذْرٍ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي خَالَفَ بِغَيْرِ عُذْرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَنَهَاهُ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى امْرَأَتِهِ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ إلَى غُلَامِهِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ حَفِظَهَا إلَخْ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي دَارٍ وَنَهَاهُ عَنْ الْوَضْعِ فِي دَارٍ أُخْرَى فَوَضَعَهَا فِي الَّتِي نَهَاهُ عَنْهَا فَهَلَكَتْ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْتَانِ فِي دَارٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَضْمَنْ

وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي وَإِذَا قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ لِلْمُسْتَوْدَعِ اخْبَأْهَا فِي بَيْتِك هَذَا فَخَبَّأَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ دَارِهِ تِلْكَ فَضَاعَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْسِكْهَا بِيَدِك وَلَا تَضَعْهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا فَوَضَعَهَا فِي بَيْتِهِ فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَلَوْ قَالَ اخْبَأْهَا فِي دَارِك هَذِهِ وَلَا تَخْبَأْهَا فِي دَارِك الْأُخْرَى فَوَضَعَهَا فِي الَّتِي نَهَى عَنْهَا ضَمِنَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا تُخْرِجْهَا مِنْ الْكُوفَةِ فَخَرَجَ بِهَا إلَى الْبَصْرَةِ كَانَ ضَامِنًا لَهَا، وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الْبَصْرَةِ أَوْ إلَى غَيْرِهَا لِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ فَهَلَكَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَهَا إلَى بَيْتٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا نَقَلَهَا إلَى دَارٍ أُخْرَى

وَلَنَا أَنَّ الدَّارَ حِرْزٌ وَاحِدٌ بِدَلَالَةِ أَنَّ السَّارِقَ إذَا أَخَذَ مِنْ بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ فَنَقَلَ إلَى بَيْتٍ آخَرَ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ بَعْدُ وَالْحِرْزُ الْوَاحِدُ لَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِهِ فِي الْأَمْرِ يَسْقُطُ فِي الْإِيدَاعِ كَمَا لَوْ قَالَ احْفَظْهَا بِيَمِينِك دُونَ شِمَالِك أَوْ قَالَ ضَعْهَا فِي يَمِينِ الْبَيْتِ دُونَ يَسَارِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ تَفَاوُتٌ فِي الْحِرْزِ بِأَنْ كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً وَظَهْرُ الْبَيْتُ الَّذِي نَهَاهُ عَنْهُ إلَى السِّكَّةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَضْمَنُ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ فَإِنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْحِرْزِ ظَاهِرٌ فِيهِمَا؛ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذَ السَّارِقُ مِنْ إحْدَى الدَّارَيْنِ فَنَقَلَ إلَى الْأُخْرَى قُطِعَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الدَّارُ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الْوَضْعِ فِيهَا أَحْرَزَ أَوْ كَانَتَا سَوَاءً فِي الْحِرْزِ لَا يَضْمَنُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ بِمُفِيدٍ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ يُفِيدُ اعْتِبَارُهُ وَيُمْكِنُ الْمُودَعُ مُرَاعَاتَهُ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ وَكُلُّ شَرْطٍ لَا يُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ وَلَا يُفِيدُ اعْتِبَارُهُ فَهُوَ لَغْوٌ

وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَوْ قَالَ احْفَظْهَا فِي كِيسِك وَلَا تَحْفَظْهَا فِي صُنْدُوقِك أَوْ قَالَ احْفَظْهَا فِي صُنْدُوقِك وَلَا تَحْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي الْبَيْتِ لَا يَضْمَنُ وَالصُّنْدُوقُ مِنْ الْبَيْتِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ مِنْ الدَّارِ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ضَمِنَ مُودَعُ الْغَاصِبِ لَا مُودَعُ الْمُودَعِ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي رَجُلٍ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَوْدَعَهَا الْمُسْتَوْدَعُ الْأَوَّلُ رَجُلًا آخَرَ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ قَالَ لِصَاحِبِ الْأَلْفِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَوْدَعَ الْأَوَّلَ وَلَا يُضَمِّنَ الْآخَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُضَمِّنُ صَاحِبُ الْمَالِ أَيَّهمَا شَاءَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْآخَرَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ قَوْلِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 81

؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ بَاقٍ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ، وَصَاحِبُهَا رَضِيَ بِهِ بِاعْتِبَارِ حُصُولِ رَأْيِهِ لَا بِصُورَةِ يَدِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ لَا يَضْمَنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِيدَاعَ مُبَاحٌ لَهُ إذَا لَمْ يَقْطَعْ رَأْيُ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ مَا لَمْ يُفَارِقْهُ فَإِذَا فَارَقَهُ صَارَ مُضَيِّعًا لَهَا وَقْتَ التَّفْرِيقِ بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ بِالْعَقْدِ، وَالْقَابِضُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالْقَبْضِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ الْأَوَّلُ وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَمْ يُحْدِثْ فِعْلًا آخَرَ بَلْ هُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَهُوَ أَمِينٌ فِيهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا بَعْدَهُ، وَهُوَ لَمْ يُفَوِّتْ الْحِفْظَ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ فِي أَوَّلِهِ أَمِينًا وَجَبَ أَنْ يَبْقَى كَذَلِكَ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ فِعْلٌ يُبْطِلُهُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ فِي ثَوْبِ إنْسَانٍ فَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالِاسْتِمْرَارِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ بَعْدُ فَكَذَا هَذَا، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُتَعَدِّيًا بِدُونِ إحْدَاثِ فِعْلٍ آخَرَ

وَلَا يُقَالُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ لَمَا ضَمِنَ بِالْفِرَاقِ كَمَا إذَا دَفَعَهَا إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ فَلَمَّا ضَمِنَ بِالْفِرَاقِ عُلِمَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَيَكُونُ الْقَابِضُ مِنْهُ أَيْضًا مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا جَازَ لَهُ الدَّفْعُ، وَهُوَ حَاضِرٌ بِالْإِجْمَاعِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا صَارَ كَأَنَّ الْمُودِعَ قَالَ لَهُ أَذِنْت لَك أَنْ تَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِك بِشَرْطِ أَنْ لَا تُفَارِقَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا دَامَ مَعَهُ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْغَاصِبِ وَالْغَاصِبِ مِنْهُ وَأَخَوَاتِهَا؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا مِثْلَهُ بِالتَّلَقِّي مِنْهُ ابْتِدَاءً لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ فَكَذَا بَقَاءً، ثُمَّ مُودَعُ الْغَاصِبِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ غَاصِبٌ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ عَلِمَ فَكَذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ وَحَكَى أَبُو الْيُسْرِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ بِالْإِيدَاعِ وَلَا مُودَعُ الْمُودَعِ بِالْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُودِعَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ مِثْلَ مَا يَحْفَظُ مَالَهُ وَيَحْفَظَ مَالَهُ تَارَةً بِنَفْسِهِ وَتَارَةً بِغَيْرِهِ قُلْنَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُودِعِ الرِّضَا بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ وَلَا الدَّلَالَةُ عَلَى الرِّضَا إذْ لَوْ رَضِيَ بِغَيْرِهِ لَمَا أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ فَيَضْمَنُ.

قَالَ رحمه الله (مَعَهُ أَلْفٌ ادَّعَى رَجُلَانِ كُلٌّ أَنَّهُ لَهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَنَكَلَ لَهُمَا فَالْأَلْفُ لَهُمَا وَغُرْمُ آخَرَ بَيْنَهُمَا) أَيْ إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ أَلْفٌ فَادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا لَهُ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ يَحْلِفُ لَهُمَا فَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ بَيْنَهُمَا بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ دَعْوَاهُمَا صَحِيحَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَهُمَا فَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا وَنَكَلَ لِلْآخَرِ قُضِيَ بِهِ لِمَنْ نَكَلَ لَهُ دُونَ الْآخَرِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ فِي حَقِّهِ دُونَ الْآخَرِ، وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ لَهُمَا لِإِقْرَارِهِ بِهِ، أَوْ لِبَذْلِهِ إيَّاهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَلِأَيِّهِمَا بَدَأَ الْقَاضِي بِالتَّحْلِيفِ جَازَ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَلِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَالْأَوْلَى عِنْدَ التَّشَاحِّ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمَا وَنَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمَيْلِ فَإِنْ نَكَلَ لِلْأَوَّلِ لَا يَقْضِي بِهِ حَتَّى يُحَلِّفَهُ لِلثَّانِي لِيَنْكَشِفَ وَجْهُ الْقَضَاءِ هَلْ هُوَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَحْكُمُ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ بِنَفْسِهِ وَالنُّكُولُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لَا بِصُورَةِ يَدِهِ) أَيْ لَا بِاعْتِبَارِ صُورَةِ مُجَرَّدِ يَدِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ رَأْيِ الْأَوَّلِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ إلَخْ) هَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ أَوْرَدَهُمَا الْأَتْقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ وَنَصُّهُ فَإِنْ قُلْت إنَّ الْأَوَّلَ إذَا كَانَ ضَامِنًا كَانَ الثَّانِي آخِذًا مِنْ يَدِ ضَمِينٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الثَّانِي ضَامِنًا ضَرُورَةً قُلْت هَذِهِ مُغَالَطَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ بَلْ هُوَ أَمِينٌ حِينَئِذٍ لِمَا قُلْنَا وَإِنَّمَا صَارَ ضَامِنًا بِالْمُفَارَقَةِ بِصُنْعٍ مِنْهُ وَالثَّانِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ فَلَا يَضْمَنُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَضْمَنُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي قَوْل ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ تَمْلِيكَهُ غَيْرَهُ بِمِثْلِ مَا مَلَكَهُ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ يَأْذَنُ وَالْمُكَاتَبُ يُكَاتِبُ وَالْمُسْتَأْجِرُ يُؤَاجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ يُعِيرُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّعَدِّي مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْإِيدَاعِ وَلَا مِنْ الثَّانِي فِي الْقَبْضِ اهـ (قَوْلُهُ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ فَيَضْمَنُ) وَقِيَاسُهُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ لَيْسَ بِمَالِكٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِعَيْنِ الْوَدِيعَةِ وَلَا لِمَنْفَعَتِهَا وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مَلَكَ مَنَافِعَ نَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَسْلِيمَ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَعَهُ أَلْفٌ ادَّعَى رَجُلَانِ إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَلْفِ دِرْهَمٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَهُمَا قَالَ تَكُونُ هَذِهِ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا وَيَغْرَمُ أَلْفًا أُخْرَى فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا دَفْعُ الْأَلْفِ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ إلَّا أَلْفًا وَاحِدَةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَلْفٌ أُخْرَى أَمَّا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا فَلِأَنَّهُ لَمَّا نَكَلَ لِأَحَدِهِمَا فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ أَلْفًا فَلَمَّا نَكَلَ لِلْآخَرِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ أَلْفًا فَلَمَّا أَقَرَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَلْفٍ وَلَمْ يَصِلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا خَمْسُمِائَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَمَامَ الْأَلْفِ، بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ ادَّعَى دَعْوَى صَحِيحَةً لِاحْتِمَالِ الصِّدْقِ فِي دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمُنْكِرِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَلَكِنْ يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ فَإِذَا أَنْكَرَ يُحَلِّفُهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِإِقْرَارِهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ (قَوْلُهُ أَوْ لِبَذْلِهِ إيَّاهُ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِأَيِّهِمَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَلِأَيِّهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ فَإِنَّهُ بَعْدَ نُكُولِهِ لِلْأَوَّلِ إنْ نَكَلَ لِلثَّانِي يَكُونُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا وَيَقْضِي لَهُمَا جُمْلَةً، وَإِنْ حَلَفَ لِلثَّانِي كَانَ كُلُّ الْأَلْفِ لِلْأَوَّلِ اهـ

ص: 82