الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُضْجِعَهَا، ثُمَّ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَأَى رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ لَهُ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ هَلَّا حَدَدْتَهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا» .
قَالَ رحمه الله (وَكُرِهَ
النَّخْعُ وَقَطْعُ الرَّأْسِ وَالذَّبْحُ مِنْ الْقَفَا)
وَالنَّخْعُ هُوَ أَنْ يَصِلَ إلَى النِّخَاعِ وَهُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ «لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ نَخْعِ الشَّاةِ إذَا ذُبِحَتْ» وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ: أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهَا حَتَّى يَظْهَرَ مَذْبَحُهَا وَقِيلَ: أَنْ يَكْسِرَ رَقَبَتَهَا قَبْلَ أَنْ تَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَفِي قَطْعِ الرَّأْسِ زِيَادَةَ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُرَّ مَا يُرِيدُ ذَبْحَهُ إلَى الْمَذْبَحِ وَأَنْ يَسْلُخَ قَبْلَ أَنْ يَبْرُدَ لِمَا ذَكَرْنَا وَتُؤْكَلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِمَعْنًى زَائِدٍ وَهِيَ زِيَادَةُ الْأَلَمِ فَلَا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَكَذَا لَوْ ذَبَحَهَا مُتَوَجِّهَةً لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ يُكْرَهُ وَتُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الذَّبْحِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهَا الْقِبْلَةَ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَقْبَلَ فِي أُضْحِيَّتِهِ الْقِبْلَةَ لَمَّا أَرَادَ ذَبْحَهَا» وَفِي الذَّبْحِ مِنْ الْقَفَا زِيَادَةُ أَلَمٍ فَيُكْرَهُ وَتَحِلُّ إذَا بَقِيَتْ حَيَّةً حَتَّى تُقْطَعَ الْعُرُوقُ لِتَحَقُّقِ الْمَوْتِ بِمَا هُوَ ذَكَاةٌ، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَا تُؤْكَلُ لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِمَا لَيْسَ بِذَكَاةٍ.
قَالَ رحمه الله (وَذَبْحُ صَيْدٍ اسْتَأْنَسَ وَجَرْحُ نَعَمٍ تَوَحَّشَ، أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ) لِأَنَّ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْعَجْزُ فِيمَا اسْتَأْنَسَ مِنْ الصَّيْدِ وَتَحَقَّقَ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ وَكَذَا فِيمَا تَرَدَّى فِي بِئْرٍ وَوَقَعَ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاتِهِ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ مِنْ الْجَرْحِ وَعَلِمَ ذَلِكَ يُؤْكَلُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ الْجَرْحِ لَا يُؤْكَلُ، وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ أُكِلَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْهُ وَكَذَا الدَّجَاجَةُ إذَا تَعَلَّقَتْ عَلَى شَجَرَةٍ وَخِيفَ فَوْتُهَا صَارَ ذَكَاتُهَا الْجَرْحُ وَفِي الْكِتَابِ أَطْلَقَ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ وَكَذَا فِيمَا تَرَدَّى وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّاةَ إذَا نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ بِالْعَقْرِ لِأَنَّهَا لَا تَدْفَعُ عَنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ النَّخْع وَقَطَعَ الرأس وَالذَّبْح مِنْ الْقَفَا]
قَوْلُهُ: هُوَ أَنْ يَصِلَ إلَى النِّخَاعِ) قَالَ الْأَكْمَلُ وَالنِّخَاعُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، وَالضَّمُّ لُغَةٌ فِيهَا فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَنَسَبَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ إلَى السَّهْوِ وَقَالَ هُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ يَمْتَدُّ إلَى الصُّلْبِ، وَرُدَّ بِأَنَّ بَدَنَ الْحَيَوَانِ مُرَكَّبٌ مِنْ عِظَامٍ وَأَعْصَابٍ وَعُرُوقٍ وَأَوْتَارٍ وَمَا ثَمَّةَ شَيْءٌ يُسَمَّى بِالْخَيْطِ أَصْلًا اهـ قَوْلُهُ: فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُرَّ مَا يُرِيدُ ذَبْحَهُ إلَى الْمَذْبَحِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَذْبَحَ الذَّبِيحَةَ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَجُرَّهَا بِجِلْدِهَا إلَى الْمَذْبَحِ أَوْ أَنْ يُضْجِعَهَا، ثُمَّ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ إلَى هُنَا لَفْظُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَرَّ زِيَادَةُ أَلَمٍ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الذَّكَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ ذَبَحَهَا مُتَوَجِّهَةً لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَذْبَحُ وَيُسَمِّي وَيُوَجِّهُ ذَبِيحَتَهُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مُتَعَمِّدًا أَوْ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ أَمَّا الْحِلُّ فَلِأَنَّ الْإِبَاحَةَ شَرْعًا مُتَعَلِّقَةٌ بِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَالتَّسْمِيَةِ وَقَدْ وُجِدَ وَتَوْجِيهُ الْقِبْلَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِأَنَّهُ تَوَارَثَهُ النَّاسُ وَتَرْكُ السُّنَّةِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَفِي الذَّبْحِ مِنْ الْقَفَا زِيَادَةُ أَلَمٍ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ ضَرَبَ عُنُقَ جَزُورٍ بِسَيْفٍ فَأَبَانَهَا وَسَمَّى فَإِنْ كَانَ ضَرْبًا مِنْ قِبَلِ الْحُلْقُومِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَقَدْ أَسَاءَ، وَإِنْ كَانَ ضَرْبًا مِنْ قِبَلِ الظَّهْرِ فَإِنْ كَانَ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْأَوْدَاجَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ أُكِلَ وَقَدْ أَسَاءَ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الشَّاةِ وَكُلِّ ذَبِيحَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قَطَعَ رَأْسَ الشَّاةِ فِي الذَّبِيحَةِ أُكِلَ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ فِي التَّعَمُّدِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا ضَرَبَهَا مِنْ قِبَلِ الْحُلْقُومِ فَقَدْ قَطَعَ الْعُرُوقَ الْمَشْرُوطَةَ فِي الذَّكَاةِ وَزَادَ فِي أَلَمِهَا زِيَادَةً لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الذَّكَاةِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُ الْأَكْلَ كَمَا لَوْ جَرَحَهَا فَأَمَّا إذَا ضَرَبَهَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهَا فَإِنْ هِيَ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَمْ تُؤْكَلْ لِأَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ الذَّكَاةِ، وَإِنْ قَطَعَ الْعُرُوقَ قَبْلَ مَوْتِهَا فَقَدْ فَعَلَ الشَّرْطَ إلَّا أَنَّهُ زَادَ فِي أَلَمِهَا وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَقَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي: قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ كَانَتْ تَعِيشُ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ حَتَّى تَحِلَّ بِقَطْعِ الْعُرُوقِ، فَيَكُونَ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَعِيشُ إلَّا كَمَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَى الْفِعْلِ السَّابِقِ فَلَا يَحِلُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، ثُمَّ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ إذَا وُجِدَ مِنْهُمَا التَّوَحُّشُ فَإِنَّهُمَا يَحِلَّانِ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ سَوَاءٌ كَانَا فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ فَرَّقُوا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الشَّاةِ وَقَالُوا فِي الشَّاةِ إذَا نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ، وَفِي خَارِجِ الْمِصْرِ يَحِلُّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ فَقَدْ لَا يُقْدَرُ عَلَى ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ فِيهِمَا لِأَنَّ الْإِبِلَ تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا بِمِشْفَرِهَا وَنَابِهَا، وَالْبَقَرُ بِقَرْنِهِ، وَيُخَافُ الْقَتْلُ مِنْهُمَا فَيَقَعُ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ فِيهِمَا، وَإِنْ حَصَلَ التَّوَحُّشُ مِنْهُمَا فِي الْمِصْرِ فَأَمَّا فِي الشَّاةِ فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ خَارِجَ الْمِصْرِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهَا فَأَمَّا فِي الْمِصْرِ فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا وَلَا يُخَافُ مِنْ جِهَتِهَا الْقَتْلُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ وَقَالَ فِي الْعُيُونِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ رَمَى حَمَامَةً أَهْلِيَّةً فِي الصَّحْرَاءِ وَسَمَّى فَلَا تُؤْكَلُ لِأَنَّهُ يَأْوِي إلَى الْمَنْزِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَمَامَةً لَا تَهْتَدِي إلَى مَنْزِلِهَا ابْنُ سِمَاعَةَ فِي الْبَعِيرِ أَوْ الثَّوْرِ يَنِدُّ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ قَالَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ لَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ فَلَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ وَأَمَّا الشَّاةُ فَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ فِي الْمِصْرِ لِأَنَّ الْبَعِيرَ يَنِدُّ وَيَصُولُ وَيَمْتَنِعُ، وَالثَّوْرَ يَنْطَحُ فَيَمْتَنِعُ كَذَا فِي الْعُيُونِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْت إنْ أَصَابَ قَرْنَ الْبَقَرِ أَوْ الظِّلْفَ فَقَتَلَهَا هَلْ تُؤْكَلُ قَالَ: إنْ أَدْمَى حَلَّ، وَإِنْ لَمْ يُدْمِ لَا يَحِلَّ لِأَنَّهُ مَتَى أَدْمَى عَلِمْنَا أَنَّ الْجَرْحَ وَصَلَ إلَى اللَّحْمِ، وَشَرْطُ الْإِبَاحَةِ حُصُولُ الْجَرْحِ فِي اللَّحْمِ وَقَدْ وُجِدَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُدْمِ فَالْجِرَاحَةُ لَمْ تَصِلْ إلَى اللَّحْمِ فَلَا تَحِلُّ وَهَذَا لِأَنَّ الذَّكَاةَ تَصَرُّفٌ فِي الْحَيَوَانِ فَمَتَى خَلَصَ الْجَرْحُ إلَى مَوْضِعٍ فِيهِ حَيَاةٌ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي شَرْحِ خُوَاهَرْ زَادَهْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: نَدَّتْ) أَيْ نَفَرَتْ. اهـ. غَايَةٌ.
نَفْسِهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ تَحِلُّ بِالْعَقْرِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْمِصْرِ فَتَحِلُّ بِالْعَقْرِ وَالصِّيَالِ كَالنُّدُودِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُرِيدُ ذَكَاتَهُ وَسَمَّى حَلَّ أَكْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ النَّعَمُ الْأَهْلِيُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ فِيهِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ نَادِرٌ وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَنَدَّ بَعِيرٌ مِنْ إبِلِ الْقَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَقِيقَةُ الْعَجْزِ وَقَدْ تَحَقَّقَ فَيُصَارُ إلَى الْبَدَلِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ نُدْرَتَهُ بَلْ هُوَ غَالِبٌ، وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ أَنَّ بَقَرَةً لَوْ تَعَسَّرَتْ عَلَيْهَا الْوِلَادَةُ فَأَدْخَلَ صَاحِبُهَا يَدَهُ وَذَبَحَ الْوَلَدَ حَلَّ أَكْلُهُ، وَإِنْ جَرَحَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الذَّبْحِ إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَذْبَحِهِ يَحِلُّ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ لَا يَحِلُّ.
قَالَ رحمه الله (وَسُنَّ نَحْرُ الْإِبِلِ وَذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَكُرِهَ عَكْسُهُ وَحَلَّ) وَإِنَّمَا كَانَتْ السُّنَّةُ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ لِمُوَافَقَتِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَقَالَ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَقَالَ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَيْ انْحَرْ الْجَزُورَ وَلِأَنَّ النَّحْرَ أَيْسَرُ فِي الْإِبِلِ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ أَيْسَرُ فَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّنَّةُ مَا هُوَ الْأَيْسَرُ فِيهِ وَإِنْ نَحَرَ الْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَذَبَحَ الْإِبِلَ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَسْيِيلُ الدَّمِ وَكُرِهَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَكُرِهَ عَكْسُهُ وَحَلَّ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ وَالنَّحْرُ قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَسْفَلِ الْعُنُقِ عِنْدَ الصَّدْرِ، وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَعْلَى الْعُنُقِ تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يَتَذَكَّ جَنِينٌ بِذَكَاةِ أُمِّهِ) أَيْ لَا يَصِيرُ الْجَنِينُ مُذَكًّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ حَتَّى لَا يَحِلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاتِهَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ: إذَا تَمَّ خَلْقُهُ حَلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاتِهَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ، أَوْ الشَّاةَ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينُ أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ فَقَالَ كُلُوا إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} [الأنعام: 142] قِيلَ: الْفَرْشُ الصِّغَارُ مِنْ الْأَجِنَّةِ وَالْحَمُولَةُ الْكِبَارُ فَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِإِبَاحَةِ أَكْلِهِ لَنَا وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ حَقِيقَةً لِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِهَا حَتَّى يُفْصَلَ بِالْمِقْرَاضِ، وَيَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَتَنَفَّسُ بِنَفَسِهَا وَكَذَا حُكْمًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْأَحْكَامِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْأُمِّ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ فَإِذَا كَانَ جُزْءًا لَهَا فَيَكُونُ جَرْحُ الْأُمِّ ذَكَاةً لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا فِي الصَّيْدِ
وَالْجَامِعُ أَنَّهُ عَجَزَ فِي الِاثْنَيْنِ عَنْ ذَكَاتِهِمَا اخْتِيَارِيَّةً فَانْتَقَلَ إلَى مَا هُوَ فِي وُسْعِهِ وَهُوَ الْجَرْحُ فِي الصَّيْدِ وَذَبْحِ الْأُمِّ فِي الْجَنِينِ فَصَارَ مِثْلَهُ بَلْ فَوْقَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمُوتُ بِهِ قَطْعًا وَالْغَالِبُ فِي الصَّيْدِ الْمَجْرُوحِ السَّلَامَةُ لَا سِيَّمَا إذَا وَقَعَ الْجَرْحُ فِي أَطْرَافِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَهُوَ اسْمٌ لِحَيَوَانٍ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: حَلَّ أَكْلُهُ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَحَكَى فِي الْمُنْتَقَى فِي الْبَعِيرِ إذَا صَالَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الذَّكَاةَ حَلَّ أَكْلُهُ إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ فَجَعَلَ الصُّولَ بِمَنْزِلَةِ النَّدِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ) يَعْنِي أَنَّ لَهَا تَوَحُّشًا كَتَوَحُّشِ الْوَحْشِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: يَحِلُّ أَيْضًا) لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا وَجْهُ الْكَرَاهَةِ فَلِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي أَلَمِهَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الذَّكَاةِ كَمَا لَوْ جَرَحَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ اهـ. (قَوْلُهُ: تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ) أَيْ فِي الْحُلْقُومِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَمْ يَتَذَكَّ جَنِينٌ بِذَكَاةِ أُمِّهِ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْعُيُونِ وَلَوْ أَنَّ شَاةً ذُبِحَتْ فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا وَلَدٌ مَيِّتٌ فَإِنَّ ذَكَاةَ الشَّاةِ لَا تَكُونُ ذَكَاةَ الْجَنِينِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ، وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا وَبَقِيَ مِقْدَارَ مَا يُقْدَرُ عَلَى ذَبْحِهِ لَا آكُلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِقْدَارَ مَا يُذْبَحُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا قَالَ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ إذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ الْجَنِينُ لَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ الْأُمِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إنَّهُ يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ الْأُمِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ إذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الشَّاةَ أَوْ النَّاقَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ إذَا ذُبِحَتْ وَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ مَيِّتٌ أَوْ حَيٌّ إلَّا أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَبْحِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَيَحِلُّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ خُوَاهَرْ زَادَهْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: «فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُفْصَلَ) أَيْ عَنْ أُمِّهِ بِقَطْعِ سُرَّتِهِ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ لَا تَكُونُ ذَكَاةٌ ذَكَاةَ نَفْسَيْنِ يَعْنِي: الْجَنِينُ إذَا ذُبِحَتْ أُمُّهُ لَمْ يُؤْكَلْ حَتَّى تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ وَلِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَى ذَكَاتِهِ أَوْ مِنْ جِنْسِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُقْدَرُ عَلَى ذَكَاتِهِ فَفِي الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ الذَّبْحُ وَفِي الثَّانِي يُشْتَرَطُ الْجَرْحُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْجَنِينِ لَا ذَبْحٌ وَلَا جَرْحٌ فَلَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ اهـ.
(فَرْعٌ) رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ شَاةً حَامِلًا لَهُ إنْ تَقَارَبَتْ الْوِلَادَةُ يُكْرَهُ الذَّبْحُ لِأَنَّهُ يُضَيِّعُ مَا فِي بَطْنِهَا وَهَذَا التَّفْرِيعُ بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ عِنْدَهُ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ.