المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كَالْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ، وَكَذَا لَا يَتَحَوَّلُ وَلَدُهُ بَعْدَ مَا تَحَمَّلَ - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٥

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْإِقْرَارِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ)

- ‌(بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ)

- ‌(كِتَابُ الصُّلْحِ)

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ]

- ‌(بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ)

- ‌[فَصْلٌ دَيْنٌ بَيْنَهُمَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ لِشَرِيكِهِ]

- ‌(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ)

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ]

- ‌(كِتَابُ الْوَدِيعَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْعَارِيَّةِ)

- ‌(كِتَابُ الْهِبَةِ)

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)

- ‌[فَصْلٌ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌(بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا)

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌(بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ)

- ‌(بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْمُكَاتَبِ)

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ]

- ‌[ فَصْلٌ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا]

- ‌[بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌{بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى}

- ‌[كِتَابُ الْوَلَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ]

- ‌[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[ فَصْلٌ حُرْمَةُ طَرَفِ الْإِنْسَانِ]

- ‌[إقْرَار الصَّبِيّ وَالْمَجْنُون فِي الْحَجَر]

- ‌[فَصْلٌ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌(فَصْلٌ) غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ

- ‌(كِتَابُ الْغَصْبِ)

- ‌[ فَصْلٌ غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ]

- ‌(كِتَابُ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ)

- ‌(بَابُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ)

- ‌(كِتَابُ الْقِسْمَةِ)

- ‌[مَا تَشْتَمِل عَلَيْهِ الْقِسْمَة]

- ‌[الْإِجْبَار عَلَى الْقِسْمَة]

- ‌(كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ)

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْمُزَارَعَة]

- ‌[مَاتَ الْمَزَارِع قَبْل الزَّرْع]

- ‌(كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ)

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْمُسَاقَاة]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]

- ‌[تفسخ الْمُسَاقَاة بِالْعُذْرِ]

- ‌[التَّسْمِيَة عِنْد الذَّبْح]

- ‌[ مَوْضِع الذَّبْح]

- ‌[حَدّ الشَّفْرَة قَبْل الذَّبْح]

- ‌ النَّخْعُ وَقَطْعُ الرَّأْسِ وَالذَّبْحُ مِنْ الْقَفَا)

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ]

- ‌[أَكُلّ الْأَرْنَب]

- ‌ذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ

- ‌[مَا يَحِلّ مِنْ حَيَوَان الْمَاء]

- ‌[مَا يَحِلّ بِلَا ذكاة]

الفصل: كَالْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ، وَكَذَا لَا يَتَحَوَّلُ وَلَدُهُ بَعْدَ مَا تَحَمَّلَ

كَالْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ، وَكَذَا لَا يَتَحَوَّلُ وَلَدُهُ بَعْدَ مَا تَحَمَّلَ الْجِنَايَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَكَذَا إذَا عَقَلَ عَنْ وَلَدِهِ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي حُكْمِ الْوَلَاءِ قَالَ رحمه الله (وَلَيْسَ لِلْمُعْتِقِ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا)؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ فَلَا يَنْفَسِخُ وَلَا يَنْعَقِدُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ بِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَخْصًا لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ مَوْلًى أَعْتَقَهُ وَمَوْلَى مُوَالَاةٍ كَانَ الْمَالُ لِلْمُعْتِقِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ وَالَتْ امْرَأَةٌ فَوَلَدَتْ تَبِعَهَا فِيهِ) يَعْنِي وَلَدَتْ وَلَدًا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا مَوْلَاةُ فُلَانٍ وَمَعَهَا صَغِيرٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ صَحَّ إقْرَارُهَا عَلَى نَفْسِهَا وَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا وَيَصِيرَانِ مَوْلَى فُلَانٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا وِلَايَةَ لَهَا فِي مَالِهِ فَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا فِي نَفْسِهِ أَوْلَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يُدْرَ لَهُ أَبٌ فَتَمْلِكُهُ الْأُمُّ كَقَبُولِ الْهِبَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ مُعْتَقُ فُلَانٍ فَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْوَلَاءِ أَصْلًا أَوْ قَالَ: لَا بَلْ وَالَيْتَنِي فَأَقَرَّ الْمُقِرُّ لِغَيْرِهِ بِالْوَلَاءِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بَطَلَ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ وَلَهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَلَا يَبْطُلُ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ كَمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِنَسَبٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ ادَّعَى الشَّاهِدُ أَنَّهُ وَلَدُهُ لَا يَصِحُّ فَكَذَا هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

(كِتَابُ الْإِكْرَاهِ) قَالَ رحمه الله (هُوَ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ فَيَزُولُ بِهِ الرِّضَا) وَقِيلَ الْإِكْرَاهُ فِعْلٌ يُوجَدُ مِنْ الْمُكْرَهِ فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَلِّ مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ، وَهَذَا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ حَمْلُ الْمُكْرَهِ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ يُقَالُ أَكْرَهْته عَلَى كَذَا أَيْ حَمَلْته عَلَيْهِ وَهُوَ كَارِهٌ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِهُ قَادِرًا عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ وَأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْمُكْرَهِ أَنْ يُوقِعَ بِهِ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَحُكْمُهُ إذَا حَصَلَ بِهِ إتْلَافٌ أَنْ يُنْقَلَ الْفِعْلُ إلَى الْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى مَا يَجِيءُ تَفَاصِيلُهُ وَالْإِكْرَاهُ نَوْعَانِ مُلْجِئٌ وَغَيْرُ مُلْجِئٍ فَالْمُلْجِئُ هُوَ الْكَامِلُ وَهُوَ أَنْ يُكْرِهَهُ بِمَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى تَلَفِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَإِنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُوجِبُ الْإِلْجَاءَ وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَغَيْرُ الْمُلْجِئِ قَاصِرٌ وَهُوَ أَنْ يُكْرِهَهُ بِمَا لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى تَلَفِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ كَالْإِكْرَاهِ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَوْ الْقَيْدِ أَوْ الْحَبْسِ فَإِنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَا يُوجِبُ الْإِلْجَاءَ وَلَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ.

وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْإِكْرَاهِ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي تَصَرُّفٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرِّضَا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِقْرَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْهَزْلَ يُؤَثِّرُ فِيهِ لِعَدَمِ الرِّضَا حَتَّى لَا يَنْفُذَ مَعَهُ فَكَذَا مَعَ هَذَا الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَدِمُ بِهِ الرِّضَا وَالْأَوَّلُ يُؤَثِّرُ فِي الْكُلِّ فَيُضَافُ فِعْلُهُ إلَى الْمُكْرِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ وَالْمُكْرَهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ كَإِتْلَافِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ اقْتَصَرَ الْفِعْلُ عَلَى الْمُكْرَهِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهِ أَحَدٍ وَذَلِكَ مِثْلُ الْإِقْرَارِ وَالْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ غَيْرِهِ وَلَا يَأْكُلُ بِفَمِ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مُضَافًا إلَى غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْآكِلِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ إتْلَافٌ فَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ لِصَلَاحِيَّتِهِ آلَةً لَهُ فِيهِ حَتَّى إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْعِتْقِ يَقَعُ كَأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ وَيُضَافُ إلَى الْمُكْرَهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الطَّلَاقِ يَقَعُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِيهِ إتْلَافٌ بِأَنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ أَكْرَهَ الْمَرْأَةَ عَلَى قَبُولِ الطَّلَاقِ بِالْمَالِ فَقَبِلَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ لِعَدَمِ الرِّضَا؛ لِأَنَّ الرِّضَا فِي حَقِّ الْمَالِ شَرْطٌ دُونَ الطَّلَاقِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْمُكْرَهِ وَلَا يُوجِبُ وَضْعَ الْخِطَابِ عَنْهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مُبْتَلًى وَالِابْتِلَاءُ يَتَحَقَّقُ بِالْخِطَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ أَفْعَالَهُ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَحَظْرٍ وَإِبَاحَةٍ وَرُخْصَةٍ وَيَأْثَمُ تَارَةً وَيُؤْجَرُ أُخْرَى كَسَائِرِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ قَتْلُ النَّفْسِ وَقَطْعُ طَرَفِ الْغَيْرِ وَالزِّنَا وَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَيُثَابُ عَلَيْهِ إنْ امْتَنَعَ وَيُبَاحُ لَهُ بِالْإِكْرَاهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَيُرَخَّصُ لَهُ بِهِ إجْرَاءُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

كِتَابُ الْإِكْرَاهِ) قِيلَ فِي مُنَاسَبَةِ الْوَضْعِ: إنَّ الْوَلَاءَ لَمَّا كَانَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ وَالْعِتْقُ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ نَاسَبَ ذِكْرَ الْإِكْرَاهِ عَقِيبَ الْوَلَاءِ، وَلِأَنَّ فِي الْإِكْرَاهِ تَغَيَّرَ حَالُ الْمُخَاطَبِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِالْإِكْرَاهِ يُحِلُّ مُبَاشَرَةُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ فِي عَامَّةِ الْمَوَاضِعِ فَكَذَلِكَ بِالْمُوَالَاةِ يَتَغَيَّرُ حَالُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى عَنْ حُرْمَةِ تَنَاوُلِ مَالِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ إلَى الْحِلِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَحْدُثُ فِي الْمَحَلِّ إلَخْ) وَالْمَحَلُّ هُوَ الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ) وَأَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ بِهِ مُتْلَفًا أَوْ مُزْمِنًا وَأَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ مُمْتَنِعًا عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ إمَّا لِحَقِّهِ أَوْ لِحَقِّ آدَمِيٍّ آخَرَ أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ اهـ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ فَالْمُلْجِئُ هُوَ الْكَامِلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْإِكْرَاهُ وَهُوَ حَمْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ بِحَيْثُ يَزُولُ مَعَهُ الرِّضَا عَلَى نَوْعَيْنِ كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ كَامِلٌ وَيُسَمَّى مُلْجِئًا وَهُوَ الَّذِي يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَقَاصِرٌ وَيُسَمَّى غَيْرَ مُلْجِئٍ وَهُوَ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَكِنْ لَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَالْمُلْجِئُ كَالتَّخْوِيفِ بِقَتْلِ النَّفْسِ وَقَطْعِ الْعُضْوِ وَالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ الْمُتَوَالِي الَّذِي يَخَافُ مِنْهُ التَّلَفَ وَغَيْرُ الْمُلْجِئِ كَالتَّخْوِيفِ بِالْحَبْسِ وَالْقَيْدِ وَالضَّرْبِ الْيَسِيرِ اهـ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ) أَيْ عَلَى أَيِّ طَرِيقٍ وُجِدَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْمُكْرَهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا بِالذِّمَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 181

كَلِمَةِ الْكُفْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَإِتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ وَإِفْسَادُ الصَّوْمِ وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ.

قَالَ رحمه الله (وَشَرْطُهُ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا وَخَوْفُ الْمُكْرَهِ وُقُوعَ مَا هَدَّدَ بِهِ)؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ الْقَادِرِ عِنْدَ خَوْفِ الْمُكْرَهِ تَحْقِيقَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّهْدِيدِ مِنْ الْقَادِرِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ يَصِيرُ مُلْجَأً طَبْعًا وَبِدُونِهِمَا لَا يَصِيرُ مُلْجَأً فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مِنْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ وَالْمَنَعَةَ لَمْ تَكُنْ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ إلَّا لِلسُّلْطَانِ فَأَجَابَ عَلَى مَا شَاهَدَ، وَفِي زَمَانِهِمَا كَانَ لِكُلِّ مُفْسِدٍ مُتَلَصِّصٍ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ فَأَفْتَيَا عَلَى مَا شَاهَدَا وَبِهِ يُفْتَى إذْ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْحُجَّةِ.

قَالَ رحمه الله (فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ إجَارَةٍ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ مَدِيدٍ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ أَوْ يَفْسَخَ)؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ وَغَيْرَ الْمُلْجِئِ يُعْدِمَانِ الرِّضَا وَالرِّضَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَتَفْسُدُ عِنْدَ فَوَاتِ الرِّضَا بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ بِحَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِ يَوْمٍ أَوْ ضَرْبِ سَوْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِمِثْلِهِ عَادَةً فَلَا يُعْدَمُ الرِّضَا وَهُوَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْإِكْرَاهِ إلَّا إذْ كَانَ الرَّجُلُ صَاحِبَ مَنْصِبٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مُكْرَهًا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ فَيَفُوتُ بِهِ الرِّضَا، وَكَذَا الْإِقْرَارُ جُعِلَ حُجَّةً حَالَةَ الِاخْتِيَارِ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ، وَعِنْدَ الْإِكْرَاهِ بِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْكَذِبِ عَلَى جَانِبِ الصِّدْقِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْرُ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَبْسِ إكْرَاهًا مَا يَجِيءُ بِهِ الِاغْتِمَامُ الْبَيِّنُ وَمِنْ الضَّرْبِ مَا يَجِدُ مِنْهُ الْأَلَمَ الشَّدِيدَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ إلَّا بِضَرْبٍ شَدِيدٍ وَحَبْسٍ مَدِيدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَضَرَّرُ بِأَدْنَى شَيْءٍ كَالشُّرَفَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ يَتَضَرَّرُونَ بِضَرْبَةِ سَوْطٍ أَوْ بِعَرْكِ أُذُنِهِ لَا سِيَّمَا فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْإِكْرَاهُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ هَوَانًا وَذُلًّا أَعْظَمُ مِنْ الْأَلَمِ وَالْإِكْرَاهِ بِحَبْسِ الْوَالِدَيْنِ أَوْ الْأَوْلَادِ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْجِئٍ وَلَا يُعْدِمُ الرِّضَا بِخِلَافِ حَبْسِ نَفْسِهِ.

قَالَ رحمه الله (وَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ لِلْفَسَادِ) أَيْ يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالشِّرَاءِ مُكْرَهًا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ فَاسِدًا كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله: لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَوْقُوفٌ وَلَيْسَ بِفَاسِدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ جَازَ، وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ وَلَا يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ بِهِ وَالْمَوْقُوفُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ وَالْفَسَادُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ) فَلَوْ كَانَ أَبُو حَنِيفَة فِي زَمَنِهِمَا لَأَفْتَى بِقَوْلِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ إقْرَارٍ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ قَالُوا لَهُ: لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتُقِرَّنَّ لِهَذَا الرَّجُلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارُ مُكْرَهٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبَعْضِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْأَلْفِ إكْرَاهٌ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَإِنْ أَكْرَهُوهُ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَبَطَلَتْ عَنْهُ أَلْفٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَلْفِ مُكْرَهٌ وَفِي الْأَلْفِ الْأُخْرَى طَائِعٌ فَيَصِحُّ إقْرَارُ الطَّائِعِ لَا الْمُكْرَهُ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ قَوْلُهُمَا كَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى أَلْفٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِكْرَاهُ بِأَلْفٍ مِنْ كِيسٍ فَأَقَرَّ بِأَلْفَيْنِ فِي ذَلِكَ الْكِيسِ كَذَا ذَكَرَ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ، وَقِيلَ بَلْ هَذَا الْجَوَابُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْخِلَافَ.

وَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى هَذَا بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الشَّهَادَةِ اتِّفَاقُ الشُّهُودِ فِي اللَّفْظِ الَّذِي لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَعْنَى وَالْأَلْفُ غَيْرُ الْأَلْفَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُكْرَهِ أَنْ يَتَخَلَّصَ وَيَفْعَلَ عَلَى إرَادَةِ الْمُكْرَهِ وَقَدْ اتَّفَقَا فِي الْأَلْفِ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: وَإِنْ أَقَرَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ إقْرَارُ طَائِعٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَلَا بِبَعْضٍ مِنْهُ بَلْ أَتَى بِجِنْسٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ حَقِيقَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ إلَخْ) إذَا بَاعَ مُكْرَهًا وَسَلَّمَ مُكْرَهًا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَنَا اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ طَائِعًا أَوْ أَجَازَ طَائِعًا يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده فِي مَبْسُوطِهِ وَهِبَةُ الْمُكْرَهِ بَعْدَ الْقَبْضِ تُفِيدُ الْمِلْكِ عِنْدَنَا بِالضَّمَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَبَاعَ وَسَلَّمَ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَنَا مِلْكًا فَاسِدًا، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَمْلِكُهُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْمُكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ. اهـ. (قَوْلُهُ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ) أَيْ وَهُوَ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ زَائِدٌ وَلَا يُخِلُّ بِالرُّكْنِ انْعِدَامُ شَرْطِ التَّصَرُّفِ وَلَا يُعْدِمُ الْحُكْمَ أَيْضًا وَلَكِنْ يُثْبِتُ وَصْفَ الْفَسَادِ وَكَانَ الْفَسَادُ ثَابِتًا مَا بَقِيَ حَقُّ الْعَبْدِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ ارْتَفَعَ الْفَسَادُ اهـ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَمْ يُعَدَّ جَائِزًا أَبَدًا بِالْإِجَازَةِ كَمَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِأَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ وَلَوْ كَانَ جَائِزًا كَانَ يَنْبَغِي لِإِعَادَتِهِ جَائِزًا وَقْتٌ مَعْلُومٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ

ص: 182

وَهُوَ التَّرَاضِي وَفَوَاتُ الشَّرْطِ تَأْثِيرُهُ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ كَالْمُسَاوَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ فِيهَا لِجَوَازِ الْبَيْعِ وَفَوَاتُهَا يُوجِبُ الْفَسَادَ لَا التَّوَقُّفَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَجْعَلُ الْعَقْدَ فِي حَقِّ حُكْمِهِ كَالْمُتَعَلِّقِ بِالشَّرْطِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَوْ نَقُولُ لَمَّا وُجِدَ أَصْلُ الْبَيْعِ فِي مَحَلِّهِ لَمْ يَنْعَدِمْ ذَلِكَ بِالْإِكْرَاهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ كَالطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ شَرَطَ لِلْحِلِّ شَرْطًا زَائِدًا وَهُوَ التَّرَاضِي وَنَهَانَا عَنْ التِّجَارَةِ بِدُونِهِ فَكَانَ النَّهْيُ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَلَا يَصِيرُ بِهِ الْبَيْعُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ كَمَا نَهَانَا عَنْ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ إلَّا بِشَرْطِ الْمُمَاثَلَةِ وَأَنَّهُ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا يَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ فَكَانَ النَّهْيُ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَمْ يَصِرْ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بَلْ وَقَعَ فَاسِدًا لِعَدَمِ شَرْطِ الْجَوَازِ الزَّائِدِ شَرْعًا فَكَذَا هُنَا فَلَمْ يَبْقَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا النَّهْيِ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الرِّبَا إلَّا أَنَّ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُرْمَةُ هُنَاكَ اتَّصَلَ بِالْمَبِيعِ وَصْفًا، وَفِي مَسْأَلَتِنَا اتَّصَلَ بِالْعَاقِدِ وَهَكَذَا فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ كُلِّهَا يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ بِالْوَصْفِ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ فَيُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ.

فَكَذَا هَذَا حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ وَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَإِنَّمَا جَازَ بِالْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ يَرْتَفِعُ بِهَا وَهُوَ عَدَمُ التَّرَاضِي فَصَارَ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي بِخِلَافِ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّهُ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ بِإِذْنِهِ أَمَّا هُنَا الرَّدُّ لِحَقِّ الْعَبْدِ وَهُمَا سَوَاءٌ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْأَوَّلِ لِحَقِّ الثَّانِي، وَمِنْ مَشَايِخِ بُخَارَى مَنْ جَعَلَ بَيْعَ الْوَفَاءِ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ وَالصَّدْرُ السَّعِيدُ تَاجُ الْإِسْلَامِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ بِدَيْنٍ لَك عَلَيَّ عَلَى أَنِّي مَتَى قَضَيْت الدَّيْنَ فَهُوَ لِي فَجَعَلُوهُ فَاسِدًا بِاعْتِبَارِ شَرْطِ الْفَسْخِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى إيفَاءِ الدَّيْنِ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ وَيُنْقَضُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الرِّضَا فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ بَيْعِ الْمُكْرَهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا.

وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ رَهْنًا مِنْهُمْ السَّيِّدُ الْإِمَامُ أَبُو شُجَاعٍ وَالْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ وَالْإِمَامُ الْقَاضِي الْحَسَنُ الْمَاتُرِيدِيُّ قَالُوا لَمَّا شَرَطَ عَلَيْهِ أَخْذَهُ عِنْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَتَى بِمَعْنَى الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ عِنْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ حَتَّى جُعِلَتْ الْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةً وَبِالْعَكْسِ كَفَالَةً، وَالِاسْتِصْنَاعُ عِنْدَ ضَرْبِ الْأَجَلِ سَلَمًا، فَإِذَا كَانَ رَهْنًا لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَأَيُّ شَيْءٍ أَكَلَ مِنْ زَوَائِدِهِ يَضْمَنُ وَيَسْتَرِدُّهُ عِنْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ الْبَائِعُ لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ كَالرَّهْنِ إذَا اسْتَأْجَرَ الْمَرْهُونَ وَانْتَفَعَ بِهِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ فَيَثْبُتُ فِيهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الرَّهْنِ وَمِنْ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ مَنْ جَعَلَهُ بَيْعًا جَائِزًا مُفِيدًا بَعْضَ أَحْكَامِهِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ فَقَالَ اتَّفَقَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ عَلَى مَذْهَبِكُمْ وَهُنَا فِي أَيِّ وَقْتٍ أَجَازَهُ الْمُكْرَهُ يَعُودُ جَائِزًا عَلَى مَذْهَبِكُمْ فَصَارَ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَا كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ قُلْت إنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ لَهُ شَبَهٌ بِالْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ وَشَبَهٌ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ رِضَا الْمَالِكِ وَقَدْ خَلَا عَنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ فِيهِ شَرْطَ مَا يُفْسِدُهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ الْمَالِكِ وَلَكِنْ فَاتَ رِضَاهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَالِكِ فَإِذَا كَانَ لَهُ شَبَهَانِ وَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا فَبِاعْتِبَارِ الشَّبَهِ الْأَوَّلِ عَادَ جَائِزًا فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَبِاعْتِبَارِ الشَّبَهِ الثَّانِي أَفَادَ الْمِلْكَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَمْ تُعْكَسْ؛ لِأَنَّا مَتَى أَظْهَرْنَا شَبَهَ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ وَلَمْ نُوجِبْ الْمِلْكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لَا يَبْقَى لِشَبَهِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَمَلٌ فِي حُكْمٍ مَا فَيَبْطُلُ الْعَمَلُ بِالشَّبَهَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ التَّرَاضِي) بِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ اهـ.

(قَوْلُهُ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) أَيْ وَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ ذَكَرَهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَعْنِي أَنَّ فِي صُورَةِ الْإِكْرَاهِ لِلْمُكْرَهِ حَقُّ الْفَسْخِ بِجَمِيعِ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي إذَا كَانَ التَّصَرُّفُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَفِي صُورَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَنْقُضَ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي إلَّا الْإِجَارَةَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُهَا وَقَدْ مَرَّ الْبَيَانُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمُكْرَهِ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مِنْ آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعُقُودَ كُلَّهَا وَأَيُّ عَقْدٍ أَجَازَهُ جَازَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ كُلَّهَا كَانَتْ نَافِذَةً إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ لِعَدَمِ الرِّضَا فَلَمَّا أَقْدَمَ عَلَى إجَازَةِ بَعْضِهَا نَفَذَتْ وَزَالَ الْإِكْرَاهُ فَجَازَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ فَجَازَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْغَصْبِ، وَهُوَ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا بَاعَ وَالْمُشْتَرِيَ بَاعَ مِنْ آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَتْ الْأَيْدِي فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَيَّ عَقْدٍ أَجَازَهُ جَازَ ذَلِكَ الْعَقْدُ خَاصَّةً وَلَوْ ضَمِنَ أَحَدُهُمْ جَازَتْ الْعُقُودُ الَّتِي بَعْدَهُ دُونَ مَا كَانَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ كُلَّهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ فَتَوَقَّفَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا عَلَى إجَازَتِهِ فَإِذَا أَجَازَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَازَ خَاصَّةً فَإِنْ لَمْ يَجُزْ وَلَكِنْ ضَمِنَ جَازَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا الَّتِي كَانَتْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ فِي التَّضْمِينِ تَمْلِيكًا فَيَسْتَنِدُ الضَّمَانُ إلَى وَقْتِ الْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَجُوزُ الْعُقُودُ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ.

(قَوْلُهُ وَمِنْ مَشَايِخِ بُخَارَى مَنْ جَعَلَ بَيْعَ الْوَفَاءِ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ) أَيْ فَكَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ نَقْضِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي وَهِبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ اهـ غَايَةٌ (فَوُلِدَ مِنْهُمْ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ) أَيْ الْمَرْغِينَانِيُّ وَظَهِيرُ الدِّينِ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالصَّدْرُ السَّعِيدُ تَاجُ الْإِسْلَامِ) أَيْ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ اهـ

ص: 183

مَشَايِخُنَا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَجَعَلُوهُ بَيْعًا جَائِزًا مُفِيدًا، بَعْضُ أَحْكَامِهِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِهِ دُونَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْبَيْعُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ وَلِتَعَامُلِهِمْ فِيهِ، وَالْقَوَاعِدُ قَدْ تُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ وَجَوَّزَ الِاسْتِصْنَاعَ لِذَلِكَ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى: وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ جَعَلَهُ بَاطِلًا اعْتَبَرَهُ بِالْهَازِلِ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ رَهْنًا ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ ذَكَرَا شَرْطَ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ فَسَدَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ أَوْ تَلَفَّظَا بِالْبَيْعِ الْجَائِزِ، وَعِنْدَهُمَا هَذَا الْبَيْعُ عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعٍ غَيْرِ لَازِمٍ فَكَذَلِكَ وَإِنْ ذَكَرَ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ ذَكَرَا الشَّرْطَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ جَازَ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالْمِيعَادِ؛ لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً قَالَ عليه الصلاة والسلام «الْعِدَةُ دَيْنٌ» فَيُجْعَلُ هَذَا الْمِيعَادُ لَازِمًا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ.

وَقَالَ جَلَالُ الدِّينِ فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ: صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي لَوْ دَفَعْت إلَيْك ثَمَنَك تَدْفَعُ الْعَيْنَ إلَيَّ ثُمَّ قَالَ: وَيُسَمَّى هَذَا بَيْعَ الْوَفَاءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْآخَرُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَضَى ذِكْرُهُ وَتَفْسِيرُهُ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِثْلَ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْبَيْعُ مَوْجُودٌ فِي الْمِصْرِ مُتَعَامَلٌ بِهِ وَهُمْ يُسَمُّونَهُ بَيْعَ الْأَمَانَةِ.

قَالَ رحمه الله (وَقَبْضُ الثَّمَنِ طَوْعًا إجَازَةٌ كَالتَّسْلِيمِ طَائِعًا) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ طَوْعًا كَانَ إجَازَةً كَمَا إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ طَائِعًا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ أَوْ التَّسْلِيمَ طَائِعًا دَلِيلُ الرِّضَا وَهُوَ الشَّرْطُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ دُونَ التَّسْلِيمِ وَسَلَّمَ حَيْثُ لَا يَكُونُ إجَازَةً وَإِنْ سَلَّمَ طَوْعًا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرَهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ لَا صُورَةُ الْعَقْدِ وَالِاسْتِحْقَاقُ فِي الْبَيْعِ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ الْإِكْرَاهُ بِهِ إكْرَاهًا بِالتَّسْلِيمِ فَيَكُونُ التَّسْلِيمُ أَوْ الْقَبْضُ عَنْ اخْتِيَارٍ دَلِيلَ الْإِجَازَةِ، وَفِي الْهِبَةِ يَقَعُ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْقَبْضِ لَا بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ فَيَكُونُ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهَا إكْرَاهًا بِالتَّسْلِيمِ نَظَرًا إلَى مَقْصُودِ الْمُكْرَهِ وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ وَإِزَالَةُ الْمِلْكِ لِيَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُكْرَهُ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ فِي الْإِكْرَاهِ لَا يُفِيدُهُ لِكَوْنِهِ فَاسِدًا.

وَالْهِبَةُ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِأَصْلِ الْوَضْعِ وَتُفِيدُهُ بَعْدَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً فَيَنْصَرِفُ الْإِكْرَاهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مِنْهُ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ وَإِنْ قَبَضَهُ مُكْرَهًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِجَازَةٍ وَعَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِالْإِكْرَاهِ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي لَا عَلَى سَبِيلِ التَّمَلُّكِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ)؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ قَالَ رحمه الله (وَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ)؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آلَةً لَهُ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ بِلِسَانِ الْغَيْرِ لَا يُمْكِنُ فَصَارَ كَأَنَّهُ دَفَعَ مَالَ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ كَالْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُكْرَهُ رَجَعَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ فَقَامَ مَقَامَ الْمَالِكِ الْمُكْرَهِ فَيَكُونُ مَالِكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ بِالِاسْتِنَادِ، وَلَوْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ كَمَا لَا يَرْجِعُ غَاصِبُ الْغَاصِبِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَهُوَ مَبِيعٌ حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ غَيْرَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ نُفُوذُهُ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمُكْرَهِ فِي الْفَسْخِ.

فَإِذَا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ نَفَذَ مِلْكُهُ فِيهِ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ مِنْ آخَرَ وَبَاعَ الْآخَرُ مِنْ آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ الْبِيَاعَاتِ نَفَذَ الْكُلُّ بِتَضْمِينِ الْأَوَّلِ وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِينَ فَأَيُّهُمْ ضَمِنَهُ مَلَكَهُ وَجَازَتْ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي بَعْدَهُ وَبَطَلَ مَا قَبْلَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمُكْرَهُ أَحَدَ هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ حَيْثُ يَجُوزُ الْكُلُّ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَيَأْخُذُ هُوَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ حَقُّهُ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِجَازَةِ فَجَازَ الْكُلُّ كَالرَّاهِنِ أَوْ الْآجِرِ إذَا بَاعَ الرَّهْنَ أَوْ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ لِأَجْلِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ، فَإِذَا أَجَازَ نَفَذَ الْبَيْعُ مِنْ جِهَةِ الْمُبَاشِرِ وَالْمُجِيزُ يَكُونُ مَسْقِطًا حَقَّهُ لَا أَنْ يَكُونَ مُمَلِّكًا بِإِجَازَتِهِ وَأَمَّا إذَا ضَمِنَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَهُوَ الْبَيْعُ) أَيْ وَالْهِبَةُ مِنْ آخَرَ وَهُوَ الْمُعْتَادُ عِنْدَهُمْ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ فِي عُرْفِهِمْ لَا يَفْهَمُونَ لُزُومَ الْبَيْعِ بِهَذَا الْوَجْهِ بَلْ يُجَوِّزُونَهُ إلَى أَنْ يَرُدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ الْمُشْتَرِي يَرُدُّ الْمَبِيعَ إلَى الْبَائِعِ أَيْضًا وَلَا يَمْتَنِعُ عَنْ الرَّدِّ فَلِهَذَا سَمَّوْهُ بَيْعَ الْوَفَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِمَا عَهِدَ مِنْ رَدِّ الْمَبِيعِ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ يُوجِبُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» . اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا الْبَيْعُ مَوْجُودٌ فِي مِصْرَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الْمِصْرِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّمَلُّكِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى قَبْضِهِ فَكَانَ أَمَانَةً اهـ.

ص: 184

حَقُّهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ فَتَبْطُلُ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي قَبْلَهُ وَلَا يَكُونُ أَخْذُ الثَّمَنِ اسْتِرْدَادًا لِلْمَبِيعِ بَلْ إجَازَةً فَافْتَرَقَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ أَحَدَ بُيُوعِ مَنْ بَاعَهُ الْفُضُولِيُّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا الَّذِي أَجَازَهُ الْمَالِكُ وَلَا يَجُوزُ مَا قَبْلَهُ وَلَا مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ فَعِنْدَ الْإِجَازَةِ يَمْلِكُ مَنْ أُجِيزَ شِرَاؤُهُ وَتَبْطُلُ الْبَقِيَّةُ لِوُرُودِ مِلْكٍ بَاتٍّ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ.

قَالَ رحمه الله (وَعَلَى أَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَمَيْتَةٍ وَدَمٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ بِضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ وَحَلَّ بِقَتْلٍ وَقَطْعٍ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِمَا لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوِهِ كَالضَّرْبِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ وَبِمَا يَخَافُ يَسَعُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ، وَفِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحِلِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَالِاضْطِرَارِ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا فَظَهَرَ أَنَّ التَّحْرِيمَ مَخْصُوصٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ، وَفِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ مُبَاحٌ وَالِاضْطِرَارُ يَحْصُلُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَهُوَ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِضَرْبِ السَّوْطِ وَلَا بِالْحَبْسِ حَتَّى لَوْ خَافَ ذَلِكَ مِنْهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَدْنَى الْحَدِّ وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَوْطًا فَإِنْ هَدَّدَهُ بِهِ وَسِعَهُ وَإِنْ هَدَّدَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَسَعُهُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ وَهُوَ يُقَامُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّ فِيهِ مَا يَكُونُ مُتْلِفًا، قُلْنَا: لَا وَجْهَ لِلتَّقْدِيرِ بِالرَّأْيِ، وَأَحْوَالُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ بِالْأَدْنَى مِنْهُ فَلَا طَرِيقَ سِوَى الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تَلَفَ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَسِعَهُ وَإِلَّا فَلَا.

قَالَ رحمه الله (وَأَثِمَ بِصَبْرِهِ) أَيْ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَكْلِ وَصَبَرَ حَتَّى أَتْلَفَ أَثِمَ؛ لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُبَاحَةٌ عَلَى مَا قُلْنَا وَإِهْلَاكُ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُبَاحِ حَرَامٌ فَيَأْثَمُ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِبَاحَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْخُلَفَاءِ وَقَدْ دَخَلَهُ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ وَقَصَدَ فِي زَعْمِهِ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَكَانَ مَعْذُورًا فَلَا يَأْثَمُ كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ فِيهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ إذْ الْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ فَيَكُونُ أَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ قُلْنَا حَالَةُ الِاضْطِرَارِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالنَّصِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَكُونُ حَرَامًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَكُونُ الِامْتِنَاعُ عَزِيمَةً بَلْ مَعْصِيَةً، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الرُّخْصَةَ اسْتِبَاحَةُ الْمَحْظُورِ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُحَرِّمِ وَالْحُرْمَةِ أَيْ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ لَا أَنْ يَكُونَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَخْ) وَأَمَّا إذَا أَجَازَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَيْعًا مِنْ تِلْكَ الْبُيُوعِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مَا أَجَازَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ فَكُلُّ بَيْعٍ مِنْ هَذِهِ الْبُيُوعِ يُوقَفُ عَلَى إجَازَتِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ فَيَكُونُ إجَازَتُهُ أَحَدَ الْبُيُوعِ تَمْلِيكًا لِلْعَيْنِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ ذَلِكَ الْبَيْعِ وَلَا يَنْفُذُ مَا سِوَاهُ اهـ نِهَايَةٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَلَى أَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَصْلِ لَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ اللُّصُوصِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ الْمُتَأَوِّلِينَ أَوْ مِنْ لُصُوصِ أَهْلِ الذِّمَّةِ اجْتَمَعُوا فَغَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَمِيرًا فَأَخَذُوا رَجُلًا، وَقَالُوا لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَشْرَبَنَّ هَذِهِ الْخَمْرَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ هَذِهِ الْمَيْتَةَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ لَحْمَ هَذَا الْخِنْزِيرِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ تَنَاوُلِهِ بَلْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ التَّنَاوُلُ إذَا كَانَ فِي غَالِبِ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ قُتِلَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] وَقَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ} [المائدة: 3] إلَى أَنْ قَالَ {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3] وَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ {وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وَقَالَ فِي الْأَنْعَامِ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145].

وَقَالَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 115] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَى حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَالْمُسْتَثْنَى يَكُونُ حُكْمُهُ أَبَدًا عَلَى خِلَافِ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا مَحَالَةَ فَيَحِلُّ الْمُسْتَثْنَى وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الضَّرُورَةُ بِسَبَبِ الْمَخْمَصَةِ أَوْ الْإِكْرَاهِ فَتَنَاوَلَ النَّصُّ بِإِطْلَاقِهِ النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(فَرْعٌ) ثُمَّ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهِ الْعَزِيمَةِ فِيهِ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَلَوْ امْتَنَعَ حَتَّى قُتِلَ يَأْثَمُ وَهِيَ شُرْبُ الْخَمْرِ وَتَنَاوُلُ الْمَيْتَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ وَفِي وَجْهٍ يُرَخَّصُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْعَزِيمَةَ هُوَ الِامْتِنَاعُ وَهُوَ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَسَبُّ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَمَا هُوَ كُفْرٌ أَوْ اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ حَتَّى لَوْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكْرَهٌ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ وَلَوْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ يَكُونُ مَأْجُورًا وَفِي وَجْهِ الْعَزِيمَةِ هُوَ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ وَلَا يُرَخَّصُ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ بِحَالٍ وَهِيَ قَتْلُ نَفْسِ مَعْصُومٍ مُحْتَرَمٍ أَوْ قَطْعُ عُضْوٍ مِنْهُ وَالزِّنَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ بِحَالٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَصَبَرَ حَتَّى أَتْلَفَ أَثِمَ) إلَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ جَاهِلًا بِالْإِبَاحَةِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ حَتَّى قُتِلَ قَالَ مُحَمَّدٌ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ؛ لِأَنَّ فِي انْكِشَافِ الْحُرْمَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ خَفَاءٌ فَعُذِرَ بِالْجَهْلِ حَيْثُ قَصَدَ التَّحَرُّزَ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْحَرَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

ص: 185

مُبَاحًا حَقِيقَةً، وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ الْجِنَايَةَ فِي الرُّخْصَةِ مَوْجُودَةٌ وَإِنَّمَا انْتَفَتْ الْعُقُوبَةُ فَقَطْ كَالْعَفْوِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْدِمُ الْجِنَايَةَ وَإِنَّمَا يُسْقِطُ الْمُؤَاخَذَةَ فَقَطْ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ صَبَرَ فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ.

قَالَ رحمه الله (وَعَلَى الْكُفْرِ وَإِتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ بِقَتْلٍ وَقَطْعٍ لَا بِغَيْرِهِمَا يُرَخَّصُ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَوْ إتْلَافِ مَالِ إنْسَانٍ بِشَيْءٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَعْضَائِهِ كَالْقَتْلِ وَقَطْعِ الْأَطْرَافِ يُرَخَّصُ لَهُ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] وَلِحَدِيثِ «عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ حِينَ اُبْتُلِيَ بِهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: كَيْفَ وَجَدْت قَلْبَك؟ قَالَ: مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ، قَالَ: فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» أَيْ فَعُدْ إلَى الطُّمَأْنِينَةِ، وَفِيهِ نَزَلَتْ الْآيَةُ وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ لَا تَفُوتُ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ بِهِ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ مُفَوِّتًا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَعْنَى فَيُرَخَّصُ لَهُ إحْيَاءً لِنَفْسِهِ أَوْ طَرَفِهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْعُضْوِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَا يُرَخَّصُ لَهُ قَتْلُ النَّفْسِ لِيَأْكُلَ مِنْهُ وَلَا قَطْعُ عُضْوِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ يُرَخَّصُ لَهُ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ الْكَامِلِ وَهُوَ الْمُلْجِئُ، وَذَلِكَ مِثْلُ إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ وَإِفْسَادِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْكُفْرِ لَا تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْإِبَاحَةُ فِيهِ أَصْلًا وَغَيْرُهُ وَإِنْ احْتَمَلَهُ عَقْلًا لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ سَمْعًا فَالْتَحَقَ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَيَثْبُتُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ رُخْصَةً لَا إبَاحَةً مُطْلَقَةً وَلَا تَثْبُتُ بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ كَالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْجِئٍ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ إكْرَاهًا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ فَكَيْفَ يَكُونُ إكْرَاهًا فِي الْكُفْرِ وَهُوَ أَعْظَمُ.

قَالَ رحمه الله (وَيُثَابُ بِالصَّبْرِ) أَيْ يَكُونُ مَأْجُورًا إنْ صَبَرَ وَلَمْ يُظْهِرْ الْكُفْرَ حَتَّى قُتِلَ؛ لِأَنَّ خُبَيْبًا صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صُلِبَ وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ، وَقَالَ فِي مِثْلِهِ «هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَائِمَةٌ وَالِامْتِنَاعُ عَزِيمَةٌ، فَإِذَا بَذَلَ نَفْسَهُ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَلِإِقَامَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادِ كَانَ شَهِيدًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَاتَلَ دُونَ مَالِ غَيْرِهِ فَقُتِلَ كَانَ شَهِيدًا، وَلَا يُقَالُ الْكُفْرُ مُسْتَثْنًى فِي حَالَةِ الْإِكْرَاهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] كَمَا اسْتَثْنَى الْمَيْتَةَ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ فَكَيْفَ يَكُونُ حَرَامًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِثْنَاءُ هُنَا رَاجِعٌ إلَى الْعَذَابِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ قَبْلَهُ فَيَنْتَفِي الْعَذَابُ دُونَ الْحُرْمَةِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَأَخَوَاتِهَا فَإِنَّ الْمَذْكُورَ هُنَاكَ فِيهِ الْحُرْمَةُ فَتَنْتَفِي فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَهُنَا لَا تَنْتِفِي فَتَبْقَى عَلَى حَالِهَا وَلَكِنْ لَوْ تَرَخَّصَ جَازَ لِمَا أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَفُوتُ بِهِ وَلَا حَقُّ الْعَبْدِ لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ وَوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرَهِ.

قَالَ رحمه الله (وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ)؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ لِمَالِهِ وَالْمُكْرَهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً قَالَ رحمه الله (وَعَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ بِقَتْلٍ لَا يُرَخَّصُ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ لَا يُرَخَّصُ لَهُ الْقَتْلُ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الرُّخْصَةِ خَوْفُ التَّلَفِ وَالْمُكْرَهُ وَالْمُكْرَهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَسَقَطَ الْكُرْهُ. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قَتَلَهُ أَثِمَ)؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَاقِيَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَأْثَمُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَلِأَنَّ الْإِثْمَ يَكُونُ بِدِينِهِ وَالْمُكْرَهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي حَقِّهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يُرَخَّصُ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَتْلَ النَّفْسِ بِالضَّيَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ وَلَدٌ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُرَبِّيهِ وَلِأَنَّ فِيهِ إفْسَادَ الْفِرَاشِ بِخِلَافِ جَانِبِ الْمَرْأَةِ حَيْثُ يُرَخَّصُ لَهَا بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ مِنْ جَانِبِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ، وَلِهَذَا أَوْجَبَ الْإِكْرَاهُ الْقَاصِرُ دَرْءَ الْحَدِّ فِي حَقِّهَا دُونَ الرَّجُلِ.

قَالَ رحمه الله (وَيُقْتَصُّ مِنْ الْمُكْرِهِ فَقَطْ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله: يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ دُونَ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْقَاتِلُ هُوَ الْمُكْرَهُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ، وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ يَأْثَمُ بِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْ الْمُكْرَهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَفْعَالِ أَنْ يُؤَاخَذَ بِهَا فَاعِلُهَا إلَّا إذَا سَقَطَ حُكْمُ فِعْلِهِ شَرْعًا وَأُضِيفَ إلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ سَقَطَ حُكْمُهُ وَهُوَ الْإِثْمُ عَنْ الْفَاعِلِ وَأُضِيفَ إلَى غَيْرِهِ وَهُنَا لَمْ يَسْقُطْ حُكْمُ فِعْلِهِ بَلْ قُرِّرَ حُكْمُ فِعْلِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ، وَإِثْمُ الْقَتْلِ يَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا أَمَّا الْمُكْرَهُ فَلِمَا قَالَهُ زُفَرُ وَأَمَّا الْمُكْرِهُ فَلِحُصُولِ التَّسْبِيبِ مِنْهُ إلَى الْقَتْلِ حَيْثُ أَحْدَثَ فِيهِ مَعْنًى حَامِلًا عَلَى الْقَتْلِ وَالسَّبَبُ التَّامُّ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُبَاشَرَةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ خُبَيْبًا) خُبَيْبِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيَّ الْأَوْسِيَّ شَهِدَ بَدْرًا.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُكْرَهُ وَالْمُكْرَهُ عَلَيْهِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْإِثْمَ يَكُونُ بِدَيْنِهِ) أَيْ بِالْجِنَايَةِ عَلَى دَيْنِهِ اهـ

ص: 186

الْقِصَاصِ عِنْدَهُ وَلِهَذَا حُكِمَ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى شُهُودِ الْقِصَاصِ إذَا رَجَعُوا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ وَالْقَتْلُ بِالْإِكْرَاهِ مِنْ الْمُتَغَلِّبَةِ غَالِبٌ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ لَأَدَّى إلَى الْفَسَادِ فَيُوجِبُ عَلَى الْكُلِّ حَسْمًا لِمَادَّتِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله: لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بَقِيَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُكْرَهِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى أَثِمَ إثْمَ الْقَتْلِ وَأُضِيفَ إلَى الْمُكْرِهِ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَمَلَ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ فَصَارَ مَدْفُوعًا إلَى الْقَتْلِ بِمُوجِبِ طَبْعِهِ وَلِأَنَّ الْمُكْرَهَ قَاتِلٌ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا وَالْمُكْرِهُ بِالْعَكْسِ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ بِطَبْعِهِ إيثَارًا لِحَيَاتِهِ فَيَصِيرُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ وَهُوَ الْإِتْلَافُ دُونَ الْإِثْمِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْآلَةَ هِيَ الَّتِي تَعْمَلُ بِطَبْعِهَا كَالسَّيْفِ فَإِنَّ طَبْعَهُ الْقَطْعُ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ فِي مَحَلِّهِ وَكَالنَّارِ فَإِنَّ طَبْعَهَا الْإِحْرَاقُ وَكَالْمَاءِ فَإِنَّ طَبْعَهُ الْإِغْرَاقُ وَبِاسْتِعْمَالِ الْآلَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُسْتَعْمِلِ فَكَذَا هُنَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ هُوَ الْمُسْتَعْمِلُ لَهُ وَالْمَأْمُورُ جَارٍ عَلَى مُوجِبِ طَبْعِهِ أَنَّ ضَمَانَ الْمَالِ الْمُتْلَفِ يَجِبُ عَلَى الْآمِرِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ بِالِاسْتِعْمَالِ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْإِتْلَافَ مَنْسُوبٌ إلَى الْآمِرِ وَأَنَّ الْمَأْمُورَ آلَةٌ لَهُ إذْ لَا وَجْهَ لِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ فَكَأَنَّ الْآمِرَ مُبَاشِرٌ لِلْإِتْلَافِ لَا مُتَسَبِّبٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَسَبِّبًا لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنَّمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ وَالْمُتَسَبِّبَ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى الْإِتْلَافِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُبَاشِرِ دُونَ الْمُتَسَبِّبِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ آلَةً لَهُ فِي إتْلَافِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ بِأَنْ يَأْخُذَهُ وَيُلْقِيَهُ فِي مَالِ إنْسَانٍ فَكَذَا فِي النَّفْسِ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ بِخِلَافِ الْإِثْمِ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى دِينِهِ وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى دِينِ غَيْرِهِ فَبَقِيَ بِالْفِعْلِ مَقْصُورًا فِي حَقِّهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَى الْآمِرِ فِي الْإِتْلَافِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَأْمُورِ مِنْ حَيْثُ التَّلَفُّظُ وَلَا يُجْعَلُ آلَةً لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلِسَانِ غَيْرِهِ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَأْمُورِ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ.

وَلَوْ نُقِلَ إلَى الْآمِرِ لَمَا عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ، وَكَذَا قُلْنَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الطَّلَاقِ حَتَّى يَكُونَ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ التَّلَفُّظِ دُونَ الْإِتْلَافِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَ مُسْلِمٌ مَجُوسِيًّا عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَى الْمُسْلِمِ الْآمِرِ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا يَنْتَقِلُ فِي حَقِّ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ فِي الذَّبْحِ فِي الدِّينِ وَبِالْعَكْسِ يَحِلُّ.

قَالَ رحمه الله (وَعَلَى عَتَاقٍ وَطَلَاقٍ فَفَعَلَ وَقَعَ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى عَتَاقٍ أَوْ طَلَاقٍ فَأَعْتَقَ أَوْ طَلَّقَ وَقَعَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَعَدَمُ صِحَّةِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْأَقَارِيرِ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى التَّصَرُّفِ وَهُوَ كَوْنُهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا وَمَعَ الْإِكْرَاهِ لَا يُوجَدُ الرِّضَا، وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا فَيَقَعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَقَعَانِ مَعَ الْهَزْلِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الرِّضَا فِيهِمَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَإِخْوَانِهِ.

قَالَ رحمه الله (وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ وَنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَطَأْهَا) يَعْنِي عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَالْمُكْرَهُ آلَةٌ لَهُ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ إذْ ضَمَانُ الْعُدْوَانِ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِلْخُرُوجِ إلَى الْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي مُعْتِقِ الْبَعْضِ أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ كَعِتْقِ الرَّاهِنِ الْمَرْهُونَ وَهُوَ مُعْسِرٌ أَوْ عِتْقِ الْمَرِيضِ عَبْدَهُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هُنَا وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِيهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ كَالِارْتِدَادِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ فَكَانَ تَقْرِيرًا لِلْمَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيُضَافُ تَقْرِيرُهُ إلَى الْمُكْرَهِ

وَالتَّقْرِيرُ كَالْإِيجَابِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْمُكْرِهِ الْآمِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ طَبْعَهُ الْإِغْرَاقُ) أَيْ فَفِي الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ الطَّبْعِ مُشَابَهَةٌ بِالْآلَةِ وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْقَاتِلُ آلَتَهُ الَّتِي هِيَ السَّيْفُ فِي شَخْصٍ ظُلْمًا فَقَتَلَهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ لَوْ أَكْرَهَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى الذَّبْحِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ إلَخْ) وَالْوَلَاءُ لِلْمُكْرَهِ دُونَ الْمُكْرِهِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ هَذَا الْكِتَابِ

ص: 187

فَكَانَ مُتْلِفًا لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَقَرَّرَ هُنَا بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ الْمُكْرِهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ خَطَرَ بِبَالِي الْإِخْبَارُ بِالْحُرِّيَّةِ فِيمَا مَضَى كَاذِبًا وَقَدْ أَرَدْت ذَلِكَ لَا إنْشَاءَ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ يَعْتِقُ الْعَبْدُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلَا يَعْتِقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَضْمَنُ الْمُكْرَهُ لَهُ شَيْئًا لِزَعْمِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْعَتَاقُ، وَلَوْ قَالَ: خَطَرَ بِبَالِي ذَلِكَ وَلَمْ أُرِدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَرَدْت بِهِ الْإِنْشَاءَ فِي الْحَالِ أَوْ لَمْ أُرِدْ بِهِ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي شَيْءٌ عَتَقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمُكْرِهِ وَعَلَى هَذِهِ التَّفَاصِيلِ الطَّلَاقُ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فَفَعَلَ رَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ كَانَ يَنْدَفِعُ بِالْأَقَلِّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَوْقَعَ الْعِتْقَ فَهُوَ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَى إيقَاعِهِ؛ إذْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ وَيَتَخَلَّصَ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فَأَوْقَعَ التَّوْكِيلَ وَقَعَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْهَزْلِ فَكَذَا مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ وَأَمْثَالِهِ.

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ وَلَكِنْ يُوجِبُ فَسَادَهُ فَكَذَا التَّوْكِيلُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْوَكَالَةِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ، فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ وَيَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِمَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْجِعَ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ وَقَعَ عَلَى التَّوْكِيلِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْإِتْلَافُ وَإِنَّمَا يَتْلَفُ بِفِعْلِ الْوَكِيلِ بَعْدَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ وَقَدْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ أَصْلًا فَلَا يُضَافُ التَّلَفُ إلَى التَّوْكِيلِ كَمَا فِي الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا قَدْ وَكَّلَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ الْوَكِيلُ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا.

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ غَرَضَ الْمُكْرَهِ زَوَالُ مِلْكِهِ إذَا بَاشَرَ الْوَكِيلُ فَكَانَ الزَّوَالُ مَقْصُودًا وَجَعَلَ مَا فَعَلَ طَرِيقًا إلَى الْإِزَالَةِ فَيَضْمَنُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِكْرَاهُ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى النَّذْرِ صَحَّ وَلَزِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَهُوَ مِنْ اللَّاتِي هَزْلُهُنَّ جِدٌّ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِمَا لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا فَلَا يُطَالِبُ هُوَ بِهِ فِيهَا؛ إذْ لَوْ كَانَ لَهُ الطَّلَبُ فِيهَا لَحُبِسَ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا أَوْجَبَ، وَكَذَا الْيَمِينُ وَالظِّهَارُ لَا يَعْمَلُ فِيهِمَا الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ فَيَسْتَوِي فِيهِمَا الْجِدُّ وَالْهَزْلُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ «حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَخَذُوهُ وَاسْتَحْلَفُوهُ عَلَى أَنْ لَا يَنْصُرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ فَحَلَفَ مُكْرَهًا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَوْفِ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَحْنُ نَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ» وَلِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَوْجَبَ الشَّرْعُ بِهِ حُرْمَةً مُؤَقَّتَةً بِالْكَفَّارَةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ كَالطَّلَاقِ.

وَكَذَا الرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِيهِ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ فَكَانَتْ مُلْحَقَةً بِهِ وَالْإِيلَاءُ يَمِينٌ فِي الْحَالِ وَطَلَاقٌ فِي الْمَآلِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يَمْنَعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْفَيْءُ فِيهِ كَالرَّجْعَةِ فِي الِاسْتِدَامَةِ، وَلَوْ بَانَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا لَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْفَيْءِ فِي الْمُدَّةِ، وَكَذَا الْخُلْعُ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ أَوْ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ مُكْرَهَةٍ لَزِمَهَا الْبَدَلُ؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْهُ وَهِيَ طَائِعَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً لَا يَلْزَمُهَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَلْزَمُ بِدُونِ الرِّضَا، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ مَمْلُوكٍ يَمْلِكُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ حُرًّا فَفَعَلَ ثُمَّ مَلَكَ مَمْلُوكًا عَتَقَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَحْصُلُ بِاعْتِبَارِ صُنْعٍ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُعَلِّقَهُ بِفِعْلِهِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ إنْ صَلَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت ثُمَّ فَعَلَ الْمُكْرَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَغَرِمَ الْمُكْرِهُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ فَكَانَ مُلْجَأً، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَكْفُرَ فَفَعَلَ لَمْ يَرْجِعْ بِذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْخُرُوجِ عَنْ حَقٍّ لَزِمَهُ وَذَلِكَ حِسْبَةٌ مِنْهُ لَا إتْلَافُ شَيْءٍ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ

وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَفَعَلَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَعَلَى الْمُكْرَهُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا مُعَيَّنًا عَنْ كَفَّارَتِهِ فَصَارَ بِالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ مُتَعَدِّيًا عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى النَّذْرِ صَحَّ وَلَزِمَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالنَّذْرُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ أَنَّ لِصًّا غَالِبًا أَكْرَهَ رَجُلًا حَتَّى جَعْلِ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةً أَوْ صَوْمًا أَوْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ غَزْوَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ بَدَنَةً أَوْ شَيْئًا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ، فَهَدَّدَهُ بِقَتْلٍ أَوْ تَلَفِ عُضْوٍ أَوْ غَيْرِهِ يَعْنِي بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ حَتَّى أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ أَرْبَعٌ مُقْفَلَاتٌ مُبْهَمَاتٌ لَيْسَ فِيهِنَّ رِدِّيدَى: الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّذْرُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مُبْهَمَاتٌ وُقُوعُهَا وَصِحَّتُهَا مُطْلَقَةً بِلَا قَيْدِ الرِّضَا وَالطَّوَاعِيَةِ وَالْجِدِّ إذَا صَدَرَتْ مِنْ مُكَلَّفٍ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ يَعْنِي أَنَّ حُرْمَةَ الْأُمِّ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالدُّخُولِ.

وَالرِّدِّيدِى بِمَعْنَى الرَّدِّ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَصَرُّفٌ لَا يُبْطِلُهُ الْهَزْلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ هَازِلًا يَلْزَمُهُ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُبْطِلُهُ الْهَزْلُ لَا يُبْطِلُهُ الْإِكْرَاهُ وَلِأَنَّ النَّذْرَ وَالْيَمِينَ لَا يَقْبَلَانِ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِمَا وَكُلُّ مَا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَلَا يَرْجِعُ فِيهِ الْمُكْرَهُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمَنْذُورِ وَلِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا يُحْبَسُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْكَافِي لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَاءِ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُظَاهِرَ مِنْ امْرَأَتِهِ كَانَ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّحْرِيمِ فَأَشْبَهَ الْيَمِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ بِالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ مُتَعَدِّيًا عَلَيْهِ) أَيْ وَلَا يُقَالُ بِأَنَّهُ إتْلَافٌ بِعِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ عَسَى يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِمَا دُونَ هَذَا فَصَارَ فِي الزِّيَادَةِ إتْلَافًا بِغَيْرِ

ص: 188

بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ إلَّا بِالْخُرُوجِ عَمَّا لَزِمَهُ وَلَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى إتْلَافِ مَالٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعِتْقِ بِعِوَضٍ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا أُبْرِئُهُ مِنْ الْقِيمَةِ حَتَّى يُجْزِئَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ نَفَذَ غَيْرَ مُجْزِئٍ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْمَوْجُودُ بَعْدَ ذَلِكَ إبْرَاءٌ عَنْ الدَّيْنِ وَهُوَ لَا تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْته حِينَ أَكْرَهَنِي وَأَنَا أُرِيدُ بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَمْ أُعْتِقْهُ لِإِكْرَاهِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ كُلَّهُ فَهُوَ مُخْتَارٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَمَا أَتَى بِهِ غَيْرُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَلَا يَصِيرُ الْإِتْلَافُ بِهِ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُمِرَ أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ كُلَّهُ كَانَ بَاطِلًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْمُكْرِهُ قِيمَتَهُ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَالْإِكْرَاهُ عَلَى إعْتَاقِ النِّصْفِ إكْرَاهٌ عَلَى إعْتَاقِ الْكُلِّ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إعْتَاقِ كُلِّهِ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ يَضْمَنُ نِصْفَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ النِّصْفِ إعْتَاقٌ لِلْكُلِّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَقْتَصِرُ عَلَى النِّصْفِ فَيَكُونُ آتِيًا بِبَعْضِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِحِسَابِهِ.

وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا فَزَنَى يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُهُ يَجِبُ، وَقَالَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلُ أَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ وَالِانْتِشَارُ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نِسْبَةُ الزِّنَا إلَى الْمُكْرِهِ لِكَوْنِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي الزِّنَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِآلَةِ غَيْرِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَكَانَ مُقْتَصَرًا عَلَى الْفَاعِلِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ دُونَ إحْصَانِ الْمُكْرَهِ فَكَذَا الْحَدُّ يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْفِعْلِ وَيَتَحَقَّقُ مِنْهَا الزِّنَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ مِنْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا وَلَا تَشْعُرُ بِهِ وَبِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ آلَةً لَهُ فِيهِ فَيُنْسَبُ إلَى الْمُكْرَهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ.

وَجْهُ قَوْلِهِ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ أَنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا كَمَا فِي النَّائِمِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ إذَا وُجِدَ الْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْإِلْجَاءُ لَمَا فَعَلَ بِالْفِعْلِ دَفَعَ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ وَلِأَنَّ الْحَدَّ شُرِعَ لِلزَّجْرِ وَهُوَ مُنْزَجِرٌ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِكْرَاهِ لِمَا أَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ إهْلَاكَهُ فَلَا يُفِيدُ شَرْعُ الْحَدِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا.

قَالَ رحمه الله (وَعَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تَبِنْ امْرَأَتُهُ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الرِّدَّةِ وَأَجْرَى كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَمْ تَبِنْ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ حَتَّى لَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ هُوَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ الْكُفْرِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بِهَا فَيَسْتَوِي فِيهَا الطَّائِعُ وَالْمُكْرَهُ كَلَفْظَةِ الطَّلَاقِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْفُرْقَةِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِهِ فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ، وَلِهَذَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ مُكْرَهًا حَيْثُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ أَحَدَ الرُّكْنَيْنِ، وَفِي الرُّكْنِ الْآخَرِ احْتِمَالٌ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْوُجُودِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ «الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ» وَنَظِيرُهُ السَّكْرَانُ فَإِنَّ إسْلَامَهُ صَحِيحٌ وَكُفْرُهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ هَذَا لِبَيَانِ الْحُكْمِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ.

وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى أَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْإِسْلَامِ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ كُفْرُهُ أَصْلِيًّا لِعَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُكْرَهُ نَوَيْت الْإِخْبَارَ بَاطِلًا وَلَمْ أَكُنْ فَعَلْت بَانَتْ امْرَأَتُهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُودِ الْمَخْلَصِ وَجَوَابُهُ مُطَابِقٌ لِلسُّؤَالِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا نَوَى بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَلَا يَصَّدَّقُ أَنَّهُ نَوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ وَقَعَ جَوَابًا لِمَا طُلِبَ مِنْهُ ظَاهِرًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَجَابَ إلَيْهِ وَنَوَى مَا قَصَدَهُ الْمُكْرِهِ مَعَ إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُودِ الْمَخْلَصِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ عَدَلَ عَمَّا طَلَبُوهُ مِنْهُ بِالنِّيَّةِ فَيُجْعَلُ مُجِيبًا لَهُمْ طَائِعًا، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت مَا طُلِبَ مِنِّي وَقَدْ خَطَرَ بِبَالِي الْخَبَرُ عَنْ الْبَاطِلِ بَانَتْ دِيَانَةً وَقَضَاءً؛ لِأَنَّهُ كُفْرٌ حَقِيقَةً حَيْثُ أَجَابَ إلَى مَا طُلِبَ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْمَخْلَصِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الصَّلِيبِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

عِوَضٍ حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ أَخَسِّ الرِّقَابِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ دُونَ هَذَا مُجْزِيًا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا فَإِنْ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ قُلْنَا مَتَى ضَمِنَ بَعْضَهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَفَّارَةً فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ إتْلَافٌ بِلَا نَفْعٍ يُسْلَمُ لَهُ فَيَضْمَنُ كُلَّهُ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى وَجَبَ الضَّمَانُ لِرَبِّهِ عَلَى الْمُكْرَهِ صَارَ إعْتَاقًا بِعِوَضٍ فَلَا يَصْلُحُ كَفَّارَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَنَا أُرِيدُ بِهِ) أَيْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَجْزَأَهُ) أَيْ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ طَائِعًا فَلَمْ يَكُنْ الضَّمَانُ بِهِ وَاجِبًا عَلَى الْمُكْرِهِ فَصَلَحَ كَفَّارَةً، وَإِنَّهُ أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ فَصَدَقَ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ طَائِعٌ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْعِتْقَ عَنْ الظِّهَارِ كَمَا أَمَرَنِي وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي غَيْرُ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِهِ فَكَانَ مُكْرَهًا وَلَوْ أَكْرَهَهُ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَجْزَأَهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ نَقْلَ الْفِعْلِ إلَى غَيْرِهِ وَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ فَبَقِيَ إعْتَاقًا بِلَا عِوَضٍ فَيُسْلَمُ لَهُ فَيَصْلُحُ كَفَّارَةً اهـ الثَّانِي.

(قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) أَسِيرٌ خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ إنَّك ارْتَدَدْت فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْفُرْقَةِ وَإِنْ أَقَرَّ وَقَالَ تَكَلَّمْت بِذَلِكَ لَكِنْ مُكْرَهًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالرِّدَّةِ وَادَّعَى الْكُرْهَ وَالْمَرْأَةُ مُنْكِرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَالْقَاضِي لَا يُصَدِّقُهُمَا؛ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا فِي الْفَرْجِ لَا يَجُوزُ. اهـ. سِيَرٌ فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ رحمه الله (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُكْرَهُ) أَيْ عَلَى الْإِسْلَامِ اهـ

ص: 189