الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ تَرْكُ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ لَا أَنْ يَكُونَ وَارِثَهُ فِي الْخِيَارِ فَيُورَثَ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنْ أَبَى وَرَثَةُ الْعَامِلِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ كَانَ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ لِوَرَثَةِ رَبِّ الْأَرْضِ عَلَى مَا وَصَفْنَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُعَامَلَةِ وَالْخَارِجُ بُسْرٌ أَخْضَرُ فَهُوَ كَالْمُزَارَعَةِ إذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهَا فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الثِّمَارُ كَمَا كَانَ ذَلِكَ لِلْمُزَارِعِ لَكِنْ هُنَا لَا يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ حِصَّتِهِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الزَّرْعُ لِأَنَّ الْأَرْضَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ هَهُنَا وَفِي الْمُزَارَعَةِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلْأَرْضِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ فِي الْمُزَارَعَةِ لَا يُسْتَحَقُّ الْعَمَلُ عَلَيْهِ كَمَا يُسْتَحَقُّ قَبْلَ انْتِهَائِهَا.
قَالَ رحمه الله (وَتُفْسَخُ بِالْعُذْرِ كَالْمُزَارَعَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ سَارِقًا أَوْ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ، وَكَوْنُهُ سَارِقًا عُذْرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ بِسَرِقَةِ الثَّمَرِ، أَوْ السَّعَفِ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا وَكَذَا مَرَضُ الْعَامِلِ إذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِإِلْزَامِهِ اسْتِئْجَارَ الْأُجَرَاءِ وَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ الْعَمَلِ لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ: يُمَكَّنُ، وَقَالُوا: لَا يُمَكَّنُ بِالِاتِّفَاقِ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُمَكَّنُ أَنْ لَوْ شُرِطَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ عُذْرًا مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ.
وَمَنْ دَفَعَ أَرْضًا بَيْضَاءَ إلَى رَجُلٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً يَغْرِسُ فِيهَا شَجَرًا أَوْ كَرْمًا، أَوْ نَخْلًا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسِ نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ لِاشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ فِيمَا كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الشَّرِكَةِ لَا بِعَمَلِهِ وَهِيَ الْأَرْضُ أَوْ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَجْعَلَ أَرْضَهُ بُسْتَانًا بِآلَاتِ الْأَجِيرِ عَلَى أَنْ تَكُونَ أُجْرَتُهُ نِصْفَ الْبُسْتَانِ الَّذِي يَظْهَرُ بِعَمَلِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ فَيَفْسُدُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ لَهُ ثَوْبًا بِصِبْغِ نَفْسِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ الْمَصْبُوغِ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنِصْفِ الْغِرَاسِ مِنْ الْعَامِلِ بِنِصْفِ الْأَرْضِ وَالْغِرَاسُ مَجْهُولٌ وَمَعْدُومٌ وَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فِي نَصِيبِهِ فِي الْمُدَّةِ أَيْضًا وَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْفَسَادَ ثُمَّ جَمِيعُ الثَّمَرِ وَالْغَرْسِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلِلْعَامِلِ قِيمَةُ غَرْسِهِ وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الشَّجَرِ لَمَّا كَانَ فَاسِدًا وَقَدْ غَرَسَهُ الْعَامِلُ بِأَمْرِهِ فِي أَرْضِهِ صَارَ كَأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ قَابِضًا لِلْغَرْسِ بِاتِّصَالِهِ بِأَرْضِهِ مُسْتَهْلِكًا لَهُ بِالْعُلُوقِ فِيهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ أَشْجَارِهِ وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ ابْتَغَى لِعَمَلِهِ أَجْرًا وَهُوَ نِصْفُ الْأَرْضِ، أَوْ نِصْفُ الْخَارِجِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]
(كِتَابُ الذَّبَائِحِ) قَالَ رحمه الله (هِيَ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ) أَيْ الذَّبَائِحُ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَالذَّبِيحَةُ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَذْبُوحِ قَالَ رحمه الله (وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَالْمُرَادُ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالْأَوْدَاجِ تَغْلِيبًا وَبِهِ يَحِلُّ الْمَذْبُوحُ وَهُوَ شَرْطٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَبِالذَّبْحِ يَقَعُ الْمَيْزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ فَيَطْهُرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْكُولٍ وَلَفْظَةُ الذَّكَاةِ تُنْبِئُ عَنْ الطَّهَارَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» أَيْ طَهَارَتُهَا وَأَصْلُ تَرْكِيبِ التَّذْكِيَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّمَامِ وَمِنْهُ ذَكَاءُ السِّنِّ بِالْمَدِّ لِنِهَايَةِ الشَّبَابِ، وَذَكَا النَّارِ بِالْقَصْرِ لِتَمَامِ اشْتِعَالِهَا وَهِيَ اخْتِيَارِيَّةٌ وَاضْطِرَارِيَّةٌ فَالْأَوْلَى الْجَرْحُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ وَالثَّانِيَةُ الْجَرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَدَنِ وَهَذَا كَالْبَدَلِ عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ وَهُوَ آيَةُ الْبَدَلِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَبْلَغُ فِي إخْرَاجِ الدَّمِ مِنْ الثَّانِي فَلَا يُتْرَكُ إلَّا بِالْعَجْزِ عَنْهُ وَيُكْتَفَى بِالثَّانِي لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ صَاحِبَ مِلَّةٍ سَمَاوِيَّةٍ ثَابِتَةٍ حَقِيقَةً، أَوْ دَعْوَى كَالْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
أَيْ الْخِيَارُ الثَّابِتُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ، وَإِنَّمَا قَالَهُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ خِيَارُ الشَّرْطِ لَا يُورَثُ عِنْدَكُمْ لِأَنَّهُ عِوَضٌ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ فَكَيْفَ يَثْبُتُ هَذَا الْخِيَارُ لَهُمْ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ تَوْرِيثِ الْخِيَارِ بَلْ هَذَا خِلَافَةٌ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ وَهُوَ تَرْكُ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ إلَى أَنْ تُدْرِكَ فَجَازَ اهـ أَتْقَانِيٌّ.
[تفسخ الْمُسَاقَاة بِالْعُذْرِ]
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتُفْسَخُ بِالْعُذْرِ) ثُمَّ هَلْ يَنْفَرِدُ صَاحِبُ الْعُذْرِ بِالْفَسْخِ أَمْ يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فِيهِ رِوَايَتَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي الْمُزَارَعَةِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُمَا مُسْتَقْصًى فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي بَابِ فَسْخِ الْإِجَارَةِ أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ.
(كِتَابُ الذَّبَائِحِ) الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ إتْلَافٌ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ تَبْذِيرُ الْبَذْرِ لِتَحْصِيلِ النَّفْعِ فِي الْمَالِ مِنْ الْخَارِجِ فَكَذَا الذَّبْحُ إتْلَافُ الْمَوْجُودِ فِي الْحَالِ لِيُنْتَفَعَ بِاللَّحْمِ فِي الْمَآلِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ سَبَبٌ لِحُصُولِ أَقْوَاتِ الْأَنَاسِيِّ وَالْبَهَائِمِ وَهَذَا سَبَبٌ لِحُصُولِ غِذَاءِ بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ وَكَذَا الْمُسَاقَاةُ لِتَحْصِيلِ الثَّمَرَاتِ كَمَا أَنَّ الذَّبَائِحَ لِتَحْصِيلِ اللَّحْمِ. اهـ. مِسْكِينٌ.
(قَوْلُهُ: أَفْرِ الْأَوْدَاجَ) بِالْفَاءِ مِنْ أُفْرِيَتْ إذَا قُطِعَتْ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ لَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَائِقِ وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ إذَا يَبِسَتْ مِنْ رُطُوبَةِ النَّجَاسَةِ فَذَاكَ تَطْهِيرُهَا كَمَا أَنَّ الذَّكَاةَ تُطَهِّرُ الذَّبِيحَةَ وَتُطَيِّبُهَا ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ الذَّكَاةُ الْحَيَاةُ مِنْ ذَكَتْ النَّارُ إذَا حَيِيَتْ وَاشْتَعَلَتْ فَكَأَنَّ الْأَرْضَ إذَا نَجِسَتْ مَاتَتْ، وَإِذَا طَهُرَتْ حَيِيَتْ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَائِقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ) اللَّبَّةُ رَأْسُ الصَّدْرِ وَاللَّحْيَانِ الذَّقَنُ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) وَأَمَّا شَرْطُ وُقُوعِ الذَّكَاةِ ذَكَاةً أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: آلَةٌ جَارِحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لِحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ «إذَا خَزَقَ الْمِعْرَاضُ فَكُلْ، وَإِنْ لَمْ يَخْزِقْ فَلَا تَأْكُلْ» وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ
وَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الصَّيْدِ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا وَأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رحمه الله (وَحَلَّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ وَكِتَابِيٍّ) لِمَا تَلَوْنَا فَإِنَّهُ عَامٌّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُمْ بِدَلِيلٍ، وَهُوَ الْمُشْرِكُ وَالْمُحْرِمُ فِي حَقِّ الصَّيْدِ وَالْمُرْتَدُّ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَالْمُرَادُ بِهِ مُذَكَّاهُمْ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الطَّعَامِ غَيْرُ الْمُزَكَّى يَحِلُّ مِنْ أَيِّ كَافِرٍ كَانَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا فَرْقَ فِي الْكِتَابِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُذْكَرَ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَوْ ذَكَرَ الْكِتَابِيُّ الْمَسِيحَ، أَوْ عُزَيْرًا لَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173] وَهُوَ كَالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَحِلُّ.
قَالَ رحمه الله (وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَأَخْرَسَ وَأَقْلَفَ) وَالْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ هُوَ الَّذِي يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ وَلَمْ يَضْبِطْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَذَلِكَ بِالْقَصْدِ وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِالْمَعْرِفَةِ وَالضَّبْطِ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ شَرَائِطَ الذَّبْحِ مِنْ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَالتَّسْمِيَةِ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ إذَا كَانَ ضَابِطًا وَهُوَ الشَّرْطُ وَالْقُلْفَةُ وَالْأُنُوثَةُ لَا تُخِلُّ بِهِ فَيَحِلُّ وَالْأَخْرَسُ عَاجِزٌ عَنْ الذِّكْرِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا وَتَقُومُ الْمِلَّةُ مَقَامَهُ كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ.
قَالَ رحمه الله (لَا مَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَمُحْرِمٍ وَتَارِكِ اسْمِ اللَّهِ عَمْدًا) أَيْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ هَؤُلَاءِ أَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ فَانْعَدَمَ التَّوْحِيدُ اعْتِقَادًا وَدَعْوَى، وَالْوَثَنِيُّ كَالْمَجُوسِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ مُشْرِكٌ مِثْلُهُ وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلِأَنَّهُ لَا مِلَّةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ بِخِلَافِ الْيَهُودِيِّ إذَا تَنَصَّرَ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ تَنَصَّرَ الْمَجُوسِيُّ أَوْ تَهَوَّدَ؛ لِأَنَّهُ يُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ عِنْدَنَا فَيُعْتَبَرُ مَا هُوَ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ فَحَسْبُ لَا مَا قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ تَمَجَّسَ الْيَهُودِيُّ لَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ لِمَا تَلَوْنَا وَالْمُتَوَلَّدُ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ وَالْمُشْرِكِ يُعْتَبَرُ الْكِتَابِيُّ لِأَنَّ الْمُشْرِكَ شَرٌّ فَيُعْتَبَرُ الْأَخَفُّ وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَالْمُرَادُ بِهِ فِي حَقِّ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ ذَبِيحَتَهُ فِي غَيْرِ الصَّيْدِ تُؤْكَلُ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِيهِ مَشْرُوعٌ بِخِلَافِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِيهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَكَذَا الْحَلَالُ فِي حَقِّ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا
وَكَذَا الْكِتَابِيُّ لَوْ ذَبَحَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ وَأَمَّا تَارِكُ اسْمِ اللَّهِ عَمْدًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]«وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَدِيٍّ إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ» الْحَدِيثَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ وَكَذَا إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الرَّمْيِ، وَإِرْسَالِ الْجَارِحِ تُؤْكَلُ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى سَمَّى، أَوْ لَمْ يُسَمِّ» وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إنَّ الْأَعْرَابَ يَأْتُونَنَا بِلَحْمٍ فَلَا نَدْرِي أَسَمُّوا عَلَيْهَا، أَوْ لَمْ يُسَمُّوا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا» وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لَمَا أَمَرَهَا بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ وَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِمَا سَقَطَتْ بِالنِّسْيَانِ كَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا قَامَتْ الْمِلَّةُ مَقَامَهَا كَمَا فِي النَّاسِي وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَعَلَى حُرْمَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ
وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عُدَّ خَرْقًا لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا فَمِنْ مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ يَحْرُمُ وَمِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَحِلُّ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْمَشَايِخُ: إنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ حَتَّى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الذَّابِحُ مِمَّنْ لَهُ مِلَّةُ التَّوْحِيدِ وَهُوَ حَلَالٌ فِي الْحِلِّ إمَّا دَعْوَى وَاعْتِقَادًا كَالْمُسْلِمِ أَوْ دَعْوَى كَالْكِتَابِيِّ فَإِنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ صَاحِبُ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ بِخِلَافِ الْمَجُوسِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلَّةُ التَّوْحِيدِ لَا دَعْوَى وَلَا اعْتِقَادًا لِأَنَّهُ يَقُولُ بِصَانِعَيْنِ أَحَدُهُمَا خَالِقُ الْخَيْرِ وَثَانِيهِمَا خَالِقُ الشَّرِّ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَالْمُحْرِمُ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَكَذَا الْحَلَالُ إذَا كَانَ فِي الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ لِلصَّيْدِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ إمَّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَأْكُولِ اللَّحْمِ أَوْ مِنْ وَجْهٍ عِنْدَنَا بِأَنْ كَانَ مِمَّا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَالرَّابِعُ التَّسْمِيَةُ وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ: يُعْتَبَرُ فِي حُصُولِ الذَّكَاةِ أَرْبَعُ شَرَائِطُ أَحَدُهَا صِفَةٌ فِي الْفَاعِلِ بِأَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا لِكِتَابٍ مُنَزَّلٍ فِي دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي صِفَةٌ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ وُجُودُ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْمُذَكِّي، وَالثَّالِثُ صِفَةُ الْآلَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَا يَقْطَعُ لَهُ حِدَّةٌ، وَالرَّابِعُ صِفَةُ الْمُوقَعِ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ، وَالْأَوْدَاجُ أَرْبَعَةُ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَجْنَاسِ، وَحُكْمُ الذَّكَاةِ حِلُّ أَكْلِ الْمَذْبُوحِ فِيمَا يُؤْكَلُ وَطَهَارَةُ جِلْدِهِ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إلَّا الْآدَمِيَّ وَالْخِنْزِيرَ فَإِنَّهُ لَا تَلْحَقُهُمَا الذَّكَاةُ وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الذَّكَاةِ مَا يَثْبُتُ بِهِ وَاَلَّذِي ثَبَتَ بِالذَّكَاةِ هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَأَخْرَسَ وَأَقْلَفَ) بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ مُعَلَّقٌ بِالتَّسْمِيَةِ، وَشَرَائِطِ الذَّبْحِ، وَيَقْدِرُوا عَلَى فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَيُحْسِنُوا الْقِيَامَ بِهِ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَذَلِكَ بِالْقَصْدِ، وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِمَا ذَكَرْنَا قَالَهُ بَاكِيرٌ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَيَحِلُّ إذَا كَانَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ أَيْ يَعْلَمُ أَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَالذِّبْحَةُ أَيْ شَرَائِطُ الذَّبْحِ مِنْ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَنَحْوِهِ، وَيَضْبِطُ أَيْ يَقْدِرُ عَلَى فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَيُحْسِنُ الْقِيَامَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ أَخْرَسَ أَوْ أَقْلَفَ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذِّبْحَةِ وَلَا يَضْبِطُ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ شَرْطٌ لِمَا يَأْتِي بَعْدَهُ وَذَا بِالْقَصْدِ وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِمَا ذَكَرْنَا. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُحْرِمُ إلَخْ) وَفِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ مَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ لَا يُؤْكَلُ وَكَذَا مَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ لَا يُؤْكَلُ وَفِي الْمُلْتَقَطَاتِ الْحَلَالُ إذَا ذَبَحَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَا يُؤْكَلُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِهِ فِي حَقِّ الصَّيْدِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِعَدِيٍّ) أَيْ ابْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ اهـ.