المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الإجارة الفاسدة] - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٥

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْإِقْرَارِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ)

- ‌(بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ)

- ‌(كِتَابُ الصُّلْحِ)

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ]

- ‌(بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ)

- ‌[فَصْلٌ دَيْنٌ بَيْنَهُمَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ لِشَرِيكِهِ]

- ‌(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ)

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ]

- ‌(كِتَابُ الْوَدِيعَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْعَارِيَّةِ)

- ‌(كِتَابُ الْهِبَةِ)

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)

- ‌[فَصْلٌ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌(بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا)

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌(بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ)

- ‌(بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْمُكَاتَبِ)

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ]

- ‌[ فَصْلٌ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا]

- ‌[بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌{بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى}

- ‌[كِتَابُ الْوَلَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ]

- ‌[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[ فَصْلٌ حُرْمَةُ طَرَفِ الْإِنْسَانِ]

- ‌[إقْرَار الصَّبِيّ وَالْمَجْنُون فِي الْحَجَر]

- ‌[فَصْلٌ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌(فَصْلٌ) غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ

- ‌(كِتَابُ الْغَصْبِ)

- ‌[ فَصْلٌ غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ]

- ‌(كِتَابُ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ)

- ‌(بَابُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ)

- ‌(كِتَابُ الْقِسْمَةِ)

- ‌[مَا تَشْتَمِل عَلَيْهِ الْقِسْمَة]

- ‌[الْإِجْبَار عَلَى الْقِسْمَة]

- ‌(كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ)

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْمُزَارَعَة]

- ‌[مَاتَ الْمَزَارِع قَبْل الزَّرْع]

- ‌(كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ)

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْمُسَاقَاة]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]

- ‌[تفسخ الْمُسَاقَاة بِالْعُذْرِ]

- ‌[التَّسْمِيَة عِنْد الذَّبْح]

- ‌[ مَوْضِع الذَّبْح]

- ‌[حَدّ الشَّفْرَة قَبْل الذَّبْح]

- ‌ النَّخْعُ وَقَطْعُ الرَّأْسِ وَالذَّبْحُ مِنْ الْقَفَا)

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ]

- ‌[أَكُلّ الْأَرْنَب]

- ‌ذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ

- ‌[مَا يَحِلّ مِنْ حَيَوَان الْمَاء]

- ‌[مَا يَحِلّ بِلَا ذكاة]

الفصل: ‌[باب الإجارة الفاسدة]

وَإِنَّمَا ضَمِنَ فِيمَا إذَا حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ فَاحِشٌ، وَلِهَذَا لَيْسَ لِلْمُودِعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ سَلِمَ يَجِبُ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَارْتِفَاعِ الْخِلَافِ.

قَالَ رحمه الله (وَبِزَرْعِ رُطَبَةٍ وَأَذِنَ بِالْبُرِّ مَا نَقَصَ) أَيْ إذَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ حِنْطَةً يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ نُقْصَانِ الْأَرْضِ بِزَرْعِ الرَّطْبَةِ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ أَكْثَرُ ضَرَرًا بِالْأَرْضِ مِنْ الْحِنْطَةِ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهَا فِيهَا وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى سَقْيِهَا فَكَانَ خِلَافًا إلَى شَرٍّ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ النُّقْصَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ أَوْ لِلْحَمْلِ فَأَرْدَفَ مَعَهُ غَيْرَهُ أَوْ زَادَ عَلَى الْمَحْمُولِ عَلَى قَدْرِ الْمُسَمَّى حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّمَانِ بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّهَا تَلْفِتُ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا تَعَدَّى وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَشْرُوطَ وَزَادَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ الضَّمَانُ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا لِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ بِقَدْرِ زِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ، ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا حَدِيدًا أَوْ مِلْحًا مِثْلَ وَزْنِهِ يَضْمَنُ كُلَّ الْقِيمَةِ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ نَظِيرُهُ. قَالَ رحمه الله (وَلَا أَجْرَ) أَيْ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ صَارَ غَاصِبًا وَاسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِالْغَصْبِ وَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِهِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالِاسْتِيفَاءِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مَأْذُونًا فِيهِ وَغَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَلِهَذَا لَا يَجْتَمِعُ الضَّمَانُ وَالْأُجْرَةُ وَإِنْ زَرَعَ فِيهَا مَا هُوَ أَقَلَّ ضَرَرًا مِنْ الْحِنْطَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ فَلَا يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا.

قَالَ رحمه الله (وَبِخِيَاطَةِ قَبَاءٍ وَأَمَرَ بِقَمِيصٍ قِيمَةَ ثَوْبِهِ وَلَهُ أَخْذُ الْقَبَاءِ وَدَفْعُ أَجْرِ مِثْلِهِ) مَعْنَاهُ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَخِيطَ لَهُ ثَوْبَهُ قَمِيصًا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ إذَا خَاطَهُ قَبَاءً وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقَبَاءَ وَدَفَعَ لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ قِيلَ أَرَادَ بِالْقَبَاءِ الْقُرْطَقَ وَهُوَ الَّذِي يَلْبَسُهُ الْأَتْرَاكُ مَكَانَ الْقَمِيصِ وَهُوَ ذُو طَاقٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْقَمِيصُ إذَا قُدَّ مِنْ قُبُلٍ كَانَ قَبَاءَ طَاقٍ، وَقَبَاءُ طَاقٍ إذَا خِيطَ جَانِبَاهُ كَانَ قَمِيصًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْقُرْطَقِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَفِي غَيْرِهِ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَلْ يُضَمِّنُهُ الْقِيمَةَ حَتْمًا وَقِيلَ الْجَوَابُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ فِي الْكُلِّ وَإِطْلَاقُهُ يَدًا عَلَى ذَلِكَ وَجْهُهُ أَنَّ الْقَبَاءَ وَالْقَمِيصَ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَأَجْزَاؤُهُمَا وَاحِدٌ وَهِيَ الْكُمُّ وَالذَّيْلُ وَالدِّخْرِيصُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْكُلِّ بَلْ يُضَمِّنُهُ قِيمَةُ الثَّوْبِ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَبَاءَ جِنْسٌ آخَرُ غَيْرَ جِنْسِ الْقَمِيصِ فَصَارَ مُخَالِفًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَبَقِيَ غَاصِبًا مَحْضًا وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ قَمِيصٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ سَدُّهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ انْتِفَاعَ الْقَمِيصِ فَصَارَ مُوَافِقًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ مِنْ حَيْثُ التَّقْطِيعُ وَالْقَالَبُ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ فَإِنْ مَالَ إلَى الْخِلَافِ ضَمِنَهُ قِيمَتُهُ وَصَارَ الثَّوْبُ لِلْخَيَّاطِ وَإِنْ مَالَ إلَى الْوِفَاقِ يَأْخُذُ الْقَبَاءَ وَيُعْطِيهِ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ لَمْ يَرْضَ بِالْمُسَمَّى إلَّا مُقَابَلَا بِخِيَاطَةِ الْقَمِيصِ فَإِذَا خَالَفَ فَاتَ رِضَاهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى وَالْخَيَّاطُ لَمْ يَخِطْهُ مَجَّانًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ أَوْ شَبَهِهِ وَلَيْسَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى عَقْدٌ وَلَا شُبْهَةٌ فَلَا يَتَقَوَّمُ وَلَا يَجِبُ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا لَوْ خَاطَهُ قَمِيصًا مُخَالِفًا لِمَا وَصَفَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى، وَلَوْ خَاطَهُ سَرَاوِيلَ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْقَبَاءِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْهَيْئَةِ وَقِيلَ يُخَيَّرُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِوُجُودِ الِاتِّحَادِ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ حَيْثُ السَّتْرُ وَدَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَلِوُجُودِ الْمُوَافَقَةِ فِي نَفْسِ الْخِيَاطَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ نُحَاسًا فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَضْرِبَ لَهُ شَبَهًا مِنْ الْأَوَانِي فَضَرَبَ لَهُ خِلَافَهُ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فَكَذَا هَذَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا ضَمِنَ فِيمَا إذَا حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رحمه الله قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الشُّرُوطِ مِنْ مَبْسُوطِهِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِهِ بِنَفْسِهِ فَحَمَلَهُ عَلَى دَوَابِّهِ أَوْ عَبِيدِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِمْ وَذَهَبَ مَعَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَكَانَ لَهُ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَمْلُ الطَّعَامِ، وَقَدْ أَوْفَاهُ كَمَا الْتَزَمَ وَلَيْسَ هُوَ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّهُ مَا فَارَقَ الطَّعَامَ حِينَ ذَهَبَ مَعَهُ وَلَا أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَ لَهُ طَرِيقًا فَحَمَلَهُ فِي طَرِيقٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَمْلُ الطَّعَامِ إلَى الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ فِي أَيِّ الطَّرِيقِينَ حَمَلَهُ وَإِنْ حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ ضَمِنَهُ إنْ غَرِقَ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَهُ لِلتَّلَفِ فَإِنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ رَاكِبِ الْبَحْرِ أَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ مَعَ مَا مَعَهُ وَإِنْ سَلِمَ فَلَهُ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا آمِنٌ وَالْآخَرُ مَخُوفٌ فَحَمَلَهُ فِي الطَّرِيقِ الْمَخُوفِ فَإِنْ تَلِفَ كَانَ ضَامِنًا وَإِنْ سَلِمَ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ اسْتِحْسَانًا فَكَذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْبَحْرَ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ الْمَخُوفِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُودِعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ فِي طَرِيقِ الْبَحْرِ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا فِي الطَّرِيقِ الْمَخُوفِ. اهـ.

(قَوْلُهُ بِأَنْ يَضْرِبَ لَهُ شَبَهًا) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الشَّبَهُ بِفَتْحَتَيْنِ مَا يُشْبِهُ الذَّهَبَ فِي لَوْنِهِ وَهُوَ نُحَاسٌ أَحْمَرُ يُضَافُ إلَيْهِ أَشْيَاءُ وَيُسْبَكُ مَعَهَا فَيَكْتَسِبُ لَوْنَ الذَّهَبِ وَالشَّبَهُ أَيْضًا وَالشَّبِيهُ مِثْلُ كَرِيمٍ وَالشَّبَهُ مِثْلُ حَمْلِ الْمُشَابِهِ. اهـ

[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

ص: 120

(بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ) قَالَ رحمه الله (يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ الشُّرُوطُ) لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ. أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقَالُ وَتُفْسَخُ فَتُفْسِدُهَا الشُّرُوطُ الَّتِي لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ كَالْبَيْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بِالْعَقْدِ يَكُونُ لَهَا قِيمَةٌ وَتَصِيرُ بِهِ مَالًا فَتُعْتَبَرُ الْإِجَارَةُ بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ مَا سِوَاهَا مِنْ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَأَشْبَاهِهَا قَالَ رحمه الله (وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ كَانَ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ مَعْلُومًا وَبَعْضُهُ غَيْرَ مَعْلُومٍ مِثْلَ أَنْ يُسَمِّيَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ يَسْتَأْجِرَ الدَّارَ أَوْ الْحَمَّامَ عَلَى أُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يُعَمِّرَهَا أَوْ يُرَمِّمَهَا، وَقَالُوا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ سَكَنَهَا أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَقَوِّمَةً عِنْدَهُمَا فَتَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ عِنْدَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ الشُّرُوطُ) أَيْ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُوجَبِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَحَى مَاءٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ مَاؤُهُ فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ فَإِنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ أَنْ لَا يَجِبَ الْأَجْرُ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَكُلُّ شَرْطٍ مُخَالِفٍ لِمُوجَبِ الْعَقْدِ يُفْسِدُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بُنِيَتْ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ فَتَفْسُدُ بِالشَّرْطِ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ يَكُونُ سَبَبًا لِلْمُنَازَعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ لِمَا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ. اهـ. كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ) أَيْ فَكُلُّ مَا أَفْسَدَ الْبَيْعَ أَفْسَدَهَا وَأَرَادَ بِالشُّرُوطِ شُرُوطًا لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ لَا كُلَّ شَرْطٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى بَغْدَادَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْأَجْرَ إذَا رَجَعَ مِنْ بَغْدَادَ صَحَّ، وَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَجْرِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَّا إذَا مَاتَ بِبَغْدَادَ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَجْرَ الذَّهَابِ. وَالشُّرُوطُ الَّتِي تُفْسِدُهَا كَاشْتِرَاطِ تَطْيِينِ الدَّارِ وَمَرَمَّتِهَا أَوْ تَعْلِيقِ بَابٍ عَلَيْهَا أَوْ إدْخَالِ جِذْعٍ فِي سَقْفِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَرْيِ نَهْرٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ ضَرْبِ مُسَنَّاةٍ عَلَيْهَا أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ فِيهَا أَوْ أَنْ يُسَرْقِنَهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ رَدِّ الْأَرْضِ مَكْرُوبَةً، كُلُّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْرِ وَأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَجَهَالَةُ بَعْضِ الْأَجْرِ تُوجِبُ جَهَالَةَ الْبَاقِي فَتَفْسُدُ بِهِ الْإِجَارَةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ إذَا كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مَجْهُولًا فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي أَجْرِهِ أَوْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ فِي الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَكُلُّ جَهَالَةٍ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَتُفْسِدُهُ مِنْ جِهَةِ الْجَهَالَةِ فَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْإِجَارَةِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله مَعَ حَذْفِ كَلَامٍ فِي الْبَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقَالُ) مِنْ الْإِقَالَةِ لَا مِنْ الْقَوْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ مِثْلَ أَنْ يُسَمِّيَ دَابَّةً) مِثَالٌ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يَسْتَأْجِرَ الدَّارَ) مِثَالٌ لِجَهَالَةِ بَعْضِ الْأُجْرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالُوا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله فِي الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي تُفْسِدُ الْإِجَارَةَ وَاَلَّتِي لَا تُفْسِدُ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ وَحْدَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي السُّكْنَى فَسُكْنَى غَيْرِهِ لَا يَضُرُّ بِالدَّارِ وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي هَذَا الشَّرْطِ وَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُلْبَسَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ شَرْطًا يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُشْتَرِي فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَوَّلِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ مِمَّا لَا يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقَابِضُ وَحْدَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ سَكَنَهَا أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ) فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْإِجَارَةِ هُنَا لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ عَدَمُ السُّكْنَى لَا لِعَدَمِ تَسْمِيَةِ الْأُجْرَةِ وَكَلَامُ الْوَلْوَالِجِيِّ السَّابِقُ وَغَيْرِهِ يُفْصِحُ بِذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله مَا نَصُّهُ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ يَنْزِلَهَا هُوَ وَأَهْلُهُ عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا وَيُعْطِيَ أَجْرَ حَارِسِهَا أَوْ نَوَائِبِهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا فِيمَا سَكَنَ بَالِغًا مَا بَلَغَ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّ ثَمَّةَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ الْمُسَمَّى مَعْلُومُ الْقَدْرِ فَأَمْكَنَنَا تَقْدِيرُ الْقِيمَةِ بِهَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْقِيمَةِ لِلْمَنَافِعِ ثَبَتَ بِالتَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ تَقْدِيرُهَا بِالتَّسْمِيَةِ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ، أَمَّا هَاهُنَا بَعْضُ الْمُسَمَّى مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْعِمَارَةِ وَإِلَى الْحَارِسِ وَلَمْ تَقَعْ نَائِبَةٌ لَا يَدْرِي أَيَّ قَدْرٍ يُعْطِيهِ فَكَانَ بَعْضُ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْقِيمَةِ لِجَمِيعِ الْمُسَمَّى فَتَجِبُ قِيمَتُهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا لَوْ كَانَ جَمِيعُ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا اهـ فَقَوْلُ الْوَلْوَالِجِيِّ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ إلَخْ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ بَالِغًا مَا بَلَغَ اهـ.

(فَرْعٌ) وَفِي الْحَاصِلِ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ عِنْدَنَا وَأَحْمَدَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ كَالصَّحِيحِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَيْئًا ثُمَّ آجَرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَقِيلَ يَجُوزُ فِي الْعَقَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ آجَرَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَيَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ الثَّانِيَةُ أَكْثَرَ لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ عِنْدَنَا وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَحْمَدَ، فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ يَطِيبُ لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَقُلْنَا هَذَا رِبْحٌ مَا لَمْ يَضْمَنْ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يُوجَدَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ جِهَةِ الْآجِرِ، وَفِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ يَجِبُ الْأَجْرُ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُوجَدَ فِي الْمُدَّةِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَقْدُ وَتَمَامُهُ فِي مِنْ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ) أَيْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي الْكُلِّ) لَهُمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ فَتُعْتَبَرُ بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ

ص: 121

تَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى كَمَا فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ وَكَمَا إذَا كَانَ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْأَجْرِ أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْإِحْرَازِ وَمَا لَا بَقَاءَ لَهُ لَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ فَلَا يَتَقَوَّمُ وَإِنَّمَا تَقَوَّمَتْ بِالْعَقْدِ شَرْعًا لِلضَّرُورَةِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَإِذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ الْأُجْرَةُ لِعَدَمِ الْعَقْدِ وَالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْهَا كَافٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَاسِدِ مِنْهَا إلَّا أَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ كُلِّ عَقْدٍ مُلْحَقٌ بِصَحِيحِهِ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لَهُ وَكَانَتْ الضَّرُورَةُ بَاقِيَةً مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَهْتَدِي إلَى الصَّحِيحِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إلْحَاقِهَا بِهِ فَيَكُونُ لَهَا قِيمَةٌ فِي قَدْرِ مَا وُجِدَ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَقْدِ وَهُوَ قَدْرُ الْمُسَمَّى فَيَجِبُ فِي الْمُسَمَّى بَالِغًا مَا بَلَغَ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى لَمْ يُوجَدْ فِيهِ عَقْدٌ وَلَا شُبْهَتُهُ فَلَا يَتَقَوَّمُ وَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ بِنَفْسِهِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا نِهَايَةَ لِلْمَجْهُولِ وَلَا لِغَيْرِ الْمُسَمَّى فَيَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ آجَرَ دَارًا كُلُّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ فِي شَهْرٍ فَقَطْ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْكُلَّ) لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مَجْهُولٍ وَأَفْرَادُهُ مَعْلُومَةٌ انْصَرَفَ إلَى الْوَاحِدِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا وَفَسَدَ الْبَاقِي لِلْجَهَالَةِ كَمَا إذَا بَاعَ صُبْرَةً مِنْ طَعَامٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَهُمَا وَافَقَاهُ فِي الشُّهُورِ وَأَجَازَا الْعَقْدَ فِي الْكُلِّ فِي الصُّبْرَةِ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الشُّهُورَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَلَا يُمْكِنُ رَفْعُ الْجَهَالَةِ فِيهَا وَالصُّبْرَةُ مُتَنَاهِيَةٌ فَتَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ بِالْكَيْلِ فَلِهَذَا أَجَازَاهُ فِي الْكُلِّ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ الْمُخَالِفَ لِلدَّلِيلِ لَا يُعْتَبَرُ ثُمَّ إذَا تَمَّ الشَّهْرُ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُ الْإِجَارَةِ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا إلَّا بِحَضْرَةِ الْآخَرِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله يَجُوزُ كَأَنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْفَسْخِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ وَبِتَسْمِيَتِهِ جُمْلَةَ الشُّهُورِ تَصِيرُ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً فَتَصِحُّ قَالَ رحمه الله (وَكُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ أَوَّلَهُ سَاعَةً)(صَحَّ فِيهِ) لِأَنَّهُ صَارَ مَعْلُومًا فَتَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ بِتَرَاضِيهِمَا فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا الِامْتِنَاعُ عَنْ الْمُضِيِّ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ وَيَوْمِهَا وَبِهِ يُفْتَى لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ السَّاعَةِ حَرَجًا عَظِيمًا وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْفَسْخُ فِي رَأْسِ الشُّهُورِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَيَوْمِهَا عُرْفًا أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَ فُلَانٍ رَأْسَ الشَّهْرِ فَقَضَاهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي يُهَلُّ فِيهَا الْهِلَالُ وَفِي يَوْمِهَا لَمْ يَحْنَثْ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ فَسَخَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَمْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَفِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ إذَا فَسَدَتْ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَذَا فِي بَيْعِ الْمَنَافِعِ وَهُوَ الْإِجَارَةُ إذَا فَسَدَ يُعْتَبَرُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِنَفْسِهَا) أَيْ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا بَقَاءَ لَهَا فَكَمَا تُوجَدُ تَتَلَاشَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَقَوَّمَتْ بِالْعَقْدِ شَرْعًا إلَخْ) وَإِذَا لَمْ تَتَقَوَّمْ فِي أَنْفُسِهَا وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا قُوِّمَ الْعَقْدُ بِهِ وَسَقَطَ مَا زَادَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِإِسْقَاطِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لَهُ) وَالتَّبَعُ يَثْبُتُ بِحَسَبِ ثُبُوتِ الْأَصْلِ وَهَذَا لِأَنَّ الْفَاسِدَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ لَمْ يُوجَدْ) أَيْ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ يَجِبُ الْمُسَمَّى لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ فَقَدْ أَسْقَطَا الزِّيَادَةَ وَالْإِسْقَاطُ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِ التَّسْمِيَةِ لَكِنْ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِهَا لِرِضَاهُ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ وَعَدَمِ تَقَوُّمِ الْمَنَافِعِ فِي نَفْسِهَا فَلَمْ يَظْهَرْ التَّقَوُّمُ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا نَقَصَ أَجْرُ الْمِثْلِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ) أَيْ بَيْعًا فَاسِدًا. اهـ.

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ إلَخْ) هَكَذَا ذَكَرُوهُ فِي كُلِّ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِحُكْمِ سَنَةٍ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي نَفَقَاتِ الْخَانِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِشْهَادِ حَيْثُ قَالَ امْرَأَةٌ قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي أَبَدًا مَا كُنْت امْرَأَتَك إنْ لَمْ يَكُنْ فَرَضَ الْقَاضِي عَلَيْهِ النَّفَقَةَ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بَاطِلَةً؛ لِأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي فَرَضَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ لِكُلِّ شَهْرٍ كَذَا فَقَالَتْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي أَبَدًا مَا كُنْت امْرَأَتَك صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ لَا غَيْرُ فَلَوْ أَبْرَأَتْهُ بَعْدَ مُضِيِّ أَشْهُرٍ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ عَمَّا مَضَى دُونَ مَا بَقِيَ كَمَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا أَوْ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا فَمَضَى بَعْضُ السَّنَةِ أَوْ بَعْضُ الشَّهْرِ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَعَنْ السَّنَةِ الْأُولَى. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ صَحَّ فِي شَهْرٍ فَقَطْ) أَيْ وَفَسَدَ فِي الْبَاقِي. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ) أَيْ جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ اهـ.

(قَوْلُهُ وَأَفْرَادُهُ مَعْلُومَةٌ) وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ صِفَةَ الْعَامَّةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إجْرَاؤُهَا عَلَى الْعُمُومِ يُرَادُ بِهِ أَخَصُّ الْخُصُوصِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا) فَإِنْ قِيلَ كَمَا أَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ مَعْلُومٌ فَكَذَلِكَ الشَّهْرُ الثَّانِي مَعْلُومٌ فَلِمَ خَصَّصْتُمْ الْأَوَّلَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ؟ قُلْنَا إنَّمَا اُخْتُصَّ الْأَوَّلُ لِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْهُ وَحُصُولُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الشُّهُورِ حَتَّى إذَا سَكَنَ سَاعَةً مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ أَيْضًا وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ مِثْلُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فَتَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ) فَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الدَّارِ حَلَفَ أَنْ يُؤَجِّرَهَا فَتَرَكَهَا فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ وَصَارَ يَتَقَاضَى الْأُجْرَةَ آخِرَ كُلِّ شَهْرٍ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ فَلَا يَكُونُ آجِرًا، وَلَوْ طَلَبَ أُجْرَةَ شَهْرٍ لَمْ يَسْكُنْهُ بَعْدُ يَحْنَثُ. اهـ. فَتَاوَى الطَّبَرِيِّ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ)؛ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي يُهَلُّ فِيهَا الْهِلَالُ فَإِذَا أُهِلَّ مَضَى رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْوَاقِعَاتِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْجَائِزَةِ بِعَلَامَةِ السِّينِ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُفْسَخَ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَإِنَّ خِيَارَ الْفَسْخِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَأَوَّلُ الشَّهْرِ هَذَا.

ص: 122

يَنْفَسِخْ وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِهِ إذَا خَرَجَ الشَّهْرُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَوْقِيفُهُ إلَى وَقْتٍ يَمْلِكُ فِيهِ الْفَسْخَ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ مُحَمَّدٌ أَبُو نَصِيرِ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ، وَلَوْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَسَخْت رَأْسَ الشَّهْرِ يَنْفَسِخُ إذَا أَهَلَّ الشَّهْرُ بِلَا شُبْهَةٍ فَيَكُونُ فَسْخًا مُضَافًا إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ يَصِحُّ مُضَافًا فَكَذَا فَسْخُهُ، وَلَوْ قَدَّمَ أُجْرَةَ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ فَلَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ فِي قَدْرِ الْمُعَجَّلِ أُجْرَتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّقْدِيمِ زَالَتْ الْجَهَالَةُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ فَيَكُونُ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا سَنَةً صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ أُجْرَةَ كُلِّ شَهْرٍ) يَعْنِي بَعْدَ مَا سَمَّى الْأُجْرَةَ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً بِبَيَانِ الْمُدَّةِ وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةٌ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَ قِسْطَ كُلِّ شَهْرٍ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ شَهْرًا وَلَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ كُلِّ يَوْمٍ فَإِذَا صَحَّ وَجَبَ أَنْ تُقَسَّمَ الْأُجْرَةُ عَلَى الْأَشْهُرِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتُ الْأَسْعَارِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ قَالَ رحمه الله (وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ وَقْتُ الْعَقْدِ) يَعْنِي ابْتِدَاءَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ وَفِي مِثْلِهِ يَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ الَّذِي يَلِي الْعَقْدَ كَالْأَجَلِ وَالْيَمِينِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا شَهْرًا أَوْ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَقِيبَهُ لِمُدَّتِهَا لَصَارَ مُنْكَرًا مَجْهُولًا وَبِهِ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَقْصِدَ الصَّحِيحَ فَتَعَيَّنَ عَقِيبَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ ابْتِدَاؤُهُ عَقِيبَ الْيَمِينِ وَلَا عَقِيبَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ فِي حَقِّهِ لَيْسَتْ بِسَوَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي اللَّيْلِ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِيهِ إلَّا بِالْعَزِيمَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَقِيبَ السَّبَبِ.

هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ تَعَيَّنَ ذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ كَانَ حِينَ يُهَلُّ تُعْتَبَرُ الْأَهِلَّةُ وَإِلَّا فَالْأَيَّامُ) يَعْنِي إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ حِينَ يُهَلُّ الشَّهْرُ أَوْ كَانَ أَوَّلُهَا بِالتَّعْيِينِ كَذَلِكَ تُعْتَبَرُ شُهُورُ الْمُدَّةِ بِالْأَهِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلُهَا بَعْدَ مَا مَضَى شَيْءٌ مِنْ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْعَدَدِ وَهُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله إذَا كَانَ ابْتِدَاؤُهَا فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ وَيُكَمَّلُ مِنْ الْأَخِيرِ وَيُعْتَبَرُ الْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْأَهِلَّةَ هِيَ الْأَصْلُ فِي الشُّهُورِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 189] وَالْأَيَّامُ بَدَلٌ عَنْ الْأَهِلَّةِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ الْهِلَالُ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَلَا يُصَارُ إلَى الْبَدَلِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَصْلِ وَلَا تَعَذُّرَ إلَّا فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الْأَخِيرِ فَيُكَمَّلُ، وَبَقِيَ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ وَلَهُ أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِالْهِلَالِ تَعَذَّرَ الْبَاقِي أَيْضًا بِالْأَهِلَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ يَجِبُ تَكْمِيلُهُ مِمَّا يَلِيهِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَجَمِيعُ الْأَشْهُرِ الَّتِي بَعْدَهُ قَبْلَ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُحَالٌ، فَإِذَا كَمُلَ مِنْ الثَّانِي انْتَقَصَ الْآخَرُ فَوَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الَّذِي يَلِيهِ، وَكَذَا كُلُّ شَهْرٍ إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ بِالْأَيَّامِ ضَرُورَةً وَنَظِيرُهُ الْعِدَّةُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الطَّلَاقِ.

قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «دَخَلَ الْحَمَّامَ فِي الْجُحْفَةِ» وَلِتَعَارُفِ النَّاسِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَرِهَ الْحَمَّامَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ قَالَ قَدِمْت عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَسَأَلَنِي عَنْ مَالِي فَأَخْبَرْته أَنَّ لِي غِلْمَانًا وَحَمَّامًا لَهُ غَلَّةٌ فَكَرِهَ لِي غَلَّةَ الْحَجَّامِينَ وَغَلَّةَ الْحَمَّامِ، وَقَالَ إنَّهُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَرَّ بَيْتٍ فَإِنَّهُ تُكْشَفُ فِيهِ الْعَوْرَاتُ وَتُصَبُّ فِيهِ الْغُسَالَاتُ وَالنَّجَاسَاتُ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ حَمَّامِ الرِّجَالِ وَحَمَّامِ النِّسَاءِ فَقَالُوا يُكْرَهُ اتِّخَاذُ حَمَّامِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ مَمْنُوعَاتٌ عَنْ الْخُرُوجِ، وَقَدْ أُمِرْنَ بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ فَاجْتِمَاعُهُنَّ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ الْفِتَنِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نِسَاءً دَخَلْنَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالَتْ أَنْتُنَّ مِنْ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ وَأَمَرَتْ بِإِخْرَاجِهِنَّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِبِنَاءِ الْحَمَّامَاتِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَحْتَجْنَ إلَيْهِ لِلِاغْتِسَالِ مِثْلَ الرِّجَالِ بَلْ حَاجَتُهُنَّ أَكْثَرُ لِكَثْرَةِ أَسْبَابِ الِاغْتِسَالِ فِي حَقِّهِنَّ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجَنَابَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْبَارِدِ قَدْ يَضُرُّ، وَقَدْ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيعَابِ بِهِ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ مَقْصُودٌ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ وَكَرَاهَةُ عُثْمَانَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَإِنْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ) أَيْ كَمَا إذَا آجَرَ دَارِهِ فِي رَمَضَانَ رَجُلًا وَهُمَا فِي رَجَبٍ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ غُرَّةِ رَمَضَانَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ كَانَ حِينَ يُهَلُّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ يُبْصَرُ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ بِقَوْلِهِ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الشَّهْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ بَلْ هُوَ أَوَّلُ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَجُوزُ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ وَعَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ جَمِيعًا قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ هَلَّ الْهِلَالُ وَأُهِلَّ وَدَفَعَ الْأَصْمَعِيُّ هَلَّ وَقَالَ لَا يُقَالُ إلَّا أُهِلَّ وَأَهْلَلْنَا نَحْنُ إذَا رَأَيْنَا الْهِلَالَ اهـ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا) أَيْ فَالسَّنَةُ ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا اهـ وَلْيُعْلَمْ أَنِّي قَدْ كَتَبْت حَاشِيَةً نَافِعَةً مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْكَنْزِ فِي أَوَّلِ بَابِ الطَّلَاقِ وَفُرِّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ فَلْتُرَاجَعْ فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ الْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ) أَيْ فَيَكُونُ عِنْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ، وَالشَّهْرُ الْوَاحِدُ بِالْأَيَّامِ. اهـ.

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ) أَيْ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ يَدْفَعُونَ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ، وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْمَاءِ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ وَلَا مِقْدَارُ الْقُعُودِ فَدَلَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ لِوُرُودِهِ عَلَى إتْلَافِ الْعَيْنِ مَعَ الْجَهَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

ص: 123

وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي إلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ.

قَالَ رحمه الله (وَالْحَجَّامِ) أَيْ جَازَ أَخْذُ أَجْرِ الْحِجَامَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام احْتَجَمَ وَأَعْطَى أُجْرَتَهُ» وَلِأَنَّهُ جَرَى التَّعَارُفُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِنَا هَذَا فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا عَمَلِيًّا، وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ لَا يَحِلُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى عَنْ عَسْبِ التَّيْسِ وَكَسْبِ الْحَجَّامِ وَقَفِيزِ الطَّحَّانِ» قُلْنَا هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «قَالَ لَهُ رَجُلٌ إنَّ لِي عِيَالًا وَغُلَامًا حَجَّامًا أَفَأُطْعِمُ عِيَالِي مِنْ كَسْبِهِ قَالَ نَعَمْ» .

قَالَ رحمه الله (لَا أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبُ التَّيْسِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ» وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِحْبَالُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ أَخْذُ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ الْمَاءِ وَهُوَ نَجَسٌ مَهِينٌ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ.

قَالَ رحمه الله (الْأَذَانِ وَالْحَجِّ وَالْإِمَامَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ وَكَوْنُهُ عِبَادَةً لَا يُنَافِي ذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَالْفِقْهِ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ وَعَهِدَ عليه الصلاة والسلام إلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَإِنْ اُتُّخِذْت مُؤَذِّنًا فَلَا تَأْخُذْ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا» وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ مَتَى وَقَعَتْ كَانَتْ لِلْعَامِلِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْرَ عَلَى عَمَلٍ وَقَعَ لَهُ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُعَلِّمُ إلَّا بِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الْمُتَعَلِّمِ فَيَكُونُ مُلْتَزِمًا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَالْفِقْهِ فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْأَجِيرُ، وَكَذَا الْأَجْرُ يَكُونُ لِلْآمِرِ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَنْهُ نِيَابَةً، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْمَأْمُورِ فِيهِمَا بَلْ أَهْلِيَّةُ الْآمِرِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكَافِرَ فِيهِمَا وَلَا يَجُوزُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكَافِرَ عَلَيْهِ جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمَ وَمَا لَا فَلَا.

قَالَ رحمه الله (وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ وَقَالُوا بَنَى أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ الْجَوَابَ عَلَى مَا شَاهَدُوا مِنْ قِلَّةِ الْحُفَّاظِ وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيهِمْ وَكَانَ لَهُمْ عَطِيَّاتٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَافْتِقَادٌ مِنْ الْمُتَعَلِّمِينَ فِي مُجَازَاةِ الْإِحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ مُرُوءَةٍ يُعِينُونَهُمْ عَلَى مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ وَكَانُوا يُفْتُونَ بِوُجُوبِ التَّعْلِيمِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ الْقُرْآنِ وَتَحْرِيضًا عَلَى التَّعْلِيمِ حَتَّى يَنْهَضُوا لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ فَيَكْثُرَ حُفَّاظُ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَذَهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَاشْتَغَلَ الْحُفَّاظُ بِمَعَاشِهِمْ وَقَلَّ مَنْ يَعْلَمُ حِسْبَةً وَلَا يَتَفَرَّغُونَ لَهُ أَيْضًا فَإِنَّ حَاجَتَهُمْ تَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَجَّامِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْحَجَّامُ فَلِمَا رُوِيَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُسْنَدًا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى الْحَجَّامَ» ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ كَرَاهِيَةٌ لَمْ يُعْطِهِ وَفِي رِوَايَةِ السُّنَنِ، وَلَوْ عَلِمَهُ خَبِيثًا لَمْ يُعْطِ، وَحَدَّثَ صَاحِبُ السُّنَنِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَالتِّجَارَةِ مُسْنِدًا إلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ» وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ أُبِيحَ اسْتِيفَاؤُهُ فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ فَإِنْ قُلْت حَدَّثَ صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ» فَمَا الْجَوَابُ عَنْهُ؟ قُلْت لَا شَكَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ فَلَوْ كَانَ خَبِيثًا لَمْ يُعْطِهِ الْأَجْرَ فَيُحْمَلُ حَدِيثُ الْخُبْثِ عَلَى الْكَرَاهَةِ طَبْعًا مِنْ حَيْثُ الْمَرْأَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُبْثِ وَالدَّنَاءَةِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ إنَّ رَاوِيَهُ لَيْسَ كَابْنِ عَبَّاسٍ فِي الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ وَالْفِقْهِ فَلَا يُعَارِضُ الْحَدِيثُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَيُعْمَلُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ دُونَهُ. اهـ.

. (قَوْلُهُ إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبُ التَّيْسِ) الْمُرَادُ مِنْهُ اسْتِئْجَارُ التَّيْسِ لِيُنْزِيَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ النَّزْوُ إلَّا بِنَشَاطِ التَّيْسِ وَلَيْسَ فِي يَدِ الْعَبْدِ إحْدَاثُ النَّشَاطِ فَكَانَ اسْتِئْجَارًا عَلَى عَمَلٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ الْمُؤَجَّرُ اهـ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَفِيهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ. عَسْبُ الْفَحْلِ مَاؤُهُ فَرَسًا كَانَ أَوْ بَعِيرًا أَوْ غَيْرَهُمَا وَعَسْبُهُ أَيْضًا ضِرَابُهُ يُقَالُ عَسَبَ الْفَحْلُ النَّاقَةَ يَعْسِبُهَا عَسْبًا وَلَمْ يَنْهَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّهْيَ عَنْ الْكِرَاءِ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَيْهِ فَإِنْ إعَارَةَ الْفَحْلِ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَمِنْ حَقِّهَا إطْرَاقُ فَحْلِهَا وَوَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ كِرَاءِ عَسْبِ الْفَحْلِ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَقِيلَ يُقَالُ لِكِرَاءِ الْفَحْلِ عَسْبٌ وَعَسَبَ فَحْلَهُ يَعْسِبُهُ أَيْ أَكْرَاهُ وَعَسَبْت الرَّجُلَ إذَا أَعْطَيْته كِرَاءَ ضِرَابِ فَحْلِهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِلْجَهَالَةِ الَّتِي فِيهِ وَلَا بُدَّ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ تَعْيِينِ الْعَمَلِ وَمَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُ فِي كُلِّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ) أَيْ حَتَّى لَوْ تَعَيَّنَ بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُفْتِي وَاحِدًا لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ بِالْإِجْمَاعِ وَبِقَوْلِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْهُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو قِلَابَةَ وَنَصُّ أَحْمَدَ مِثْلُ قَوْلِنَا، وَبِقَوْلِنَا قَالَ عَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَسَنُ وَابْنِ سِيرِينَ وَطَاوُسٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَلَّ مَنْ يَعْلَمُ حِسْبَةً) وَذَكَرَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى: الِاسْتِئْجَارُ لِتَعْلِيمِ الْفِقْهِ لَا يَجُوزُ كَالِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي وَفِي الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْحِرَفِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ يَجُوزُ وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ لَا يَجُوزُ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ مَشَايِخَ بَلْخٍ اخْتَارُوا قَوْلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْمُعَلِّمِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَنَحْنُ أَيْضًا نُفْتِي بِالْجَوَازِ. إلَى هُنَا لَفْظُ التَّتِمَّةِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيُعَلِّمَ غُلَامَهُ أَوْ وَلَدَهُ شِعْرًا أَوْ أَدَبًا أَوْ حِرْفَةً

ص: 124

الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِ ذَلِكَ لِذَلِكَ وَرَأَوْهُ حَسَنًا، وَقَالُوا الْأَحْكَامُ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ. أَلَا تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَخْرُجْنَ إلَى الْجَمَاعَاتِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه حَتَّى مَنَعَهُنَّ عُمَرُ رضي الله عنه وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَقُولُ يَجِبُ الْأَجْرُ وَيُحْبَسُ عَلَيْهَا، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُفْتَى بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ أَيْضًا فِي زَمَانِنَا ثُمَّ قَالَ وَفِي رَوْضَةِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ كَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ الْخَيْزَاخَزِيُّ يَقُولُ فِي زَمَانِنَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْمُعَلِّمِ أَخْذُ الْأَجْرِ قَالَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْمَلَاهِي) لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحِقُّ هُوَ عَلَى الْأَجِيرِ شَيْئًا إذْ الْمُبَادَلَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِاسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ لِلْمَعْصِيَةِ لَكَانَ ذَلِكَ مُضَافًا إلَى الشَّارِعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرَعَ عَقْدًا مُوجِبًا لِلْمَعْصِيَةِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَلِأَنَّ الْأَجِيرَ وَالْمُسْتَأْجِرَ مُشْتَرَكَانِ فِي مَنْفَعَةِ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ وَاقِعَةً عَلَى عَمَلٍ هُوَ فِيهِ شَرِيكٌ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَقَبَضَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَفِي الْمُحِيطِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ الْمَالَ عَنْ طَوْعٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ رَجُلًا لِيَقْتُلَ لَهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رحمه الله، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْقَاضِي رَجُلًا لِيَقُومَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيُقِيمَ الْحُدُودَ جَازَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ جَازَ.

قَالَ رحمه الله (وَفَسَدَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ)

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

مِثْلَ الْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا فَالْكُلُّ سَوَاءٌ إنَّ بَيَّنَ الْمُدَّةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ شَهْرًا لِيُعَلِّمَهُ هَذَا الْعَمَلَ يَجُوزُ وَيَصِحُّ وَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ عَلَى الْمُدَّةِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ تَعَلَّمَ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّمْ إذَا سَلَّمَ الْأُسْتَاذُ نَفْسَهُ لِذَلِكَ، أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ فَيَنْعَقِدُ لَكِنْ فَاسِدًا حَتَّى لَوْ عَلَّمَ اسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا تَعْلِيمُ سَائِرِ الْأَعْمَالِ كَالْخَطِّ وَالْهِجَاءِ وَالْحِسَابِ عَلَى هَذَا، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُحَذِّقَهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ التَّحْذِيقَ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُعَلِّمِ وَالْحَذَاقَةُ لِمَعْنًى فِي الْمُتَعَلِّمِ دُونَ الْمُعَلِّمِ وَلِأَنَّ الْحَذَاقَةَ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ تَنْتَهِي إلَيْهِ فَكَانَ مَجْهُولًا جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ عَبْدُ اللَّهِ الْخَيْزَاخَزِيُّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ تَحْتِهَا وَفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْأَلِفِ وَفَتْحِ الْخَاء الثَّانِيَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ الثَّانِيَةِ نِسْبَةً إلَى قَرْيَةِ خَيْزَاخَزَ مِنْ قُرَى بُخَارَى. اهـ. جَوَاهِرُ

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ وَشَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَلَا عَلَى الْحِدَاءِ وَقِرَاءَةِ الشِّعْرِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا أَجْرَ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَلَهْوٌ وَلَعِبٌ وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْمَعَاصِي وَاللَّعِبِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَقَدْ حَدَّثَ صَاحِبُ السُّنَنِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا سَلَامُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ شَيْخٍ شَهِدَ أَبَا وَائِلٍ فِي وَلِيمَةٍ فَجَعَلُوا يُغَنُّونَ فَحَلَّ أَبُو وَائِلٍ حَبْوَتَهُ وَقَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ» اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَلَاهِي) كَالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ وَغَيْرِهِمَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ، أَمَّا الِاسْتِئْجَارُ لِكَاتِبٍ يَكْتُبُ لَهُ غِنَاءً وَنَوْحًا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ وَلِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْخَمْرِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ كَالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ وَالطَّبْلُ إنَّمَا يَكُونُ مَنْهِيًّا إذَا كَانَ لِلَّهْوِ أَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَطَبْلِ الْغُزَاةِ وَطَبْلِ الْعُرْسِ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ الْعُرْسِ دُفٌّ يُضْرَبُ بِهِ لِيُشْهَرَ ذَلِكَ وَيُعْلَنَ بِهِ النِّكَاحُ وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي كِتَابِ الْكَرَاهَةِ مِنْ فَتَاوَاهُ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَضْرِبَ لَهُ الطَّبْلَ إنْ كَانَ لِلَّهْوِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَإِنْ كَانَ لِلْغَزْوِ أَوْ الْقَافِلَةِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَسَدَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ) قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ رحمه الله قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ نَصَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا آجَرَ بَعْضَ مِلْكِهِ أَوْ آجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ فَاسِدٌ سَوَاءٌ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ. قُلْت صَحَّحَ فِي الْحَقَائِقِ أَنَّهُ فَاسِدٌ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضٍ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَهُوَ فِي نَظْمِ الْخِلَافِيَّاتِ وَقَالَ الْقَاضِي إجَارَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ فَاسِدَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِنْ آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ جَازَ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَوْ مِنْ ثَالِثٍ لَا يَجُوزُ فِي الْأَظْهَرِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَفِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ وَالْوَقْفِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى وَفِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ فِي الْحَقَائِقِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاعْتَمَدَهُ النَّسَفِيُّ وَبُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ الْمَحْبُوبِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلزَّيْلَعِيِّ وَفِي الْمُغْنِي إنَّ الْفَتْوَى الْيَوْمَ فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا. قُلْت شَاذٌّ مَجْهُولُ الْقَائِلِ فَلَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرْنَا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَفَسَدَ إلَخْ مَا نَصُّهُ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ إجَارَةَ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ وَلَمْ يُجَوِّزْ رَهْنَ الْمَشَاعِ وَلَا هِبَةَ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ. قُلْت إنَّهُمَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْقَبْضُ، وَالْإِشَاعَةُ تُؤَثِّرُ فِي الْقَبْضِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ صِحَّتَهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 125

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ بَيَانِ نَصِيبِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ نَصِيبَهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّحِيحِ لَهُمَا أَنَّ لِلْمَشَاعِ مَنْفَعَةً وَتَسْلِيمَهُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ أَوْ بِالتَّهَايُؤِ، وَلِهَذَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عِنْدَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ وَكَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ بِأَنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ وَكَالْعَارِيَّةِ وَهِيَ أَقْرَبُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةُ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا إلَّا أَنَّهَا بِلَا عِوَضٍ فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَمَا جَازَا عَارِيَّةً، فَإِذَا جَازَتْ إعَارَتُهُ فَأَوْلَى أَنْ تَجُوزَ إجَارَتُهُ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الشَّائِعِ فِي مَنْعِ التَّبَرُّعِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِهِ فِي مَنْعِ الْمُعَاوَضَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ هِبَةَ الشَّائِعِ لَا تَجُوزُ وَبَيْعُهُ يَجُوزُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِجَارَةِ الِانْتِفَاعُ وَالِانْتِفَاعُ بِالْمَشَاعِ لَا يُمْكِنُ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَسْلِيمُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الْمِلْكُ وَهُوَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَأَمْكَنَ فِيهِ فَيَجُوزُ وَالِانْتِفَاعُ حِسِّيٌّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ بَيَانِ نَصِيبِهِ) الْمَذْكُورُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَدَائِعِ جَوَازُ إجَارَةِ النَّصِيبِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُسْتَأْجِرُ اهـ (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ لِلْمَشَاعِ مَنْفَعَةً) وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ جَوَازِهَا إقَامَةُ الْعَيْنِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فَصَارَتْ كَبَيْعِ الْعَيْنِ ثُمَّ بَيْعُ الْعَيْنِ يَصِحُّ فِي الشَّائِعِ وَغَيْرِهِ فَكَذَا بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ وَلِأَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي يُبْطِلُهَا الشُّيُوعُ يَسْتَوِي فِيهَا الشَّرِيكُ وَغَيْرُ الشَّرِيكِ كَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ حَتَّى لَوْ رَهَنَ الْمَشَاعَ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ غَيْرِ شَرِيكِهِ لَا يَجُوزُ فَهَا هُنَا لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ إجَارَةَ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ جَائِزَةٌ ثَبَتَ أَنَّ الشُّيُوعَ لَا يُبْطِلُ الْإِجَارَةَ فَوَجَبَ أَنْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ مَشَاعًا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الشَّرِيكِ وَكَمَا إذَا آجَرَ دَارِهِ مِنْ اثْنَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(فُرُوعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَفِيمَا لَا يُقْسَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ شَرِيكًا فِي الْعَقَارِ فَيَسْتَأْجِرُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ أَوْ شُرَكَائِهِ كُلَّهُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رَجُلَيْنِ آجَرَا دَارًا لَهُمَا مِنْ رَجُلٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَجِّرِينَ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِهِ، وَالْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ صَحِيحَةٌ عَلَى حَالِهَا وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ عَقَارٍ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَلَا مِنْ أَرْضٍ جَرِيبًا أَوْ جَرِيبَيْنِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إجَارَةُ الْمَشَاعِ مِنْ شَرِيكِهِ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ وَبَيْعُ الْمَشَاعِ يَجُوزُ مِنْ شَرِيكِهِ وَمِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَرَهْنُ الْمَشَاعِ مِنْ شَرِيكِهِ وَمِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا يَجُوزُ

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ، وَهِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ جَائِزَةٌ وَفِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجُوزُ وَفَرْضُ الْمَشَاعِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا وَقْفُ الْمَشَاعِ فَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى الْوَقْفَ مَشَاعًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ الْوَقْفُ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقْفُ الْمَشَاعِ جَائِزٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَاطِلٌ، وَلَوْ آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ مَشَاعًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ إذَا وَهَبَ دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ الْعَقْدُ مَتَى حَصَلَ فِي غَيْرِ الْمَشَاعِ فَاعْتَرَضَ الشُّيُوعُ فِي الْبَعْضِ لَا يَبْطُلُ بِهِ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ لَمْ تُنْقَضْ الْإِجَارَةُ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ، وَإِنْ بَقِيَتْ مَشَاعًا، وَكَذَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ ثُمَّ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ فِي حَقِّهِ وَبَقِيَ فِي الْحَيِّ كَمَا كَانَ جَائِزًا. إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَقَدْ صَرَّحَ أَنَّ إجَارَةَ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقُدُورِيَّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي اخْتِلَافِ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ الَّذِي رَوَاهُ مَا يُوجِبُ أَنْ لَا تَصِحَّ إجَارَةُ الْمَشَاعِ ثُمَّ قَالَ وَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فَقَالَ وَأَمَّا إجَارَةُ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ فَقَدْ رَوَى زُفَرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ لَا يَجُوزُ مَعَ الشَّرِيكِ كَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ، وَقَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْقِسْمَةِ كَالدَّارِ وَغَيْرِهَا أَوْ غَيْرَ مُحْتَمِلٍ كَالدَّابَّةِ وَنَحْوِهَا

وَقَالَ صَاحِبَاهُ وَالشَّافِعِيُّ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْمُسَمَّى عِنْدَ التَّسْلِيمِ وَالِانْتِفَاعُ عِنْدَهُ لَا يَجِبُ وَعِنْدَهُمْ يَجِبُ، وَهَلْ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؟ رحمه الله فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا عَوَّلُوا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَالُوا إنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ وَبَعْضُهُمْ عَوَّلُوا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَالُوا إنَّهَا فَاسِدَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْعَالِمِ فِي طَرِيقَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَقَرْضُ الْمَشَاعِ جَائِزُ الْإِجْمَاعِ مَرَّ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ قَرْضُ الْمَشَاعِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَشَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ آجَرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَكُلُّ عَقْدٍ لَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ فِيهِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَفْسُدُ كَإِجَارَةِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِجَارَةِ الْأَرْضِ السَّبْخَةِ الَّتِي لَا تُنْبِتُ لِلزِّرَاعَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ الشَّائِعَ وَإِنْ كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِالتَّهَايُؤِ

وَالتَّهَايُؤُ حُكْمٌ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى حُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِجَوَازِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ يَسْبِقُهُ أَوْ يَقْتَرِنُ بِهِ وَحُكْمُ الْعَقْدِ يَعْقُبُهُ فَلَا يَصِحُّ إجَارَةُ الْمَشَاعِ إذَنْ لِئَلَّا تَنْقَلِبَ الْحَقِيقَةُ وَلِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ وَهِيَ قِسْمَةُ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ عَقْدٌ فِي نَفْسِهِ فَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ وَذَلِكَ فَاسِدٌ فَتَفْسُدُ بِهِ الْإِجَارَةُ وَلِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِالنِّصْفِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ إلَّا بِالِانْتِفَاعِ بِالنِّصْفِ الَّذِي لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ فَصَارَ كَرَجُلٍ آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلٍ وَاشْتَرَطَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِدَارٍ أُخْرَى لِلْمُؤَاجِرِ فَذَاكَ فَاسِدٌ فَكَذَا هَذَا اهـ أَتْقَانِيٌّ.

ص: 126

فَلَا يُمْكِنُ بِمَشَاعٍ فَيَبْطُلُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ دُونَ إجَارَتِهِ لِمَا قُلْنَا وَالتَّخْلِيَةُ اُعْتُبِرَتْ تَسْلِيمًا فِي مَحَلٍّ يُتَمَكَّنُ وَفِي الْمَشَاعِ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَا مِنْ الْقَبْضِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ تَسْلِيمًا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّهَايُؤِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ حُكْمًا لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْقِسْمَةِ بَعْدَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ يَعْقُبُهُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ يَسْبِقُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِثُبُوتِ كَوْنِهِ حُكْمًا فَفَسَدَ بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَهُ مِنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ لَا شُيُوعَ فِي حَقِّهِ إذْ الْكُلُّ فِي يَدِهِ غَيْرَ أَنَّ النِّصْفَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْحَاجَةِ.

عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَتَنَاوَلُهَا الْعَقْدُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِغَيْرِهَا وَهُوَ مَنْفَعَةُ نَصِيبِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَحَدَ زَوْجَيْ الْمِقْرَاضِ لِقَرْضِ الثِّيَابِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أُضِيفَ إلَى الْكُلِّ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ وَإِنَّمَا الشُّيُوعُ يَظْهَرُ حُكْمًا لِتَفَرُّقِ الْمِلْكِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ طَارِئٌ، وَكَذَا إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي نَصِيبِ الْمَيِّتِ وَبَقِيَ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ شَائِعًا وَهُوَ طَارِئٌ فَلَا يَضُرُّ كَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ فِي الْهِبَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشُّيُوعَ إنَّمَا كَانَ مُفْسِدًا لِكَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ الْقَبْضِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَالْعَارِيَّةَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ وَعِنْدَ التَّسْلِيمِ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِجَمِيعِهِ لِوُجُودِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ وَصَارَ كُلُّهُ عَارِيَّةً فَلَا شُيُوعَ وَالْحِيلَةُ فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكُلَّ ثُمَّ يَفْسَخَ فِي النِّصْفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يَفْسُدُ كَمَا فِي الْهِبَةِ أَوْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِجَوَازِهِ وَفِي الْمُغْنِي الْفَتْوَى فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا.

قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ وَهُوَ اللَّبَنُ فَصَارَ كَاسْتِئْجَارِ الْبَقَرَةِ أَوْ الشَّاةِ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا أَوْ الْبُسْتَانِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَقَدْ جَرَى التَّعَامُلُ بِهِ فِي الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ بَلْ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ حَضَانَةُ الصَّبِيِّ وَتَلْقِيمُهُ ثَدْيَهَا وَخِدْمَتُهُ وَتَرْبِيَتُهُ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ وَإِنَّمَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إذَا أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ الشَّاةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِالْوَاجِبِ وَهُوَ الْإِرْضَاعُ وَتَلْقِيمُهُ ثَدْيَهَا وَالْعَيْنُ قَدْ تَدْخُلُ تَبَعًا لِلْمَنْفَعَةِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ لَهُ الثَّوْبَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَدْخُلُ الصَّبْغُ فِيهِ تَبَعًا وَالْعَقْدُ وَارِدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ فِعْلُ الصِّبَاغَةِ لَا عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِ الْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ عَقْدَ الْإِجَارَةِ وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ مَقْصُودًا فَافْتَرَقَا وَقِيلَ الْعَقْدُ يَرِدُ عَلَى اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ لِقِيَامِ مَصَالِحِ الصَّبِيِّ بِهِ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الثَّدْيِ وَمَنْفَعَةُ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله فَإِنَّهُ قَالَ اسْتِحْقَاقُ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ

وَجَوَازُ بَيْعِ لَبَنِ الْأَنْعَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَلِهَذَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ الشَّاةِ فِي الْمُدَّةِ لَا تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْجَوَابَ عَمَّا إذَا أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ الْأَنْعَامِ قَالَ رحمه الله (وَبِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مَجْهُولَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِهِمَا لِلطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَلَهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْأَظْآرِ شَفَقَةً عَلَى الْأَوْلَادِ وَلَا يُشَاحِحُهَا بَلْ يُعْطِيهَا مَا طَلَبَتْ وَيُوَافِقُهَا عَلَى مُرَادِهَا، وَالْجَهَالَةُ إذَا لَمْ تُفِضْ إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةِ طَعَامٍ بِخِلَافِ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِجَرَيَانِ الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ فِيهَا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ شَرَطَتْ طَعَامَهَا وَكِسْوَتَهَا عِنْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَشَرَطَتْ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً عِنْدَ الْفِطَامِ وَلَمْ تُضِفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَازَ اسْتِحْسَانًا مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنْ سَمَّى الطَّعَامَ دَرَاهِمَ وَوَصَفَ جِنْسَ الْكِسْوَةِ وَأَجَلَهَا وَذَرْعَهَا جَازَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ بُطْلَانَ الْعَقْدِ فِي الْجَمِيعِ يَعْنِي فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ وَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ كَمَوْتِ أَحَدِ الْمُؤَجِّرَيْنِ أَوْ أَحَدِ الْمُسْتَأْجَرِينَ وَغَيْرِ الطَّارِئِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُفْسِدَ فِي الِابْتِدَاءِ وُجُوبُ الْمُهَايَأَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الثَّانِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ الْفَتْوَى فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا) بَلْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَفَسَدَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ فَلْتُرَاجَعْ. اهـ.

. (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْعَقْدُ يَرِدُ عَلَى اللَّبَنِ) أَيْ وَالْخِدْمَةُ تَبَعُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ، وَإِنْ حَصَلَتْ الْخِدْمَةُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا) أَيْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ لَهَا الْوَسَطُ مِنْهُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوَسَطُ إذَا لَمْ يُوصَفْ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ إذَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا وَجَبَ الْوَسَطُ مِنْهُ كَالْمَهْرِ وَالدِّيَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ الظِّئْرَ عَلَى طَعَامِهَا وَكَسَوْتهَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ جَازَ وَيَكُونُ لَهَا الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ الظِّئْرَ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا قَالَ جَائِزٌ أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَيَعْقُوبُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ سَمَّى الطَّعَامَ دَرَاهِمَ وَسَمَّى الْكِسْوَةَ فَوَصَفَ جِنْسَهَا وَضَرْبَهَا وَأَجَلَهَا وَذَرْعَهَا فَهُوَ جَائِزٌ. إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَنْ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ مَانِعَةٌ مِنْ الصِّحَّةِ كَمَا فِي سَائِرِ عُقُودِ الْإِجَارَاتِ وَالْمُعَاوَضَاتِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ) أَيْ لَيْسَتْ بِمَانِعَةٍ لِذَاتِهَا بَلْ لِكَوْنِهَا مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْجَهَالَةِ غَايَةٌ

ص: 127

أَيْ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَالُوا مَعْنَى تَسْمِيَةِ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَدْفَعَ الطَّعَامَ مَكَانَهُ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنْ سَمَّى بَدَلَ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ حَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ لَكِنْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ أَعْطَى بَدَلَ الدَّرَاهِمِ طَعَامًا، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ سَمَّى بَدَلَ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ لَا غَيْرُ، وَلَوْ سَمَّى الطَّعَامَ وَبَيَّنَ قَدْرَهُ وَوَصْفَهُ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَأْجِيلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ الْمَوْصُوفَةَ فِي الذِّمَّةِ أَثْمَانٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا بَلْ يَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه خِلَافًا لَهُمَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي السَّلَمِ وَفِي الْكِسْوَةِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْأَجَلِ أَيْضًا مَعَ بَيَانِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا سَلَمًا فَيُشْتَرَطُ فِيهَا شَرَائِطُ السَّلَمِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا) لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ إبْطَالِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الزَّوْجُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ يَشِينُهُ إجَارَتُهَا بِأَنْ كَانَ وَجِيهًا بَيْنَ النَّاسِ أَوْ لَمْ يَشِنْهُ فِي الْأَصَحِّ لِمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَأَنْ يَمْنَعَ الصَّبِيَّ الدُّخُولَ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَالسَّهَرَ بِاللَّيْلِ يُضْعِفُهَا وَيُذْهِبُ جَمَالَهَا فَكَانَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ، كَمَا يَمْنَعُهَا مِنْ الصِّيَامِ تَطَوُّعًا لَكِنْ إذَا ثَبَتَتْ الزَّوْجِيَّةُ بِإِقْرَارِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَنْكُوحَةُ الْمَجْهُولَةُ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ تَصِيرُ رَقِيقًا وَلَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ بُطْلَانِ النِّكَاحِ وَلَكِنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْعُ زَوْجِهَا مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ لَهُ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ مَرِضَتْ أَوْ حَبِلَتْ)(فَسَخَتْ) أَيْ إذَا حَبِلَتْ الْمُرْضِعَةُ أَوْ مَرِضَتْ تَفْسَخُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْحُبْلَى وَالْمَرِيضَةِ يَضُرُّ بِالصَّغِيرِ وَهِيَ يَضُرُّهَا أَيْضًا الرَّضَاعُ فَكَانَ لَهَا وَلَهُمْ الْخِيَارُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا وَعَنْ الصَّبِيِّ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ وَالْإِجَارَةُ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ، وَكَذَا لَوْ تَقَيَّأَ لَبَنَهَا لِأَهْلِهِ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ سَارِقَةً؛ لِأَنَّهُمْ يَخَافُونَ عَلَى مَتَاعِهِمْ وَعَلَى حُلِيِّ الصَّبِيِّ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ فَاجِرَةً بَائِنًا فُجُورُهَا؛ لِأَنَّهَا تَشْتَغِلُ عَنْهُ بِالْفُجُورِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً؛ لِأَنَّ كُفْرَهَا فِي اعْتِقَادِهَا وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِالصَّبِيِّ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ عَيْبُ الْفُجُورِ فِي هَذَا فَوْقَ عَيْبِ الْكُفْرِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ فِي نِسَاءِ بَعْضِ الرُّسُلِ كَامْرَأَتَيْ نُوحٍ وَلُوطٍ عليهما السلام وَمَا بَلَغَتْ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ هَكَذَا قَالَ عليه الصلاة والسلام، وَكَذَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَهَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ وَلِلظِّئْرِ أَيْضًا أَنْ تَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إذَا كَانَ يَحْصُلُ لَهَا الْأَذَى مِنْهُمْ، وَكَذَا إذَا لَمْ تَجْرِ لَهَا عَادَةٌ بِإِرْضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَا لَا تَعْرِفُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ مَا تُبْلَى بِهِ مِنْ الْمُقَاسَاةِ وَالسَّهَرِ، فَإِذَا جَرَّبَتْ ذَلِكَ وَعَرَفَتْ أَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ، وَكَذَا إذَا عَيَّرُوهَا بِهِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهِ عَلَى مَا قِيلَ: تَجُوعُ الْحُرَّةِ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيِهَا، وَلَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَوْ الظِّئْرُ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَوْ مَاتَ أَبُو الصَّبِيِّ لَا تُنْتَقَضُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَاقِعَةٌ لِلصَّبِيِّ لَا لِلْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ تَجِبُ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِهِ إذْ هِيَ كَالنَّفَقَةِ، وَلَوْ سَافَرَتْ الظِّئْرُ أَوْ أَهْلُ الصَّبِيِّ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ إلَّا إذَا خَرَجَ الْآخَرُ مَعَهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ لِأَنَّ لَهُ حَمْلًا وَمُؤْنَةً اهـ غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ وَفِي الْكِسْوَةِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْأَجَلِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْكِسْوَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْأَجَلِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ ثَمَنًا بِكُلِّ حَالٍ

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ رحمه الله فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ رَضِيَ بِالْإِجَارَةِ فَأَرَادُوا مَنْعَهُ مِنْ غَشَيَانِهَا مَخَافَةَ الْحَبَلِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَرَرٌ مَوْهُومٌ وَالْمَنْعُ مِنْ الْوَطْءِ ضَرَرٌ مُحَقَّقٌ وَتَحَمُّلُ الضُّرِّ النَّاجِزِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مَوْهُومٍ أَمْرٌ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْعُ زَوْجِهَا مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ) فَإِنْ لَقِيَهَا فِي مَنْزِلِهِ فَلَهُ غَشَيَانُهَا وَلَا يَسَعُ الظِّئْرَ أَنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا وَلَا يَسَعُ أَهْلَ الصَّبِيِّ أَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْ ذَلِكَ. اهـ. غَايَةٌ

. (قَوْلُهُ إذَا حَبِلَتْ الْمُرْضِعَةُ أَوْ مَرِضَتْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَيْسَ لِلظِّئْرِ وَلَا لِلْمُسْتَرْضِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ وَلَهُمْ الْخِيَارُ) أَيْ لِأَهْلِ الصَّبِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ فَاجِرَةً) أَيْ زَانِيَةً اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَشْتَغِلُ عَنْهُ بِالْفُجُورِ) أَيْ عَنْ حِفْظِ الصَّبِيِّ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ عَيْبُ الْفُجُورِ إلَخْ) قَالَ فِي التَّيْسِيرِ وقَوْله تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} [التحريم: 10] أَيْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْكَافِرِينَ تَنْبِيهًا أَنَّهُمْ لَا يَنْفَعُهُمْ الْوَصْلَةُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَفِيهِ نَوْعُ تَنْبِيهٍ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ وَصْلَتَهُنَّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا تُغْنِيهِنَّ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا إذَا عَصَيْنَ وَخَالَفْنَ الْأَمْرَ وقَوْله تَعَالَى {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ} [التحريم: 10] أَيْ فِي نِكَاحِ عَبْدَيْنِ صَالِحَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا اسْتَصْلَحْنَاهُمْ الِلنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ {فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم: 10] أَيْ فِي الدِّينِ أَيْ كَفَرَتَا وَلَمْ يُسْلِمَا وَلَمْ يَنْصَحَا لِلرَّسُولَيْنِ بِالْمُسَاعِدَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقِيلَ كَانَتَا مُنَافِقَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَخَانَتَاهُمَا بِالنِّفَاقِ وَلَمْ تَفْجُرْ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا لَمْ تَجْرِ لَهَا عَادَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَا يَسَعُ الظِّئْرَ أَنْ تُطْعِمَ أَحَدًا مِنْ طَعَامِهِمْ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهَا حَقُّ الْأَكْلِ دُونَ الْإِطْعَامِ فَإِنْ زَارَهَا أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهَا فَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ الْكَيْنُونَةِ عِنْدَهَا، وَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْ الزِّيَارَةِ إذَا كَانَتْ تَضُرُّ بِالصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهَا تُخِلُّ بِإِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ، وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ فَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهَا؛ لِأَنَّ صِلَةَ الْأَقَارِبِ وَاجِبَةٌ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا خَرَجَ الْآخَرُ مَعَهُ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْبِسُوا الظِّئْرَ فِي مَنْزِلِهِمْ إذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ عَلَيْهَا وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ إلَى مَنْزِلِهَا وَهِيَ مَأْمُونَةٌ عَلَيْهِ وَفِيمَا عَلَيْهِ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ كِسْوَةٍ إنْ سُرِقَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ تَضْمَنْهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

ص: 128

قَالَ رحمه الله (وَعَلَيْهَا إصْلَاحُ طَعَامِ الصَّبِيِّ)؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الصَّبِيِّ وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَهَذَا مِنْهُ عُرْفًا وَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَغَسْلُ ثِيَابِهِ مِنْهُ وَالطَّعَامُ وَالثِّيَابُ عَلَى الْوَالِدِ وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رحمه الله مِنْ أَنَّ الدُّهْنَ وَالرَّيْحَانَ عَلَى الظِّئْرِ فَهُوَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ.

قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ) لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِالْعَمَلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا وَهُوَ الْإِرْضَاعُ، وَهَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ وَهُوَ غَيْرُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَأْجَرَ شَاةً لِتُرْضِعَ جَدْيًا أَوْ صَبِيًّا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لِلَبَنِ الْبَهَائِمِ قِيمَةً فَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ وَلَيْسَ لِلَبَنِ الْمَرْأَةِ قِيمَةٌ فَلَا تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَقَعُ عَلَى فِعْلِ الْإِرْضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ وَالْحَضَانَةِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ دَفَعَ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ بِنِصْفِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ طَعَامَهُ بِقَفِيزٍ مِنْهُ أَوْ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ)؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ جَعَلَ الْأَجْرَ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَلَيْهَا إصْلَاحُ طَعَامِ الصَّبِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْكَرْخِيِّ فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَأْكُلُ الطَّعَامَ فَلَيْسَ عَلَى الظِّئْرِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ الطَّعَامَ وَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى أَهْلِهِ وَعَلَيْهَا أَنْ تُهَيِّئَهُ لَهُ. اهـ.

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ ظِئْرًا تُرْضِعُ صَبِيًّا فِي بَيْتِهَا فَجَعَلَتْ تُوجِرُهُ بِلَبَنِ الْغَنَمِ وَتَغْذُوهُ بِكُلِّ مَا يُصْلِحُهُ حَتَّى اسْتَكْمَلَ الْحَوْلَيْنِ وَلَهَا لَبَنٌ لَمْ تُرْضِعْهُ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَوْ لَيْسَ لَهَا لَبَنٌ فَلَا أَجْرَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْضِعْهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِرْضَاعَ مَا يَقَعُ بِلَبَنِ الْآدَمِيِّ وَمَا وَرَاءَهُ يَكُونُ إطْعَامًا وَلَا يَكُونُ إرْضَاعًا فَلَمْ تَأْتِ بِالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهَا فَلَا تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ، فَإِنْ جَحَدَتْ ذَلِكَ، وَقَالَتْ أَرْضَعْته فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَبْقَى إلَّا إذَا أُرْضِعَ بِلَبَنِ الْآدَمِيِّ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَيُؤْخَذُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى، وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ أُخِذَتْ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَتْ لَهُ ظِئْرًا، فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ كَانَ مِثْلَ هَذَا فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْأَجْرُ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إرْضَاعُهَا، وَقَدْ فُقِدَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْإِرْضَاعِ فَإِذَا أَتَتْ بِهِ بِنَفْسِهَا أَوْ بِنَائِبِهَا تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كَمَا فِي الْخِيَاطَةِ وَأَشْبَاهِهَا وَتَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ زِيَادَةً لَا عَلَى عَمَلٍ مِنْهَا. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَقَعُ عَلَى فِعْلِ الْإِرْضَاعِ إلَخْ) قَالَ شَيْخِي صَاحِبُ النِّهَايَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ غَيْرَ مُسَلَّمٍ عَنْ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ، فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ ضَاعَ الصَّبِيُّ فِي يَدِهَا أَوْ وَقَعَ فَمَاتَ أَوْ سُرِقَ مِنْ حُلِيِّ الصَّغِيرِ أَوْ مِنْ مَتَاعِهِ أَوْ ثِيَابِهِ فِي يَدِهَا لَمْ تَضْمَنْ الظِّئْرُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ لِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِهَا فِي الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُضَمِّنُهُ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ آجَرَتْ الظِّئْرُ نَفْسَهَا مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ تُرْضِعُ صَبِيًّا لَهُمْ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَهْلُهَا الْأَوَّلُونَ حَتَّى يَفْسَخُوهَا فَأَرْضَعَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفَرَغَتْ فَقَدْ أَثِمَتْ وَهَذِهِ جِنَايَةٌ مِنْهَا وَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ الْأَجْرُ كَامِلًا، وَلَوْ وَجَبَ الْأَجْرُ كَامِلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَأْثَمَ قُلْنَا الْوَجْهُ أَنَّ أَجِيرَ الْوَحَدِ فِي الرَّضَاعِ يُشْبِهُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُمْكِنُهُ إيفَاءُ الْعَمَلِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْخَيَّاطِ ثُمَّ لَوْ كَانَتْ أَجِيرَ وَحَدٍ حَقِيقَةً لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ كَامِلًا فَلِشَبَهِهَا بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ كَامِلًا وَلِشَبَهِهَا بِأَجِيرِ الْوَحَدِ تَأْثَمُ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخِي صَاحِبُ النِّهَايَةِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الظِّئْرُ إذَا اُسْتُؤْجِرَتْ لِلرَّضَاعِ هَلْ هِيَ أَجِيرٌ وَحَدٌ أَوْ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ؟ تَكَلَّمَ الْمَشَايِخُ فِيهَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي الَّذِي هُوَ مَبْسُوطُهُ وَالْمَسَائِلُ مُتَعَارِضَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ بَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي مَعْنَى أَجِيرِ الْوَحَدِ وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ دُفِعَ الْوَلَدُ إلَيْهَا لِتُرْضِعَهُ فَهِيَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ، وَإِنْ حَمَلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ فَهِيَ أَجِيرٌ وَحَدٌ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالظِّئْرُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ الْأَوَّلِينَ. اهـ.

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ دَفَعَ) بِلَا ضَمِيرٍ كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ، وَلَوْ دَفَعَهُ بِالضَّمِيرِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ دَفَعَ غَزْلًا إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ غَزْلًا إلَى حَائِكٍ يَحُوكُهُ ثَوْبًا عَلَى النِّصْفِ قَالَ هَذَا بَاطِلٌ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلٍ وَالثَّوْبُ لِصَاحِبِ الْغَزْلِ. إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ حِمَارًا أَوْ رَجُلًا يَحْمِلُ طَعَامًا بِقَفِيزٍ مِنْهُ مَحْمُولًا، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ طَحَّانًا يَطْحَنُ طَعَامًا بِقَفِيزِ دَقِيقٍ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَكَانَ مَشَايِخُ بَلْخٍ يُجِيزُونَ ذَلِكَ مِثْلَ نَصِيرِ بْنِ يَحْيَى وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى رَجُلٌ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَنْسِجَ لَهُ ثَوْبًا وَبَيَّنَ صِفَتَهُ عَلَى أَنَّ ثُلُثَهُ أَوْ رُبْعَهُ لِلْحَائِكِ أَجْرًا لِعَمَلِهِ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ رحمه الله يُفْتِي بِجَوَازِهِ بِنَسَفَ بِحُكْمِ الْعُرْفِ قَالَ وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحَرْثِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ إبْرَاهِيمُ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الثَّوْبَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَنَحْوِهِ، أَمَّا فَسَادُ الْإِجَارَةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَلِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَ الْأَجْرَ شَيْئًا مَعْدُومًا وَمَا هُوَ بَعْضُ الثَّوْبِ وَبَعْضُ الطَّعَامِ الْمَحْمُولِ وَالْأَجْرُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا فَكَانَ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَدْفَعَ حِنْطَةً إلَى طَحَّانٍ يَطْحَنُهَا بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقٍ هَذِهِ الْحِنْطَةُ، وَقَدْ رَوَيْنَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ كِتَابِ الْآثَارِ مُسْنَدًا إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «مَرَّ بِحَائِطٍ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ لِمَنْ هَذَا فَقَالَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَأْجَرْته فَقَالَ لَا تَسْتَأْجِرْهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ» .

وَالثَّانِي أَنَّ الْعَمَلَ لِحُكْمِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ إنْ صَادَفَتْ مَحَلًّا غَيْرَ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الِابْتِدَاءِ فَفِي

ص: 129

وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ لَهُ حِنْطَةً بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا يُعْرَفُ بِهِ فَسَادُ جِنْسِهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْأَجْرِ لِأَنَّهُ بَعْضُ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ بِغَيْرِهِ فَلَا يُعَدُّ قَادِرًا فَفَسَدَ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَجْرَ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِعَمَلِ الْأَجِيرِ الْعَمَلَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَتَكُونُ الْقُدْرَةُ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الْعَقْدِ قَائِمَةً بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَتَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْعَقْدِ وَالشَّرْطُ لَا يَصْلُحُ حُكْمًا فَكَذَا لَا يَصْلُحُ قَائِمًا بِهِ، فَإِذَا نَسَجَ أَوْ حَمَلَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ نِصْفَ هَذَا الطَّعَامِ بِنِصْفِهِ الْآخَرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ لِأَنَّ الْأَجِيرَ فِيهِ مَلَكَ النِّصْفَ فِي الْحَالِّ بِالتَّعْجِيلِ فَصَارَ الطَّعَامُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِّ وَمَنْ حَمَلَ طَعَامًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ إلَّا وَيَقَعُ بَعْضُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ هَكَذَا قَالُوا، وَفِيهِ إشْكَالَانِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ وَالْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِالصَّحِيحَةِ مِنْهَا بِالْعَقْدِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فَكَيْفَ مَلَكَهُ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَمِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّعْجِيلِ.

وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ مَلَكَهُ فِي الْحَالِّ قَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ يُنَافِي فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إذَا مَلَكَهُ إلَّا بِطَرِيقِ الْأُجْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ وَبِأَيِّ سَبَبٍ يَمْلِكُهُ وَكَانَ مَشَايِخُ بَلْخٍ وَالنَّسَفِيُّ يُجِيزُونَ حَمْلَ الطَّعَامِ بِبَعْضِ الْمَحْمُولِ وَنَسْجَ الثَّوْبِ بِبَعْضِ الْمَنْسُوجِ لِتَعَامُلِ أَهْلِ بِلَادِهِمْ بِذَلِكَ، وَقَالُوا مَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ إنَّمَا لَمْ يُجَوِّزْهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَارُفِ، وَلَئِنْ قُلْنَا إنَّ النَّصَّ يَتَنَاوَلُهُ دَلَالَةً فَالنَّصُّ يَخْتَصُّ بِالتَّعَامُلِ أَلَا نَرَى أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ تُرِكَ الْقِيَاسُ فِيهِ وَخُصَّ عَنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ بِالتَّعَامُلِ وَمَشَايِخُنَا رحمهم الله لَمْ يُجَوِّزُوا هَذَا التَّخْصِيصَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَامُلُ أَهْلِ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ لَا يُخَصُّ الْأَثَرُ بِخِلَافِ الِاسْتِصْنَاعِ فَإِنَّ التَّعَامُلَ بِهِ جَرَى فِي كُلِّ الْبِلَادِ وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ وَيُخَصُّ الْأَثَرُ، وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ قَفِيزًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ مِنْ الْمَحْمُولِ أَوْ مِنْ الْمَطْحُونِ فَيَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ يُعْطِيه مِنْهُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى مَا جَعَلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَحْمُولَ كُلَّهُ لِنَفْسِهِ وَشَرَطَ لَهُ الْأَجْرَ مِنْ الْمَحْمُولِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، فَإِذَا عَمِلَ الْأَجِيرُ اسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْمَذْكُورَةِ وَمَتَى مَا جَعَلَ الْمَحْمُولَ بَعْضَهُ لَهُ وَالْبَعْضَ الْبَاقِيَ أُجْرَةً بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ

وَإِنْ حَمَلَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّهُ مَلَكهُ بِالْعَقْدِ وَفِي الْأَوَّلِ لَمْ يَمْلِكْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِي الثَّالِثِ وَهُوَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الِانْتِهَاءِ صَادَفَتْ مَحَلًّا مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ إذَا عَمِلَ صَارَ شَرِيكًا، وَلَوْ وَقَعَ الْعَمَلُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فِي مَحَلٍّ مُشْتَرَكٍ كَمَا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَمْلِ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ لِطَحْنِ حِنْطَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّحَّانِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ أَصْلًا حَتَّى لَا يَجِبَ الْأَجْرُ فَإِذَا صَادَفَ مَحَلًّا غَيْرَ مُشْتَرَكٍ ابْتِدَاءً وَمُشْتَرَكًا انْتِهَاءً لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ وَيَمْتَنِعُ وَصْفُ الصِّحَّةِ ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ كَانَ لِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِعَمَلِهِ مَجَّانًا فَإِذَا سَلَّمَ عَمَلَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْمُسَمَّى كَانَ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَكِنْ لَا يُجَاوِزُ بِهِ قِيمَةَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ رَضِيَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الزِّيَادَةَ، وَفِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لَا يُزَادُ عَلَى قِيمَةِ الْمُسَمَّى إلَّا إذَا كَانَ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى بِأَنْ سَمَّى الْأَجْرَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا فَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَكَذَا إذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْأَجِيرِ كَمَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا وَيُؤَدِّيَ نَوَائِبَهَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، فَإِنْ لَمْ يَعْمُرْهَا الْمُسْتَأْجِرُ، وَلَمْ يُؤَدِّ نَوَائِبَهَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُسَمَّى، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ لَا تَسْكُنَهَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْإِجَارَةُ، فَإِنْ سَكَنَهَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ، وَهَذَا أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى جَهَالَةِ الْمُسَمَّى فِي الْحَقِيقَةِ. كَذَا قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ، وَإِنَّمَا كَانَ الثَّوْبُ لِصَاحِبِ الْغَزْلِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْأَصْلِ وَأَمَّا مَشَايِخُ بَلْخٍ فَإِنَّمَا جَوَّزُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوا بِذَلِكَ حَيْثُ احْتَاجُوا إلَيْهِ وَوَجَدُوا لَهُ نَظِيرًا وَهُوَ الْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا يُعْرَفُ بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ يُعْرَفُ بِهِ فَسَادُ كَثِيرٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ جَعْلُ الْأَجْرِ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ أَصْلٌ عَظِيمٌ يُعْرَفُ بِهِ حُكْمُ كَثِيرٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْصِرَ لَهُ قَفِيزَ سِمْسِمٍ بِمَنٍّ مِنْ دُهْنِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا دَفَعَ أَرْضَهُ لِيَغْرِسَ شَجَرًا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ وَالشَّجَرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الشَّجَرِ وَأَجْرُ مَا عَمِلَ كَذَا فِي الشَّامِلِ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَغْزِلَ هَذَا الْقُطْنَ أَوْ هَذَا الصُّوفَ بِرِطْلٍ مِنْ غَزْلِهِ، وَعَلَى هَذَا اجْتِنَاءُ الْقُطْنِ بِالنِّصْفِ وَدِيَاسُ الدُّخْنِ بِالنِّصْفِ وَحَصَادُ الْحِنْطَةِ بِالنِّصْفِ وَنَحْوُ ذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ اهـ.

(قَوْلُهُ فَكَيْفَ مَلَكَهُ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ) الْفَرْضُ أَنَّهُ وُجِدَ التَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْحَمْلِ وُجِدَ التَّسْلِيمُ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ رحمه الله. (قَوْلُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ مَلَكَهُ فِي الْحَالِ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالنَّسَفِيُّ) هُوَ أَبُو عَلِيٍّ أُسْتَاذُ الْحَلْوَانِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ قَفِيزًا مُطْلَقًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ قَفِيزِ الطَّحَّانِ أَنْ يَشْتَرِطَ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ قَفِيزًا مِنْ الدَّقِيقِ الْجَيِّدِ وَلَا يَقُولُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُضَافًا إلَى حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ إذَا طَحَنَ يُعْطِيهِ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ مِنْ الدَّقِيقِ إنْ شَاءَ فَيَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الثَّالِثِ وَهُوَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ رَجُلًا يَعْمَلُ لَهُ عَمَلًا مَعْلُومًا الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ بِدِرْهَمٍ خَيَّاطَةً أَوْ صِبَاغَةً أَوْ خُبْزًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُجِيزُهَا اسْتِحْسَانًا وَنَجْعَلُ الْإِجَارَةَ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْيَوْمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ وَالْحَصْرِ

ص: 130

يُوجِبُ كَوْنَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ هِيَ الْمَنْفَعَةُ وَذِكْرُ الْعَمَلِ مَعَ تَقْدِيرِ الدَّقِيقِ يُوجِبُ كَوْنَ الْعَمَلِ هُوَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَنَفْعُ الْمُسْتَأْجَرِ فِي وُقُوعِهَا عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ لِكَوْنِهِ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا، وَنَفْعُ الْأَجِيرِ فِي وُقُوعِهَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ فَفَسَدَ الْعَقْدُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله

وَقَالَا إنَّ الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ ذَكَرَ قَوْلَهُمَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْيَوْمِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُ نِصْفَ النَّهَارِ فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا، وَإِنْ لَمْ يُفْرِغْهُ فِي الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ فَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَيُرَجَّحُ بِكَوْنِ الْعَمَلِ مَقْصُودًا دُونَ الْوَقْتِ وَتَقْدِيرُ الْمَعْمُولِ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْمَنْفَعَةِ لَا تُقَدَّرُ بِالْعَمَلِ، وَإِنَّمَا تُقَدَّرُ بِالْوَقْتِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ إذَا سَمَّى عَمَلًا، وَقَالَ فِي الْيَوْمِ جَازَتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ لَا لِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ فَلَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ وَهُوَ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ مَا إذَا حُذِفَتْ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ

وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي الْغَدِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا مِنْ الدَّقِيقِ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ الْيَوْمَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْيَوْمَ هُنَا لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا لِإِثْبَاتِ صِفَةٍ فِي الْعَمَلِ وَالصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِلْمَوْصُوفِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِالْعَقْدِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ لَمْ تَكُنْ الْكِتَابَةُ وَالْخَبْزُ مَعْقُودًا عَلَيْهِمَا مَقْصُودًا حَتَّى لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ذَكَرَ الْيَوْمَ قَصْدًا كَالْعَمَلِ، وَقَدْ أُضِيفَ الْعَقْدُ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا فِي جَعْلِهِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ لِاخْتِلَافِ أَغْرَاضِ الْمُسْتَأْجِرِينَ وَرَغَبَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْوَقْتِ طَمَعًا فِي زِيَادَةِ الْعَمَلِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْعَمَلِ خَوْفًا مِنْ بَطَالَةِ الْعَامِلِ وَمُضِيِّ الْوَقْتِ بِلَا عَمَلٍ، وَقَدْ تَخْتَلِفُ أَغْرَاضُ الْأُجَرَاءِ أَيْضًا فَمِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْعَمَلِ كَيْ يَفْرُغَ مِنْهُ بِالْعَجَلَةِ وَيَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ أَوْ يَسْتَرِيحَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْوَقْتِ كَيْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَفَسَدَ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا وَيَزْرَعَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا وَيَزْرَعَهَا صَحَّ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْعَقْدِ وَلَا تَتَأَتَّى الزِّرَاعَةُ إلَّا بِالسَّقْيِ وَالْكِرَابِ فَكَانَ الْعَقْدُ مُقْتَضِيًا لَهُ فَلَا يَفْسُدُ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَثْنِيَهَا أَوْ يُكْرِيَ أَنْهَارَهَا أَوْ يُسَرْقِنَهَا أَوْ يَزْرَعَهَا بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى لَا كَإِجَارَةِ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى) لِأَنَّ أَثَرَ التَّثْنِيَةِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ وَالسَّرْقَنَةِ يَبْقَى بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَيَكُونُ فِيهِ نَفْعُ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَهُوَ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَيَفْسُدُ كَالْبَيْعِ وَلِأَنَّ مُؤَجِّرَ الْأَرْضِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا مَنَافِعَ الْأَجِيرِ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى بَعْدَ الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ مُفْسِدٌ أَيْضًا لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ حَتَّى لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِفِعْلِهِ أَثَرٌ بَعْدَ الْمُدَّةِ بِأَنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً أَوْ كَانَ الرِّيعُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ لَا يَفْسُدُ اشْتِرَاطُهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَرَاضِي مَا لَا يَخْرُجُ الرِّيعُ إلَّا بِالْكِرَابِ مِرَارًا وَبِالسَّرْقَنَةِ، وَقَدْ يُحْتَاجُ إلَى كَرْيِ الْجَدَاوِلِ وَلَا يَبْقَى أَثَرُهُ الْقَابِلُ عَادَةً بِخِلَافِ كَرْيِ الْأَنْهَارِ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ يَبْقَى إلَى الْقَابِلِ عَادَةً وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ كَرْيُ الْأَنْهَارِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَتَنَاوَلُ الْأَنْهَارَ الْعِظَامَ دُونَ الْجَدَاوِلِ، وَاسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِيَزْرَعَهَا بِأَرْضٍ أُخْرَى لِيَزْرَعَهَا الْآخَرُ يَكُونُ بَيْعَ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَهُوَ حَرَامٌ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَذَا السُّكْنَى بِالسُّكْنَى أَوْ الرُّكُوبِ بِالرُّكُوبِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ رحمه الله حِينَ كَتَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ لِمَ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ سُكْنَى دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ بِقَوْلِهِ فِي جَوَابِهِ لَهُ فِي الْكِتَابِ إنَّك أَطَلْت الْفِكْرَةَ وَأَصَابَتْك الْحَيْرَةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مِنْ الْكُوفَةِ إلَى بَغْدَادَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَاف اِ هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَالَ اسْتَأْجَرْتُك لِهَذَا الْعَمَلِ هَذَا الْيَوْمَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ قَالَ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَذَا الْيَوْمَ جَعَلَ الْيَوْمَ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ وَإِذَا قَالَ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَمْ يَجْعَلْ الْيَوْمَ مُدَّةً وَلَكِنْ جَعَلَ الْيَوْمَ ظَرْفًا لِهَذَا الْعَمَلِ. اهـ.

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا) كَرَبْت الْأَرْضَ أَكْرُبُهَا كَرْبًا وَكِرَابًا إذَا أَثَرْتهَا لِلزَّرْعِ وَفِي الْمَثَلِ الْكِرَابُ عَلَى الْبَقَرِ أَيْ لَا تُكْرَى الْأَرْضُ إلَّا بِالْبَقَرِ يَعْنُونَ أَنَّ مُمَارَسَةَ كُلِّ أَمْرٍ جُرِّبَ بِآلَتِهِ، وَفِي لَفْظِ الْمَثَلِ خِلَافٌ يُعْرَفُ فِي الْمُسْتَقْصَى وَكَرْيُ النَّهْرِ حَفْرُهُ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَثَرَ التَّثْنِيَةِ وَكَرْيَ الْأَنْهَارِ إلَخْ) وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ مَا كَانَ مُلَائِمًا لِلْعَقْدِ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا لَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَقُولُ إنَّمَا تُسْتَأْجَرُ الْأَرَاضِي لِمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجِرِ خَاصَّةً فَكُلُّ فِعْلٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ خَاصَّةً كَالْكِرَابِ وَالزِّرَاعَةِ وَالسَّقْيِ يَكُونُ مُلَائِمًا لِلْعَقْدِ وَكُلُّ فِعْلٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُؤَجِّرُ خَاصَّةً يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْعَقْدِ مُفْسِدًا لَهُ كَشَرْطِ إبْقَاءِ السِّرْقِينِ وَرَدِّ الْأَرْضِ مَكْرُوبَةً وَهُوَ أَحَدُ تَأْوِيلَيْ التَّثْنِيَةِ وَتَكْرَارِ الْكِرَابِ وَهُوَ التَّأْوِيلُ الْآخَرُ فِي التَّثْنِيَةِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا التَّثْنِيَةُ وَهِيَ أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً عِنْدَ الْبَعْضِ وَأَنْ يَكْرُبَهَا مَرَّتَيْنِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَصَارَ مُفْسِدًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ.

(قَوْلُهُ لِمَ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ سُكْنَى دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ إلَخْ) قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي إجَارَةِ الدَّارِ بِمَنَافِعِ الْحَانُوتِ لَا تَجُوزُ اهـ

ص: 131

وَجَالَسْت الْحِنَّائِيَّ فَكَانَتْ مِنْك زَلَّةٌ، أَمَا عَلِمْت أَنَّ إجَارَةَ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً، وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا جَازَ بِخِلَافِ الْجِنْسِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ الْجِنْسِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْمَنَافِعِ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْقَاعِدَةِ فَقَبْلَ وُجُودِهَا لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْعَقْدُ، فَإِذَا وُجِدَتْ فَقَدْ اُسْتُوْفِيَتْ فَلَمْ يَبْقَ دَيْنًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِيهَا النَّسِيئَةُ؟.

فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ غَيْرُ مُخَلِّصٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِجَارَةَ أُجِيزَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِئْجَارِ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي بِمَا عِنْدَهُ مِنْهَا فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا كَذَلِكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْمَنْفَعَةِ الَّتِي لَيْسَتْ عِنْدَهُ بَاقِيَةٌ، ثُمَّ لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا الْمَنْفَعَةَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْمَنْفَعَةِ بِالتَّسْمِيَةِ وَالْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ الْمُسْتَوْفَى مَنْفَعَةٌ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْأَجْرَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ جُعِلَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَهُ فَيَكُونُ بَيْعَ الْمَوْجُودِ بِالْمَوْجُودِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ طَعَامٍ بَيْنَهُمَا فَلَا أَجْرَ لَهُ كَرَاهِنٍ اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ) أَيْ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ لِحَمْلِ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى وَلَا أَجْرَ الْمِثْلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تَجُوزُ الْإِجَارَةُ وَلَهُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ فَتَجُوزُ فِي الشَّائِعِ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ خُصُوصًا عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَالْعَيْنِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِيَضَعَ فِيهَا الطَّعَامَ أَوْ عَبْدًا مُشْتَرَكًا لِيَخِيطَ لَهُ الثِّيَابَ وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ حَمْلُ النِّصْفِ شَائِعًا وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ فِي الشَّائِعِ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَضُرٌّ بِهَا؛ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ حِسِّيَّانِ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُمَا فِي الشَّائِعِ، وَلَوْ تُصُوِّرَ لَمَا حَرُمَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ فَيُحْتَمَلُ وُرُودُهُ عَلَى الشَّائِعِ وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ أَصْلًا وَلِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ لَهُ وَإِلَّا وَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ فَيَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ يَمْنَعُ تَسْلِيمَ عَمَلِهِ إلَى غَيْرِهِ وَبِدُونِ التَّسْلِيمِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ الْمَنْفَعَةُ وَيَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُهَا بِدُونِ وَضْعِ الطَّعَامِ وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مِلْكُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ، وَبِخِلَافِ إجَارَةِ الْمَشَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله حَيْثُ يَجِبُ فِيهِ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ فِيهِ لِعَجْزٍ عَنْ التَّسْلِيمِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَا لِانْعِدَامِ الِاسْتِيفَاءِ أَصْلًا، فَإِذَا تَحَقَّقَ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَجَبَ الْأَجْرُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَصْلًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَامِلًا لِغَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَقَوْلُهُ كَرَاهِنٍ اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ يَعْنِي لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الشَّرِيكِ هُنَا كَمَا لَا يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ اسْتِئْجَارُ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَالْمُرْتَهِنُ لَيْسَ بِمَالِكٍ حَتَّى يُؤَجِّرَهُ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِجَارَةِ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ وَالْمُرْتَهِنُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَنَافِعِ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا إذْ التَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ مُحَالٌ وَالرَّاهِنُ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالِكٌ لَهُ إذْ الْمِلْكُ هُوَ الْمُطْلَقُ لِلتَّصَرُّفِ إلَّا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْهُ بِسَبَبِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا بَطَلَ حَقُّهُ بِالْإِيجَارِ لَهُ صَارَ مُنْتَفِعًا بِهِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ.

قَالَ رحمه الله (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَزْرَعُهَا أَوْ أَيَّ شَيْءٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَجَالَسْت الْحِنَّائِيَّ) الْحِنَّائِيُّ رَجُلٌ مُتَّهَمٌ فِي دِينِهِ كَذَا نُقِلَ مِنْ حَاشِيَةٍ بِخَطِّ الْأَتْقَانِيِّ رحمه الله اهـ.

(قَوْلُهُ الْحِنَّائِيُّ) اسْمُ رَجُلٍ مُحَدِّثٍ يُنْكِرُ الْخَوْضَ عَلَى ابْنِ سِمَاعَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمُحَمَّدٌ رحمه الله جَعَلَ مُجَالَسَتَهُ إيَّاهُ زَلَّةً هَذَا كُلُّهُ شَطَبَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ الشِّلْبِيُّ رحمه الله بِالْأَحْمَرِ وَهِيَ حَاشِيَةٌ كَتَبَهَا الشَّارِحُ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً) يَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسَاءً إنَّمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ أَحَدَ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا كَافٍ لِحُرْمَةِ النَّسَاءِ وَهُوَ الْجِنْسُ فِي الْقُوهِيِّ فَكَذَا فِي الْمَنَافِعِ إذَا اتَّفَقَتْ وُجِدَ الْجِنْسُ فَيَحْرُمُ النَّسَاءُ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ إلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ، رحمه الله بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُمْلَكُ لِلْحَالِ بَلْ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا فَمَتَى تَحَقَّقَ التَّأْخِيرُ ثَبَتَ مَعْنَى النَّسَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ وَلَهُ الْمُسَمَّى) أَيْ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ فِي مَحَلٍّ هُوَ مِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَقَدْ أَرْضَاهُ الْأَجِيرُ فَيَجِبُ الْأَجْرُ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ فِي الشَّائِعِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَازُ نَصِيبُ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ نَصِيبِ الْعَامِلِ وَكُلُّ جُزْءٍ فَرَضْته فِي الشَّائِعِ فَلِلْعَامِلِ فِيهِ نَصِيبٌ فَيَكُونُ عَامِلًا فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَأْجِرُ إنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ لَهُ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا أَجْرَ لِلْعَامِلِ لِنَفْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يُؤَاجِرُ الْأَرْضَ وَلَمْ يُسَمِّ أَنَّهُ يَزْرَعُ فِيهَا شَيْئًا قَالَ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا أَفْسَدَتْهَا، وَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْأَجْرُ الَّذِي سَمَّى. إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ الْقُدُورِيُّ وَهِيَ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ حَتَّى يُسَمِّيَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَا تُحْتَمَلُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَائِدَةٌ وَهِيَ قَوْلُهُ، وَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْأَجْرُ الَّذِي سَمَّى اهـ أَتْقَانِيٌّ

ص: 132