المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب طلب الشفعة) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٥

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْإِقْرَارِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ)

- ‌(بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ)

- ‌(كِتَابُ الصُّلْحِ)

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ]

- ‌(بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ)

- ‌[فَصْلٌ دَيْنٌ بَيْنَهُمَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ لِشَرِيكِهِ]

- ‌(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ)

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ]

- ‌(كِتَابُ الْوَدِيعَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْعَارِيَّةِ)

- ‌(كِتَابُ الْهِبَةِ)

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)

- ‌[فَصْلٌ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌(بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا)

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌(بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ)

- ‌(بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْمُكَاتَبِ)

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ]

- ‌[ فَصْلٌ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا]

- ‌[بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌{بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى}

- ‌[كِتَابُ الْوَلَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ]

- ‌[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[ فَصْلٌ حُرْمَةُ طَرَفِ الْإِنْسَانِ]

- ‌[إقْرَار الصَّبِيّ وَالْمَجْنُون فِي الْحَجَر]

- ‌[فَصْلٌ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌(فَصْلٌ) غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ

- ‌(كِتَابُ الْغَصْبِ)

- ‌[ فَصْلٌ غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ]

- ‌(كِتَابُ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ)

- ‌(بَابُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ)

- ‌(كِتَابُ الْقِسْمَةِ)

- ‌[مَا تَشْتَمِل عَلَيْهِ الْقِسْمَة]

- ‌[الْإِجْبَار عَلَى الْقِسْمَة]

- ‌(كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ)

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْمُزَارَعَة]

- ‌[مَاتَ الْمَزَارِع قَبْل الزَّرْع]

- ‌(كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ)

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْمُسَاقَاة]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]

- ‌[تفسخ الْمُسَاقَاة بِالْعُذْرِ]

- ‌[التَّسْمِيَة عِنْد الذَّبْح]

- ‌[ مَوْضِع الذَّبْح]

- ‌[حَدّ الشَّفْرَة قَبْل الذَّبْح]

- ‌ النَّخْعُ وَقَطْعُ الرَّأْسِ وَالذَّبْحُ مِنْ الْقَفَا)

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ]

- ‌[أَكُلّ الْأَرْنَب]

- ‌ذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ

- ‌[مَا يَحِلّ مِنْ حَيَوَان الْمَاء]

- ‌[مَا يَحِلّ بِلَا ذكاة]

الفصل: ‌(باب طلب الشفعة)

يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَعَلَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ نَصِيبَهُ لِبَعْضٍ لَا يَصِحُّ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ بِهِ لِإِعْرَاضِهِ وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْبَاقِينَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ.

وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ حَاضِرًا وَالْآخَرُ غَائِبًا فَطَلَبَ الْحَاضِرُ الشُّفْعَةَ فِي النِّصْفِ عَلَى حِسَابِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ فِي النِّصْفِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ وَالْقِسْمَةُ لِلْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا تُرِكَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وُجِدَ الْإِعْرَاضُ فِيهِ فَسَقَطَ فِي الْكُلِّ لِكَوْنِهِ لَا يَتَجَزَّأُ، وَكَذَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فَطَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُمَا، وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْكُلَّ وَالْآخَرُ النِّصْفَ بَطَلَ حَقُّ مَنْ طَلَبَ النِّصْفَ وَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالْبَيْعِ تَتَعَلَّقُ بِتَجِبُ فِي قَوْلِهِ تَجِبُ لِلْخَلِيطِ مَعْنَاهُ تَجِبُ لَهُ الشُّفْعَةُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ أَيْ بَعْدَهُ لَا أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الِاتِّصَالُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالشَّرْطُ رَغْبَةُ الْمَالِكِ عَنْهَا حَتَّى إذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ لِوُجُودِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا، وَقِيلَ الْبَيْعُ هُوَ السَّبَبُ بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ أَسْقَطَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الشِّرَاءِ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ إسْقَاطًا قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ، وَهُوَ الْبَيْعُ، وَلَوْ كَانَ السَّبَبُ الِاتِّصَالَ لَصَحَّ لِكَوْنِهِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ.

وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ الْإِسْقَاطُ قَبْلَهُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ. قَالَ رحمه الله:(وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ)؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لِلِاسْتِقْرَارِ كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ، وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَ كَمَا سُمِعَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ» ؛ وَلِأَنَّ رَغْبَتَهُ فِيهَا بِذَلِكَ تُعْلَمُ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِشْهَادِ.

قَالَ رحمه الله: (وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي) أَيْ تُمْلَكُ الدَّارُ الْمَشْفُوعَةُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي قَدْ تَمَّ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى الشَّفِيعِ إلَّا بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةً عَامَّةً فَيَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فِي ضِمْنِ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَوِلَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَوْقَ وِلَايَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَنَظِيرُهُ الْهِبَةُ لَمَّا تَمَّ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ إلَّا أَنَّ أَخْذَ الشُّفْعَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَحْوَطُ حَتَّى كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْأَخْذِ إذَا سَلَّمَ الْمُشْتَرِي لَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ فِي الْقَضَاءِ زِيَادَةَ فَائِدَةٍ، وَهِيَ صَيْرُورَةُ الْحَادِثَةِ مَعْلُومَةً لِلْقَاضِي وَتَبَيَّنَ سَبَبُ مِلْكِهِ لَهُ فَإِذَا كَانَتْ الْمَشْفُوعَةُ تُمْلَكُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَقَبْلَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا لَا يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمِلْكِ حَتَّى لَا تُورَثُ عَنْهُ إذَا مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ إذَا بَاعَ دَارِهِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا، وَلَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَسْتَحِقُّهَا بِالشُّفْعَةِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فِيهَا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ)

قَالَ رحمه الله: (فَإِنْ عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى الطَّلَبِ ثُمَّ عَلَى الْبَائِعِ لَوْ فِي يَدِهِ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ فَهَذَانِ طَلَبَانِ فَالْأَوَّلُ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَالثَّانِي طَلَبُ التَّقْرِيرِ، وَفِيهِ طَلَبٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى، وَالشَّرْطُ أَنْ يَطْلُبَ كَمَا عَلِمَ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، وَلَا سُكُوتٍ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ يَدُلُّ عَلَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ) أَيْ وَجَحَدَ الْمُشْتَرِي. اهـ. (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ: وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِرَغْبَةِ الْبَائِعِ عَنْ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ دَارِهِ مِنْ زَيْدٍ فَجَحَدَ زَيْدٌ ذَلِكَ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِأَجْلِ اعْتِرَافِهِ بِخُرُوجِ الشَّيْءِ عَنْ مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ سَبَبُ الشُّفْعَةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَلَا يَمْلِكُ الشَّفِيعُ الدَّارَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَإِنْ أَثْبَتَ شُفْعَتَهُ بِطَلَبَيْنِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ وَطَلَبِ التَّقْرِيرِ حَتَّى أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ كَرْمًا فَأَكَلَ الْمُشْتَرِي ثِمَارَهُ سِنِينَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَلَا يُطْرَحُ عَنْ الشَّفِيعِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا أَكَلَ مِنْ ثِمَارِهِ إذَا كَانَتْ الثِّمَارُ حَدَثَتْ بَعْدَ مَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْكَرْمَ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا إنَّهُ يَمْلِكُ بِالْأَخْذِ لَا بِالطَّلَبِ عَلَى الِانْفِرَادِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. .

[بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ]

(بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ)(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى الطَّلَبِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِشْهَادُ فِيهِ أَيْ فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ قَالَ الْكَاكِيُّ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا شَرَطَ هَذَا الطَّلَبَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ الشُّفْعَةِ حَتَّى يُمْكِنَهُ الْحَلِفُ حِينَ طَلَبَ الْمُشْتَرِي حَلِفَهُ أَنَّهُ طَلَبَهَا كَمَا سَمِعَ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْإِشْهَادَ عِنْدَ الطَّلَبِ لَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةِ هَذَا الطَّلَبِ بَلْ لِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي عِنْدَ إنْكَارِهِ الطَّلَبَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْأَوَّلُ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ) وَسُمِّيَ الطَّلَبُ الْأَوَّلُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: عليه الصلاة والسلام «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» أَيْ طَلَبَهَا عَلَى وَجْهِ السُّرْعَةِ، وَالْمُبَادَرَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْوُثُوبِ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَثِبُ هُوَ الَّذِي يُسْرِعُ فِي طَيِّ الْأَرْضِ بِمَشْيِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ أَنْ يَطْلُبَ كَمَا عُلِمَ) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ إنْسَانٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَفِي كِتَابِ الْأَجْنَاسِ نُقِلَ عَنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ لِمُوسَى بْنِ نَصْرٍ صَاحِبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ يَحْتَاجُ الشَّفِيعُ أَنْ يَطْلُبَهَا سَاعَةَ بَلَغَهُ الْبَيْعُ وَيَتَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ بِالطَّلَبِ حَضَرَهُ الشُّهُودُ أَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مِنْ قَوْلِ نَفْسِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالطَّلَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

ص: 242

رِضَاهُ بِجِوَارِ الْجَارِ الْحَادِثِ، وَمُعَاشَرَتِهِ فَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِهِ، وَلَوْ أُخْبِرَ بِكِتَابٍ، وَالشُّفْعَةُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ فَقَرَأَ الْكِتَابَ إلَى آخِرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي وَالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلُ الرِّضَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِمَا كَالْبِكْرِ لَا يَكُون سُكُوتُهَا رِضًا إلَّا إذَا كَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالزَّوْجِ ثُمَّ إذَا أُخْبِرَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ يُشْهِدُهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ يَطْلُبُ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الطَّلَبَ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ، وَالْإِشْهَادُ لِمَخَافَةِ الْجُحُودِ، وَالطَّلَبُ لَا بُدَّ مِنْهُ كَيْ لَا يَسْقُطَ حَقُّهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِيُمْكِنَهُ الْحَلِفُ إذَا حَلَفَ وَلِئَلَّا يَكُونَ مُعْرِضًا عَنْهَا وَرَاضِيًا بِجِوَارِ الدَّخِيلِ.

وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِعِلْمِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَنْهُ أَنَّ لَهُ التَّأَمُّلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ كَالْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّأَمُّلِ فِيهِ كَسَائِرِ التَّمَلُّكَاتِ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ رحمه الله، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَا بَلَغَهُ الْبَيْعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَمْدٌ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْ جِوَارِهِ وَالثَّانِي تَعَجُّبٌ مِنْهُ لِقَصْدِ الْإِضْرَارِ بِهِ وَالثَّالِثُ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ بِهِ، وَلَا يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَكَذَا إذَا قَالَ مَنْ ابْتَاعَهَا وَبِكَمْ بِيعَتْ؛ لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِيهَا بِثَمَنٍ دُونَ ثَمَنٍ وَيَرْغَبُ عَنْ مُجَاوَرَةِ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ خَلَّصَنِي اللَّهُ وَيَصِحُّ الطَّلَبُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ فِي الْحَالِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ حَتَّى يُخْبِرَهُ بِهِ رَجُلَانِ غَيْرُ عَدْلَيْنِ أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَالَةُ أَوْ الْعَدَدُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ مَعَ أَخَوَاتِهَا، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ إذَا أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا إذَا كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا، وَإِذَا لَمْ يُشْهِدْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِالْإِجْمَاعِ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ، وَالْعَدَالَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْخُصُومِ.

وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ طَلَبُ التَّقْرِيرِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِعِلْمِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ) يَعْنِي أَنَّ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَإِذَا بِيعَتْ الدَّارُ، وَلَهَا شَفِيعٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ الشَّفِيعَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْأَصْلِ إنْ لَمْ يَطْلُبْ مَكَانَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الطَّلَبَ عَلَى الْمَجْلِسِ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ، وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ يَطْلُبْ حِينَ بَلَغَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ سَاعَتَئِذٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الطَّلَبَ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا بَلَغَتْ الشُّفْعَةُ صَاحِبَهَا فَسَكَتَ فَهُوَ رِضًا، وَهُوَ تَرْكٌ لِلشُّفْعَةِ. قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ: وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ إذَا بَلَغَهُ فَكَسَتْ هُنَيْهَةً ثُمَّ ادَّعَاهَا مِنْ سَاعَتِهِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ. قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَهَذَا يُفِيدُ الْمَجْلِسَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إنْ تَرَكَ الطَّلَبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ إنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ، وَقَالَ شَرِيكٌ لَا تَبْطُلُ أَبَدًا حَتَّى يُبْطِلَهَا بِقَوْلِهِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ.

وَجْهُ رِوَايَةِ الْفَوْرِ قَوْلُهُ: عليه الصلاة والسلام «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إنَّمَا الشُّفْعَةُ كَنَشِطَةِ عِقَالٍ إنْ قَيَّدَهَا ثَبَتَتْ وَإِلَّا ذَهَبَتْ» . وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَجْلِسِ أَنَّهُ خِيَارُ تَمَلُّكٍ كَخِيَارِ الْقَبُولِ وَالْمُخَيَّرَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَرَوَّى لِيَنْظُرَ هَلْ يَصْلُحُ لَهُ الْأَخْذُ أَمْ لَا يَصْلُحُ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا عَلَى الْمَجْلِسِ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ كَانَ عَلَى شُفْعَتِهِ مَا لَمْ يَقُمْ أَوْ يَتَشَاغَلْ بِغَيْرِ الطَّلَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْهُ أَنَّ لَهُ التَّأَمُّلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) أَيْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ لِلشَّفِيعِ مَجْلِسَ الْعِلْمِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ فِيهِ رِوَايَاتِ الْأَصْلِ وَالنَّوَادِرِ: وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي اخْتِلَافًا فِي رِوَايَةٍ، وَلَا مَعْنًى؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعِبَارَاتِ إنَّمَا أُرِيدَ بِهَا أَنْ لَا يَكُونَ الطَّلَبُ مُتَرَاخِيًا عَنْ الْحَالِ تَرَاخِيًا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْمُطَالَبَةِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ الْإِعْرَاضِ عَنْهَا، وَهُوَ عِنْدِي عَلَى مِثَالِ مَا قَالُوا فِي الْمُخَيَّرَةِ فِي الطَّلَاقِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك، وَكَخِيَارِ الْمُشْتَرِي إذَا أَوْجَبَ لَهُ الْبَائِعُ الْبَيْعَ قَالَ قَدْ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرَّدِّ أَوْ الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الْجَوَابِ وَالتَّرْكِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ) يَعْنِي الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ، وَعَنْهُ إلَخْ، وَهِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا الْكَرْخِيُّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ قِيلَ لَهُ إنَّ فُلَانًا بَاعَ دَارِهِ، وَهُوَ شَفِيعُهَا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ قَدْ ادَّعَيْت شُفْعَتَهَا أَوْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ قَدْ ادَّعَيْت شُفْعَتَهَا أَوْ لَقِيَ صَاحِبَهُ الَّذِي يَدَّعِي الشُّفْعَةَ قَبْلَهُ فَبَدَأَهُ بِالسَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ ادَّعَاهَا أَوْ قَالَ حِينَ أُخْبِرَ بِالْبَيْعِ مَنْ اشْتَرَاهَا أَوْ بِكَمْ بَاعَهَا أَوْ عَطَسَ صَاحِبُهُ فَشَمَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ ادَّعَاهَا قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ فِي هَذَا كُلِّهِ عَلَى شُفْعَتِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ فِي النَّوَازِلِ سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ عَنْ الشَّفِيعِ إذَا سَلَّمَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ مَعَ أَخَوَاتِهَا) أَيْ فِي آخِرِ فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا) وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْمُعَامَلَاتِ فَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْوَاحِدِ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ كَسَائِرِ أَخْبَارِ الْمُعَامَلَاتِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخْبَرَهُ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت دَارَ فُلَانٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ طَلَبُ التَّقْرِيرِ) أَيْ وَالْإِشْهَادُ. اهـ هِدَايَةٌ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى الشَّفِيعُ إذَا عَلِمَ بِاللَّيْلِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ وَالْإِشْهَادِ فَإِنْ أَشْهَدَ حِينَ أَصْبَحَ صَحَّ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

ص: 243

فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَيَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْإِشْهَادِ لِلتَّقْرِيرِ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَأَشْهَدَ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِأَنْ بَلَغَهُ الْبَيْعُ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعُ حَاضِرٌ أَوْ كَانَ عِنْدَ الْعَقَارِ يَكْفِيهِ وَيَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ الطَّلَبَيْنِ، ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَكَيْفِيَّةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَنْهَضَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي سَمِعَ فِيهِ وَيُشْهِدَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَقَرَّتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنَّمَا صَحَّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَالْبَائِعَ خَصْمٌ فِيهِ بِالْمِلْكِ أَوْ بِالْيَدِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْعَقَارِ فَلِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ، وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ خَصْمًا بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ فَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَالنَّاطِفِيُّ.

وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، وَمُدَّةُ هَذَا الطَّلَبِ مُقَدَّرَةٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ، وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ قَصَدَ الْأَبْعَدَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَتَرَكَ الْأَقْرَبَ فَإِنْ كَانُوا جَمِيعًا فِي مِصْرِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ نَوَاحِيَ الْمِصْرِ جُعِلَتْ كَنَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ حُكْمًا كَأَنَّهُمْ فِي مَكَان وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ فِيهِ، وَالْبَعْضُ فِي مِصْرٍ آخَرَ أَوْ فِي الرُّسْتَاقِ فَقَصَدَ الْأَبْعَدَ وَتَرَكَ الَّذِي فِي مِصْرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِتَبَايُنِ الْمَكَانَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا يَطْلُبُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ حِينَ يَعْلَمُ ثُمَّ يُعْذَرُ فِي تَأْخِيرِ طَلَبِ التَّقْرِيرِ بِقَدْرِ الْمَسَافَةِ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. وَصُورَةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ، وَأَنَا شَفِيعُهَا، وَقَدْ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ، وَأَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَبِيعِ وَتَحْدِيدُهُ؛ لِأَنَّ مُطَالَبَةَ غَيْرِ مَعْلُومٍ لَا تَصِحُّ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمَطْلُوبَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُطَالَبَةِ اخْتِصَاصٌ بِالْمَبِيعِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمَطْلُوبَ، وَأَمَّا الثَّالِثُ، وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ بِدُونِ طَلَبِهِ، وَنُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ هَذَا الطَّلَبِ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ رحمه الله: (ثُمَّ لَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ) أَيْ لَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِتَأْخِيرِ هَذَا الطَّلَبِ، وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ بَعْدَمَا اسْتَقَرَّتْ شُفْعَتُهُ بِالْإِشْهَادِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْمُخَاصَمَةَ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَالتَّسْلِيمِ كَمَا فِي تَأْخِيرِ الطَّلَبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله إنْ أَخَّرَ هَذَا الطَّلَبَ إلَى شَهْرٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَسْقُطْ بِتَأْخِيرِهِ لَلَحِقَ الْمُشْتَرِيَ ضَرَرٌ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ خَشْيَةَ أَنْ يُنْقَضَ تَصَرُّفُهُ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ قَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» ثُمَّ قَدَّرَ تِلْكَ الْمُدَّةَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدِينِ لِلْقَضَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ قَدَّرَهَا بِشَهْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمهم الله؛ لِأَنَّهُ آجِلٌ، وَمَا دُونَهُ عَاجِلٌ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْأَيْمَانِ.

وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْإِشْهَادِ فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الضَّرَرِ يُمْكِنُهُ إزَالَتُهُ بِأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَيَأْمُرَهُ بِالْأَخْذِ أَوْ بِالتَّرْكِ عَلَى أَنَّهُ مُشْكِلٌ بِمَا إذَا كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا حَيْثُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ، وَلَوْ كَانَ ضَرَرُهُ مُرَاعًى لَسَقَطَتْ إذْ لَا فَرْقَ فِي لُزُومِ الضَّرَرِ فِي حَقِّهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ عَدَمِ قَاضٍ يَرَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ فِي بَلَدِهِ لَا تَسْقُطُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ لِكَوْنِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي مِصْرِهِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ شَهْرًا سَقَطَتْ الشُّفْعَةُ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي قَصْدِ الْإِضْرَارِ بِالْغَيْرِ قَالَ رحمه الله:(فَإِنْ طَلَبَ عِنْدَ الْقَاضِي سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِمِلْكِ مَا يَشْفَعُ بِهِ أَوْ نَكَلَ أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ سَأَلَهُ عَنْ الشِّرَاءِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ نَكَلَ أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ قَضَى بِهَا) أَيْ إذَا تَقَدَّمَ الشَّفِيعُ وَادَّعَى الشِّرَاءَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ عِنْدَ الْقَاضِي سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي عَنْ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا الشَّفِيعُ هَلْ هِيَ مِلْكُ الشَّفِيعِ أَمْ لَا فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ أَوْ أَنْكَرَ وَنَكَلَ عَنْ الْعَيْنِ أَوْ أَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ سَأَلَ الْقَاضِي الْمُشْتَرِيَ عَنْ الشِّرَاءِ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ اشْتَرَيْت أَمْ لَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ رحمه الله فِي شَرْحِ الْكَافِي ثُمَّ يَذْهَبُ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ إلَى الدَّارِ أَوْ إلَى الْبَائِعِ أَوْ إلَى الْمُشْتَرِي فَيَطْلُبُ الشُّفْعَةَ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ وَيُسَمَّى هَذَا طَلَبَ التَّقْرِيرِ، وَلَوْ تَرَكَ هَذَا أَوْ أَخَّرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَيَأْخُذُ الشُّفْعَةَ مِنْهُ. اهـ دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ حَصَلَ عَلَى الْعَاقِدِ فَيَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ عَلَى الْمُشْتَرِي. اهـ دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّالِثُ) أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ) وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ طَلَبَ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ الْأَتْقَانِيَّ سَمَّاهُ فِي شَرْحِ الْكَافِي طَلَبَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ الشَّفِيعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيُثْبِتُ حَقَّهُ عِنْدَهُ بِالْحُجَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَيْ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) أَيْ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. اهـ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ) أَيْ وَقَاضِي خَانْ فِي جَامِعِهِ وَصَاحِبُ الْمَنَافِعِ وَالْخُلَاصَةِ. اهـ كَاكِيٌّ قَالَ الْكَاكِيُّ: فَكَانَ مَا اخْتَارَهُ فِي الْكِتَابِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ هَذِهِ الْكِتَابِ. اهـ

ص: 244

فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اشْتَرَى أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ أَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِثُبُوتِهِ عِنْدَهُ.

وَهَذَا هُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ الْمَوْعُودِ بِهِ فَذَكَرَ هُنَا سُؤَالَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ أَوَّلًا عَقِيبَ طَلَبِ الشَّفِيعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَاضِي يَسْأَلُ الْمُدَّعِي أَوَّلًا قَبْلَ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مَوْضِعِ الدَّارِ مِنْ مِصْرٍ، وَمَحَلَّةٍ وَحُدُودِهَا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى فِيهَا حَقًّا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى مِلْكَ رَقَبَتِهَا فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ هَلْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَحْضُرَ الْبَائِعُ فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ شُفْعَتِهِ وَحُدُودِ مَا يَشْفَعُ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَلَعَلَّهُ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ صَالِحٍ أَوْ يَكُونُ هُوَ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ فَإِذَا بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا، وَلَمْ يَكُنْ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ سَأَلَهُ أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ، وَكَيْفَ صَنَعَ حِينَ عَلِمَ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِطُولِ الزَّمَانِ وَبِالْإِعْرَاضِ وَبِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَشْفِ ذَلِكَ فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ التَّقْرِيرِ كَيْفَ كَانَ؟ وَعِنْدَ مَنْ أَشْهَدَ؟، وَهَلْ كَانَ الَّذِي أَشْهَدَ عِنْدَهُ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ غَيْرِهِ أَمْ لَا؟. عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَلَمْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ شُرُوطِهِ ثُمَّ دَعْوَاهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا هَلْ هِيَ مِلْكُ الشَّفِيعِ أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ فِي يَدِ الشَّفِيعِ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِهِ بِحُجَّةٍ لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ فَيَسْأَلُهُ عَنْهُ فَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لَهُ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا مِلْكُك فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ يَمِينَهُ اسْتَحْلَفَ الْمُشْتَرِيَ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكٌ لِلَّذِي ذَكَرَهُ مِمَّا يَشْفَعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ ثُمَّ هُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ بِهَذَا السَّبَبِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْمِلْكَ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ فَإِنْ نَكَلَ أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ ثَبَتَ مِلْكُ الشَّفِيعِ فِي الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا وَثَبَتَ السَّبَبُ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ اشْتَرَيْت أَمْ لَا فَإِنْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ قَالَ لِلشَّفِيعِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْحُجَّةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُشْتَرِي اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَى أَوْ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ شُفْعَةً مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى الْحَاصِلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالْأَوَّلُ عَلَى السَّبَبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الدَّعْوَى. وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَعَلَى مَا فِي يَدِهِ أَصَالَةً، وَفِي مِثْلِهِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِنْ نَكَلَ أَوْ أَقَرَّ أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ قَضَى بِهَا لِظُهُورِ الْحَقِّ بِالْحُجَّةِ.

قَالَ رحمه الله: (وَلَا يَلْزَمُ الشَّفِيعَ إحْضَارُ الثَّمَنِ وَقْتَ الدَّعْوَى بَلْ بَعْدَ الْقَضَاءِ) بَلْ يَجُوزُ لَهُ الْمُنَازَعَةُ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الثَّمَنَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ لَزِمَهُ إحْضَارُ الثَّمَنِ، وَهَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يُحْضِرَ الثَّمَنَ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ احْتِرَازًا عَنْ تَوْيِ الثَّمَنِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الثَّمَنَ قَبْلَ الْقَضَاءِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَلَا يُطَالَبُ بِأَدَائِهِ وَالْإِحْضَارِ لِلتَّسْلِيمِ، وَلَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَلَا مَعْنَى لِإِحْضَارِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ ثُمَّ إذَا قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ إحْضَارِ الثَّمَنِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْعَقَارَ عَنْهُ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا نُزِّلَا مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ. وَلَوْ أَخَّرَ دَفْعَ الثَّمَنِ بَعْد مَا قَالَ ادْفَعْ الثَّمَنَ إلَيْهِ لَا تَبْطُلُ بِالْإِجْمَاعِ لِتَأَكُّدِهَا بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله حَيْثُ تَبْطُلُ لِعَدَمِ التَّأَكُّدِ.

قَالَ رحمه الله: (وَخَاصَمَ الْبَائِعَ لَوْ فِي يَدِهِ) أَيْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا مُحِقَّةً أَصَالَةً فَكَانَ خَصْمًا كَالْمَالِكِ بِخِلَافِ الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ شُفْعَتِهِ وَحُدُودِ مَا يَشْفَعُ بِهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَشَرَطَ فِي الْفَتَاوَى بَيَانَ حُدُودِ دَارِ الشَّفِيعِ الَّتِي طَلَبَ الشُّفْعَةَ بِهَا بِأَنَّ قَالَ أَنَا شَفِيعُهَا بِالْجِوَارِ بِدَارِي الَّتِي أَحُدُّ حُدُودَهَا كَذَا وَالثَّانِي كَذَا وَالثَّالِثُ كَذَا وَالرَّابِعُ كَذَا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَحْدِيدُ دَارِ الشَّفِيعِ عَلَى مَا قَالَ الْخَصَّافُ بَلْ إذَا قَالَ أَنَا شَفِيعُ الدَّارِ الَّتِي اشْتَرَاهَا فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ، وَهِيَ فِي بَلْدَةِ كَذَا فِي مَحَلَّةِ كَذَا فِي سِكَّةِ كَذَا وَبَيَّنَ حُدُودَهَا بِدَارِي الَّتِي تُلَازِقُهَا كَفَى، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حُدُودَ دَارِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَأَمَّا الطَّلَبُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ أَشْتَرِي هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي أَحَدُّ حُدُودِهَا كَذَا وَالثَّانِي كَذَا وَالثَّالِثُ كَذَا وَالرَّابِعُ كَذَا، وَأَنَا شَفِيعُهَا بِالْجِوَارِ بِدَارِي الَّتِي أَحَدُّ حُدُودِهَا كَذَا وَالثَّانِي كَذَا وَالثَّالِثُ كَذَا وَالرَّابِعُ كَذَا طَلَبْت أَخْذَهَا بِشُفْعَتِي فَمُرْهُ بِتَسْلِيمِهَا لِي بِشُفْعَتِي هَذِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: يَقُولُ لِلْمُدَّعِي إلَخْ) وَقَالَ زُفَرُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلٌ عَلَى الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشُّهُودَ يَشْهَدُونَ بِالْمِلْكِ بِمُشَاهَدَةِ الْيَدِ فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِالشُّفْعَةِ لِأَجْلِهَا، وَلَنَا أَنَّ الْيَدَ ظَاهِرٌ فِي الْمِلْكِ، وَالظَّاهِرُ يُدْفَعُ بِهِ الدَّعْوَى، وَلَا يُسْتَحَقُّ بِهِ عَلَى الْغَيْرِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَطَلَبَ) أَيْ الشَّفِيعُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَام فِيهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَنْ تَوْيِ الثَّمَنِ) أَيْ إذْ لَوْ قَضَى الْقَاضِي قَبْلَ إحْضَارِ الثَّمَنِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ الشَّفِيعُ مُفْلِسًا فَيَتَعَجَّلُ مِلْكَ الدَّارِ وَيَتَأَخَّرُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ بِرِضَا الْبَائِعِ فَلِذَلِكَ اسْتَوَى مَا فِيهِ ضَرَرٌ، وَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

ص: 245

وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ يَدَهُمْ لَيْسَتْ بِأَصَالَةٍ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا. قَالَ رحمه الله: (وَلَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيُفْسَخَ الْبَيْعُ بِمَشْهَدِهِ وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْبَائِعِ)؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمِلْكَ وَالْيَدَ فَيَقْضِي الْقَاضِي بِهِمَا لَهُ فَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لِلْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا بِهِمَا؛ لِأَنَّ لِأَحَدِهِمَا يَدًا وَلِلْآخَرِ مِلْكًا فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ؛ وَلِأَنَّ أَخْذَهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ يُوجِبُ فَوَاتَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفَوَاتُهُ قَبْلَهُ يُوجِبُ الْفَسْخَ لِكَوْنِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْسَخَ عَلَيْهِمَا إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَيْهِمَا بِالْفَسْخِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَهَى بِالتَّسْلِيمِ فَصَارَ الْبَائِعُ أَجْنَبِيًّا عَنْهُمَا. ثُمَّ وَجْهُ هَذَا الْفَسْخِ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنْ يُجْعَلَ فَسْخًا فِي حَقِّ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ فَاتَ بِالْأَخْذِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ يُوجِبُ الْفَسْخَ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ انْفَسَخَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ أَصْلُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ انْفِسَاخَهُ يُوجِبُ سُقُوطَ الشُّفْعَةِ، وَهِيَ إنَّمَا تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ فَيُجْعَلُ الْعَقْدُ مُضَافًا إلَى الشَّفِيعِ قَائِمًا مَقَامَ الْمُشْتَرِي كَأَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ لَهُ وَخَاطَبَهُ بِالْإِيجَابِ فَجُعِلَ الْعَقْدُ مُتَحَوِّلًا إلَى الشَّفِيعِ فَلَمْ يَنْفَسِخْ أَصْلُهُ، وَإِنَّمَا انْفَسَخَ إضَافَتُهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَنَظِيرُهُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ مَنْ رَمَى سَهْمًا إلَى شَخْصٍ فَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ فَأَصَابَهُ فَالرَّمْيُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُنْتَقَضْ وَالتَّوَجُّهُ إلَى الْأَوَّلِ قَدْ انْتَقَضَ بِتَخَلُّلِ الثَّانِي وَتَوَجَّهَ إلَيْهِ فَكَذَا هُنَا تَحَوَّلَتْ الصَّفْقَةُ إلَى الشَّفِيعِ كَأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَقَعَ مَعَهُ.

قَالَ رحمه الله: (وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ خَصْمٌ لِلشَّفِيعِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْمُوَكِّلِ)؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ فِيهَا مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَهِيَ إلَى الْعَاقِدِ أَصِيلًا كَانَ أَوْ وَكِيلًا وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُخَاصِمَهُ وَيَأْخُذَهَا مِنْهُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي كَمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمَالِكُ عَلَى مَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّهُ إذَا سَلَّمَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَدِ لِلْوَكِيلِ، وَلَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا بَعْدَهُ فَصَارَ كَالْبَائِعِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ خَصْمًا مَا لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا سَلَّمَهَا لَمْ تَبْقَ يَدٌ، وَلَا مِلْكٌ لَهُ فَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا، وَهَذَا مِثْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْقَضَاءِ حُضُورُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ بِاخْتِيَارِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ فَكَانَ حُضُورُهُ كَحُضُورِ الْمُوَكِّلِ، وَلَا كَذَلِكَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمُشْتَرِي فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمُشْتَرِي لِلْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَالْأَبُ وَوَصِيُّهُ كَالْوَكِيلِ.

قَالَ رحمه الله: (وَلِلشَّفِيعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِذَا صَحَّ الْإِشْهَادُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَأَرَادَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالدَّارِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لَمْ تُقْبَضْ أَحْضَرَ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا، وَلَا يُقْضَى لَهُ حَتَّى يَحْضُرَا جَمِيعًا فَإِنْ أَحْضَرَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ قَدْ قُبِضَتْ فَالْخَصْمُ هُوَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَإِذَا أَحْضَرَ حُكِمَ عَلَيْهِ فَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالشُّفْعَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَالدَّارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ الَّذِي كَانَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَيُسَلِّمُ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ، وَكَانَتْ عُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَيَرْجِعُ الشَّفِيعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إذَا كَانَ نَقَدَهُ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِهِ: فَإِذَا أَخَذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَيَدْفَعُ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي، وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ انْتَقَلَ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ فَسْخُ بَيْعِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ، وَأَوْرَدَ الْقُدُورِيُّ هُنَا سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي شَرْحِهِ فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الشَّفِيعُ يَسْتَحِقُّ بِسَبَبٍ سَابِقٍ لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا أَخَذَ الشَّيْءَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي انْفَسَخَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي كَمَا يَنْفَسِخُ إذَا أَخَذَ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ أَصْلُهُ الْمُسْتَحَقَّ إذَا أَخَذَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي.

وَالْجَوَابُ إنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي لَوْ كَانَ فَسْخًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْضِيَ إلَّا بِحُضُورِ الْبَائِعِ فَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي عَلَى الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْبَائِعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ لَيْسَ بِفَسْخٍ وَيُفَارِقُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا، وَإِنَّمَا فَسَخْنَا الْبَيْعَ إذَا أُخِذَ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ لِسُقُوطِ الْقَبْضِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ إذَا أُخِذَ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا قُلْنَا إنْ كَانَتْ الدَّارُ أُخِذَتْ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْبَائِعُ هُوَ الْقَابِضُ لِلثَّمَنِ، وَكَانَ رَدُّهُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ انْفَسَخَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَانْتَقَلَ الْمَبِيعُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَكَانَتْ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إذَا أُخِذَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْعُهْدَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَابِضُ لِلثَّمَنِ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ انْتَقَلَ مِنْ مِلْكِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ زُفَرُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْوَجْهَيْنِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ خَصْمٌ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَمَنْ اشْتَرَى دَارَ الرَّجُلِ بِأَمْرِهِ، وَقَبَضَهَا ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ فَطَلَبَ الشُّفْعَةَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْوَكِيلُ لَمْ يُسَلِّمْ الدَّارَ إلَى الْمُوَكِّلِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ مِنْهُ وَيَكْتُبَ عُهْدَتَهُ عَلَيْهِ وَيَنْقُدَ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَيَدْفَعَهُ الْوَكِيلُ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ سَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُوَكِّلِ أَخَذَهَا مِنْهُ وَيَنْقُدُ الثَّمَنَ إيَّاهُ وَيَكْتُبُ الْعُهْدَةَ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَأْخُذُ مِنْ يَدِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لِلْمُوَكِّلِ، وَهُوَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيهَا، وَلَكِنْ يُقَالُ سَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ مِنْهُ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْ يَدِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ رَاجِعَةٌ إلَى الْعَاقِدِ فَيَكُونُ فِي حُقُوقِ عَقْدِهِ كَالْمَالِكِ، وَالشُّفْعَةُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ. اهـ غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَبُ وَوَصِيُّهُ كَالْوَكِيلِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَصِيًّا لِمَيِّتٍ فِيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: يَعْنِي يَكُونُ الْوَصِيُّ هُوَ الْخَصْمَ لِلشَّفِيعِ إذَا بَاعَ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ. بَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ كِبَارًا حُضُورًا، وَلَا دَيْنَ، وَلَا وَصِيَّةَ فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْكِبَارِ فَإِنْ كَانَ الْكِبَارُ غُيَّبًا فَلَهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ دُونَ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحِفْظِ، وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا فَلَهُ بَيْعُ الْكُلِّ

ص: 246

وَالْعَيْبِ، وَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْبَرَاءَةَ مِنْهُ)؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْأَخْذُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَشِرَاءٌ مِنْ الْبَائِعِ لِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارَانِ فِيهِ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُمَا بِاخْتِيَارِهِمَا، وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِرُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي، وَلَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا يَعْمَلُ شَرْطُهُ وَرُؤْيَتُهُ فِي حَقِّهِ. قَالَ رحمه الله:(وَإِنْ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الْأَخْذِ عِنْدَ نَقْدِ الْأَقَلِّ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ ذَلِكَ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ عُرِفَ بِالنَّصِّ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْإِنْكَارُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي عَلَى الشَّفِيعِ شَيْئًا فَلَا يَكُونُ الشَّفِيعُ مُنْكِرًا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ. قَالَ رحمه الله:(وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلشَّفِيعِ) أَيْ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَالْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ مَعَ الْمُوَكِّلِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ مَعَ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ الْمَأْسُورِ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ بَيِّنَةَ الْبَائِعِ وَالْوَكِيلِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ أَوْلَى لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ، وَلَهُمَا أَنَّ بَيِّنَةَ الشَّفِيعِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ لِلْمُشْتَرِي وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لَيْسَتْ بِمُلْزِمَةٍ لِلشَّفِيعِ لِتَخَيُّرِهِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِمَا بِأَنْ يَثْبُتَ الْعَقْدَانِ فَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي بِأَيِّهِمَا شَاءَ فَلَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّرْجِيحِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا.

وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى مَعَ عَبْدِهِ فَقَالَ الْمَوْلَى قُلْت لَك إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَقَالَ الْعَبْدُ قُلْت لِي إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ إمَّا؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَا تُنَافِي فَيَثْبُتُ التَّعْلِيقَانِ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ بِأَدَاءِ أَيِّ الْمَالَيْنِ شَاءَ بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا أَمَّا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مُلْزِمَةٌ حَتَّى يُخَيَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَأْخُذَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِي يَكُونُ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ فِي حَقِّهِمَا فَلَا يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي إلَّا بِالثَّانِي فَإِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ صِرْنَا إلَى التَّرْجِيحِ بِالزِّيَادَةِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي فِي حَقِّ الشَّفِيعِ فَيَأْخُذُ بِأَيِّ الْعَقْدَيْنِ شَاءَ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ بِالْأَوَّلِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُوَكِّلِ فَلَا يُرَدُّ. وَالْفَرْقُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَكِيلَ مَعَ الْمُوَكِّلِ كَالْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي لِوُقُوعِ الْمُبَادَلَةِ الْحُكْمِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا فَكَانَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُلْزِمَةً، وَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا فَصِرْنَا إلَى التَّرْجِيحِ بِالزِّيَادَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الشَّفِيعُ مَعَ الْمُشْتَرِي وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا.

وَأَمَّا الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ فَقَدْ ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ بَيِّنَتَهُ مُلْزِمَةٌ وَبَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ لِتَخَيُّرِ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ فَصَارَ كَالشَّفِيعِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَفِيهَا الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي حَقِّ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ يَنْفَسِخُ بِالثَّانِي فَوُجِدَ التَّعَارُضُ فَصِرْنَا إلَى التَّرْجِيحِ بِالزِّيَادَةِ، وَفِي حَقِّ الشَّفِيعِ لَا يَنْفَسِخُ فَلَمْ يُوجَدْ التَّعَارُضُ.

قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى بَائِعُهُ أَقَلَّ مِنْهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ)؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ إنْ كَانَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ، وَلَوْ كَانُوا صِغَارًا وَكِبَارًا فَلَهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ مِنْ نَصِيبِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا لَهُ بَيْعُ نَصِيبِ الصِّغَارِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ دُونَ نَصِيبِ الْكِبَارِ الْحُضُورِ فَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا بَاعَ عُرُوضَهُمْ لَا عَقَارَهُمْ كَذَا فِي الْمُخْتَلَفِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ رحمه الله.

(قَوْلُهُ: وَلَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ) قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَمَلُّكٌ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ وَاسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَسْتَوِيَ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَعَدَمُ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا، وَعَدَمُ الرِّضَا، وَلَوْ بَطَلَ يَبْطُلُ لَا إلَى خَلَفٍ حَتَّى لَا يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ ضَامِنًا لَهُ سَلَامَةَ الْبِنَاءِ وَنَحْوَهُ.

مِثَالُهُ إذَا أَخَذَ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً أَوْ غَرَسَ غَرْسًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ وَالْعَقَارُ وَأَمَرَ بِقَلْعِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ بِالثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ سَلَامَةَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ إنْ أَخَذَهُ بِقَضَاءٍ وَكَذَا إذَا أَخَذَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي عَيْنَ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ بِحَقٍّ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الدَّخِيلِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْقَضَاءُ وَغَيْرُ الْقَضَاءِ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لَمَّا كَانَ الرَّاجِعُ أَخَذَ عَيْنَ حَقِّهِ بِحَقٍّ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْهِبَةِ يَسْتَوِي الْقَضَاءُ وَالرِّضَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ الْمَبِيعِ وَتَرْكِهِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي إذَا تَرَكَ الدَّعْوَى لَا يَتْرُكُ وَالشَّفِيعُ إذَا تَرَكَ الدَّعْوَى يَتْرُكُ فَلَمْ يَكُنْ اخْتِلَافُهُمَا فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: عليه الصلاة والسلام «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» فَلَا جَرَمَ لَمْ يَجِبْ التَّحَالُفُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ) أَيْ الْحَرْبِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِمَا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِأَلْفٍ، وَمَرَّةً بِأَلْفَيْنِ فَأَمْكَنَ تَصْدِيقُ الْبَيِّنَتَيْنِ. اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَئِنْ سَلَّمْنَا) أَيْ أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي أَوْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ) أَيْ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

ص: 247

كَمَا قَالَهُ الْبَائِعُ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَهُ الْمُشْتَرِي يَكُونُ حَطًّا عَنْ الْمُشْتَرِي بِدَعْوَاهُ الْأَقَلَّ وَحَطُّ الْبَعْضِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ فَيَأْخُذُهُ بِهِ؛ وَلِأَنَّ تَمَلُّكَ الْمُشْتَرِي بِإِيجَابِ الْبَائِعِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ مَا دَامَتْ مُطَالَبَتُهُ بَاقِيَةً فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي تَحَالَفَا، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا يَقُولُهُ الْآخَرُ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ كَالْإِقْرَارِ بِمَا يَدَّعِيهِ خَصْمُهُ، وَإِنْ حَلَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِمَا يَقُولُهُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ فَلَا يَقْدِرَانِ عَلَى إبْطَالِهِ بِالْفَسْخِ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّارَ إذَا رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ بِعَيْبٍ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ.

قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ قَبَضَ أَخَذَهَا بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي) أَيْ لَوْ كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِيَمِينِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ خَرَجَ مِنْ الْبَيِّنِ وَالْتَحَقَ بِالْأَجَانِبِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الْعَقْدِ بِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ فَبَقِيَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ قَبْضُ الثَّمَنِ غَيْرَ ظَاهِرٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت الدَّارَ بِأَلْفٍ، وَقَبَضْت الثَّمَنَ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ تَعَلَّقَتْ الشُّفْعَةُ بِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ صَحِيحٌ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَبَعْدَهُ لَا يَصِحُّ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ فَيَبْقَى حَتَّى يُوجَدَ مَا يُبْطِلُهُ وَبِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَبَضْت الثَّمَنَ يُرِيدُ إبْطَالَ حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ يَخْرُجُ مِنْ الْبَيْنِ فَيَكُونُ أَجْنَبِيًّا فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ قَبَضْت فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ أَجْنَبِيًّا حَتَّى لَا يُقْبَلَ إقْرَارُهُ بِمِقْدَارِهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ فَيَأْخُذُهَا الْمُشْتَرِي بِأَلْفٍ، وَلَوْ بَدَأَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ قَبْلَ بَيَانِ الْقَدْرِ بِأَنْ قَالَ بِعْت الدَّارَ، وَقَبَضْت الثَّمَنَ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ أَوَّلًا خَرَجَ بِهِ مِنْ الْبَيِّنِ فَصَارَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: نَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ الْوَصِيُّ اسْتَوْفَيْت جَمِيعَ مَا لِلْمَيِّتِ عَلَى غَرِيمِهِ فُلَانٍ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَقَالَ الْغَرِيمُ بَلْ كَانَ عَلَيَّ أَلْفَا دِرْهَمٍ قَدْ أَوْفَيْتُك جَمِيعَ ذَلِكَ فَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ لِلْأَلْفِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ، وَلَوْ قَالَ اسْتَوْفَيْت مِنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَهُوَ جَمِيعُ مَا لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ فَقَالَ فُلَانٌ كَانَ عَلَيَّ أَلْفَا دِرْهَمٍ، وَقَدْ أَوْفَيْتُك الْكُلَّ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ قَبْضَ الْجَمِيعِ صَارَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يُقْبَلُ بَيَانُ قَدْرِهِ بَعْدَهُ، وَمَا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ قَبَضَ الْجَمِيعَ لَا يَكُونُ أَجْنَبِيًّا فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي بَيَانِ قَدْرِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِخَصْمِهِ لِإِنْكَارِهِ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ.

قَالَ رحمه الله: (وَحَطُّ الْبَعْضِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لَا حَطُّ الْكُلِّ وَالزِّيَادَةُ) أَيْ حَطُّ بَعْضِ الثَّمَنِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ حَتَّى يَأْخُذَهُ بِمَا بَقِيَ، وَلَا يَظْهَرُ حَطُّ الْكُلِّ فِي حَقِّهِ، وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَنِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ حَتَّى لَا تَلْزَمَهُ الزِّيَادَةُ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيَأْخُذُهُ بِجَمِيعِ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ لَمَّا الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ صَارَ الْبَاقِي هُوَ الثَّمَنُ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَطُّ قَبْلَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ بَعْدَهُ لِوُجُودِ الِالْتِحَاقِ فِي الصُّورَتَيْنِ فَيَرْجِعُ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ إنْ كَانَ أَوْفَاهُ الثَّمَنَ، وَلَوْ حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ الشُّفْعَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الثَّمَنَ أَقَلُّ فَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ بِخِلَافِ حَطِّ الْكُلِّ حَيْثُ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ الْتَحَقَ لَكَانَ هِبَةً أَوْ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ، وَهُوَ فَاسِدٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَقَبَضْت الثَّمَنَ) أَيْ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِأَلْفَيْنِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ) أَيْ مُؤَاخَذَةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِهِ تَأَمَّلْ تَدْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَأْخُذَهُ بِمَا بَقِيَ) هَذَا إذَا حَطَّ الْبَائِعُ أَمَّا إذَا حَطَّ وَكِيلُ الْبَائِعِ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ صَحَّ حَطُّهُ وَيَضْمَنُ قَدْرَهُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حَطًّا عَنْ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ حَطَّ الْوَكِيلِ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ. اهـ فَتَاوَى قَاضِيخَانْ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ: وَإِنْ زَادَ الْبَائِعُ فِي الثَّمَنِ زِيَادَةً بَعْدَ الْعَقْدِ أَخَذَ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُمَا فِي حَقِّهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي بِمَا بَقِيَ لَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ تَعَلَّقَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِقَضِيَّةِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَمَتَى انْتَقَضَ الْعَقْدُ الثَّانِي لَمْ يُسَلِّمْ لِلْمُشْتَرِي الدَّارَ فَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ بَعْضُهُ مِنْ يَدِ الشَّفِيعِ فَيَرْجِعُ بِالْبَقِيَّةِ عَلَى بَائِعِهِ إنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ، وَلَوْ أَخَذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ تَسْلِيمًا لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ يَصْلُحُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ كَالْبَيْعِ الْأَوَّلِ، وَمَتَى أَخَذَهُ بِالشِّرَاءِ الثَّانِي مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ تَمَامُ حَقِّهِ

وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهَا الْمُشْتَرِي وَسَلَّمَهَا أَوْ رَهَنَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا امْرَأَةً كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تُبْطِلُ حَقَّهُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ لِيُعِيدَهَا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيَأْخُذَ بِالْحَقِّ الَّذِي لَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا تَصَرَّفَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ حَقُّ النَّقْضِ، وَإِنْ كَانَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ ثَابِتًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِتَسْلِيطِهِ فَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْر بِهِ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَى الشَّفِيعِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إنَّمَا الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ، وَقَعَ عَلَيْهِ وَلَا يَأْخُذُ الدَّارَ حَتَّى يَنْقُدَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ تَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ فَلَا يَكُونُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَخْذِهِ حَتَّى يَصِلَ الثَّمَنُ إلَى بَائِعِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

ص: 248

فَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ أَخْذَهَا بِالْمُسَمَّى قَبْلَ الزِّيَادَةِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِ الثَّابِتِ لَهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ بِتَجْدِيدِهِمَا الْعَقْدَ لِمَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ دُونَ الشَّفِيعِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ حَيْثُ تَصِحُّ الزِّيَادَةُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا حَتَّى جَازَ بِنَاؤُهُمَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ أَحَدٌ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ فَيَلْتَحِقُ فِي حَقِّهِمَا بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ وَبَيَّنَّا الْحُجَجَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.

قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَرَضٍ أَوْ عَقَارٍ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ وَبِمِثْلِهِ لَوْ مِثْلِيًّا)؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَلَّكُهَا بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَهَا الْمُشْتَرِي بِهِ ثُمَّ الْمِثْلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لَهُ صُورَةً، وَمَعْنًى كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ أَوْ مَعْنًى لَا صُورَةً، وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْمِثْلُ كَمَا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَيَأْخُذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ لَهَا وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِعَقَارٍ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الْآخَرِ. قَالَ رحمه الله:(وَبِحَالٍّ لَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ يَصْبِرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ فَيَأْخُذَهَا) أَيْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ حَالٍّ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا أَوْ يَصْبِرَ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ فَيَأْخُذَهَا عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي الْحَالِّ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: رحمهم الله لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلشَّفِيعِ حَقَّ الْأَخْذِ بِالثَّمَنِ الَّذِي يَمْلِكُ بِهِ الْمُشْتَرِي بِصِفَتِهِ وَالْأَجَلُ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَدَيْنٌ حَالٌّ، وَلَنَا أَنَّ الْأَجَلَ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ، وَلَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْعَقْدِ فَاشْتِرَاطُهُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ اشْتِرَاطًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ كَالْخِيَارِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَرِضَاهُ بِهِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَا يَدُلُّنَا عَلَى رِضَاهُ بِهِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِيهِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ وَصْفٌ لِلدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ، وَالدَّيْنُ حَقُّ الطَّالِبِ، وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لَهُ لَاسْتَحَقَّهُ الطَّالِبُ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَلَوْ كَانَ صِفَةً لَهُ لَثَبَتَ ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا مِنْ الْبَائِعِ بِثَمَنٍ حَالٍّ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي لِتَحَوُّلٍ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَرَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الشَّفِيعِ بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ ثَبَتَ بِالشَّرْطِ فَلَا يَبْطُلُ بِأَخْذِهِ الشَّفِيعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِبَيْعِهِ الْمُشْتَرَى بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَإِنْ اخْتَارَ الِانْتِظَارَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الضَّرَرَ الزَّائِدَ.

وَقَوْلُهُ: أَوْ يَصْبِرَ أَيْ عَنْ الْأَخْذِ أَمَّا الطَّلَبُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْحَالِ حَتَّى لَوْ سَكَتَ، وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، وَقَالَ: لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِذَاتِهِ بَلْ لِلْأَخْذِ، وَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ فِي الْحَالِّ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِهِ فِي الْحَالِّ فَلَا يَكُونُ سُكُوتُهُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ، وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ قَدْ ثَبَتَ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَلَوْلَا أَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ لَمَا كَانَ لَهُ الْأَخْذُ فِي الْحَالِّ، وَالسُّكُوتُ عَنْ الطَّلَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ. قَالَ رحمه الله:(وَبِمِثْلِ الْخَمْرِ، وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ الشَّفِيعُ ذِمِّيًّا وَبِقِيمَتِهَا لَوْ مُسْلِمًا) أَيْ لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ عَقَارًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنْ كَانَ شَفِيعُهُ ذِمِّيًّا أَخَذَهُ بِمِثْلِ الْخَمْرِ، وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يُقْضَى بِصِحَّتِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَإِذَا صَحَّ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ وُجُوبُ الشُّفْعَةِ بِهِ فَيَسْتَحِقُّهُ ذِمِّيًّا كَانَ الشَّفِيعُ أَوْ مُسْلِمًا غَيْرَ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْخَمْرِ فَيَأْخُذُهُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ) وَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَقْتَ الشِّرَاءِ لَا، وَقْتَ الْأَخْذِ. اهـ مَنَافِعُ. (قَوْلُهُ: يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الْآخَرِ) أَيْ يَأْخُذُ شَفِيعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْفُوعَهُ بِقِيمَةِ الْآخَرِ. اهـ مَنَافِعُ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَبِحَالٍ لَوْ مُؤَجَّلًا)، وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا أَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولًا كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّفِيعُ أَنَا أُعَجِّلُ الثَّمَنَ وَآخُذُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِالْأَجَلِ الْمَجْهُولِ فَاسِدٌ، وَحَقُّ الشَّفِيعِ لَا يَثْبُتُ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالشَّافِعِيُّ) أَيْ فِي الْقَدِيمِ. اهـ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَبِمِثْلِ الْخَمْرِ، وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَالْعَبِيدُ الْمَأْذُونُ لَهُمْ فِي التِّجَارَةِ، وَالْأَحْرَارُ وَالْمُكَاتَبُونَ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ فِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لَهُمْ، وَعَلَيْهِمْ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِيمَا وَجَبَ لَهُمْ أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَالْخُصَمَاءُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الصِّبْيَانِ آبَاؤُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَأَوْصِيَاءُ الْآبَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَالْأَجْدَادُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَأَوْصِيَاءُ الْأَجْدَادِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَالْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ يُقِيمُ لَهُمْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُمْ فِيهِ، وَأَهْلُ الْعَدْلِ، وَأَهْلُ الْبَغْيِ فِي الشُّفْعَةِ أَيْضًا سَوَاءٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رحمه الله قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ لَا شُفْعَةَ لِلْكَافِرِ، وَقَالَ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى لِذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ بِالشُّفْعَةِ فَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَجَازَهُ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْبَيْعِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. اهـ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ثُمَّ قَيَّدَ شِرَاءَهُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ احْتِرَازًا عَمَّا اشْتَرَاهُ بِالْمَيْتَةِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ. اهـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ: بِالْمَيْتَةِ أَوْ دَمٍ. اهـ أَتْقَانِيٌّ، وَقَوْلُهُ: وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ أَيْ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ بِالْبَيْعِ الْبَاطِلِ. اهـ.

(فَرْعٌ) الْمُسْلِمُ إذَا اشْتَرَى فِي دَارِ الْحَرْبِ دَارًا وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ لَا شُفْعَةَ فِيهَا، وَإِنْ أَسْلَمَ أَهْلُهَا؛ لِأَنَّ أَحْكَامَنَا غَيْرُ جَارِيَةٍ فِيهَا فَلَا شُفْعَةَ حَالَ الْبَيْعِ كَذَا فِي الشَّامِلِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

ص: 249

الْأَمْثَالِ

وَالْمُسْلِمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ تَمْلِيكِهَا وَتَمَلُّكِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا كَمَا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ، وَالْخِنْزِيرُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا قِيمَتُهُ، وَلَا يُقَالُ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ تَقُومُ مَقَامَ عَيْنِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى الْمُسْلِمِ تَمْلِيكُهُ بِخِلَافِ قِيمَةِ الْخَمْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ بَدَلًا عَنْ الْخِنْزِيرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَحْرُمُ، وَهُنَا بَدَلٌ عَنْ الدَّارِ لَا عَنْ الْخِنْزِيرِ، وَإِنَّمَا الْخِنْزِيرُ يُقَدَّرُ بِقِيمَتِهِ بَدَلَ الدَّارِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا بَلْ يَمْلِكُهَا بِأَنْ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ، وَلَوْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا وَذِمِّيًّا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قِيمَةِ الْخَمْرِ أَوْ مِثْلَهَا اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَلَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ صَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كَمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا بِقِيمَتِهِ لِلتَّعَذُّرِ، كَذَا هَذَا، وَالْمُسْتَأْمِنُ كَالذِّمِّيِّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِالْتِزَامِهِ أَحْكَامَنَا مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي دَارِنَا فَصَارَ كَالذِّمِّيِّ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى دَارًا أَوْ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الذِّمِّيِّ فِيهَا ثَابِتٌ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِجَعْلِهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَزُولُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى بَيْعِهَا صَارَ مُعْتَقِدًا جَوَازَ بَيْعِهَا وَالذِّمِّيُّ إذَا دَانَ بِدِينِنَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى مُقْتَضَى دِينِنَا، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِمْ لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِأَحْكَامِنَا.

وَالْمُرْتَدُّ لَا شُفْعَةَ لَهُ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِالرُّجُوعِ إلَى ذِمِّيٍّ أَسْلَمَ أَوْ فَاسِقٍ تَابَ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْخَمْرُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ انْتَقَضَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ قَبْضَهَا، وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْبَيْعِ فَلَا تَبْطُلُ بِانْتِقَاضِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ فَهَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ بِهَلَاكِهِ، وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ. قَالَ رحمه الله:(وَبِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ أَوْ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُمَا) أَيْ إذَا بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ فِي الْأَرْضِ الْمَشْفُوعَةِ ثُمَّ قَضَى لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ، وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا، وَإِنْ شَاءَ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُمَا فَيَأْخُذُ الْأَرْضَ فَارِغَةً.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُهُ بِالْقَلْعِ، وَلَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ، وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِيهِ بِالشِّرَاءِ فَلَا يُعَامَلُ بِأَحْكَامِ الْعُدْوَانِ فَصَارَ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا، وَكَمَا إذَا زَرَعَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ لِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ فَكَذَا الْمُشْتَرِي فِي الْمَشْفُوعَةِ وَلِهَذَا لَا يُكَلَّفُ قَلْعَ الزَّرْعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الشَّفِيعِ بِإِلْزَامِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَهْوَنُ مِنْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَحْصُلُ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الْقِيمَةِ عِوَضٌ، وَهُوَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا، وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُشْتَرِي بِمُقَابَلَةِ الْقَلْعِ شَيْءٌ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَهْوَنَ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ.

وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بَنَى فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لِلْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَيُنْقَضُ كَالرَّاهِنِ إذَا بَنَى فِي الْمَرْهُونِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَلِهَذَا تُنْقَضُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي حَتَّى الْوَقْفُ وَالْمَسْجِدُ وَالْمَقْبَرَةُ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ، وَلَا تَسْلِيطَ مِنْ الشَّفِيعِ هُنَا؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ ضَعِيفٌ وَلِهَذَا لَا يُنْقَضُ تَصَرُّفُهُمَا فَلَا يَبْقَى بَعْدَ الْبِنَاءِ وَحَقُّ الشَّفِيعِ قَوِيٌّ فَيَبْقَى بَعْدَهُ كَمَا يَقْلَعُ الْمُسْتَحِقُّ بِنَاءَ الْمَغْرُورِ وَغَرْسَهُ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا كَالْمُسْتَحِقِّ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ حَتَّى يُرَجَّحَ بِزِيَادَةِ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا، وَذِمِّيًّا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِذَا اشْتَرَاهَا بِخَمْرٍ وَشَفِيعُهَا كَافِرٌ، وَمُسْلِمٌ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي عِلَّتِهِ وَيَأْخُذُ الْمُسْلِمُ نِصْفَهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْكَافِرُ نِصْفَهَا بِمِثْلِ نِصْفِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْمِثْلِ يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِمُبْطِلٍ لِلْحُقُوقِ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ كَالْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ سَوَاءٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَأْمِنُ كَالذِّمِّيِّ) أَيْ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرْتَدُّ لَا شُفْعَةَ لَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ أَيْ فِي الشَّامِلِ بَاعَ الْمُرْتَدُّ دَارًا ثُمَّ قُتِلَ لَا شُفْعَةَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَصَرُّفُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَرِيضٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ تَصَرُّفُهُ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ هَذَا فَلَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ اللِّحَاقِ جَازَ بَيْعُهُ وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا عُرِفَ، وَقَالَ أَيْضًا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ دَارًا وَالْمُرْتَدُّ شَفِيعُهَا فَقُتِلَ لَا شُفْعَةَ لَهُ، وَلَا لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَتْلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ مَنْ زَالَ مِلْكُهُ فِي وَقْتِ الْمَبِيعِ، وَلَا لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ بِثَابِتٍ لَهُمْ حَقِيقَةً، وَقَالَ أَيْضًا اشْتَرَى الْمُرْتَدُّ ثُمَّ قُتِلَ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَةُ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ شُفْعَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْخُرُوجِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَقَدْ خَرَجَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْخَمْرُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ) أَيْ وَالدَّارُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ أَوْ مَقْبُوضَةٍ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَبْطُلُ بِانْتِقَاضِهِ) أَيْ ثُمَّ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مُسْلِمًا. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: حَتَّى الْوَقْفَ إلَخْ) سَيَأْتِي أَيْضًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَابِ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَبِمَوْتِ الشَّفِيعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَسْجِدُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ جَعَلَهَا الْمُشْتَرِي مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً تُدْفَنُ فِيهَا الْمَوْتَى أَوْ رِبَاطًا ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ كَانَ لَهُ أَخْذُهَا، وَإِبْطَالُ كُلِّ مَا صَنَعَ الْمُشْتَرِي فِيهَا. اهـ.

ص: 250

عِنْدَ التَّسَاوِي وَرُبَّمَا لَا يُوَافِقُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى قَلْعِهِ فَيَلْحَقُهُ ضَرَرٌ زَائِدٌ، وَفِي الزَّرْعِ الْقِيَاسُ أَنْ يُقْلِعَ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَا، وَقُلْنَا لَا يُقْلَعُ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي بِالْقَلْعِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَلَيْسَ عَلَى الشَّفِيعِ كَبِيرُ ضَرَرٍ بِالتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُتْرَكُ بِأَجْرٍ. قَالَ رحمه الله:(وَإِنْ فَعَلَهُمَا الشَّفِيعُ فَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ فَقَطْ) مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ أَخَذَ الْأَرْضَ بِالشُّفْعَةِ فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَكَلَّفَ الْمُسْتَحِقُّ الشَّفِيعَ بِالْقَلْعِ فَقَلَعَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ رَجَعَ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَخَذَ الثَّمَنَ مِنْ الشَّفِيعِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ الثَّمَنَ، وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَا عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ أَخَذَهَا مِنْهُ، وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ مَعْنَاهُ لَا يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَلِّكٌ عَلَيْهِ فَكَانَ كَالْمُشْتَرِي. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ، وَمُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا غُرُورَ، وَلَا تَسْلِيطَ لِلشَّفِيعِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَهَا مِنْهُ جَبْرًا وَنَظِيرُهُ الْجَارِيَةُ الْمَأْسُورَةُ إذَا أَخَذَهَا الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مِنْ مَالِكِهَا الْجَدِيدِ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِالثَّمَنِ فَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ وَضَمِنَ قِيمَةَ الْوَلَدِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ، وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُشْتَرِيًا حَيْثُ يَرْجِعُ بِهِمَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ.

قَالَ رحمه الله: (وَبِكُلِّ الثَّمَنِ إنْ خَرِبَتْ الدَّارُ أَوْ جَفَّ الشَّجَرُ)، وَمَعْنَاهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ غَرْسٌ فَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ، وَلَا يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْأَرْضِ حَتَّى يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَلَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِهَذَا يَبِيعُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَ بَعْضُ الْأَرْضِ بِغَرَقٍ حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ بَعْضُ الْأَصْلِ هَذَا إذَا انْهَدَمَ الْبِنَاءُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ نَقْضٌ، وَلَا مِنْ الشَّجَرِ شَيْءٌ مِنْ حَطَبٍ أَوْ خَشَبٍ، وَأَمَّا إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَأَخَذَهُ الْمُشْتَرِي لِانْفِصَالِهِ مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِلْأَرْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ سُقُوطِ بَعْضِ الثَّمَنِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ بَقِيَ مُحْتَبِسًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الدَّارِ يَوْمَ الْعَقْدِ، وَعَلَى قِيمَةِ النَّقْضِ يَوْمَ الْأَخْذِ.

قَالَ رحمه الله: (وَبِحِصَّةِ الْعَرْصَةِ إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ) أَيْ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْعَرْصَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ، وَالتَّبَعُ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِهِ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ فِيهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَإِذَا كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ يَوْمَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ مَا إذَا انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ النَّقْضُ بَاقِيًا حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهَا قِيمَةُ النَّقْضِ يَوْمَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ قِيمَةٌ بِالْحَبْسِ، وَنَقْضُ الْأَجْنَبِيِّ الْبِنَاءَ كَنَقْضِ الْمُشْتَرِي. قَالَ رحمه الله:(وَالنَّقْضُ لَهُ) أَيْ النَّقْضُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا كَانَ يَأْخُذُهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْعَرْصَةِ، وَقَدْ زَالَتْ بِالِانْفِصَالِ. قَالَ رحمه الله:(وَبِثَمَرِهَا إنْ ابْتَاعَ أَرْضًا وَنَخْلًا وَثَمَرًا أَوْ أَثْمَرَ فِي يَدِهِ) أَيْ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ مَعَ ثَمَرِهَا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى الْأَرْضَ مَعَ ثَمَرِهَا بِأَنْ شَرَطَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ أَثْمَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَبَعٍ بِخِلَافِ النَّخْلِ.

وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَخْذُ الثَّمَرِ لِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ بِالِاتِّصَالِ خِلْقَةً صَارَ تَبَعًا مِنْ وَجْهٍ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْبَيْعِ فَيَسْرِي إلَيْهِ الْحَقُّ الثَّابِتُ فِي الْأَصْلِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْأَخْذِ كَالْمَبِيعَةِ إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الْوَلَدَ تَبَعًا لِلْأُمِّ كَذَا هَذَا. قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ جَدَّهُ الْمُشْتَرِي سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ) أَيْ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهَا بِثَمَرِهَا بِالشَّرْطِ فَكَانَ لَهُ فَيَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ، وَإِنْ هَلَكَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: وَفِي الزَّرْعِ الْقِيَاسُ أَنْ يُقْلَعَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَرَعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَكِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ثُمَّ يُقْضَى لِلشَّفِيعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ فَعَلَهُمَا الشَّفِيعُ فَاسْتُحِقَّتْ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَا عَلَى الْبَائِعِ إنْ أَخَذَ مِنْهُ، وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ مُتَمَلِّكٌ عَلَيْهِ فَنُزِّلَا مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَالْفَرْقُ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ، وَمُسَلَّطٌ عَلَيْهِ، وَلَا غُرُورَ، وَلَا تَسْلِيطَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ. اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارًا فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ فَبَنَاهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَأْخُذُ الدَّارَ وَيُقَالُ لِلشَّفِيعِ اهْدِمْ بِنَاءَك وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ إنْ كَانَ أَخَذَ الدَّارَ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَغْرُورٍ، وَهُوَ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَأَجْبَرَ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ عَلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ إلَيْهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ فِي الْأُصُولِ، وَلَمْ يَحْكِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا خِلَافًا وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى دَارًا، وَأَخَذَهَا رَجُلٌ بِالشُّفْعَةِ فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ مِنْ يَدِهِ، وَقَدْ بَنَى فِيهَا عَلَى مَنْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ قَالَ عَلَى الَّذِي قَبَضَ الثَّمَنَ، وَكَذَلِكَ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّفِيعَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَ بَعْضُهَا بِتَبَعٍ لِبَعْضٍ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لِلشَّفِيعِ سَقَطَتْ حِصَّتُهَا بِكُلِّ حَالٍ، وَالْبِنَاءُ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فَإِذَا سُلِّمَ لِلْمُشْتَرِي سَقَطَ حِصَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ لَمْ يَسْقُطْ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ سَمِعْنَا أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي رَجُلٍ

ص: 251