الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا بِأَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ مِنْ جِنْسِهِ فَيَكُونُ فِي حَقِّهِ بَيْعُ الْمُقَدَّرِ بِجِنْسِهِ جُزَافًا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا وَإِذَا كَانَ فِيهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ أَكْثَرَ وَإِنَّ احْتِمَالَهُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ هُوَ احْتِمَالُ الِاحْتِمَالِ فَنَزَلَ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ فَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ مَعَ جَهَالَةِ التَّرِكَةِ يَجُوزُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى التَّسْلِيمِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُصَالِحِ، أَوْ بَعْضُهَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يَصِيرَ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ مَعْلُومًا لِلْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بَطَلَ الصُّلْحُ وَالْقِسْمَةُ)؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَمْلِكُونَ التَّرِكَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُسْتَغْرِقَ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ التَّرِكَةِ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِرْثِ، وَلَوْ ضَمِنَ رَجُلٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ جَازَ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ هَذَا كَفَالَةٌ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ وَهُوَ الْمَيِّتُ فَتَصِيرُ حَوَالَةً فَيَخْلُو مَالُ الْمَيِّتِ عَنْ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا بِالدَّيْنِ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقْسِمُوهُ أَوْ يُصَالِحُوا عَنْهُ، وَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ التَّرِكَةِ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالصَّرْفِ إلَى جُزْءٍ دُونَ جُزْءٍ فَصَارَ كَالْمُسْتَغْرِقِ فَيُمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو عَنْ دَيْنٍ قَلِيلٍ فَلَوْ مَنَعَ غَيْرُ الْمُسْتَغْرَقِ مِنْهُ تَمَلُّكَ الْوَارِثِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ، أَوْ إلَى أَنْ لَا يَمْلِكُوا أَصْلًا فَقُلْنَا بِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ يَرْفَعُونَ مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ الدَّيْنِ وَيُتْرَكُ حَتَّى يُقْضَى بِهِ الدَّيْنُ كَيْ لَا يَحْتَاجُوا إلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ)
قَالَ رحمه الله (هِيَ شَرِكَةٌ بِمَالٍ مِنْ جَانِبٍ وَعَمَلٌ مِنْ جَانِبٍ) يَعْنِي: الْمُضَارَبَةُ عَقْدُ شَرِكَةٍ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَعَمَلٌ مِنْ الْآخَرِ هَذَا فِي الشَّرْعِ وَالْمُرَادُ بِالشَّرِكَةِ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ حَتَّى لَوْ شَرَطَا فِيهَا الرِّبْحَ لِأَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ مُضَارَبَةً عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَقِيلَ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ دَفْعِ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا فَيَكُونُ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ بِسَبَبِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَلِلْمُضَارِبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَسَبُّبٌ لِوُجُودِ الرِّبْحِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ السَّيْرُ فِيهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: 20] يَعْنِي الَّذِينَ يُسَافِرُونَ لِلتِّجَارَةِ
وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسِيرُ فِي الْأَرْضِ غَالِبًا لِطَلَبِ الرِّبْحِ؛ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] وَهُوَ الرِّبْحُ وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَ هَذَا الْعَقْدَ مُقَارَضَةً وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَقْطَعُ قَدْرًا مِنْ مَالِهِ وَيُسَلِّمُهُ لِلْعَامِلِ، وَأَصْحَابُنَا اخْتَارُوا لَفْظَةَ الْمُضَارَبَةِ لِكَوْنِهَا مُوَافِقَةً لِمَا تَلَوْنَا مِنْ نَظْمِ الْآيَةِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ هُوَ صَاحِبُ مَالٍ وَلَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفِ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِالْعَكْسِ فَشُرِعَتْ لِتَنْتَظِمَ مَصَالِحُهُمْ فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام بُعِثَ وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَهَا فَتَرَكَهُمْ عَلَيْهَا وَتَعَامَلَهَا الصَّحَابَةُ
أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى أَنَّ «عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ إذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْلُكَ بِهِ بَحْرًا وَأَنْ لَا يَنْزِلَ وَادِيًا وَلَا يَشْتَرِيَ ذَاتَ كَبِدٍ رَطْبٍ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَمِنَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ فَتَصِيرُ حَوَالَةً)؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إذَا كَانَتْ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ كَانَتْ حَوَالَةً فَيَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْكَفِيلُ فَتَخْلُو التَّرِكَةُ عَنْ الدَّيْنِ فَتَنْفُذُ الْقِسْمَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ اهـ أَتْقَانِيٌّ.
[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]
(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ) وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ الْمُضَارَبَةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ قَالَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِئْجَارُ الْعَامِلِ بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ أَوْ مَعْدُومٍ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ فَسَدَ كَانَ إجَارَةً بِالْإِجْمَاعِ وَجَهَالَةُ الْعَمَلِ وَالْأَجْرِ تُوجِبُ فَسَادَ الْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَجَوَّزْنَاهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَمَلٌ) هَكَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالرَّفْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالشَّرِكَةِ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي رَأْسِ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَكُونُ مُضَارَبَةً) أَيْ بَلْ بِضَاعَةً إنْ شَرَطَ جَمِيعَهُ لِرَبِّ الْمَالِ أَوْ قَرْضًا إنْ شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هِيَ دَفْعُ الْمَالِ إلَى الْغَيْرِ لِيَتَّجِرَ بِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ الْحَاصِلُ فِيهِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ السَّيْرُ فِيهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْعَاقِدَيْنِ حُصُولُ الرِّبْحِ وَلَنْ يَحْصُلَ ذَلِكَ عَادَةً إلَّا بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: 20] وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] وَأَطْلَقَ اسْمَ الْمُضَارِبِ عَلَى الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ ضَارِبٌ فِي الْأَرْضِ لَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ طَالِبٌ لِلضَّرْبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَنَّ عَبَّاسًا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَنَّ عَبَّاسَ اهـ
فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَحْسَنَهُ» فَصَارَتْ مَشْرُوعَةً بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ الْأَثْمَانِ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا شَائِعًا وَنَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْلُومًا وَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا مُسَلَّمًا إلَيْهِ فَإِنْ فُقِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَسَدَتْ
وَرُكْنُهَا أَنْ يَقُولَ دَفَعْت هَذَا الْمَالَ إلَيْك مُضَارَبَةً، أَوْ مُعَامَلَةً، أَوْ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَنَا نِصْفَانِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ثَبَتَتْ بِهَا الْمُضَارَبَةُ وَحُكْمُهَا أَنْوَاعٌ: إيدَاعٌ وَوَكَالَةٌ وَإِجَارَةٌ وَغَصْبٌ وَأَنْوَاعُهَا: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ عَلَى مَا يَجِيءُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ مُفَصَّلًا قَالَ رحمه الله (وَالْمُضَارِبُ أَمِينٌ وَبِالتَّصَرُّفِ وَكِيلٌ وَبِالرِّبْحِ شَرِيكٌ وَبِالْفَسَادِ أَجِيرٌ وَبِالْخِلَافِ غَاصِبٌ وَبِاشْتِرَاطِ كُلِّ الرِّبْحِ لَهُ مُسْتَقْرِضٌ وَبِاشْتِرَاطِهِ لِرَبِّ الْمَالِ مُسْتَبْضِعٌ) يَعْنِي بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ أَمِينًا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ
وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَيْهِ مَضْمُونًا أَقْرَضَهُ رَأْسَ الْمَالِ كُلَّهُ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ مُضَارَبَةً، ثُمَّ يَدْفَعُهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي الْعَمَلِ فَإِذَا عَمِلَ وَرَبِحَ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ وَأَخَذَ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ الْقَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ أَخَذَ رَأْسَ الْمَالِ بِالْقَرْضِ، وَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَهُوَ الْعَامِلُ، أَوْ أَقْرَضَهُ كُلَّهُ إلَّا دِرْهَمًا مِنْهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَعَقَدَا شَرِكَةَ الْعِنَانِ، ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ الدِّرْهَمَ وَيَعْمَلُ فِيهِ الْمُسْتَقْرِضُ فَإِنْ رَبِحَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا صَارَ وَكِيلًا بِالتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِهِ بِأَمْرِهِ وَهَذَا مَعْنَى الْوَكَالَةِ، وَإِنَّمَا صَارَ شَرِيكًا لَهُ إذَا رَبِحَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ فَصَارَ ثُبُوتُ الشَّرِكَةِ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّتِهَا وَصِحَّةِ الِاشْتِرَاطِ، وَإِنَّمَا صَارَ أَجِيرًا إذَا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَهُ فِيهَا أَجْرُ الْمِثْلِ كَالْإِجَارَةِ إذَا فَسَدَتْ وَهُوَ بَدَلُ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى لِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَكَذَا
عَمَلُهُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يَرْضَ بِالْعَمَلِ مَجَّانًا فَيَجِبُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ الشَّرِيكِ حَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً إذَا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الرِّبْحَ بِالْمَالِ لَا بِالْعَمَلِ، ثُمَّ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الشَّرِكَةِ، وَإِنَّمَا صَارَ غَاصِبًا بِالْخِلَافِ لِوُجُودِ التَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْغَيْرِ كَالْغَصْبِ
وَهَذَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ فَإِذَا خَالَفَ فَقَدْ تَعَدَّى فَصَارَ غَاصِبًا فَيَضْمَنُ، وَإِنَّمَا صَارَ الْمُضَارِبُ مُسْتَقْرِضًا بِاشْتِرَاطِ كُلِّ الرِّبْحِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ كُلَّهُ إلَّا إذَا صَارَ رَأْسُ الْمَالِ مِلْكًا لَهُ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ كَالثَّمَرَةِ لِلشَّجَرِ، وَكَالْوَلَدِ لِلْحَيَوَانِ فَإِذَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الرِّبْحِ لَهُ فَقَدْ مَلَّكَهُ جَمِيعَ رَأْسِ الْمَالِ مُقْتَضًى فَقَضِيَّتُهُ أَنْ لَا يَرُدَّ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يَقْتَضِي الرَّدَّ كَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ لَفْظَةَ الْمُضَارَبَةِ تَقْتَضِي رَدَّ رَأْسِ الْمَالِ فَجَعَلْنَاهُ قَرْضًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ عَمَلًا بِهِمَا؛ وَلِأَنَّ الْقَرْضَ أَدْنَى التَّبَرُّعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْحَقَّ عَنْ الْعَيْنِ دُونَ الْبَدَلِ
وَالْهِبَةُ تَقْطَعُ عَنْهُمَا فَكَانَ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَقَلَّ ضَرَرًا، وَإِنَّمَا صَارَ مُسْتَبْضِعًا بِاشْتِرَاطِ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَمْ يَطْلُبْ لِعَمَلِهِ بَدَلًا وَعَمَلُهُ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ فَكَانَ وَكِيلًا مُتَبَرِّعًا فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْبِضَاعَةِ فَكَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهَا.
قَالَ رحمه الله (وَإِنَّمَا تَصِحُّ بِمَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ)، وَمَعْنَاهُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِمَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ وَهِيَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا غَيْرُ عِنْدَهُمَا وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مِثْلُهُمَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الشَّرِكَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيُمْكِنُ تَقْدِيرُ رَأْسِ الْمَالِ بِمِثْلِ الْمَقْبُوضِ وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ بِالْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ يُسْتَرْبَحُ عَلَيْهَا بِالتِّجَارَةِ عَادَةً فَكَانَتْ كَالنَّقْدَيْنِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْمُضَارَبَةِ وَأَمْكَنَ تَقْدِيرُ رَأْسِ الْمَالِ بِالْقِيمَةِ إذْ هِيَ مُتَقَوِّمَةٌ؛ وَلِهَذَا تَبْقَى الْمُضَارَبَةُ عَلَيْهَا فَكَذَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهَا، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَالْمُضَارَبَةُ بِغَيْرِ النُّقُودِ تُؤَدِّي إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ وَرُبَّمَا زَادَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ) إمَّا تَسْمِيَةً أَوْ إشَارَةً. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَحُكْمُهَا أَنْوَاعٌ إيدَاعٌ) لَيْسَ هَذَا حُكْمَهَا وَإِنَّمَا هِيَ حَالَاتٌ لِلْمُضَارِبِ وَأَوْصَافٌ لَهُ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ مَقْبُوضٌ بِالْقِيمَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْوَثِيقَةُ) احْتِرَازٌ عَنْ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَقْرَضَهُ إلَخْ) هَذِهِ الْحِيلَةُ الثَّانِيَةُ عَزَاهَا الْأَتْقَانِيُّ لِشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ الدِّرْهَمَ) أَيْ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ الْمُقْرِضِ وَرَأْسُ مَالِ الْمُسْتَقْرِضِ جَمِيعَ مَا اسْتَقْرَضَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِيهِ جَمِيعًا وَيُشْتَرَطَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْمَلُ الْمُسْتَقْرِضُ خَاصَّةً فِي الْمَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ) أَيْ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَعْدَمَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِلْمُضَارِبِ وَلَكِنْ لَا يَطِيبُ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ إذَا تَصَرَّفَا وَرَبِحَا لَا يَطِيبُ لَهُمَا الرِّبْحُ عَلَى الِاخْتِلَافِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ بِالْعُرُوضِ) وَمَا كُتِبَ فِي بَعْضِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِالْعُرُوضِ لَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِهِمْ بَلْ ذَكَرَ فِيهَا لَا تَصِحُّ بِالْعُرُوضِ. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَالْمُضَارَبَةُ بِغَيْرِ النُّقُودِ تُؤَدِّي إلَيْهِ) بَيَانُهُ أَنَّهُ الْمُضَارِبُ لَوْ بَاعَ الْعُرُوضَ فَهَلَكَتْ الْعُرُوض فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ الْعُرُوضَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ إنْ سَلَّمَهَا تَمَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَرَضُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَالرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْهُ يَكُونُ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَهُوَ حَرَامٌ لِلنَّهْيِ وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بَلَغَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا تَكُونُ الْمُضَارَبَةُ بِالْعُرُوضِ إنَّمَا تَكُونُ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
فَإِذَا بَاعَهَا شَرَكَهُ فِي الرِّبْحِ فَحَصَلَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ إذْ الْمُضَارِبُ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ شَيْءٌ فِي ضَمَانِهِ بِخِلَافِ النُّقُودِ فَإِنَّهُ عِنْدَ الشِّرَاءِ بِهَا يَجِبُ الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَمَا يَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ رِبْحُ مَا ضَمِنَ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ عُرُوضٌ
أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَأَوَّلُ تَصَرُّفٍ يَكُونُ فِيهَا بَيْعٌ وَقَدْ يَحْصُلُ بِهَذَا الْبَيْعِ رِبْحٌ بِأَنْ يَبِيعَهُ، ثُمَّ يَرْخُصَ سِعْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَظْهَرُ رِبْحُهُ بِدُونِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ هَذَا اسْتِئْجَارًا عَلَى الْبَيْعِ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ فَيَكُونُ بَاطِلًا كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرَضًا وَقَالَ: بِعْهُ وَاعْمَلْ بِثَمَنِهِ مُضَارَبَةً جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضَافَةَ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ، وَلَنَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ الْعَرَضِ أَوَّلًا، وَهُوَ كَبَيْعِهِ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ عَقَدَ الْمُضَارَبَةَ عَلَى الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ، وَهُوَ كَالْمَقْبُوضِ فِي يَدِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ وَاشْتَرِ بِثَمَنِهِ هَذَا الْعَبْدَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَيْسَ فِيهَا إلَّا تَوْكِيلٌ وَإِجَارَةٌ وَكُلُّ ذَلِكَ قَابِلٌ لِلْإِضَافَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ غَيْرُ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ
أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِضَافَةَ سَبَبٌ لِلْحَالِ دُونَ التَّعْلِيقِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْعَرَضَ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَيَكُونُ ذَلِكَ رَأْسَ الْمَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا فَلَا يَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ اقْبِضْ دَيْنِي مِنْ فُلَانٍ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ بِالْقَبْضِ وَإِضَافَةٌ لِلْمُضَارَبَةِ إلَى مَا بَعْدَ قَبْضِ الدَّيْنِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ وَالتَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ لَا يَصِحُّ حَتَّى يُعَيِّنَ الْبَائِعَ، أَوْ الْمَبِيعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فَبَطَلَ التَّوْكِيلُ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى كَانَ لِلْمَأْمُورِ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِقَبْضِ مَا فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ بِمَا فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَا ذَكَرْنَا حَتَّى يَكُونَ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ لَكِنَّ الْمُشْتَرَى عُرُوضٌ فَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ رحمه الله (وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا) أَيْ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ إلَّا إذَا كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَتَحَقَّقُ بِهِ حَتَّى لَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَزِيدَ الرِّبْحُ عَلَى الْمُسَمَّى.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرَضًا إلَخْ) يَعْنِي بِهَذَا وَجْهَ الْحِيلَةِ فِي جَوَازِ الْمُضَارَبَةِ بِالْعُرُوضِ وَوَجْهُهَا هَذَا وَحِيلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْخَصَّافُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ وَقَالَ قُلْت أَرَأَيْت رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا مَتَاعٌ كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ يَبِيعُ الْمَتَاعَ مِنْ رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ وَيَقْبِضُ الْمَالَ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُضَارِبِ مُضَارَبَةً ثُمَّ يَشْتَرِي الْمُضَارِبُ هَذَا الْمَتَاعَ مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ قَابِلٌ لِلْإِضَافَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي وَكَالَةِ الطَّحَاوِيِّ إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ غَدًا كَانَ وَكِيلًا فِي الْغَدِ وَفِيمَا بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ تَقْبَلُ الْإِضَافَةَ؛ وَلِهَذَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَمَامُ الْبَيَانِ فِيهِ مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ قُبَيْلَ بَابِ اشْتِرَاطِ الرِّبْحِ لِغَيْرِهِمَا، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَمَرَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً وَيَشْتَرِي بِهِ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْمَتَاعِ وَيَبِيعُهُ فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ لَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمِنْ شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ أَمَانَةً عِنْدَهُ، وَمَا اشْتَرَى فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ وَرِبْحُهُ لَهُ وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَيْنُهُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا اشْتَرَى وَبَاعَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ وَبَرِئَ الْمُضَارِبُ مِنْ دَيْنِهِ وَلِلْمُضَارِبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِثْلُ أَجْرِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إنْ فَسَدَتْ بَقِيَ أَمْرًا بِالشِّرَاءِ لَهُ بِمَا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَعِنْدَهُمَا الْأَمْرُ بِهِ صَحِيحٌ فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ وَقَدْ أَطْمَعَهُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَصِحَّ فَيَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَمَرَ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ مَعْلُومًا يَصِحُّ الشِّرَاءُ لِلْآمِرِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مَتْنًا وَشَرْحًا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ الْكَلَامُ فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ هُوَ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ فَإِذَا اشْتَرَطَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً كَالْمِائَةِ وَنَحْوِهَا تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَكُونُ الرِّبْحُ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ فَلَا يَبْقَى لِلْآخَرِ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْرًا مَعْلُومًا مُشَاعًا مِنْ كُلِّ الرِّبْحِ مِثْلُ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَإِذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا مِائَةً مِنْ الرِّبْحِ مَثَلًا أَوْ مِائَةً مَعَ الثُّلُثِ أَوْ الثُّلُثَ إلَّا مِائَةً وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ لَمْ تَجُزْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَرْبَحَ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ ثُمَّ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَدَّى إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ صَحَّتْ وَبَطَلَ الشَّرْطُ مِثْلُ أَنْ يَشْرِطَا الْوَضِيعَةَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا أَنَّ مَا تَقِفُ صِحَّتُهُ عَلَى الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ مَا أَمْكَنَ كَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ؛ وَلِأَنَّهَا وَكَالَةٌ مَعْنًى وَالْوَكَالَةُ لَا يُبْطِلُهَا الشَّرْطُ الْفَاسِدُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ رحمه الله وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ تَحْتُ عَطْفًا عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ بِمَا تَصِحُّ اهـ قُلْت وَقَدْ وَجَدْته فِي نُسَخٍ كَذَلِكَ وَفِي بَعْضِهَا وَيَكُونُ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ مُضَارِعُ كَانَ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مَصْدَرًا مَجْرُورًا بِالْبَاءِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا إلَخْ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ
زِيَادَةَ عَشْرَةٍ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ عَنْ الْمَشْرُوطِ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَيَجِبُ الْأَجْرُ لِلْمُضَارِبِ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ أَجْرَ الْأَجِيرِ يَجِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَنَافِعِ وَالْعَمَلِ كَمَا فِي أَجِيرِ الْوَحْدِ، وَقَدْ وُجِدَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَمَا لَا يَجِبُ فِي الصَّحِيحَةِ مِنْهَا مَعَ أَنَّهَا فَوْقَهَا فِي إمْضَاءِ حُكْمِهَا وَاسْتِحْقَاقِ الْمُسَمَّى فِيهَا وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ أَمَانَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ بِالْهَلَاكِ كَمَا فِي الصَّحِيحَةِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْعُقُودِ يَأْخُذُ الْحُكْمَ مِنْ الصَّحِيحِ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّهُ عَيْنٌ فِي يَدِ أَجِيرِهِ وَلَوْ تَلِفَ بَعْدَ الْعَمَلِ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَقِيلَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إذَا تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ إجَارَةٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهَذَا الطَّرِيقِ مَا شَاءَ مِنْ الْمَالِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ هَذِهِ مُضَارَبَةٌ لَفْظًا وَإِجَارَةٌ مَعْنًى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ طَلَبَ لِعَمَلِهِ أُجْرَةً فَعَمِلْنَا بِاللَّفْظِ فِي انْتِقَاءِ الضَّمَانِ وَبِالْمَعْنَى فِي حَقِّ وُجُوبِ أَجْرِ مِثْلِهِ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ كَأَجِيرِ الْوَحْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيجَارِ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
قَالَ رحمه الله (وَكُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةَ الرِّبْحِ يُفْسِدُهَا وَإِلَّا لَا وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَشَرْطِ الْوَضِيعَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَدِّيًا إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ لَا يُفْسِدُهَا بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَاَلَّذِي يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أَرْضَهُ لِيَزْرَعَهَا سَنَةً، أَوْ دَارِهِ لِيَسْكُنَهَا سَنَةً، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ بَعْضَ الرِّبْحِ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ وَالْبَعْضَ أُجْرَةَ دَارِهِ أَوْ أَرْضِهِ وَلَا يَعْلَمُ حِصَّةَ الْعَمَلِ حَتَّى تَجِبَ حِصَّتُهُ وَيَسْقُطُ مَا أَصَابَ مَنْفَعَةَ الدَّارِ، وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ صَحَّ الْعَقْدُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى جَهَالَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَعَلَى أَنَّ لِلَّذِي أَخَذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً زِيَادَةً مِنْ الرِّبْحِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قَالَ لَا خَيْرَ فِي هَذَا وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدٌ عَلَى الشَّرِكَةِ فَمَا أَدَّى إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ كَانَ فَاسِدًا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا الشَّرْطُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْبَحُ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ فَلَا يَحْصُلُ لِلْآخَرِ شَيْءٌ وَإِذَا فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ كَانَ لِلْعَامِلِ أَجْرٌ مِثْلُ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ ابْتَغَى لِعَمَلِهِ عِوَضًا فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ذَلِكَ لِفَسَادِ الْعَقْدِ كَانَ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ زِيَادَةُ عَشْرَةٍ) أَيْ عَنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ الرِّبْحِ اهـ
(قَوْلُهُ لَا يُجَاوِزُ عَنْ الْمَشْرُوطِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ كَمَا فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ اهـ (قَوْلُهُ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ) أَيْ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا) أَيْ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ) يَعْنِي يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ سَوَاءٌ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ) وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَكُونُ فِي مَعْنَى الْأَجِيرِ إذَا فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ ثُمَّ الْأَجِيرُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إمَّا بِتَسْلِيمِ الْمَنَافِعِ كَمَا فِي أَجِيرِ الْوَحْدِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ وَفِي تَسْلِيمِ نَفْسِهِ تَسْلِيمُ الْمَنَافِعِ وَإِمَّا بِتَسْلِيمِ الْعَمَلِ كَمَا فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَقَدْ وُجِدَ تَسْلِيمُ الْمَنَافِعِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَلَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ الْعَقْدِ فَيَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ كَمَا فِي أَجِيرِ الْوَحْدِ) فِيهِ نَظَرٌ كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ) أَيْ إذَا لَمْ يَرْبَحْ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَجِبُ مَا نَصُّهُ فِي الْفَاسِدَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ أَمَانَةٌ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْمُضَارِبُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ كَالْأَجِيرِ فِيهَا فَإِنْ ضَاعَ مِنْهُ الْمَالُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ كَمَا تَرَى وَلَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَجَعَلَهُ أَمَانَةً كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ وَجُمْلَةُ الْبَيَانِ هُنَا مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فَقَالَ وَلَوْ قَالَ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَلِلْمُضَارِبِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ عَسَى لَا يَرْبَحُ إلَّا مِائَةً وَمَتَى فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ انْقَلَبَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً حَتَّى لَوْ عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ فَرَبِحَ مَالًا أَوْ لَمْ يَرْبَحْ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ وَهَلْ يُجَاوِزُ نِصْفَ الرِّبْحِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي شَرِكَةِ الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ أَنَّ الْمَجْمُوعَ يَكُونُ لِلْجَامِعِ وَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ نِصْفَ الْمَجْمُوعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ بِنِصْفِ الرِّبْحِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَلَوْ وُضِعَ الْمَالُ أَوْ تَلِفَ الْمَالُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ مَضْمُونًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِحُكْمِ الْمَالِ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ أَوْ فَسَدَتْ يَكُونُ أَمَانَةً، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُضَارَبَةً عِنْدَهُ فَقَدْ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا وَلَهُ وِلَايَةُ جَعْلِهِ أَمِينًا وَكَذَا كُلُّ مُضَارَبَةٍ فَاسِدَةٍ عَمِلَ بِهَا الْمُضَارِبُ فَرَبِحَ أَوْ وَضَعَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَا رِبْحَ لَهُ وَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الْكَافِي انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَضْمُونَةٍ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لَهُمَا عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ بَيْنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنَّ هَذِهِ) أَيْ الْمُضَارَبَةَ الْفَاسِدَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ) أَيْ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ فَأَمَّا الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ إجَارَةٌ لَفْظًا وَمَعْنًى فَيَكُونُ الْمَالُ مَضْمُونًا عِنْدَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْهَلَاكُ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ. اهـ. كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ صَحَّ الْعَقْدُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ دَفَعَ أَلْفًا مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَعَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ
حِصَّةِ الْعَمَلِ إذْ نَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ مُقَابَلٌ بِعَمَلِهِ لَا غَيْرُ وَلَا جَهَالَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا شَرَطَ لَهُ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ الرِّبْحِ شَائِعًا، ثُمَّ هُوَ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَيَبْطُلُ هُوَ دُونَهَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَا تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالْوَكَالَةِ وَالْهِبَةِ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَشَرْطُ الْوَضِيعَةِ شَرْطٌ زَائِدٌ لَا يُوجِبُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ وَلَا الْجَهَالَةَ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا وَتَكُونُ الْوَضِيعَةُ وَهُوَ الْخُسْرَانُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مَا فَاتَ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ بِالْهَلَاكِ يَلْزَمُ صَاحِبَ الْمَالِ دُونَ غَيْرِهِ وَالْمُضَارِبُ أَمِينٌ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالشَّرْطِ فَصَارَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ، أَوْ قَطْعَ الشَّرِكَةِ فِيهِ مُفْسِدٌ وَمَا لَا فَلَا.
قَالَ رحمه الله (وَبِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ) يَعْنِي رَبُّ الْمَالِ يُسَلِّمُ الْمَالَ إلَيْهِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ فِيهَا مَعْنَى الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مُقَابَلٌ بِعَمَلِهِ وَالْمَالُ مَحَلُّ الْعَمَلِ فَيَجِبُ تَسْلِيمُهُ كَالْإِجَارَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ كَالْوَدِيعَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَسْلِيمُ الْمَالِ إلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ انْعَقَدَتْ عَلَى الْعَمَلِ مِنْهُمَا فَشَرْطُ انْتِفَاءِ يَدِ رَبِّ الْمَالِ فِيهَا يُخْرِجُ الْعَقْدَ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَرِكَةً وَلَا كَذَلِكَ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهَا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْعَمَلَ مِنْ الْآخَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَالِ إلَى الْعَامِلِ وَتَخْلِيصِهِ لَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَشَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يُنَافِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ عَاقِدًا، أَوْ غَيْرَ عَاقِدٍ كَالصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا عَلَى مَالِهِمَا بِجِهَةِ الْمِلْكِ كَالْكَبِيرِ فَبَقَاءُ يَدِهِمَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُسَلِّمًا إلَى الْمُضَارِبِ وَكَذَا
أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً فَشَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ شَرِيكُهُ مَعَ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ لَلشَّرِيكِ فِيهِ مِلْكًا فَيَمْنَعُ يَدَهُ مِنْ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُضَارِبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَاقِدُ مَالِكًا وَشَرَطَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ مَعَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
رَبُّ الْمَالِ أَرْضَهُ يَزْرَعُهَا سَنَةً أَوْ عَلَى أَنْ يُسْكِنَهُ دَارِهِ سَنَةً فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَ بِهَا شَرْطًا لَا تَقْتَضِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الَّذِي شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ أَرْضَهُ لِيَزْرَعَهَا رَبُّ الْمَالِ سَنَةً أَوْ يَدْفَعَ دَارِهِ إلَى رَبِّ الْمَالِ يَسْكُنُهَا سَنَةً فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ نِصْفِ الرِّبْحِ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ وَعَنْ أُجْرَةِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ فَصَارَ حِصَّةُ الْعَمَلِ مَجْهُولًا بِالْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ كَذَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَا تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ) أَيْ كَمَا لَوْ شَرَطَ لُزُومَ الْمُضَارَبَةِ بِخِلَافِ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةَ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ إذْ الْعَقْدُ شُرِعَ لِإِثْبَاتِ مُوجَبِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ إذْ مُوجَبُهُ تَسْلِيمُ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ وَذَا يَمْنَعُهُ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِدَفْعِ الْمَالِ) قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ رحمه الله يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ وَبِدَفْعٍ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ تَحْتُ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِمَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت. اهـ. (قَوْلُهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُضَارِبِ شَرْطُ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ، وَشَرْطُ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ يُفْسِدُهَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ كَالْوَدِيعَةِ وَإِذَا شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ مَعَهُ لَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ تَبْقَى عَلَى الْمَحَلِّ فَيُمْنَعُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَرَدَّهُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَفَعَلَ وَرَبِحَ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ صَرِيحُ النَّقْضِ وَلَا دَلَالَتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَعِينًا بِهِ عَلَى الْعَمَلِ وَمَتَى وَقَعَ الْعَمَلُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ إعَانَةً لَا يُجْعَلُ هَذَا اسْتِرْدَادًا فَلَا تُنْتَقَضُ بِهِ الْيَدُ الثَّابِتَةُ لِلْمُضَارِبِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ فِي حَالِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ مَانِعَةٌ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَالتَّسْلِيمُ شَرْطُ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إذَا اسْتَعَانَ بِالْمُسْتَأْجِرِ فَفَعَلَ حَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ هُوَ الْعَمَلُ فَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ أَمَّا هَاهُنَا فَالْعَمَلُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِي تَحْصِيلِ الرِّبْحِ فَافْتَرَقَا وَصَارَ كَأَنَّ الْمَالِكَ وَهَبَ لِلْمُضَارِبِ رَأْسَ الْمَالِ ثُمَّ اشْتَرَكَا، وَلَوْ فَعَلَ كَذَلِكَ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَذَا هَاهُنَا كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ
وَلَوْ دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مُضَارَبَةً فَالْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ فَاسِدَةٌ وَالْمُضَارَبَةُ الْأُولَى جَائِزَةٌ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ تَنْفَسِخُ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهِيَ تُعْرَفُ فِي الْمُخْتَلَفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ اشْتِرَاطَ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَ رَبُّ الْمَالِ عَاقِدًا كَالْبَالِغِ أَوْ غَيْرَ عَاقِدٍ كَالصَّغِيرِ مِثْلُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إذَا دَفَعَ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ الصَّغِيرِ يَفْسُدُ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ مَالِكٌ لِلْمَالِ فَبَقَاءُ يَدِهِ فِيهِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْمُضَارَبَةِ كَالْكَبِيرِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالٍ إذَا شَرَطَ عَمَلَهُ مَعَ الْمُضَارِبِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ كَأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَوْ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ إذَا دَفَعَا مَالًا مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ شَرِيكِهِ مَعَ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالِهِ كَالدَّافِعِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ شَرِيكُ رَبِّ الْمَالِ إنْ كَانَتْ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ يَدَ الشَّرِيكِ كَيَدِهِ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَصَارَ كَأَنَّ يَدَ رَبِّ الْمَالِ بَاقِيَةٌ عَلَى الْمَالِ فَمَنَعَتْ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَكَذَلِكَ شَرِيكُ الْعِنَانِ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ لَمْ يَفْسُدْ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ شَرِيكَ الْعِنَانِ فِي غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ يُنَزِّلُ مَنْزِلَةَ الْأَجَانِبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
الْمُضَارِبِ فَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمُضَارَبَةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ تَفْسُدُ كَالْمَأْذُونِ يَدْفَعُ مَالَهُ مُضَارَبَةً وَيَشْتَرِطُ عَمَلَهُ مَعَ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ إلَيْهِ وَالْيَدُ ثَابِتَةٌ لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ وَيَدُهُ يَدُ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى التَّصَرُّفِ فَكَانَ قِيَامُ يَدِهِ مَانِعًا لِصِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مُضَارَبَةً لَمْ تَفْسُدْ الْمُضَارَبَةُ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا دَفَعَا مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً
وَشَرَطَا أَنْ يَعْمَلَا بِأَنْفُسِهِمَا مَعَ الْمُضَارِبِ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَخَذَا مَالَهُ مُضَارَبَةً لِيَعْمَلَا بِأَنْفُسِهِمَا بِالنِّصْفِ صَحَّ فَكَذَا إذَا شَرَطَا عَمَلَهُمَا مَعَ الْمُضَارِبِ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَالٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ فِيهِ مُضَارِبًا وَحْدَهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُضَارِبًا مَعَ غَيْرِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَاقِعٌ لِلصَّغِيرِ حُكْمًا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَصَارَ دَفْعُهُ كَدَفْعِ الصَّغِيرِ وَشَرْطُهُ كَشَرْطِهِ فَتُشْتَرَطُ التَّخْلِيَةُ مِنْ قِبَلِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الْمَالِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ، وَإِنْ دَفَعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ مَالَهُ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ مَعَ الْمُضَارِبِ يُنْظَرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمُضَارَبَةِ فِيهِ
وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَوْلَى فِيهِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا دَفَعَ مَالَهُ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ مَعَهُ لَا يَفْسُدُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ.
قَالَ رحمه الله (وَيَبِيعُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ وَيَشْتَرِي وَيُوَكِّلُ وَيُسَافِرُ وَيُبْضِعُ وَيُودِعُ) يَعْنِي لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَفْعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً مُطْلَقَةً بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ مَثَلًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ الْأَنْوَاعَ كُلَّهَا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا هُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ فِي جِهَةٍ مِنْ التَّصَرُّفِ دُونَ جِهَةٍ، أَوْ فِي نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ دُونَ نَوْعٍ فَيُطْلِقُ لَهُ الْكُلَّ لِيَحْصُلَ لَهُ غَرَضُهُ وَهُوَ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ وَالتَّوْكِيلُ وَالْإِبْضَاعُ وَالْإِيدَاعُ وَالْمُسَافَرَةُ مِنْ صَنِيعِهِمْ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ فِي بَلَدِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ فِي غُرْبَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَى بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَبِيعُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ)، وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرْتُك أَنْ تَبِيعَهُ بِالنَّقْدِ فَبِعْتَهُ بِالنَّسِيئَةِ وَقَالَ الْمُضَارِبُ لَا بَلْ أَمَرْتنِي بِبَيْعِهِ مُطْلَقًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ فِي مِثْلِهِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُوَكِّلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ يَعْنِي الْبَزَّازِيَّ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَنَسِيئَةٍ مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَكِيلًا خَاصًّا مَلَكَ ذَلِكَ بِإِطْلَاقِ الْوَكَالَةِ فَإِذَا كَانَ عَامًّا أَوْلَى، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ عَسَى لَا يَحْصُلُ لَهُ الرِّبْحُ إلَّا بِالنَّسِيئَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إلَّا إذَا بَاعَ إلَى أَجَلٍ لَا يَبِيعُ التُّجَّارُ إلَيْهِ يَعْنِي إذَا بَاعَ الْمُضَارِبُ إلَى أَجَلٍ طَوِيلٍ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ أَنْ تَبِيعَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَعَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا وَالنَّسِيئَةُ بِالْهَمْزِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلَةٍ وَرُبَّمَا تُدْغَمُ بَعْدَ التَّخْفِيفِ كَالْخَطِيئَةِ وَالنَّسَاءُ بِالْمَدِّ التَّأْخِيرُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ اهـ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ رحمه الله فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ لِلْمُضَارِبِ تَأْخِيرَ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفٍ فَقَوْلُهُ مُتَعَارَفٍ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا بَاعَ إلَى أَجَلٍ طَوِيلٍ اهـ
(قَوْلُهُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَفْعَلَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً مُطْلَقَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَرَادَ بِالْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ أَنْ لَا تَكُونَ مُقَيَّدَةً بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً لَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَسَيَجِيءُ بَعْدَ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ) أَيْ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ فِي غُرْبَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَكَذَا لَهُ أَنْ يُبْضِعَ وَيُودِعَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ فِي الْمَالِ بِعِوَضٍ فَإِذَا أَبْضَعَ فَقَدْ حَصَلَ الْعَمَلُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ أَوْلَى وَإِنَّمَا قُلْنَا يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الرِّبْحِ إلَّا بِالْعَمَلِ وَرُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ الْمُضَارِبُ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْأَجِيرِ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةُ التُّجَّارِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ إلَّا بِذَلِكَ وَهُوَ مَأْذُونٌ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ السُّفُنَ وَالدَّوَابَّ وَالرِّجَالَ لِحَمْلِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَحْصُلُ بِنَقْلِ الْمَالِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ وَلَا يُمْكِنُهُ نَقْلُهُ بِنَفْسِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَأَنْ يَرْتَهِنَ بِدَيْنٍ لَهُ مِنْهَا عَلَى رَجُلٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ الْإِيفَاءُ وَالِارْتِهَانُ الِاسْتِيفَاءُ وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِعَقْدٍ عَامٍّ
وَالْحَاصِلُ هُنَا مَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمُضَارَبَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ هُوَ مِنْ بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَتَوَابِعِهَا فَيَمْلِكُهَا بِمُطْلَقِ الْإِيجَابِ وَهُوَ الْإِيدَاعُ وَالْإِبْضَاعُ وَالْإِجَارَةُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَالرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَقِسْمٌ آخَرُ لَيْسَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ لَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُلْحَقَ بِهَا عِنْدَ وُجُودِ الدَّلَالَةِ وَهُوَ إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ فِي الْمُضَارَبَةِ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً أَوْ يَخْلِطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ هَذَا بِمُطْلَقِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يَرْضَ بِشَرِكَةِ غَيْرِهِ وَهُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا تَقُومُ بِهِ التِّجَارَةُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ فَإِذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَلَهُ ذَلِكَ، وَقِسْمٌ آخَرُ لَيْسَ هُوَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهَا وَهُوَ الْإِقْرَاضُ وَالِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَالِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْمَالِ تَصَرُّفٌ بِغَيْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَالتَّوْكِيلُ مُقَيَّدٌ بِرَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّعَدِّيَ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَإِذَا نَصَّ عَلَيْهِ اُعْتُبِرَ بِنَفْسِهِ حَتَّى يَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لَا مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ رَأْسُ الْمَالِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ لَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ فَهَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَرْجِعُ
صَاحِبَهُ رَضِيَ بِهِ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُقِيمُ بِدَارِ الْغُرْبَةِ دَائِمًا فِي الْغَالِبِ وَإِعْطَاؤُهُ الْمَالَ مُضَارَبَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَيَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ إذْ اللَّفْظُ دَالٌّ عَلَيْهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَعْرِيضٌ عَلَى الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ السَّلَامَةُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَوْهُومِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ وَالْمُضَارِبُ لَهُ ذَلِكَ فَكَانَ أَدْنَى مِنْهَا وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ يُوجِبُ قَصْرَ يَدِهِ عَنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَيُعْجِزُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِضِدِّ مَقْصُودِ رَبِّ الْمَالِ فَصَارَ كَالْإِقْرَاضِ بَلْ فَوْقَهُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ بِوَاسِطَةِ الطَّلَبِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ فَيَكُونُ فِيهَا نَوْعُ إهْلَاكٍ أَوْ تَبَرُّعٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ الْمَرِيضُ بِالنَّسِيئَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَنَحْنُ نَقُولُ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَهُوَ مُتَعَارَفٌ عِنْدَهُمْ فَيَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى تَحْصِيلِ الرِّبْحِ عَادَةً فَكَانَ أَوْفَقَ لِمَقْصُودِ رَبِّ الْمَالِ وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدٍ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْضَاعِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَالْمُضَارَبَةِ قُلْنَا: الْمُضَارَبَةُ يَصِيرُ شَرِيكًا وَالْعَبْدُ لَا يَكُونُ شَرِيكًا فَافْتَرَقَا.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدًا وَلَا أَمَةً)، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى الْمَهْرِ وَإِلَى سُقُوطِ نَفَقَتِهَا بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ فَإِنَّ فِيهِ إشْغَالَ رَقَبَتِهِ بِالدَّيْنِ وَاسْتِحْقَاقَ بَيْعِهِ بِهِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمُضَارَبَةِ يَدُلُّ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَالِ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ لَا بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ وَلَا يُعْتِقَ عَلَى مَالٍ، وَإِنْ كَانَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ دُونَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْتَضِي الِاكْتِسَابَ دُونَ التِّجَارَةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ فَيَمْلِكَ تَزَوُّجَ الْأَمَةِ أَيْضًا وَنَظِيرُهَا الْأَبُ وَالْوَصِيُّ حَيْثُ يَمْلِكَانِ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةَ دُونَ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ لِلصَّغِيرِ فَمَهْمَا كَانَ فِيهِ نَظَرٌ لِلصَّغِيرِ فَعَلَاهُ وَمَا لَا فَلَا وَنَظِيرُ الْمُضَارِبِ الشَّرِيكُ شَرِكَةَ عِنَانٍ، أَوْ مُفَاوَضَةٍ حَتَّى كَانَ تَزْوِيجُهُ الْأَمَةَ عَلَى الْخِلَافِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يُضَارِبُ إلَّا بِإِذْنٍ، أَوْ بِاعْمَلْ بِرَأْيِك) يَعْنِي لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَالَ مُضَارَبَةً إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْمُضَارِبُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَرَبُّ الْمَالِ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَضْمَنَ إلَّا مِقْدَارَ رَأْسِ الْمَالِ فَلَوْ جَوَّزْنَا الِاسْتِدَانَةَ لَزِمَهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ اسْتِدَانَتُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ خَاصَّةً، وَأَمَّا إذَا اسْتَدَانَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَمَا يَشْتَرِيهِ بَيْنَهُمَا شَرِكَةُ وُجُوهٍ، أَلَا تَرَى الْمُشْتَرَى بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي مَالٍ عَيْنٍ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُضَارَبَةً لَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا شَرِكَةُ وُجُوهٍ وَإِطْلَاقُ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي التَّسَاوِي فَلِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَقَدْ قَالُوا لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَأْخُذَ سَفْتَجَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِدَانَةٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا يُعْطِي سَفْتَجَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَرْضٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْقَرْضَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اعْمَلْ بِرَأْيِك لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَعُودُ إلَى التِّجَارَةِ وَلَا يَتَنَاوَلُ التَّبَرُّعَ وَالِاسْتِدَانَةَ اهـ قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ إلَخْ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَ أَدْنَى مِنْهَا) أَيْ فَكَانَ السَّفَرُ أَدْنَى مِنْ الْإِيدَاعِ اهـ
(قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ)، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ مُسْتَقِيمٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ الْمُطْلَقَ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ عِنْدَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبْضَاعِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ فِي الْمَشْهُورِ يَمْلِكُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) رَوَاهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدًا وَلَا أَمَةً) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ وَاحِدًا مِنْهُمَا. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُضَارِبُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ بِاعْمَلْ بِرَأْيِك) أَيْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِاشْتِرَاكِ غَيْرِهِ فِي الرِّبْحِ فَلَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك)، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ فَدَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ فَاسِدَةً فَلَا يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ عَمِلَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ وَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ وَيَجِبُ لِلثَّانِي أَجْرُ الْمِثْلِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ
فَإِنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ صَحِيحَةً لَمْ يَكُنْ الْمَالُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ حَتَّى إنَّ الْمَالَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ هَلَكَ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَلَا يَكُونُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا بِالْإِيدَاعِ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ وَإِذَا عَمِلَ الثَّانِي صَارَ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا وَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ، وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي بِمَا ضَمِنَ وَصَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ إلَى الثَّانِي هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَضْمَنُ إذَا عَمِلَ الثَّانِي مَا لَمْ يَرْبَحْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ الرِّبْحُ وَلَا يَصِيرُ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا بِالتَّوْكِيلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُخَالِفًا بِالْإِشْرَاكِ وَكَذَلِكَ لَوْ خَلَطَ مَالَ نَفْسِهِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ضَمِنَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ وَالرِّبْحُ لَهُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ
لَوْ شَارَكَ مَعَ غَيْرِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ وَخَلَطَ ضَمِنَ وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا هَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَإِنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَلَهُ أَنْ يَخْلِطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ وَإِذَا رَبِحَ قَسَمَ الرِّبْحَ بَيْنَ الْمَالَيْنِ فَرِبْحُ مَالِهِ يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً وَرِبْحُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ وَكَذَلِكَ
لَوْ شَارَكَ مَعَ غَيْرِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ جَازَ وَيَقْسِمُ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ فَإِذَا قَسَمَ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ مَالُ الْمُضَارَبَةِ مَعَ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مَعَ الرِّبْحِ يَسْتَوْفِي مِنْهَا رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَمَا فَضَلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ كَذَا فِي
لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ أَوْ التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقِ إلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إلَّا بِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَالْمُسْتَعِيرِ حَيْثُ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ أَمْثَالَهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ لَا بِحُكْمِ النِّيَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ صَارَ حُرًّا يَدًا فَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ؛ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَالْبَيْعِ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ فَيَمْلِكُهُ وَالْمَأْذُونُ بِفَكِّ الْحَجْرِ بَقِيَ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ، وَالْمُسْتَعِيرُ يَمْلِكُ أَيْضًا تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ وَبِخِلَافِ الْإِيدَاعِ وَالْإِبْضَاعِ؛ لِأَنَّهُمَا دُونَهَا فَتَضَمَّنَهُمَا وَبِخِلَافِ الْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِدَانَةِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُمَا إلَّا بِالتَّصْرِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ التَّعْمِيمُ فِيمَا هُوَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ وَلَيْسَا مِنْهُ فَصَارَا كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَنَظِيرُ الْمُضَارَبَةِ الشَّرِكَةُ وَالْخَلْطُ بِمَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِك.
قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يَتَعَدَّ عَمَّا عَيَّنَهُ مِنْ بَلَدٍ وَسِلْعَةٍ وَوَقْتٍ وَمُعَامِلٍ كَمَا فِي الشَّرِكَةِ) أَيْ إذَا خَصَّ لَهُ رَبُّ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ فِي مُعَامَلَةِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ فَإِنْ تَعَدَّى صَارَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ وَفِي التَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ مِنْ أَمْنِ خَطَرِ الطَّرِيقِ وَخِيَانَةِ الْمُضَارِبِ وَمِنْ نَفَقَتِهِ مِنْ مَالِهِ، وَكَذَا الْأَسْعَارُ قَدْ تَخْتَلِفُ فَبِالتَّقْيِيدِ تَحْصُلُ الْفَائِدَةُ فَتُعْتَبَرُ، وَلَوْ عَيَّنَ لَهُ بَلَدًا وَأَخْرَجَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، أَوْ دَفَعَهُ بِضَاعَةً إلَى مَنْ يُخْرِجُهُ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ بِالْمُخَالَفَةِ صَارَ غَاصِبًا
وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِخْرَاجِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ وَتَقَرَّرَ ذَلِكَ بِالشِّرَاءِ وَالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ فَكَانَ لَهُ فَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ الْمَغْصُوبِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِ شَيْئًا حَتَّى رَدَّ الْمَالَ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ كَالْمُودَعِ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْوِفَاقِ وَعَادَ الْمَالُ مُضَارَبَةً مِثْلَ مَا كَانَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ بَاقِيَةٌ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ، وَكَذَا لَوْ رَدَّ الْبَعْضَ يَكُونُ الْمَرْدُودُ مُضَارَبَةً حَتَّى إذَا اشْتَرَى فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ كَانَ لِلْمُضَارَبَةِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ لَمَّا كَانَ مُفِيدًا تَقَيَّدَ بِهِ وَصَارَ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا لَكِنَّهُ لَا يَتَقَرَّرُ إلَّا بِالشِّرَاءِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ فَإِذَا رَجَعَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ زَالَ الضَّمَانُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى مَا كَانَ
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَيَّدَهُ فِي سُوقٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْمِصْرِ حَيْثُ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ الْوَاحِدَ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ وَكَإِقَالَةٍ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ، وَإِنْ كَانَتْ تَتَنَاوَلُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ لَكِنْ لَا تَتَنَاوَلُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهَا مَعْنَى الْأَمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّنَاوُلِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُضَارَبَةَ بِالشَّكِّ. اهـ. ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمَا دُونَهَا) أَيْ دُونَ الْمُضَارَبَةِ اهـ
(قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُمَا إلَّا بِالتَّصْرِيحِ) أَيْ لَا بِقَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِك. اهـ. (قَوْلُهُ وَنَظِيرُ الْمُضَارَبَةِ الشَّرِكَةُ وَالْخَلْطُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ مَعَ غَيْرِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ أَوْ يَخْلِطَ الْمَالَ بِمَالِ نَفْسِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ لَا بِشَرِكَةِ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ وَالشَّرِكَةُ أَعَمُّ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَفِي خَلْطِ الْمَالِ يَثْبُتُ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ حَقًّا لِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَتَعَدَّ عَمَّا عَيَّنَهُ مِنْ بَلَدٍ وَسِلْعَةٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَتَى شَرَطَ عَلَى الْمُضَارِبِ شَرْطًا فِي الْمُضَارَبَةِ إنْ كَانَ شَرْطًا لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ فَائِدَةٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُضَارِبِ مُرَاعَاتُهُ وَالْوَفَاءُ بِهِ وَإِذَا لَمْ يُوَفِّ بِهِ صَارَ مُخَالِفًا وَعَامِلًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِرَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَيُجْعَلُ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْأَسْعَارُ قَدْ تَخْتَلِفُ) أَيْ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى خَارِجَ الْكُوفَةِ وَبَاعَ وَرَبِحَ أَوْ وَضَعَ فَالرِّبْحُ لَهُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ وَلَا يَتَصَدَّقُ أَصْلُهُ الْمُودَعُ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَصَارَ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ مُتَعَدِّيًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَكَلَّمُوا أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ مُخَالِفًا بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ بِالْعَمَلِ وَالْأَمْرُ بِالْعَمَلِ مُقَيَّدٌ فَصَارَ الْأَمْرُ بِالْحِفْظِ مُقَيَّدًا أَيْضًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ بِالْكُوفَةِ فَخَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ فَاشْتَرَى بِهَا قَالَ إذَا اشْتَرَى فَهُوَ ضَامِنٌ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ شَرَطَ الشِّرَاءَ لِلضَّامِنِ كَمَا تَرَى وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْكُوفَةِ فَقَدْ خَالَفَ وَقَدْ جَعَلَهُ مُخَالِفًا بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ
قِيلَ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنَّمَا شَرَطَ الشِّرَاءَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِيُقَرِّرَ الضَّمَانَ لَا لِأَصْلِ الْوُجُودِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْهُ بِالْعَوْدِ قَبْلَ الشِّرَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَيَّدَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّقْيِيدُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْبَلَدِ حَيْثُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ إذَا جَاوَزَهُ خِلَافُ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا حَتَّى إذَا اشْتَرَى وَبَاعَ بِالْكُوفَةِ فِي غَيْرِ سُوقِهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَلَوْ دَفَعَهُ مُضَارَبَةٌ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ السُّوقِ بِالْكُوفَةِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِهِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ فِي غَيْرِ السُّوقِ إذَا كَانَ فِي الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي السُّوقِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ السُّوقِ؛ لِأَنَّ الْأَسْعَارَ لَا تَتَفَاوَتُ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فَلَا يَكُونُ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا، وَلَوْ قَالَ لَا تَعْمَلُ بِهِ إلَّا فِي السُّوقِ فَعَمِلَ فِي الْكُوفَةِ فِي غَيْرِ السُّوقِ فَهُوَ مُخَالِفٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فِي السُّوقِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْعَمَلَ بِهِ تَقَيُّدُهُ بِمَكَانٍ وَالتَّقْيِيدُ لَغْوٌ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي بَدَأَ بِالنَّهْيِ وَاسْتَثْنَى تَصَرُّفًا خَاصًّا فَلَوْ أَلْغَيْنَاهُ لَا يَسْتَقِيمُ الْإِطْلَاقُ بِصَدْرِ الْكَلَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدُ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالنَّهْيِ بِأَنْ قَالَ اعْمَلْ فِي هَذَا السُّوقِ وَلَا تَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَتَقَيَّدُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَهُ وَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَيْهِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ يُفِيدُ لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ حَقِيقَةً، وَكَذَا حُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الْحِفْظَ فِي مَحَلَّتِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى فَإِذَا تُصُوِّرَ الِاخْتِلَافُ تَقَيَّدَ بِهِ فَيَضْمَنُ إذَا خَالَفَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ بِعْ نَسِيئَةً وَلَا تَبِعْ حَالًّا حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَالًّا عِنْدَ عَدَمِ اخْتِلَافِ السِّعْرِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ بِيَقِينٍ فَهُوَ نَظِيرُ مَنْ لَوْ وَكَّلَ شَخْصًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ بِالزِّيَادَةِ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ بِأَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَا
قُلْنَا فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ غَيْرَ مُفِيدٍ لَا يُعْتَبَرُ حَتَّى إذَا أَوْدَعَ، وَقَالَ لَا تَضَعْهَا مِنْ يَدِك لَيْلًا وَنَهَارًا لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، ثُمَّ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِالْمَذْكُورِ قَوْلُهُ خُذْ هَذَا مُضَارَبَةً تَعْمَلُ بِهِ فِي مِصْرَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعْمَلُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالْكَلَامُ الْمُبْهَمُ إذَا تَعَقَّبَهُ تَفْسِيرٌ كَانَ الْحُكْمُ لِلتَّفْسِيرِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فَاعْمَلْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ وَاَلَّذِي وَصَلَ الْكَلَامَ الْمُبْهَمَ وَتَعَقَّبَهُ كَانَ تَفْسِيرًا لَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ بِمِصْرَ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فِي مِصْرَ؛ لِأَنَّ فِي لِلظَّرْفِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ ظَرْفًا إذَا حَصَلَ الْفَاعِلُ وَالْفِعْلُ فِيهِ
وَكَذَا إذَا قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِمِصْرَ؛ لِأَنَّ عَلَى لِلشَّرْطِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ وَلَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً وَاعْمَلْ بِهِ فِي مِصْرَ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ فِي الْعَمَلِ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ وَالشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُعْطَفُ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلِابْتِدَاءِ إذَا كَانَ بَعْدَهَا جُمْلَةٌ فَيَكُونُ مَشُورَةً لَا شَرْطًا فِي الْأَوَّلِ، وَفِي الْكَافِي مَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ مِنْ الْأَلْفَاظِ سِتَّةٌ دَفَعْت إلَيْك الْمَالَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالْكُوفَةِ، أَوْ لِتَعْمَلَ بِهِ، أَوْ تَعْمَلُ بِالْكُوفَةِ مَجْزُومًا، أَوْ مَرْفُوعًا أَوْ فَاعْمَلْ بِهِ بِالْكُوفَةِ، أَوْ قَالَ دَفَعْت إلَيْك مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ بِالْكُوفَةِ وَمَا لَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ لَفْظَانِ دَفَعْت إلَيْك مُضَارَبَةً وَاعْمَلْ بِالْكُوفَةِ، أَوْ قَالَ اعْمَلْ بِالْكُوفَةِ
وَالضَّابِطُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَتَى ذَكَرَ عَقِيبَ الْمُضَارَبَةِ مَا لَا يُمْكِنُ التَّلَفُّظُ بِهِ ابْتِدَاءً وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ مَبْنِيًّا عَلَى مَا قَبْلَهُ يُجْعَلُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْأَلْفَاظِ السِّتَّةِ، وَإِنْ اسْتَقَامَ الِابْتِدَاءُ بِهِ لَا يُبْنَى عَلَى مَا قَبْلَهُ وَيُجْعَلُ مُبْتَدَأً كَمَا فِي اللَّفْظَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الزِّيَادَةُ شُورَى فَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ الطَّعَامَ، أَوْ قَالَ فَاشْتَرِ بِهِ الطَّعَامَ، أَوْ قَالَ لِتَشْتَرِي بِهِ الطَّعَامَ، أَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فِي الطَّعَامِ فَهَذَا كُلُّهُ مُفِيدٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقْيِيدُ بِهِ
وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ وَتَبِيعَ مِنْهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْمُعَامَلَةِ قَضَاءً وَاقْتِضَاءً، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، أَوْ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَتَبِيعَ مِنْهُمْ فَبَاعَ فِي الْكُوفَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِ الصَّيَارِفَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ عَادَةً التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ أَوْ بِالنَّوْعِ فَيُقَيَّدُ بِالْمَكَانِ وَالنَّوْعِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ فِي الْأَوَّلِ وَيَبِيعَ فِيهَا مِنْ أَهْلِهَا وَمِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فِي الثَّانِي وَيَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمَكَانِ وَالنَّوْعِ مُفِيدٌ فَيُعْتَبَرُ وَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ وَالصَّيَارِفَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَا يُمْكِنُ إحْصَاؤُهُمْ فَيَجْتَمِعُ فِيهِمْ الصَّالِحُ وَالطَّالِحُ فَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدُ بِهِمْ فَلَا يُعْتَبَرُ وَيُفِيدُ التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ وَالنَّوْعِ مِنْ حِفْظِ الْمَالِ عَلَى مَا يَرَى هُوَ فَيُعْتَبَرُ
وَكَذَلِكَ إنْ وَقَّتَ لِلْمُضَارَبَةِ وَقْتًا يَتَقَيَّدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ كَمَا يَتَقَيَّدُ بِالنَّوْعِ وَالْمَكَانِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يَشْتَرِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمَالِكِ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِقَرَابَةٍ، أَوْ بِسَبَبِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ، وَذَلِكَ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَفِي التَّصَرُّفِ فِيهِ كَثِيرًا وَالْعِتْقُ يُنَافِيهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ هُنَاكَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَهُنَا مُقَيَّدٌ بِمَالٍ يُمْكِنُ التِّجَارَةُ فِيهِ حَتَّى لَوْ وَجَدَ فِي الْوَكَالَةِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّقْيِيدِ بِأَنْ قَالَ اشْتَرِ لِي عَبْدًا أَبِيعُهُ، أَوْ قَالَ أَسْتَخْدِمُهُ أَوْ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا نَفَذَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَالْوَكِيلِ إذَا خَالَفَ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَيْثُ يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا.
قَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ عِنْدَ عَدَمِ اخْتِلَافِ السِّعْرِ بَيْنَهُمَا) أَيْ خِلَافًا لِزُفَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ) أَيْ خِلَافًا لِزُفَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ مَرْفُوعًا) تَعْمَلُ بِهِ بِالْكُوفَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْأَلْفَاظِ السِّتَّةِ) إذْ لَا يَسْتَقِيمُ الِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالْكُوفَةِ وَكَذَلِكَ فِي أَخَوَاتِهَا فَاعْتُبِرَتْ مُتَعَلِّقَةً بِمَا قَبْلَهَا فَصَارَتْ بِمَعْنَى الشَّرْطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ كَمَا فِي اللَّفْظَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ وَهُمَا قَوْلُهُ وَاعْمَلْ بِالْكُوفَةِ بِالْوَاوِ وَغَيْرِ الْوَاوِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِيمُ الِابْتِدَاءُ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ مِمَّا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الزِّيَادَةُ شُورَى) كَأَنَّهُ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ أَنْفَعُ وَأَحْسَنُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِالنَّوْعِ) أَرَادَ بِهِ الصَّرْفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَبِيعُ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَغَيْرِهِمْ) أَيْ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الصَّرْفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَشْتَرِ مَنْ يَعْتِقُ إلَخْ) إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ جَارِيَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ وَطْؤُهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَتَمَامُهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ مُضَارَبَةً امْرَأَةٌ فَاشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ زَوْجَهَا صَحَّ الشِّرَاءُ وَبَطَلَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهَا بِالشِّرَاءِ. اهـ. سِرَاجٌ وَهَّاجٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِسَبَبِ يَمِينٍ) أَيْ بِأَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إذَا مَلَكَهُ. اهـ. .
- رحمه الله (أَوْ عَلَيْهِ إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ نَصِيبُهُ وَيَفْسُدُ بِسَبَبِهِ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ أَوْ يَعْتِقُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي الْعِتْقِ فَيُمْتَنَعُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَالْمُرَادُ مِنْ ظُهُورِ الرِّبْحِ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِي جُمْلَةِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قِيمَةُ الْعَيْنِ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ أَقَلَّ لَا يَظْهَرُ مِلْكُ الْمُضَارِبِ فِيهِ بَلْ يُجْعَلُ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ حَتَّى إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا وَصَارَ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ، أَوْ أَقَلُّ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ، أَوْ أَكْثَرُ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ، أَوْ أَقَلُّ فَاشْتَرَاهُمْ لَا يَعْتِقُ مِنْهُمْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ مِنْهُمْ شَيْئًا حَتَّى تَزِيدَ قِيمَةُ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ عَلَى حِدَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَمِّهِ إلَى آخَرَ.
قَالَ رحمه الله (وَضَمِنَ إنْ فَعَلَ) أَيْ ضَمِنَ الْمُضَارِبُ إنْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ، وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا الْعَبْدَ لِنَفْسِهِ فَيَضْمَنُ بِالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ صَحَّ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى زِيَادَةٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ جَازَ شِرَاؤُهُ لِلْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذْ لَا مِلْكَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ لِكَوْنِهِ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِلْمُضَارَبَةِ فَيَجُوزُ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ ظَهَرَ عَتَقَ حَظُّهُ) أَيْ إنْ ظَهَرَ الرِّبْحُ فِي الْمُشْتَرَى بَعْدَ الشِّرَاءِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ قَدْرَ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَقَلَّ، ثُمَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَتْ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ بَعْضَ قَرِيبِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يَضْمَنْ لِرَبِّ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا عَتَقَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ بِسَبَبِ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ فَصَارَ كَمَا إذَا وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَسَعَى الْمُعْتَقُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُ اُحْتُبِسَتْ مَالِيَّتُهُ عِنْدَهُ فَيَضْمَنُهَا كَالْعَبْدِ الْمَوْرُوثِ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَحَدُهُمَا أَبُوهُ وَفِي الْكَافِي لَوْ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَا فَضْلَ فِيهِ وَنِصْفُهُ بِمَالِهِ صَحَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ هَذَا النِّصْفَ لَا رِبْحَ فِيهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْعِتْقُ فِيهِ، وَإِنَّمَا دَخَلَ الْعِتْقُ فِيهِ حُكْمًا لِمَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا، وَالشَّرِيكُ فِي هَذَا وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ كَالْمُضَارِبِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَبْدًا هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الشَّرِيكِ الْآخَرِ نَفَذَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُضَارِبِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْأَبُ، أَوْ الْوَصِيُّ لِلصَّغِيرِ عَبْدًا هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصَّغِيرِ، أَوْ الْمَعْتُوهِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى الْأَبِ، أَوْ الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِيهِ لِلصَّغِيرِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْلَى يَصِحُّ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ عَتَقَ عَلَى الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى أَمْ لَا.
قَالَ رحمه الله (مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ ظُهُورِ الرِّبْحِ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي الْحَوَاشِي الْآتِيَةِ وَفِي الْأَصْلِ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَضَمِنَ إنْ فَعَلَ) أَيْ ضَمِنَ الْمُضَارِبُ إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَوْ عَلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ الْحُكْمَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِيمَا تَقَدَّمَ بَلْ أَخَّرَهُ إلَى هُنَا اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ رحمه الله (قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ) أَيْ كَمَا إذَا اشْتَرَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فَمَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأَخًا لَا يَضْمَنُ الزَّوْجُ لِلْأَخِ لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ فَكَذَا هُنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسَعَى الْمُعْتَقُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ) أَيْ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ وَنَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا فَوَطِئَهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ ابْنُهُ ثُمَّ زَادَ الْغُلَامُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْس مِائَةٍ وَالرَّجُلُ الْمُدَّعِي مُوسِرٌ قَالَ إنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ اسْتَسْعَى الْغُلَامَ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ الْغُلَامَ فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا ضَمِنَ الْمُدَّعِي نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَوْلُهُ وَالْمُدَّعِي مُوسِرٌ أَيْ الْمُدَّعِي لِلْوَلَدِ وَهُوَ الْمُضَارِبُ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِيَسَارِهِ نَفْيًا لِشُبْهَةٍ تَرِدُ بِأَنْ يُقَالَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُضَارِبُ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ إذَا كَانَ الْمُضَارِبُ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعِتْقِ يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَلَكِنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ نُفُوذَ الْعِتْقِ بِمَعْنًى حُكْمِيٍّ لَا صُنْعَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ
اعْلَمْ أَنَّ الْوَلَدَ إذَا لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ عَلَى أَلْفٍ فَدَعْوَةُ الْمُضَارِبِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْوَالِدِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ وَانْتَفَى الْحَدُّ لِاحْتِمَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ ظُهُورِ الرِّبْحِ فِي الثَّانِي وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ أَصْلًا وَيَضْمَنُ الْعُقْرَ فَيَكُونُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنَافِعِ فَصَارَ كَالْكَسْبِ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْجَارِيَةَ وَالْوَلَدَ؛ لِأَنَّهُمَا مَالُ الْمُضَارَبَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ فَيُعْتَبَرُ رَأْسُ الْمَالِ فِي كُلِّ عَبْدٍ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ قِسْمَةُ الرَّقِيقِ فَتُجْعَلُ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ كَعَبْدٍ وَاحِدٍ فَيَظْهَرُ الرِّبْحُ فَمَلَكَ الْمُضَارِبُ نِصْفَ الرِّبْحِ فَتَصِحُّ دَعْوَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَبِعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا حَتَّى زَادَ الْغُلَامُ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ نَفَذَتْ الدَّعْوَةُ السَّابِقَةُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ كَانَتْ صَحِيحَةً فِي الظَّاهِرِ حَمْلًا لَهَا عَلَى الصِّحَّةِ وَهُوَ فِرَاشُ النِّكَاحِ لَكِنَّهَا لَمْ تَنْفُذْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُمَا مَشْغُولَانِ بِرَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَهْلَكَ أَحَدُهُمَا فَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ رَأْسُ الْمَالِ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ
فَإِذَا وُجِدَ الْمِلْكُ بِظُهُورِ الرِّبْحِ نَفَذَتْ الدَّعْوَةُ وَعَتَقَ الْوَلَدُ عَلَى الْمُضَارِبِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَيْسَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلٌ فَالرِّبْحُ لَا يَظْهَرُ فِيهِمَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنْ صَارَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ
أَيْ مَعَ الْمُضَارِبِ (فَاشْتَرَى بِهِ أَمَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَادَّعَاهُ مُوسِرًا) أَيْ ادَّعَاهُ الْمُضَارِبُ فِي حَالِ يَسَارِهِ (فَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ سَعَى لِرَبِّ الْمَالِ فِي أَلْفٍ وَرُبُعِهِ) أَيْ رُبُعِ الْأَلْفِ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ (أَوْ أَعْتَقَهُ فَإِنْ قَبَضَ الْأَلْفَ ضَمِنَ الْمُدَّعِي) وَهُوَ الْمُضَارِبُ (نِصْفَ قِيمَتِهَا) أَيْ نِصْفَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْمُضَارِبِ وَقَعَتْ صَحِيحَةً ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَلَدُهُ مِنْ النِّكَاحِ بِأَنْ يُحْمَلَ أَنَّ الْبَائِعَ زَوَّجَهَا مِنْهُ، ثُمَّ بَاعَهَا مِنْهُ وَهِيَ حُبْلَى مِنْهُ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ لَكِنْ لَا تَنْفُذُ هَذِهِ الدَّعْوَى لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَهُوَ شَرْطٌ فِيهِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ فِيهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَزِيدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ رحمه الله؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِأَوْلَى بِهِ مِنْ الْبَعْضِ
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ نَصِيبٌ فِي الْأَمَةِ وَلَا فِي الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّصَرُّفِ فَلَا تَنْفُذُ دَعْوَتُهُ فَإِذَا زَادَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ وَصَارَتْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ظَهَرَ الرِّبْحُ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَمَلَكَ الْمُضَارِبُ مِنْهُ نِصْفَ الزِّيَادَةِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ السَّابِقَةُ فِيهِ لِوُجُودِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْمِلْكُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ، ثُمَّ ظَهَرَتْ الزِّيَادَةُ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ السَّابِقُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إنْشَاءٌ فَإِذَا بَطَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَنْفُذُ بَعْدَهُ بِحُدُوثِهِ أَمَّا الدَّعْوَةُ فَإِخْبَارٌ فَإِذَا رُدَّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَهُوَ بَاقٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَفَذَتْ دَعْوَتُهُ فِيهِ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ لِغَيْرِهِ يُرَدُّ إقْرَارُهُ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ حُرًّا
وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ الْغَيْرِ، ثُمَّ مَلَكَهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ؛ لِمَا قُلْنَا فَإِذَا نَفَذَتْ دَعْوَتُهُ صَارَ الْغُلَامُ ابْنًا لَهُ وَعَتَقَ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْهُ وَهُوَ رُبُعُهُ وَلَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِالْمِلْكِ وَالنَّسَبِ فَصَارَتْ الْعِلَّةُ ذَاتَ وَجْهَيْنِ، وَالْمِلْكُ آخِرُهُمَا وُجُودًا فَيُضَافُ الْحُكْمُ وَهُوَ الْعِتْقُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ أَصْلُهُ وَضْعُ الْقُفَّةِ عَلَى السَّفِينَةِ وَالْقَدَحِ الْأَخِيرِ وَالْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ فِي الزِّنَا؛ وَلِهَذَا قَالَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِلَّذِي أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالزِّنَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إيَّاكَ وَالرَّابِعَةَ فَإِنَّهَا هِيَ الْمُوجِبَةُ وَلَا صُنْعَ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمِلْكِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي إذْ لَا يَجِبُ ضَمَانُ الْعِتْقِ إلَّا بِالتَّعَدِّي فَكَانَ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْغُلَامِ
وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَاهُ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ اُحْتُبِسَتْ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْإِعْتَاقِ فَإِذَا اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ اسْتَسْعَاهُ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ مُسْتَحَقٌّ لَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ نَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ فَإِذَا قَبَضَ مِنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ وَظَهَرَ أَنَّ الْأُمَّ كُلَّهَا رِبْحٌ لِفَرَاغِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَنَفَذَ فِيهَا دَعْوَةُ الْمُضَارِبِ وَصَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فَالْآنَ ظَهَرَ الرِّبْحُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَنِصْفُهُ لِلْمُضَارِبِ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَقَدْ مَلَكَ الْمُضَارِبُ شَيْئًا مِنْ الْوَلَدِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ الْمَوْقُوفَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ سَعَى) أَيْ الْوَلَدُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ إنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْوَلَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَبَضَ) أَيْ رَبُّ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْأَلْفَ) أَيْ مِنْ الْوَلَدِ الَّذِي اسْتَسْعَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ رُبُعُهُ) أَيْ رُبُعُ رَأْسِ الْمَالِ اهـ
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ لِرَبِّ الْمَالِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ حِينَ ادَّعَى لَمْ تَنْفُذْ الدَّعْوَةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَحِينَ نَفَذَتْ الدَّعْوَةُ لَمْ يُوجَدْ صُنْعٌ مِنْ الْمُضَارِبِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعِتْقِ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الصُّنْعِ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ) عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَصْلُهُ وَضْعُ الْقُفَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ سَفِينَةٌ لَا تَحْمِلُ إلَّا مِائَةً مَنٍّ فَأَوْقَعَ فِيهَا رَجُلٌ مَنًّا زَائِدًا عَلَى الْمِائَةِ فَغَرِقَتْ كَانَ الضَّمَانُ كُلُّهُ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقَدَحُ الْأَخِيرُ) أَيْ فِي السُّكْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا صُنْعَ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمِلْكِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ بِازْدِيَادِ الْقِيمَةِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِي ازْدِيَادِ الْقِيمَةِ اهـ غَايَةٌ
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ) أَيْ مَالِيَّةُ الْغُلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَتْ) أَيْ الْأُمُّ بِمَنْزِلَةِ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَاسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا فَيَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ كَسْبَهَا وَخِدْمَتَهَا فَصَارَ ذَلِكَ الضَّمَانُ بِبَدَلٍ وَالضَّمَانُ إذَا كَانَ بِبَدَلٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الصُّنْعِ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الصُّنْعِ كَذَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَصْلِ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ الَّتِي تَجْرِي الْقِسْمَةُ فِيهَا إذَا كَانَتْ جَمَاعَةً وَفِيهَا فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ يَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ فِيهَا نَصِيبٌ نَحْوَ أَنْ يَصِيرَ كُلُّهُ حِنْطَةً أَوْ كُلُّهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ عُرُوضًا أَوْ حَيَوَانًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ سِوَى الرَّقِيقِ أَوْ ثِيَابًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ حَتَّى إنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَصِيبُهُ مِنْهُ يَبْلُغُ نِصَابًا كَامِلًا
وَلَوْ صَارَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ فَكُلُّ جِنْسٍ مِنْهَا مَشْغُولٌ بِرَأْسِ مَالِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ وَيَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ فِي الْحَاصِلِ هَذَا الْقَدْرُ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ كَانَ أَلْفًا فَاشْتَرَى مَا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ، وَلَوْ صَارَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ رَقِيقًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ وَاحِدًا وَفِيهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ يَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ وَهُوَ نِصْفُ الْفَضْلِ، وَلَوْ كَانُوا جَمَاعَةً قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَأْسُ الْمَالِ فَلَا يَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ فَيَكُونُ كَالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْسَمُ قِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُقْسَمُ الرَّقِيقُ فَيَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ نَصِيبٌ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ قَدْرُ رُبُعِهِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَلَا كَذَلِكَ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتْ جَمَاعَةً فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْكُلِّ فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْكُلِّ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ