المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ضمان الأجير) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٥

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْإِقْرَارِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ)

- ‌(بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ)

- ‌(كِتَابُ الصُّلْحِ)

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ]

- ‌(بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ)

- ‌[فَصْلٌ دَيْنٌ بَيْنَهُمَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ لِشَرِيكِهِ]

- ‌(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ)

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ]

- ‌(كِتَابُ الْوَدِيعَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْعَارِيَّةِ)

- ‌(كِتَابُ الْهِبَةِ)

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)

- ‌[فَصْلٌ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌(بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا)

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌(بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ)

- ‌(بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْمُكَاتَبِ)

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ]

- ‌[ فَصْلٌ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا]

- ‌[بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌{بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى}

- ‌[كِتَابُ الْوَلَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ]

- ‌[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[ فَصْلٌ حُرْمَةُ طَرَفِ الْإِنْسَانِ]

- ‌[إقْرَار الصَّبِيّ وَالْمَجْنُون فِي الْحَجَر]

- ‌[فَصْلٌ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌(فَصْلٌ) غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ

- ‌(كِتَابُ الْغَصْبِ)

- ‌[ فَصْلٌ غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ]

- ‌(كِتَابُ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ)

- ‌(بَابُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ)

- ‌(كِتَابُ الْقِسْمَةِ)

- ‌[مَا تَشْتَمِل عَلَيْهِ الْقِسْمَة]

- ‌[الْإِجْبَار عَلَى الْقِسْمَة]

- ‌(كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ)

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْمُزَارَعَة]

- ‌[مَاتَ الْمَزَارِع قَبْل الزَّرْع]

- ‌(كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ)

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْمُسَاقَاة]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]

- ‌[تفسخ الْمُسَاقَاة بِالْعُذْرِ]

- ‌[التَّسْمِيَة عِنْد الذَّبْح]

- ‌[ مَوْضِع الذَّبْح]

- ‌[حَدّ الشَّفْرَة قَبْل الذَّبْح]

- ‌ النَّخْعُ وَقَطْعُ الرَّأْسِ وَالذَّبْحُ مِنْ الْقَفَا)

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ]

- ‌[أَكُلّ الْأَرْنَب]

- ‌ذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ

- ‌[مَا يَحِلّ مِنْ حَيَوَان الْمَاء]

- ‌[مَا يَحِلّ بِلَا ذكاة]

الفصل: ‌(باب ضمان الأجير)

يَزْرَعُهَا فَزَرَعَهَا فَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْمُسَمَّى) لِأَنَّ الْأَرْضَ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْمَرَاحِ وَنَصْبِ الْخِيَمِ، وَكَذَا مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ فَبَعْضُهُ أَقَلُّ ضَرَرًا بِهَا مِنْ بَعْضٍ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ يَزْرَعُهَا وَيُبَيِّنَ جِنْسَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا فَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَهَالَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَيَنْقَلِبُ جَائِزًا كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ قَبْلَ مَجِيئِهِ وَالْخِيَارَ الزَّائِدَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ مَجِيءِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَى مَكَّةَ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ فَحَمَلَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ فَنَفَقَ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ فَلَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَتَعَدَّ، فَإِذَا تَعَدَّى ضَمِنَ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ بَلَغَ مَكَّةَ فَلَهُ الْمُسَمَّى) لِأَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِجَهَالَةِ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا، فَإِذَا حَمَلَ شَيْئًا يُحْمَلُ عَلَى مِثْلِهَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ فَانْقَلَبَ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِلْفَسَادِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ تَشَاحَّا قَبْلَ الزَّرْعِ وَالْحَمْلِ نُقِضَتْ الْإِجَارَةُ دَفْعًا لِلْفَسَادِ) إذْ الْفَسَادُ بَاقٍ قَبْلَ أَنْ تَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ بِالتَّعْيِينِ بِالزَّرْعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَبِالْحَمْلِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً، ثُمَّ جَحَدَ الْإِجَارَةَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَجْرُ مَا رَكِبَ قَبْلَ الْإِنْكَارِ وَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ لِمَا بَعْدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ بِالْجُحُودِ صَارَ غَاصِبًا وَالْأَجْرُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ سَلِمَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ فَسَقَطَ الضَّمَانُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ)

الْأُجَرَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَجِيرٌ خَاصٌّ وَأَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ قَالَ رحمه الله (الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَصَّ بِوَاحِدٍ عَمِلَ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ (وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا لِغَيْرِ وَاحِدٍ بَلْ) إذَا عَمِلَ لِوَاحِدٍ أَيْضًا فَهُوَ مُشْتَرَكٌ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَكُونُ عَقْدُهُ وَارِدًا وَعَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِبَيَانِ مَحِلِّهِ لِيَسْلَمَ مِنْ النَّقْضِ، وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ مَنْ يَكُونُ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى مَنَافِعِهِ وَلَا تَصِيرُ مَنَافِعُهُ مَعْلُومَةً إلَّا بِذِكْرِ الْمُدَّةِ أَوْ بِذِكْرِ الْمَسَافَةِ وَمَنَافِعُهُ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ، فَإِذَا صَارَتْ مُسْتَحَقَّةٌ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لِإِنْسَانٍ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ إيجَابِهَا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِيهِ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْعَيْنِ بِعَمَلِهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ الْمُدَّةَ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَقَبُّلُ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّهُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ نَظِيرُ السَّلَمِ مَعَ بَيْعِ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَمَّا كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ قَبُولُ السَّلَمِ مِنْ غَيْرِهِ وَالْبَيْعُ لَمَّا كَانَ يُلَاقِي الْعَيْنَ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ مَا بَاعَهُ فَلِهَذَا كَانَ مُشْتَرَكًا وَالْأَوَّلُ أَجِيرٌ وَاحِدٌ وَأَجِيرٌ خَاصٌّ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ بَاعَ شَيْئًا إلَى الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ ثُمَّ أَسْقَطَا الْأَجَلَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ أَوَانِ الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ انْقَلَبَ جَائِزًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَكَمَا فِي الصَّرْفِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَالْأَجَلِ إذَا أُسْقِطَ ذَلِكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ يَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي الَّذِي هُوَ مَبْسُوطُهُ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْتَمِلُ عَلَيْهَا، فَإِنْ اخْتَصَمَا رَدَدْت الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحْمُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيَصِيرَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَسَدَ الْعَقْدُ فَأَرَادَ الْإِجَارَةَ عِنْدَ اخْتِصَامِهِمَا، وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا أَوْ رَكِبَهَا إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَعَلَيْهِ مَا سَمَّاهُ مِنْ الْكِرَاءِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا التَّعْيِينَ بِالْفِعْلِ كَالتَّعْيِينِ بِالْقَوْلِ فِي حَالَةٍ لَهَا حُكْمُ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حَقِّ الْحُكْمِ يَنْعَقِدُ عِنْدَ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ عَيَّنَ فِي الِابْتِدَاءِ صَحَّ فَكَذَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا وَلَمْ يُسَمِّ مَا اسْتَأْجَرَهُ لَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ فَالْقَاضِي يَنْقُضُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ مَا لَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا بِاللُّبْسِ وَلَمْ يُعَيِّنْ اللَّابِسَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ، فَإِنْ عَيَّنَ اللَّابِسَ بَعْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ حَمَلَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ وَأَرَادَ بِهِ الْحَمْلَ الْمُعْتَادَ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَمَلَ غَيْرَ الْمُعْتَادِ فَهَلَكَ الْحِمَارُ يَجِب أَنْ يَضْمَنَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ فِي الْحَمْلِ الْمُعْتَادِ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِذْنِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعْتَادِ وَلَمْ يَتَعَدَّ الْمُعْتَادَ وَالْعَيْنُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْخِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ، وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ يُوجَدُ مِنْ الصَّحِيحِ فَفِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْخِلَافُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فَكَيْفَ، وَقَدْ انْقَلَبَ الْعَقْدُ جَائِزًا بِالْحَمْلِ الْمُعْتَادِ اسْتِحْسَانًا اهـ أَتْقَانِيٌّ

[بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ]

(بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَالْأَجِيرُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ مِنْ بَابِ آجَرَ وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ مُؤَجِّرٌ لَا مُؤَاجِرٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ اهـ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَيُحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

ص: 133

فِي حَدِّهِمَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ مِنْ وَاحِدٍ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ الْمُشْتَرَكُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حَتَّى يَعْمَلَ وَالْخَاصُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَهَذَا يَئُولُ إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَالْخَاصَّ وَحُكْمُهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنْ أَشْخَاصٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَثَرُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَقَّةً لِوَاحِدٍ فَمِنْ هَذِهِ الْوَجْهِ سُمِّيَ مُشْتَرَكًا وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي الْمُدَّةِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالْمَنَافِعِ، وَلِهَذَا يَبْقَى الْأَجْرُ مُسْتَحَقًّا، وَإِنْ نَقَصَ الْعَمَلُ قَالَ رحمه الله (وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ) يَعْنِي 45: الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا إذَا عَمِلَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَتَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فَمَا لَمْ يُسَلِّمْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَا يُسَلَّمُ لَهُ الْعِوَضُ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَثَرُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ.

قَالَ رحمه الله (وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ) سَوَاءٌ هَلَكَ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ وَالْغَارَةِ الْمُكَابِرَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رحمهم الله وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَقَالَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا هَلَكَ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا رضي الله عنهما كَانَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ وَعَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ الْعَيْبِ فَيَكُونُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ حِفْظًا سَلِيمًا عَنْ الْعَيْبِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ إلَّا بِالْحِفْظِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ الْقَصَّارُ وَالصَّبَّاغُ وَالْخَيَّاطُ وَالصَّائِغُ وَكُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِعَمَلِهِ دُونَ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ مَنْ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ بِالْوَقْتِ دُونَ الْعَمَلِ وَذَلِكَ كَرَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْدُمَهُ شَهْرًا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ لِيُقَصِّرَ مَعَهُ أَوْ لِيَخِيطَ مَعَهُ أَوْ لِيَعْمَلَ عَمَلًا مِنْ الْأَعْمَالِ سَمَّاهُ كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا كَذَا أَوْ كُلُّ يَوْمٍ بِكَذَا أَوْ كُلُّ سَنَةٍ بِكَذَا أَوْ كَذَا فَهَذَا هُوَ الْخَاصُّ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَأَجِيرُ الْوَحَدِ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنْ الْوَاحِدِ، وَفِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ الْعَقْدُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَمَلِ لَا عَلَى تَسْلِيمِ النَّفْسِ وَالْعَقْدُ فِي أَجِيرِ الْوَحَدِ يَقَعُ عَلَى تَسْلِيمِ النَّفْسِ إلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ لَا عَلَى تَسْلِيمِ الْعَمَلِ. إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ عِنْدَنَا الْقَصَّارُ وَالْخَيَّاطُ وَالْإِسْكَافُ وَكُلُّ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَأَجِيرُ الرَّجُلِ وَحْدَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ لِيَخْدُمَهُ شَهْرًا أَوْ لِيَخْرُجَ مَعَهُ إلَى مَكَّةَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَنْتَهِي عَمَلُهُ بِانْتِهَاءِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَهُوَ أَجِيرٌ وَحَدٌ، وَكُلُّ مَنْ لَا يَنْتَهِي عَمَلُهُ بِانْتِهَاءِ مُدَّةٍ مُقَدَّرَةٍ فَهُوَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَهَى عَمَلُهُ بِمُدَّةٍ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا يَئُولُ إلَى الدَّوْرِ) الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ بِالْأَجَلِيِّ وَالْأَشْهَرُ أَوْ تَعْرِيفٌ لِمَا يُذْكَرُ بِمَا قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْأَجْرِ مَتَى يَسْتَحِقُّ بِقَوْلِهِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. اهـ. كَاكِيٌّ رحمه الله

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِذَا سَلَّمَ إلَيْهِ مَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ مَضِّ مُوَنٌ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ تَلِفَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ضَمِنَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ غَالِبٍ لَا يُتَحَفَّظُ مِنْ مِثْلِهِ مِثْلَ حَرِيقٍ غَالِبٍ أَوْ عَدُوٍّ مُكَابِرٍ أَوْ سَارِقٍ كَذَلِكَ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَدُ الْأَجِيرِ يَدُ أَمَانَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي قَوْلٍ آخَرَ عَنْهُ يَدُ ضَمَانٍ وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ أَنَّ يَدَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ يَدُ ضَمَانٍ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ لِلْعَمَلِ كَذَا فِي وَجِيزِهِمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا مَا رُوِيَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُضَمِّنُ الصُّنَّاعَ مَا أَفْسَدُوا مِنْ مَتَاعِ النَّاسِ أَوْ ضَاعَ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَرُوِيَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَيْضًا أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يُضَمِّنُ الْخَيَّاطَ وَالْقَصَّارَ وَمِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الصُّنَّاعِ احْتِيَاطًا لِلنَّاسِ أَنْ يُضَيِّعُوا أَمْوَالَهُمْ، وَهَذَا كَانَ مِنْ رَأْيِهِ بَدِيًّا ثُمَّ رَجَعَ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(فَرْعٌ) اخْتَلَفَ الْأَجِيرُ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ فَقَالَ الْأَجِيرُ رَدَدْت وَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عِنْدَهُ فِي الْقَبْضِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْأَجْرِ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ قَدْ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ عِنْدَهُمَا فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ بَدَائِعُ.

(فَرْعٌ آخَرُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله ثُمَّ عِنْدَهُمَا إذَا ضَمَّنَهُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ مَقْصُورًا أَوْ أَعْطَاهُ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ الْعَمَلَ إلَى الْمَالِكِ وَحَدَثَتْ بِفِعْلِهِ زِيَادَةٌ فِي الثَّوْبِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَعَلَى الْأَجِيرِ ضَمَانُ الزِّيَادَةِ مَعَ الْأَصْلِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ وَلَمْ يَأْخُذْ أَجْرَ الْقِصَارَةِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ الْمَحَلُّ قَبْلَ وُصُولِ الْعَمَلِ إلَى يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَقِيقَةً فَأَشْبَهَ هَلَاكَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ مَتَى يَجِبُ الْأَجْرُ لِلْعَامِلِ، وَقَالَ أَيْضًا فِيهِ بَابُ مَا يَضْمَنُ فِيهِ الْأَجِيرُ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ هَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْقَصَّارِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُؤْتَمَنٌ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ، وَكَذَا لَوْ سُرِقَ، وَكَذَا جَمِيعُ الْعُمَّالِ لِانْعِدَامِ الْجِنَايَةِ مِنْهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ جِنَايَةٌ. اهـ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ ثُمَّ عِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ الْمَالِكُ ضَمَّنَهُ مَقْصُورًا وَأَعْطَى الْأُجْرَةَ، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مَقْصُورٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَ بِفِعْلِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ بِالِاتِّفَاقِ اهـ

ص: 134

فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْعَقْدِ فَيُضْمَنُ بِالْهَلَاكِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ إذَا كَانَتْ بِأَجْرٍ وَكَمَا إذَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ بِإِذْنِهِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ الْعَارِيَّةُ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ االتَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ وَكَالْغَصْبِ مِنْ الْعَدُوِّ وَالْمُكَابَرَةِ

وَلَوْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لَمَا اخْتَلَفَ الْحَالُ بَلْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ مُطْلَقًا كَالْغَصْبِ وَالْقَبْضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ أَوْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، عَكْسُهُ الْوَدِيعَةُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْحِفْظُ بَلْ الْعَمَلُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ تَبَعًا أَوْ اقْتِضَاءً لَا مَقْصُودًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَتَأَتَّى بِدُونِ حَبْسِ الْعَيْنِ وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ إلَّا بِحَبْسِ الْعَيْنِ كَانَ لَهُ حَبْسُهُ، وَلِهَذَا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْحِفْظُ لَكَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الْأَجْرِ فَصَارَ كَأَجِيرِ الْوَحَدِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ بِأَجْرٍ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مَقْصُودًا بِبَدَلٍ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أُتْلِفَ بِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَمَلُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ سَلِيمًا ضَمِنَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِمَا فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مَوْجُودٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الزَّمَانِ بَلْ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحِفْظَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ وَهُوَ الْعَمَلُ إلَّا بِحِفْظِ الْعَيْنِ، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَكُونُ وَاجِبًا كَوُجُوبِهِ فَكَانَ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ لَا يَكُونُ وَارِدًا عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى الْيَوْمَ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَبِهِ تَحْصُلُ صِيَانَةُ أَمْوَالِهِمْ، وَإِنْ شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْعَقْدِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا فَفَسَدَتْ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَعَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُهُ فِيهِ مُفْسِدًا.

قَالَ رحمه الله (وَمَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ وَزَلْقِ الْحَمَّالِ وَانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحِمْلُ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهَا مَضْمُونٌ)، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَا يُجَامِعُهُ الضَّمَانُ كَالْمُعِينِ لِلدَّقَّاقِ وَأَجِيرِ الْوَحَدِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ عَمِلَ مَا عَمِلَ بِأَمْرِهِ وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ يَنْتَظِمُ الْفِعْلَ بِنَوْعَيْهِ الْمَعِيبَ وَالسَّلِيمَ، وَالتَّخَرُّقُ لِضَعْفٍ فِي الثَّوْبِ وَلَئِنْ كَانَ لِمَعْنًى فِي فِعْلِهِ فَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ إذْ الدَّقُّ الْمُصْلِحُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَلَئِنْ كَانَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إلَّا بِحَرَجٍ عَظِيمٍ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَصَارَ كَالْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ تِلْمِيذُ الْقَصَّارِ وَهُوَ يَعْمَلُ بِالْأَجْرِ وَلَنَا أَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِعَمَلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا كَمَا لَوْ دَقَّ الثَّوْبَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْإِذْنِ هُوَ الدَّاخِلُ تَحْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْعَمَلُ الْمُصْلِحُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ عَلَى التَّسْلِيمِ لِأَنَّ مُطْلَقَ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ الْعُيُوبِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، فَإِذَا تَلِفَ كَانَ التَّلَفُ حَاصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَصَفَ لَهُ نَوْعًا مِنْ الدَّقِّ فَأَتَى بِنَوْعٍ آخَرَ بِخِلَافِ مُعِينِ الْقَصَّارِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَعَمَلُ الْمُتَبَرِّعِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالسَّلَامَةِ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ الْإِعَانَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ وَبِخِلَافِ الْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْعَمَلَ الْمُصْلِحَ؛ لِأَنَّ نَفْسَ ذَلِكَ الْعَمَلِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ إلَخْ) وَقَوْلُهُ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسٌ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَهَلَاكُ الْأَمَانَةِ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَوَجْهُهُ أَثَرُ عُمَرَ رضي الله عنه. اهـ. غَايَةٌ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ شُرَيْحًا لَمْ يُضَمِّنْ أَجِيرًا قَطُّ. إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْآثَارِ وَكَانَ حُكْمُ شُرَيْحٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ حَتَّى انْكَسَرَ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحَرْقِ الْغَالِبِ وَالْغَرَقِ الْغَالِبِ، وَلَوْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي زَحَمَ النَّاسَ حَتَّى انْكَسَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ. إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَلَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ فَزَلَقَ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. بَدَائِعُ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا سَيَجِيءُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ رحمه الله فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْعَمَلِ الَّذِي يَأْخُذُ عَلَيْهِ الْأَجْرَ فَيَضْمَنُ الْقَصَّارُ مَا تَخَرَّقَ مِنْ دَقِّهِ أَوْ مِنْ مَدِّهِ أَوْ مِنْ غَمْزِهِ أَوْ بَسْطِهِ، وَكَذَلِكَ الصَّبَّاغُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَضْمَنُ أَيْضًا فِي طَبْخِ الثَّوْبِ إنْ كَانَ مِمَّا يُطْبَخُ، وَكَذَلِكَ الْمَلَّاحُ يَضْمَنُ مَا كَانَ مِنْ مُرِّهِ أَوْ حَذْفِهِ أَوْ مَا تُعَالَجُ بِهِ السَّفِينَةُ لِلسَّيْرِ، وَكَذَلِكَ الْحَمَّالُ إذَا سَقَطَ مَا حَمَلَهُ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ عَثَرَ فَسَقَطَ مَا مَعَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْحَمَّالُ وَالْمُكَارَى إذَا كَانَ مِنْ سَوْقِهِ أَوْ قَوْدِهِ أَوْ انْقَطَعَ الْحَبْلُ الَّذِي شَدَّهُ عَلَى الْمَتَاعِ فَسَقَطَ الْمَتَاعُ وَفَسَدَ كُلُّ هَؤُلَاءِ يَضْمَنُونَ مَا يَفْسُدُ بِهِ الْمَتَاعُ مِنْ فَسَادٍ يَلْحَقُهُ مِنْهُ عِنْدَ حَمْلِهِ سَفِينَتَهُ أَوْ بِسَوْقِهِ لِدَابَّتِهِ أَوْ قَوْدِهِ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ هُوَ مُؤْتَمَنٌ فِي ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى كَمَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ إذَا تَعَدَّى وَلَا يَضْمَنُ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ عَمَلِهِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رحمه الله، وَقَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ يَضْمَنُ مَا جَنَتْ يَدَاهُ اسْتِحْسَانًا أَوْ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ بِأَجْرٍ فَدَقَّهُ دَقَّ الْمِثْلَ وَتَخَرَّقَ الثَّوْبُ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْعَالِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ كَالْمُعِينِ لِلدَّقَّاقِ) أَيْ فَإِنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ لِمَا سَيَجِيءُ اهـ

ص: 135

إفْسَادٌ، وَإِنَّمَا السَّلَامَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْ الْعَمَلِ لَا تُجَاوِزُ الْمُعْتَادَ وَبَعْدَ ذَلِكَ السِّرَايَةُ وَالِاقْتِصَارُ مَبْنِيَّانِ عَلَى قُوَّةِ الْمَحِلِّ فِي احْتِمَالِ الْأَلَمِ وَسَيَلَانِ الدَّمِ وَضَعْفِهِ عَنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ مَعْرِفَتُهُ وَالْخَارِجُ عَنْ الْوُسْعِ لَا يُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِحَالٍ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْ التَّخَرُّقِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ فِي وُسْعِ الْقَصَّارِ يَعْرِفُ بِالنَّظَرِ فِي الثَّوْبِ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الدَّقِّ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ فِيهِ وَهُوَ سَاقِطُ الْعِبْرَةِ فِيمَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ بِالْتِزَامِهِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى دَفْعًا لِلْحَرَجِ حَتَّى إذَا اجْتَهَدُوا وَأَخْطَأَ يَكُونُ مَعْذُورًا وَبِخِلَافِ أَجِيرِ الْوَحَدِ لِمَا نُبَيِّنُهُ وَبِخِلَافِ تِلْمِيذِهِ لِأَنَّهُ أَجِيرُ الْوَحَدِ عِنْدَ أُسْتَاذِهِ وَأَجِيرُ الْوَحَدِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ وَيَجِبُ عَلَى الْأُسْتَاذِ مَا أَفْسَدَهُ التِّلْمِيذُ بِعَمَلِهِ لِأَنَّ الْأُسْتَاذَ أَجِيرُ الْمُشْتَرَكِ دُونَ التِّلْمِيذِ، ثُمَّ صَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَمْ يُعْطِهِ الْأَجْرَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مَعْمُولًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يُضَمِّنُ بِهِ بَنِي آدَمَ) يَعْنِي مِمَّنْ غَرَقَ فِي السَّفِينَةِ أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ، وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ وَقَوْدِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْآدَمِيِّ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ، وَلِهَذَا لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ إلَّا إذَا كَانَ بِالْجِنَايَةِ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ كَبِيرًا مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ وَيَرْكَبُ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَتَاعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ انْكَسَرَ دَنٌّ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ الْحَمَّالُ قِيمَتَهُ فِي مَكَانِ حَمْلِهِ وَلَا أَجْرَ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَأَجْرُهُ بِحِسَابِهِ) أَمَّا الضَّمَانُ فَلِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْعَقْدِ عَمَلٌ سَلِيمٌ وَالْمُفْسَدَ غَيْرُ دَاخِلٍ فَيَضْمَنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا الْخِيَارُ فَلِأَنَّهُ إذَا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ وَالْحِمْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ تَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَمْلِ حَصَلَ بِأَمْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا، وَإِنَّمَا صَارَ تَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ فَإِنْ مَالَ إلَى كَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ مَالَ إلَى كَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ فِي الِابْتِدَاءِ إنَّمَا صَارَ مُتَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ فِي مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَأَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ بِحِسَابِهِ. هَذَا إذَا كَانَ الْكَسْرُ بِصُنْعِهِ بِأَنْ زَلَقَ أَوْ عَثَرَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ بِأَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ فَانْكَسَرَ فَلَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ تِلْمِيذِهِ؛ لِأَنَّ أَجِيرَ الْوَحَدِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ، وَلَوْ تَخَرَّقَ بِدَقِّ أَجِيرِ الْقَصَّارِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْأُسْتَاذِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا دَقَّ أَجِيرُ الْقَصَّارِ ثَوْبًا فَخَرَقَهُ فَضَمَانُهُ عَلَى الْأُسْتَاذِ دُونَ الْأَجِيرِ لِأَنَّا نَقَلْنَا فِعْلَهُ إلَى الْأُسْتَاذِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَطِئَ الْأَجِيرُ عَلَى ثَوْبِ الْقَصَّارِ مِمَّا لَا يُوطَأُ عَلَيْهِ فَخَرَقَهُ كَانَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ فَاقْتَصَرَ الْإِتْلَافُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوطَأُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي وَطْئِهِ، وَلَوْ وَطِئَ الْقَصَّارُ ثَوْبًا وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَتَخَرَّقَ كَانَ ضَامِنًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوطَأُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ فِي بَسْطِهِ وَوَطْئِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِغَيْرِ أَمْرٍ فَيَضْمَنُ. كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْأُسْتَاذَ أَجِيرُ الْمُشْتَرَكِ بِالْإِضَافَةِ فَتَأَمَّلْ

. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ) وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَرْقِ هَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الرَّضِيعِ اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ انْكَسَرَ دَنٌّ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَسَرَهُ عَمْدًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَنَا. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقَيْدٌ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْكَسَرَ بَعْدَ مَا انْتَهَى إلَى الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَهُ الْأَجْرُ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ صَاعِدٍ النَّيْسَابُورِيِّ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَضْمَنُهُ فِي مَوْضِعِ الْحَمْلِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ الضَّمَانِ ثُمَّ قُلْنَا لَمَّا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ وَالْحِمْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ حُكْمًا إذَا الْحِمْلُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَحْمُولًا إلَى مَوْضِعِ عَيْنِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ وَقَعَ تَعَدِّيًا ابْتِدَاءً وَفِي الْحَقِيقَةِ ابْتِدَاؤُهُ سَلِيمٌ، وَإِنَّمَا صَارَ تَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ، فَإِنْ مَالَ إلَى الْوَجْهِ الْحُكْمِيِّ فَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى مِنْ عَمَلِهِ أَصْلًا، وَإِنْ مَالَ إلَى الْوَجْهِ الْحَقِيقِيِّ فَلَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى، وَالْأَجْرُ وَالضَّمَانُ إنَّمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْحَالَةُ هَاهُنَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَهُ فِي مَكَانِ الْكَسْرِ فَقَدْ جَعَلَ الْمَتَاعَ أَمَانَةً عِنْدَهُ مِنْ حَيْثُ حُمِلَ إلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَالْأَجْرُ يَجِبُ فِي حَالَةِ الْأَمَانَةِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا فِي حَالَةِ الْكَسْرِ وَهَذِهِ حَالَةٌ أُخْرَى. اهـ. كَاكِيٌّ رحمه الله.

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْخِيَارُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا التَّخْيِيرُ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ جِهَتَا الضَّمَانِ الْقَبْضُ وَالْإِتْلَافُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِالْقَبْضِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِالْإِتْلَافِ يَوْمَ الْإِتْلَافِ أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الضَّمَانُ يَجِبُ بِالْإِتْلَافِ لَا بِالْقَبْضِ فَكَانَ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِتْلَافُ فَيَجِبُ أَنْ يَعْتَبِرَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ وَلَا خِيَارَ لَهُ عَلَى مَا يُرْوَى عَنْهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبَانِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ أَحَدُهُمَا الْإِتْلَافُ وَالثَّانِي الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ الْتَزَمَ الْوَفَاءَ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِالْعَمَلِ الْمُصْلِحِ، وَقَدْ خَالَفَ وَالْخِلَافُ مِنْ أَسْبَابِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْإِتْلَافِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ فِي الْقَدْرِ الْفَائِتِ فَقَدْ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ الصَّفْقَةُ فِي الْمَنَافِعِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَفَرُّقِهَا، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّخْيِيرِ. اهـ. (وَقَوْلُهُ وَأَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ بِحِسَابِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ عَمَلِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَاكِيُّ رحمه الله، وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ عَمَلِهِ بِأَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ اهـ وَانْظُرْ فِي الصَّفْحَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الْوَرَقَةِ عِنْدَ الْقَوْلَةِ

ص: 136

- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِأَنَّ الْمَتَاعَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ فِي مَوْضِعِ الْكَسْرِ؛ لِأَنَّهُ تَسَلَّمَ الْعَمَلَ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فَيُعْطِيهِ أُجْرَتَهُ وَلَا يُخَيَّرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يَضْمَنُ حَجَّامٌ أَوْ بَزَّاغٌ أَوْ فَصَّادٌ لَمْ يَعْتَدْ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ فَصَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَالْفِعْلُ الْوَاجِبُ لَا يُجَامِعُهُ الضَّمَانُ كَمَا إذَا حَدَّ الْقَاضِي أَوْ عَزَّرَ وَمَاتَ الْمَضْرُوبُ بِذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَدَقِّ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الثَّوْبِ وَرِقَّتَهُ يُعْرَفُ بِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الدَّقِّ بِالِاجْتِهَادِ فَأَمْكَنَ تَقْيِيدُهُ بِالسَّلِيمِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْفَصْدِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَبْتَنِي عَلَى قُوَّةِ الطِّبَاعِ وَضَعْفِهِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الْجَرْحِ فَلَا يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ بِالسَّلِيمِ وَهُوَ غَيْرُ السَّارِي فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ إلَّا إذَا جَاوَزَ الْمُعْتَادَ فَيَضْمَنُ الزَّائِدَ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَهْلَكْ، وَإِنْ هَلَكَ يَضْمَنُ نِصْفَ دِيَةِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَهُوَ النِّصْفُ، حَتَّى أَنَّ الْخَتَّانَ لَوْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ وَبَرَأَ الْمَقْطُوعُ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ هُوَ الْحَشَفَةُ وَهُوَ عُضْوٌ كَامِلٌ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ مَاتَ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَهِيَ مِنْ أَنْدَرِ الْمَسَائِلِ وَأَغْرَبِهَا حَيْثُ يَجِبُ الْأَكْثَرُ بِالْبُرْءِ وَبِالْهَلَاكِ أَقَلُّ.

قَالَ رحمه الله (وَالْخَاصُّ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ) أَيْ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْعَمَلِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ سُمِّيَ أَجِيرًا خَاصًّا وَأَجِيرَ وَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ الْوَاحِدُ وَهُوَ الْمُسْتَأْجِرُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي الْمُدَّةِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ وَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِهَا فَيَسْتَحِقُّهُ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْعَمَلِ مَانِعٌ حِسِّيٌّ كَالْمَرَضِ وَالْمَطَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ التَّمَكُّنَ مِنْ الْعَمَلِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالْمَنَافِعِ، وَلِهَذَا يَبْقَى الْأَجْرُ مُسْتَحَقًّا، وَإِنْ نُقِضَ الْعَمَلُ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ نُقِضَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله فِي خَيَّاطٍ خَاطَ ثَوْبَ رَجُلٍ بِأَجْرٍ فَفَتَقَهُ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ رَبُّ الثَّوْبِ فَلَا أَجْرَ لِلْخَيَّاطِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَمَلَ إلَى رَبِّ الثَّوْبِ وَلَا يُجْبَرُ الْخَيَّاطُ عَلَى أَنْ يُعِيدَ الْعَمَلَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ كَانَ يَجِبُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ الْعَقْدُ قَدْ انْتَهَى بِتَمَامِ الْعَمَلِ

وَإِنْ كَانَ الْخَيَّاطُ هُوَ الَّذِي فَتَقَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْعَمَلَ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي نَقَضَ عَمَلَهُ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَخِطْ، وَكَذَلِكَ الْإِسْكَافُ وَالْمَلَّاحُ حَتَّى إذَا رَدَّ الْمَلَّاحُ السَّفِينَةَ أَوْ نَقَضَ الْإِسْكَافُ الْخِيَاطَةَ أُجْبِرَ عَلَى إعَادَتِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ أَجِيرَ وَحَدٍ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِرَعْيِ الْغَنَمِ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْعَى لِغَيْرِهِ أَوْ ذَكَرَ الْمُدَّةَ أَوْ لَا نَحْوُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَاعِيًا شَهْرًا لِيَرْعَى لَهُ غَنَمًا مُسَمَّاةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ أَجِيرَ الْوَحَدِ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْكَلَامَ عَلَى الْمُدَّةِ فِي أَوَّلِهِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِيَرْعَى الْغَنَمَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ فَيَصِيرَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ هُوَ الَّذِي يَقَعُ عَقْدُهُ عَلَى الْعَمَلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ نَوْعِ الْعَمَلِ الَّذِي يُسْتَحَقُّ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فِي الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْمُدَّةِ لَا تَصِحُّ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الَّتِي عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَمَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ إلَخْ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْأَتْقَانِيِّ اهـ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالرَّاعِي بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إذَا كَانَ يَرْعَى لِلْعَامَّةِ فَمَا تَلِفَ مِنْ سَوْقِهِ وَضَرْبِهِ إيَّاهَا بِخِلَافِ الْعَادَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ وَإِذَا سَاقَ الدَّوَابَّ عَلَى الشِّرْعَةِ فَازْدَحَمَتْ عَلَى الْقَنْطَرَةِ وَدَفَعَتْ بَعْضُهَا بَعْضًا فَسَقَطَتْ فِي الْمَاءِ وَعَطِبَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ اسْتَأْجَرْتُك لِتَرْعَى غَنَمِي خَاصَّةً مُدَّةً مَعْلُومَةً فَهَذَا أَجِيرُ الْوَحَدِ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الرَّاعِي إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَعْيُ الْأَوْلَادِ الَّتِي تَحْدُثُ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ يَجُوزُ وَفِي أَجِيرِ الْوَحَدِ يَجِبُ وَعَلَيْهِ رَعْيُ الْأَوْلَادِ. اهـ.

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَضْمَنُ حَجَّامٌ أَوْ بَزَّاغٌ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالتَّتِمَّةِ أَيْضًا إذَا شَرَطَ عَلَى الْحَجَّامِ وَالْبَزَّاغِ الْعَمَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْرِي لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ، وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْقَصَّارِ الْعَمَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَخَرَّقُ صَحَّ؛ لِأَنَّ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ فَصَّادٌ) فَصَدَ الْفَصَّادُ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ وَهُوَ فِي الْآدَمِيِّ وَبَزَغَ مِنْ حَدِّ فَتَحَ وَهُوَ فِي الْحَيَوَانِ يُقَالُ بَزَغَ الْبَيْطَارُ الدَّابَّةَ إذَا شَقَّهَا بِالْمِبْزَغِ وَهُوَ مِثْلُ مِشْرَطِ الْحَجَّامِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ قَالَهُ الْكَاكِيُّ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْبَطْرُ الشَّقُّ فِي جِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ يُقَالُ بَطَرْت الْجِلْدَ أَبْطُرُهُ وَأَبْطِرُهُ بَطْرًا وَهُوَ أَصْلُ بِنَاءِ الْبَيْطَارِ وَقَالُوا رَجُلٌ بَيْطَرٌ وَبِيَطْرٌ وَمُبَيْطِرٌ وَكُلُّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى ذَلِكَ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ مِنْ عَمَلِ الْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَرْقِهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ؛ لِأَنَّ فِي وُسْعِهِ الْإِتْيَانَ بِالْعَمَلِ الْمُصْلِحِ دُونَ الْمُفْسِدِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفَسَادَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِخَرْقٍ فِي الْعَمَلِ بِالدَّقِّ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ الثَّوْبُ أَوْ لِخُشُونَةٍ فِي الْمِدَقَّةِ أَوْ لِخَلَلٍ فِي الثَّوْبِ بِأَنْ كَانَ فِيهِ حَصَاةٌ أَوْ فَسَادُ طَيٍّ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَالرَّجُلُ إذَا كَانَ بَصِيرًا فِي صَنْعَتِهِ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ ذَلِكَ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الْبَحْثِ عَنْ الْخَلَلِ وَالْمُرَاقَبَةِ فِي الدَّقِّ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا وَالْمُسْتَأْجِرُ مَا رَضِيَ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ انْتَفَى الْإِذْنُ بِالْفَسَادِ ضَرُورَةً اهـ (قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ إلَخْ)؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ التَّقْصِيرُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوضَعَ ثَلَاثُ أَوْرَاقٍ وَيُقَالَ لِلْحَجَّامِ اضْرِبْ بِمِشْرَطِك عَلَى هَذِهِ الْأَوْرَاقِ وَانْفُذْهُ مِنْ الِاثْنَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ حَاذِقٌ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ. اهـ. بَاكِيرٌ.

(قَوْلُهُ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) هَذَا نَقَلَهُ قَاضِيخَانْ فِي جِنَايَةِ فَتَاوَاهُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْمَطَرِ) حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِاِتِّخَاذِ الطِّينِ أَوْ غَيْرِهِ فِي الصَّحْرَاءِ فَمَطَرَ فِي الصَّحْرَاءِ ذَلِكَ بَعْدَ مَا خَرَجَ الْأَجِيرُ إلَى الصَّحْرَاءِ لَا أَجْرَ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ لَمْ يُوجَدْ لِمَكَانِ الْعُذْرِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْمَرْغِينَانِيُّ اهـ دِرَايَةٌ

ص: 137

الْعَمَلِ فَيَقُولُ اسْتَأْجَرْتُك شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلرَّعْيِ أَوْ لِلْحَصَادِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِالِاحْتِمَالِ فَيَبْقَى أَجِيرَ وَحَدٍ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَوْ شَرَطَ حُكْمَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَقَالَ عَلَى أَنْ تَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي مَعَ غَنَمِي أَوْ أَخَّرَ الْمُدَّةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى لَهُ غَنَمًا مُسَمَّاةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ شَهْرًا كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا بِأَوَّلِ الْكَلَامِ بِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ فِي أَوَّلِهِ، وَقَوْلُهُ شَهْرًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ أَجِيرَ وَحَدٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِتَقْدِيرِ الْعَمَلِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَلَا يُغَيَّرُ أَوَّلُ كَلَامِهِ بِالِاحْتِمَالِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ بِعَمَلِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله ظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ كَانَ نَوْعَ اسْتِحْسَانٍ عِنْدَهُمَا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ مِنْ خَلْقٍ كَثِيرٍ رَغْبَةً فِي كَثْرَةِ الْأُجْرَةِ، وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا فَيَقْعُدُ عِنْدَهُ طَوِيلًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَتْ بِمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ حَتَّى لَا يَتَوَانَى فِي حِفْظِهِمَا وَأَجِيرُ الْوَحَدِ يَعْمَلُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ مِنْ غَيْرِهِ فَأَخَذَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِالصَّرْفِ إلَى مِلْكِهِ صَحَّ وَصَارَ نَائِبًا مِنَّا بِهِ فَصَارَ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَنْفَعَتُهُ وَهِيَ سَلِيمَةٌ، وَإِنَّمَا الْخَرْقُ فِي الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سَلَامَتُهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ إلَّا إذَا تَعَمَّدَ الْفَسَادَ فَيَضْمَنُ لِلتَّعَدِّي كَالْمُودَعِ.

قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ تَرْدِيدُ الْأَجْرِ بِتَرْدِيدِ الْعَمَلِ فِي الثَّوْبِ نَوْعًا وَزَمَانًا فِي الْأَوَّلِ وَفِي الدُّكَّانِ وَالْبَيْتِ وَالدَّابَّةِ مَسَافَةً وَحَمْلًا) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَجْرُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ تَسْمِيَتَيْنِ بِجَعْلِ الْعَمَلِ مُتَرَدِّدًا فِي الثَّوْبِ بَيْنَ نَوْعَيْ الْعَمَلِ بِأَنْ يُجْعَلَ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِمَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنَّ خَطَّتْهُ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خَطَّتْهُ رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِجَعْلِ الْعَمَلِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ زَمَانَيْنِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَزَمَانًا فِي الْأَوَّلِ أَيْ فِي الْمُتَرَدِّدِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِالِاحْتِمَالِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَعْقُودًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَمَا يُولَدُ مِنْهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا إلَّا إذَا تَعَمَّدَ الْفَسَادَ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كَالْمُودَعِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ نَفْسَ الْعَمَلِ أَوْ وَصْفَ الْقِصَارَةِ؛ لِأَنَّا لَوْ فَعَلْنَا ذَلِكَ لَفَسَدَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ صُورَةَ أَجِيرِ الْوَحَدِ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَرُبَّمَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ هَذَا الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَرُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ وَرُبَّمَا يَتَأَتَّى مِنْهُ وَصْفُ الْقِصَارَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَرُبَّمَا لَا يَتَأَتَّى فَكَانَ فِيهِ جَهَالَةٌ وَغَرَرٌ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فَجَعَلْنَا الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِهَذَا الزَّمَانِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ الْمَنْفَعَةُ لَا وَصْفَ الْقِصَارَةِ وَفِي الْمُشْتَرَكِ وَصْفُ الْقِصَارَةِ الْأَحْكَامُ مِنْهَا أَنَّ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ إذَا سَلَّمَ النَّفْسَ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ الْمُسْتَأْجِرُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ وَفِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ وَصْفُ الْقِصَارَةِ وَمِنْهَا أَنَّ فِي الْخَاصِّ لَوْ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ مَنَافِعَ نَفْسِهِ وَفِي الْمُشْتَرَكِ يَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ وَصْفَ الْقِصَارَةِ وَمِنْهَا أَنَّ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ لَوْ خَاطَ ثُمَّ نَقَضَ الْخِيَاطَةَ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَنْفَعَةَ النَّفْسِ وَفِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَمَلَ إلَى الْمَالِكِ كَذَا قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ. اهـ.

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ) كَمَا إذَا ضَاعَ أَوْ سُرِقَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ اهـ ق.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بِعَمَلِهِ) كَالْفَسَادِ فِي الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَالتَّخْرِيقِ فِي الْغُسْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ ق (قَوْلُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ) أَرَادَ بِهِ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ) حَتَّى لَا يُقَصِّرَ فِي حِفْظِهَا أَوْ لَا يَأْخُذَ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَحْفَظُهُ اهـ كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَأَجِيرُ الْوَحَدِ يَعْمَلُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ وَلَا يَتَسَلَّمُ الْعَيْنَ فِي الْعَادَةِ بَلْ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ عَلَيْهِ سَلَامَةُ الْعَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فَأَخَذَ فِيهِ بِالْقِيَاسِ) أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي) أَرَادَ بِهِ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ) فَفَسَدَ مِنْ عَمَلِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَيْبِ. اهـ. كَاكِيٌّ (وَقَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَنْفَعَتُهُ) يَعْنِي أَنَّ مَنْفَعَةَ أَجِيرِ الْوَحَدِ هِيَ الْمَبِيعَةُ وَهِيَ سَلِيمَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْمُودَعِ) وَعَلَى هَذَا أَجِيرُ الْقَصَّارِ وَسَائِرِ الصُّنَّاعِ؛ لِأَنَّ التِّلْمِيذَ أَجِيرٌ خَاصٌّ فَلَا يَضْمَنُ وَيَضْمَنُ الْأُسْتَاذُ وَلَا يَرْجِعُ الْأُسْتَاذُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى التِّلْمِيذِ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ. اهـ. كَاكِيٌّ

. (قَوْلُهُ مَسَافَةً وَحَمْلًا) رَاجِعَانِ لِلدَّابَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَجْرَ مُتَرَدِّدًا إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْرًا مَعْلُومًا فَذَلِكَ جَائِزٌ كَرَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ قَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الْأُخْرَى بِعَشْرَةٍ أَوْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ فِي حَانُوتَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ دَابَّتَيْنِ أَوْ فِي مَسَافَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَقَالَ قَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى وَاسِطَ بِكَذَا أَوْ إلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ بِتَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ مَعْلُومٌ فِي حَالِ وُجُوبِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا فَقَالَ إنْ خِطْته فَارِسِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْته رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمَانِ أَوْ قَالَ لِلصَّبَّاغِ إنْ صَبَغْته بِعُصْفُرٍ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ صَبَغْته بِزَعْفَرَانٍ فَلَكَ دِرْهَمَانِ فَذَلِكَ أَيْضًا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ بِالْعَمَلِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ عَنْ صَاحِبِهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ خَيَّرَهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنْ ذَكَرَ أَرْبَعَةً لَمْ يَجُزْ اهـ أَتْقَانِيٌّ

ص: 138

بَيْنَ زَمَانَيْنِ يَجُوزُ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْ بِجَعْلِ الْمَنْفَعَةِ مُتَرَدِّدًا فِي دُكَّانٍ بِأَنْ قَالَ إنْ سَكَّنْته حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ

وَإِنْ سَكَّنْته عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي بَيْتٍ أَوْ بِجَعْلِهِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ فِي الدَّابَّةِ أَوْ بَيْنَ حِمْلَيْنِ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى بَغْدَادَ بِكَذَا وَإِلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا أَوْ بِأَنْ قَالَ لَهُ آجَرْتُكهَا عَلَى أَنَّك إنْ حَمَلْت عَلَيْهَا قِنْطَارًا مِنْ حِنْطَةٍ فَبِخَمْسَةٍ، وَإِنْ حَمَلْت عَلَيْهَا قِنْطَارًا مِنْ حَدِيدٍ فَبِعَشَرَةٍ، وَكَذَا لَوْ خَيَّرَهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ جَازَ، وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَبِيعُ، وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ هُنَا وَفِي الْبَيْعِ رِوَايَتَانِ وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّ الْأَجْرَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعَمَلِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا وَفِي الْبَيْعِ يَجِبُ الثَّمَنُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَتَتَحَقَّقُ الْجَهَالَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ

فَإِذَا عُرِفَ هَذَا مُجْمَلًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَلَامِ فِيهِ مُفَصَّلًا لِيَهْتَدِيَ الطَّالِبُ إلَى مَعْرِفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِعِلَّتِهَا فَنَقُولُ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إنْ خَطَّتْهُ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خَطَّتْهُ رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ فَإِنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى نَوْعَيْنِ مَعْلُومَيْنِ مِنْ الْعَمَلِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَلًا مَعْلُومًا فَيَجُوزُ كَمَا إذَا خَيَّرَهُ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ عَبْدَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي مَوْضِعِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْتَهُ غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَالْمَذْكُورُ هُنَا وَهُوَ جَوَازُ الْعَقْدِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الْيَوْمِ الثَّانِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله عِنْدَهُمَا الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا تَسْمِيَتَانِ فِي الْيَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِي غَدٍ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ أَيْضًا وَالْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْغَدِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَوْمَ وَالْغَدَ لِلتَّعْجِيلِ وَالتَّرْفِيهِ لَا غَيْرُ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ خِطْ لِي هَذَا الثَّوْبَ غَدًا بِدِرْهَمٍ فَخَاطَهُ الْيَوْمَ اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ خِطْ لِي هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ الْيَوْمَ فَخَاطَهُ غَدًا يَسْتَحِقُّ الدِّرْهَمَ، فَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَمًّى فِي الْوَقْتَيْنِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ بِمُقَابَلَةِ مُبْدَلٍ وَاحِدٍ مُفْسِدٍ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ بِعْتُك حَالًّا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمُؤَجَّلًا بِأَلْفَيْنِ وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ، وَذِكْرَ الْغَدِ لِلْإِضَافَةِ فَهَذَا حَقِيقَتُهُ وَاسْتِعْمَالُهُمَا لِلتَّرْفِيهِ وَالتَّعْجِيلِ مَجَازٌ وَالْكَلَامُ لِحَقِيقَتِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ يُؤَدِّي إلَى الْفَسَادِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومٌ وَبَدَلُهُمَا مَعْلُومٌ فَصَارَ نَظِيرَ خِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ بِخِلَافِ حَالَةِ الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى التَّأْقِيتِ لَفَسَدَ الْعَقْدُ إذْ تَعَيُّنُ الْعَمَلِ مَعَ تَعَيُّنِ الْوَقْتِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَصِرْنَا إلَى الْمَجَازِ بِدَلَالَةِ حَالِهِمَا إذْ مَقْصُودُهُمَا الصِّحَّةُ دُونَ الْفَسَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ وَالْغَدَ لِلْإِضَافَةِ وَالْكَلَامَ لِحَقِيقَتِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى مَجَازِهِ

وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ فِي ذِكْرِ الْيَوْمِ وَهُوَ التَّعْجِيلُ لِأَنَّ مُرَادَهُمَا الصِّحَّةُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَ الْعَمَلِ مَعَ التَّوْقِيتِ مُفْسِدٌ فَإِنَّ تَعَيُّنَ الْعَمَلِ يُوجِبُ كَوْنَهُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَتَعَيُّنَ الْوَقْتِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ أَوْ بِجَعْلِهِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ فِي الدَّابَّةِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْإِجَارَةِ رَجُلٌ اكْتَرَى دَابَّةً، وَقَالَ إنْ رَكِبْتهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَبِكَذَا، وَإِنْ رَكِبْتهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَبِكَذَا أَوْ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ مَوَاضِعَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رحمه الله لِهَذَا أَصْلًا فَقَالَ الْإِجَارَةُ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ عَلَى أَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ أَجْرًا مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الْأُخْرَى بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الثَّالِثَةَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي الْبُيُوتِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْحَوَانِيتِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْأَعْبُدِ الثَّلَاثَةِ أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي الْمَسَافَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى وَاسِطَ بِكَذَا أَوْ إلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا أَوْ إلَى بَغْدَادَ بِكَذَا أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي أَنْوَاعِ الْخِيَاطَةِ إلَى الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ وَفِي الزِّيَادَةِ لَا يَجُوزُ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ إذَا بَاعَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْخَيَّاطُ فِي ذَلِكَ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي عَلَى مَا عُرِفَ وَفِي الْإِجَارَةِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ يَجْرِي فِيهَا مِنْ الْمُسَامَحَةِ مَا لَا يَجْرِي فِي الْبَيْعِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ جَوَازُ الْعَقْدِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَخْ) قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ الْآخَرُ فَاسِدٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ) أَيْ فَإِنَّهُ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي الْغَدِ أَوْ بَعْدَ غَدٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُنْقَصُ عَنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ، كَذَا ذَكَرَ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، فَإِنْ خَاطَهُ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا تَسْمِيَتَانِ فِي الْيَوْمَيْنِ) بَيَانُهُ أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِتَأْقِيتِ الْإِجَارَةِ بِالْيَوْمِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَبْقَى التَّسْمِيَةُ الْأُولَى فِي الْغَدِ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ يَجْتَمِعُ فِيهِ تَسْمِيَتَانِ وَذِكْرُ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ فَإِذَا كَانَ لِلتَّرْفِيهِ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ الْمُضَافَةُ إلَى الْغَدِ مَوْجُودَةً فِي الْيَوْمِ أَيْضًا فَيَجْتَمِعُ تَسْمِيَتَانِ أَيْضًا فِي الْيَوْمِ فَيَلْزَمُ الْبَدَلَانِ عَلَى الْبَدَلِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلٍ وَاحِدٍ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْيَوْمَيْنِ جَمِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فَخَاطَهُ الْيَوْمَ اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ لَا لِلْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ فَاجْتَمَعَ فِي الْيَوْمِ تَسْمِيَتَانِ فَيَفْسُدُ لِجَهَالَةِ الْبَدَلِ اهـ. (قَوْلُهُ فَخَاطَهُ غَدًا يَسْتَحِقُّ الدِّرْهَمَ) أَيْ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُنْعَقِدَ فِي الْيَوْمِ بَاقٍ إلَى الْغَدِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِلتَّوْقِيتِ فَاجْتَمَعَ فِي الْغَدِ أَيْضًا تَسْمِيَتَانِ وَالْخِيَاطَةُ وَاحِدَةٌ فَيَجِبُ إحْدَى التَّسْمِيَتَيْنِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَهَذِهِ جَهَالَةٌ تُوقِعُهُمَا فِي الْمُنَازَعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى التَّأْقِيتِ لَفَسَدَ الْعَقْدُ) أَيْ وَمَتَى حُمِلَ عَلَى التَّعْجِيلِ أَوْ لِلتَّرْفِيهِ لَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ) أَيْ لَا لِلتَّوْقِيتِ لِلْإِجَارَةِ بِالْيَوْمِ وَلِهَذَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ كَانَ لِتَوْقِيتٍ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْتَمِعُ الْوَقْتُ وَالْعَمَلُ. اهـ.

ص: 139

لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فَيَفْسُدُ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ كَيْ لَا يَفْسُدَ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى التَّعْجِيلِ وَفِي الْغَدِ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ وَهُوَ التَّرْفِيهُ بَلْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْإِضَافَةُ وَالتَّعْلِيقُ فَتَرَكْنَاهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّرْفِيهِ يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي الْيَوْمِ تَسْمِيَتَانِ كَمَا قَالَ زُفَرُ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لِلْإِضَافَةِ كَمَا هُوَ حَقِيقَتُهُ وَنُقْصَانُ الْأَجْرِ فِي الْغَدِ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ لِلتَّرْفِيهِ لَا تَكُونُ أُجْرَتُهُ أَنْقَصَ، فَإِذَا كَانَ ذَكَرَ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ

وَذَكَرَ الْغَدَ لِلتَّعْلِيقِ لَمْ يُوجَدْ فِي الْيَوْمِ إلَّا تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ يَفْسُدْ، فَإِذَا خَاطَهُ الْيَوْمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدِّرْهَمُ، فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ فَسَدَ لِوُجُودِ تَسْمِيَتَيْنِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَنْزِلُ بِمَجِيءِ الْغَدِ وَالتَّسْمِيَةُ الْأُولَى بَاقِيَةٌ فَيَفْسُدُ لِاجْتِمَاعِ تَسْمِيَتَيْنِ فِي عَمَلٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ خِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الْعَقْدَيْنِ مُوجَبٌ فِي الْعَمَلِ الْآخَرِ فَكَانَا عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَدَلٍ مُسَمًّى عَلَى الِانْفِرَادِ مَعْلُومٌ فَافْتَرَقَا، فَإِنْ خَاطَهُ فِيهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى فِيهِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَنْقُصُ عَنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى بَاقِيَةٌ فِي الْغَدِ فَتُعْتَبَرُ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ وَتُعْتَبَرُ الثَّانِيَةُ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ، وَلَوْ خَاطَهُ بَعْدَ غَدٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِهِ إلَى الْغَدِ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَرْضَى إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ وَالصَّحِيحُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يُنْقَصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ

وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إنْ سَكَّنْت هَذَا الدُّكَّانَ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ سَكَّنْته حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْإِجَارَةُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْقِسْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى بَغْدَادَ بِكَذَا وَإِلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا وَلَهُمَا أَنَّ الْأُجْرَةَ وَالْمَنْفَعَةَ مَجْهُولَانِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ يَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا يُدْرَى أَيُّ الْعَمَلَيْنِ تَقَرَّرَ وَأَيُّ التَّسْمِيَتَيْنِ تَجِبُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ خِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا بِالْعَمَلِ وَبِهِ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ وَبِخِلَافِ التَّرْدِيدِ فِي الْيَوْمِ وَالْغَدِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمَا كَمَسْأَلَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ إلَّا بَعْدَ الْعَمَلِ فَعِنْدَ ذَلِكَ هُوَ مَعْلُومٌ فَهَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ لَهُمَا أَنَّ الْأَجْرَ مَتَى وَجَبَ بِالتَّسْلِيمِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا يَجِبُ وَالْإِجَارَةُ تَفْسُدُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُجْرَةً مَعْلُومَةً، فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ وَالْإِجَارَةُ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَوْفِي الْمَنَافِعَ وَعِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ

وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْإِيجَابِ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ يَجِبُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيُجْعَلُ التَّسْلِيمُ لَهُمَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ أَقَلُّ الْبَدَلَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ ضَرَرًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَقَلِّهِمَا ضَرَرًا، وَكَذَا يَجُوزُ إذَا خَيَّرَهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِمِائَةٍ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ بِمِائَتَيْنِ أَوْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِخَمْسِينَ أَوْ هَذَا الدُّكَّانَ بِعِشْرِينَ، وَكَذَا يَجُوزُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَالْمَعْنَى قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يُسَافِرُ بِعَبْدٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ بِلَا شَرْطٍ) لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَتَنَاوَلُ الْخِدْمَةَ فِي الْحَضَرِ إذْ هُوَ الْأَعَمُّ الْأَغْلَبُ وَعَلَيْهِ عُرْفُ النَّاسِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ إذْ الْمُطْلَقُ يُقَيَّدُ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ الْمُتَعَارَفِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى خِدْمَةِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ الْأَشَقُّ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ فَرَسًا لِلرُّكُوبِ وَعَيَّنَ الرَّاكِبَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ لِلتَّفَاوُتِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا لِلسُّكْنَى فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَكِّنَ فِيهِ حَدَّادًا؛ لِأَنَّهُ أَضَرُّ وَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَلِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمَوْلَى يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِذْنِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ ذَكَرَ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَمَّا كَانَ ذَكَرَ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ بَقِيَتْ التَّسْمِيَةُ الْأُولَى بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْغَدِ فَاجْتَمَعَ تَسْمِيَتَانِ فِي الْغَدِ فَبَطَلَ الشَّرْطُ الثَّانِي لِهَذَا بِاعْتِبَارِ التَّزَاحُمِ وَفِي الْيَوْمِ لَمْ يَجْتَمِعْ تَسْمِيَتَانِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الثَّانِيَةَ مُضَافَةً إلَى الْغَدِ عَدَمٌ فِي الْحَالِ فَلَا جَرَمَ وَجَبَ الْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ وَأَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْغَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ فِي الصَّحِيحِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْقُدُورِيِّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) أَيْ وَالْأَصْلِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَدَّادًا) قَالَ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَ اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ، فَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ قَالَ بَعْضُهُمْ يَسْتَحِقُّ الْأَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَبَعْضُهُمْ أَوْجَبُوا مِنْ كُلِّ مُسَمًّى نِصْفَهُ وَاخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، فَإِنْ أَمْسَكَ الدَّارَ وَلَمْ يَسْكُنْ فِيهَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَعَلَيْهِ أَقَلُّ التَّسْمِيَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةٍ زَائِدَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَوَجَبَ بِالتَّخْلِيَةِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

. (قَوْلُهُ وَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَتَنَاوَلُهُ) تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مَتْنًا وَشَرْحًا أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمُؤَجِّرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مُؤْنَةَ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ مِنْ الرَّجُلِ الرَّحَى فَيَحْمِلُهَا فَتَنْقَضِي الْإِجَارَةُ قَالَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ يَجِيءُ فَيَأْخُذُهَا

ص: 140

بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ حَيْثُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَضَرِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ الْعُرْفُ فِي حَقِّهِ وَلَا يُقَالُ لَمَّا مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ مَنَافِعَهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمَوْلَى فِيهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فَكَذَا لِهَذَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا مَلَكَ الْمَوْلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ لَا لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَ رَقَبَتَهُ وَأَنْ يُزَوِّجَهُ وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ ذَلِكَ فَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونَ وَقْتَ الْإِجَارَةِ مُتَهَيِّئًا لِلسَّفَرِ وَعُرِفَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُلْزِمٌ وَالْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ، وَلَوْ سَافَرَ بِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلَّمَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْأُجْرَةَ لَا يَجْتَمِعَانِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يَأْخُذُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ عَبْدٍ مَحْجُورٍ أَجْرًا دَفَعَهُ إلَيْهِ لِعَمَلِهِ) مَعْنَاهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَمِلَ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَالْقِيَاسُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِعْمَالِ صَارَ غَاصِبًا لَهُ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ إذَا هَلَكَ وَمَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ لَا تُضْمَنُ عِنْدَنَا فَيَبْقَى الْمَدْفُوعُ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّصَرُّفَ نَافِعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْفَرَاغِ سَالِمًا، ضَارٌّ عَلَى اعْتِبَارِ هَلَاكِ الْعَبْدِ وَالنَّافِعُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَيَجُوزُ فَتَخْرُجُ الْأُجْرَةُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ مَحْجُورٌ عَنْ تَصَرُّفٍ يَضُرُّ بِالْمَوْلَى لَا عَنْ تَصَرُّفٍ يَنْفَعُ الْمَوْلَى. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ قَبُولُهُ الْهِبَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لِكَوْنِهِ نَفْعًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَجَوَازُ الْإِجَارَةِ بَعْدَ مَا سَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ تَمَحَّضَ نَفْعًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا إذَا جَازَتْ يَحْصُلُ لِلْمَوْلَى الْأَجْرُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ، وَلَوْ لَمْ تَجُزْ ضَاعَ مَنَافِعُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مَجَّانًا فَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ، فَإِذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ صَحَّ قَبْضُ الْعَبْدِ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ وَقَبْضُ الْبَدَلِ إلَى الْعَاقِدِ وَمَتَى صَحَّ قَبْضُهُ لَا يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ قِيمَتُهُ وَإِذَا ضَمِنَ صَارَ مَالِكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الِاسْتِعْمَالِ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مَنْفَعَةَ عَبْدِ نَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ، وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَسَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ كَانَ الْأَجْرُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَمَّا يَنْفَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ قَبُولَ الْهِبَةِ. وَجَوَازُ الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ نَفْعٌ مَحْضٌ وَفِي النِّهَايَةِ الْأَجْرُ الَّذِي يَجِبُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَجْرُ الْمِثْلِ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ نَفَذَتْ الْإِجَارَةُ وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ فَأَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى وَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ آجَرَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ فَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ، فَإِنْ فَسَخَ الْإِجَارَةَ فَأَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى، وَإِنْ أَجَازَ فَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ وَالْقَبْضُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يَضْمَنُ غَاصِبُ الْعَبْدِ مَا أَكَلَ مِنْ أَجْرِهِ) مَعْنَاهُ إذَا غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا فَآجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَأَخَذَ الْغَاصِبُ مِنْ يَدِ الْعَبْدِ الْأُجْرَةَ فَأَكَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا عَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا تَأْوِيلَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ إجَارَتَهُ نَفْسَهُ جَائِزَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَامَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَكَسْبُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِرَقَبَتِهِ فَيَكُونُ الْغَاصِبُ مُتَعَدِّيًا بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَالْإِتْلَافِ فَيَضْمَنُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالٍ مُحْرَزٍ مُتَقَوِّمٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَازَ يَكُونُ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ نَائِبِهِ، وَهَذَا الْمَالُ لَيْسَ فِي يَدِهِ وَلَا فِي يَدِ نَائِبِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ وَالْعَبْدَ لَيْسَ فِي يَدِ نَفْسِهِ بَلْ هُوَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَمَا فِي يَدِهِ يَكُونُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَيْضًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ وَأَنْ يَكُونَ مُحْرَزًا بِحِرْزِهِ إذْ هُوَ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ عَنْ الْغَاصِبِ فَكَيْفَ يُحْرِزُ مَا فِي يَدِهِ عَنْهُ، وَمَا لَمْ يَقَعْ فِي يَدِ الْمَوْلَى حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِالِاسْتِنَابَةِ لَا يَكُونُ مَعْصُومًا لَهُ فَصَارَ نَظِيرَ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ فِي يَدِ السَّارِقِ بَعْدَ الْقَطْعِ وَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَالْبَدَلُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمُبْدَلِ

وَلَوْ أَتْلَفَ الْغَاصِبُ الْمَنْفَعَةَ لَا يَضْمَنُ فَكَذَا بَدَلُهَا وَلِأَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ آجَرَ الْعَبْدَ بِنَفْسِهِ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ وَأَكَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَكَذَا إذَا آجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِهِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ وَمِنْ وَجْهٍ كَفِعْلِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لِرَقَبَتِهِ وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ يُوَفِّرُ عَلَيْهِ حَظَّهُمَا فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَالِكِ عِنْدَ بَقَاءِ الْأَجْرِ فِي يَدِهِ فَقُلْنَا الْمَالِكُ أَحَقُّ بِهِ وَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْغَاصِبِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَقُلْنَا لَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا أَكَلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الْعَبْدُ فِي ضَمَانِهِ كَالْمَبِيعِ إذَا اُكْتُسِبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَاسْتَهْلَكَ الْبَائِعُ كَسْبَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ضَمَانِهِ وَهُوَ الْمَبِيعُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْصُوبِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَيْهِ) أَيْ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِلَا خِدْمَةٍ دُونَ الْوَارِثِ اهـ.

(قَوْلُهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ الْأَجْرَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ) أَيْ بَعْدَ مَا سَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ. اهـ. كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَسَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ) إلَّا أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الصَّبِيُّ مِنْ الْعَمَلِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ الدِّيَةُ وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ فِيمَا عَمِلَ قَبْلَ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ إذَا هَلَكَ مِنْ الْعَمَلِ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا. اهـ. كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ) أَيْ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى قَبْضَ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ نَقْضُهَا بَعْدَ اخْتِيَارِ الْمُضِيِّ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ عَجَّلَ الْأُجْرَةَ كُلَّهَا لِلْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ شَيْئًا فِي أَوَّلِ الْإِجَارَةِ فَالْأُجْرَةُ كُلُّهَا لِلْمَوْلَى إذَا اخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ كَانَ مَلَكَ الْأُجْرَةَ قَبْلَ عِتْقِهِ

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مِلْكُ الْمَوْلَى وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْكَسْبُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ الْمَوْلَى اهـ أَتْقَانِيٌّ

ص: 141

بِالْإِتْلَافِ مُتَعَدِّيًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَذْلِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ هُوَ جُزْءُ الْأُمِّ فَيَضْمَنُهُ عِنْدَ التَّعَدِّي كَالْأُمِّ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا الْغَاصِبُ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ، وَلَوْ آجَرَ الْعَبْدَ كَانَ الْأَجْرُ لَهُ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ وَجَدَهُ رَبُّهُ أَخَذَهُ) أَيْ لَوْ وَجَدَ مَوْلَى الْعَبْدِ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ مِنْ الْأُجْرَةِ أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ التَّقَوُّمِ بُطْلَانُ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمَسْرُوقِ بَعْدَ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ يَبْقَ مُتَقَوِّمًا حَتَّى لَا يُضْمَنَ بِالْإِتْلَافِ وَيَبْقَى الْمِلْكُ فِيهِ حَتَّى يَأْخُذَهُ الْمَالِكُ.

قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ قَبْضُ الْعَبْدِ أَجْرَهُ) أَيْ وَلَوْ قَبَضَ الْعَبْدُ أُجْرَتَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ جَازَ قَبْضُهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ وَتَصَرُّفُهُ نَفْعٌ مَحْضٌ عَلَى مَا مَرَّ فِي عَبْدٍ غَيْرِ مَغْصُوبٍ فَصَحَّ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ آجَرَ عَبْدَهُ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ صَحَّ وَالْأَوَّلُ بِأَرْبَعَةٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَوَّلًا شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ انْصَرَفَ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ تَحَرِّيًا لِلصِّحَّةِ كَمَا لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ فِي حَقِّ الْإِجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَوْقَاتِ فِي حَقِّ الْيَمِينِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا لِأَنَّ تَنْكِيرَهَا مُفْسِدٌ فَيَتَعَيَّنُ عَقِيبَهَا، فَإِذَا انْصَرَفَ الْأَوَّلُ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ انْصَرَفَ الثَّانِي إلَى مَا يَلِي الشَّهْرَ الْأَوَّلَ وَتَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَوْقَاتِ إلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي إبَاقِ الْعَبْدِ وَمَرَضِهِ حُكِّمَ الْحَالُ) مَعْنَاهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرًا مَثَلًا، ثُمَّ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ أَبَقَ أَوْ مَرِضَ فِي الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى ذَلِكَ أَوْ أَنْكَرَ إسْنَادَهُ إلَى أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَقَالَ أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَنِي بِسَاعَةٍ يُحَكَّمُ الْحَالُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْحَالُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، وَوُجُودُهُ فِي الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ فِي الْمَاضِي فَيَصْلُحُ الظَّاهِرُ مُرَجِّحًا، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا دَفْعُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ لِلْمُؤَجِّرِ فَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ يَشْهَدُ عَلَى بَقَائِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا بِمُجَرَّدِ الظَّاهِرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ أَقَرَّ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْإِنْكَارُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَعَرَّضًا لِنَفْيِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً وَلَهَا وَلَدٌ فَقَالَتْ أَعْتَقَنِي قَبْلَ وِلَادَتِهِ فَيَكُونُ حُرًّا تَبَعًا لِي، وَقَالَ الْمَوْلَى أَعْتَقْتُك بَعْدَهَا فَلَا يَعْتِقُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرٌ وَاخْتَلَفَا فِي بَيْعِ الثَّمَرِ مَعَهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ فِي يَدِهِ الثَّمَرُ، وَهَذَا كُلُّهُ تَحْكِيمٌ لِلْحَالِ.

قَالَ رحمه الله (وَالْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْأَجْرِ وَعَدَمِهِ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ رَبُّ الثَّوْبِ وَالصَّانِعِ فِي الْمَخِيطِ بِأَنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَهُ قَبَاءً، وَقَالَ الْخَيَّاطُ قَمِيصًا أَوْ فِي لَوْنِ الصَّبْغِ بِأَنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَصَبَغْته أَصْفَرَ، وَقَالَ الصَّبَّاغُ بَلْ أَمَرْتنِي بِصَبْغِهِ أَصْفَرَ أَوْ فِي الْأُجْرَةِ بِأَنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ عَمِلْته لِي بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَقَالَ الصَّبَّاغُ بِأَجْرٍ كَانَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَوْ آجَرَ) أَيْ الْغَاصِبُ. اهـ. (قَوْلَهُ كَانَ الْأَجْرُ لَهُ) أَيْ لَا لِلْمَالِكِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْأَكْلِ بِالِاتِّفَاقِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ آجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ اهـ كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ قَبْضُ الْعَبْدِ أَجْرَهُ) وَفَائِدَةُ هَذَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ خُرُوجِ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ عُهْدَةِ الْأَجْرِ فَإِنَّ الْخُرُوجَ مِنْ عُهْدَتِهِ يَحْصُلُ بِأَدَائِهِ إلَى الْعَبْدِ فِيمَا إذَا آجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَأَمَّا إذَا آجَرَهُ الْمَوْلَى فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ وِلَايَةُ قَبْضِ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَلَا بِوَكِيلٍ عَنْ الْعَاقِدِ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ اهـ مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ

(قَوْلُهُ تَحَرِّيًا) أَيْ طَلَبًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَانْصَرَفَ الثَّانِي إلَى مَا يَلِي الشَّهْرَ الْأَوَّلَ) أَيْ لَوْ عَمِلَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي اسْتَحَقَّ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَلَوْ عَمِلَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ اسْتَحَقَّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ) أَيْ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ شَهْرَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ فَالْأَوَّلَانِ بِدِرْهَمَيْنِ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي إبَاقِ الْعَبْدِ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا لَهُ شَهْرًا بِدِرْهَمَيْنِ فَقَبَضَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ جَاءَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَهُوَ آبِقٌ أَوْ مَرِيضٌ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ أَبَقَ حِينَ أَخَذْتُهُ، وَقَالَ الْمُؤَاجِرُ مَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِسَاعَةٍ قَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ جَاءَ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ أَبَقَ حِينَ أَخَذْته أَوْ مَرِضَ حِينَ أَخَذْته وَكَذَّبَهُ الْمُؤَاجِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُؤَاجِرِ. إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(فَرْعٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله قُبَيْلَ بَابِ الِاخْتِلَافِ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَنَخْتِمُ الْبَابَ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ رحمه الله فِي بَابِ إجَارَةِ الرَّقِيقِ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي قَالَ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ عَبْدًا لِيَخْدُمَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِأَجْرٍ مُسَمًّى فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ الْمُعْتَادَةَ مَعْلُومَةٌ وَوَقْتَهَا مَعْلُومٌ فَصَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَلَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ مِنْ السَّحَرِ إلَى أَنْ يَنَامَ النَّاسُ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ، وَإِنَّمَا يَخْدُمُهُ كَمَا يَخْدُمُ النَّاسَ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ فِيهِ إلَى الْخِدْمَةِ هَذَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَنَامُونَ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَيَنْتَبِهُونَ قَرِيبًا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَحْتَاجُ الْأَجِيرُ إلَى أَنْ يَقُومَ قَبْلَهُ لِيُهَيِّئَ لَهُ أَسْبَابَ الْوُضُوءِ وَيُوقِدَ النَّارَ وَالسِّرَاجَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ قَيَّدْنَاهُ بِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرٌ) أَيْ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ بِعْت الْأَشْجَارَ دُونَ الثِّمَارِ وَالْمُشْتَرِي يَقُولُ اشْتَرَيْتهَا مَعَ الثِّمَارِ قَالُوا يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الثِّمَارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الصَّبَّاغُ بَلْ أَمَرْتنِي بِصَبْغِهِ أَصْفَرَ) أَيْ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ

ص: 142