المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب فسخ الإجارة) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٥

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْإِقْرَارِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ)

- ‌(بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ)

- ‌(كِتَابُ الصُّلْحِ)

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ]

- ‌(بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ)

- ‌[فَصْلٌ دَيْنٌ بَيْنَهُمَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ لِشَرِيكِهِ]

- ‌(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ)

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ]

- ‌(كِتَابُ الْوَدِيعَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْعَارِيَّةِ)

- ‌(كِتَابُ الْهِبَةِ)

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)

- ‌[فَصْلٌ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌(بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا)

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌(بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ)

- ‌(بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْمُكَاتَبِ)

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ]

- ‌[ فَصْلٌ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا]

- ‌[بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌{بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى}

- ‌[كِتَابُ الْوَلَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ]

- ‌[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[ فَصْلٌ حُرْمَةُ طَرَفِ الْإِنْسَانِ]

- ‌[إقْرَار الصَّبِيّ وَالْمَجْنُون فِي الْحَجَر]

- ‌[فَصْلٌ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌(فَصْلٌ) غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ

- ‌(كِتَابُ الْغَصْبِ)

- ‌[ فَصْلٌ غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ]

- ‌(كِتَابُ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ)

- ‌(بَابُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ)

- ‌(كِتَابُ الْقِسْمَةِ)

- ‌[مَا تَشْتَمِل عَلَيْهِ الْقِسْمَة]

- ‌[الْإِجْبَار عَلَى الْقِسْمَة]

- ‌(كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ)

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْمُزَارَعَة]

- ‌[مَاتَ الْمَزَارِع قَبْل الزَّرْع]

- ‌(كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ)

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْمُسَاقَاة]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]

- ‌[تفسخ الْمُسَاقَاة بِالْعُذْرِ]

- ‌[التَّسْمِيَة عِنْد الذَّبْح]

- ‌[ مَوْضِع الذَّبْح]

- ‌[حَدّ الشَّفْرَة قَبْل الذَّبْح]

- ‌ النَّخْعُ وَقَطْعُ الرَّأْسِ وَالذَّبْحُ مِنْ الْقَفَا)

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ]

- ‌[أَكُلّ الْأَرْنَب]

- ‌ذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ

- ‌[مَا يَحِلّ مِنْ حَيَوَان الْمَاء]

- ‌[مَا يَحِلّ بِلَا ذكاة]

الفصل: ‌(باب فسخ الإجارة)

الْقَوْلُ فِي الْكُلِّ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْخِيَاطَةِ وَالصَّبْغِ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الثَّوْبِ فَكَانَ أَعْلَمَ بِكَيْفِيَّتِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْإِذْنَ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ وَصْفَهُ إذْ الْوَصْفُ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ لَكِنَّهُ يَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ، فَإِذَا حَلَفَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ أَوْ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ مِنْ جِهَةٍ وَهُوَ فِي أَصْلِ الْعَمَلِ مُخَالِفٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ فِي الصِّفَةِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ

وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ يَضْمَنَ لَهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الصَّبْغِ، ثُمَّ رَبُّ الثَّوْبِ يَدَّعِي عَلَيْهِ خِلَافًا لِيُضَمِّنَهُ أَوْ لِيُثْبِتَ لِنَفْسِهِ الْخِيَارَ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجْرِ فَلِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مُنْكِرٌ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ وَوُجُوبَ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، وَالصَّانِعُ يَدَّعِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله إنْ كَانَ الصَّانِعُ حَرِيفًا لَهُ أَيْ مُعَامِلًا لَهُ بِأَنْ كَانَ يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا لِلْعَمَلِ وَيُقَاطِعُهُ عَلَيْهِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُمَا مِنْ الْمُقَاطَعَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِأَجْرٍ فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الِاشْتِرَاطِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِالدَّفْعِ لِلْعَمَلِ إلَى مَنْ يُخَالِطُهُ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْأَجْرِ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله إنْ كَانَ الصَّانِعُ مَعْرُوفًا بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأَجْرِ وَقِيَامِ حَالِهِ بِهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الدُّكَّانَ لِأَجْلِهِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِظَاهِرِ الْمُعْتَادِ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ الظَّاهِرِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ إذْ الظَّاهِرُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا غَيْرُ. أَلَا تَرَى أَنَّ ذَا الْيَدِ يَدْفَعُ الْمُدَّعَى بِالْيَدِ، ثُمَّ إذَا بِيعَتْ بِجَنْبِ مَا فِي يَدِهِ دَارٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ لِمَا قُلْنَا وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله

(بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ)

قَالَ رحمه الله (وَتُفْسَخُ بِالْعَيْبِ) أَيْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلِ عَنْ الْعَيْبِ، فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ فَاتَ رِضَاهُ فَيُفْسَخُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ الْمَنَافِعُ وَهِيَ تَحْدُثُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَمَا وُجِدَ مِنْ الْعَيْبِ يَكُونُ حَادِثًا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي حَقِّ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَنَافِعِ فَيُوجِبُ الْخِيَارَ كَمَا إذَا حَدَثَ الْعَيْبُ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ مَعَ الْعَيْبِ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ فَعَلَ الْمُؤَجِّرُ مَا أَزَالَ بِهِ الْعَيْبَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلرَّدِّ قَدْ زَالَ قَبْلَ الْفَسْخِ وَالْعَقْدُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، فَإِنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ. اهـ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْخَيَّاطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالتَّتِمَّةِ. اهـ.

[بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ]

(بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ) ذَكَرَ الْفَسْخَ آخِرًا؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بَعْدَ وُجُودِ الْعَقْدِ لَا مَحَالَةَ فَنَاسَبَ ذِكْرَهُ آخِرًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ثُمَّ إنَّمَا يَلِي الْمُسْتَأْجِرُ الْفَسْخَ إذَا كَانَ الْمُؤَاجِرُ حَاضِرًا، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَحَدَثَ بِالْمُسْتَأْجَرِ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِحُضُورِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا. اهـ. بَدَائِعُ.

(قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ عَبْدًا لِيَخْدُمَهُ أَوْ دَابَّةً لِيَرْكَبَهُ إلَى مَكَان مَعْلُومٍ أَوْ دَارًا فَحَدَثَ فِيهَا عَيْبٌ يَضُرُّ بِالِانْتِفَاعِ بِمَا اُسْتُؤْجِرَ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَإِنْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ تَامًّا لَا يُنْقِصُ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْحَادِثُ سُقُوطَ بَيْتٍ مِنْهَا فَمَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ لَا يُنْقِصُ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مَا حَدَثَ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ الِانْتِفَاعَ بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَالْإِجَارَةُ لَهُ لَازِمَةٌ، فَإِنْ بَنَى الْمُؤَاجِرُ مَا سَقَطَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ، فَإِنْ كَانَ الْمُؤَاجِرُ غَائِبًا فَحَدَثَ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ، وَإِنْ سَقَطَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ شَاهِدًا أَوْ غَائِبًا. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعَيْبَ إذَا حَدَثَ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَإِنَّ أَثَرَ ذَلِكَ فِي الْمَنَافِعِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَالْعَبْدِ إذَا مَرِضَ وَالدَّابَّةِ إذَا مَرِضَتْ وَالدَّارِ إذَا انْهَدَمَ بَعْضُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَحُدُوثُ عَيْبٍ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الْمَنَافِعِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ لِلْخِدْمَةِ إذَا ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْخِدْمَةِ أَوْ سَقَطَ شَعْرُهُ وَكَالدَّارِ إذَا سَقَطَ مِنْهَا حَائِطٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي سُكْنَاهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، وَهَذَا النَّقْصُ حَصَلَ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَالنَّقْصُ بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ ثُمَّ فِيمَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ كَامِلًا كَالْمُشْتَرِي إذَا رَضِيَ بِالْمَعِيبِ ثُمَّ إذَا حَدَثَ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ لَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إلَّا بِحُضُورِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ حُضُورَهُمَا أَوْ حُضُورَ نَائِبَيْهِمَا شَرْطُ الْفَسْخِ، فَإِنْ سَقَطَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ شَاهِدًا كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ غَائِبًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله -

ص: 143

يَتَجَدَّدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ فَسَقَطَ خِيَارُهُ قَالَ رحمه الله (وَخَرَابِ الدَّارِ وَانْقِطَاعِ مَاءِ الضَّيْعَةِ وَالرَّحَى) أَيْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ الْمَخْصُوصَةُ قَدْ فَاتَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَصَارَ كَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَوْتِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَنَافِعَ قَدْ فَاتَتْ عَلَى وَجْهٍ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهَا فَأَشْبَهَ إبَاقَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرِ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ إنَّ الْإِجَارَةَ فِي الرَّحَى لَا تَنْفَسِخُ بِانْقِطَاعِ الْمَاءِ، وَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا فَانْهَدَمَ فَبَنَاهُ الْمُؤَجِّرُ وَأَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَسْكُنَهُ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ وَلَكِنَّهُ يُفْسَخُ وَلِأَنَّ أَصْلَ الْمَوْضِعِ يُسْكَنُ بَعْدَ انْهِدَامِ الْبِنَاءِ وَيَتَأَتَّى فِيهِ السُّكْنَى بِنَصْبِ الْفُسْطَاطِ فَبَقِيَ الْعَقْدُ لَكِنْ لَا أَجْرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَهُ بِالِاسْتِئْجَارِ، وَلَوْ انْقَطَعَ مَاءُ الرَّحَا وَالْبَيْتِ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ لِغَيْرِ الطَّحْنِ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ لَزِمَتْهُ حِصَّتُهُ.

قَالَ رحمه الله (وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ كَالْأَعْيَانِ الْقَائِمَةِ فَكَمَا لَا تَبْطُلُ فِي الْعَيْنِ لَا تَبْطُلُ فِيهَا وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً بِحَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ فَالْمَنَافِعُ الَّتِي تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ هِيَ الَّتِي تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ، وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْعَيْنِ تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ، وَالْمَنْفَعَةُ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ هُوَ عَاقِدًا وَلَا رَاضِيًا بِهِ وَإِذَا مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ فَلَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ إنَّمَا يَبْقَى عَلَى أَنْ يَخْلُفَهُ وَارِثُهُ وَالْمَنْفَعَةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا تُورَثُ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ لَا تَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُسْتَعِيرُ تَبْطُلُ الْعَارِيَّةُ فَكَذَا الْإِجَارَةُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ أَحَدَهُمَا بِعِوَضٍ وَالْآخَرَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَذَلِكَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ كَالْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ إذْ الْوِرَاثَةُ خِلَافَةٌ وَلَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِيمَا يَبْقَى وَقْتَيْنِ لِيَكُونَ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ ثَابِتًا فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ وَيَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي وَيَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ بِعَيْنِهِ وَالْمَنْفَعَةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ إلَخْ) وَلَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ وَاسْتَدَلَّ بِمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا فَانْهَدَمَ ثُمَّ بَنَاهُ الْآجِرُ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبْضِ وَلَا لِلْآجِرِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْفَسِخْ وَلَكِنَّهُ يُفْسَخُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ غَيْرُ فَائِتَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ أَصْلُ الْمَوْضِعِ يُسْكَنُ بَعْدَ انْهِدَامِ الْبِنَاءِ وَيَتَأَتَّى فِيهِ السُّكْنَى بِنَصْبِ فُسْطَاطٍ وَفِي انْقِطَاعِ الْمَاءِ لَوْ فَاتَتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكِنَّهَا تَحْتَمِلُ الْعَوْدَ فَأَشْبَهَ إبَاقَ الْعَبْدِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الِانْفِسَاخَ قَالَ وَاَلَّذِي يَنْفَسِخُ بِالِانْهِدَامِ يَعُودُ بِالْبِنَاءِ وَمِثْلُهُ جَائِزٌ كَمَا فِي الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ إذَا هَلَكَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ثُمَّ إذَا دُبِغَ جِلْدُهَا يَعُودُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ فَكَذَا هَذَا، بِخِلَافِ السَّفِينَةِ إذَا نُقِضَتْ وَصَارَتْ أَلْوَاحًا ثُمَّ رُكِبَتْ وَأُعِيدَتْ سَفِينَةً لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَسْلِيمِهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ السَّفِينَةَ بَعْدَ النَّقْضِ إذَا أُعِيدَتْ صَارَتْ سَفِينَةً أُخْرَى أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ أَلْوَاحًا وَجَعَلَهَا سَفِينَةً يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ فَأَمَّا عَرْصَةُ الدَّارِ لَا تَتَغَيَّرُ بِالْبِنَاءِ عَلَيْهَا اهـ كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْفَسِخُ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَأَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي شَرْحِهِ وَاخْتِيَارُ خُوَاهَرْزَادَهْ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله.

(قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي إجَارَاتِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لَكِنْ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ عَنْهُ فَسَخَ أَوْ لَمْ يَفْسَخْ اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ إذَا مَاتَ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ مِنْهُ إلَى وَرَثَتِهِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ اقْتَضَى اسْتِيفَاءَ الْمَنَافِعِ مِنْ مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ لَا مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَوْ بَقِيَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ يَلْزَمُ اسْتِيفَاءُ الْمَنَافِعِ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَقَدْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ لِنَفْسِهِ فَكُلُّ مَا لَهُ مِنْ الْمَالِ انْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ اقْتَضَى أَنْ تُسْتَحَقَّ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فَلَوْ بَقِيَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ تَكُونُ الْأُجْرَةُ مُسْتَحَقَّةً مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَتَعَيَّنَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ بَقَائِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ الْوَكِيلُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا فِي الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ فِي الْعَاقِدِ لِغَيْرِهِ وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ بَابِ إجَارَةِ الظِّئْرِ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبَقًا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَبِمَوْتِ الْوَكِيلِ لَا وَنُقِلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ إجَارَةِ الْأَصْلِ إذَا آجَرَ الْأَبُ أَرْضَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْوَصِيُّ وَمَاتَ لَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ، وَكَذَلِكَ لَا تَبْطُلُ إجَارَةُ الظِّئْرِ بِمَوْتِ وَالِدِ الصَّبِيِّ الَّذِي اسْتَأْجَرَهَا وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الصَّبِيِّ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِنْ مَاتَتْ الظِّئْرُ قَبْلَ الْمُدَّةِ أَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ اُنْتُقِضَتْ الْإِجَارَةُ وَكَانَ لَهَا مِنْ الْأَجْرِ بِحَسَبِ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ أَيْضًا لَوْ آجَرَ الْوَقْفَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ وَلَمْ يَذْكَرْ فِيهِ الْقِيَاسَ وَلَا الِاسْتِحْسَانَ، وَنَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ نَقَلَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ، فَقَالَ الْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْإِجَارَةُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ حَجْرُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ آجَرَهُ لِغَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ اهـ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ آجَرَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ وَانْتَقَلَ إلَى مَصْرِفٍ آخَرَ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَرُجِعَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْأَجْرِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ اهـ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الِانْتِقَاضِ هُوَ الْقِيَاسُ دُونَ الِاسْتِحْسَانِ وَالْعَمَلُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ

ص: 144

الْمَوْجُودَةُ فِي حَيَاةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا تَبْقَى لِتُورَثَ وَاَلَّتِي تَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لَهُ لِيَخْلُفَهُ الْوَارِثُ فِيهَا فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ كَعَقْدِ النِّكَاحِ يَرْتَفِعُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ وَرَثَتُهُ. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَا كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ) لِبَقَاءِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحِقُّ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمَعْقُودُ لَهُ بَطَلَتْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ أَوْ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِهِ وَبَقِيَتْ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله تَبْطُلُ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ أَيْضًا لِأَنَّ الشُّيُوعَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ فَيَكُونُ كَالْمُقَارِنِ قُلْنَا الشُّرُوطُ يُرَاعَى وُجُودُهَا فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الْبَقَاءِ كَالْهِبَةِ وَكَالشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ.

قَالَ رحمه الله (وَتَفْسَخُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَلَفِ شَيْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ أَيْضًا عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، وَلَيْسَ لَهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ رَدُّ جَمِيعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِيهِ إذْ الْمَبِيعُ عَيْنٌ تَبْقَى وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَلَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَيُحْتَمَلُ الْفَسْخُ بِالْإِقَالَةِ فَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ كَالْبَيْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْخِيَارَ شَرَعَ فِي الْبَيْعِ لِلتَّرَوِّي حَتَّى إذَا كَانَ فِيهِ غَبْنٌ وَخَسَارَةٌ يُفْسَخُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَقَعُ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ تَأَمُّلٍ فَيُمْكِنُ أَنْ تُصَادِفَ غَيْرَ مُوَافِقٍ فَيُحْتَاجُ إلَى إزَالَتِهِ فَيَجُوزُ لَهُ اشْتِرَاطُهُ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بَغْتَةً بَلْ يَتَقَدَّمُهُ السَّوْمُ وَالتَّأَمُّلُ فِي الْمُوَافِقِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّرَوِّي بَعْدَهُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَلَا يُفِيدُ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِعُيُوبٍ مُضِرَّةٍ كَالْبَيْعِ وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ وَبِخِلَافِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ فِيهِمَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدُ فِيهِمَا مُوجِبٌ لِلْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ، فَكَذَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِلضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ فَلَا ضَرُورَةَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلضَّرُورَةِ وَفِي الْبَيْعِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِهِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ هَلَاكَ بَعْضِ الْمَعْقُودِ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ الْفَسْخِ وَلَا الْمُضِيِّ فِيهَا وَلِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْمَنَافِعِ يَقَعُ مُتَفَرِّقًا؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَنْفَعَةِ مُسْتَحَقًّا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ إذْ هُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا مُلِكَ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ قَالَ رحمه الله (وَالرُّؤْيَةِ) أَيْ تُفْسَخُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَيْضًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ مَا لَمْ يَرَهُ لِلْجَهَالَةِ قُلْنَا الْجَهَالَةُ إنَّمَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَيْهَا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِقْهُ يَرُدُّهُ فَلَا يَمْتَنِعُ الْجَوَازُ، ثُمَّ إذَا رَآهُ ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَا رِضَا بِدُونِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» وَالْإِجَارَةُ شِرَاءُ الْمَنَافِعِ فَيَتَنَاوَلُهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لَفْظًا أَوْ دَلَالَةً.

قَالَ رحمه الله (وَ) تَنْفَسِخُ (بِالْعُذْرِ وَهُوَ عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجَبِهِ) أَيْ مُوجَبِ الْعَقْدِ (إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ) أَيْ بِالْعَقْدِ (كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَقْلَعَ ضِرْسَهُ فَسَكَنَ الْوَجَعُ أَوْ لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامَ الْوَلِيمَةِ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ أَوْ حَانُوتًا لِيَتَّجِرَ فَأَفْلَسَ أَوْ آجَرَهُ وَلَزِمَهُ دَيْنٌ بِعِيَانٍ أَوْ بِبَيَانٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِسَفَرٍ فَبَدَا لَهُ مِنْهُ لَا لِلْمُكَارِي)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِالْإِعْذَارِ إلَّا بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ وَمَذْهَبُ شُرَيْحٍ أَنَّ الْإِجَارَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا؛ لِأَنَّهَا أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ كَالْعَارِيَّةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّ فَوَاتَ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ الرَّدَّ دُونَ الْإِجَارَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الْمَبِيعِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ اهـ.

(قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي فِي بَابِ إجَارَةِ الدُّورِ وَالْبُيُوتِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً فَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ حَتَّى مَضَى شَهْرٌ، وَقَدْ طُلِبَ إلَيْهِ التَّسْلِيمُ أَوْ لَمْ يُطْلَبْ ثُمَّ تَحَاكَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبْضِ فِي بَاقِي السَّنَةِ وَلَا لِلْمُؤَاجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّسْلِيمِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ إذَا هَلَكَ بَعْضُهُ حَيْثُ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي الْبَاقِي، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ فَإِذَا هَلَكَ بَعْضُهُ تَعَيَّبَ الْبَاقِي أَمَّا هَاهُنَا فَالْعَقْدُ مُتَعَدِّدٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ فَانْفِسَاخُهُ فِيمَا مَضَى لَا يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ الْفَسْخِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَمَذْهَبُ شُرَيْحٍ أَنَّ الْإِجَارَةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تُفْسَخُ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَيْضًا كَذَا ذَكَرَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ شُرَيْحٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي.

(فَرْعٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يَبِيعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ حَقُّ الِانْتِفَاعِ فَلَوْ نَفَّذْنَا الْبَيْعَ أَبْطَلْنَا حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَحُبِسَ بِهِ فَبَاعَة فَهَذَا عُذْرٌ وَبَيْعُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ عَنْ عُهْدَةِ الدَّيْنِ إلَّا بِبَيْعِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الْكَافِي، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ آجَرَ دَارِهِ ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فِيهَا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا قَالَا لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْعُ الْمُشْتَرِي فِيهَا وَنَقْضُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ فِيهَا، فَإِنْ نَقَضَهُ كَانَ مُنْتَقِضًا وَلَمْ يَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْهُ حَتَّى فَرَغَتْ الدَّارُ مِنْ الْإِجَارَةِ تَمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْبَيْعُ فِيهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْقَدِيمُ وَرَوَى عَنْهُ أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ قَالَ لَا سَبِيلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إلَى نَقْضِ الْبَيْعِ فِيهَا وَالْإِجَارَةُ فِيهَا كَالْعَيْبِ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِهِ فَقَدْ بَرِئَ الْبَائِعُ مِنْهُ وَلِلْمُشْتَرِيَّ قَبْضُ

ص: 145

وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةِ اللُّزُومِ فَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْفَسْخِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالْعَارِيَّةِ قُلْنَا هِيَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَلْزَمُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْبَيْعِ وَكَوْنُهُ أُجِيزَ لِلْحَاجَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ السَّلَمَ أُجِيزَ لِلْحَاجَةِ وَيَلْزَمُ إذَا وَقَعَ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةُ فَإِنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، ثُمَّ الْمَنَافِعُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ فِي الْإِجَارَةِ فَصَارَ الْعُذْرُ فِيهَا كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ فَيَنْفَسِخُ بِهِ إذْ الْمَعْنَى يَجْمَعهُمَا وَهُوَ عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِهِ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْعُذْرِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عُذْرٌ ظَاهِرٌ وَفِي الْمُضِيِّ فِيهَا ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَوْقَ ضَرَرِ الْعَيْبِ فَيَجُوزُ لَهُ الْفَسْخُ، وَهَذَا لِأَنَّ جَوَازَ هَذَا الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ وَلُزُومُهُ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الضَّرَرِ أَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ فَقُلْنَا الْعَقْدُ فِي حُكْمِ الْمُضَافِ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْإِضَافَةُ فِي عُقُودِ التَّمْلِيكَاتِ تَمْنَعُ اللُّزُومَ فِي الْحَالِ كَالْوَصِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عُذْرٌ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهِ تَنْتَقِضُ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْفَرِدُ الْعَاقِدُ بِالْفَسْخِ، وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْأَمْرَ يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَفْسَخَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ

وَمِنْهُمْ مَنْ وَفَّقَ فَقَالَ إذَا كَانَ الْعُذْرُ ظَاهِرًا انْفَسَخَ وَإِلَّا فَيَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ قَاضِيخَانْ وَالْمَحْبُوبِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْعُذْرُ الظَّاهِرُ مِثْلُ اسْتِئْجَارِ الْحَدَّادِ لِقَلْعِ الضِّرْسِ، ثُمَّ سَكَنَ الْوَجَعُ، أَوْ الطَّبَّاخِ لِيَطْبُخَ لِلْوَلِيمَةِ ثُمَّ خَالَعَ الْمَرْأَةَ وَقَوْلُهُ أَوْ آجَرَهُ وَلَزِمَهُ دَيْنٌ أَيْ آجَرَ الدُّكَّانَ، ثُمَّ لَزِمَهُ دَيْنٌ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ إلَّا مِنْ ثَمَنِ مَا آجَرَ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ فَسْخِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَبِيعُ الدَّارَ أَوَّلًا فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ ضِمْنًا لِبَيْعِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ أَوَّلًا ثُمَّ يَبِيعُ. قَوْلُهُ وَلَزِمَهُ دَيْنٌ بِعِيَانٍ أَوْ بِبَيَانٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ إذْ بِالْكُلِّ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ فَيَتَضَرَّرُ وَقَوْلُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلسَّفَرِ فَبَدَا لَهُ مِنْهُ لِلْمُكَارِي أَيْ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يُسَافِرَ يُعْذَرُ، وَلَوْ بَدَا لِلْمُكَارِي لَا يُعْذَرُ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ بِالسَّفَرِ يَلْزَمُهُ مَشَقَّةٌ وَضَرَرٌ وَرُبَّمَا يَفُوتُ مَا يُسَافِرُ لِأَجْلِهِ كَالْحَجِّ وَطَلَبِ الْغَرِيمِ، وَالْمُكَارِي لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الضَّرَرُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْعُدَ وَيَبْعَثَ عَلَى يَدِ تِلْمِيذِهِ أَوْ أَجِيرِهِ، وَكَذَا لَوْ مَرِضَ لِمَا ذَكَرْنَا وَرَوَى الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُشْفِقُ عَلَى دَابَّتِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الدَّارِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِذَلِكَ كَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ فِيهَا لِلْعَيْبِ الَّذِي وَجَدَهُ بِهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ وَاَلَّذِي يَرْوِيهِ مُحَمَّدٌ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ نَقْضُ الْبَيْعِ وَلَكِنَّهُ إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ كَانَ فِي ذَلِكَ إبْطَالُ مَا بَقِيَ مِنْ إجَارَتِهِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ إنَّمَا رَوَاهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ غَيْرُهُ. إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ

وَمَنْ آجَرَ دَارِهِ ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ فِيمَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي حَتَّى أَنَّ الْمُدَّةَ لَوْ انْقَضَتْ كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْأَخْذِ إلَّا إذَا طَالَبَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَفَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ جَائِزًا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَجَازَ الْبَيْعَ جَازَ وَبَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ، وَلَوْ فَسَخَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا حَتَّى أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا انْقَضَتْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ فَإِذَا نَقَضَ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ نَقْضُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةُ فِيهَا كَالْعَيْبِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ بِالْإِجَارَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَهُ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْإِقْرَارِ إذَا أَقَرَّ بِدَارِهِ لِرَجُلٍ بَعْدَ مَا آجَرَهَا فَإِنَّ إقْرَارَهُ يَصِحُّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْكَافِي رُجْحَانُ الْقَوْلِ السَّابِقِ عَلَى هَذَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجُمْلَةُ هَذَا مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ قَالَ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى بَغْدَادَ وَهِيَ بِعَيْنِهَا ثُمَّ بَدَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَقْعُدَ فَلَا يَخْرُجُ فَهَذَا عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَتَعَلَّقُ مَصْلَحَتُهُ بِالسَّفَرِ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَإِذَا وَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ بِدُونِهِ فَيَكُونُ عُذْرًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الْخُرُوجَ فِي طَلَبِ غَرِيمٍ لَهُ أَوْ عَبْدٍ آبِقٍ فَرَجَعَ يَعْنِي الْغَرِيمُ أَوْ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْدَفَعَتْ، وَكَذَا لَوْ مَرِضَ أَوْ لَزِمَهُ غَرِيمٌ أَوْ خَافَ أَمْرًا أَوْ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ أَوْ أَصَابَهَا شَيْءٌ لَا يَسْتَطِيعُ الرُّكُوبَ مَعَهُ كَانَ هَذَا عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَحَلِّ الْمُسْتَأْجَرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرْت لَك وَأَرَادَ رَبُّ الدَّابَّةِ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ، وَإِنْ عَرَضَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ مَرَضٌ لَا يَسْتَطِيعُ الشُّخُوصَ فِيهِ مَعَ دَابَّتِهِ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ رَسُولًا يَتْبَعُ الدَّابَّةَ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ غَرِيمُهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ يَقَعُ بِالدَّابَّةِ وَلَا مَانِعَ فِي حَقِّهَا، وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ مُمْكِنٌ فَانْتَفَى الضَّرَرُ فَبَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى مَا كَانَ، وَإِنْ عَطِبَتْ كَانَ هَذَا عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ يُعَجِّزُهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِعَيْنِهَا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ هَذَا عُذْرًا؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ تَسْلِيمِ دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا لَا يَكُونُ عَجْزًا عَنْ تَسْلِيمِ دَابَّةٍ مُطْلَقَةٍ فَيُؤْمَرُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِدَابَّةٍ يَحْمِلُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْعَمَلَ اهـ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ) رَوَى الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ

ص: 146

مِثْلَهُ وَهُوَ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْرَضْ وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَيْسَ بِعُذْرٍ لِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَحْرَقَ حَصَائِدَ أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ مُسْتَعَارَةٍ فَاحْتَرَقَ شَيْءٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ هَذَا تَسْبِيبٌ وَشَرْطُ الضَّمَانِ فِيهِ التَّعَدِّي وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَى سَهْمًا فِي مِلْكِهِ فَأَصَابَ إنْسَانًا حَيْثُ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ عِلَّةٌ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهَا بِعُذْرٍ وَالتَّسَبُّبُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدِّي لِيَلْتَحِقَ بِالْعِلَّةِ، وَإِحْرَاقُ الْحَصَائِدِ فِي مِثْلِهِ مُبَاحٌ فَلَا يُضَافُ التَّلَفُ إلَيْهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رحمه الله هَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ هَادِيَةً حِينَ أَوْقَدَ النَّارَ، ثُمَّ تَحَرَّكَتْ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي تَحْرِيكِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ مُضْطَرِبَةً يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فَلَا يُعْذَرُ فَيَضْمَنُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ جَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْوَضْعِ، وَلَوْ رَفَعَتْهُ الرِّيحُ إلَى شَيْءٍ فَأَحْرَقَتْهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ نَسَخَتْ فِعْلَهُ، وَلَوْ أَخْرَجَ الْحَدَّادُ الْحَدِيدَ مِنْ الْكِيرِ فِي دُكَّانِهِ فَوَضَعَهُ عَلَى الْعَلَاةِ وَضَرَبَهُ بِمِطْرَقَةٍ وَخَرَجَ شَرَارُ النَّارِ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ وَأَحْرَقَ شَيْئًا ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ يَضْرِبْهُ وَلَكِنْ أَخْرَجَ الرِّيحُ شَيْئًا فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا لَا تَحْتَمِلُهُ الْأَرْضُ فَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ جَارِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفِعًا فِيمَا فَعَلَ بَلْ كَانَ مُتَعَدِّيًا.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَقْعَدَ خَيَّاطٌ أَوْ صَبَّاغٌ فِي حَانُوتِهِ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ صَحَّ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَبِّلَ لِلْعَمَلِ إنْ كَانَ صَاحِبَ الدُّكَّانِ فَالْعَامِلُ أَجِيرُهُ بِالنِّصْفِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَعْضُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْعَمَلِ فَصَارَ كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَقَبِّلُ هُوَ الْعَامِلُ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِمَوْضِعِ جُلُوسِهِ مِنْ دُكَّانِهِ بِنِصْفِ مَا يَعْمَلُ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ أَيْضًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ وَلَيْسَتْ بِإِجَارَةٍ لِأَنَّ تَفْسِيرَ شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَتَوَلَّى الْعَمَلَ بِحَذَاقَتِهِ وَالْآخَرُ يَتَوَلَّى الْقَبُولَ بِوَجَاهَتِهِ وَإِذَا وَجَدْنَا لَهُ سَبِيلًا إلَى الْجَوَازِ وَهُوَ مُتَعَارَفٌ وَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ فَيَكُونُ الْعَمَلُ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا وَالْقَبُولُ جَائِزًا لَهُمَا إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمَا إلَّا تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالتَّقَبُّلِ وَالْآخَرِ بِالْعَمَلِ وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا وَرَاءَهُ فَأَمْكَنَنَا إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ فِي التَّقَبُّلِ وَالْعَمَلِ اقْتِضَاءً، وَلَوْ صَرَّحَا بِشَرِكَةِ التَّقَبُّلِ فَعَمِلَ أَحَدُهُمَا مَا قَبِلَهُ صَاحِبُهُ أَوْ مَا قَبِلَهُ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ لِعُذْرٍ بِهِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ كَانَتْ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَكَذَا هُنَا، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يُقْبَلُ، وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ فِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّ تَفْسِيرَ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا شَيْئًا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا وَلَيْسَ فِي هَذِهِ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ، وَإِنَّمَا هِيَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ صَحَّ وَلَهُ الْمَحْمَلُ الْمُعْتَادُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَحْمَلَ مَجْهُولٌ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الرَّاكِبُ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْمَحْمَلُ تَابِعٌ وَمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ يَزُولُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُعْتَادِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَرَ الْوِطَاءَ وَهُوَ الْمِهَادُ، وَالدُّثُرَ وَهُوَ مَا يُلْقِيهِ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمُرَادُ مَا يُلْقِيهِ الرَّاكِبُ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ رحمه الله (وَرُؤْيَتُهُ أَحَبُّ) أَيْ رُؤْيَةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ مَرِضَ الْمُؤَاجِرُ أَوْ أَصَابَ إبِلَهُ دَاءٌ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ إذَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا اهـ أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَحْرَقَ حَصَائِدَ أَرْضٍ إلَخْ) مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ أَيْ نُثِرَتْ عَنْ أَمَاكِنِهَا وَذُكِرَتْ هُنَا تَلَافِيًا لِمَا فَاتَ اهـ وُجِدَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا بِخَطِّ الشَّيْخِ الشِّلْبِيِّ رحمه الله.

(قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ هَادِيَةً) هَادِيَةٌ وَهَادِئَةٌ بِالْهَمْزِ مَعْنَاهُمَا سَاكِنَةٌ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله (قَوْلُهُ فَوَضَعَهُ عَلَى الْعَلَاةِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْعَلَاةُ السِّنْدَانُ وَالْجَمْعُ الْعُلَا وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ عَلَاةٌ تُشَبَّهُ بِهَا فِي صَلَابَتِهَا يُقَالُ نَاقَةٌ عَلَاةُ الْخَلْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَحْرَقَ شَيْئًا) أَيْ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ) وَالطَّحَاوِيُّ أَخَذَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْقِيَاسِ، وَقَالَ عِنْدِي الْقِيَاسُ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِحْسَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ فَالْعَامِلُ أَجِيرُهُ بِالنِّصْفِ) أَيْ بِنِصْفِ مَا يَتَقَبَّلُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (فَرْعٌ) وَفِي الْمُحِيطِ اشْتَرَطَ عُقْبَةً لِلْأَجِيرِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا اثْنَانِ يَنْزِلُ أَحَدُهُمَا وَيَرْكَبُ الْآخَرُ وَلَمْ يُبَيِّنَا مِقْدَارَ رُكُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ جَازَ لِلْعُرْفِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجُوزُ اكْتِرَاءُ الْعُقْبَةِ إلَّا مَضْمُونَةً فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ أَنْ يُبَيِّنَ مِقْدَارَ رُكُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالزَّمَانِ أَوْ الْفَرْسَخِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ اكْتِرَاءَ الْعُقْبَةِ أَيْ الظَّهْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ إذْ الْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ. اهـ. مِعْرَاجٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ اسْتَأْجَرَ بَعِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا إلَى مَكَّةُ لِيَحْمِلَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَحْمَلًا فِيهِ رَجُلَانِ وَمَا لَهُمَا مِنْ الْوِطَاءِ وَالدُّثُرِ فَرَآهُمَا وَلَمْ يَرَ الْوِطَاءَ وَعَلَى الْآخَرِ زَامِلَةٌ عَلَيْهِ كَذَا مَخْتُومًا مِنْ السَّوِيقِ وَمَا يَكْفِي مِنْ الْمَاءِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ وَمَا يَصْلُحُ مِنْ الْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَالْمَعَالِيقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَزْنَهُ أَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ مَكَّةَ مِنْ هَدَايَا مَكَّةَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ فَهُوَ فَاسِدٌ قِيَاسًا لِجَهَالَةِ الْحَمْلِ، وَجَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ جَرَى بِهِ وَيَحْمِلُ قِرْبَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ وَإِدَاوَتَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ. كَذَا فِي الشَّامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ وَجَازَ اسْتِحْسَانًا أَيْ لِلتَّعَارُفِ وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَحْمَلِ وَالْوِطَاءِ وَالدُّثُرِ وَالْمَعَالِيقِ وَتَقْدِيرِ الزَّادِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ قَالَهُ الْكَاكِيُّ رحمه الله.

(قَوْلُهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ) أَيْ أَنَّ أَجْسَامَ النَّاسِ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْغَالِبِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ يَزُولُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُعْتَادِ) أَيْ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يُرَ الْوِطَاءُ) يَعْنِي يَجُوزُ الْعَقْدُ اسْتِحْسَانًا. اهـ. وَالْوِطَاءُ الْفُرُشُ الْمَفْرُوشَةُ. اهـ. كَاكِيٌّ

ص: 147

الْمُكَارِي الْمَحْمَلَ أَجْوَدُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْجَهَالَةِ وَأَقْرَبُ إلَى الْعِلْمِ بِتَحَقُّقِ الرِّضَا مِنْهُ.

قَالَ رحمه الله (وَلِمِقْدَارٍ زَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ رَدَّ عِوَضَهُ) أَيْ إنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مِقْدَارًا مِنْ الزَّادِ فَأَكَلَ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ رَدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ؛ لِأَنَّ عُرْفَ الْمُسَافِرِينَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الزَّادَ وَلَا يَرُدُّونَ بَدَلَهُ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى التَّعَارُفِ بِخِلَافِ الْمَاءِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ إذَا نَفَذَ مَا عِنْدَهُ لِأَنَّ الْعُرْفَ بَيْنَهُمْ جَرَى بِرَدِّهِ عِنْدَ نَفَاذِهِ وَلَنَا أَنَّهُ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ حِمْلًا مُقَدَّرًا فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ وَصَارَ كَالْمَاءِ، وَالْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّ بَعْضَ الْمُسَافِرِينَ يَرُدُّونَ فَلَا يَلْزَمُنَا عُرْفُ الْبَعْضِ أَوْ يُحْمَلُ فِعْلُ مَنْ لَا يَرُدُّ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً، وَلِهَذَا يَرُدُّهُ بَعْضُهُمْ وَهُمْ الْمُحْتَاجُونَ إلَيْهِ.

قَالَ رحمه الله (وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَفَسْخُهَا وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالْإِيصَاءُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَةُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالْوَقْفُ مُضَافًا) أَيْ مُضَافًا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ وَالْمَنَافِعُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا فِي الْحَالِ فَتَكُونُ مُضَافَةً ضَرُورَةً، وَلِهَذَا قُلْنَا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ وَحُدُوثِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ وَفَسْخُهَا مُعْتَبَرٌ بِهَا فَتَجُوزُ إضَافَتُهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا لَمْ يَجُزْ إضَافَتُهُ لَا يَجُوزُ إضَافَةُ فَسْخِهِ أَيْضًا إلَى الزَّمَانِ وَهُوَ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِهِ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَهِيَ الْمُسَاقَاةُ إجَارَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ يُجِيزُهُمَا يُجِيزُهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا إجَارَةٌ فَيَجُوزُ إضَافَتُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَالْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَجُوزُ إضَافَتُهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَالْكَفَالَةُ الْتِزَامٌ لِلْمَالِ ابْتِدَاءً فَيَجُوزُ إضَافَتُهَا وَتَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَالنَّذْرِ لَكِنْ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ بَلْ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا، وَالْإِيصَاءُ وَهُوَ إقَامَةُ الشَّخْصِ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ وَهِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَكُونَانِ إلَّا مُضَافَيْنِ إذْ الْإِيصَاءُ فِي الْحَالِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا جُعِلَ مَجَازًا عَنْ الْوَكَالَةِ وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَةُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ وَإِضَافَتُهُمَا إلَى الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْلِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ مَحْضٌ فَجَازَ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «أَمَرَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، ثُمَّ قَالَ إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ رحمه الله (لَا الْبَيْعُ وَإِجَازَتُهُ وَفَسْخُهُ وَالْقِسْمَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْهِبَةُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ وَإِبْرَاءُ الدَّيْنِ) يَعْنِي هَذِهِ الْأَشْيَاءُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ رَدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ) أَيْ وَكَذَا غَيْرُ الزَّائِدِ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ)، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا أُطْلِقَ، أَمَّا إذَا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ يُسْتَبْدَلُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ شَرَطَ عَدَمَ الِاسْتِبْدَالِ لَا يُسْتَبْدَلُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ سَرَقَ أَوْ هَلَكَ بِغَيْرِ أَكْلٍ أَوْ بِأَكْلٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ يُسْتَبْدَلُ بِلَا خِلَافٍ اهـ كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ). قُلْت وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ هُوَ الْمُرَادُ بِإِضَافَتِهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إضَافَةُ الْعَقْدِ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ كَأَنْ يَقُولَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ غَدًا شَهْرًا بِكَذَا أَوْ يَقُولَ وَهُوَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ مَثَلًا آجَرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَنَةً بِعَشْرَةٍ أَوْ قَالَ وَهُوَ فِي رَجَبٍ أَوْ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ آجَرْتُك دَابَّتِي هَذِهِ رَأْسَ شَعْبَانَ شَهْرًا بِكَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ فَاخْتَارَ الشَّيْخُ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمُضَافَةَ لَا تَجُوزُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ إضَافَةُ الْإِجَارَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ جَائِزَةٌ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ الْمُخْتَارُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَكَذَا قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فَلَوْ أَرَادَ نَقْضَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ النَّقْضُ وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ. وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقٌّ فِي هَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ بِالتَّعْجِيلِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ فِيمَا بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَالْآجِرُ بِالنَّقْضِ يُرِيدُ إبْطَالَ الْعَقْدِ الْمُنْعَقِدِ حَقًّا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ بِالتَّعْجِيلِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ وَإِذَا بَاعَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ فِي الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي رَهْنِ الْجَامِعِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ الْمُضَافَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ الْمُضَافَةُ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ. اهـ. شَرْحُ الْوِقَايَةِ لِلشَّيْخِ قَاسِمٍ رحمه الله

1 -

(قَوْلُهُ وَفَسْخُهَا مُعْتَبَرٌ بِهَا فَتَجُوزُ إضَافَتُهُ) قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ. قُلْت إذَا كَانَ الْمَعْنِيّ بِإِضَافَتِهَا أَنَّهَا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى مَا ذُكِرَ فَلَا يَصِحُّ إذْ فَسْخُهَا يُعْتَبَرُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا وَاَلَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ سَابِقًا، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى الشَّارِحِ رحمه الله وَأَقُولُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ أَوَّلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَيْ مُضَافًا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا إلَى قَوْلِهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ إنَّمَا هُوَ اسْتِيضَاحٌ مِنْهُ لِصِحَّةِ إضَافَةِ الْإِجَارَةِ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ جَوَازِ الْإِجَارَةِ لِكَوْنِ الْمَنَافِعِ مَعْدُومَةً لَكِنْ اُسْتُحْسِنَ جَوَازُهَا وَصَارَ الْعَقْدُ مُضَافًا إلَى حُدُوثِ الْمَنَافِعِ فَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلِذَا قَالُوا إنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِي حُكْمِ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَمَا أَوْضَحَهُ الشَّارِحُ رحمه الله عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِجَارَةَ فِي حُكْمِ عُقُودٍ لِانْعِقَادِهَا سَاعَةً فَسَاعَةً وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُضَافَةٌ فَلَا خَفَاءَ حِينَئِذٍ فِي جَوَازِ إضَافَتِهَا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ بَانَ لَك أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ الَّتِي أَرَادَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا كَيْفَ وَالشَّارِحُ يُصَرِّحُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِضَافَةُ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فَافْهَمْ تَرْشُدْ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَقَاصِدَهُ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ.

ص: 148